المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفائدة الأولى: فيما ورد من النهي عن الخوض في القدر - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٦

[ابن الوزير]

الفصل: ‌الفائدة الأولى: فيما ورد من النهي عن الخوض في القدر

غير آية: {لَعَلَّهُم يذَّكَّرون} أي: لمحبته ذلك لهم، وطلبه منهم عند أهل السنة كما مضى.

وقال في الغافلين: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]، وتأمَّل قوله تعالى:{بَلْ هُمْ أضَلُّ} فإنه يدلُّ على أن الله تعالى مكَّنهم من اختيار الصواب بخلاف الأنعام.

وسيأتي ذكر إجماع أهل السنة على أن الله سبحانه

(1) إلى العبد رحمةً من الله وعدلاً، وحكمةً بالغة لا عجزاً عن هداية من ضل كما يُلْزِمُ أكثر المبتدعة، ومع ذلك، فإن اختيار العبد لا يقع إلَاّ مُوافقاً لعلم الله وقدره ومشيئته، كما أن اختيار الرب لا يقع إلَاّ كذلك ولم يقتضِ ذلك نفي اختياره عز وجل.

وكما أن سبق العلم عند المعتزلة وسائر العُقلاء لا يستلزم نفي الاختيار، فكذلك سبق المشيئة والقضاء والقدر عند أهل السنة، وقد مضى في مسألة الإرادة بيان ما تحتمله العقول من معرفة وجوه الحكمة في ذلك، وما الصحيح فيه أنه من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلَاّ الله تعالى.

ويأتي في الكلام على الحكم في تقدير الشر، وطرفٍ صالح من ذلك في مسألة الأقدار إن شاء الله تعالى.

المرتبة الرابعة: وجوب الأفعال مع بقاء الاختيار بالنظر إلى تقدُّم القضاء والقدر والعلم والكتابة والقول ونحو ذلك، والمقصود بهذه المرتبة يَتِمُّ إن شاء الله تعالى بذكر خمس فوائد.

‌الفائدة الأولى: فيما وَرَدَ من النهي عن الخوض في القَدَرِ

وبيان مرتبة ذلك من الصحة في بيان معناه. والوارد في ذلك عموم وخصوص، أمَّا العموم، فكل

(1) بياض في الأصول قدر كلمة.

ص: 171

ما يمنع من الخوض فيما لا يُعلم من نحو قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، ويأتي الكلام على حكمة الله تعالى في تقدير الشرور، وفيه ذكر حكمته في ذلك، وأما الخوض فجملة ما عرفته في ذلك عشرة أحاديث.

الحديث الأول: ما خرجه الترمذي (1) من حديث أبي هريرة أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتنازع في القدر، فقال:" أبهذا أُمِرْتُم أم بهذا أُرسلت إليكم؟! إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم أن لا تنازعوا فيه ".

قال الترمذي: هذا حديثٌ غريب لا نعرفه إلَاّ من هذا الوجه من حديث صالح المُرِّيِّ، وله غرائب ينفرد بها، ولا يُتابَعُ عليها، وفي الباب عن عمر (2) وعائشة (3) وأنسٍ (4).

(1) رقم (2133).

(2)

بلفظ: " لا تجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم " أخرجه أحمد 1/ 30، وأبو داود (4710) و (4720)، واللالكائي (1124)، والحاكم 1/ 85. وفي سنده حكيم بن شريك الهذلي، وهو مجهول.

(3)

أخرجه ابن ماجه (84) وأبو الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه، والآجري في " الشريعة " ص 235 من طريق يحيى بن عثمان مولى أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة، عن أبيه أنه دخل على عائشة، فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من تكلَّم في شيء من القَدَر، سُئِلَ عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه، لم يُسأل عنه ".

وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " 1/ 58: هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف يحيى بن عثمان، قال ابن معين، والبخاري، وابن حبان: منكر الحديث. زاد ابنُ حبان: لا يجوز الاحتجاج به، ويحيى بن عبد الله بن أبي مليكة. قال ابنُ حبان: يعتبر حديثه إذا روى عنه غير يحيى بن عثمان.

(4)

هو الحديث السابع.

ص: 172

الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ والناس يتكلمون في القدر، فكأنما تَفَقَّأ في وجهه حبُّ الرمان من الغضب، فقال لهم:" ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم ".

خرَّجه أحمد بن حنبل في " المسند " من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (1).

وفي هذا الطريق خلافٌ بين الحُفَّاظ كثيرٌ شهيرٌ.

الحديث الثالث: عن ثوبان مرفوعاً (2). رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي، قال ابن عَدِي: لا بأس به، ولكن قال الهيثمي والنسائي: إنه متروكٌ (3).

(1) أخرجه عبد الرزاق (20367)، وأحمد 2/ 181 و185 و195 و196، والبخاري في " خلق أفعال العباد "(218)، وابن ماجه (85)، والآجري في " الشريعة " ص 68، واللالكائي (1118) و (1119)، والبغوي في " شرح السنة "(121) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وهذا إسناد حسن.

وأخرجه مسلم (2666) مختصراً من طريق أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن ابن عمرو.

(2)

ولفظه: اجتمع أربعون رجلاً من الصحابة ينظرون في القدر والجبر فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فنزل الروح الأمين جبريل صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، اخرج على أمتك، فقد أحدثوا، فخرج عليهم في ساعة لم يكن يخرج عليهم فيها، فأنكروا ذلك منه، وخرج عليهم ملتمعاً لونه، متورِّدة وجنتاه، كأنما تفقأ بحبِّ الرُّمان الحامض، فنهضوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسرين أذرعهم، ترعُدُ أكفُّهم وأذرعهم، فقالوا: تُبْنا إلى الله ورسوله، فقال:" أولى لكم إن كِدْتُم لتوجبون، أتاني الروح الأمين فقال: اخرج على أمتك يا محمدُ فقد أحدثت ". أخرجه الطبراني في " الكبير "(1423).

(3)

" مجمع الزوائد " 7/ 201، وقال البخاري: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف.

ص: 173

الحديث الرابع: عن أبي الدرداء مرفوعاً (1)، رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن يزيد بن آدم، قال أحمد: أحاديثُه موضوعة (2).

الحديث الخامس: عن ثوبان أيضاً (3). خرَّجه الطبراني بإسنادِ حديثِ ثوبان السابق، وجعلهما حديثين، وفي هذا زيادة الأمر بالإمساك عند ذكر الصحابة.

الحديث السادس: عن ابن مسعود مرفوعاً " إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسِكُوا، وإذا ذُكِرَ القَدَرُ فأمْسِكُوا ". رواه الطبراني (4)، وفيه مُسْهِرُ بن عبد الملك، وثَّقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف، وبقيتهم رجال الصحيح! قاله الهيثمي (5).

الحديث السابع: عن أنس مرفوعاً (6)، رواه أبو يعلى، وفيه يوسفُ بن

(1) أخرجه الطبراني 8/ (7660) و22/ (198) من طريق عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي، عن أبي الدرداء، وواثلة بن الأسقع، وأبي أُمامة، وأنس بن مالك قالوا: كنا في مجلس أناسٍ من اليهود ونحن نتذاكر القدر، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، فعبس، وانتهر، وقطب، ثم قال:" مه اتقوا الله يا أمة محمد، واديان عميقان قعران مظلمانِ، لا تهيجوا عليكم وهج النار " ثم أمر اليهود أن يقوموا، ثم قام وبسط يمينه، وبسط أصبعه الشمال، ثم قال:" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله الرحمن الرحيم بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم، فرغ ربكم، فرغ ربكم، فرغ ربكم، أعذرت أنذرت، اللهم إني قد أبلغت ".

(2)

" المجمع " 7/ 201 - 202.

(3)

أخرجه الطبراني (1427) بلفظ: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكِرَت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ". وفيه يزيد بن ربيعة: قال الهيثمي 7/ 202: وهو ضعيف.

(4)

أخرجه الطبراني (10448)، وأبو نعيم في " الحلية " 4/ 108.

(5)

7/ 202.

(6)

ولفظه قريب من لفظ حديث عبد الله بن عمرو. انظر " المجمع " 7/ 202.

ص: 174

عطيَّة، وهو متروك.

الحديث الثامن: عن أبي هريرة مرفوعاً، " أُخِّرَ الكلامُ في القدر لشرار هذه الأمة ". رواه البزار (1)، والطبراني في " الأوسط " وقال:" أشرارُ أمتي في آخر الزمان ". قال الهيثمي: ورجالُ البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح غير عمر بن أبي خليفة، وهو ثقة.

الحديث التاسع: عن ابن عباس مرفوعاً، " اتقوا القدر فإنه شُعبة من النصرانية "(2)، رواه الطبراني، وفيه نزار بن حيَّان، وهو ضعيف، وهو يفيد النهي عن القدر نفسه لا عن الكلام فيه.

الحديث العاشر: عن أبي رجاء العُطاردي قال: سمعت ابن عباس يقول وهو على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال أمر هذه الأمة قِوَاماً أو مقارباً ما لم يتكلموا في الوِلْدانِ والقدر "(3).

رواه البزار والطبراني في " الأوسط " و" الكبير "، وقال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح، أخرجه الذهبي في " تذكرته "(4) في ترجمة محمد بن حبان صاحب " الصحيح " عنه، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا يزيدُ بن صالح اليشكري ومحمد بن أبان الواسطي قالا: أخبرنا جريرُ بن حازم، قال: سمعت أبا رجاء العطاردي، وساق الحديث.

(1)(2178) و (2179).

(2)

أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة "(332)، والطبراني (11680)، وابن عدي في " الكامل " 5/ 1839 من طريق نزار بن حيَّان، عن عكرمة، عن ابن عباس.

(3)

أخرجه البزار (2180)، والطبراني (12764)، وابن حبان (6724)، والحاكم 1/ 33 من طرق عن جرير بن حازم، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس مرفوعاً. وهذا إسناد صحيح.

(4)

3/ 923.

ص: 175

قال الذَّهبي: هذا حديث صالح الإسناد غريب لم أجده في الكتب الستة.

قلتُ: رواه الحاكم في " المُستدرك " من طريق سليمان بن حرب، وشيبان بن أبي شيبة، ويزيد بن صالح، ومحمد بن أبان أربعتهم عن جرير بن حازم، عن أبي رجاء، عن ابن عباس، وقال: على شرطهما، ولا نَعْلَمُ له علةً.

وقد رواه السبكي موقوفاً على ابن عباس (1)، ولم يذكر رفعه، فإذا سَلِمَ من الإعلال برُجحان الوقف كان أصلحها إسناداً.

ومعنى هذه الأحاديث إن شاء الله تعالى: التحذيرُ من مجاراة المبتدعة في القَدَرِ، والجدل بغير علم، وبغير حقٍّ المؤدي إلى الباطل، وإثارة الشر كما هو الظاهرُ من حديث أبي هريرة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" أُخِّرَ الكلام في القدر لشرارِ أُمتي في آخر الزمان " فهذا الذي أُخر هو الخوض فيه على أحد هذه الوجوه (2) الفاسدة.

فأمَّا الخوض فيه على جهة التعرف والتعلم لما جاءت به الشريعة، ثم الإيمان به على الوجه المشروع، فإنه لم يؤخر هذا لشرار الأمة، بل قد تواتر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وخاضوا في معرفته، وفي وجوب الإيمان به كما يأتي ذلك في الفائدة الثالثة، فلم يزجُرْهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك القَدْرِ من الخوض فيه لما كان وسيلةً إلى الإيمان به، ولم يكن فيه شيءٌ من شعار المبتدعة، وكذلك لم يترك الجواب (3) عليهم بالقدر الواجب بيانُه في ذلك.

وقد احتجَّ الإمام العلامة أبو عمر بن عبد البر على ذلك في كتابه " التمهيد " بحديث محاجَّة موسى وآدم في القدر، وهو من أصح الأحاديث كما يأتي بيانه.

(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في " السنة "(703)، واللالكائي في " السنة "(1127) من طريق أبي عاصم، عن جرير، عن أبي رجاء، عن ابن عباس موقوفاً.

(2)

في (ش): الأمور.

(3)

في (ش): وكذلك تم الجواب.

ص: 176

تواتر عن أبي هُريرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، ورواه مع أبي هُريرة غيرُ واحد (2)، فلله الحمدُ والمنة.

وكذلك ورد في " الصحيحين " من حديث ابنِ عباس مراجعةُ عمر بن الخطاب، وأبي عُبيدة بن الجراح رضي الله عنهما في أمر القَدَرِ في أمر الطاعون حين عَزَمَ عمر على الرجوع بالمسلمين خوفاً عليهم منه، فقال أبو عبيدة: أفِراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان يكره خلافه، نعم نَفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله، أرأيت لو كانت لك إبلٌ، فهبطتَ بها وادياً له عُدْوَتَانِ إحداهما مُجدِبَةٌ، والأخرى: مُخْصِبَة، لكنت إن رعيتها في المُخصِبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيتها في المُجْدِبة رعيتها بقدر الله (3)، ثم جاء عبد الرحمن بنُ عوف، فروى لهم الحديث في ذلك، فلم يَعِبْ هذه المراجعة عليهما أحدٌ من المسلمين، وكانوا في أعظمِ جمعٍ من جموعهم.

(1) تقدم تخريجه في 1/ 218.

(2)

أخرجه أبو داود (4702)، وابن منده في " الرد على الجهمية "(38)، من طريق ابن وهب عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب. وإسناده حسن.

وأخرجه الهروي في " الأربعين في دلائل التوحيد "(22) من طريق مطر الوراق، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر.

وأخرجه الهروي (22) من طريق شريك، عن عمارة بن جُوين العبدي البصري، عن أبي سعيد الخدري. وإسناده ضعيف جداً.

(3)

أخرجه مالك 2/ 894 - 896، وأحمد 1/ 192 و194، والبخاري (5729)، ومسلم (2219)، وأبو داود (3103)، وابن حبان (2953)، والبيهقي 7/ 217 - 218، وأبو يعلى (837)، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 7/ 211.

وفي رواية مختصرة عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه =

ص: 177

فدل على أن المحرَّم بالنصوص ما يدلُّ العقل على المنع منه، وهو الخوضُ فيما لا يعلم من سِرِّ الله تعالى فيه، وعلى وجه المِراء وطرائق المبتدعة في تحكيم الرأي، وتقديمه على الآثار، وعلى كل وجهٍ يُؤدي إلى المفسدة.

وذلك مثل ما (1) خرَّجه أحمد في " المسند " عن عُقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هلاك أُمَّتي في الكتاب " قالوا: يا رسولَ الله، ما الكتابُ؟ قال:" يتعلمون القرآن فيتأوَّلُونه على غير ما أنزله الله عز وجل "(2).

وفي إسناد أحمد عبدُ الله بن لهيعة، عن أبي قبيل عن عُقبة، وهو ضعيف عند الأكثر، وقد أثنى عليه أحمد وغيره (3)، ولكن الحاكم قد خرَّج الحديث من

= خرج يريد الشام، فلما دنا بلغه أن بها الطاعون فحدثه عبد الرحمن بن عوف

فذكر الحديث. أخرجها مالك 2/ 896 - 897، وأحمد 1/ 193 و194، والبخاري (5730).

و (6973)، ومسلم (2219)، والبيهقي 3/ 376.

وأخرجه مختصراً أحمد 1/ 194، وأبو يعلى (848) من طريقين عن عبد الرحمن بن عوف.

(1)

" مثل ما " ساقطة من (ش).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 155 ومن طريقه أبو يعلى (1746)، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل حُيي بن هانىء، عن عقبة بن عامر وزاد أحمد. قال ابن لهيعة: وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر الجهني. وهذا إسناد حسن، فعبد الله بن يزيد روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وأخرجه الطبراني 17/ (816) من طريق سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة بالإسناد السابق.

(3)

عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان القاضي الإمام محدث الديار المصرية مع الليث، وُلِدَ سنة خمس أو ست وتسعين، وطلب العلم في صباه، لقي اثنين وسبعين تابعياً.

صدوق في نفسه، احترقت كتبه سنة تسع وستين فساء حفظه. قال الذهبي في " السير ": الظاهر أنه لم يحترق إلَاّ بعض أصوله. =

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له مسلم مقروناً وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وما رواه القدماء عنه فهو أجود.

وقد اختلف الأئمة في أمره:

فمنهم من قال: حديثه كله واحد، وهو ضعيف، وهو المشهور عن يحيى بن معين، وقال به الجوزجاني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني، وقال: ويعتبر بما يروي عنه العبادلة، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن خراش: لا يُكتب حديثه.

قال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء إلَاّ أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به.

وقال ابن مهدي: ما أعتدُّ بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلَاّ سماع ابن المبارك ونحوه.

وقال الترمذي في " الجامع " 1/ 16: ابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه.

ومنهم من وثقه في نفسه وصحح رواية من روى عنه قبل احتراق كتبه وعليه العمل: قال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طَلَاّباً للعلم. وقال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وقال أبو الطاهر بن السرح: سمعت ابن وهب يقول: حدثني -والله- الصادق البار عبد الله بن لهيعة، قال أبو الطاهر: فما سمعته يحلف بهذا قط.

وقال ابن عدي: أحاديته أحاديث حسان مع ما قد ضعفوه فيكتب حديثه وقد حدث عنه مالك، وشعبة، والليث.

وقال الفسوي: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن لهيعة صحيح الكتاب كان أخرج كتبه، فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه إملاءً، فمن ضبط كان حديثه حسناً صحيحاً، إلا أنه كان يحضر من يضبط، ويُحسن قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصححون، وآخرون نظارة، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتاباً ولم يُرَ له كتاب، وكان من أراد السماع منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه وجاءه فقرأه عليه، فمن وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة لم تُضبط جاء فيه خَلَلٌ كثير. =

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال ابن حبان. قد سبرتُ أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيتُ التخليط في رواية المتأخرين عنه موجوداً وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيراً، فرجعتُ إلى الاعتبار، فرأيته كان يدلِّسُ عن أقوام ضَعْفى، عن أقوام رآهم هو ثقات، فألزق تلك الموضوعات به.

وذكره ابن شاهين في " الثقات " وقال: قال أحمد بن صالح: ابن لهيعة ثقة، وفيما رُوي عنه من الأحاديث ووقع فيها تخليط يُطرح ذلك التخليط.

وقال الذهبي في " السير ": لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معاً، ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.

وبعض الحُفَّاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد، والاعتبارات والزهد والملاحم، لا في الأصول. وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره وتتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه.

قلت: وقد صحح رواية العبادلة عنه (عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرىء) أحمد، وأبو حفص الفلاس، وعبد الغني بن سعيد الأزدي وغيرهم، لأن روايتهم قبل احتراق كتب ابن لهيعة.

وزاد ابن حبان في العبادلة: عبد الله بن مسلمة القعبني.

ونص الطبراني في " المعجم الصغير " 1/ 231 أن الوليد بن مزيد ممن سمع ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وسمع منه أيضاً سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعمرو بن الحارث المصري، وكلهم ماتوا قبل احتراق كتبه.

ورواية قتيبة بن سعيد بمنزلة هؤلاء، فقد روى الآجري عن أبي داود قوله: سمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه أو كتب ابن وهب إلا ما كان من حديث الأعرج.

وقال جعفر الفريابي: سمعتُ بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح؟ قال: قلت: لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة. وانظر " السير " 8/ 10 - 28، و" تهذيب الكمال " =

ص: 180

طريقٍ صحيحة غير طريق ابن لهيعة، وهو يشهدُ لصدق ابنِ لهيعة وحفظه في هذا، خرَّجها الحاكم (1) في تفسير سورة مريم من حديث ابن وهب عن (2) مالك بن خير (3) الزَّبَادي، عن أبي قَبيل، عن عُقبة

الحديث. وقال: صحيحٌ على شرط مسلم. وما ينزِلُ عن مرتبة هذه الأحاديث المقدمة في القدر، ومتنُ حديثه يصلُحُ مثالاً.

فالهلاكُ بالقدر كالهلاك بالكتاب يجبُ تأويله في كل منهما على الهلاك بسببِ التكذيب بهما، إذ التأويلُ الباطلُ لهما أو تكلُّف علم ما لا طريق إليه فيهما كما ذلك كلُّه شعار المبتدعة، وقرينة التجوز واضحة، وهي أن الإيمان بهما واجبٌ، والهلاك المعلق بالواجب لا يكون إلَاّ من بعض الوجوه قطعاً.

وقد تواترت الأحاديث في وجوب الإيمان بالقدر، ونص كتاب الله على صحته كما يأتي ذلك كله.

ثم إن الله تعالى قد ذكر القدر في غير آيةٍ، وقد أمر الله تعالى بتدبُّر كتابه بقوله:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وقوله:{لِيَدَّبَّرُوا آياتِه} [ص: 29]، فوجب بذل الجهد في تدبر كل ما في كتاب الله من الألفاط المفردة، والمعاني المتركبة منها إلَاّ ما لم نستطع معرفته مما لم يُرِدِ الله سبحانه خطابنا به من المتشابه، وإنما أنزله علينا لنؤمن بمعناه جملة، ونتبرك بتلاوته (4)، وربما خصَّ بمعناه بعض أنبيائه وملائكته.

= 15/ 487 - 503، و" تهذيب التهذيب " 5/ 327 - 331، و" الميزان " 2/ 475 - 483، و" شرح علل الترمذي " 1/ 136 - 139.

(1)

2/ 374.

(2)

تحرفت في الأصلين إلى: " بن "، والتصويب من الحاكم.

(3)

تحرفت في الأصلين إلى: " بحير "، والتصويب من الحاكم ومصادر الترجمة.

(4)

في (أ): بتأويله.

ص: 181

فهذا ما حضرني في هذه الفائدة، ولا خفاء على العاقل أن الخوض في هذه اللُّجَّة التي هابها فضلاءُ العقلاء لا يكون إلَاّ مصحوباً بحُسْنِ النية وشدة الرغبة إلى الله في الهداية، والتوقُّف على القول بغير درايةٍ، والفكرِ الطويل، وتحرِّي الإنصاف، والجمع بين أطراف الكلام التي يظهر تنافيها، وتطلُّبِ المحامل الحسنة، وعدم المؤاخذة بظاهر العبارة متى دلَّت القرينة على صحة المراد فيها، فإنها مسألة صعبة تقصُرُ فيها العبارات الطويلة، فكيف بالإشارات الخفيَّة.

وقد روى ابن الأثير في " جامع الأصول "(1) عن مالكٍ الإمام أنه قيل لإياس: ما رأيك في القدر؟ قال: رأيُ ابنتي، يريد لا يعلم سِرَّهُ إلَاّ الله تعالى، وبه كان يُضْرَبُ المثل في الفهم.

وقد حُكي أن يحيى بن آدم ذكر أثر عبد الله بن عباس المقدم الموقوف لعبد الله بن المبارك، فقال ابن المبارك: فيسكت الإنسان على الجهل وهو إشارةٌ من ابن المبارك إلى ما ورد من الحثِّ على العلم، وما فيه من الخير، والتحذير من الجهل، وما فيه من الشرِّ، وأن هذه القاعدة المعلومة لا تُترك إلا بتحريمٍ متَّفَقٍ على صحته.

وأقول: إن الإنسان بالضرورة يسكت على الجهل حيث لا طريقَ إلى العلم، وأقصى مَرامِ الخائضين في القدر أمور:

أحدها: العلمُ بالعجز عن درك السرِّ فيه، وفائدة العلم بذلك سكون النفس عن المطالبة بالمعرفة والذوق لا بمجرد التقليد.

وثانيها: معرفة ما يمكنُ معرفته من الوارد في كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجُمَلِ العقلية، وحكم أئمة الإسلام والأولياء.

(1) 10/ 134.

ص: 182