المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ترك البحث والتنقير عن النظر في أمر المقدر كيف؟ ولم؟ بل الإيمان به والتسليم - الشريعة للآجري - جـ ٢

[الآجري]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ عَلَى كَمْ بُنِيَ الْإِسْلَامُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ عليهما السلام عَنِ الْإِسْلَامِ مَا هُوَ؟ وَعَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ؟ وَأَدْنَى الْإِيمَانِ مَا هُوَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا دَلَّ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

- ‌بَابُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْمَلُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الَّذِيَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَهُوَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ

- ‌بَابُ كُفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: مِنْ صِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ، مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ، لَا عَلَى جِهَةِ الشَّكِّ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ فِي الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّ خَوْفَ التَّزْكِيَةِ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاسْتِكْمَالِ لِلْإِيمَانِ، لَا يَدْرِي أَهُوَ مِمَّنْ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ كَرِهَ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ يَسْأَلُ لِغَيْرِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مُؤْمِنٌ؟ هَذَا عِنْدَهُمْ مُبْتَدِعٌ رَجُلُ سُوءٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: إِذَا قَالَ لَكَ رَجُلٌ: أَنْتَ مُؤْمِنٌ؟ فَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا

- ‌بَابٌ فِي الْمُرْجِئَةِ، وَسُوءِ مَذْاهَبِهِمْ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، أَحْمَدُهُ عَلَى تَوَاتُرِ نِعَمِهِ، وَقَدِيمِ إِحْسَانِهِ وَقَسْمِهِ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ فَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ، وَلَا يَسْمَعُونَهُ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ، لِأَنَّهُ مَقَتَهُمْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَهْدُونَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَهْدِيهِ قَالَ اللَّهُ عز وجل فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَ الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ يُضِلُّونَهُمْ وَلَا يُضِلُّونَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا يَضُرُّونَ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ لَا يَضُرُّونَ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَشِيئَةَ الْخَلْقِ تَبَعٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَهْتَدِيَ اهْتَدَى، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُضِلَّ لَمْ يَهْتَدِ أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ الْمُبَيِّنَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ، مَنْ شَاءَ خَلَقَهُ لِلْجَنَّةِ، وَمَنْ شَاءَ خَلَقَهُ لِلنَّارِ، فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ عَلَى الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِمَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ مِمَّا يَكُونُ أَبَدًا

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدَّرَ عَلَى آدَمَ عليه السلام الْمَعْصِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ السَّعِيدَ وَالشَّقِيَّ مَنْ كُتِبَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَبْدٍ الْإِيمَانُ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لَا يَصِحُّ لَهُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مِنْ رَدِّهِمَا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ ، وَإِنْكَارِهِمَا عَلَيْهِمْ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ عَنِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ صِنْفًا إِذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَنْ إِمَامُكُمْ فِي مَذْهَبِكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: الْحَسَنُ، وَكَذَبُوا عَلَى الْحَسَنِ، قَدْ أَجْلَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْحَسَنَ عَنْ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ عَنِ

- ‌ابْنُ سِيرِينَ

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

- ‌إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ

- ‌زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ

- ‌مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ

- ‌الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَغَيْرُهُمَا

- ‌مُجَاهِدٌ

- ‌جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ سِيرَةِ عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله فِي أَهْلِ الْقَدَرِ

- ‌بَابُ تَرْكِ الْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَنِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمُقَدَّرِ كَيْفَ؟ وَلِمَ؟ بَلِ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ

- ‌كِتَابُ التَّصْدِيقِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ عز وجل قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيلِ إِحْسَانِهِ ، وَدَوَامِ نِعَمِهِ حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَصَلِّ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى

- ‌فَمِمَّا رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ

- ‌وَمِمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

- ‌مِمَّا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَاهُ صُهَيْبٌ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌وَمِمَّا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ رضي الله عنه

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَضْحَكُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: رحمه الله: اعْلَمُوا وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِلرَّشَادِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يَصِفُونَ اللَّهَ عز وجل بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عز وجل ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم ، وَهَذَا

الفصل: ‌باب ترك البحث والتنقير عن النظر في أمر المقدر كيف؟ ولم؟ بل الإيمان به والتسليم

‌بَابُ تَرْكِ الْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَنِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمُقَدَّرِ كَيْفَ؟ وَلِمَ؟ بَلِ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ

ص: 935

531 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: نا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي

⦗ص: 936⦘

مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ سُئِلَ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ»

ص: 935

532 -

حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ أَبِي سَهْلٍ أَيْضًا قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ أَبُو عَمْرٍو قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ

⦗ص: 937⦘

عُمَرَ فَسُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ: «شَيْءٌ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَلَّا يُطْلِعَكُمْ عَلَيْهِ، فَلَا تُرِيدُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَبَى عَلَيْكُمْ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: هَذَا مَعْنَى مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رِسَالَتِهِ لِأَهْلِ الْقَدَرِ، قَوْلُهُ: فَلَئِنْ قُلْتُمْ: قَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ كَذَا وَكَذَا، يُقَالُ لَهُمْ: لَقَدْ قَرَءُوا مِنْهُ يَعْنِي الصَّحَابَةَ مَا قَدْ قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ، ثُمَّ قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ: كُلُّهُ كِتَابٌ وَقَدَرٌ، وَكَتَبَ الشِّقْوَةَ، وَمَا قُدِّرَ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، ثُمَّ رَغِبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا وَالسَّلَامُ

ص: 936

533 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا

⦗ص: 938⦘

وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ: " أَنَّ عُزَيْرًا سَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ: سَأَلْتَنِي عَنْ عِلْمِي، عُقُوبَتُكَ أَنْ لَا أُسَمِّيكَ فِي الْأَنْبِيَاءِ

ص: 937

534 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ نَوْفٍ قَالَ: " قَالَ عُزَيْرٌ فِيمَا يُنَاجِي بِهِ رَبَّهُ: يَا رَبِّ تَخْلِقُ خَلْقًا فَتُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُهْدِي مَنْ تَشَاءُ قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا عُزَيْرُ، أَعْرِضْ عَنْ هَذَا قَالَ: فَعَادَ فَقَالَ: يَا رَبِّ تَخْلِقُ خَلْقًا، فَتُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُهْدِي مَنْ تَشَاءُ قَالَ: قِيلَ لَهُ: يَا عُزَيْرُ، أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، {وَكَانَ

⦗ص: 940⦘

الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] فَعَادَ فَقَالَ: يَا عُزَيْرُ، لَتُعْرِضَنَّ عَنْ هَذَا أَوْ لَمَحَوْتُكَ مِنَ النُّبُوَّةِ، إِنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "

ص: 939

535 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ إِدْرِيسَ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَزْوِينِيُّ الصَّوَّافُ قَالَ: نا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: وَافَيْتُ الْمَوْسِمَ، فَلَقِيتُ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ذِكْرَ الْجَمَاعَةِ قَالَ: وَرَأَيْتُ طَاوُسًا الْيَمَانِيَّ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ: إِنَّ الْقَدَرَ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَدْخُلَنَّ فِيهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يُحَدِّثُ عَنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ فِرْعَوْنَ مُتَغَيِّرَ الْوَجْهِ، إِذِ اسْتَقْبَلَهُ مَلَكٌ مِنْ خَزَّانِ النَّارِ

⦗ص: 941⦘

، وَهُوَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ مُتَعَجِّبًا لِمَا قَالَ لِهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ: إِنَّ رَبَّكَ عز وجل أَرْسَلَكَ إِلَى فِرْعَوْنَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَنْ يُؤْمِنَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، فَدُعَائِي مَا هُوَ؟ قَالَ: امْضِ لِمَا أُمِرْتَ قَالَ صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُوسَى اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا مِنْ خَزَّانِ النَّارِ، وَقَدْ جَهَدْنَا عَلَى أَنْ نَسْأَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَأَوْحَى إِلَيْنَا أَنَّ الْقَدَرَ سِرُّ اللَّهِ، فَلَا تَدْخُلُوا فِيهِ "

ص: 940

536 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أنا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ:" أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ، أَوْ فِي الْكِتَابِ: أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَالِقُ الْخَلْقِ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَخَلَقْتُ مَنْ يَكُونُ الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ، فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِيَكُونَ الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِيَكُونَ الشَّرُّ عَلَى يَدَيْهِ "

ص: 941

537 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُسَافِعَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ " وَجَدُوا حَجَرًا حِينَ نَقَضُوا الْبَيْتَ فِيهِ ثَلَاثَةُ صُفُوحٍ، فِيهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُوَلِ، فَدَعَى لَهَا رَجُلٌ فَقَرَأَهَا ، فَإِذَا فِي صَفْحٍ مِنْهَا: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ صُغْتُها يَوْمَ صُغْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ، وَبَارَكْتُ لِأَهْلِهَا فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، وَفِي الصَّفْحِ الْآخَرِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَاشْتَقَقْتُ لَهَا مِنِ

⦗ص: 943⦘

اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ، وَفِي الصَّفْحِ الثَّالِثِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ كَانَ الشَّرُّ عَلَى يَدَيْهِ "

ص: 942

538 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: يُوسُفُ بْنُ سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: " حَجَجْتُ فَسَمِعْتُ رَجُلًا، يُلَبِّي يَقُولُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ مَكَّةَ لَقِيتُ سُفْيَانَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي سَمِعْتُ، فَمَا زَادَنِي عَلَى أَنْ قَالَ:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2]

ص: 943

539 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا قَطَنُ بْنُ نَسِيرٍ قَالَ: نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: نا أَبُو سِنَانٍ قَالَ: اجْتَمَعَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ بِمَكَّةَ فَقَالَ عَطَاءٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا كُتُبٌ بَلَغَنِي أَنَّهَا كُتِبَتْ عَنْكَ فِي الْقَدَرِ؟ فَقَالَ وَهْبٌ: وَمَا كَتَبْتُ كُتُبًا، وَلَا تَكَلَّمْتُ فِي الْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ وَهْبٌ: قَرَأْتُ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْهَا نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ ظَاهِرَةٌ فِي الْكَنَائِسِ، وَمِنْهَا نَيِّفُ وَعِشْرُونَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، فَوَجَدْتُ فِيهَا كُلَّهَا:«أَنْ مَنْ وَكَّلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَشِيئَةِ فَقَدْ كَفَرَ»

ص: 945

540 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: نا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَيْنَا يُكَذِّبُ بِالْقَدَرِ فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَيْهِ» وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَعْمَى فَقَالُوا: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ لَأَعَضَّنَّ أَنْفَهُ حَتَّى أَقْطَعَهُ، وَلَئِنْ وَقَعَتْ رَقَبَتُهُ فِي يَدِي لَأَدُقَّنَّهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِي بِهِمْ سُوءُ رَأْيِهِمْ حَتَّى يُخْرِجُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ الْخَيْرَ، كَمَا أَخْرَجُوهُ مِنْ أَنْ يُقَدِّرَ الشَّرَّ»

ص: 946

541 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ قَالَ: نا بَقِيَّةُ قَالَ: نا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: عِلْمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ، ثُمَّ كَتَبَهُ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]

ص: 947

542 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو أَنَسٍ مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَلْهَانِيُّ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلْقَهُ

⦗ص: 948⦘

اللَّهُ الْقَلَمُ، فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ قَالَ: فَكَتَبَ الدُّنْيَا وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ عَمَلٍ مَعْمُولٍ، بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ، رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ، فَأَحْصَاهُ عِنْدَهُ فِي الذِّكْرِ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] فَهَلْ تَكُونُ النَّسْخَةُ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَهَذَا طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَاقِعٌ مِنَ اللَّهِ بِمَقْدُورٍ جَرَى بِهِ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] وَأَمَّا الْحُجَّةُ فِي تَرْكِ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَا يُفَاتَحُونَ بِكَلَامٍ، وَلَا بِمُنَاظَرَةٍ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَتَبْكِيتِهِمْ، أَوْ يَسْتَرْشِدُ مِنْهُمْ مُسْتَرْشِدٌ لِلِاسْتِرْشَادِ فَيُرْشَدُ، وَيُوقَفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَيَحْذَرُ طَرِيقَ الْبَاطِلِ، فَلَا بَأْسَ بِالْبَيَانِ عَلَى هَذَا النَّعْتِ

⦗ص: 949⦘

، وَسَأَذْكُرُ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ

ص: 947

543 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: أنا الْمُقْرِئُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ

⦗ص: 950⦘

544 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: نا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، مِثْلَهُ سَوَاءً

ص: 949

545 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُجَالِسُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَيُسْرِدُ عَلَيْنَا مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، فَإِذَا طَلَعَ رَبِيعَةُ قَطَعَ يَحْيَى الْحَدِيثَ إِعْظَامًا لِرَبِيعَةَ، فَبَيْنَا نَحْنُ

⦗ص: 951⦘

يَوْمًا يُحَدِّثُنَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21] فَقَالَ لَهُ جَمِيلُ بْنُ نُبَاتَةَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَنَا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ السِّحْرَ مِنْ تِلْكِ الْخَزَائِنِ؟ فَقَالَ يَحْيَى: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا هَذَا مِنْ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِصَاحِبِ خُصُومَةٍ، وَلَكِنْ عَلَيَّ فَأَقْبِلْ أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إِنَّ السِّحْرَ لَا يَضُرُّ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَفَتَقُولُ أَنْتَ ذَلِكَ؟ فَسَكْتَ، فَكَأَنَّمَا سَقَطَ عَنَّا جَبَلٌ

ص: 950

546 -

أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ النَّاقِدُ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ

⦗ص: 952⦘

قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: رَجُلٌ زَنَى، فَقَالَ سَالِمٌ:«يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: اللَّهُ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: نَعَمْ قَالَ: " ثُمَّ أَخَذَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ الرَّجُلِ وَقَالَ: قُمْ "

ص: 951

547 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: نا أَيُّوبُ شَيْخٌ لَنَا قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ: طَرِيقٌ مُظْلِمٍ فَلَا تَسْلُكْهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ قَالَ: بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجْهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ قَالَ: سِرُّ اللَّهِ فَلَا تُكَلَّفْهُ، ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: فِي الْمَشِيئَةِ الْأُولَى أَقُومُ وَأَقْعُدُ وَأَقْبِضُ وَأَبْسُطُ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثِ خِصَالٍ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَكَ وَلَا لِمَنْ ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ

⦗ص: 953⦘

مَخْرَجًا، أَخْبِرْنِي أَخَلَقَكَ اللَّهُ لَمَّا شَاءَ أَوْ لَمَّا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ لَمَّا شَاءَ قَالَ: أَخْبِرْنِي أَفَتَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا شَاءَ أَوْ كَمَا شِئْتَ؟ قَالَ: لَا بَلْ كَمَا شَاءَ، قَالَ أَخْبِرْنِي أَخْلَقَكَ اللَّهُ كَمَا شَاءَ أَوْ كَمَا شِئْتَ؟ قَالَ: لَا بَلْ كَمَا شَاءَ قَالَ: فَلَيْسَ لَكَ مِنَ الْمَشِيئَةِ شَيْءٌ

ص: 952

548 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا طَاوُسٌ: " أَخِّرُوا مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا

ص: 953

549 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: نا

⦗ص: 954⦘

سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لَنَا طَاوُسٌ: " أَخِّرُوا مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْقَدَرِ

ص: 953

550 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ طَاوُسٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَمَرَّ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ قَائِلٌ لِطَاوُسٍ: هَذَا مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَعَدَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ، الْقَائِلُ مَا لَا تَعْلَمُ؟ قَالَ: إِنَّهُ يُكْذَبُ عَلَيَّ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَعَدَلْتُ مَعَ طَاوُسٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ طَاوُسٌ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ: الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ قَالَ: أَرُونِي بَعْضَهُمْ، قُلْنَا: صَانِعٌ مَاذَا؟ قَالَ: " إِذًا أَضَعُ يَدِي فِي رَأْسِهِ فَأَدُقُّ عُنُقَهُ

ص: 954

551 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاهِينَ قَالَ: نا

⦗ص: 955⦘

عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: نا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَعَمِّي يَقُولَانِ: سَمِعْنَا الْحَسَنَ: «يَنْهَى عَنْ مُجَالَسَةِ، مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ» ، وَيَقُولُ:«لَا تُجَالِسُوهُ» ، قَالَ: وَقَالَ أَبِي: لَا أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ غَيْرَ مَعْبَدٍ، وَرَجُلٍ مِنَ الْأَسَاوِرَةِ يُقَالُ لَهُ شِيشَنْوَيْهِ

ص: 954

552 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى قَالَ: نا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْمَكِّيِّ قَالَ: لَقِيتُ غَيْلَانَ بِدِمَشْقَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلُونِي فِي أَنْ أُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اجْعَلْ لِي عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ أَلَّا تَغْضَبَ، وَلَا تَجْحَدَ، وَلَا تَكْتُمَ قَالَ: فَقَالَ: ذَلِكَ لَكَ، فَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، هَلْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْءٌ قَطُّ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لَمْ يَشَأْهُ اللَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ حِينَ كَانَ؟ قَالَ غَيْلَانُ: اللَّهُمَّ لَا، قُلْتُ: فَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادِ كَانَ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ أَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ غَيْلَانُ: بَلْ عِلْمُهُ كَانَ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ، قُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ كَانَ عِلْمُهُ بِهِمْ مِنْ دَارٍ كَانُوا فِيهَا قَبْلَهُ جَبَلَهُمْ فِي تِلْكَ الدَّارِ غَيْرُهُ؟ وَأَخْبَرَهُ الَّذِي جَبَلَهُمْ هُوَ فِي الدَّارِ عَنْهُمْ غَيْرُهُ؟ أَمْ مِنْ دَارٍ جَبَلَهُمْ هُوَ فِيهَا؟ وَخَلَقَ لَهُمُ الْقُلُوبَ الَّتِي يَهْوُونَ بِهَا الْمَعَاصِي؟ قَالَ

⦗ص: 957⦘

غَيْلَانُ: بَلْ مِنْ دَارٍ جَبَلَهُمْ فِيهَا، وَخَلَقَ لَهُمُ الْقُلُوبَ الَّتِي يَهْوُونَ بِهَا الْمَعَاصِي، قُلْتُ: وَهَلْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُطِيعَهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ؟ قَالَ غَيْلَانُ: نَعَمْ، قُلْتُ: انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: هَلْ مَعَهَا غَيْرُهَا قُلْتُ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ إِبْلِيسُ يُحِبُّ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ جَمِيعُ خَلْقِهِ؟ قَالَ: فَلَمَّا عَرَفَ الَّذِي أُرِيدَ سَكَتَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا

ص: 956

553 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: " حَسِيبُ غَيْلَانَ اللَّهُ، لَقَدْ تَرَكَ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي مِثْلِ لُجَجِ الْبِحَارِ

ص: 957

554 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا نَصْرٌ قَالَ: نا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ: «وَيْحَكَ يَا غَيْلَانُ لَا تَمُوتُ إِلَّا مَفْتُونًا» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَنْ أَئِمَّةُ الْقَدَرِيَّةِ فِي مَذَاهِبِهِمْ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ، وَأَئِمَّتُهُمْ فِي مَذَاهِبِهِمُ الْقَدَرِيَّةُ: مَعْبَدُ الْجُهَنِيُّ بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، وَقَبْلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، فَأَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ الْقَدَرَ، كَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رحمه الله، وَأَخَذَ غَيْلَانُ عَنْ مَعْبَدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَصَّةِ غَيْلَانَ، وَمَا عَجَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَمَا ذَمَّهُ الْعُلَمَاءُ وَهَجَرُوهُ وَكَفَّرُوهُ، هَؤُلَاءِ أَئِمَّتُهُمُ

⦗ص: 959⦘

الْأَنْجَاسُ وَالْأَرْجَاسُ

ص: 958

555 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: " أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِالْقَدَرِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ: سَوْسَنُ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، فَأَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، وَأَخَذَ غَيْلَانُ عَنْ مَعْبَدٍ

ص: 959

556 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: نا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ فَقَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ يُتَّهَمُ بِالْقَدَرِ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ مَعْبَدٌ

⦗ص: 960⦘

الْجُهَنِيُّ، فَعَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَوَاتِقِ اللَّائِي لَا يَعْرِفْنَ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى "

ص: 959

557 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُولُ: " أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ وَأَبُو يُونُسَ الْأُسْوَارِيُّ

ص: 960

558 -

وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَمِّهِ سَمِعَهُمَا يَقُولَانِ: سَمِعْنَا الْحَسَنَ " وَهُوَ يَنْهَى عَنْ مُجَالَسَةِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ يَقُولُ: لَا تُجَالِسُوهُ فَإِنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الْقَدَرِيَّ لَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ وَفَّقْنِي، وَلَا

⦗ص: 961⦘

يَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي، وَلَا يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إِلَيْهِ، إِنْ شَاءَ أَطَاعَ وَإِنْ شَاءَ عَصَى، فَاحْذَرُوا مَذَاهِبَهُمْ لَا يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ

ص: 960

559 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ، يَقُولُ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ الْهَيْثَمِ الرَّقَاشِيُّ، خَلْفَ الرَّبِيعِ بْنِ بَرَّةَ قَالَ مُعَاذٌ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَنَّهُ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ مَرَّةً أُخْرَى، فَصَلَّى خَلْفَهُ قَالَ: فَقَعَدْتُ أَدْعُو فَقَالَ: لَعَلَّكَ مِمَّنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي؟ قَالَ: مُعَاذٌ: فَأَعَدْتُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ بَرَّةَ هَذَا قَدَرِيًّا، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ عِنْدَهُمْ

ص: 961

560 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَ

⦗ص: 962⦘

بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: خَرَجْتُ فِي سَفِينَةٍ إِلَى الْأُبُلَّةِ أَنَا وَقَاضِيهَا هُبيَرْةُ بْنُ الْعُدَيْسِ قَالَ: وَصَحَبَنَا فِي السَّفِينَةِ مَجُوسٌ وَقَدَرِيُّ قَالَ: فَقَالَ الْقَدَرِيُّ لِلْمَجُوسِيِّ: أَسْلِمْ قَالَ: فَقَالَ الْمَجُوسِيُّ حِينَ يُرِيدُ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ الْقَدَرِيُّ: اللَّهُ يُرِيدُ وَالشَّيْطَانُ لَا يَدَعُكَ قَالَ: يَقُولُ الْمَجُوسِيُّ: أَرَادَ اللَّهُ، وَأَرَادَ الشَّيْطَانُ، فَكَانَ مَا أَرَادَ الشَّيْطَانُ، هَذَا شَيْطَانٌ قَوِيُّ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: هَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ عَنِ الْقَدَرِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، ثُمَّ فَسَّرَهُ لَنَا الْفِرْيَابِيُّ هَذَا الْمَعْنَى وَنَحْوَهَ

ص: 961

561 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ: قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَسْأَلَةٌ يُقْطَعُ بِهَا الْقَدَرِيُّ يُقَالُ لَهُ أَخْبِرْنَا: " أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعِبَادِ أَنْ يُؤْمِنُوا فَلَمْ يَقْدِرْ، أَوْ قَدَرَ فَلَمْ يُرِدْ؟ فَإِنْ قَالَ: قَدَرَ وَلَمْ يُرِدْ، قِيلَ لَهُ

⦗ص: 963⦘

: فَمَنْ يَهْدِي مَنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ؟ وَإِنْ قَالَ: أَرَادَ، فَلَمْ يَقْدِرْ، قِيلَ لَهُ: لَا يَشُكُّ جَمِيعُ الْخَلْقِ أَنَّكَ قَدْ كَفَرْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ "

ص: 962

562 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غِيَاثٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُغَسِّلُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ قَالَ: فَتَفَرَّقُوا عَنِّي، فَبَقِيتُ وَحْدِي فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِأَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: فَانْتَفَضَ حَتَّى سَقَطَ عَنْ دَفِّهِ قَالَ: فَلَمَّا دَفَنَّاهُ عِنْدَ بَابِ الشَّرْقِيِّ فَرَأَيْتُهُ فِي لَيْلَتِي تِلْكَ فِي مَنَامِي، كَأَنِّي مُنْصَرِفٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، إِذِ الْجِنَازَةُ فِي السُّوقِ يَحْمِلُهَا حَبَشِيَّانِ رِجْلَاهَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: فُلَانٌ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ دَفَنَّاهُ عِنْدَ بَابِ الشَّرْقِيِّ؟ قَالَ

⦗ص: 964⦘

: دَفَنْتُمُوهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَتَّبِعَنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُصْنَعُ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ الْيَهُودِ مَالُوا بِهِ إِلَى نَوَاوِيسِ النَّصَارَى، فَأَتَوْا قَبْرًا مِنْهَا فَدَفَنُوهُ فِيهِ، فَبَدَتْ لِي رِجْلَاهُ، فَإِذَا هُوَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ "

ص: 963

563 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، إِمْلَاءً عَلَيَّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ الْحِظَّةَ فَلْيَتَوَاضَعْ فِي الطَّاعَةِ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ، وَأَيُّ شَيْءٍ التَّوَاضُعُ؟ إِنَّمَا التَّوَاضُعُ أَنْ لَا تُعْجَبَ

⦗ص: 965⦘

بِعَمَلِكَ، وَكَيْفَ يُعْجَبُ عَاقِلٌ بِعَمَلِهِ؟ وَإِنَّمَا نَعُدُّ الْعَمَلَ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، يَنْبَغِي أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُتَواضَعَ، إِنَّمَا يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ الْقَدَرِيُّ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ، فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُسْتَعَمَلُ، فَكَيْفَ يُعْجَبُ؟ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: يُقَالُ لِلْقَدَرِيِّ: يَا مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ، يَا مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الشَّرَّ، أَلَيْسَ إِبْلِيسُ أَصْلَ كُلِّ شَرٍّ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ خَلْقَهُ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الشَّيَاطِينَ وَأَرْسَلَهُمْ عَلَى مَنْ أَرَادَ لِيُضِلُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِ الرُّشْدِ؟ فَأَيُّ حُجَّةٍ لَكَ يَا قَدَرِيُّ؟ يَا مَنْ قَدْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ، أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25] إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: 25] ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 37] وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] ؟

ص: 964

564 -

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ قَالَ: نا أَبُو شِهَابٍ يَعْنِي الْحَنَّاطَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، وَعُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُوَ عَطِيَّةَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْنَا لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، فَأَيُّنَا يُحِبُّ الْمَوْتَ؟ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، حَدَّثَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَأَمْسَكَ عَنْ آخِرِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تُحَدِّثُ فَقَالَتْ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى خَيْرِ أَحَايِينِهِ، فَيَقُولُ النَّاسُ: مَاتَ فُلَانٌ عَلَى خَيْرٍ أَحَايِينِهِ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى مَا أُعِدَّ لَهُ، جَعَلَ يَتَهَوَّعُ

⦗ص: 967⦘

نَفْسَهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ، هُنَاكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ غَيْرَ ذَلِكَ، قَيَّضَ لَهُ شَيْطَانًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يُغْوِيهِ وَيَصُدُّهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى شَرِّ أَحَايِينِهِ ، فَيَقُولُ النَّاسُ: مَاتَ فُلَانٌ عَلَى شَرِّ أَحَايِينِهِ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى مَا أُعِدَّ لَهُ حَتَّى يَبْتَلِعَ نَفَسَهُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تَخْرُجَ، هُنَاكَ: كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ "

ص: 966

565 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: أنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ، عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَذَكَرْنَا لَهَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

⦗ص: 968⦘

: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَكُمْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ تَسْأَلُوهُ عَنْ آخِرِهِ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا قَيَّضَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ وَيُبَشِّرُهُ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَ، وَيَقُولُ النَّاسُ: مَاتَ فُلَانٌ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى ثَوَابَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَجَعَلَ يَتَهَوَّعُ نَفْسَهُ، وَدَّ لَوْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَذَلِكَ حِينَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا قَيَّضَ لَهُ شَيْطَانًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، فَجَعَلَ يَفْتِنُهُ وَيُضِلُّهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى شَرِّ مَا كَانَ، وَيَقُولُ النَّاسُ: مَاتَ فُلَانٌ عَلَى شَرِّ مَا كَانَ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ، فَجَعَلَ يَبْتَلِعُ نَفْسَهُ أَنْ تَخْرُجَ، هُنَاكَ حِينَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ

ص: 967

566 -

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَعْنِي لِرَجُلٍ سَمِعَهُ يَقُولُ: مَا أَجْرَأَ فُلَانًا عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: " لَا تَقُلْ مَا

⦗ص: 969⦘

أَجْرَأَ فُلَانًا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُجْتَرَأَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ:«مَا أَغَرَّ فُلَانًا بِاللَّهِ» قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيَّ فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ مُبَارَكٍ ، اللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُجْتَرَأَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ هَانُوا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، وَلَوْ كَرِمُوا عَلَيْهِ لَمَنَعَهُمْ مِنْهَا "

ص: 968

567 -

وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45] قَالَ: الْأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَبْصَارُ: بَصَرُهُمْ مَا

⦗ص: 970⦘

هُمْ فِيهِ مِنْ دِينِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَإِنِ اعْتَرَضَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ بِتَأْوِيلِهِ الْخَطَأَ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فَيَزْعُمُ أَنَّ السَّيِّئَةَ مِنْ نَفْسِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَضَاهَا وَقَدَّرَهَا عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: يَا جَاهِلُ، إِنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ هُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهَا مِنْكَ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ لَنَا جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ رضي الله عنهم، هُمُ الَّذِينَ بَيَّنُوا لَنَا وَلَكَ إِثْبَاتَ الْمَقَادِيرِ بِكُلِّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَقِيلَ: لَوْ عَقَلْتَ تَأْوِيلَهَا لَمْ تُعَارِضْ بِهَا، وَلَعَلِمْتَ أَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْكَ لَا لَكَ فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ؟ قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى أَصَابَهُ بِهَا: خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا؟ فَاعْقِلْ يَا جَاهِلُ، أَلَيْسَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 56] وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوَ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100] وَقَالَ تَعَالَى {مَا

⦗ص: 971⦘

أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا، إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخْبِرُنَا أَنَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ تَكُونُ بِالْعِبَادِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَاللَّهُ يُصِيبُهُمْ بِهَا، وَقَدْ كَتَبَ مُصَابَهُمْ فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ، وَجَرَى بِهِ الْقَلَمُ عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، فَاعْقِلُوهُ يَا مُسْلِمُونَ فَإِنَّ الْقَدَرِيَّ مَحْرُومٌ مِنَ التَّوْفِيقِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْقَدَرِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ

ص: 969

568 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ

ص: 971

569 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ

⦗ص: 972⦘

حَمَّادٍ قَالَا: نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ:«قُضِيَ الْقَضَاءُ وَجَفَّ الْقَلَمُ، وَأُمُورٌ تُقْضَى فِي كِتَابٍ قَدْ خَلَا»

ص: 971

570 -

أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَأْذَنْ لِي أَخْتَصِي قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ

⦗ص: 973⦘

، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِاتِّبَاعِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْ لَا يَعْوَجُّوا عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] فَفِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ جَلَّ

⦗ص: 974⦘

ذِكْرُهُ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِهِ وَجَعَلَ فِي الظَّاهِرِ إِلَيْهِمُ الْمَشِيئَةَ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَشَاءُوا إِلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنَا لَكُمْ مَا فِيهِ هِدَايَتُكُمْ، وَإِنَّ مَشِيئَتَكُمْ تَبَعٌ لِمَشِيئَتِي، فَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَشِيئَتَهُمْ تَبَعٌ لِمَشِيئَتِهِ عز وجل وَقَالَ عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] وَقَالَ عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [البقرة: 213] إِلَى قَوْلِهِ: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: انْقَطَعَتْ حُجَّةُ كُلِّ قَدَرِيٍّ قَدْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ فَهُوَ فِي غَيِّهِ يَتَرَدَّدُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ، وَبَعْدُ فَقَدِ اجْتَهَدْتُ وَبَيَّنْتُ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ بِمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل وَبِمَا قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، الْمُبِينُ عَنِ اللَّهِ عز وجل مَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ

⦗ص: 975⦘

، وَذَكَرْتُ قَوْلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَقَوْلَ التَّابِعِينَ، وَكَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَذَا فَهُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:{لَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]

ص: 972