المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: القوى الشيطانية الخفية - العلمانية - نشأتها وتطورها

[سفر الحوالي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص هذه المادّة

- ‌ مقدمة الكتاب:

- ‌أسباب اختيار المؤلف لموضوع العلمانية:

- ‌المباحث التي اشتملت عليها الرسالة:

- ‌ تعريف العلمانية:

- ‌ الباب الأول: دين أوروبا أو النصرانية بين التحريف والإبداع:

- ‌ الفصل الأول: التحريف:

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً: تحريف العقيدة:

- ‌ثانياً: تحريف الشريعة:

- ‌ الفصل الثاني: البدع المستحدثة في الدين النصراني:

- ‌توطئة:

- ‌أولاً: رجال الدين الإكليروس:

- ‌ثانياً: الرهبانية:

- ‌ثالثاً: الأسرار المقدسة:

- ‌رابعاً: عبادة الصور والتماثيل:

- ‌المعجزات والخرافات:

- ‌صكوك الغفران:

- ‌ الباب الثاني: أسباب العلمانية:

- ‌ الفصل الأول: الطغيان الكنسي:

- ‌أسباب طغيان رجال الكنيسة:

- ‌أولاً: الطغيان الديني:

- ‌ثانياً: الطغيان السياسي:

- ‌ثالثاً: الطغيان المالي:

- ‌خلاصة مظاهر الطغيان الكنسي:

- ‌ الفصل الثاني: الصراع بين الكنيسة والعلم:

- ‌أولاً: مطلع العصر الحديث والقرن السابع عشر:

- ‌ثانياً: القرن الثامن عشر:

- ‌ الفصل الثالث: الثورة الفرنسية:

- ‌أولاً: الفكر اللاديني الذي طبع عصر التنوير:

- ‌ثانياً: وقوف الكنيسة ضد مطالب الجماهير:

- ‌ثالثاً: القوى الشيطانية الخفية

- ‌ الفصل الرابع: نظرية التطور:

- ‌آثار الداروينية:

- ‌ الباب الثالث: العلمانية في الحياة الأوروبية:

- ‌ الفصل الأول: علمانية الحكم:

- ‌أولاً: النظرية الخيالية:

- ‌ثانياً: نظرية العقد الاجتماعي:

- ‌ثالثاً: نظرية الحق الإلهي:

- ‌النظريات الحديثة والمعاصرة:

- ‌نظرة إلى الواقع المعاصر:

- ‌ الفصل الثاني: علمانية الاقتصاد:

- ‌أولاً: نظرية الكنيسة ونظام الإقطاع:

- ‌ثانياً: المذاهب الاقتصادية اللادينية:

- ‌ثالثاً: الواقع المعاصر للجاهلية الحديثة:

- ‌ الفصل الثالث: علمانية العلم:

- ‌موقف العلم المعاصر تجاه الدين في القرن التاسع عشر:

- ‌ الفصل الرابع: علمانية الاجتماع والأخلاق:

- ‌مجتمع القرون الوسطى وأخلاقها:

- ‌النظريات والمدارس المجتمعة اللادينية:

- ‌واقع المجتمع اللاديني المعاصر:

- ‌ الفصل الخامس: علمانية الأدب والفن:

- ‌توطئة:

- ‌أولاً: عصر النهضة الأوروبية .. الكلاسيكية الجديدة:

- ‌ثانياً: العصر الحديث:

- ‌ثالثاً: الأدب المعاصر من الواقعية إلى اللامعقول:

- ‌أمثلة من أدب الضياع

- ‌نماذج من مدارس الضياع:

- ‌ الفصل السادس: ماذا بقي للدين:

- ‌ الباب الرابع: العلمانية في الحياة الإسلامية:

- ‌ الفصل الأول: أسباب العلمانية في العالم الإسلامي:

- ‌أولاً: انحراف الأمة الإسلامية:

- ‌ثانياً: التخطيط اليهودي الصليبي:

- ‌ الفصل الثاني: مظاهر العلمانية في الحياة الإسلامية:

- ‌أولاً: في الحكم والتشريع:

- ‌ثانياً: في التربية والثقافة:

- ‌ثالثاً: في الاجتماع والأخلاق:

- ‌ الباب الخامس: حكم العلمانية في الإسلام:

- ‌ الفصل الأول: هل للعلمانية في العالم الإسلامي مبرر

- ‌الفروق الجوهرية بين الإسلام والديانة الكنسية:

- ‌ الفصل الثاني: حكم العلمانية في الإسلام:

- ‌حقيقة الطاغوت والعبادة:

- ‌نواحي تنافي العلمانية مع الإسلام:

- ‌النتائج السيئة للعلمانية على الإنسان:

- ‌ المراجع:

- ‌ المراجع العربية

- ‌المراجع الإنجليزية:

- ‌الفوائد المستخلصة

الفصل: ‌ثالثا: القوى الشيطانية الخفية

‌ثالثاً: القوى الشيطانية الخفية

(1):

كان من الممكن -كذلك - أن تثأر الجماهير من الكنيسة فتصادر أملاكها وتقضي على نفوذها، وتظل مع ذلك مؤمنة بدينها وفيهً لتاريخها متمسكة بتقاليدها العريقة، لولا أنه وجد عامل آخر قلب أهداف الثورة وحول خط سيرها.

عندما اندفعت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل -رمز العبودية والاستبداد- لم تكن ترفع سوى شعار واحد هو "الخبز" والخبز وحده.

غير أنها لم تبدأ في قطف أولى نتائج ثورتها حتى وجدت نفسها تهتف بشعار، الحرية، المساواة، الإخاء، وهو شعار لقنت إياه تلقيناً، وبرز أيضاً شعار آخر لم يكن الرعاع ليصنعوه، هو "لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين.

وعندما كانت المقصلة دائبة العمل كان الضحايا يقدمون على مذبحها بحجة واحدة هي أنهم من أعداء "الشعب" مع أنه كان بينهم من يعرف الشعب براءته، ودهش الشعب حين كان يرى من يقرأ بيان القتل اليوم باسم الشعب يقدم هو نفسه غاص إلى المقصلة باسم الشعب أيضاً. إذن ما وراء هذه التطورات المفاجئة والتدبيرات الغريبة؟

يدعي اليهود في تبجح وغرور أنهم صناع الثورة الفرنسية ومدبروها، فتقول البروتوكولات:"تذكروا الثورة الفرنسية التي نسميها "الكبرى" إن أسرار تنظيمها التمهيدي معروفة لنا جيداً لأنها من صنع أيدينا وتقول:

(كذلك كنا قديماً أول من صاح في الناس "الحرية والمساواة

(1) يراجع بتوسع: المفسدون في الأرض (ص:146) فما بعدها.

ص: 173

والإخاء" كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة، متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر) (1)

وصدق ذلك بعض الكتاب من أمثال وليم كار، في "أحجار على رقعة الشطرنج" وسيبريدوفيتش في "حكومة العالم الخفية"(2).

والواقع أنها دعوى مسرفة يعلم مقدار المبالغة فيها من له بصيرة بحركة سير التاريخ وسنة الله فيه.

كان اليهود يعانون من المسيحيين أشد احتقار وازدراء، وكانوا بحكم الذلة التي ضربها الله عليهم، أمة مرذولة مستهجنة أينما حلت وسارت، منطوية على نفسها في مجتمع منعزل " الجيتو "، ولم ينعموا بالحياة الكريمة إلا في ظل الحكم الإسلامي.

والمفارقة العجيبة أن هذ الشعب الحقير الممتهن يملك تراثاً عريقاً ينفث في نفسه الكبرياء الكاذبة، والأثرة البغيضة ويعده الوعود الخيالية، فالتلمود كتابهم الخطير يقول:"تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله، كما أن الابن جزء من والده "فهم شعب الله المختار، أما غيرهم فيقول عنه التلمود" الخارج عن دين اليهود حيوان فسمه كلباً أو حماراً أو خنزيراً، والنطفة التي هو منها هي نطفة حيوان"(3).

وهكذا نجد اليهود يرون أنهم شعب الله المختار ولهم وحدهم خلقت خيرات الكون وكنوزه، وأن الله أوجب عليهم إبادة كل الأميين (غير اليهود) لأنهم كفار ووثنيون، والقضاء عليهم لا يتم إلا بالقضاء على أديانهم وتدمير أخلاقهم.

(1) البروتوكولات (103، 111).

(2)

انظر: أحجار على رقعة الشطرنج: فصل الثورة الفرنسية. وحكومة العالم الخفية (79).

(3)

الكنز المرصود في قواعد التلمود (60، 68).

ص: 174

إلى جانب ذلك كانت العداوة التي أغرى الله بين اليهود والنصارى، وهي عداوة تقليدية لا تنفك بحال، وكان اليهود في ظل فرنسا الكاثوليكية أقلية محتقرة لا تحسب في عداد المواطنين وليس لها "حق المواطنة"، وكان اليهود موقنين من أن تحقيق أحلام التلمود بكسر أطواق الذل المضروبة عليهم والخروج من "الجيتو" للسيطرة على الأميين لن يتم ما دام في الكنيسة عرق ينبض، فكانوا يتحينون الفرصة للإجهاز عليها ويتلهفون شوقاً إلى اليوم الذي يثأرون فيه منها ومن دينها وأخلاقها، ويسيطرون على أتباعها.

فلما نزلت الضائقة الاقتصادية، واندلعت الثورة على الكنيسة، وجدها اليهود فرصة ذهبية لا ينبغي أن تفوت، وهي فرصة ساقتها المقادير إليهم، وما صنعوها كما يزعمون إلا أنهم أجادوا استغلالها.

وحين يقول فيشر "إن أرباب الأموال مولوا الغوغاء الذين قاموا بالثورة نستطيع أن نعرف أن أرباب الأموال هؤلاء ليسوا سوى المرابين اليهود؛ لأن من عداهم كانوا هدفاً للثورة".

واستطاع اليهود أن يتغلغلوا في منظمات الثورة المختلفة، كالجمعية التأسيسية، ونادي اليعاقبة وبلدية باريس، وأن ينفثوا تلك الشعارات التي رددتها الجماهير ببلاهة -لا سيما- شعار الثورة البارز "الحرية والإخاء والمساواة" هذا الشعار الذي قامت عليه الثورة وحققته، كان له عند اليهود تفسير آخر:

فهم يقصدون بالحرية تحطيم القيود الأخلاقية والتقاليد الموروثة، التي تحول بينهم وبين إفساد الأمم وتدميرها، ويقصدون بالإخاء والمساواة كسر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تحول بينهم وبين الانسلال إلى أجهزة الدولة وتنظيماتها، وإذابة الفوارق الدينية بينهم وبين غيرهم كي تزول عنهم وصمة الاحتقار والمهانة.

ص: 175

وهكذا نجحوا في تحويل الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه، وجعلوا لفظة الدين عند الشعوب الأوروبية مرادفة للظلم والرجعية والتخلف والاستبداد.

وأياً ما كان الأمر؛ فإن الثورة الفرنسية كانت فاتحة عصر جديد في التاريخ الأوروبي، إذ توالت الثورات كالبراكين في أنحاء القارة وعرفت أوروبا - ربما لأول مرة - شيئاً اسمه حقوق الإنسان، ولا تزال تنسبه لهذه الثورة إلى اليوم، وكان نجاح أي ثورة يعني انهيار النظام الإقطاعي وانهيار نفوذ الكنيسة، ولذا فإن من الطبيعي لتغير عميق كهذا أن يصحبه فراغ هائل في المعتقدات والقيم، فإذا علمنا أن هناك من يستغل هذا الفراغ لتحطيم إنسانية الإنسان وتدمير قيمه، أدركنا المغزى الحقيقي للحرية التي نادت بها تلك الثورات.

إن كل الشعارات البراقة التي رفعت لتحل محل الإيمان الديني لم تفِ بهذا الغرض، كما فشلت جميع الدساتير والنظم في جلب الاستقرار للقارة، ولذلك شهدت أوروبا في الفترات التالية ما لا يحصى من الاتجاهات الفكرية والاجتماعية الحائرة، كما شهدت حروباً طاحنة مدمرة جعلت خريطة أوروبا عرضة للتغير المستمر، وحلت الفاجعة الكبرى بالدين والأخلاق والتقاليد التي أصبحت ينظر إليها وكأنها قطعة متحجرة من الماضي البغيض.

ص: 176