المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ تفسير الحكمة

السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة فقدرتهم عاجزة عن اكتشاف القمر وتحقيق الأمر فيه.

وقد أخطأ الألوسي في إطلاقه وصف الحكمة على الهيئة الجديدة ههنا وفي صفحة 130 والصواب أنها الجهل الكثيف وعين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد اختلف العلماء في‌

‌ تفسير الحكمة

. فقال السدي هي النبوة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله. وقال الضحاك القرآن والفهم فيه. وقال مجاهد هي القرآن والعلم والفقه. وعنه أيضاً أنه قال هي الإصابة في القول والفعل، وقال أبو العالية الحكمة خشية الله. وعنه أيضاً الحكمة الكتاب والفهم، وقال إبراهيم النخعي الحكمة الفهم. وقال أبو مالك الحكمة السنة. وقال مالك الحكمة الفقه في دين الله.

قال ابن كثير والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة والرسالة أخص ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع كما جاء في بعض الأحاديث «من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه» رواه وكيع بن الجراح في تفسيره.

وقال النووي في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد ما ذكر كلام النووي: وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله وعلى النبوة كذلك. وقد تطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك.

وقال أيضاً وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة انتهى.

ومما ذكرنا من أقوال العلماء في الحكمة يتضح لطالب العلم أنه لا حظ لأهل الهيئة الجديدة في الحكمة وأنهم بعيدون منها غاية البعد فهم منها كما قيل:

ص: 136

سارت مشرِّقة وسرت مغرّباً

شتان بين مشرّق ومغرّب

وقد كان مشركو قريش يكنون أبا جهل بأبي الحكم فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وكناه بأبي جهل.

وهكذا يقال في أعداء الله تعالى من أهل الهيئة الجديدة وأشباههم من الفلاسفة المشركين أنهم أهل الجهل لا أهل الحكمة لأن صفة الجهل هي المطابقة لحالهم على الحقيقة فوصفهم بذلك هو الذي يليق بهم كأبي جهل.

وقد قال الله تعالى (ويؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).

والحكمة هي ما أنزله الله على أنبيائه الكرام من العلم النافع. قال الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم).

وقال تعالى بعد ذكر الأوامر والنواهي في أول سورة الإسراء: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) قال البغوي وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمة.

وقال تعالى (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) وآل إبراهيم هم الأنبياء بعده.

وقال تعالى في ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل).

وإذا كانت الحكمة منزلة على الأنبياء فلورثتهم وهم العلماء العاملون حظ منها كل بحسبه. قال الله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة). وفي الحديث الصحيح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والشيخان والنسائي وابن ماجه.

فأما الفلاسفة المشركون فهم أعداء الأنبياء وليس لهم من الحكمة الموروثة عن الأنبياء حظ ولا نصيب البتة وبسبب كفرهم وعنادهم فقد أوتوا شراً كثيراً وجهلاً عظيماً، ومع هذا يزعمون ويزعم المقلدون لهم أنهم من أهل الحكمة ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون.

ص: 137

ومنها أنه قرر في صفحة 129 أن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين وهناك ما يستضيء به أهلها سابحاً في فلك بحر قدرة الله عز وجل.

ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها.

قلت هذا كله تخبيط وهذيان لا دليل عليه وسيأتي بيان بطلانه إن شاء الله تعالى.

ومن هذا القبيل ما ذكره في صفحة 30 عن ابن عربي أنه قال إن الله تعالى خلق الأرض سبع طبقات وجعل كل أرض أصغر من الأخرى ليكون على كل أرض قبة سماء وأن السموات على الأرضين كالقباب على كل أرض سماء أطرافها عليها نصف كرة وكرة الأرض لها كالبساط فهي مدحية دحاها من أجل السماء أن تكون عليها انتهى تخبيطه وهذيانه.

ومنها قوله في صفحة 130 ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السموات أكثر من سبع والاقتصار على العدد المذكور الذي هو عدد تام لا يستدعي نفي الزائد.

قلت هذا باطل مردود لمخالفته لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة الدالة على أن السموات سبع فقط وأن الأرضين سبع فقط. ومخالفته أيضاً لإجماع أهل السنة والحديث فقد ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» إجماع أهل السنة على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع.

وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن أبي بكر الأنباري أنه ذكر إجماع أهل الحديث والسنة على أن الأرضين سبع بعضهن فوق بعض.

وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية» .

(المسألة التاسعة عشرة) الأرض عقيدة المسلمين فيها أنها سبع أرضين واحدة تحت واحدة كما أن السماء سبع واحدة فوق واحدة.

فمن قال واعتقد أنها واحدة لا تعدد فيها يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن). ولتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره أيضاً ثم ذكر ما رواه الإمام أحمد والشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول

ص: 138

الله صلى الله عليه وسلم قال «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» .

وما رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين» .

ومنها أنه في صفحة 130 أشار إلى ما قرره في صفحة 129 من أن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين إلى آخر كلامه. ثم قال وليس ذلك مما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالف قطعياً من أدلة المسلمين.

قلت هذا قول باطل مردود بالنص والإجماع.

أما النص فقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين» رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والأحاديث بنحوه كثيرة وليس هذا موضع ذكرها.

والخسف إنما يكون من تحت ولا يكون من جهة العلو فإن ذلك يسمى عروجاً وصعوداً ورقياً كما قال تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون) وقال تعالى (كأنما يصعد في السماء) وقال تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرأه) وقال تعالى (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية). وفي قوله صلى الله عليه وسلم «خسف به إلى سبع أرضين» دليل على أن الأرضين بعضهن فوق بعض وأعلاهن ما نحن عليه.

قال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية بعد أن ساق عدة أحاديث في إثبات سبع أرضين. قال فهذه الأحاديث كالمتواترة في إثبات سبع أرضين. والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الأخرى والتي تحتها في وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الأمر إلى السابعة وهي صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع انتهى.

وأما الإجماع فقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، قد خلق الله سبع أرضين بعضهن فوق بعض كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة» .

ص: 139

وقد ذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك وأراد به أهل الحديث والسنة انتهى.

ولو كان الأمر على ما ذهب إليه الألوسي من كون الأرضين بين السموات وكل أرض منها بين سمائين لكان المخسوف به إلى سبع أرضين يخسف به على هذه الأرض التي نحن عليها ثم يرفع فوق السماء الدنيا فيخسف به في الأرض الثانية ثم يرفع فوق السماء الثانية فيخسف به في الأرض الثالثة وهكذا إلى الأرض السابعة التي هي على قول الألوسي بين السماء السادسة والسماء السابعة. وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل. ومجرد تصوره يكفي في معرفة فساده ومصادمته لما هو معلوم بالضرورة من الدين ومخالفته لما هو قطعي من أدلة المسلمين وهو ما ذكرناه آنفاً من النص والإجماع.

وستأتي بقية الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وقلة بركته مع الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة إن شاء الله تعالى.

ومما ذكرته من هذه الأمثلة التي تقدم ذكرها والأمثلة التي ستأتي يتضح أن كتاب الألوسي لا خير فيه وأنه لا يستحق المدح.

وأيضاً فقد اشتمل على تعظيم ابن عربي الطائي إمام القائلين بوحدة الوجود وتلقيبه بمحي الدين والترحم عليه والنقل من هذيانه وما كان كذلك فليس فيه بركة ولا يستحق المدح وإنما يستحق الذم والتحذير منه.

وقد ثبت عند المحققين أن ابن عربي من أكفر أهل الأرض وممن سعى في إماتة دين الإسلام وإبداله بنحلته الخبيثة التي هي شر مما كان عليه اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل.

وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية فيه وفي أشباهه أنهم أكفر من اليهود والنصارى.

وكلام العلماء في تكفير ابن عربي كثير جداً.

وقد صنف العلامة برهان الدين البقاعي كتاباً في تكفيره وتكفير أشباهه من الاتحادية سماه (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) قال في أوله وينبغي أن يعلم أولا أن كلامه دائر على الوحدة المطلقة وهي أنه لا شيء سوى هذا العالم. وأن الله أمر كلي لا وجود له

ص: 140

إلا في ضمن جزئياته. ثم إنه يسعى في إبطال الدين من أصله بما يحل به عقائد أهله بأن كل أحد على صراط مستقيم، وأن الوعيد لا يقع منه شيء. وعلى تقدير وقوعه فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم ونحو ذلك.

ثم ذكر البقاعي شيئاً كثيراً من شطحات ابن عربي وأقواله الباطلة وذكر أقوال العلماء في تكفيره وتكفير أشباهه فأجاد وأفاد وصنف أيضاً كتاباً آخر في تكفيره وتكفير ابن الفارض ومن كان على طريقتهما سماه (تحذير العباد. من أهل العناد) وقد طبع الكتابان معاً في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة في سنة 1372 هـ وسماهما الناشر مصرع التصوف فليراجعهما من لا يعرف حال ابن عربي ليرى كلام العلماء فيه.

وإذا كان الأمر في ابن عربي ما ذكرنا فليس بسلفي من يعظمه ويترحم عليه ويعتمد على هذيانه، ولا خير في كتاب يشتمل على تعظيمه وتعظيم أشباهه والله المستعان.

الأمر الثاني من الأخطاء زعم الألوسي أن الهيئة الجديدة قويمة البرهان وأن القرآن الكريم يعضدها.

والجواب أن يقال ليس الأمر كذلك بل الهيئة الجديدة عديمة البرهان. والقرآن العظيم يعارضها ويشهد ببطلانها.

وكذلك السنة وإجماع المسلمين.

والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها ما تيسر وبالله المستعان.

المثال الأول قولهم إن الشمس ثابتة وأنها مركز العالم وأن الأرض وسائر السيارات والثوابت تتحرك عليها.

وهذا قول باطل ترده نصوص القرآن والسنة. وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع.

المثال الثاني قولهم إن الأرض تدور على الشمس.

وهذا قول باطل ترده الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة. ويرده أيضاً إجماع المسلمين على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها وقد تقدم ذلك فليراجع.

وقد اضطرب قول الألوسي في هذه المسألة والتي قبلها. فمرة يوافق أهل الهيئة الجديدة

ص: 141

على قولهم ويحتج لهم. ومرة يذكر قولهم ويسكت، ومرة يخالفهم ويقول إنه يجب الرجوع في هذا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة، وهذا القول هو الحق لو كان الألوسي يثبت عليه.

المثال الثالث إنكارهم وجود السموات السبع.

وذلك هو الكفر الصريح والضلال البعيد لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

وكثير من جهال المسلمين يوافقونهم على هذا المذهب الباطل وذلك ردة وخروج من دين الإسلام.

قال الألوسي في صفحة 19 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن. مما يعضد الهيئة الجديدة). وأما ما ذهب إليه متأخرو الفلاسفة فلا سماء عندهم بل الأجرام العلوية قائمة بالجاذبية فإن الشمس وسائر الكواكب السيارات عليها بل وجميع الثوابت ليست مركوزة في جسم من الأجسام - إلى أن قال - غير أن المتأخرين لم يثبتوا من السموات سبعاً ولا أكثر من ذلك ولا أنقص. والمتشرعون منهم قالوا المراد من السموات السبع أصناف أجرام الكواكب فإنهم جعلوها على سبعة أصناف في المقدار. وذلك هو الضلال البعيد. فلا يلزم أن يكون كل ما لم تصل إليه أيدي أفكارهم هو في حيز العدم (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).

فإن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كلهم أخبروا بوجود السموات في هذا الفضاء الذي ليس له مبدأ ولا انتهاء.

وهذا خاتمهم صلوات الله عليه قد ذكر ما ذكر مما رأى في معراجه في السموات واستفتاحه لها بواسطة جبريل. كل ذلك يبطل تأويل من أوَّل.

قلت قد أجاد الألوسي في رده على أهل الهيئة الجديدة في زعمهم عدم السموات السبع ولكنه اخطأ في قوله في الفضاء إنه ليس له مبدأ ولا انتهاء، وقد تقدم رد ذلك مع الأمثلة التي تقدم ذكرها.

وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 34 عن أهل الهيئة الجديدة أن سعة الجو غير متناهية عندهم، ومعنى هذا إنكار وجود السموات السبع.

ص: 142

وذكر أيضاً في صفحة 38 عن أهل الهيئة الجديدة أنهم لا يعترفون بوجود السموات السبع على الوجه الذي نطقت به النصوص وذكر أيضاً في صفحة 86 أن أهل الفن اليوم لا يعترفون بأجرام علوية غير الكواكب.

قلت وهذا من مزيد كفرهم وعنادهم. وقد اعترف فرعون بوجود السموات مع شدة كفره بالله، واعترف بذلك قوم شعيب ومشركو قريش فهم إذاً أخف كفراً من أهل الهيئة الجديدة.

قال الله تعالى مخبراً عن فرعون (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً) الآية. وقال تعالى عن قوم شعيب (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين) والكسف القطع وقال تعالى عن مشركي قريش (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً).

والقول بنفي وجود السموات السبع معلوم البطلان بالضرورة من الدين.

والأدلة على إثبات السموات السبع من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يشق استقصاؤها لكثرتها. وحسبنا أن نذكر ههنا طرفاً منها.

فمن ذلك قول الله تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً).

وقوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير).

وقوله تعالى (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ما كنا عن الخلق غافلين).

وقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم).

وقوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم).

وقوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن) الآية وقوله تعالى (قل

ص: 143

من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون الله قل أفلا تتقون).

وقوله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) الآية.

وقوله تعالى (وبنينا فوقكم سبعاً شدادا).

ففي هذه الآيات كلها النص على وجود السموات والنص على أنهن سبع. ففي هذا رد على أهل الهيئة الجديدة الذين أنكروا وجود السموات.

وفيها أيضاً رد على الألوسي حيث زعم أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع.

وفي الآية من سورة الطلاق رد عليه أيضاً في زعمه أنه يمكن أن تكون الأرضون أكثر من سبع. وقد تقدم كلامه في ذلك قريباً.

وفي الآية من سورة عمّ النص على أن السموات مبنية وأنها شداد أي في غاية الإحكام والشدة والكثافة.

وقد جاء في الأخبار عن بنائها عدة آيات من القرآن كقوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) وقوله تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقوله تعالى (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) وقوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وقوله تعالى (والسماء وما بناها) وقوله تعالى (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها).

وقد أخبر تبارك وتعالى أنه جعل السماء سقفاً لما تحتها من المخلوقات فقال تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) قال تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقال تعالى (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً) وقال تعالى (والسقف المرفوع) وأخبر تبارك وتعالى أيضاً عن ارتفاعها بقوله (تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) وقوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) وقوله تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان) وقوله تعالى (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها) وقوله تعالى (والسقف المرفوع).

وأخبر تعالى أن للسماء أبواباً فقال تعالى (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) الآية، وقال تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون).

ص: 144

وأخبر تعالى أن في السموات سكاناً فقال تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن) وقال تعالى (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) وقال تعالى (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) وقال تعالى (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض) الآية.

وقال تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال).

وقال تعالى (وله من في السموات والأرض كل له قانتون) وقال تعالى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً. لقد أحصاهم وعدهم عداً. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وقال تعالى (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) وقال تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) وقال تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) وقال تعالى (يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن).

وأخبر تعالى عن السموات أنهن يكدن يتفطرن من سماع دعوى الولد لله تبارك وتعالى إعظاماً للرب وإجلالا له فقال تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إدّاً، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً. أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) وقال تعالى (تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم).

وأخبر تعالى أنها تنشق يوم القيامة وأنه يطويها ويجعلها في يمينه فقال تعالى (إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت) وقال تعالى (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) وقال تعالى (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) وقال تعالى (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا) وقال تعالى (إذا السماء انفطرت) أي انشقت. وقال تعالى (السماء منفطر به) وقال تعالى (إذا السماء فرجت) أي شقت. وقال تعالى (وإذا السماء كشطت) أي نزعت فطويت. وقال الزجاج قلعت كما يقلع السقف، قال

ص: 145

البغوي ومعنى الكشط رفعك شيئاً عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام. وقال تعالى (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) وقال تعالى (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).

وأخبر تعالى أن السماء والأرض قائمتان بأمره، وأنه يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه. وأنه يمسك السموات والأرض أن تزولا.

والآيات الدالة على وجود السموات كثير جداً وفيما ذكرته كفاية لطالب الحق.

أما الأدلة على ذلك من السنة فكثيرة أيضاً. ونذكر ههنا طرفاً من ذلك.

فمنها ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتيت بالبراق - فذكر الحديث وفيه - قال ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل وقد أرسل إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير قال الله عز وجل (ورفعناه مكاناً علياً) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل قد أرسل إليه قال بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد بعث إليه

ص: 146

قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه» الحديث.

وقد رواه البخاري والنسائي وابن أبي حاتم بنحوه.

وفي رواية ابن أبي حاتم «قال ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا من أنت قال أنا جبريل قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد بعث إليه قال نعم قال ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك قال فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم» فذكر الحديث بنحو ما تقدم.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن مالك بن صعصعة رضي الله عنه حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث بنحو ما تقدم.

ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر الحديث بنحو ما تقدم.

ومنها ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أبي بن كعب رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر الحديث بنحو ما تقدم.

ومنها ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك قال فأخبرهم فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه زيادات كثيرة.

ومنها ما رواه ابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والبغوي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله

ص: 147

صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قال قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء» .

وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في مستدركه. وفي روايتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «هل تدرون ما بعد بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعال فوق ذلك» قال الترمذي هذا حديث حسن غريب.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سمائين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات ما بين كل سمائين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين» .

ومنها ما رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه

ص: 148

قال «ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش ويعلم أعمالكم» إسناده صحيح على شرط مسلم.

ورواه من وجه آخر ولفظه «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وبصر كل سماء خمسمائة - يعني غلظها - وذكر بقيته بنحو ما تقدم.

وهذا الحديث له حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف ومنها ما رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئاً أذكرك وادعوك به قال قل يا موسى لا إله إلا الله قال كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله» وذكر تمام الحديث.

ومنها ما رواه ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» .

ومنها ما رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم «اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء» الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

ص: 149

ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات عند الكرب «لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم» .

ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح وعنده في آخره «سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم» .

ومنها ما رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها «اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وقد رواه الطبراني بنحوه قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير عطاء بن أبي مروان وأبيه وكلاهما ثقة.

وروى الطبراني أيضاً في الأوسط من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نحوه. قال الهيثمي وإسناده حسن.

وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي معتب بن عمرو رضي الله عنه نحوه. قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات.

ومنها ما رواه الترمذي عن بريده رضي الله عنه قال شكى خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي الله صلى الله عليه وسلم «إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يبغي عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت» قال الترمذي ليس إسناده بالقوي.

ص: 150

ومنها ما رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا تخوف أحدكم سلطانا فليقل اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم كن لي جارا من شر فلان ابن فلان» الحديث. قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير جنادة بن سلم وقد وثقه ابن حبان وضعفه غيره.

والأحاديث الدالة على وجود السموات كثيرة جدا وفيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى. ولو لم يكن منها إلا حديث واحد من أحاديث الإسراء لكان كافيا في الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون وجود السموات.

وقد اشتملت هذه الأحاديث على إثبات السموات. وأن لهن أبوابا. وأن للأبواب حجابا وخزنة. وأنه لا يدخل أحد من أبوابها إلا من بعد أن يؤذن له ويفتح له الباب وأن فيهن سكانا. وفيها النص على أن السموات سبع. ودل حديث العباس وحديث ابن مسعود رضي الله عنهما على أن كثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة. وفيهما أيضا وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. وأن كل سمائين مسيرة خمسمائة سنة.

وفي الأحاديث عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأبي ذر وصهيب وأبي لبابة وأبي معتب بن عمرو رضي الله عنهم النص على أن الأرضين سبع كالسموات ففي ذلك رد على الألوسي في زعمه أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع وأن تكون الأرضون أكثر من سبع.

وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الدالة على إثبات السموات السبع فليعلم أيضا أن الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي ذكر في آخر كتابه «الفرق بين الفرق» عن أهل السنة أنهم أجمعوا على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع.

وفي هذا رد على من أنكر وجود السموات. ورد على الألوسي أيضاً في قوله أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع.

وقد قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية» .

ص: 151

(المسألة الخامسة عشر) السماء عقيدة المسلمين فيها أنها بناء عظيم وسقف لما تحتها بلا عمد ترى. ووصفها الله تعالى في كتابه العزيز. بما ينطق بأنها بناء بالغ الغاية في الإتقان مثل قوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين).

فمن قال واعتقد أنها جو وفضاء لا بناء واستمر مصمما على ذلك يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (والسماء بناء) وفي خبره (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) وفي خبره (والسماء بناها) وفي قوله (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها) وغير ذلك من الآيات الدالة على أنها بناء محكم انتهى.

المثال الرابع زعمهم أن سعة الجو غير متناهية ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 وهذا قول باطل. والحق أن هذا الجو الذي نحن فيه ينتهي إلى السماء الدنيا ومسافته من كل جانب من جوانب الأرض خمسمائة سنة. ثم بين كل سمائين فضاء مسيرته من كل جانب خمسمائة سنة. وقد تقدم التنبيه على ذلك مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وقلة بركته وخطأ الصواف في مدحه.

المثال الخامس زعمهم أن الشمس أعظم من الأرض بألف ألف مرة وثلثمائة وثمانية وعشرون ألف مرة ذكره الألوسي عنهم في صفحة 33.

والجواب أن يقال قد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عن أهل الهيئة القديمة أنهم اتفقوا على أن الشمس بقدر الأرض مائة مرة ونيفا وستين مرة.

وكل من الطرفين لا دليل لهم على ما قالوه سوى الظنون الكاذبة والرجم بالغيب وإثبات مثل هذه الأمور يحتاج إلى دليل قاطع من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل.

ولو قال قائل إن الأرض أعظم من الشمس بكثير لكان قوله أقرب إلى الصواب من قول أهل الهيئة القديمة ومن قول أهل الهيئة الجديدة لأن الله تعالى قال (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت) وقال تعالى (إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت) قال البغوي وغيره في قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) أي تناثرت من السماء

ص: 152

وتساقطت على الأرض كما قال تعالى (وإذا الكواكب انتثرت).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحاً دبوراً فيضرمها ناراً» رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف، وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي.

قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» .

ورواه البزار من حديث عبد الله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما. إسناده صحيح على شرط مسلم.

وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا.

قلت وما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين).

وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم.

وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفيما ذكرنا دليل على أن الأرض أعظم من الشمس والقمر والكواكب لأن الجميع ينتثر يوم القيامة في البحر فيسعها كلها، ولو كانت الشمس بقدر الأرض أو أعظم منها لملأت الأرض كلها وزادت عليها بكثير.

ص: 153

وعلى قول أهل الهيئة الجديدة تكون الشمس أعظم مما بين السماء والأرض، وهذا لا يشبه كلام العقلاء وإنما هو هذيان يشبه كلام المجانين.

ونقول أيضاً من الذي ذهب من أهل الهيئة الجديدة أو غيرهم إلى الشمس وقاسها وعلم مقدارها وما بينها وبين الأرض من التفاوت العظيم في الكبر، وإذا كان هذا ممتنعاً في حق البشر فمن أين لهم العلم بقدرها على الوجه الذي حددوه تحديد من ذهب إليها وقاسها أو من كان معه نص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم يطابق ما قاله.

وأيضاً فهذه الأرض التي خلقوا منها وعاشوا عليها لم يطلعوا عليها كلها مع كثرة طوافهم فيها وكثرة ما لديهم من وسائل الاكتشاف.

وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن ياجوج وماجوج. وعن سد ذي القرنين الذي بناه دونهم وأخبر أنهم يخرجون في آخر الزمان. وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم في عدة أحاديث وأخبر أنهم يخرجون في آخر الزمان فيحصرون المسلمين فيدعو عليهم نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيهلكهم الله تعالى وهم من بني آدم بلا خلاف. ومع هذا لم يطلع عليهم ولا على سد ذي القرنين أحد من هؤلاء الكذابين الذين يزعمون مقدار الشمس والقمر وغيرهما من الأجرام العلوية ويعلمون ما فيها من المواد.

وكذلك قد جاء في حديث تميم الداري رضي الله عنه أن الدجال موثق بالحديد في بعض جزائر البحر. وقد حدث تميم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الناس بذلك. ومع هذا لم يطلع على الدجال أحد بعد أهل السفينة الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

فيقال للذين يزعمون أنهم اكتشفوا على الأجرام العلوية وعلموا موادها ومقاديرها إنكم قد عجزتم عن اكتشاف جميع الأرض التي خلقتم منها وعشتم فيها فأنتم عن اكتشاف الأجرام العلوية أعجز وأعجز ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

أطلاب النجوم احلتمونا

على خبر أدق من الهباء

علوم الأرض لم تصلوا إليها

فكيف وصلتم خبر السماء

والكلام في مقادير الأجرام العلوية وأبعادها وموادها وما جعل الله فيها يحتاج إلى

ص: 154

نص قاطع عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي، ولا نص في ذلك البتة.

وما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب فالواجب الإعراض عنه وعدم الخوض فيه لقول الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا).

فأما الاعتماد على الأرصاد في معرفة مقادير الأجرام العلوية وأبعادها وموادها وما جعل الله فيها كما هو شأن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم فذلك من التخرص واتباع الظن والرجم بالغيب وقد قال الله تعالى (قتل الخراصون) وقال تعالى (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهم أعلم بالمهتدين).

وأيضا فإن الله تعالى قد عظم شأن الأرض في كتابه ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب وقرن خلقها مع خلق السموات في عدة آيات من القرآن.

وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام وأنه خلق السموات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض وأنها أكبر من الشمس والقمر وسائر الكواكب.

وقد قال الله تعالى (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة) الآية. وقال تعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) الآية وقال تعالى (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) الآية وقال (وسع كرسيه السموات والأرض) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عظم الأرض وسعتها.

وقد جاء في تعظيم خلق الأرض أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

منها حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي تقدم ذكره وفيه أن الله تعالى قال «لو أن

ص: 155

السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله» ونحوه ما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في ذكر وصية نوح عليه الصلاة والسلام لابنه. وقد تقدم أيضاً.

وكذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة» الحديث وقد تقدم ذكره.

وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما قدروا الله حق قدره) الآية.

وروى الإمام أحمد والترمذي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس قال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه وأشار بالسبابة والأرض على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه كل ذلك يشير بأصبعه فأنزل الله عز وجل (وما قدروا الله حق قدره) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح.

والأحاديث الدالة على عظم الأرض كثيرة جداً وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى.

المثال السادس زعمهم أن القمر دون عظم الأرض بتسع وأربعين مرة. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34.

وهذا من نمط ما قبله من التخرص والرجم بالغيب.

المثال السابع زعمهم أن بعد الشمس عن الأرض أربعة وثلاثون ألف ألف فرسخ فرنسي وهو المقدر بمسافة ساعة وخمسمائة ألف فرسخ، ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34.

ص: 156

وهذا من نمط ما قبله من الهذيان فإن هذه المسافة التي ذكروها تطابق اثني عشر ألف سنة أو قريباً من ذلك، وهذا يقتضي أن تكون الشمس فوق السماء السابعة بمقدار خمسة آلاف وأن تكون فوق الكرسي أيضاً، وهذا باطل قطعاً فإن الشمس في السماء بنص القرآن وليست فوق السموات السبع.

والصواب في هذا أن يقال الله أعلم بمقدار بعد الشمس عن الأرض. ولم يخبرنا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن بعدها بشيء نعتمد عليه، ولو كان في ذلك فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لبينه الله تعالى لهم ولم يهمله قال الله تعالى (وما كان ربك نسياً) وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه الصلاة والسلام (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى).

فالواجب على المسلم أن يتمسك بما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما سكت الله ورسوله عنه ولا يتكلف ما لا علم له به فإن ذلك مما نهى الله عنه قال تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا).

المثال الثامن زعمهم أن القمر من سيارات السيارات لأنه يدور حول الأرض ودورانها حول الشمس. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34.

والجواب أن يقال أما قولهم بدوران القمر على الأرض فهو صحيح يجري في الفلك ويدور على الأرض وكذلك الشمس وسائر الكواكب فكلها تجري وتدور على الأرض هي المركز للجميع كما تقدم في أول الكتاب.

وأما قولهم إن القمر من سيارات السيارات وإن الأرض تدور حول الشمس فهو من نمط ما قبله من التخرص والقول بغير علم وقد تقدم رده في أول الكتاب.

وقد تناقض قول أهل الهيئة الجديدة في مدار القمر وذلك أنهم زعموا أن الشمس هي المركز الثابت وأن الأرض وجميع السيارات تدور عليها وأقربها إلى الشمس عطارد ثم الزهرة ثم الأرض ثم القمر ثم المريخ.

وعلى هذا القول ينتفي الكسوف عن الشمس لأن القمر إنما يدور عليها من وراء مدار

ص: 157

الأرض فلا يتوسط بين الأرض وبين الشمس. وكسوف الشمس إنما يكون بسبب حيلولة القمر بينها وبين الأرض.

ولما علم أهل الهيئة الجديدة بما في هذا القول من الفساد قالوا إن القمر من سيارات السيارات وإنه يدور على الأرض والأرض تدور هي وقمرها على الشمس. وهذا باطل قطعاً لأنها لو كانت تدور على الشمس مع ما زعموه من البعد المفرط بينها وبين الأرض لكان مدار الأرض وقمرها من فوق الكرسي بمسافة بعيدة جداً وكانا يخترقان السموات السبع في حال دورانهما وهذا من أبطل الباطل.

وأيضاً فالدوران إنما يكون على مركز ثابت. وما ليس بثابت كالسيارات فليس بمركز يدار عليه.

المثال التاسع زعمهم أن البعد الأبعد للقمر عنها - أي عن الأرض - أحد وتسعون ألفاً وأربعمائة وخمسون فرسخاً. والبعد الأقرب له ثمانون ألفاً ومائة وخمسة فراسخ. فيكون البعد الأوسط نحو ستة وثمانين ألف فرسخ. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34.

وهذا من نمط ما قبله من الهذيان والتخرص. وذلك أن مسافة البعد الأبعد تطابق إحدى وثلاثين سنة وتسعة أشهر تقريباً. ومسافة البعد الأوسط تطابق تسعاً وعشرين سنة وعشرة أشهر تقريباً. ومسافة البعد الأقرب تطابق سبعاً وعشرين سنة وعشرة أشهر تقريباً.

والقرآن العظيم يرد هذا القول ويبطله قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً).

ففي هذه الآيات النص على أن القمر في السماء.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام» وقد تقدمت الأحاديث بذلك في أول الكتاب. وفيها مع الآيات التي ذكرنا رد لما تخرصه أهل الهيئة الجديدة في بعد القمر عن الأرض.

ص: 158

المثال العاشر تسميتهم الأرض كوكباً. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 3.

وهذا خطأ وضلال. وإنما أطلقوا عليها اسم الكوكب لأنهم زعموا أنها تسير كما تسير الكواكب وتدور على الشمس، وقد تقدم رد هذا وبيان بطلانه في أثناء الكتاب فليراجع.

المثال الحادي عشر زعمهم أن في النجوم الثوابت شموساً مثل هذه الشمس أو أكبر منها. وذكر الألوسي عنهم في صفحة 68 أن النجوم الثوابت يعد كل واحد منها شمساً لا يرى توابعها للبعد الشاسع.

وقال محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره. وإننا نقتبس مما نقل عن علماء الهيئة كلمة في أبعاد بعض النجوم الثوابت التي هي شموس من جنس شمسنا. وقال أيضاً في صفحة 638 ومن الاعتبار قول صاحب المقتطف لما انتهى من الكلام على النظام الشمسي ورجح أنه لا يصلح شيء من سياراته لحياة البشر غير الأرض وأنه يحتمل أن تكون سيارات سائر الشموس كذلك وكلها أكبر من هذه الشمس.

والجواب أن يقال هذا كله تخرص ورجم بالغيب. والقرآن يرد هذا الزعم الكاذب وكذلك السنة. قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة البروج هي الكواكب العظام. وقال البغوي هي النجوم الكبار مأخوذ من الظهور يقال تبرجت المرأة أي ظهرت. وقال أيضاً وسميت بروجاً لظهورها.

وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً) وقال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظاً من كل شيطان مارد) وقال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) وقال تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم).

ففي هذه الآيات النص على أن الشمس والقمر في السماء. والنص على أن الله تعالى

ص: 159

جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين.

وإذا كان كل من الشمس والقمر والنجوم في السماء فلِمَ ظهرت هذه الشمس وحدها واختفت شموس أهل الهيئة الجديدة مع أنهم يزعمون أن كلا منها أكبر من هذه الشمس. فهذا مما يدل على بطلان قولهم.

وروى الإمام أحمد والشيخان والدارمي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة» الحديث وقد رواه الترمذي مختصراً وقال هذا حديث صحيح.

وروى مسلم أيضاً من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نحوه موقوفاً. ورواه الإمام أحمد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده إسناد مسلم.

وروى الإمام أحمد أيضاً والترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضاً وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

وروى الطبراني أيضاً في الأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. قال الهيثمي وإسناده صحيح وفي هذه الأحاديث دليل على أن أعظم كوكب في السماء لا يبلغ نوره مثل نور القمر فضلا عن ضوء الشمس ولهذا تكون الزمرة الأولى من أهل الجنة على صورة القمر وتكون الزمرة الثانية على أشد كوكب في السماء إضاءة.

ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة من كون النجوم الثوابت شموساً مثل هذه الشمس أو أكبر منها لكانت الزمرة الثانية من أهل الجنة أفضل من الزمرة الأولى وأعظم نوراً منهم بكثير. وهذا باطل قطعاً والأحاديث الصحيحة ترده.

وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق نورهم كالشمس فيقال النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي فيقال محمد وأمته ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق نورهم مثل كل كوكب في السماء فيقال النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي» الحديث قال الهيثمي رجاله وثقوا.

ص: 160

وفي رواية له أخرى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال «تخرج يوم القيامة ثلة غر محجلون فتسد الأفق نورهم مثل نور الشمس فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة ليس عليهم حساب ولا عذاب ثم تخرج ثلة أخرى غراً محجلين نورهم مثل نور القمر ليلة البدر فتسد الأفق فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم تخرج ثلة أخرى نورهم مثل أعظم كوكب في السماء يسد الأفق نورهم فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» الحديث قال الهيثمي رجاله وثقوا على ضعف فيهم.

وهذا الحديث كالأحاديث قبله يدل على أن أعظم الكواكب لا يبلغ نوره مثل نور القمر فضلا عن نور ضوء الشمس.

وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره لطمس ضوءه الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم» وهذا الحديث يدل على أن ضوء الكواكب كلها لا تقاوم ضوء الشمس فضلا عن أن يكون فيها ما هو أكبر من الشمس وأعظم منها ضوءاً بكثير.

وفي هذا الحديث والأحاديث قبله رد على الذين يتخرصون في الكواكب ويدعون فيها بأشياء لا مستند لها سوى الظنون الكاذبة. وقد قال الله تعالى (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) ثم قال تعالى (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

وأيضاً فإن الله تعالى لم يذكر في كتابه سوى شمس واحدة. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر سوى شمس واحدة، ولو كان هناك شموس غيرها لبينها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء).

وقال أبو ذر رضي الله عنه «لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر

ص: 161

جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما» رواه ابن جرير.

ومن هذا القبيل من التخرص والرجم بالغيب زعمهم أن الأقمار عشرون قمراً واحد منها للأرض واثنان للمريخ وأربعة للمشتري وثمانية لزحل وأربعة لأورانوس وواحد لنبتون. ذكر ذلك محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف.

وهذا قول باطل مردود بقول الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً).

فذكر تعالى أنه جعل في السماء بروجاً وهي الكواكب الكبار من السيارات وغير السيارات وأنه جعل فيها سراجاً وهو الشمس وقمراً منيراً وهو القمر المعروف.

وفي هذه الآية دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد، ولو كان فيها شموس وأقمار سوى هذه الشمس وهذا القمر لذكرها الله تعالى في كتابه، قال الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء).

وأيضاً فقد قال الله تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً).

وفي هاتين الآيتين أوضح دليل على أنه ليس في السموات السبع سوى شمس واحدة وقمر واحد.

وفيهما أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج من الشموس والأقمار التي لا وجود لها.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) الآية.

فذكر تعالى أنه خلق الشمس والقمر والنجوم وسخرها بأمره. وفي هذا أوضح دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد وما سواهما من اللامعات فكلها نجوم.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون).

ص: 162

فذكر تعالى أن الليل والنهار والشمس والقمر آيات من آياته الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه وأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له دون من سواه. وفي هذه الآية دليل على أنه ليس في الوجود سوى شمس واحدة وقمر واحد، ولو كان فيه شموس وأقمار سوى هذه الشموس وهذا القمر لذكرها الله تعالى مع هذه الآيات العظام.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون).

فذكر تعالى في الآية الأولى الليل والنهار والشمس والقمر وذكر في الآية الثانية النجوم وهي ما عدا الشمس والقمر من الأجرام السماوية. وهذه النجوم التي نص الله عليها في كتابه وذكر أنه جعلها لعباده ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر هي التي يزعم طواغيت الإفرنج أن منها شموساً أكبر من هذه الشمس بكثير وأن منها أقماراً سوى هذا القمر، وفي هذه الآية الكريمة أبلغ رد عليهم.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (فإذا برق البصر. وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذ أين المفر).

فذكر تبارك وتعالى أن القمر يخسف يوم القيامة وأنه يجمع بينه وبين الشمس. وفي الحديث الصحيح أنهما يكوران يوم القيامة وأنهما ثوران في النار عقيران رواه البخاري والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وتقدم ذكره قريباً.

وفي هذا دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد ولو كان في السماء شموس وأقمار متعددة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لقال وجمعت الشموس والأقمار. ولقال النبي صلى الله عليه وسلم الشموس والأقمار مكورات يوم القيامة وإنها ثيران عقيرة في النار.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت) فذكر تبارك وتعالى الشمس بلفظ المفرد لأنها واحدة وذكر النجوم بلفظ الجمع لأنها متعددة ولو كان في السماء شموس متعددة لذكرها بلفظ الجمع كما ذكر النجوم بلفظ الجمع في الآية التي ذكرنا وفي آيات كثيرة سواها.

ص: 163

وأيضاً فقد قال الله تعالى (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) فذكر كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لأن كلا منهما مفرد لا نظير له. ولو كان في السماء شموس وأقمار متعددة لذكرها بلفظ الجمع.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) الآية فذكر تبارك وتعالى كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لاتحاد كل منهما. ولو كان في الوجود شموس وأقمار متعددة لذكرها بلفظ الجمع.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) الآية. فذكر تبارك وتعالى الشمس والقمر بلفظ المفرد لأن كلا منهما لا نظير له وذكر ما سواها بلفظ الجمع لأن كل جنس منها متعدد.

والآيات الدالة على بطلان قول أهل الهيئة الجديدة في تعدد الشموس والأقمار أكثر مما ذكرنا. وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث صحيحة أنه قال «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته» فذكر كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لأنه لا نظير لواحد منهما. ولو كان هناك شموس وأقمار متعددة لعبر عنها بلفظ الجمع.

والأحاديث التي ذكرت فيها الشمس أو القمر بلفظ المفرد كثيرة جداً وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته.

المثال الثاني عشر زعمهم أن صغار الكواكب الثوابت أعظم من الأرض ذكره الألوسي عنهم في صفحة 122.

وهذا من جنس ما قبله من التخرص والرجم بالغيب، وقد قدمنا ذكر الآيات والآثار الدالة على تكوير الشمس والقمر والنجوم في البحر يوم القيامة. وهذا يدل على أن الأرض أعظم من الشمس والقمر وسائر الكواكب. وقد تقدم إيراد ذلك قريباً بما أغنى عن إعادته.

ص: 164

المثال الثالث عشر هذيانهم في بعد النجوم الثوابت عن الأرض. قال الألوسي في صفحة 68 والنجوم الثوابت ليست من النظام الشمسي بل هي أنظمة مستقلة ترى منها شمسنا كما ترى هي من عندنا أي نقطاً لامعة نيرة في القبة الزرقاء. وذكر محمد رشيد رضا في تفسيره سورة الأنعام عن أهل الهيئة الجديدة أن النسر الطائر يبعد عن الأرض سبعة وثمانين ألف ألف ألف ألف ميل يعني قريباً من أحد عشر ألف ألف ألف سنة. وأن النسر الواقع يبعد عن الأرض مائة وثمانين ألف ألف ألف ألف ميل يعني قريباً من إحدى وعشرين ألف ألف ألف ألف سنة. وأن السماك الرامح يبعد عن الأرض ثلثمائة ألف ألف ألف ألفا ميل يعني قريباً من خمسة وثلاثين ألف ألف ألف ألف سنة. قال وأول من قاس أبعاد النجوم بالضبط الفلكي (ستروف) فإنه قاس بُعد النسر الواقع سنة 1835 إلى سنة 1838 ميلادية فجاءت نتيجة قياسه مطابقة لنتيجة القياسات الحديثة مع أن الفلكيين يستخدمون الآن من الوسائل ما لم يكن معروفاً في عصره انتهى.

قلت وهذا كله باطل وضلال وهذيان يشبه هذيان المجانين والدليل على بطلانه قول الله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) الآية. وقوله تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد). وقوله تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) وقوله تعالى (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) وقوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) وقوله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) والبروج هي الكواكب العظام.

فدلت هذه الآيات بالنص على أن الكواكب كلها قد جعلت زينة للسماء. ودلت الآيات الثلاث الأول على أنها قد جعلت زينة للسماء الدنيا.

والنسر الطائر والنسر الواقع والسماك الرامح والسماك الأعزل من جملة الكواكب التي قد جعلت زينة للسماء الدنيا.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم. وروي أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً

ص: 165

وله حكم الرفع كنظائره، وقد تقدمت هذه الأحاديث مع الأدلة على سكون الأرض وثباتها فلتراجع.

وروى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ويل للأمراء ويل للأمناء ويل للعرفاء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملا» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفي رواية لأحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئاً» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفي هذا الحديث دليل على أن النجوم الثوابت في السماء الدنيا فإن الثريا من جملة الثوابت ولو علق فيها شيء كان متدلياً بين السماء والأرض ولو خر منها شيء خر على الأرض.

وفي هذا الحديث مع ما تقدم من الآيات والأحاديث أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج في أبعاد النجوم الثوابت وقد قال الله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) وقال تعالى (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) وقال تعالى (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى).

ومما ذكرنا من الآيات والأحاديث يعلم أنه ليس بيننا وبين النجوم الثوابت إلا مسيرة خمسمائة سنة. وأين هذه المسافة مما يهذو به طواغيت الإفرنج من ملايين الملايين من السنين.

وقد قال بعض السلف إن ارتفاع العرش عن الأرض السابعة خمسون ألف سنة، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولو كان الأمر في النجوم الثوابت على ما يزعمه طواغيت الإفرنج ومن يصدقهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين لكانت الثوابت فوق العرش. وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله

ص: 166

تبارك وتعالى.

وأما قولهم إن هذه الشمس ترى من الثوابت نقطة لامعة كما ترى الثوابت من عندنا نقطاً لامعة، فهو من جنس ما قبله من الهذيان والتخرص، ومن هو الذي ذهب إلى النجوم الثوابت فرأى الشمس منها نقطة لامعة، وإذا كان الذهاب إليها ليس في مقدرة أحد من البشر فهل كان عندهم خبر ثابت عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، وإذا كان ذلك معدوماً فليس لهم دليل سوى آرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة وتوهماتهم الخاطئة، وقد قدمنا من الآيات والأحاديث ما يكفي في ردها والنداء على بطلانها.

المثال الرابع عشر هذيانهم في وصول نور الشمس والكواكب إلينا. فأما الشمس فزعموا أن نورها يصل إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34. وأما الكواكب الثوابت فزعموا أن منها ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء. ذكره الألوسي أيضاً في صفحة 34. وقال محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره وقد وجد بالرصد أن أقرب النجوم منا لا يصل نوره إلينا إلا في أربع سنوات ونحو نصف سنة ومن النجوم ما لا يصل النور منه إلينا إلا في ألف سنة أو أكثر فالنجم المسمى بالنسر الطائر يصل النور منه إلينا في أربع عشرة سنة ونصف سنة. والنجم المسمى بالنسر الواقع يصل النور منه إلينا في نحو ثلاثين سنة، والنجم المسمى بالسماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة.

قلت هذه الأقوال كلها تخرصات وظنون كاذبة. وقد رأينا نور الشمس ينتشر على ما قابله من حين يبدو طرف قرصها علينا إذا لم يكن هناك حائل من غيم أو قتر. وكذلك النسر الطائر والنسر الواقع والسماك الرامح وغيرها من الكواكب النيرة كلها يرى نورها من حين تبدو من الأفق إذا لم يكن هناك حائل يمنع من رؤيتها. وهذه الكواكب من زينة السماء الدنيا كما نص الله على ذلك في كتابه. فالتفريق بين أبعادها ووصول نورها إلى الأرض تفريق بين أشياء متماثلة وذلك باطل مردود.

ص: 167

المثال الخامس عشر قال الألوسي في صفحة 94 وذهب المتأخرون من الفلاسفة إلى أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة فتفرق إلى ما يرى من الأجرام وكثر منهم في ذلك القيل والقال.

قلت وهذا من نمط ما قبله من الهذيان الذي يشبه هذيان المجانين، وهل يكون في إمكان الصدمة أن تضع الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم على هذا الوضع العجيب وأن تنسقها هذا التنسيق المحكم الذي لا يقدر عليه إلا الله الذي يقول للشيء كن فيكون. فهو الذي خلقها ورتبها على هذا الترتيب الباهر الذي هو الغاية في الإتقان. قال الله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء).

فالأجرام السفلية والأجرام العلوية لم تصب بصدمة أبداً كما يزعمه أعداء الله تعالى وإنما قيل لها كوني فكانت كما أراد فاطرها وموجدها من العدم لا إله إلا هو ولا رب سواه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).

وقد قال الله تعالى (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم).

وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة» .

ص: 168

وروى ابن جرير أيضاً عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال «إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات في الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة» .

وروى ابن جرير أيضاً من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات).

قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين وخلق الجبال فيه وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) يقول أنبت شجرها (وقدر فيها أقواتها) يقول أقواتها لأهلها (في أربعة أيام سواء للسائلين) يقول قل لمن يسألك هكذا الأمر (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض (وأوحى في كل سماء أمرها) قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظاً تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) ويقول (كانت رتقاً ففتقناهما)».

وقال البغوي في تفسيره عند قوله تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها) قال قتادة والسدي يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها، وقال مقاتل وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة وانتهى.

ص: 169

وفي الآيات التي ذكرنا مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكر بعده من الآثار عن الصحابة والتابعين دليل على أن كل شيء من العالم قد خلق على حدته وأن الأرض خلقت قبل السماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. بل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الشمس والقمر والنجوم خلقت يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها الخليقة.

وفي هذا أبلغ رد على ما زعمه أعداء الله من أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة فتفرق إلى ما يرى من الأجرام.

المثال السادس عشر زعمهم أن الأجرام العلوية ممسكة بالجاذبية. ذكره الألوسي عنهم في مواضع كثيرة من كتابه وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. وقد قال الله تعالى (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) وقال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا).

المثال السابع عشر زعمهم أن في القمر جبالا ووهادا وأودية وهكذا الشمس وسائر السيارات وظنوا أن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض وزعموا أن فيها بحاراً وأنهاراً.

ذكره الألوسي عنهم في صفحة 101 و 102 و 129.

وهذا من التخرص والرجم بالغيب. وقد تقدم التنبيه على ذلك مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي فليراجع.

المثال الثامن عشر ما في تخرصاتهم في الشمس والقمر من التناقض والتخبيط. فمن ذلك أنهم قالوا إن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها ذكره الألوسي عنهم في صفحة 23، 29 ثم نقضوا قولهم هذا فزعموا أن للشمس حركة على نفسها. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 33 و 66، ثم نقضوا ذلك فزعموا أن للشمس حركة على كوكب من كواكب الثريا. وجوزوا أن يكون لذلك الكوكب حركة على كوكب آخر أبعد منه وهكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 و 119 و 129. ثم نقضوا ذلك فزعموا أن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 68.

ص: 170

قلت أما قولهم إن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم فهو مردود بما تقدم في أول الكتاب من النصوص الدالة على جريانها ودورانها على الأرض.

وأما قولهم إن الأرض تتحرك على الشمس فهو مردود بما تقدم في أول الكتاب من الأدلة الكثيرة على سكون الأرض وثباتها

وأما قولهم إن للشمس حركة على نفسها أو على كوكب من كواكب الثريا فقد تقدم التنبيه على بطلانه مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي.

وأما قولهم إن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة فمعناه أن كل واحد منها يعد مركزاً ثابتاً كالأرض وله توابع من النجوم تدور عليه كما تدور الشمس والقمر والنجوم على الأرض. وقد ذكر الألوسي في صفحة 68 عن أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا في النجوم الثوابت إن كل واحد منها يعد شمساً لا يرى توابعها للبعد الشاسع.

قلت وإنما قالوا يعد شمساً لأن عندهم أن الشمس هي المركز الثابت الذي تدور عليه الأرض والسيارات من النجوم. بخلاف ما عليه المسلمون من القول بثبات الأرض وأنها هي المركز التي تدور عليه الشمس والقمر والنجوم.

وقد ذكرت في المثال الثالث عشر نموذجا من هذيان أهل الهيئة الجديدة في بعد النجوم الثوابت عن الأرض واختلاف بعضها عن بعض في البعد وذكرت الأدلة على بطلان قولهم وفيها النص على أن الكواكب كلها من زينة السماء الدنيا. وإذا كانت النجوم الثوابت من زينة السماء الدنيا فليس لشيء منها نظام يتبعه ويدور عليه لأنها لو كانت لها توابع تدور عليها لكانت توابعها تخترق السماء في حال دورانها وهذا باطل.

وإنما قالوا بدوران الشمس على الثريا وأن النجوم الثوابت لكل واحد منها نظام يتبعه ويدور عليه لأنهم يرون أن سعة الجو غير متناهية وأنه ليس فوقنا سموات مبنية شداد. وقد تقدم رد هذا في المثال الثالث والمثال الرابع.

وقد قال الله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) وقال تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) وفي هاتين الآيتين إشارة إلى أن الشمس والقمر والنجوم كلها تجري وتدور

ص: 171

على الأرض لقيام مصالح العباد ومعايشهم ولهذا امتن الله تبارك وتعالى عليهم بذلك في هذه الآية الأخيرة وفي قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) وقوله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون).

قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به ووصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما

وإذا علم هذا فالنجوم الثوابت كلها في فلك واحد تدور فيه جميعا على ترتيب واحد لا يتقدم شيء منها عن موضعه ولا يتأخر عنه كما هو مشاهد.

وقد قرر ذلك الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وذكر أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك - ونقله عنه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى - ومن تناقضهم أيضا أنهم شكلوا للنظام الشمسي شكلا في وسطه الشمس ثم عطارد وبعده الزهرة ثم الأرض ثم القمر ثم المريخ إلى آخر ما زعموه من السيارات. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 67. ثم نقضوا ذلك فزعموا أن القمر من سيارات السيارات وليس من السيارات. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 وقد تقدم الكلام على هذا التناقض في المثال الثامن فليراجع.

المثال التاسع عشر زعمهم أن الأرض جرم من الأجرام السماوية ذكره الألوسي عنهم في صفحة 67.

وعلى هذا الزعم الكاذب والرأي الفاسد اعتمد كثير من جهال المسلمين فكانوا لذلك يسمون الأرض الكوكب الأرضي.

ولازم هذا القول أن تكون الأرض من جملة الزينة التي زين الله بها السماء الدنيا وجعلها رجوما للشياطين. وهذا من أبطل الباطل. وكيف تكون الأرض جرما من الأجرام السماوية وبينها وبين السماء مسيرة خمسمائة عام. هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل.

ص: 172

وقد تقدم التنبيه على هذا الخطأ الكبير عند قول الصواف أن لونا (9) أرسلت صورا تلفزيونية إلى الكوكب الأرضي فليراجع.

وإذا كان حاصل الهيئة الجديدة ما ذكرنا من هذه الأمثلة فكيف يقال إنها قويمة البرهان وإن القرآن يعضدها. هذا قول باطل مردود. والصواب أنها عديمة البرهان. والقرآن شاهد ببطلانها.

الأمر الثالث من أخطاء الصواف زعمه أن أهل الهيئة الجديدة مسلمون عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح.

والجواب أن يقال هذا تمويه وتلبيس على الجهلة الأغبياء وليس الأمر كما زعمه الصواف. فإن أهل الهيئة الجديدة ليسوا من المسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج.

وقد صرح الألوسي في صفحة 23 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) أنهم هرشل الإنكليزي وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد وأنهم هم الذين تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز وأن الأرض والنجوم دائرة حولها.

وذكرهم أيضاً في صفحة 33 و 46 و 59 و 95 وأشار إليهم في مواضع كثيرة سوى هذا الموضع وسمى منهم هرشل في صفحة 23 و 34 و 45 وسمى منهم أيضا في صفحة 33 و 34 أولبوس وهاردنق وبياظي وسمى منهم محمد رشيد رضا وستروف. وقد ذكر محمد فريد وجدي في دائرة المعارف منهم كوبرنيك البولوني وتيخو براهي الدانماركي وكبلر وغاليليه ونيوتين الإنجليزي وهرشل الإنجليزي. ومنهم أيضا داروين الإنجليزي. فهولآء الفلاسفة كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة. وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) فهل يقول الصواف إنهم مسلمون معروفون بالتقوى والصلاح. أما ذا يجيب به عن قوله الذي لم يتبين فيه وفيما يترتب عليه من الحكم لأعداء الله تعالى بالإسلام والتقوى والصلاح.

فإن ادعى أنهم غير هؤلاء الذين سماهم الألوسي وغيره فالجواب أن يقال أنت إنما اعتمدت على كتاب الألوسي وما نقله عن علماء الهيئة الجديدة. والألوسي لم

ص: 173

ينقل عن أحد من علماء المسلمين في أمر الهيئة الجديدة شيئا ولا ادعى أن علماء الهيئة الجديدة مسلمون. وقد صرح في صفحة 23 أن هرشل الفيلسوف وأتباعه هم أصحاب الرصد والزيج الجديدة وأنهم هم الذين تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز وأن الأرض والنجوم دائرة حولها. وهذا صريح في تعيين أهل الهيئة الجديدة وأنهم من الإفرنج لا من المسلمين.

وفيه إبطال لما يدعي به الصواف في غيرهم إن ادعى ذلك.

ولو فرضنا أن أهل الهيئة الجديدة مسلمون ومعروفون بالتقوى والصلاح كما زعمه الصواف لما كانت ظنونهم وتخرصاتهم في السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مقبولة من أجل إسلامهم وتقواهم وصلاحهم. وإنما هي مردودة عليهم لمخالفتها لمدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

وقد ذكرت تسعة عشر مثالا مما نقله الألوسي من الأقوال الباطلة ونبهت على بطلانها فليراجع.

الأمر الرابع قوله إن رأي الألوسي هو الكفاية في رد الأمر إلى نصابه وبيان الحق الصراح وصوابه.

والجواب أن يقال ليست الكفاية في أقوال الرجال وآرائهم وإنما الكافية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما الميزان العدل الذي توزن به أقوال الرجال وآرائهم فما وافقهما فهو حق مقبول وما خالفهما فهو باطل مردود.

وقد اضطرب قول الألوسي فيما نقله عن أهل الهيئة الجديدة. ففي بعض المواضع يوافقهم ويتعسف في تطبيق الآيات على ما يوافق أقوالهم. وفي بعض المواضع يذكر أقوالهم ويسكت وفي بعض المواضع يخالفهم ويقول إنه يجب الرجوع في هذا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة وأنه لا يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين. وهذه المواضع التي خالفهم فيها وقال إنه يجب الرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة هي التي رد الأمر فيها إلى نصابه وأتى ببيان الحق وصوابه. وما سواها فهو باطل مردود لمخالفته لمدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

وقد ذكرت كثيرا من أخطائه في أول هذا الفصل ونبهت على بطلانها فلتراجع.

ص: 174

الأمر الخامس قوله إن علماء الإسلام قد نطقوا بما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة قبل أن يكون للكفار والمشركين علم فلك ولا نظر في النجوم.

والجواب أن يقال ليس هذا بصحيح وإنما هو في الحقيقة مكابرة وتمويه على ضعفاء البصيرة. إذ من المعلوم أن أول من تكلم في علم الهيئة والنجوم هم فلاسفة اليونان وكانوا قبل زمان المسيح بدهر طويل وكانوا مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ولم ينقل عن أحد من سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان أنهم تكلموا في علم الهيئة بشيء حتى عربت كتب اليونان في زمن المأمون فظهر الكلام في علم الفلك والنجوم منذ ذلك الزمان ولم يكن يعاينه ويشتغل به إلا الفلاسفة والمنجمون الذين هم من أقل الناس حظا في الإسلام. وكثير منهم يظهرون الإسلام نفاقا وتقية.

ومنهم من هو أضر الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى كنصير الشرك الطوسي وابن سينا وأمثالهما من رؤساء الفلاسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم في غاية البعد عنه.

ولم يذكر عن أحد من علماء المسلمين ولا الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام أنهم قالوا بشيء من أقوال أهل الهيئة الجديدة سوى القول بكروية الأرض. وليس أهل الهيئة الجديدة أول من قال بذلك حتى ينسب القول به إليهم. وإنما هو مأثور عن علماء المسلمين. وقد تقدم كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك. وما ذكره من الاتفاق على ذلك في أول الكتاب مع الأدلة على سكون الأرض واستقرارها وكذلك ما نقله عن أبي الحسين بن المنادي أنه حكى الإجماع على ذلك فليراجع.

وقد كان القول بسكون الأرض واستقرارها وجريان الشمس والقمر والنجوم هو المعروف عند المسلمين.

وقد حكى القرطبي إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك.

وأول من قال بخلاف هذا هو كوبرنيك البولوني وأتباعه من الإفرنج. ذكره عنهم محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف. ثم قال به هرشل الإنكليزي وأتباعه من الإفرنج كما صرح بذلك الألوسي في صفحة 23 من كتابه الذي كان الصواف ينقل منه ويعتمد عليه.

وكان كوبرنيك في آخر القرن العاشر من الهجرة وكان مولد هرشل في سنة 1738 ميلادية ومات في سنة 1822.

ص: 175

وهرشل وأتباعه هم الذين كان الألوسي ينقل عنهم ويتعسف في تطبيق الآيات على ما يوافق أقوالهم. وليسوا من علماء الإسلام كما قد زعمه الصواف وإنما هم من أعداء الإسلام. ولا يخلو الصواف في زعمه فيهم من أحد أمرين: إما إرادة التمويه والتلبيس على الجهلة الأغبياء بما لا حقيقة له في نفس الأمر. وإما شدة الغباوة فيه حيث نبا فهمه عما صرح به الألوسي في صفحة 23 و 33 و 34 و 36 و 59 و 95 من كون أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج.

الأمر السادس ما نقله الصواف عن الألوسي بما ذكره عن أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا إن الأرض جرم من الأجرام السماوية وإنها تابعة للشمس ودائرة حولها وأن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة ترى منها شمسنا كما ترى هي من عندنا أي نقطا لامعة نيرة في القبة الزرقاء. وأن الأرض كروية الشكل وأنها سابحة في الفضاء وأن لها حركة يومية على محورها وحركة سنوية على الشمس. وأن القرآن لم يذكر فيه شيء مما يخالف ما عليه أهل الهيئة اليوم.

والجواب أن يقال كل ما ذكره ههنا باطل سوى القول بكروية الأرض. وقد تقدم الرد عليه في مواضع كثيرة فأغنى عن إعادته ههنا.

الأمر السابع ما نقله الصواف عن الألوسي أنه قال: وفي الخبر «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» الحديث قال الألوسي وهذا لا ينافي حركة الأرض اليومية والسنوية التي قال بها أهل الهيئة فإن الله تعالى لو لم يخلق في الأرض الجبال لمادت فما ألقى فيها الرواسي وهي الجبال انتفى ذلك. ووجه كون الإلقاء مانعاً من اضطراب الأرض أنها كسفينة على وجه الماء والسفينة إذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب، وإن وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت فالجبال بالنسبة إليها كالأجرام الثقيلة الموضوعة في السفينة بالنسبة إليها، والمقصود أن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه كما أن السفينة إذا كان فيها أجرام ثقيلة تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب لا ينافي حركتها.

والجواب أن يقال إن الخبر الذي ذكره الألوسي حجة عليه فإن فيه أن الأرض

ص: 176

كانت تميد فلما ألقيت الجبال عليها استقرت. وهذا نص في سكون الأرض وثباتها.

والاستقرار ينافي السير والحركة كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة.

وأما تشبيه الأرض بالسفينة على وجه الماء وأنها إذا وضعت فيها أجرام ثقيلة لم تمنع حركتها وسيرها فهو تشبيه غير مطابق لأن الأرض قد أرسيت بالجبال من جميع نواحيها والجبال متوجهة بثقلها نحو المركز الذي هو وسط الأرض فصارت للأرض كالأوتاد التي تمنعها من الحركة ولهذا قال الله تعالى (ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا) قال ابن منظور في لسان العرب وأوتاد الأرض الجبال لأنها تثبتها انتهى.

وإذا كانت الجبال أوتاداً للأرض فالتشبيه المطابق هو تشبيهها بالسفينة التي قد وضع فيها ما يثقلها وأوتدت بالأوتاد في مرساها فوقفت فيه ولم تتحرك.

وأما قول الألوسي إن السفينة إذا وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت - إلى أن قال - إن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه فجوابه أن يقال إن الاستقرار ينافي السير والحركة كما هو معروف في لغة العرب. قال في القاموس وشرحه قرّ بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقراً وتقره ثبت وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر انتهى.

وإذا كان الاستقرار معناه الثبات والسكون فاستقرار الأرض المذكور في الخبر المتقدم معناه سكونها وثباتها وذلك ينافي حركتها وسيرها. وكذلك استقرار السفينة معناه وقوفها وثباتها في مرساها وذلك ينافي حركتها وسيرها.

وأما أن يقال في السفينة السائرة إذا وضعت فيها الأجرام الثقيلة التي تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب أنها مستقرة في حال سيرها وجريانها في الماء فهذا لا يعرف في لغة العرب.

وقد حاول الألوسي الجمع بين استقرار الأرض وحركتها واستقرار السفينة وحركتها وذلك خطأ مردود من وجهين. أحدهما مخالفته لغة العرب. والثاني جمعه بين النقيضين.

الأمر الثامن قوله فهل رأيتم كلاماً أصرح من هذا الكلام في كروية الأرض وحركتها.

ص: 177

والجواب أن يقال أما كروية الأرض فقد تقدم ما هو أصرح منه في كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وما نقله عن أبي الحسين ابن المنادي في ذلك.

وأما حركتها فقد تقدم رده وبيان بطلانه وذكرت هناك الأدلة من الكتاب والسنة على ثبات الأرض واستقرارها. وما حكاه الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي من إجماع أهل السنة على ذلك. وكذلك ما حكاه القرطبي من إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. فهذا أصرح وأوضح مما ذهب إليه الصواف وجادل به من القول الباطل ليدحض به الحق.

الأمر التاسع قوله أليس هذا من مفاخر علمائنا وتوفيق الله لهم في معرفة العلوم الكونية.

والجواب أن يقال كل ما نقله الصواف عن الألوسي فهو مما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة وهم كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج. فهؤلاء هم علماء الصواف الذين يفتخر بهم ويثني عليهم وبئس العلماء هؤلاء. وهم في الحقيقة مخذولون وليسوا موفقين.

ويقال أيضاً ليس ما قاله أهل الهيئة الجديدة في العلوم الكونية صوابا وقولا سديدا حتى يفتخر بهم الصواف ويثني عليهم. وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إليهم وخدعهم بها وخدع بها على أيديهم وأيدي أتباعهم بشراً كثيراً فخالفوا لأجلها نصوص الكتاب والسنة على جريان الشمس ووجود السموات السبع. وخالفوا أيضاً الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على ثبات الأرض واستقرارها.

إلى غير ذلك من أقوالهم المخالفة لما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع. وقد تقدم التنبيه على ذلك في مواضعه.

ولو فرضنا أن أحداً من علماء المسلمين سبق أهل الهيئة الجديدة إلى ما قالوه من التخرصات في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم لكان ذلك عيباً ونقصاً على من قاله واستحق بذلك الذم والتجدير من قوله. ولم يكن ذلك منقبة وفضيلة يفتخر بها ويثني على صاحبها كما ذهب إليه الصواف.

الأمر العاشر قوله إن في كتاب الألوسي من الكلام الواضح الذي يدل على ما بلغوه من الدرجات العليا في العلوم الكونية وحركات الأفلاك رحمهم الله وجزاهم عن

ص: 178

الإسلام خير الجزاء.

والجواب أن يقال إن غالب ما ينقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد تقدم إيضاح ذلك في مواضع كثيرة، وما كان مخالفاً للكتاب والسنة وإجماع المسلمين فهو بعيد من الوضوح غاية البعد وقد بلغ الدركات السفلى في السقوط والتخبيط. فأبعد الله أعداءه من أهل الهيئة الجديد وجزاهم عما أدخلوه على أهل الإسلام من التخرصات والظنون الكاذبة شر الجزاء فقد كانوا كما قال الله تعالى في أسلافهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل).

وبعد فهل تدري أيها الصواف على من تترحم وتسأل الله أن يجزيهم عن الإسلام خير الجزاء إنهم أعداء الله من فلاسفة الفرنج. وأولهم كوبرنيك البولوني ثم أتباعه من الإفرنج ومن أعيانهم تيخو براهي الدانمركي وكبلر وغاليليه ونيوتن الإنجليزي وهرشل الإنجليز وداروين الإنجليزي وأولبوس الإنجليزي» وهارذنق» وبياظي وستروف فهؤلاء كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك قريبا في الأمر الثالث والأمر الخامس

(فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم).

فصل

قال الصواف: إحاطة السماء بالأرض والقول بالجاذبية. ثم نقل عن الألوسي ما ذكره في صفحة 109 في تفسير قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره):

وما ذهب إليه أهل الهيئة المتأخرون من أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية لا يخالف الآية الكريمة فالله سبحانه هو الذي أودع تلك الجاذبية وبأمره كانت. وفي الخبر إن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وهما بالنسبة إلى العرش كذلك. ثم قال الصواف فسبحان من لا يحيط بشيء من علمه أحد.

ص: 179

والجواب أن يقال أما ما ذكره الألوسي عن أهل الهيئة المتأخرين من أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية فهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. وقد تقدم التنبيه على ذلك قريباً.

وأما ما ذكره من الخبر في عظم السماء الدنيا بالنسبة إلى الأرض فهو غلط.

ولفظ الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» رواه ابن مردويه. وقد تقدم التنبيه على ذلك في أول الفصل الذي قبل هذا الفصل.

وأما قوله فسبحان من لا يحيط بشيء من علمه أحد فهو خطأ ظاهر ويلزم على هذا الإطلاق أن يكون بنو آدم كلهم جهالًا الأنبياء فمن دونهم. وكذلك الملائكة ومؤمنو الجن.

والصواب إثبات ما أثبته الله تعالى من إحاطتهم من علمه بما شاء أن يعلموه. قال تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) فكل ما يعلمه العباد من العلم الصحيح فهو مما أطلعهم الله تعالى عليه من علمه وشاء أن يعلموه. قال الله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) قال ابن كثير أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به انتهى.

وقد قال الله تعالى (ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) وقال تعالى مخبراً عن الملائكة (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).

وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله عز وجل يقول يا عيسى إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم قال يا رب كيف هذا لهم ولا حلم

ص: 180

ولا علم قال أعطيهم من حلمي وعلمي» قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن شوار وأبي حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان.

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة موسى والخضر عليهما السلام قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين فقال الخضر ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.

فصل

ونقل الصواف عن الألوسي أنه قال وأما الأرضون السبع فقد حارت فيها عقول المفسرين وذكروا فيها أقوالا كثيرة وقد جعلها الله تعالى مثل السموات والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف. فقال الجمهور المثلية هنا في كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى. وورد في بعض الأخبار: في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى. والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم وفيهم أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم وغيرهما فينا. وقول الجمهور هذا أصح سائر الأقوال وهو أن بين كل أرض وأرض من السبع مسافة عظيمة وفي كل أرض خلق لا يعلم حقيقتهم إلا الله عز وجل ولهم ضياء يستضيئون به. ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر.

والجواب أن يقال أما كون الأرضين سبعا مثل السموات فقد دل عليه قول الله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن).

ودلت على ذلك أيضاً الأحاديث الكثيرة التي فيها إثبات سبع أرضين.

ودل قوله صلى الله عليه وسلم «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به

ص: 181

يوم القيامة إلى سبع أرضين» على أن الأرضين بعضهن فوق بعض. وذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك.

وأما تقدير المسافة بين كل أرضين فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بين كل أرضين سبعمائة عام، ورواه الترمذي وعنده أن بين كل أرضين خمسمائة سنة. وقال الترمذي حديث غريب. قال ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زايد أنهم قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة. ورواه ابن جرير من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا. قال ابن كثير ولعل هذا هو المحفوظ.

قلت وهذا الخبر لم يصح إسناده فلا يعتمد عليه في تقدير المسافة بين كل أرضين.

وأما ما فيه من تقدير المسافة بين السماء والأرض بخمسمائة عام فهو ثابت من حديث عبد الله بن عمرو وابن مسعود والعباس وأبي سعيد رضي الله عنهم وقد تقدمت أحاديثهم في أول الكتاب.

وأما قوله وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى فجوابه أن يقال إثبات السكان في كل أرض غير الأرض العليا يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا دليل على ذلك.

وأما الأثر المروي في ذلك من طريق أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في كل أرض نبي كنبيكم إلى آخره. فهو أثر منكر جدا. قال البيهقي هو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا. وقد ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية وقال إنه محمول إن صح نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما على أنه أخذه من الإسرائيليات.

قلت ومثله لا يثبت به شيء والله أعلم.

وأما قوله ولهم ضياء يستضيئون به ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر.

فجوابه أن يقال كل هذه تخرصات لا دليل عليها من كتاب ولا سنة وما لم يكن عليه

ص: 182

دليل فليس عليه تعويل. وقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).

فصل

قال الصواف لقد رصد أسلافنا القمر قبل أهل الشرق والغرب واهتموا اهتماما عجيبا بتحقيق الأمر فيه. ويظهر لي أنه لو كانت لهم من الوسائل ما لعلماء الفلك في هذا العصر لحاولوا الصعود إليه لكشف أمره وتحقيق الحكم فيه. وقد جاء في كتاب (مادل عليه القرآن) صفحة 129 وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. هذا ما قاله مؤلف الكتاب قبل ما يقرب من خمسين سنة ونقله عن علماء مسلمين قالوه قبل مئات السنين. وأرجو أن يلفت القارئ إلى عبارتين وردتا في هذه الفقرة التي نقلتها من الكتاب. الأولى أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار وأنهم أحسوا بها في مراصدهم. والثانية قوله وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. ألا تدل هاتان العبارتان على العجب العجاب الذي وصل إليه علماء المسلمين منذ قرون. أما كان الواجب علينا أن نتمم ما بدأوه من بحوثهم العلمية المستفيضة في علوم الكون والفلك وغيرهما. وهل سار علماؤنا في هذا الطريق إلا بأمر من الله ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تبارك وتعالى حينما يقول وهو يخاطب رسوله ليخاطب الناس (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) فهل المراد مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي أم هو النظر للبحث والعلم والتحقيق والاعتبار والادكار.

والجواب أن يقال لم يكن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم يرصدون القمر ويرجمون بالغيب عما فيه وحاشاهم من التخرصات واتباع الظنون الكاذبة .. ولو كان رصد القمر والبحث عما فيه

ص: 183

خيراً لكان الصحابة رضوان الله عليهم أسبق إلى ذلك من غيرهم. وكذلك التابعون وأئمة العلم والهدي من بعدهم.

وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة إلى آخر كلامه. وذكر الألوسي أيضا في صفحة 101 و 102 أن أهل الأرصاد اليوم كشفوا في القمر جبالا ووهادا وأودية وهكذا الشمس وسائر السيارات وظنوا أن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض وزعموا أن فيها بحاراً وأنهاراً. وصرح الألوسي أيضاً في عدة مواضع من كتابه أن أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وصرح في صفحة 23 أنهم هرشل وأتباعه.

وذكر محمد فريد وجدي في دائرة المعارف أن غاليليه هو الذي اخترع المنظار الفلكي فرصد به القمر فرأى فيه الجبال والأودية والظلال الكثيفة الممتدة على سهوله.

قلت وكان غاليليه في القرن الحادي عشر من الهجرة وهو الذي نشر أقوال كوبرنيك البولوني.

فهؤلآء هم أسلاف الصواف الذين رصدوا القمر واهتموا بتحقيق الأمر فيه. وبئس ما رضي الصواف لنفسه حيث جعل كوبرنيك وغاليليه وهرشل وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج سلفاً له.

وأما قوله وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه.

فجوابه أن يقال ما ذكره الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة كله تخرص ورجم بالغيب.

ومن أين لهم اكتشاف القمر وتحقيق الأمر فيه وهو في السماء بنص القرآن وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة فقدرتهم عاجزة عن اكتشافه من هذا البعد الشاسع وتحقيق الأمر فيه.

وقد أنفق بعض كبار الدول في زماننا أموالا كثيرة وبذلوا غاية الجهد في محاولة الوصول إلى القمر وتحقيق الأمر فيه فما استطاعوا ذلك ولن يستطيعوه أبداً. وقد صرح بعض الأذكياء من علمائهم المختصين بمعرفة الأرصاد أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى القمر.

ص: 184

وأما إطلاقه وصف الحكمة على فلاسفة الإفرنج فهو خطأ ظاهر

والصواب أنهم أهل الغباوة والجهل الكثيف، وقد تقدم التنبيه على هذا مع ذكر أخطاء الألوسي.

وأما قوله ونقله عن علماء مسلمين قالوه قبل مئات السنين.

فجوابه أن يقال هذا غلط فاحش لأن الذين نقل عنهم الألوسي في شأن القمر ما نقل ليسوا بمسلمين وإنما هم أهل الهيئة الجديدة، وقد ذكرت مراراً أن الألوسي صرح في عدة مواضع من كتابه أن أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وصرح في صفحة 23 أنهم هرشل وأتباعه.

وقول الصواف أنهم قالوه قبل مئات السنين ليس بصحيح لأن هرشل وأتباعه إنما كان زمانهم من نحو مائتي سنة فأقل. وإنا نتحدى الصواف أن يسمي لنا علماء المسلمين الذين نقل عنهم الألوسي في شأن القمر ما نقل. وأن يذكر كتبهم التي ذكروا فيها ذلك إن كان صادقاً. وما أبعده من الصدق.

وأما قوله وأرجو أن يلفت القارئ إلى عبارتين: الأولى أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار وأنهم أحسوا بها في مراصدهم. والثانية قوله وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه.

فجوابه أن يقال وهل ظننت أيها الصواف أن هاتين العبارتين من كتاب الله تعالى أو مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترجو من القراء أن يلفتوا نظرهم إليهما. وأي فائدة للقراء في تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة وما أوحاه الشيطان إليهم حتى يلفتوا نظرهم إلى ذلك بل الحق أنه ينبغي للقراء الذين عافاهم الله تعالى من اتباع الظنون الكاذبة إذا وقفوا على مثل هاتين العبارتين أن يحمدوا الله الذي عافاهم مما ابتلى به المتخرصين المتكلفين ما لا علم لهم به وما ابتلى به أتباعهم من جهال المسلمين المفتونين بزخارفهم وهذيانهم.

وأما قوله ألا تدل هاتان العبارتان على العجب العجاب الذي وصل إليه علماء المسلمين منذ قرون.

فجوابه أن يقال قد ذكرنا أن الذين تخرصوا في القمر وزعموا فيه ما زعموا ليسوا بمسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج وهم أهل الهيئة الجديدة ومن أولهم كوبرنيك البولوني وكان في القرن العاشر من الهجرة. ثم كان بعده كبلر وغاليليه وكانا في

ص: 185

القرن الحادي عشر من الهجرة ثم هرشل الإنكليزي وأتباعه وكانوا في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة. ولو فرضنا أن أحداً من المسلمين تخرص في القمر منذ قرون وقال فيه بما قاله أهل الهيئة الجديدة فيه لما كان تخرصه فيه مقبولا من أجل إسلامه بل ذلك مردود لما فيه من الرجم بالغيب واتباع الظن. وأي فائدة للمسلمين في التخرصات والظنون التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ويقال أيضاً ليس العجب العجاب من كفار يتخرصون في القمر ويرجمون بالغيب عما فيه فما هم عليه من الكفر بالله تعالى أعظم من تخرصاتهم وظنونهم في القمر. وإنما العجب العجاب من رجل مسلم ينتسب إلى العلم ويتصدر للتدريس والإرشاد وهو مع هذا يصدق أعداء الله في تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة ولا يتورع عن الافتراء لتأييد القول الباطل الذي هو مفتون به. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

وأما قوله أما كان الواجب علينا أن نتمم ما بدأوه من بحوثهم العلمية في علوم الكون والفلك.

فجوابه أن يقال إذا كنت ترى ذلك واجباً عليك فاذهب إلى القمر وغيره من الأجرام العلوية وتمم ما بدأه أسلافك أهل الهيئة الجديدة من المزاعم الباطلة والظنون الكاذبة فيها. ولا يخفى عليك أن من ترك الواجب عليه فهو آثم أما غيرك فإنهم قد وقفوا حيث وُقِفَ بهم فما جاءهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم تلقوه بالقبول والتسليم وما سكت الله ورسوله عنه سكتوا عنه ولم يتكلفوا ما لا علم لهم به لعلمهم أن الله تعالى قد نهى عن ذلك في قوله (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).

وأما قوله وهل سار علماؤنا في هذا الطريق إلا بأمر من الله ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فجوابه أن يقال علماؤك من أهل الهيئة الجديدة لم يسيروا فيما زعموه عن القمر وغيره من الأجرام العلوية على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما ساروا على مجرد ظنونهم وأرصادهم التي لا تغني من الحق شيئاً.

ص: 186

وقد صرح الألوسي بذلك في قوله: وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم فذكر أنهم ساروا على مجرد الظن وما تقتضيه الأرصاد لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن هرشل الفيلسوف وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز والأرض وكذا النجوم دائرة حولها.

وهذا صريح في أن أهل الهيئة الجديدة إنما ساروا على مجرد التخيلات وهي التخرصات والظنون الكاذبة. لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويلزم على قول الصواف أن يكون الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان قد تركوا العمل بأمر أمر الله به ولم يفهموا ما جاء في الكتاب والسنة عنه. وأن الذين عربوا كتاب اليونان وعملوا رصد الكواكب في زمن المأمون وما بعده هم الذين عملوا بما أهمله الصحابة والتابعون وتابعوهم، وفهموا من الكتاب والسنة ما لم يفهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم. هذا ما يقتضيه كلام الصواف كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم ولا يخفى أيضاً ما يقتضيه كلام الصواف من الإزراء بالصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. وما يقتضيه أيضاً من الثناء على الذين عملوا رصد الكوكب وتخرصوا في الأجرام العلوية وزعموا فيها المزاعم الباطلة.

وما كان مقتضياً لما ذكرنا فهو قول سيء ينبغي التحذير منه لئلا يغتر به.

وقد ذكرت في أثناء الكتاب كلاماً حسناً للحافظ أبي عبد الله الذهبي قال فيه إنه لما عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب نشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة. ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية.

قلت وعن هذا العلم المردي المهلك نجم الكلام في القمر وغيره من الأجرام العلوية والإخبار عما فيها بمجرد التخرصات والظنون الكاذبة.

وعلى هذا العلم المردي المهلك سار علماء الصواف لا على ما زعمه من الأمر والوحي اللذين لا وجود لهما.

ص: 187

وأما قوله: والله تبارك وتعالى حينما يقول وهو يخاطب رسوله ليخاطب الناس (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) فهل المراد مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي أم هو النظر للبحث والعلم والتحقيق والاعتبار والادكار.

فجوابه أن يقال ليس المراد من الأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي ولا النظر للبحث والكشف عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وغير ذلك مما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم. وإنما الأمر بالنظر للتفكر والاعتبار والاستدلال على عظمة الخالق جل جلاله وكمال قدرته وأنه الإله الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون من سواه.

والآية إنما سيقت في مخاطبة المشركين ودعائهم إلى الإيمان بالله تعالى. قال البغوي في قوله تعالى (قل انظروا) أي قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها. قلت وتمام الآية دال على أن الخطاب للمشركين ولهذا قال تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) الآية، وقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت).

وقوله تعالى (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون) قال القرطبي في تفسيره (وهم) يعني الكفار (عن آياتها معرضون) بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها من ليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأفلاكها ورياحها وسحابها وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعاً قادراً واحداً فيستحيل أن يكون له شريك انتهى.

وأما حمل الآية على ما قاله الصواف من البحث والعلم والتحقيق - يعني البحث عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وسكان وتحقيق ما غلب على ظنون أهل المراصد من ذلك والعلم به - فهو من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه.

ص: 188

فصل

ثم ذكر الصواف ما نقله الألوسي في صفحة 46 و 47 عن ابن الهيثم أنه قال في القمر يحتمل أن يكون كرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ويتحرك على نفسه فيرى هلالا ثم بدراً ثم ينمحق وهكذا دائماً.

والجواب أن يقال هذا الاحتمال بعيد من الصواب، ومن أمعن النظر في القمر ولا سيما من الليلة التاسعة إلى ليلة إحدى وعشرين لم يشك أن وجهه الذي يقابل الأرض لا يزال مقابلا لها وإنما يزداد نوره وينقص بحسب مقابلته للشمس.

وقد روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما (وجعل القمر فيهن نوراً) (قال وجهه إلى العرش وقفاه إلى الأرض قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في تلخيصه على شرط مسلم. وهذا يرد ما قاله ابن الهيثم والله أعلم.

فصل

ثم ذكر الصواف ما نقله الألوسي في صفحة 48 عن ابن قتيبة في ذكر منازل القمر الثمان والعشرين. وعد منها السماك الرامح وليس هو من المنازل. وأسقط سعد السعود وهو من المنازل. وهذا غلط إما من الألوسي أو ممن قبله من النساخ ويبعد أن يكون ذلك من ابن قتيبة.

فصل

وهنا أود أن أتم ما بدأت بنقله حول ما قالوه عن عدد الأرضين حيث قال المؤلف، وقد قالوا أيضاً أن هذه الشمس في عالم هي مركز دائرته وبلقيس مملكته بمعنى أن جميع ما فيه من كواكبه السيارة تدور عليها فيه على وجه مخصوص ونمط مضبوط وقد يقرب إليها فيه ويبعد عنها إلى غاية لا يعلمها إلا الله تعالى كواكب ذوات الأذناب وهي عندهم كثيرة جداً تتحرك على شكل بيضي. وأن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر

ص: 189

تدور عليه دوران توابعها من السيارات وهو فيما نسمع أحد كواكب النجم ولهم ظن في أن ذلك أيضاً من توابع كوكب آخر وهكذا. وسماء كل عالم كالقمر عندهم ما انتهى إليه هواؤه حتى صار ذلك الجرم في نحو خلاء فيه لا يعارض ولا يضعف حركته شيء. والجسم متى تحرك في خلاء لا يسكن لعدم المعارض فلتكن كل أرض من هذه الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين وهناك ما يستضيء به أهلها سابحاً في فلك بحر قدرة الله عز وجل، ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها كما ذكرنا سابقاً. قال ولقد ختم الألوسي قوله في الأرضين بما يأتي وفي الجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أرضين على الوجه الذي قدمناه ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما وليس ذلك مما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالف قطعياً من أدلة المسلمين.

والجواب أن يقال كل ما نقله الصواف ههنا عن الألوسي فهو باطل. وقد نبهت على بطلان كل جملة منه في موضعها فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.

فأما ما ذكره عن أهل الهيئة الجديدة أن الشمس هي مركز العالم وأن جميع الكواكب السيارة تدور عليها فقد تقدم بيان بطلانه في أول الكتاب وفي مواضع كثيرة في أثنائه.

وأما قولهم إن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر تدور عليه إلى آخره. فقد تقدم رده مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وفي المثال الثامن عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة. وأما قوله إن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين إلى آخر كلامه. فقد تقدم رد كل جملة منه على حدة مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وهذا آخر ما تيسر إيراده، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

وقد وقع الفراغ من تسويد هذه النبذة في يوم الأربعاء الموافق لست مضين من جمادى الثانية سنة 1386 هـ على يد جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ص: 190