الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: أقسام الصفات
المبحث الأول: أقسام الصفات عند أهل السنة والجماعة
المطلب الأول: أقسام الصفات عموما
…
تنوعت تقسيمات أهل السنة للصفات وذلك بحسب الاعتبارات التي يرجع لها كل تقسيم، ومن تلك التقسيمات مايلي:
المطلب الأول: أقسام الصفات عموماً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الصفات نوعان:
أحدهما: صفات نقص؛ فهذه يجب تنزيه الله عنها مطلقاً؛ كالموت، والعجز، والجهل.
والثاني: صفات كمال؛ فهذه يمتنع أن يماثله فيها شييء"1.
وتنقسم الصفات باعتبار ورودها في النصوص إلى قسمين:
1-
صفات ثبوتية 2- صفات سلبية (أي منفية)
القسم الأول: الصفات الثبوتية
وتعريفها: هي ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والصفات الثبوتية كثيرة جداً منها: العلم - والحياة - والعزة - والقدرة - والحكمة - والكبرياء - والقوة - والاستواء - والنزول - والمجيء، وغيرها.
والصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية2.
1 الصفدية 1/102.
2 القواعد المثلى ص24 (بتصرف) .
إضافة إلى أن معرفة الله الأصل فيها صفات الإثبات والسلب تابع ومقصوده تكميل الإثبات، بل كل تنزيه مدح به الرب ففيه إثبات1.
القسم الثاني: الصفات السلبية
وتعريفها: هي ما نفاه الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والصفات المنفية كلها صفات نقص في حقه.
ومن أمثلتها: النوم - الموت - الجهل - النسيان - العجز - التعب - الظلم.
فيجب نفيها عن الله عز وجل مع إثبات أن الله موصوف بكمال ضدها2.
وتجدر الإشارة هنا إلى الأمور التالية:
الأمر الأول: أن معرفة الله ليست بمعرفة صفات السلب، بل الأصل فيها صفات الإثبات، والسلب تابع ومقصوده تكميل الإثبات3.
"فإن السلب لا يراد لذاته، وإنما يقصد لما يتضمنه من إثبات الكمال، فكل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص فإنه متضمن للمدح والثناء على الله بضد ذلك النقص من الأوصاف الحميدة والأفعال الرشيدة"4.
الأمر الثاني: أن صفات التنزيه يجمعها معنيان:
الأول: نفي النقائص عنه، وذلك من لوازم إثبات صفات الكمال.
1 مجموع الفتاوى 17/112 (بتصرف) .
2 القواعد المثلى ص 23-24.
3 مجموع الفتاوى 17/112.
4 شرح القصيدة النونية للهراس 2/55.
الثاني: إثبات أنه ليس كمثله شييء في صفات الكمال الثابتة له.
الأمر الثالث: الصفات السلبية تذكر غالباً في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله:
كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1.
وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2.
والثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون
والثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين
كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} 4"5.
الأمر الرابع: أن الصفات السلبية إنما تكون كمالاً إذا تضمنت أموراً وجودية6.
فلا يوصف الرب من الأمور السلبية إلا بما يتضمن أموراً وجودية، وإلا فالعدم المحض لا كمال فيه.
فينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال.
والعدم المحض ليس بشييء، وما ليس بشييء فهو كما قيل ليس بشييء فضلا
1 الآية 11 من سورة الشورى.
2 الآية 4 من سورة الإخلاص.
3 الآيات 88 إلى 92 من سورة مريم.
4 الآية 16 من سورة الأنبياء.
5 القواعد المثلى ص 24.
6 مجموع الفتاوى 17/144.
عن أن يكون مدحاً وكمالاً.
لأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع؛ والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال.
ولهذا كان عامة ما يصف الله به نفسه من النفي متضمناً لإثبات مدح.
كقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 1 فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام.
وكذلك قوله: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} 2 أي لا يكرثه ولا يثقله، وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها؛ بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشييء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته.
وكذلك قوله: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْض} 3 فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض.
وكذلك قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} 4 فإن نفي مس اللغوب -الذي هو التعب والإعياء- دل على كمال قدرته ونهاية القوة بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه.
وكذلك قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} 5 إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى، وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً، وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رؤي، كما أنه لا يحاط به وإن علم، فكما أنه إذا علم لا يحاط به علماً، فكذلك إذا رؤي لا يحاط به رؤية،
1 الآية 255 من سورة البقرة.
2 الآية 255 من سورة البقرة.
3 الآية 3 من سورة سبأ.
4 الآية 38 من سورة ق.
5 الآية 103 من سورة الأنعام.
فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفة كمال، وكان ذلك دليلاً على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.
وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتاً هو مما لم يصف به نفسه"1.
ثم إن النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب مع الله سبحانه، فإنك لو قلت لسلطان: أنت لست بزبال ولا كسَّاح ولا حجام ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقاً.
وإنما تكون مادحاً إذا أجملت النفي فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإن أجملت في النفي أجملت في الأدب2.
فأهل الكلام المذموم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل فيقولون: ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض إلى آخر تلك السلوب الكثيرة التي تمجها الأسماع وتأنف من ذكرها النفوس والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حق قدره3.
الأمر الخامس: أن الرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل.
والمعطلة ناقضوهم فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل.
فإن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شييء عليم، وعلى كل شييء قدير، وأنه حكيم عزيز، غفور ودود، وأنه خلق
1 الرسالة التدمرية ص 21-23.
2 شرح العقيدة الطحاوية ص 108-110.
3 الصفات الإلهية ص 202.
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكاً، وأنه أنزل على عبده الكتاب، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته.
وقال في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 3.
وهؤلاء الملاحدة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فقالوا في النفي: ليس بكذا ولا كذا، فلا يقرب من شييء ولا يقرب منه شييء، ولا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به، ولا له حياة، ولا علم، ولا قدرة، ولا غير ذلك، ولا يشار إليه ولا يتعين، ولا هو مباين للعالم ولا حال فيه، ولا داخله، ولا خارجه، إلى أمثال العبارات السلبية التي لا تنطبق إلا على المعدوم.
ثم قالوا في الإثبات هو وجود مطلق، أو وجود مقيد بالأمور السلبية4.
وبذلك عكسوا منهج القرآن والسنة، فأكثروا من وصف الله تعالى بالأمور السلبية التي لم يرد بها النص، وأفرطوا في ذلك إفراطاً عجيباً، بينما أنكر بعضهم جميع الصفات الثبوتية، والبعض الآخر لم يثبت سوى القليل منها.
الأمر السادس: للتفريق بين الصفات السلبية التي ورد بها النص والصفات السلبية التي أحدثها المعطلة النفاة نقول: إن الصفات السلبية التي ورد بها النص متضمنة لثبوت كمال الضد كما تقدم شرح ذلك.
وأما الصفات السلبية التي هي من نسج المعطلة واختراعهم فلا تتضمن ثبوت كمال الضد.
1 الآية 11 من سورة الشورى.
2 الآية 4 من سورة الإخلاص.
3 الآية 65 من سورة مريم.
4 الصفدية 1/116.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل تنزيه مدح فيه الرب ففيه إثبات، فلهذا كان قول ((سبحان الله)) متضمناً تنزيه الرب وتعظيمه، ففيها تنزيهه من العيوب والنقائص، وفيها تعظيمه سبحانه وتعالى"1.
فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً، بل ولا موجوداً.
وكذلك من شاركهم في بعض ذلك، كالذين قالوا لا يتكلم، ولا يُرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا مجانب له.
إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليس هي صفة مستلزمة صفة ثبوت.
فقولهم إنه لا يتكلم، أو لا ينزل، ليس في ذلك صفة مدح، بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات2.
الأمر السابع: إن سلب النقائص والعيوب عن الله نوعان:
النوع الأول: سلب لمتصل
"وضابطه: نفي كل ما يناقض صفة من صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، كنفي الموت المنافي للحياة، والعجز المنافي للقدرة، والسنة والنوم المنافي لكمال القيومية، والظلم المنافي للعدل، والإكراه المنافي للاختيار، والذل المنافي للعزة
…
" الخ.
النوع الثاني: سلب لمنفصل
1 مجموع الفتاوى 17/112.
2 الرسالة التدمرية ص23.
وضابطه: تنزيه الله سبحانه عن أن يشاركه أحد من خلقه في شييء من خصائصه التي لا تنبغي إلا له.
وذلك كنفي الشريك له في ربوبيته، فإنه منفرد بتمام الملك والقوة والتدبير.
وكنفي الشريك له في أُلوهيته، فهو وحده الذي يجب أن يؤلهه الخلق ويفردوه بكل أنواع العبادة والتعظيم.
وكنفي الشريك له في أسمائه الحسنى وصفاته العليا فليس لغيره من المخلوقين شركة معه سبحانه في شييء منها.
وكذلك نفي الظهير الذي يظاهره أو يعاونه في خلق شييء أو تدبيره، لكمال قدرته وسعة علمه ونفوذ مشيئته، وغيره من المخلوقين عاجز فقير لا حول له ولا قوة إلا بالله، فالشريك والظهير منفيان عنه بإطلاق.
وكذلك ينفى عنه سبحانه اتخاذ الصاحبة والولد الذي نسبه إليه النصارى عابدو الصلبان، والصابئة الذين يقولون إن الملائكة بنات الله.
قال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلّ} 1،2.
1 الآية 111 من سورة الإسراء.
2 انظر: شرح القصيدة النونية للهراس 2/56-58.