المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد … مدخل إلى البحث عرفت الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، معرفة - الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

[عبد الكريم الخطيب]

الفصل: ‌ ‌تمهيد … مدخل إلى البحث عرفت الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، معرفة

‌تمهيد

مدخل إلى البحث

عرفت الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، معرفة صحبة ملازمة، منذ نحو عشرين عاما، وكان ذلك في شهر فبراير سنة 1959 م حيث كنت قد انتزعت من بين أهلي في منتصف ليل التاسع من هذا الشهر، ثم ألقي بي في السجن الحربي نحو ثمانية أشهر بين زبانية هذا السجن الجهنمي، وما معهم من كلاب، وحيات يطلقونها على ضيوف هذا السجن الرهيب. وكانت محنة قاسية ضاقت بها نفسي، وخانني فيها صبري، وتغشتني فيها غواشي الوحشة المرة، والألم الأليم الممض.. وليس من عزاء إلا الرجاء في رحمة الله والطمع في فواضل رحمته وإحسانه. ذلك أني وقعت ليد باغية متسلطة، أعادت في مصر سيرة فرعون وجبروته الذي سجل عليه القرآن الكريم قولته الضالة الآثمة يهتف بها في قومه، من كرسي عرشه:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} 1 ثم يتبعها قولته الفاجرة: {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} 2.نعم لقد وقعت ليد فرعونية، إن لم يجهر صاحبها بادعاء الألوهية، فإن هذا الادعاء كان يعيش في ضميره ويتسلط على عقله، ويتحكم في أقواله وأفعاله.. فكلمته حكم، وأمره قضاء، ومشيئته قدر.. فكان نصيبي من هذه المحنة، هو نصيب كل مصري عاش

1 سورة النازعات آية: 24.

2 سورة القصص آية: 38.

ص: 114

تحت حكم هذا الفرعون، وإن اختلفت حظوظهم من تلك المحن الواقعة بهم.. فهم جميعا عند قول الشاعر:

من لم يمت بالسيف مات بغيره

تنوعت الأسباب والموت واحد

وأنه لا يأس من روح الله! ففي زحمة هذه الخواطر السوداء التي كانت تتعاوى في مشاعري كقطيع من ذئاب مسعورة تطلب صيدا، وتتربص بفريسة، رأيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يدخل علي في مزدحم هذه الخواطر، من غير معرفة سابقة به، ولا استدعاء له، إذ لم يكن له عندي إلا صورة باهتة من سيرته، عفى عليها النسيان وعلاها كثير من الغبار الذي أثاره في وجه دعوته كثير من أعداء الحق، وطلاب المناصب والجاه من علماء السوء.. نعم، دخل على خواطري في تلك الحال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رضي الله عنه جليسا مؤنسا، وإذا كل هذه الخواطر السوداء تتبدد، وتفر هاربة، وإذا الشيخ -رضوان الله عليه- يملأ فراغ نفسي، ويأخذ مكانا متمكنا من قلبي، وإذا برد السكينة والأمن يثلج صدري المهموم المحموم!! وأسأل نفسي: ما لهذا الشيخ بي؟ ولم يكن هو الطارق لباب وحدتي وهمومي، إن في الأمر سرا، لا بد أن تكشف عنه الأيام. ثم لقد غلبني النوم، فنمت بعد ليال لم أذق فيها للنوم طعما، وهل ينام من تعضه الكلاب وتنهشه الحيات، وتصك أذنيه صرخات المعذبين، وأنين الجرحى؟ وكان مساء، وكان صباح!! وما كدت استيقظ صباح ليلتي تلك، حتى وجدتني أعود إلى ترديد هذا السؤال ما لهذا الشيخ بي؟ وما شأنه معي؟ ومن لي في هذا السجن المطبق علي بأن أجد كتابا أو كتبا لأعرف شيئا أكثر وأصدق عن هذا الشيخ الذي لم أكن أعرف عنه إلا أخلاطا من الآراء المتضاربة المتناقضة، التي لم أقف عندها، ولم أعمل على تحقيقها وتمحيصها؟

ص: 115

وهكذا عشت فترة اعتقالي في السجن الحربي، وأنا مشغول بهذا الشيخ الذي لم تكد تفارقني أنفاسه ليلة واحدة خلال تلك الفترة. ثم خرجت من هذا السجن أو القبر إلى عالم متجهم لي، أنكرني فيه القريب وتجافاني الصديق؛ خوفا من أن تلحظه عين من تلك العيون المسلطة علي، تتبع خطواتي، وتتسمع همسي، وتختطف كل من تحدثه نفسه ببسمة للقائي، أو بهمسة عزاء في أذني. ومن أول يوم من خروجي إلى عالم ما وراء السجن الحربي، وأنا في لهفة إلى لقاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما كتب الكاتبون عن دعوته من أولياء وأعداء. وكان من هذا أن أخرجت للناس أول كتاب من سلسلة مؤلفاتي التي جاوزت الستين مؤلفا إلى يومي هذا.. وكان هذا الكتاب، أو الكتيب تحت عنوان: الدعوة الوهابية 1 محمد بن عبد الوهاب، العقل الحر، والقلب السليم. وكان هذا الكتاب فاتحة خير لي، وبركة علي، إذ فتح الله علي بعده بهذه المؤلفات العديدة، التي كانت ذكرى الشيخ تلازمني دائما أثناء إعدادها. وقد نشر هذا الكتيب عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رجب سنة 1379 هـ، الموافق يناير سنة 1960 م أي بعد أربعة أشهر من خروجي من السجن! فرحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة واسعة، وأجزى له المثوبة، بما هدى من ضلال، وما أزال من شبهات، وكشف من ظلمات، وبما مهد من طرق لدعاة الخير ومريدي الإصلاح.

1 نسبة الدعوة إلى الوهابية نسبة خطأ. لم أنتبه إليها في حينه، فما هي إلا دعوة إسلامية، مجددة لما اندثر أو كاد من معالم الإسلام، بما دخل عليه من بدع ومنكرات، لبس بها المسلمون أثواب الشرك.

ص: 116

هذا وقد أعيد طبع هذا الكتيب في ربيع الآخر 1394 هـ الموافق إبريل 1974 م، بعد أن التقيت في الرياض بالأستاذ الجليل سماحة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، حفيد الإمام صاحب الدعوة، الذي صحح لي بعض المفاهيم عن دعوة الشيخ الإمام، وكان قد اختلط علي بعضها، في مزدحم المقولات التي قيلت في الدعوة مما ينقض بعضها بعضا. فتقبلت هذه التصحيحات راضيا شاكرا، وأثبتها في صلب الكتاب -في طبعته الثانية تلك- وعلقت على بعضها بما رأيت من فهم لي. وها أنذا، أشرع في الكتابة عن الشيخ الإمام ودعوته، متناولا جانبا واحدا من جوانب دعوته، وهو جانب المتصدين لدعوته، المحاربين لها بالمفتريات والأباطيل، دفاعا عن سلطانهم القائم على العامة بهذه المفتريات وتلك الأباطيل.. وإذا كان الحق قد انتصر، وكشف الزمن عن صدق الدعوة وإخلاص الداعية وسقوط ادعاءات المدعين، وضلالات المضللين، الأمر الذي يغني عن النظر إلى هذه الترهات وتلك المفتريات -فإن من الخير- مع ذلك- أن نعيد عرض هذه المواقف التي وقفها علماء السوء من دعوة الحق؛ ليكون فيها الدرس النافع والعبرة الزاجرة لمن يقفون من دعوات الإصلاح هذا الموقف الذي تباع فيه الضمائر وتسترخص فيه القيم لقاء شيء من حطام هذه الدنيا من مال، أو جاه، أو سلطان!! وإذن فعلى بركة الله نمضي، وبعونه نستعين.

لاهم هب لي بيانا أستعين به

على قضاء حقوق نام قاضيها

وصلى الله على سيدنا محمد، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 117