الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رفضه القيام بحملة صليبية على الشرق - وكانت الكنيسة تعد الملوك جنوداً طائعين لها
…
فحرمه البابا وشهر به في رسالة علنية عدد فيها هرطقاته وذنوبه، فكان على الامبراطور أن يدفع التهمة عن نفسه برسالة وصفها ويلز بأنها "وثيقة ذات أهمية قصوى في التاريخ، لأنها أول بيان واضح صريح عن النزاع بين مدعيات البابا في أن يكون الحاكم المطلق على عالم المسيحية بأسره، وبين مدعيات الحكام العلمانيين، وقد كان هذا النزاع يسري على الدوام كالنار تحت الرماد، ولكنه كان يضطرم هنا على صورة ما ويتأجج هناك على صورة أخرى، ولكن فردريك وضع الأمر في عبارات واضحة عامة، يستطيع الناس أن يتخذوها أساساً لاتحادهم بعضهم مع بعض (1) للوقوف في وجه الكنيسة.
على أن فردريك كان ظاهرة فذة لم تلبث أن تختفي تحت قهر قرارات الحرمان والسطوة الكنسية الباغية، ولم يعرف التاريخ الأوروبي من يماثله إلا بعد أجيال عديدة.
ثالثاً: الطغيان المالي:
يستطيع المرء أن يقول دون أي مبالغة: إن الأناجيل المسيحية لم تنه عن شيء نهيها عن اقتناء الثروة والمال، ولم تنفر من شيء تنفيرها من الحياة الدنيا وزخرفها، حتى أن المتأمل في الأناجيل -رغم تحريفها- لابد أن يؤخذ بروعة الأمثلة التي ضربها المسيح عليه السلام للحياة الدنيا ومتاعها الزائل، كما أنه سيرى من سيرة المسيح
(1) معالم تاريخ الإنسانية: (5/ 224). وانظر: كتاب الزنديق الأعظم: جوزيف جاي ديس، ترجمة أحمد نجيب هاشم.
العملية ما يؤيد مواعظه البليغة، فقد كان هو وحواريوه ورعين زاهدين ينظرون بعين المقت والازدراء إلى الكنوز المكدسة التي يحوزها بنو جنسهم "اليهود".
وجاءت القرون التالية فشهدت مفارقة عجيبة بين مفهوم الكنيسة عن الدنيا وبين واقع الكنيسة العملي، فقد تشددت الكنيسة جداً حتى حرمت ما أحل الله من الطيبات، واقتبست النظرة البوذية التشاؤمية للحياة الدنيا -كما مر سلفاً- وفي الوقت نفسه كانت سيرتها الذاتية صفحة مخزية من التهالك على الدنيا وامتصاص دماء الأتباع، بما لا يضارعها فيه أثرياء اليهود وكبار الملاك الإقطاعيين الذين تسميهم الكنيسة "دنيويين" في حين أن المسيح يقول:"مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله"(1).
ويقول لتلاميذه: "ولا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا"(2).
وفي الوقت الذي تفرض فيه الكنيسة على أتباع دينها التقشف والزهد، نجد حال الكنيسة نفسها مغايراً لروح وصايا المسيح ولمقتضى ما تدعو الناس إليه.
يقول " كرسون": "كانت الفضائل المسيحية كالفقر والتواضع والقناعة والصوم والورع والرحمة، كل ذلك خيراً للمؤمنين وللقسيسين وللقديسين وللخطب والمواعظ، أما أساقفة البلاد والشخصيات الكهنوتية الكبيرة، فقد كان لهم شيء آخر: البذخ والأحاديث المتأنقة مع النساء، والشهرة في مجالس الخاصة، والعجلات والخدم والأرباح الجسيمة والموارد والمناصب"(3).
(1) مرقص (10: 22).
(2)
متى: (10)(ك:10 - 10).
(3)
المشكلة الأخلاقية: (167).