المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الثانية: التشكيك في نزول الوحي - السيرة النبوية في دائرة المعارف البريطانية

[وليد بن بليهش العمرى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌أولا: الموسوعة البريطانية: تاريخ وأرقام

- ‌مدخل

- ‌أ - السياسة التحريرية لموسوعة البريطانية

- ‌ب- مادة محمد في الموسوعة البريطانية:

- ‌ثانيا: منهج مونتقمري وات في دراسة السيرة النبوية

- ‌ثالثا: قراءة مادة "محمد: النبي ورسالته

- ‌مدخل

- ‌الشبهة الأولى: التشكيك في المصادر العربية

- ‌الشبهة الثانية: التشكيك في نزول الوحي

- ‌الشبهة الثالثة: التفسير المادي لوقائع السيرة

- ‌الشبهة الرابعة: دعوى تأثر الإسلام بالبيئة الوثنية

- ‌الشيهة الخامسة: دعوى خصوصية الإسلام للعرب

- ‌الشبهة السادسة: دعوى أن نبوغ الرسول السياسي وهمته العالية ساعدا على نشر دينه أكثر من كونه نبياً مؤيداً

- ‌الشبهة السابعة: التشكيك في طبيعة علاقة الرسول مع الأنصار

- ‌الشبهة الثامنة: دعوى اضطهاد الرسول لليهود الفاعلين في المجتمع المددني

- ‌الشبهة التاسعة: حمل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه مادي بفعي صرف

- ‌الشبهة العاشرة: التشكيك في مقدار اضطهاد مشركي مكة للمسلمين

- ‌الخاتمة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الشبهة الثانية: التشكيك في نزول الوحي

للملأ من أهل مكة؟ لقد أخبرنا العزيز الحكيم بما تم فعلا في هذا الاجتماع في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ( [الأنفال: 30] ، وإذا كان يعترف بأن هناك خطراً يهدد محمداً صلى الله عليه وسلم وأتباعه، فما هو هذا الخطر؟ ولماذا لا يكون الخطر هو محاولة الاغتيال؟ وكيف يفترض احتمال رجم محمد صلى الله عليه وسلم دون دليل؟ أو يشكك وات في المصادر الأولى بحجة أنها "لم تخل من الإضافات" ثم يأتي باحتمال لا نعرف من أين أتى به؛ ليوهم القارئ بأنه لم شتات ما بَعثر.

ص: 23

‌الشبهة الثانية: التشكيك في نزول الوحي

يزعم المستشرقون أن الوحي إنما هو استشعار داخلي ولكنه صادق، فهم لا يشككون بصدق شعور النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، ولكنهم يظنون إنما هو استشعار داخلي وقناعة ذاتية دون أن يكون هناك شيء خارجي اسمه الوحي (1) ، وأن كلمة "الوحي" لا تعني تلقي النص من الله سبحانه وتعالى بل تعني اقتراحاً أو إشارة suggestion أو تكلم ذهني intellectual locution.

وفي حوالي 610م بينما كان يتدبر في أمور كهذه تراءى لمحمد مخلوق ذو أبهة (قيل فيما بعد إنه الملك جبريل) وسمع صوتا يقول له: "أنت رسول الإله". وشكلت هذه بداية مهنته رسولاً من الإله ( [بالعربية] رسول الله) أو نبياً. ومن وقت لآخر تلقى، على فترات متتابعة، حتى موته "وحياً"،

(1) أكرم ضياء العمري، "موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية"، ص 60.

ص: 23

أي رسائل كلامية اعتقد أنها أتت مباشرة من الرب. وأحياناً بقيت هذه في ذاكرة محمد وأصحابه وأحياناً كتبت. وفي حوالي 650م جمعت وكتبت في القرآن (أو Koran كتاب الإسلام المقدس) في الصيغة التي بين أيدينا. ويؤمن [يعتقد] المسلمون بأن القرآن وحي إلهي كتب من كلام الرب نفسه (1) .

ونلاحظ في هذا الاقتباس الذي تفوح منه رائحة التشكيك أن كلمة "وحي" حصرت بين فاصلتين معقوفتين قبلها ومثلها بعدها أي ركِّنت. وهذه سنة متبعة في كتابات من يشككون في الوحي ممن ذكرنا آنفا يقصد بها التشكيك فيما بين الفواصل وتأكيده دون سواه في السياق الذي يرد فيه (2) .

ويخرج وات بهذه النتيجة من خلال تأثره بأقوال سابقيه وبفهمهم الخاطئ لمعنى كلمة وحي، فهم يقصرون معناه على حديث النفس للنفس ويزعمون بأن مصدره هو "اللاوعي الجماعي، الذي هو مصدر كل وحي ديني"(3) ، وعملاً بمنهجهم في اختلاق النتائج ولي أعناق الوقائع التاريخية وتقطيع أوصالها

(1) About ، as he reflected on such matters، Muhammad had a vision of a majestic being (later identified with the angel Gabriel) and heard a voice saying to him، “You are the Messenger of God.” This marked the beginning of his career as messenger (or apostle) of God (rasul Allah) ، or Prophet (nabi) . From this time، at frequent intervals until his death، he received “revelations” — that is، verbal messages that he believed came directly from God. Sometimes these were kept in memory by Muhammad and his followers، and sometimes they were written down. About they were collected and written in the Qur’an (or Koran، the sacred scriptures of Islam) ، in the form that has endured. Muslims believe the Qur’an is divine revelation، written in the words of God himself.

(2)

لمناقشة مستفيضة لفكرة "التركين" bracketing ووظائفها المختلفة انظر: وليد بليهش العمري، Social Semiotics for Translation Studies، ص 97- 101.

(3)

مونتقمري وات، Muhammad at Medina، ص 325.

ص: 24

للتوافق مع هذه النتائج، أوّلوا آي الكتاب وبخاصة الآيات 1-12 من سورة النجم، والآيات 22-28 من سورة التكوير، التي تتحدث عن إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقائه جبريل عليه السلام، حيث يقول وات: إن عدم ذكر اسم الملك يشكك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم له! ثم بعد ذلك يناقش باستفاضة أن كلمة "أوحى" تعني "اقترح"، ويستقرئ الروايات الإسلامية في ضوء هذا الزعم.

وإذا كان وات يرى هذا فما باله بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ( [الدخان:3]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} [القدر:1]، وقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، فهل كلمة أنزل تعني اقترح أيضا؟

وماذا سيقول وات وغيره من المستشرقين في آيات الإعجاز التي تشهد يوما بعد يوم أن القرآن ليس من عند رسول أمي عاش قبل ألف وأربعمائة سنة، فهل من حديث النفس للنفس أن ينزل الله سبحانه وتعالى وصفاً دقيقاً لمراحل نمو الجنين لم تهتد إلى مثل دقته البشرية بكل ما أوتيت من أنواع المعارف إلا في القرن التاسع عشر؟

وما رأي وات في المظاهر الحسية -التي ذكرتها الروايات المتواترة المنقولة عمن عاصروه صلى الله عليه وسلم من تفصُّد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرد، ومن ثقله الشديد الذي لا يحتمله بشر عادي أثناء نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم؟ ومن ذلك ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عندما كان فخذه تحت فخذ رسول الله

ص: 25