الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليجة ضال مشرك" (1).
وقد نقلوا من أئمتهم "أبى الله عز وجل أن يتولى قوم قوماً يخالفونهم في أعمالهم معهم يوم القيامة، كلا ورب الكعبة"(2).
فالمفروض من القوم الذين يدعون موالاة علي وبنيه أن يتبعوه وأولاده في آرائهم ومعتقداتهم في أصحاب النبي ورفقائه، وخاصة في صاحبه في الغار، الذي نقلنا فيه كلام سيد أهل البيت أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه، ورأيه وعقيدته التي نقلوها في كتبهم هم، وبعباراتهم أنفسهم، التي ذكرناها آنفا، وكما نحن ذاكرين آراء بقية أهل البيت فيه إن شاء الله.
رأى أهل البيت النبي في الصديق
فإن ابن عباس هو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن عم علي، وكان أحد عماله الذي قال فيه الجعفر بن باقر: إن ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض يطير، ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم فقال (يعنى جعفر) وكان أبي يحبه حباً شديداً" (3).
ويقول عنه المفيد (4): كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند
(1)"فرق الشيعة للنوبختي" ص41 ط النجف 1951م، و"تفسير القمي" ج1 156 نجف ط تحت آية {إن الذين آمنوا ثم كفروا}
(2)
"كتاب الروضة من الكافي" للكليني ج8 ص254
(3)
"رجال الكشي" تحت عنوان عبد الله بن عباس ص55 ط كربلاء
(4)
هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338، ومات في بغداد سنة 413، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد، "لأن الغائب المهدي لقبه به" - كما يزعمون - (معالم العلماء ص101).
"وكان من أجلّ مشائخ الشيعة، ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة الإمامية في وقته .. له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار"("روضات الجنات" ج6 ص153).
ويقولون: إن إمام العصر (الغائب المزعوم) خاطبه في كتابه بالأخ السديد، والمولى الرشيد "أيها المولى المخلص في ودنا، الناصر لنا، وملهم الحق ودليله، العبد الصالح، الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق"(مقدمة الإرشاد ص4)
الحسين، وليلة عند عبد الله بن العباس" (1).
فهذا ابن عباس يقول وهو يذكر الصديق: رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً، وبالمعروف آمراً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً" (2).
هذا ويقول ابن أمير المؤمنين عليّ ألا وهو الحسن نعم! الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم، والذي أوجب الله اتباعه على القوم حسب زعمهم - يقول في الصديق، وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع" (3).
وكان حسن بن علي رضي الله عنهما يؤقر أبا بكر وعمر إلى حد حتى جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما "إنه يعمل ويحكم في الناس بكتاب، وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين"(4).
وأما الإمام الرابع للقوم علي بن الحسن بن علي، فقد روى عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا
(1)"الإرشاد" ص14
(2)
"ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران
(3)
"عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران
(4)
"منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران
من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أنتم {المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أولئك هم الصادقون} ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم {الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم:{يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} ، اخرجوا عني، فعل الله بكم" (1).
وأما ابن زين العابدين محمد بن على بن الحسين الملقب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسئل عن حلية السيف كما رواه علي بن عيسى الأربلي (2) في كتابه "كشف الغمة":
"عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى
(1)"كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران
(2)
الأربلي هو بهاء الدين أبو الحسن علي بن الحسين فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ولد في أوائل القرن السابع من الهجرة ببلدة الأربل قرب الموصل، ومات ببغداد سنة 693، قال عنه القمي: الأربلي من كبار العلماء الإمامية، العالم الفاضل، الشاعر الأديب، المنشى النحرير، المحدث الخبير، الثقة الجليل، أبو الفضائل والمحاسن، والحجة، صاحب "كشف الغمة في معرفة الأئمة"، فرغ من تصنيفه سنة 687 .. وله شعر كثير في مدح الأئمة (ع) ذكر جملة منه في "كشف الغمة"، وكتابه كشف الغمة كتاب نفيس، جامع، حسن" (الكنى والألقاب ج2 ص14، 15 ط قم إيران).
وقال الخوانساري: كان من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة .. واتفق جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم، والأوحدي النحرير، من جملة علمائهم، لا يشق غباره، وهو المعتمد المأمون في النقل" (روضات الجنات ج4 ص341، 342)
أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" (1).
ولم يقل هذا إلا لأن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم الناطق بالوحي سماه الصديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان" عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وانظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ) في أفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت الصديق" (2).
ويروي الطبرسي (3) عن الباقر أنه قال: ولست بمنكر فضل أبى بكر، ولست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر" (4).
ثم ابنه أبو عبد الله جعفر الملقب بالسادس - الإمام المعصوم السادس حسب
(1)"كشف الغمة" ج2 ص147
(2)
"البرهان" ج2 ص125
(3)
هو أبو المنصور أحمد بن علي بن أبي طالب من أهل الطبرستان "فهذا الرجل من أجلاء أصحابنا المتقدمين، وله كتاب "الاحتجاج" كتاب معروف معتبر بين الطائفة، وقد ذكره أيضاً في "أمل الآمل" وقال: عالم فاضل، محدث ثقة، له كتاب الاحتجاج حسن، كثير الفوائد"(روضات الجنات ج1 ص65).
الطبرسي "الشيخ العالم الفاضل الكامل النبيل، الفقيه، المحدث الثقة الجليل"(الكنى والألقاب ج2 ص404)
(4)
"الاحتجاج" للطبرسي ص230 تحت عنوان "احتجاج أبي جعفر بن علي الثاني في الأنواع الشتى من العلوم الدينية" ط مشهد كربلاء
زعم القوم - سئل عن أبى بكر وعمر كما رواه القاضي نور الله الشوشترى (1). الشيعي الغالي، الذي قتل سنة 1019 "إن رجلاً سأل عن الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله! ما تقول في حق أبى بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: إمامان عادلان قاسطان، كانا على حق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة"(2).
وروى عنه الكليني في الفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه "وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإن الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدرى لعلك تموت اليوم أو غداً؟ فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت، وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها
(1) هو نور الله بن شرف الدين الشوشتري من علماء الشيعة الأعلام في الهند، كان قاضياً بلاهور في عهد جهانغير أحد سلاطين المغول.
:كان محدثاً، متكلماً، محققاً فاضلاً نبيلاً، علامة، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالف، وقتل بتهمة الرفض في دولة جهانغي باكبر آباد - في القرن الحادي عشر - ويطلق عليه الشهيد الثالث" (روضات الجنات ج8 ص160)
(2)
"إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر
ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال" (1).
فأثبت أن منزلة الصديق في الزهد من بين الأمة المنزلة الأولى، وبعده يأتي أبو ذر وسلمان.
وروى عنه الأربلي أنه كان يقول: "لقد ولدنى أبو بكر مرتين"(2).
لأن "أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر وأمها (أي أم فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر"(3).
ويروي السيد مرتضى في كتابه "الشاف" عن جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما، ويأتي القبر فيسلم مع تسليمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم " (4).
ويطول الكلام وما أروعه وأجمله، ولكن نحن نختصر الطريق، فنأتي إلى الإمام الأخير الموجود عند القوم وهو حسن بن على الملقب بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم - فيقول وهو يسرد واقعة الهجرة أن رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر رضي الله عنه: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أما أنا لو
(1) كتاب المعيشة "الفروع من الكافي" ج5 ص68
(2)
"كشف الغمة" ج2 ص161
(3)
"فرق الشيعة" للنوبختي ص78
(4)
"كتاب الشافي" ص238، أيضاً "شرح نهج البلاغة" ج4 ص140 ط بيروت
عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلى من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداءك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا جرم أن اطلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن" (1).
هذا ولقد سردنا الروايات، ونقلناها من كتب القوم أنفسهم عن محمد رسول الله إمام الكونين ورسول الثقلين فداه أبواي وروحي صلى الله عليه وسلم، وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه الإمام الأول المعصوم إلى الإمام الأخير الظاهر حسب زعمهم - وإكمالاً للبحث، وإتماماً للفائدة نريد أن نروي ههنا روايتين آخرين نقلت من أهل بيت علي أيضاً ومن كتب القوم أنفسهم.
فالأولى من زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب شقيق محمد الباقر وعم جعفر الصادق الذي قيل فيه: كان حليف القرآن" (2).
"واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف"(3).
ويقول أبو الفرج الأصفهاني الشيعي (4). نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن
(1)"تفسير الحسن العسكري" ص164، 165 ط إيران
(2)
"الإرشاد" للمفيد ص268 تحت عنوان "ذكر أخوته" - أي الباقر -
(3)
"الإرشاد" للمفيد ص268
(4)
هو أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد ولد بأصفهان سنة 284 ثم انتقل إلى بغداد، ونشأ فيها وترعرع، وبلغ المناصب، مات سنة 356، وصار مقرباً محبباً إلى بني بويه، ولعل من أسباب تلك الحظوة اتفاقهم في التشيع، وله مصنفات كثيرة مشهورة في الأدب والشعر، ومن أشهرها "الأغاني" و"مقاتل الطالبين" ذكره محسن الأمين في طبقات الشعراء من الشيعة وفي طبقات المؤرخين. (أعيان الشيعة ج1 ص175)
جرير أنه قال: رأيت جعفر بن محمد (أي الجعفر الصادق) يمسك لزيد بن علي بالركاب، ويسوى ثيابه على السرج (1).
فهذا هو زيد بن زين العابدين بن الحسين وقد سئل عن أبى بكر كما يذكر صاحب ناسخ التواريخ (2) الشيعي "إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده، وقالوا له: رحمك الله، ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله"(3).
ويقول: لما سمع أهل الكوفة منه هذه المقالة رفضوه، ومالوا إلى الباقر، فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سموا هذه الجماعة بالرافضة" (4).
والرواية الثانية، والرأي الثاني من شخص نسجت الشيعة حوله الأساطير أي سلمان الفارسي الذي قيل فيه: سلمان المحمدي، ذلك رجل منا أهل البيت و"إن سلمان من أهل البيت"(5).
و"كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، المقداد وأبو ذر وسلمان رحمة الله وبركاته عليهم"(6).
وقال فيه علي: إن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن
(1)"مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص129 ط دار المعرفة بيروت
(2)
"ناسخ التواريخ" للمرزا تقي خان سيبهر معاصر الشاه ناصر الدين وابنه مظفر الدين، له ناسخ التواريخ فارسي مطبوع لم يعمل مثله ("أعيان الشيعة" تحت عنوان طبقات المؤرخين قسم1 ج2 ص132)
(3)
"ناسخ التواريخ" ج2 ص590 تحت عنوان "أحوال الإمام زين العابدين"
(4)
"ناسخ التواريخ" ج2 ص590
(5)
"رجال الكشي" ص18، 20 ط الأعلمي كربلاء
(6)
"الروضة من الكافي" ج8 ص245
أنكره كان كافراً" (1).
فهذا السلمان يقول: إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" (2).
هذا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً عليه إلى هذا الحد بأن أبا بكر لما أراد مبارزة ابنه يوم بدر وهو فارس، مدجج، منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: شم سيفك، وارجع إلى مكانك، ومتعنا بنفسك" (3) وجعل بقاءه متعة له عليه الصلاة والسلام. فهذا آخر ما أردنا إدراجه في هذا الباب.
خلافة الصديق
وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبي وموقفهم وآرائهم تجاه سيد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نذكر أنه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبي وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأن أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوه في صلاح الأمة وفلاحها، وكان علي رضي الله عنه أحد المستشارين المقربين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه. ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدل بأحكامه ويستند، ثم ويسمي أبنائه بأسمائه حباً له وتيمناً باسمه وتودداً إليه.
وفوق ذلك كله يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوجون منهم ويزوجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابين والأحباء المتقاربين، وكيف لا؟ وهم أغصان شجرة واحدة وثمرة نخل واحدة، لا كما يظنه أبناء اليهودية البغيضة، ومكايدين للأمة
(1)"رجال الكشي" ص70
(2)
"مجالس المؤمنين" للشوشتري ص89
(3)
"كشف الغمة" ج1 ص190
المحمدية المجيدة، والحاسدين الناقمين على حملة الإسلام ومعلني كلمته ورافعي رايته.
أما خلافة الصديق رضي الله عنه فبصحتها وانعقادها وقيامها يستدل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقادها كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير الشام "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى"(1).
وقال: إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار" (2).
وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن علي بن أبى طالب في الغارات للثقفي (3) بأن الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلا أن يقر ويعترف بخلافته وإمامته.
(1)"نهج البلاغة" ص366، 367 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح
(2)
"ناسخ التواريخ" ج3 الجزء2
(3)
هو أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي، ولد في حدود المائتين أو قبلها بسنين، ومات بأصبهان سنة 283هـ، هو من أجلاء الرواة المؤلفين للشيعة كما ذكره النوري الطبرسي "وأما إبراهيم الثقفي المعروف الذي اعتمد عليه الأصحاب فهو من أجلاء الرواة المؤلفين كما يظهر من ترجمته، ويروي عنه الأجلاء"(المستدرك ج3 ص549، 550).
وسماه الخوانساري في روضات الجنات "الشيخ المحدث" المروج الصالح السديد أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الأصفهاني صاحب كتاب "الغارات" الذي ينقل عنه في "البحار" كثيراً (ص4). "وله نحواً من خمسين مؤلفاً لطيفاً"(أعيان الشيعة، القسم 2 ص103)
وهناك رواية أخرى في غير "الغارات" تقر بهذا عن علي أنه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: رضينا عن الله قضائه، وسلمنا لله أمره
…
. فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري" (1).
ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث
…
فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً" (2).
ولأجل ذلك رد على بن أبي سفيان وعباس حينما عرضا عليه الخلافة لأنه لا حق له بعد ما انعقدت للصديق كما مر بيانه.
وفيما كتب إلى أمير الشام معاوية بن أبى سفيان أقرّ أيضاً بخلافة الخليفة الأول الصديق وأفضليته، ودعا له بعد موته بالمغفرة والإحسان، وتأسف على انتقاله إلى ربه كما يكتب "وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله
(1)"نهج البلاغة" ص81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح
(2)
"منار الهدى" لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً "ناسخ التواريخ" ج3 ص532
ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق" ولعمري أن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا"(1).
وروى الطوسي (2) عن علي أنه لما اجتمع بالمهزومين في الجمل قال لهم:
فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه
…
.. ، فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له بيعته
…
.. فبايعتم عثمان فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم [هل الخلافة منصوصة؟ وفيه دليل واضح أن علي بن أبي طالب لم يكن يعتقد بأن الخلافة والإمامة لا تنعقد إلا بنص و"إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد"(الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج1 ص277).
"وإنه عهد من رسول الله إلى رجل فرجل"(الأصول من الكافي ج1 ص277).
وانظر لتفصيل ذلك كتب القوم "أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، و"الاعتقادات" لابن بابويه القمي، و"الألفين" للحلي، و"بحار الأنوار" للمجلسي وغيره.
لأنه لو كان يعتقد هذا لما اعتقد لأبي بكر الخلافة، ولم يدخل في مستشاريه وفوق ذلك لم يقل لأهل الجمل هذه الجمل التي نقلناها منه "ثم أتيتموني غير داع لكم" ولأنه لو كان إماماً من الله لم يزل دعوتهم إليه، ولم يقل لهم قبل ذلك حينما دعوه إلى البيعة له بعد قتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول - إلى أن قال - وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (كلام علي لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان، نهج البلاغة خطبه 92 ص136 ط بيروت).
وهل هناك دليل أصدق من كلامه بأنه لم يكن يريد الخلافة التي يعد الشيعة منكريها أكفر من اليهود والمجوس والنصارى والمشركين كما يقول مفيدهم: اتفقت إمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر، مستحق للخلود في النار" (3).
ويقول الكليني محدثهم الأكبر: إن قول الله تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع" هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم " (4).
وقال منتسباً كذباً وزوراً إلى محمد الباقر أنه قال: إنما يعيد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك، فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، وموالاة علي والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم (5).
وعلى ذلك يقول الصدوق ابن بابويه القمي مصرحاً: اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد" (6).
فما العمل حينما علي بن أبي طالب نفسه ينكر الإمامة، والنص من أقدس كتب القوم، الذين ينكرون القرآن، ويقولون بالتحريف والتغيير والتبديل فيه (كما بيناه بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم في كتابنا "الشيعة والسنة" عملاً بقول القائل: من فمك أدينك).
نعم! من أقدس كتبهم ألا وهو "نهج البلاغة" حيث يقول على المرتضى رضي الله عنه نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خير لي من أن أكون إماماً، فلنكرر قوله مرة ثانية: دعوني، والتمسوا غيري، فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (7).
ويؤيد ذلك أن علياً لم يكن يرى الأمر كما يراه المتزعمون لولايته ما رواه ابن أبي الحديد عن عبد الله بن عباس أنه قال: خرج علي عليه السلام على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا حسن؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ العباس بيد علي، ثم قال: يا علي! أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه، وإني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا، وإن كان فير غيرنا أوصى بنا، فقال: لا أفعل والله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده، قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم" (8).
وقد نص ابن أبي الحديد بعد ذكر أخبار السقيفة وبيعة أبي بكر "واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً ومن تأملها وأنصف علم أنه أنه لم يكن هناك نص صريح ومقطوع لا تختلجه الشكوك، ولا يتطرق إليه الاحتمالات"(9).
وقال أيضاً رضي الله عنه مخاطباً طلحة والزبير، والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها" (10).
هذا ومثل ذلك روى نصر بن مزاحم (11) الشيعي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد ليطالبوه بقتلة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، فرد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحمدلة والبسملة "أما بعد! فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فأنقذ به من الضلالة وأنعش به من المهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، ثم استخلف أبو بكر عمر وأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة .. ثم ولي أمر الناس عثمان، فعلم بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم، فقالوا لي: بايع، فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم"(12)
…
فبايعتموني كما بايعتم
(1) ابن ميثم شرح نهج البلاغة ط إيران ص488
(2)
"هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد سنة 385، ومات في 460 بنجف، ويلقب بشيخ الطائفة"(تنقيح المقال ص105 ج3).
"هو عماد الشيعة، ورافع أعلام الشيعة، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والإمام، وقد ملأت تصانيفه الأسماع، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهم"(الكنى والألقاب ج2 ص357).
هو من مصنفي الكتابين من الصحاح الأربعة "التهذيب" و"الاستبصار".
"وصنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد والأصول والفروع، وجميع الفائل تنسب إليه"(روضات الجنات ج6 ص216)
(3)
"بحار الأنوار" للمجلسي ج23 ص390 نقلاً عن "المفيد"
(4)
كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص422
(5)
باب معرفة الإمام والرد إليه من الأصول في الكافي ج1 ص180
(6)
"الاعتقادات" للقمي ص130
(7)
"نهج البلاغة" خطبه 92 ص136 ط بيروت
(8)
"شرح نهج البلاغة" ج1 ص132
(9)
"شرح نهج البلاغة" ج1 ص135
(10)
نهج البلاغة ص322
(11)
هو أبو الفضل نصر بن مزاح التميمي الكوفي الملقب بالعطار "إنه من جملة الرواة المتقدمين، بل الواقعة في درجة التابعين وطبقة الثلاثة الأوائل من الأئمة الطاهرين"(روضات الجنات ج8 ص166).
وقال النجاشي: مستقيم الطريقة، صالح الأمر، صاحب كتاب "صفين" و"الجمل" و"مقتل الحسين" وغيرها من الكتب (النجاشي ص301 و302)
(12)
"كتاب صفين" ط إيران ص105].
ولقد ذكر المؤرخ الشيعي أن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد استخلاف عمر بعده اعترض عليه بعض من الناس. فقال علي لطلحة، واستخلف أبو بكر أحداً غير عمر لما نطيعه ("تاريخ روضة الصفا" فارسي ص206 ط بمبئي)
أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبى بكر وعمر وعثمان ببيعتهم
منكم ببيعتي" (1).
(1)"الأمالي" لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف
والطبرسي أيضاً ينقل عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافته، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى فلما وردت الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما أرى اجتماع الخلق على أبي بكر
انطلق إلى علي بن أبى طالب (ع) فقال: ما هذا؟ قال له علي (ع) هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم" (1).
ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي إما لصغر سنه أو لأن قريشاً كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم - إلى أن قال - وحين رأى أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم" (2).
وبقي سؤال فلماذا تأخر عن البيعة أياماً؟ يجيب عليه ابن أبي الحديد "ثم قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله! ما حصرت عليها يوم قط، ولقد قلدت أمراً عظيماً مالي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي"(3).
وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى في شرحه عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمين، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس وأتى بنى هاشم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصادون اللحا، فإذا رضيتم
(1)"الاحتجاج" للطبرسي ص50 ط مشهد عراق
(2)
"أصل الشيعة وأصولها" ط دار البحار بيروت 1960 ص91
(3)
"شرح نهج البلاغة" لأبي أبي الحديد ج1 ص132
رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا: نعم! قال علي: برد ورضا من جماعتكم قالوا: نعم! قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله! يا بني هاشم إنكم لطوال الشجر الطيب الثمر، ثم إنه بايع أبا بكر" (1).
إقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبوله الهدايا منه
هذا ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم.
فالرواية الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميراً" (2).
ويذكرهم بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما يروي اليعقوبي (3) الشيعي الغالي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشارو جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن
(1)"شرح نهج البلاغة" ج1 ص134، 135
(2)
"نهج البلاغة" ص136 تحقيق صبحي صالح
(3)
هو أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي الشيعي، "كان جده من موالي أبي المنصور، وكان رحالة يحب الأسفار، ساح في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، ودخل أرمينية سنة 260، ثم رحل إلى الرمنه وعاد إلى مصر وبلاد المغرب، فألف في سياحة البلاد "كتاب البلدان"، وله تاريخ معروف بالتاريخ اليعقوبي إلى غير ذلك، توفي سنة 284"(الكنى والألقاب ج3 ص246).
"وأما صاحب الأعيان فعده في طبقات المؤرخين من الشيعة"(أعيان الشيعة)
فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم (1).
وفى رواية "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله"(2).
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبى بكر علي بن أبى طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" (3).
فقدم علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة (4) والقضاء.
ويؤيد ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه "الإرشاد" قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.
ثم ذكر عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها "إن رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن فارتج علي أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من
(1)"تاريخ اليعقوبي" ص132، 133 ج2 ط بيروت 1960م
(2)
"تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"
(3)
"تاريخ اليعقوبي" ص138 ج2
(4)
وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها
حضر أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلم لعلي عليه السلام في القضاء به" (1).
هذا وكان يتمثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا ذلك حتى أمنوا منهم" (2).
وللتعامل الموجود بينهم، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل كان علىّ وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل منه الهدايا دأب الأخوة المتشاورين ما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية "وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيت في خلافة أبى بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر"(3).
(1)"الإرشاد" للمفيد ص107 ط إيران
(2)
"شرح نهج البلاغة" ج4 ص228 تبريز
(3)
"شرح نهج البلاغة" ج2 ص718، أيضاً "عمدة الطالب" ط نجف ص361
"وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة"(1).
وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين محمد بن الحنفية.
"وهى من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن الحنفية"(2).
كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء [ولقد ورد في أبي داؤد عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقناً من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فاقسمه حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل، قال: ففعل ذلك قال: فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولانيه أبو بكر حتى إذا كان آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير، فعزل حقنا ثم أرسل إلي، فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فأردده عليهم، فرده عليهم" (3)، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن"(4).
هذا وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه" (5).
وقال الطوسي في صلاة علي خلف أبى بكر: فذاك مسلم لأنه الظاهر" (6).
(1)"الإرشاد" ص186
(2)
"عمدة الطالب" الفصل الثالث ص352، أيضاً "حق اليقين" ص213
(3)
أبو داؤد كتاب الخراج، فمسند أحمد مسندات علي)
(4)
"شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحدد ج4 ص118
(5)
"الاحتجاج" للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي ص388 ط إيران
(6)
"تلخيص الشافي" ص354 ط إيران