الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في
ذكر أدلة عقلية على ثبات الأرض واستقرارها
فمن ذلك ما هو مشاهد من سير السحاب المسخر بين السماء والأرض فإنا نراه عندنا في البلاد النجدية في فصل الشتاء والربيع وأكثر فصل الخريف يأتي في الغالب من المغرب ويذهب نحو المشرق. وفي بعض الأحيان يأتي من جهة الشمال ويذهب نحو الجنوب ويأتي أيضاً من جهة الجنوب ويذهب نحو الشمال وربما أتى من ناحية المشرق وذهب نحو المغرب. وفي فصل الصيف وهو الذي تسميه العامة القيظ ليس له اتجاه معتاد بل يأتي من المشرق ومن المغرب ومن الجنوب ومن الشمال. وفي نواحي الحجاز يأتي في الغالب من جهة القطب الجنوبي ويذهب نحو القطب الشمالي وربما أتى من جهة المشرق وذهب نحو المغرب وبالعكس وربما أتى من جهة الجنوب وذهب نحو الشمال وبالعكس. وسيره من جميع الجهات متقارب لا يختلف بعضه عن بعض بالسرعة إلا بسبب ريح شديدة تسوقه، ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لاختلف سير السحاب بسبب سير الأرض ولكان اتجاهه دائماً إلى جهة المغرب بعكس سير الأرض ولم يذهب إلى جهة المشرق أبداً لأن الأرض تفوته بسرعة سيرها. فقد زعم المتأخرون من أهل الهيئة الجديدة أنها تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتراً وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ.
ولما كان سير السحاب من جميع الجهات مقارباً بعضه بعضاً دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة.
ومن ذلك ما يسره الله تعالى في زماننا من وجود المراكب الجوية التي تخترق الهواء في جميع أرجاء الأرض فإن سيرها من المشرق إلى المغرب مثل سيرها من المغرب إلى المشرق وكذلك سيرها من الجنوب إلى الشمال مثل سيرها من الشمال إلى الجنوب كل ذلك لا يختلف.
ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان من في المشرق إذا أراد المغرب رفع طائرته في الهواء ثم أمسكها وقتاً يسيراً حتى تصل إليه أقطار المغرب فينزل فيها.
وأما من في المغرب فلا يمكنه أن يسير إلى المشرق في مركب جوي أبداً لأنه إذا رفع طائرته عن الأرض فاتته الأرض بسرعة سيرها. هذا على حد زعمهم. وكذلك الذين في الجنوب والشمال لا بد أن تفوتهم الأرض بسرعة سيرها فلا يهتدون إلى موضع قصدوه في مراكبهم الجوية.
ولما كانت هذه التقديرات منتفية وكان السير في الجو من الأقطار المتباينة مقارباً بعضه بعضاً دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة.
ومن ذلك ما هو مشاهد من نهوض الطيور من أوكارها أو غيرها مما هي واقعة عليه وطيرانها في الهواء وذهابها يميناً وشمالا ورجوعها إلى أوكارها أو غيرها من الأشجار والمواضع التي تقع عليها كثيراً وهذا يدل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما رجعت الطيور إلى أماكنها من الأرض لأن الأرض تفوتها بسرعة سيرها.
ومثل ذلك الطائرات فإنها تطير من المطارات وتذهب نحو المشرق والمغرب والجنوب والشمال وربما عرض لها عارض يمنعها من مواصلة السير إلى المواضع التي يقصدها أهلها فترجع إلى المواضع التي طارت منها بعدما تنأى عنها بمسافة بعيدة، وهذا يدل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما رجعت الطائرات إلى مطاراتها أبداً لأن الأرض تفوتها بسرعة سيرها.
ومن ذلك ما هو مشاهد من رمي الصيد والأهداف وإصابتها ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما أصاب الرامي صيداً ولا هدفاً ولاسيما إذا كان الصيد أو الهدف بعيداً عنه لأنه إذا أطلق السهم أو الرصاص فاتته الأرض بسرعة سيرها فلا يصيب السهم والرصاص ما وجهه الرامي نحوه.
ولما كانت إصابة الصيد والأهداف تقع من كثير من الرماة دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة.
فإن قيل إن الهواء تابع للأرض يسير بسيرها فلا تفوت الأرض إذا شيئاً مما يكون في الهواء فوقها.
فالجواب أن يقال هذا من أبطل الباطل لأن الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للأرض
قال الله تعالى في سورة الم تنزيل السجدة (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) الآية. وقال تعالى في سورة ق (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام) الآية. وقال تعالى في سورة الدخان (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) وقال تعالى في سورة الأنبياء (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) وقال تعالى في سورة ص (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا) الآية. وقال تعالى في سورة الحجر (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) الآية. وقال تعالى في سورة الأحقاف (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) الآية وقال تعالى في سورة ص (أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما) الآية. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للأرض.
وكما أن كلاً من السماء والأرض مستقلة بنفسها وليست تابعة للأخرى فكذلك الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للسماء ولا للأرض ولا يتصور أن يكون الهواء تابعاً لغيره إلا فيما يكون محجوزاً بالسقوف والجدر ونحوها كالهواء الذي يكون في داخل الطائرات والسيارات والمراكب ونحوها فإنه يسير بسيرها بخلاف ما يكون فوق سطوحها فإنه لا يكون تابعاً لها ولا يسير بسيرها كما هو معلوم عند كل عاقل. وما على وجه الأرض من الهواء شبيه بما على ظهور الطائرات من الهواء فكما أن ما على ظهور الطائرات من الهواء لا يتبعها ولا يسير بسيرها فكذلك ما على ظهر الأرض من الهواء لا يكون تابعاً لها والله أعلم.
وأيضاً فلو كان الهواء تابعاً للأرض وسائراً بالسرعة الهائلة التي زعموها في سير الأرض كما ذكرنا قولهم في ذلك قريباً فإنه لا يستطيع الطير ولا الطائرات أن تسبح فيه وتذهب شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ثم ترجع إلى مواضعها من الأرض. ولما كان الطير يطير إلى حيث شاء من الجهات ثم يرجع إلى موضعه الذي طار منه وكانت الطائرات تسير على خطوط مستقيمة شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ثم ترجع إلى المواضع التي طارت منها دل ذلك على أن الهواء ساكن لا يسير ولا يتحرك إلا أن تحركه ريح تهب فيه.
فصل
قال الرازي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة البقرة (الذي جعل لكم الأرض فراشاً) الآية ما نصه:
اعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر ههنا أنه جعل الأرض فراشاً. ونظيره قوله (أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا) وقوله (الذي جعل لكم الأرض مهدا) واعلم أن كون الأرض فراشاً مشروط بأمور، الشرط الأول كونها ساكنة وذلك لأنها لو كانت متحركة لكانت حركتها إما بالاستقامة أو بالاستدارة. فإن كانت بالاستقامة لما كانت فراشاً لنا على الإطلاق لأن من طفر من موضع عال كان يجب أن لا يصل إلى الأرض لأن الأرض هاوية وذلك الإنسان هاوٍ والأرض أثقل من الإنسان والثقيلان إذا نزلا كان أثقلهما أسرعهما والأبطأ لا يلحق الأسرع فكان يجب أن لا يصل الإنسان إلى الأرض فثبت أنها لو كانت هاوية لما كانت فراشاً.
أما لو كانت حركتها بالاستدارة لم يكمل انتفاعنا بها لأن حركة الأرض مثلا إذا كانت إلى المشرق والإنسان يريد أن يتحرك إلى جانب المغرب ولا شك أن حركة الأرض أسرع فكان يجب أن يبقى الإنسان على مكانه وأنه لا يمكنه الوصول إلى حيث يريد. فلما أمكنه ذلك علمنا أن الأرض غير متحركة لا بالاستدارة ولا بالاستقامة فهي ساكنة انتهى.
فصل
وقد ذكر الألوسي عن فيثاغورس وأتباعه أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا إن الأرض سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها.
ونقول أما قولهم إن الأرض سابحة في الجو فهذا باطل ترده الآيات والأحاديث الدالة على سكون الأرض وثباتها. ويرده أيضاً إجماع المسلمين على ثبات الأرض وسكونها. وقد تقدم كل ذلك فليراجع وأما قولهم إنها معلقة بسلاسل الجاذبية فهذا باطل يرده قول الله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وقوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فالسماء قائمة بأمر الله تعالى وإمساكه لها من غير عمد والأرض قائمة بأمر الله تعالى وإمساكه لها من غير سلاسل.
وقد جعل الله تبارك وتعالى الأرض مركزاً ومستقراً للأثقال من جميع جهاتها. فلو سقط من السماء شيء ثقيل من أي جهة كانت لما استقر إلا في الأرض. وكذلك ما يسقط من الأثقال مما بين السماء والأرض فمقره الأرض. وقانون الجاذبية للأثقال ينتهي إلى المركز في جوف الأرض وهو وسط الأرض السابعة السفلى.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ساق عدة أحاديث في إثبات سبع أرضين قال فهذه الأحاديث كالمتواترة في إثبات سبع أرضين والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الأخرى والتي تحتها في وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الأمر إلى السابعة وهي صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا أهبط شيء إلى جهة الأرض وقف في المركز ولم يصعد إلى الجهة الأخرى. وقال أيضاً ما يهبط من أعلى الأرض إلى أسفلها وهو المركز لا يصعد من هناك إلى ذلك الوجه إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من الهبوط إلى المركز.
وقال الشيخ أيضاً أهل الهيئة يقولون لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه لكان ينتهي إلى المركز حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر لالتقيا جميعاً في المركز ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجرين لالتقت رجلاهما ولم يكن أحدهما تحت صاحبه بل كلاهما فوق المركز انتهى.
والدليل على أن الأرض هي المركز الذي ينتهي إليه ما يهبط من السماء قول الله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء) وقوله تعالى إخباراً عن مشركي قريش أنهم قالوا (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً) وقوله تعالى إخباراً عن قوم شعيب أنهم قالوا (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين) والكسف القطع. وقوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم).
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل» الحديث. قال الترمذي هذا حديث إسناده حسن صحيح.
وروى الطبراني والأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط سقط عليه» وإذا كانت الأرض مركزاً ومستقراً للأثقال من جميع جهاتها فمفارقتها لموضعها ممتنع فضلا عن دورانها على الشمس لأنها لو كانت تدور على الشمس لكانت تصعد في الجو مع عظم ثقلها وانتفى كونها مركزاً ومستقراً للأثقال. وهذا باطل ترده الآيات التي تقدم ذكرها مع حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وترده أيضاً المشاهدة والمحسوس الذي يعرفه كل عاقل من كون الأرض مستقراً للأثقال من جميع نواحيها.
وهذا يدل على أنها قارة ثابتة لا تفارق موضعها والله أعلم.
فصل
وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الدالة على جريان الشمس وسكون الأرض واستقرارها وما ذكرنا أيضاً من الإجماع على وقوف الأرض وسكونها فإنا نتحدى الصواف وأشباهه من العصريين المفتونين بأقوال أهل الهيئة الجديدة أن يأتوا بنص واحد من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعارض ما ذكرنا من الأدلة. ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا البتة. وغاية ما يعتمدون عليه ما روجه أهل الهيئة الجديدة من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وأقوالهم الباطلة التي تخالف مدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. ومن نبذ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع المسلمين وراء ظهره واعتمد على ما خالفها من زخارف أعداء الله تعالى وظنونهم فهو مصاب في دينه وعقله.
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فلان