الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة قال وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع أجزائها من البر والبحر مثل الكرة.
قال ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب. قال فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد فيدل ذلك على بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد فاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية: حكى ابن حزم وابن المنادي وأبو الفرج ابن الجوزي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات كرة مستديرة.
وقال أيضاً في تفسير سورة الرعد عند قوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) الآية يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمد بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها. فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء. وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام.
ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام وسمكها خمسمائة عام. وهكذا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة انتهى.
والمقصود ههنا
ذكر الإجماع على أن السموات مستديرة
وذكر الإجماع على أن الأرض مثل الكرة وبيان أنها مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. وقد تقدم النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وهذا يدل على أن الأرض قارة ثابتة. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة وكانت الأرض تدور عليها كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان بين الأرض وبين السماء مسيرة خمسمائة سنة من جميع الجهات بل تكون جهة منها أقرب إلى السماء من الجهة الأخرى بمسافة بعيدة على قدر سعة الفلك الذي تدور فيه على حد زعمهم. وهذا باطل قطعاً. ونص حديث عبد الله بن
عمرو رضي الله عنهما مع نصوص الأحاديث التي تأتي ترد هذا الزعم الكاذب.
وأيضاً فلو كانت الشمس قارة ساكنة والأرض تدور عليها لكانت الشمس هي المركز وكانت الأرض أقرب إلى السماء من الشمس وهذا باطل قطعاً لأن الشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً).
وأما الأرض فبعيدة من السماء كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الذي ذكرنا وما يأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس بن عبد المطلب وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض بخمسمائة سنة وإذا كانت الشمس في السماء فمحال أن تدور الأرض عليها لأنها لو كانت تدور عليها لكانت تخترق السموات وهذا لا يقوله عاقل.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سمائين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات ما بين كل سمائين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار وقال الترمذي هذا حديث غريب.
الرقيع السماء قال ابن الأثير فيه أنه قال لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة يعني سبع سموات وكل سماء يقال لها رقيع
والجمع أرقعة. وقيل الرقيع اسم سماء الدنيا فأعطى كل سماء اسمها انتهى.
الحديث السابع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال «ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش ويعلم أعمالكم» رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد بإسناد صحيح على شرط مسلم.
ورواه أيضاً من وجه آخر ولفظه «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وبصر كل سماء خمسمائة - يعني غلظها -» وذكر بقيته بنحوه.
وقد رواه الطبراني في الكبير بنحو الرواية الأولى قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح.
وهذا الحديث له حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف.
الحديث الثامن عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قال قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء) رواه الإمام أحمد والبغوي بهذا اللفظ.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في مستدركه عن العباس رضي الله عنه قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان. قال أبو داود لم أتقن العنان جيداً. قال صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك
حتى عد سبع سموات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك».
هذا لفظ أبي داود ونحوه رواية الترمذي وابن ماجه. ورواية ابن خزيمة والحاكم مختصرة. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وهذه الرواية مخالفة لرواية الإمام أحمد والبغوي وما قبلها من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم وما سيأتي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه في مقدار المسافة بين السماء والأرض. وقد جمع بين الروايتين غير واحد من العلماء منهم ابن خزيمة في كتاب التوحيد وابن القيم في تهذيب السنن والذهبي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة رضي الله عنهما فهو مما يشهد بتصديق كل منهما للآخر فإن المسافة يختلف تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها. فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات. وهذا معلوم بالواقع فما تسيره الإبل سيراً قاصداً في عشرين يوماً يقطعه البريد في ثلاثة فحيث قدر النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق الآخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
وقال الذهبي لا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا. ونيف وسبعون سنة على سير البريد لأنه يصح أن يقال بيننا وبين مصر عشرون يوماً باعتبار سير العادة وثلاثة أيام باعتبار سير البريد انتهى.
الحديث التاسع عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وفرش مرفوعة) قال «ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه والأحاديث الثلاثة قبله دليل على استقرار
الأرض وثباتها وقد تقدم إيضاح ذلك في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهو الحديث الخامس فليراجع.
الحديث العاشر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن» الحديث رواه البخاري.
الحديث الحادي عشر عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
الحديث الثاني عشر عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني. قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح غير القاسم بن عبد الرحمن وقد وثقه غير واحد.
الحديث الثالث عشر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال الهيثمي إسناد الطبراني جيد.
الحديث الرابع عشر عن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة حتى تكون من الناس قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الطبراني.
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس» الحديث رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي.
الحديث السادس عشر عن سلمان رضي الله عنه قال «تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس» الحديث رواه الطبراني. قال المنذري وإسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. قلت وله حكم المرفوع لأن مثله
لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف وهذه الأحاديث السبعة وإن كانت من أخبار يوم القيامة ففيها دليل على أن الأرض قارة ثابتة لا تفارق موضعها. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة لكانت الأرض هي التي تدنى منها وهذا خلاف نصوص هذه الأحاديث والله أعلم.
فهذا ما يسره الله تعالى من الآيات والأحاديث الدالة على أن الشمس تسير وتدور على الأرض وإن الأرض قارة ثابتة بخلاف ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة من أن الشمس قارة ثابتة وأن الأرض تدور عليها. وحقيقة قولهم تكذيب الآيات والأحاديث التي ذكرنا واطراحها بالكلية وذلك هو الضلال البعيد. وقد قال الله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين).
وقول أهل الهيئة الجديدة في الشمس والأرض دائر بين افتراء الكذب والتكذيب بالحق. ومن أعجب العجب أنه قد جعل في زماننا من الفنون المهمة التي تدرس في كثير من المدارس ويعتنى بها في كثير من الأقطار الإسلامية أكثر مما يعتنى بالعلوم الشرعية. وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل» الحديث متفق عليه.
وفي رواية «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» . ولهما عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قالا قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم» الحديث.
وقال الشعبي لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلا والجهل علماً. رواه ابن أبي شيبة وله حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي ومثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف ومن أقبح الجهل وأظلم الظلم تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ومعارضة الآيات والأحاديث الصحيحة بأقوال أعداء الله تعالى وتخرصاتهم الكاذبة وآرائهم الفاسدة وتوهماتهم الخاطئة وتعلم ذلك وتعليمه.
وقد أخبرني غير واحد من الطلبة في بعض المعاهد أن بعض معلميهم من ذوي الجهل المركب صرح عنده بما يعتقده من استقرار الشمس ودوران الأرض حولها. فقال
له الطلبة ما تقول في قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) وقوله تعالى (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) وأمثال هذه الآيات. فقال القرآن حق. فقالوا له يلزمك على هذا أن تعتقد جريان الشمس فأبى فطالبوه بالدليل على قوله فقال هكذا تلقينا من علمائنا.
فانظر يا من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان إلى جواب هذا المخدوع المغرور بزخارف أعداء الله وشبهاتهم. واحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به المنحرفين المكذبين لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة تقليداً منهم لأعداء الله تعالى من الكفار والمنافقين الذين أسسوا بنيانهم على شفا جرف هارٍ ينهار بمن تمسك به في نار جهنم.
وما أشبه هذا الذي ذكرنا جوابه ومن جرى مجراه بالذين قال الله تعالى فيهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا. أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً).
فاحذروا أيها المسلمون من الإصغاء إلى دسائس أعداء الله تعالى والاغترار بزخارفهم وشبهاتهم فإنهم لا يألونكم خبالا وودوا لو تكفرون بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة قال الله تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) الآية. وقال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين). ففي هذه الآيات أبلغ تحذير للمسلمين من طاعة الكفار والمنافقين وقبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم فإنهم لا يألون المسلمين خبالا وودوا ما عنتهم وأضلهم عن الصراط السوي والهدي.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كفاية وغنية عما سواهما من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم قال الله تعالى (أولم
يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) وقال تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقال تعالى (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى).
قال ابن عباس رضي الله عنهما «من تعلم كتاب الله ثم اتبع ما فيه هداه الله من الضلالة في الدنيا ووقاه يوم القيامة سوء الحساب» رواه رزين.
وفي رواية قال «من اقتدى بكتاب الله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا هذه الآية (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)» وقد ذكره البغوي في تفسيره بنحوه.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» .
وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل» .
وفي رواية له أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة» .
ورواه الترمذي مختصراً ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض وعترتي أهل بيتي» الحديث قال الترمذي حديث حسن غريب.
وروى مسلم أيضاً وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله» ورواه الترمذي بنحوه مختصراً.
وروى مالك في الموطأ بلاغاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله» .
وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع - فذكر الحديث وفيه أنه قال «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنة نبيه ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» . وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً» .
قال المنذري إسناد الطبراني جيد. وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
وروى الطبراني أيضاً في الكبير والصغير والبزار من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه» ورواه الطبراني والبغوي بنحوه موقوفاً.
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما
قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم» الحديث. قال الترمذي غريب.
وقد رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن أمتك مختلفة بعدك قال فقلت فأين المخرج يا جبريل قال فقال كتاب الله تعالى به يقصم الله كل جبار من اعتصم به نجا ومن تركه هلك مرتين قول فصل وليس بالهزل لا تختلقه الألسن ولا تفنى أعاجيبه فيه نبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما هو كائن بعدكم» .
وروى الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية الترمذي وإسناده ضعيف.
وروى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه قال المنذري وإسناده حسن.
وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث في الحث على الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيها من النص على أن من تمسك بهما كان على الهدى ومن تركهما كان على الضلالة. فماذا يقال في الذين يعرضون عن أدلة الكتاب والسنة على جريان الشمس وثبات الأرض واستقرارها ويتمسكون بأقوال أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من ضعفاء البصيرة ويقدمونها على نصوص الكتاب والسنة.
الجواب أن يقال: لا شك أن هذا ضلال عن الصراط المستقيم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال أهل الكتاب كما سيأتي إيراده إن شاء الله تعالى. وغضب صلوات
الله وسلامه عليه على عمر رضي الله عنه غضباً شديداً لما رأى معه كتاباً استنسخه من بعض أهل الكتاب وكان فيه جوامع من التوراة. وكان عمر رضي الله عنه في خلافته يعاقب من يكتب مما عند أهل الكتاب أشد العقوبة.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا سريج بن النعمان أخبرنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» .
فيه مجالد ضعفه ابن معين ويحيى بن سعيد والدارقطني وغيرهم ووثقه النسائي وغيره وروى له مسلم مقروناً بغيره وبقية رجاله رجال الصحيح.
وروى البزار عن جابر رضي الله عنه قال نسخ عمر رضي الله عنه كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» .
فيه جابر الجعفي تركه يحيى القطان وقال النسائي متروك ووثقه شعبة وسفيان الثوري وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر الجعفي ثقة.
وروى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم
اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» قال الهيثمي فيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
وروى الإمام أحمد والطبراني عن عبد الله بن ثابت رضي الله عنه قال جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله يعني ابن ثابت فقلت ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا قال فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» .
قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف.
قلت قد تقدم عن شعبة والثوري ووكيع أنهم وثقوه.
وروى البزار عن عبد الله بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا جابر الجعفي.
وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن خالد بن عرفطة قال كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس فقال له عمر أنت فلان بن فلان العبدي قال نعم قال وأنت النازل بالسوس قال نعم فضربه بقناة معه قال فقال الرجل مالي يا أمير المؤمنين فقال له عمر اجلس فجلس فقرأ عليه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ألر تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) فقرأها عليه ثلاثاً وضربه ثلاثاً فقال له الرجل ما لي يا أمير المؤمنين فقال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك أتبعه قال انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة ثم قال اجلس فجلس بين يديه فقال انطلقت فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم
جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هذا في يدك يا عمر» قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار اغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصاراً ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون» قال عمر رضي الله عنه فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة.
قلت وقد روى له شاهد من وجه آخر عن سليم بن عامر أن جبير بن نفير حدثهم أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر رضي الله عنه وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صفنين فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين وكان أرسل إليهما عمر رضي الله عنه فيمن أرسل إليه من أهل حمص فقالا يا أمير المؤمنين إنا بأرض أهل الكتابين وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا أفنأخذه منهم أم نترك قال لعلكما اكتتبتما منه شيئاً فقالا لا قال سأحدثكما إني انطلقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولا أعجبني فقلت هل أنت مكتبي مما تقول قال نعم قال فأتيته بأديم ثنية أو جذعة فأخذ يملي علي حتى كتبت في الأكرع رغبة في قوله فلما رجعت قلت يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولا لم أسمع مثله بعدك قال لعلك كتبت منه قلت نعم قال ائتني به فانطلقت ارغب عن المشي رجاء أن أكون جئت نبي الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما يحبه فلما أتيت به قال اجلس فاقرأ علي فقرأت ساعة ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون فتحيرت من الفرق فما استطعت أجيز منه حرفاً فلما رأى الذي بي رفعه ثم جعل يتتبعه رسماً رسماً فيمحوه بريقه وهو يقول «لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكو وتهوكوا» حتى محا آخره حرفاً. قال عمر رضي الله عنه فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالا لهذه الأمة قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً فخرجا بصفنيهما فحفرا لهما من الأرض فلم يألوا أن يعمقا ودفناهما فكان آخر العهد منهما رواه الإسماعيلي
والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه. قال الجوهري الصفن خريطة الراعي فيها طعامه وزناده وكذا ذكر ابن منظور في لسان العرب عن أبي عمرو أنه قال الصفن بالضم خريطة تكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. قال ابن منظور وقيل هي السفرة التي تجمع بالخيط وتضم صادها وتفتح.
ونقل عن أبي عبيد أنه قال سمعت من يقول الصفن بفتح الصاد والصفنة أيضاً بالتأنيث. وعن ابن الأعرابي الصفنة بفتح الصاد هي السفرة التي تجمع بالخيط ومنه يقال صفن ثيابه في سرجه إذا جمعها. وقال أبو عبيد الصفنة كالعيبة يكون فيها متاع الرجل وأداته فإذا طرحت الهاء ضممت الصاد وقلت صفن.
وأما التهوك فقال الجوهري هو التحير قال والتهوك أيضاً مثل التهور وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة.
وقال ابن الأثير التهوك كالتهور وهو الوقوع في الأمر بغير روية والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل هو التحير.
وقال ابن منظور التهوك السقوط في هوة الردى وإنه لمتهوك لما هو فيه أي يركب الذنوب والخطايا والمتهوك الذي يقع في كل أمر.
وروى الإسماعيلي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم» ثم أنزل الله تعالى (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون).
وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم للذين كتبوا جوامع من التوراة مع ما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم من الغضب على عمر رضي الله عنه لما رأى معه الكتاب الذي استنسخه من بعض أهل الكتاب ليزداد به علماً فكيف لو رأى الذين يرغبون عن نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بجريان الشمس وفيما يتعلق بغيرها من الأجرام العلوية وبالسموات والأرض ويقدمون عليها أقوال الفلاسفة الدهريين مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة الذين لا يعتمدون في أقوالهم على