المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وحده. قرئ عليَّ هذا - الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: ‌ ‌مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وحده. قرئ عليَّ هذا

‌مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وحده. قرئ عليَّ هذا الكتاب الموسوم بالصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة فوجدت ما أبداه مؤلفه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري من الرد على من زعم أن الأرض تدور وأن الشمس لا تجري هو عين الصواب.

قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

في 20/ 8 سنة 1387.

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. والعاقبة للمتقين. ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً ..

أما بعد فقد رأيت مقالاً لمحمد محمود الصواف. نشر في ثلاثة أعداد من جريدة الدعوة. عدد 54 و 55 و 56 العدد الأول في 10 صفر سنة 1386 هـ والثاني في 17 منه. والثالث في 24 منه. وقد عارض الصواف بمقاله هذا ما قرره الشيخ الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن باز من جريان الشمس وسكون الأرض وثباتها. وما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز هو الحق والصواب. وما قاله الصواف هو الباطل والضلال البعيد. وليس تعقب الصواف مقصوراً على الشيخ عبد العزيز بن باز فحسب. بل هو والعياذ بالله معارضة للآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة الدالة على جريان الشمس وعدم استقرارها كما سأذكره إن شاء الله تعالى وقد رأيت أن أكتب على كلامه ما تيسر تحقيقاً للحق ونصحاً للخلق. سائلاً من المولى جل جلاله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.

فصل

وأول من قال إن الشمس هي المركز الثابت الذي تدور عليه السيارات من الكواكب وإن الأرض من جملة الكواكب السيارة التي تدور على الشمس هو فيثاغورس الفيلسوف

ص: 7

اليوناني وكان زمانه قبل زمان المسيح بنحو من خمسمائة سنة. وقيل ستمائة. وذهب كبير الفلاسفة ومقدمهم بطليموس - وكان زمانه قبل المسيح بنحو مائة وخمسين سنة - إلى أن الأرض هي المركز الثابت وإن الشمس والقمر وسائر الكواكب تدور على الأرض. وأهل الهيئة القديمة يقولون بهذا القول وهو الحق الذي تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة وأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما قول فيثاغورس فكان مهجوراً نحو من ألف وثمانمائة سنة حتى ظهر الفلكي البولوني «كوبرنيك» في القرن العاشر من الهجرة فقرر رأي فيثاغورس وأيده بالأدلة الرياضية. ولما كان في أثناء القرن الثاني عشر من الهجرة ظهر هرشل الإنكليزي وأتباعه من فلاسفة الإفرنج أصحاب الرصد والزيج الجديد فنصروا قول فيثاغورس وردوا ما خالفه وشاع قولهم منذ زمانهم إلى زماننا هذا وتلقاه كثير من المسلمين بالقبول تقليداً لأعداء الله تعالى. وذلك بسبب سيطرة الإنجليز وبعض الدول الأوربية على كثير من بلاد الإسلام في آخر القرن الثالث عشر من الهجرة وأكثر القرن الرابع عشر. فامتزج أهل تلك البلاد بأعداء الله تعالى امتزاجاً تاماً.

وظهر النشء منهم متثقفين بالثقافة الإفرنجية يحذون حذو أعداء الله تعالى في هيئاتهم وأنظمتهم وقوانينهم ويسارعون إلى قبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم. ويتمسكون بها أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة. وكثير منهم كانوا يسافرون إلى الجامعات الأوربية ويتروون من تعاليمها الآجنة المسمومة عللاً بعد نهل حتى فشت فيهم الزندقة والإلحاد والاستخفاف بشأن القرآن العظيم فكان كثير منهم يحملونه على ما يوافق آراء الإفرنج وأقوالهم الباطلة كما هو موجود في كثير من مصنفاتهم فأدخلوا بذلك على المسلمين شراً كثيراً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهؤلاء الذين ذكرنا من فلاسفة الإفرنج وهم كوبرنيك وهرشل وأتباعهما يقال لهم أهل الهيئة الجديدة.

قال محمود شكري الألوسي في مقدمة كتابه الذي سماه «ما دل عليه القرآن. مما يعضد الهيئة الجديدة» قد شاع في عصرنا قول فيثاغورس الفيلسوف الشهير في هيئة الأفلاك ونصره الفلاسفة المتأخرون بعد أن كان عاطلاً مهجوراً وهو القول بحركة الأرض اليومية والسنوية على الشمس وأنها هي مركز نظامها وأن الأرض إحدى الكواكب

ص: 8

السيارة وأنها سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها كسائر الكواكب. لا أنها كما ذهب إليه بطليموس في الأفلاك كالمسامير في الباب. قال وقد سماها الفلاسفة المتأخرون الهيئة الجديدة لكونها شاعت في العصر المتأخر وإلا فالقول بها متقدم جداً.

وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن المتأخرين ممن انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز. والأرض وكذا النجوم دائرة حولها. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 29 ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها.

وقال أيضاً في صفحة 33 والمنجمون يقسمون النجوم إلى ثوابت وسيارات والسيارات عند المتقدمين سبع بإجماعهم. وعند المنجمين اليوم وهم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس في وسط الكواكب التي تدور حولها وأنها أعظم من الأرض بألف ألف مرة وثلثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة وأن لها حركة على نفسها. وقد استنبط بعض علمائهم من تحول كلفها الذي يظهر على ظهرها ورجوعه في أزمنة مخصوصة أنها تدور على نفسها في خمسة وعشرين يوماً واثنتي عشرة ساعة. وجزموا بأن ليس لها حركة حول الأرض بل للأرض حركة حولها وأن الأرض إحدى السيارات وهي عندهم عطارد والزهرة والأرض والمريخ ووسنة وقد كشفها رجل منهم يقال له «اولبوس» في حدود سنة ثلاث وعشرين ومئتين وألف للهجرة (ونبتون) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هاردنق» في حدود سنة عشرين ومئتين وألف للهجرة (وسيرس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «بياظي» في حدود سنة ست عشرة ومئتين وألف للهجرة (وبلاس) وقد كشفها «اولبوس» أيضاً في حدود سنة سبع عشرة ومئتين وألف. والمشتري وزحل (وأورانوس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هرشل» في حدود سنة سبع وتسعين ومائة وألف للهجرة. ولم يعدوا القمر من السيارات بل من سيارات السيارات لأنه يدور حول الأرض ودورانها حول الشمس. وهو عندهم دون عظم الأرض بتسع وأربعين مرة. وزعموا أن بُعد الشمس عن الأرض أربعة وثلاثون ألف ألف فرسخ فرنسي وهو المقدر بمسافة ساعة وخمسمائة ألف فرسخ ومع هذا يصل نورها إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. وأن البعد الأبعد للقمر عنها أحد وتسعون

ص: 9

ألفاً وأربع مائة وخمسون فرسخاً. والبعد الأقرب له ثمانون ألفاً ومائة وخمسة فراسخ فيكون البعد الأوسط نحو ستة وثمانين ألف فرسخ.

وكانوا يزعمون من قبل أن ليس للشمس حركة على كوكب آخر وإنما لها حركة على نفسها فقط ثم أدركوا أن لها حركة على كوكب من كواكب الثريا وجوزوا أن يكون لذلك الكوكب حركة على كوكب آخر أبعد منه وهكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى فإن سعة الجو غير متناهية عندهم وفيه من الكواكب ما لا يتناهى أيضاً - إلى أن قال - ولهم تقسيمات أخر باعتبارات أُخر بنوا عليها ما بنوا ولا يكاد يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين انتهى.

وإذا علم ما ذكرنا ههنا عن أهل الهيئة الجديدة الذين من أولهم كوبرنيك البولوني في القرن العاشر وهرشل الإنكليزي وأتباعه في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة وأن أصله مأخوذ عن فيثاغورس اليوناني فليعلم أيضاً أن قولهم في سكون الشمس ودوران الأرض عليها قول باطل معلوم البطلان عند كل من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. والأدلة على بطلانه كثيرة جداً. وأنا أذكر ههنا ما تيسر من ذلك وبالله المستعان.

فأما الأدلة من القرآن ففي اثنين وعشرين موضعاً منه وقد قال الله تعالى (ولا ينبئك مثل خبير) قال قتادة يعني نفسه تبارك وتعالى:

الدليل الأول قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) قال الراغب الأصفهاني الجري المر السريع. وقال الجوهري الجارية الشمس والجارية السفينة. وقال ابن منظور في لسان العرب جرت الشمس وسائر النجوم سارت من المشرق إلى المغرب. والجارية الشمس سميت بذلك لجريها من القطر إلى القطر.

ثم ذكر عن صاحب التهذيب أنه قال الجارية عين الشمس في السماء قال الله عز وجل (والشمس تجري لمستقر لها) والجارية الريح قال الشاعر:

فيوماً تراني في الفريق معقلاً

ويوماً أباري في الرياح الجواريا

وقوله تعالى (فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس) يعني النجوم. وجرت السفينة جرياً كذلك. والجارية السفينة صفة غالبة. وفي التنزيل (حملناكم في الجارية) وفيه (وله الجوار المنشئات في البحر) وقوله عز وجل (بسم الله مجراها ومرساها)

ص: 10

ثم ذكر عن الليث أنه قال الخيل تجري والرياح تجري والشمس تجري جرياً إلا الماء فإنه يجري جريه أي بكسر الجيم والجراء للخيل خاصة وأنشد:

غمر الجراء إذا قصرت عنانه

. . . . . . . . . . .

وفرس ذو أجاري أي ذو فنون في الجري انتهى وقد ذكر الله تعالى عن السفن والرياح نظير ما ذكره عن الشمس من المر السريع فقال تعالى (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) وقال تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال) الآية. وقال تعالى (وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا) الآية. وقال تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) الآية وقال تعالى (فالجاريات يسراً) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى. وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم (والشمس تجري لا مستقر لها) قال البغوي أي لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبداً. وقال القرطبي أي أنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار إلى أن يكورها الله يوم القيامة. وقال ابن كثير أي لا قرار لها ولا سكون بل هي سائرة ليلاً ونهاراً لا تفتر ولا تقف كما قال تبارك وتعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى. وكفى بهذه الآية حجة على إبطال ما يزعمه كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويأخذ بأقوالهم من المسلمين.

الدليل الثاني قوله تعالى في سورة الرعد (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) الآية.

الدليل الثالث قوله تعالى في سورة لقمان (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير).

الدليل الرابع قوله تعالى في سورة فاطر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك) الآية.

ص: 11

الدليل الخامس قوله تعالى في سورة الزمر (خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).

ففي هذه الآيات كلها النص على جريان الشمس والقمر والرد على من قال أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم.

قال الراغب الأصفهاني قوله يكور الليل إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما انتهى.

الدليل السادس قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).

الدليل السابع قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).

قال الراغب الأصفهاني السبح المر السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحاً وسباحة واستعير لمر النجوم في الفلك نحو (وكل في فلك يسبحون) ولجري الفرس نحو (فالسابحات سبحا) ولسرعة الذهاب في العمل نحو (إن لك في النهار سبحاً طويلا) انتهى.

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى قوله (وكل في فلك يسبحون) يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني.

قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف في فلكة كفلكة المغزل. وقال مجاهد الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به انتهى.

وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال في فلكة مثل فلكة المغزل.

وروى أيضاً من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (يسبحون) قال يدورون في أبواب السماء كما يدور المغزل في الفلكة.

ص: 12

وروى أيضاً من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (في فلك) يقول دوران. وقوله يسبحون يعني يجرون.

وروى أيضاً من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهداً يقول (وكل في فلك يسبحون) قال النجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل. وقال مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه وكان مجاهد يفسر قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) بهذا. قال مجاهد ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن قال فنقر لي بإصبعه قال فقال مجاهد يد من كذلك كما نقر قال فالحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله لا تدوم إلا به أي لا تدور إلا به ومنه الدوامة بالضم والتشديد وهي فلكة يرميها الصبي بخيط فتدوم على الأرض أي تدور ومنه تدويم الطير وهو تحليقه ودورانه في طيرانه ليرتفع إلى السماء. وقوله نقر بإصبعه يعني نقر بها في الأرض وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك انتهى.

وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يعني استدارتهم.

وروى أيضاً عن الضحاك في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يدور ويذهب.

وروى أيضاً عنه قال الفلك السرعة والجري في الاستدارة ويسبحون يعملون.

وقال البغوي في تفسيره (كل في فلك يسبحون) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح فذكر على ما يعقل.

والفلك مدار النجوم الذي يضمها، والفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل. وقال الحسن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل.

يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة. قال الضحاك فلكها مجراها وسرعة سيرها. قال مجاهد كهيئة حديد الرحى. وقال بعضهم الفلك السماء الذي فيه

ص: 13

ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه وهو معنى قول قتادة. وقال الكلبي الفلك استدارة السماء انتهى.

وفي الآيتين اللتين ذكرنا من سورة الأنبياء وسورة يس رد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون جريان الشمس ويزعمون أنها ثابتة لا تتحرك.

الدليل الثامن قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار).

قال الراغب الأصفهاني الدأب إدامة السير دأب في السير دأباً. قال (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين).

وقال ابن منظور في لسان العرب الدؤب المبالغة في السير وأدأب الرجل الدابة إدآباً إذا أتعبها.

وقال ابن كثير في تفسيره (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي يسيران لا يفتران ليلاً ولا نهاراً. وقال في موضع آخر أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى.

وقال القرطبي: الدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل دائبين في السير امتثالاً لأمر الله والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران انتهى؟

وكفى بهذه الآية حجة على من أنكر جريان الشمس من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم من جهال المسلمين.

وفي قوله تعالى (وسخر لكم) دليل على أن الشمس والقمر يجريان ويدوران على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم ولهذا امتن الله عليهم بذلك في هذه الآية وفي غيرها من الآيات التي سيأتي ذكرها. وكذلك امتن عليهم بذلك في قوله تعالى (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون).

الدليل التاسع قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).

ص: 14

ووجه الاستدلال بهذه الآية على سير الشمس أنه سبحانه وتعالى أخبر أن الليل يطلب النهار طلباً حثيثاً أي سريعاً. والنهار هو ضوء الشمس وهو تابع لها يسير بسيرها فدل على أنها تسير دائماً ولا تستقر.

وفي الآية دليل آخر على سير الشمس وهو قوله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) فإن التسخير المذكور ههنا هو تسخيرها تجري لمصالح العباد كما نص الله تبارك وتعالى على ذلك في قوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) وقوله تعالى في الآيات الأربع التي تقدم ذكرها (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى).

الدليل العاشر قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).

الدليل الحادي عشر قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) والمعنى في هذه الآيات الثلاث واحد وهو أن الله سبحانه وتعالى سخر الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وجعلها تجري دائماً على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم فتبارك الله رب العالمين الذي سخر لعباده ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه.

الدليل الثاني عشر قوله تعالى (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).

وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض وأن الله تعالى سخرها تأتي من المشرق كل يوم وتذهب نحو المغرب. ولو كانت قارة لا تزول عن مكانها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان الإخبار عن الإتيان بها من المشرق لغواً لا معنى له ولا فائدة في ذكره ولكان ينبغي أن يقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لخصمه إن الله يأتي بالأرض من المغرب فأت بها من المشرق. فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة الذين قلبوا الحقيقة وعكسوا القضية بلا برهان بل بمجرد الظن والحسبان. وإنه لينطبق عليهم قول الله تعالى في أشباههم من المتخرصين (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة

ص: 15

الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى).

الدليل الثالث عشر قوله تعالى (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) والبزوغ الطلوع والأفول الغيبوبة.

وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض. وقد ذكر الله تعالى عن القمر من البزوغ والأفول نظير ما ذكر عن الشمس. وذكر أيضاً عن الكوكب من الأفول نظير ما ذكره عن الشمس والقمر فأثبت المسلمون ما أثبته الله للكل من السير والدوران حول الأرض وأثبت ذلك أيضاً أهل الهيئة القديمة. وخالف في بعض ذلك كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين فأثبتوا للقمر السير والدوران على الأرض وأثبتوا للكواكب السيارة السير والدوران على الشمس ونفوا عن الشمس السير بالكلية ولازم ذلك نفي ما أثبته الله تعالى لها من البزوغ والأفول وذلك كفر لا شك فيه لما فيه من تكذيب ما أخبر الله به في كتابه.

ومن أثبت السير والبزوغ والأفول للقمر لزمه أن يثبت ذلك للشمس وإن لم يفعل فقد فرق بين متماثلين وآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. وقد قال الله تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون).

الدليل الرابع عشر قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) الآية.

وقد فسر الدلوك بزوال الشمس عن وسط السماء وفسر بغروبها وكلاهما يدل على سير الشمس.

قال البغوي أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت انتهى.

الدليل الخامس عشر قوله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) الآية.

قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وقتادة وزيد بن أسلم تزاور أي تميل.

الدليل السادس عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) الآية.

ص: 16

الدليل السابع عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً).

الدليل الثامن عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) الآية.

الدليل التاسع عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب).

ووجه الاستدلال بهذه الآية والآيات الست قبلها أن الله سبحانه وتعالى أضاف الطلوع والغروب والدلوك والتزاور إلى الشمس فدل على أنها هي التي تسير وتدور على الأرض فتطلع عليها من ناحية المشرق وتزول إذا توسطت السماء وتغرب من الناحية الأخرى.

ولو كانت الشمس قارة ساكنة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم لكانت إضافة هذه الأشياء إليها لغواً لا معنى له ولا فائدة في ذكره. ولا يخفى أن هذا من لوازم القول باستقرار الشمس وثباتها وهو قول وخيم لا يصدر من أحد يؤمن بالله وكتابه.

الدليل العشرون قوله تعالى (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) وفي هذه الآية دليل على أن الشمس تسير والقمر يتلوها تابعاً لها. قال ابن عباس رضي الله عنهما تلاها تبعها رواه ابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وكذا قال مجاهد تلاها تبعها.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يتلو النهار. وقال قتادة إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال. وقال ابن زيد هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر.

الدليل الحادي والعشرون قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان).

الدليل الثاني والعشرون قوله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم) وقد تقدم قريباً قول مجاهد إن ذلك كحسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه. قال ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا

ص: 17

يدوم إلا بهن. قال والحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل رواه ابن أبي حاتم. وذكره البخاري في صحيحه مختصراً فقال وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري مراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها.

وقيل الحسبان مصدر كالحساب أي جعل الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر معلوم لا يجاوزانه في منازل لا يعدوانها. قال ابن عباس رضي الله عنهما (الشمس والقمر بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. ولا منافاة بين القولين فإن الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل في فلك مستدير كاستدارة الرحى والله أعلم.

وقد قرن الله تبارك وتعالى وهو العليم الخبير - بين الشمس والقمر في أكثر هذه المواضع التي ذكرنا وأخبر أن كلاً منهما يجري ويسبح في الفلك فاعترف أهل الهيئة الجديدة بذلك في القمر وأنكروه في الشمس فكان مثلهم في ذلك مثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وليس لهم على التفريق دليل أبداً إلا أن يكون من التخرصات الكاذبة والتوهمات الفاسدة. ونقول لهم ما أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقوله لسلفهم (قل أأنتم أعلم أم الله).

فصل

وأما دلالة السنة على جريان الشمس ففي أحاديث كثيرة نذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى.

الحديث الأول عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس «تدري أين تذهب» قلت الله ورسوله أعلم قال «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها» فذلك قول الله تعالى (والشمس

ص: 18

تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) متفق عليه واللفظ للبخاري ورواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

قال وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى انتهى وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا الله ورسوله أعلم قال «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع تصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً» .

وفي هذا الحديث الصحيح أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض، وفيه رد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس ثابتة لا تجري ولا تتحرك.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه» الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس» رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط البخاري.

وهذا الحديث والذي قبله من أقوى الأدلة على سير الشمس ولهذا قال لها يوشع بن

ص: 19

نون إنك مأمورة وأنا مأمور ثم دعا الله تعالى أن يحبسها عليه فحبست فهذا نص صريح في أن الشمس هي التي تسير وتدور على الأرض.

ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي ليوشع بن نون أن يخاطب الأرض ويدعو الله تعالى أن يحبسها عليه. وعلى قولهم يكون خطاب يوشع للشمس خطأ ودعاؤه بأن تحبس عليه لغواً، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مقرراً له خلاف الصواب. هذا مقتضى قولهم الباطل وهو مما ينزه عنه آحاد العقلاء فضلاً عن أنبياء الله المعصومين فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة أنى يؤفكون.

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار» . رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي وإسناده حسن. وفيه دليل على جريان الشمس. وفيه أيضاً الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس لا تجري ولا تتحرك.

الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق أمية في شيء من شعره فقال:

رجل وثور تحت رجل يمينه

والنسر للأخرى وليث مرصد

فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق» وقال:

والشمس تطلع كل آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورد

تأبى فما تطلع لنا في رسلها

إلا معذبة وإلا تُجْلَد

فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق» رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله في زوائد المسند وفي كتاب السنة وابن خزيمة في كتاب التوحيد وأبو يعلى والطبراني ورواته ثقات.

وفي بعض طرقه عند ابن خزيمة تصريح محمد بن إسحاق أن شيخه حدثه بذلك فزال ما يخشى من تدليسه.

قال ابن خزيمة قوله وإلا تجلد معناه اطلعي كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

قلت قول ابن عباس رضي الله عنهما الذي أشار إليه ابن خزيمة هو ما رواه أبو بكر ابن الأنباري في كتاب المصاحف بإسناده عن عكرمة قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر

ص: 20

قلبه فقال هو حق فما أنكرتم من ذلك قلت قوله في الشمس إلا معذبة وإلا تجلد فقال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك عن الله عز وجل يأمرها بالطلوع فتشتعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها.

وروى أبو نعيم في الحلية من طريق الأوزاعي عن عبدة - يعني ابن أبي لبابة - قال ما ظهرت الشمس قط حتى تضرب مرة أو مرتين حتى تجذب جذباً تقول إني أعبد من دون الله.

الحديث السادس عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» متفق عليه.

الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس» رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وإسناده صحيح.

الحديث التاسع عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها» رواه مالك والشافعي وأحمد والنسائي بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين.

الحديث العاشر عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال «جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل

ص: 21

الرمح ظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائي والترمذي مختصراً وقال هذا حديث حسن صحيح غريب.

وفي إضافة الطلوع والارتفاع والزوال والدنو والغروب إلى الشمس دليل على أنها تجري وتدور على الأرض. ولو كانت ثابتة في موضعها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي أن تجعل هذه الأفعال للأرض وهذا لا يقوله عاقل.

والأحاديث التي فيها ذكر طلوع الشمس وزوالها وغروبها وطلوعها في آخر الزمان من مغربها كثيرة جداً وفيما ذكرته ههنا كفاية لمن أراد الله هدايته. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها قال وكذلك القمر.

فصل

وإذا علم أن جريان الشمس ثابت بالدلائل القطعية من نصوص الكتاب والسنة فليعلم أيضاً أنه ثابت بالمشاهدة من سيرها في البروج والمنازل كما يسير القمر وسائر الكواكب السيارة فيها ففي أول برج الحمل تكون الشمس سائرة في خط الاستواء وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة، ثم تميل بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى جهة القطب الشمالي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في أول برج السرطان وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الشمالي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الجنوبي مائة وثلاث عشرة درجة، ثم ترجع شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الميزان وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة.

ثم تميل بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى جهة القطب الجنوبي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في

ص: 22

أول برج الجدي وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الجنوبي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الشمالي مائة وثلاث عشرة درجة. ثم ترجع شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الحمل. وهكذا هي سائرة على الدوام. ولها في كل ثلاثة عشر يوماً منزلة من المنازل الثمان والعشرين تقارنها في مسيرها ثم تتخلف عنها وتقارن التي تليها وهكذا هي على الدوام. وأما القمر فله في كل يوم وليلة منزلة من المنازل يقارنها في مسيره.

ولو كانت الشمس ساكنة ثابتة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كانت تدور على البروج والمنازل وتكون في خط الاستواء تارة وتميل نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة وتقرب من القطب الشمالي في الصيف وتبعد عنه في الشتاء وتقرب من القطب الجنوبي في الشتاء وتبعد عنه في الصيف وتتوسط بين القطبين في فصلي الربيع والخريف.

وسيرها في البروج والمنازل وميلها نحو الجنوب في الشتاء ونحو الشمال في الصيف ورجوعها إلى خط الاستواء في فصلي الربيع والخريف معلوم عند كل عاقل ولا ينكره إلا من هو ذاهب العقل أو معاند يكابر في المحسوسات ويباهت في الضروريات.

وقد تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

فصل

في ذكر الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها. فأما الأدلة من القرآن ففي عدة آيات.

الآية الأولى قوله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً).

وهذه الآية من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة.

الآية الثانية قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره).

ص: 23

قال البغوي قال ابن مسعود رضي الله عنه قامتا على غير عمد بأمره. وقال ابن كثير على قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال والذي تقوم السماء والأرض بأمره. أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها.

وقال ابن منظور في لسان العرب ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات يقال للماشي قف لي أي تحبس مكانك حتى آتيك وكذلك قم لي بمعنى قف لي وعليه فسروا قوله سبحانه (وإذا أظلم عليهم قاموا) قال أهل اللغة والتفسير قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين. ومنه التوقف في الأمر وهو الوقوف عنده من غير مجاوزة له، قال ومنه قامت الدابة إذا وقفت عن السير وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح ومنه قولهم أقام بالمكان هو بمعنى الثبات، ويقال قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد منفذاً وإذا جمد أيضاً.

قلت ومنه قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فمعناه الوقوف والثبات وعدم الحركة والدوران والله أعلم.

الآية الثالثة قوله تعالى في سورة المؤمن (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي جعلها لكم مستقراً بساطاً مهاداً تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم (والسماء بناء) أي سقفاً للعالم محفوظاً.

الآية الرابعة قوله تعالى في سورة النمل (أم من جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى يقول (أم من جعل الأرض قراراً) أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها وترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطاً ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك كما قال تعالى في الآية الأخرى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقال البغوي قراراً لا تميد بأهلها قلت والقرار معناه في لغة العرب الثبات والسكون قال في القاموس وشرحه قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقرا وتقرة ثبت

ص: 24

وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر انتهى.

ثم قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) أي جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم.

وقال القرطبي على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) يعني جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة.

الآية الخامسة قوله تعالى في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلا لعلكم تهتدون).

الآية السادسة قوله تعالى في سورة الأنبياء (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم الآية).

الآية السابعة قوله تعالى في سورة لقمان (خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) الآية. وفي كل من هذه الآيات دليل على استقرار الأرض وسكونها.

قال الراغب الأصفهاني الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض قال (أن تميد بكم).

وقال ابن الجوزي في تفسير سورة النحل. قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) أي نصب فيها جبالاً ثوابت (أن تميد) أي لئلا تميد، وقال الزجاج كراهة أن تميد يقال ماد الرجل يميد ميداً إذا أدير به، وقال ابن قتيبة الميد الحركة والميل يقال فلان يميد في مشيته أي يتكفأ.

وقال البغوي قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل والميد هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر ميد.

قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة إن هذه غير مقرة أحداً على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال.

قلت وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن نحوه. وروى سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد نحو ذلك أيضاً.

ص: 25

وروى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعملون علي بالخطايا فأرساها الله بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمه.

ويشهد لهذه الآثار ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» . الحديث.

وقال ابن كثير في تفسير سورة النحل. ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك.

وقال أيضاً في تفسير سورة الأنبياء. قوله (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها وقال أيضاً في تفسير سورة لقمان على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) يعني الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء ولهذا قال (أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم. وقال القرطبي في تفسير سورة الأنبياء. وقوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا ثوابت (أن تميد بهم) أي لئلا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها قاله الكوفيون. وقال البصريون المعني كراهية أن تميد والميد التحرك والدوران يقال ماد رأسه أي دار.

وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) الميد التحرك والدوران أي لئلا تتحرك وتدور بهم.

الآية الثامنة قوله تعالى في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) الآية قال ابن كثير أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وأرساها بجبال راسيات شامخات.

وقال البغوي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) جبالا ثابتة واحدتها راسية.

وقال القرطبي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) أي جبالا ثوابت واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت.

ص: 26

الآية التاسعة قوله تعالى في سورة الحجر (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية. قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد إلى أن أرساها الله بالجبال.

الآية العاشرة قوله تعالى في سورة فصلت (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) الآية. قال البغوي (وجعل فيها) أي في الأرض (رواسي) جبالا ثوابت قال القرطبي واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت.

الآية الحادية عشرة قوله تعالى في سورة ق (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا شوامخ.

وقال ابن كثير على قوله (والأرض مددناها) أي وسعناها وفرشناها (وألقينا فيها رواسي) وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها.

الآية الثانية عشرة قوله تعالى في سورة المرسلات (ألم نجعل الأرض كفاتا. أحياء وأمواتاً. وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا) قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعلنا فيها رواسي شامخات) يعني الجبال رسَّى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب.

الآية الثالثة عشرة قوله تعالى في سورة النازعات (والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها. متاعاً لكم ولأنعامكم) قال ابن كثير على قوله (والجبال أرساها) أي قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها وهو الحكيم العليم. وقوله (متاعا لكم ولأنعامكم) أي دحا الأرض فأنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها كل ذلك متاعاً لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.

الآية الرابعة عشرة قوله تعالى في سورة النبأ (ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا) قال ابن كثير رحمه الله تعالى على قوله (ألم نجعل الأرض مهادا) أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة (والجبال أوتادا) أي جعلها لها أوتادا أرساها

ص: 27

بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.

وقال القرطبي على قوله (والجبال أوتاداً) أي لتسكن ولا تتكفأ بأهلها.

وقال ابن منظور في لسان العرب وأوتاد الأرض الجبال لأنها تثبتها.

الآية الخامسة عشرة قوله تعالى في سورة الزخرف (الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون) قال ابن كثير على قوله (الذي جعل لكم الأرض مهدا) أي فراشا قرارا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتتصرفون مع أنها مخلوقة على تيار الماء لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا.

الآية السادسة عشرة قوله تعالى في سورة الذاريات (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال ابن كثير أي جعلناها فراشاً للمخلوقات (فنعم الماهدون) أي وجعلناها مهداً لأهلها. وقال في البداية والنهاية. وقوله (والأرض فرشناها) أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم وقال البغوي على قوله (والأرض فرشناها) بسطناها ومهدناها لكم (فنعم الماهدون) الباسطون نحن. قال ابن عباس رضي الله عنهما نعم ما وطأت لعبادي.

الآية السابعة عشرة قوله تعالى في سورة البقرة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) الآية.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشاً أي مهدا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات. والسماء بناء وهو السقف. قال ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم) الآية. قال ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).

قلت وقد استدل الرازي بهذه الآية على سكون الأرض وثباتها وسيأتي كلامه مع الأدلة العقلية على ثبات الأرض إن شاء الله تعالى.

الآية الثامنة عشرة قوله تعالى في سورة نوح (والله جعل لكم الأرض بساطاً.

ص: 28

لتسلكوا منها سبلا فجاجا) قال البغوي على قوله (والله جعل لكم الأرض بساطاً) فرشها وبسطها لكم وقال ابن كثير أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها.

الآية التاسعة عشرة قوله تعالى في سورة الملك (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) قال ابن كثير رحمه الله تعالى ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال.

وقال القرطبي في تفسيره وقيل أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا.

قلت قد زعم أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين أن الأرض تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتراً وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ. ولو كان الأمر على ما زعموه من سير الأرض بهذه السرعة الهائلة لما كانت ذلولا للخلائق ولا فراشاً ولا مهداً ولما استقر على ظهرها شيء من البناء والشجر فضلا عن الحيوانات وذلك لشدة مخرها للهواء وشدة صدم الهواء لوجهها.

واعتبر ذلك بالطائرة النفاثة التي لا تبلغ في سرعة سيرها عشر عشر العشر مما زعموه في سرعة سير الأرض. هل يقول عاقل أنه يمكن أن يستقر حيوان على ظهر الطائرة النفاثة وهي سائرة. كلّا لا يقول ذلك عاقل أبداً. وإذا كان استقرار الحيوانات على ظهر الطائرة في حال سيرها مستحيلا فكذلك الاستقرار على ظهر الأرض لو كانت تسير بالسرعة الهائلة التي زعموها بطريق الأولى ولما كانت الأرض ذلولا للخلائق وفراشاً ومهداً لهم دل ذلك على أنها ثابت ساكنة.

فهذه الآية والآيات الخمس قبلها من أوضح الأدلة على سكون الأرض وثباتها.

الآية العشرون قوله تعالى في سورة الملك (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) قال ابن كثير أي تذهب وتجيء وتضطرب.

وقال البغوي قال الحسن تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم وقال الراغب الأصفهاني

ص: 29

المور الجريان السريع يقال مار يمور موراً. قال (يوم تمور السماء موراً) ومار الدم على وجهه. والمور التراب المتردد بالريح وناقة تمور في سيرها فهي موارة.

وقال الجوهري والهروي وغيرهما من أئمة اللغة مار الشيء يمور موراً إذا جاء وذهب.

وقال ابن الأثير وفي حديث قس ونجوم تمور أي تذهب وتجيء قلت والمعنى في قوله تعالى (فإذا هي تمور) كالمعنى في قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) قال مجاهد في تفسير هذه الآية تدور دورا. وقال الضحاك استدارتها وتحركها لأمر الله وموج بعضها في بعض. قال ابن كثير وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة. قال وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى بيت الأعشى فقال:

كان مشيتها من بيت جارتها

مور السحابة لا ريث ولا عجل

قلت ومثل ذلك قول كعب بن زهير في الريح.

عفته رياح الصيف بعدي بمورها

وأبرته الجوزاء بالوبل والديم

وقال البغوي في تفسيره (يوم تمور السماء موراً) أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قال قتادة تتحرك. وقال عطاء الخراساني تختلف أجزاؤها بعضها في بعض وقيل تضطرب. والمور يجمع هذه المعاني فهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب انتهى.

إذا علم هذا فآية سورة الملك دالة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور فتذهب وتجيء ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على عباده بتذليلها لهم وحذرهم من عقوبته بأن يخسف بهم الأرض ويجعلها تمور بهم. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح ولم يبق للتخويف بمورها فائدة.

الآية الحادية والعشرون قوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم).

الآية الثانية والعشرون قوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء) الكسف القطع.

ص: 30

الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى إخبارا عن مشركي قريش أنهم قالوا (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً).

الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى إخبارا عن قوم شعيب أنهم قالوا (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين).

الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم).

ووجه الاستدلال بهذه الآيات الخمس على استقرار الأرض وسكونها أن الله سبحانه وتعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينزل من السماء فلو سقطت السماء لوقعت على الأرض ولو سقط منها شيء لم يستقر إلا في الأرض. ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب للقرآن.

وقد قال الله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت).

وقال تعالى (إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت).

قال البغوي وغيره في قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى (وإذا الكواكب انتثرت).

وروى ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحاً دبورا فيضرمها ناراً» .

وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» .

ورواه البزار عن إبراهيم بن زياد البغدادي عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا

ص: 31

أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما. إسناده صحيح على شرط مسلم.

وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا.

قلت وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه.

وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)(وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم).

وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم في مستدركه عن يعلي بن أمية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي الآيات من سورتي التكوير والانفطار مع هذه الأحاديث دليل على أن الأرض هي المركز والمستقر للأثقال وذلك يدل على سكونها وثباتها كما تقدم تقريره وفيها رد على أهل الهيئة الجديدة القائلين بحركة الأرض ودورانها وعلى من يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين.

فصل

وأما الأحاديث الدالة على استقرار الأرض وسكونها.

فالأول منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي.

وهذا الحديث نص في استقرار الأرض وسكونها.

الحديث الثاني عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر باباً من قبل المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين

ص: 32

أو سبعين عاماً خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية لهما «إن الله عز وجل جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله وذلك قول الله تبارك وتعالى (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها) الآية» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح ولفظه «إن من قبل مغرب الشمس باباً مفتوحاً عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحاً للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً» .

وهذا الحديث الصحيح من أقوى الأدلة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور ولا تفارق موضعها أبداً. وهذا مستفاد من النص على أن باب التوبة ثابت في ناحية المغرب لا يزايله ولا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت وجهة ذلك الباب تختلف بحسب دوران الأرض فتكون من ناحية المغرب تارة ومن ناحية المشرق أخرى وعلى مسامتة الرأس تارة وفي الجهة المقابلة لذلك أخرى وفيما بين هذه الجهات تارات بحسب دوران الأرض وسيرها على حد زعمهم الكاذب وهذا إبطال للنص بغير دليل شرعي بل بمجرد الظنون الكاذبة والتوهمات الخاطئة.

الحديث الثالث. قال أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي في أخبار مكة حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت الذي في السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء هذا البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً» .

ورواه الطبراني فقال أنبأنا الحسن بن علوية القطان حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة حدثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه يدخله

ص: 33

كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة. يعني في الأرض».

قال ابن كثير وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وغير واحد.

وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه «هل تدرون ما البيت المعمور» قالوا الله ورسوله أعلم قال «فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم» .

وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة» .

وقال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه ما البيت المعمور قال بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً.

ثم رواه ابن جرير من حديث علي بن ربيعة وأبي الطفيل أن ابن الكواء سأل علياً رضي الله عنه عن البيت المعمور قال مسجد في السماء يقال له الضراح يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً.

ورواه أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة فقال حدثني جدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه ما البيت المعمور قال هو الضراح وهو حذاء هذا البيت وهو في السماء السادسة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً وقال أيضاً حدثني أبو محمد قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة بنحوه إلا أنه قال في السماء السابعة وقال لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة. وقال أيضاً حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال

ص: 34

الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً.

قال الجوهري الضراح بالضم بيت في السماء وهو البيت المعمور عن ابن عباس.

وقال ابن الأثير الضراح بيت في السماء حيال الكعبة ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد ومن رواه بالصاد فقد صحف.

وقال ابن منظور في لسان العرب الضراح بالضم بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض قيل هو البيت المعمور عن ابن عباس وفي الحديث الضراح بيت في السماء حيال الكعبة. ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد.

وقال صاحب القاموس الضراح كغراب البيت المعمور في السماء الرابعة انتهى وقوله في السماء الرابعة غلط إما منه أو ممن دونه من النساخ أو الطابعين لأنه قد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن البيت المعمور في السماء السابعة والله أعلم.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكرنا معه من الآثار المتعاضدة دليل على استقرار الأرض وسكونها. وهذا مستفاد من النص على أن الكعبة بحيال البيت المعمور في السماء وإن البيت المعمور لو سقط لسقط على الكعبة.

ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان البيت المعمور بحيال الكعبة ولو خر لم يخر عليها بل يخر على الشمس لأنها هي المستقرة والمركز الذي تدور عليه الأفلاك على حد زعمهم الكاذب، ويلزم على هذا تكذيب الحديث والآثار المذكورة ههنا بغير مستند صحيح.

الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام وأنه لم يحل لأحد قبلي وإنما أحل لي ساعة من نهار ثم عاد كما كان» رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه ولبعضه شواهد في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح الخزاعي رضي الله عنهم.

ص: 35

وفيه دليل على استقرار الأرض وسكونها وهذا مستفاد من النص على تحريم ما حيال حرم مكة من السماء. ولو كانت الأرض تدور كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان حرم السماء بحيال حرم الأرض في كل وقت بل يكون بحياله تارة وبحيال غيره تارات وهذا تكذيب للحديث بلا برهان.

الحديث الخامس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبيهقي وقال الترمذي هذا حديث إسناده حسن صحيح.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على استقرار الأرض وثباتها أن الله تعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينزل من السماء ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب لهذا الحديث الصحيح.

وفي الحديث دليل آخر على استقرار الأرض وثباتها وذلك مستفاد من النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. والنص شامل لوجه الأرض من جميع الجهات لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يخص جهة منها دون الجهة الأخرى فدل عموم النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة من كل جهة. وقد قرر الإمام أبو الحسين ابن المنادي أن بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد ووافقه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وغيره على ذلك. وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرنا دليل لما قالوه. وكذلك ما سيأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس وأبي سعيد رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض. وقد قرروا أيضاً أن السماء مستديرة وأنها على مثال الكرة وأنها محيطة بالأرض من جميع جهاتها وأن الأرض كروية الشكل وهي في وسط كرة السماء وحكى غير واحد الإجماع على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وهذا مع النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة يدل على أن الأرض ثابتة لا تفارق موضعها.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى اعلم أن الأرض قد اتفقوا

ص: 36

على أنها كروية الشكل وهي في الماء بأكثرها إذ اليابس السدس وزيادة بقليل. والماء أيضاً مقبب من كل جانب للأرض. والماء الذي فوقها بينه وبين السماء كما بيننا وبينها مما يلي رؤوسنا. وليس تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز فلا يكون لنا جهة بينة إلا جهتان العلو والسفل وإنما تختلف الجهات باختلاف الإنسان. فعلو الأرض وجهها من كل جانب وأسفلها ما تحت وجهها. ونهاية المركز هو الذي يسمى محط الأثقال. فمن وجه الأرض والماء من كل وجهة إلى المركز يكون هبوطاً ومنه إلى وجهها صعودا. وإذا كانت سماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كروية وكذا الباقي. والكرسي فوق الأفلاك كلها والعرش فوق الكرسي. ونسبة الأفلاك وما فيها بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة والجملة بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة.

والأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع فإن لفظ الفلك يدل على الاستدارة ومنه قوله تعالى (كل في فلك يسبحون) قال ابن عباس في فلكة كفلكة المغزل. ومنه قولهم تفلك ثدي الجارية إذا استدار. وأهل الهيئة والحساب متفقون على ذلك.

وقال الشيخ أيضاً. السموات مستديرة عند علماء المسلمين وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف.

وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج ابن الجوزي. وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية وإن كان قد أقيم على ذلك أيضاً دلائل حسابية. ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين فأفسدوا عليهم فاسد مذهبهم في الأحوال والتأثير خلطوا الكلام معهم بالمناظرة في الحساب وقالوا على سبيل التجويز يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ولم ينفوا أن تكون مستديرة لكن جوزوا ضد ذلك وما علمت من قال إنها غير مستديرة وجزم بذلك إلا من لا يؤبه له من الجهال.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق

ص: 37

النهار وكل في فلك يسبحون) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف في فلكة مثل فلكة المغزل. وهذا صريح بالاستدارة والدوران. وأصل ذلك أن الفلك في اللغة هو الشيء المستدير يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار ويقال لفلكة المغزل المستديرة فلكة لاستدارتها. فقد اتفق أهل التفسير واللغة على أن الفلك هو المستدير.

والمعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين. من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف. ومن اللغة التي نزل القرآن بها وهي لغة العرب.

وقال تعالى (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قالوا والتكوير التدوير يقال كورت العمامة إذا دورتها. ويقال للمستدير كارة وأصله كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. ويقال أيضاً كره وأصله كورة وإنما حذفت عين الكلمة كما قيل في ثبة وقله.

والليل والنهار وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة فإن الزمان مقدار الحركة والحركة قائمة بالجسم المتحرك. فإذا كان الزمان التابع للحركة التابعة للجسم موصوفاً بالاستدارة كان الجسم أولى بالاستدارة.

ثم ذكر الشيخ ما يدل على استدارة الأفلاك إلى أن قال - والحس مع العقل يدل على ذلك فإنه مع تأمل دوران الكواكب القريبة من القطب في مدار ضيق حول القطب الشمالي ثم دوران الكواكب المتوسطة في السماء في مدار واسع وكيف يكون في أول الليل وفي آخره يعلم ذلك. وكذلك من رأى حال الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها في الأوقات الثلاثة على بعد واحد وشكل واحد ممن يكون على ظهر الأرض علم أنها تجري في فلك مستدير وأنه لو كان مربعاً لكانت وقت الاستواء أقرب إلى من تحاذيه منها وقت الطلوع والغروب. وأما من ادعى ما يخالف الكتاب والسنة فهو مبطل في ذلك وإن زعم أن معه دليلا حسابياً.

وقال الشيخ أيضاً: قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة - ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وقد تقدم ذكر بعضها في كلامه الذي ذكرنا قبل هذا. إلى أن قال - وأما إجماع العلماء فقال إياس بن معاوية الإمام المشهور قاضي البصرة من التابعين، السماء على الأرض مثل القبة.

ص: 38