المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفائدة الثانية: في ذكر ما قاله العلماء وأهل اللغة في تفسير القدر والقضاء - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٦

[ابن الوزير]

الفصل: ‌الفائدة الثانية: في ذكر ما قاله العلماء وأهل اللغة في تفسير القدر والقضاء

وثالثها: التحذيرُ من طرائق المبتدعة، وتقديمهم الرأي على الآثار في هذه القاعدة العظمى.

‌الفائدة الثانية: في ذكر ما قاله العلماء وأهل اللغة في تفسير القدر والقضاء

على اختلاف مذاهبهم وأدلتهم وأفهامهم.

قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في " عارضة الأحوذي في شرح الترمذي "(1) ما لفظه: لم يَتَّفِقْ لي وجدان البيان للقدر (2) على التحقيق، فتكلفتُه حتى دفع الله تعالى بفضله عني كُلفتَه، وحقيقته وجودٌ في وقتٍ واحد، وعلى حالٍ يُوافق العلم والإرادة والقول عن القدرة، فصارت القاف والدال والراء تدل بوضعها على القُدرة والمقدور الكائن بالعلم، ويتضمَّن الإرادة عقلاً والقول نقلاً.

قلت: وكلامه هذا لا يخلو من تساهُلٍ في العبارة، فإنه جعل القدر مشروطاً بموافقة مجموع العلم والإرادة والقول، ولم يدل على ذلك دليلٌ، وموافقةُ أحدها يكفي في تسمية الموجود المتأخر مقدَّراً مقدوراً، وتسمية السابق لها قدراً أيضاً، فإنه لا معنى لكون الحادث مقدَّراً بقَدَرٍ سابقٍ إلَاّ مطابقته في الوجود، وصفاته سابقةٌ له متعلقة (3) به تعلُّقاً صحيحاً يستلزم فرض بطلانه المحال.

وسواءٌ كان ذلك السابق علم الله وحده، أو قوله أو كتابته، أو إرادته أو غير ذلك، لأنه ترك ذكره للكتابة والتيسير، وقد ورد ما يقتضي تسميتها قَدَراً، كالقولِ -كما يأتي- في أحاديث الأقدار، بل في القرآن الكريم.

وأيضاً فإنه جعل الوجود هو القدر، وهو المُقَدَّر، وإنما القدر السابق هو

(1) 8/ 294 - 295.

(2)

في الأصلين: " وجدان القدر " والمثبت من شرح ابن العربي.

(3)

في الأصلين: " سابق له متعلق به " والجادة ما أثبت.

ص: 183

التعليقُ، ثم جعل دِلالة القدر على الإرادة، والقول دلالة تضمُّنٍ دون العلم والقدرة والمقدور، وجعل دلالته على هذه الثلاثة مطابقةً، وفيه نَظَرٌ، لأن دلالة المطابقة هي الوضعية اللغوية كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق دلالة التضمُّن، كدلالة الإنسان على النطق وحده، ودلالة الالتزام (1) على ما يستلزمه، مثل حاجته إلى الأكل والشرب.

وأقول والله الموفق: إن القدر تعلُّق أمر متقدم من صفات الله تعالى كعلمه، أو من فعلِه ككتابته بأمرٍ متأخِّرٍ صادر عن فاعله بسبب اختياره وتمكينه، وصدور اختيار أسبابه عن الحكيم القادر المُقَدِّر.

وسواءٌ كانت تلك الأسباب أسباب القدر المؤثرة فيه كالقدرة أو غير المؤثرة كالدواعي تعلُّقاً يَرْبِطُ الممكن بالواجب ربطاً يستلزم فرض بُطلانه المحال مع بقاء إمكانه باعتبار الجهتين.

وهذا على جهة التقريب الرسمي دون التحديد الحقيقي كما يعرف ذلك أهل هذا الشأن، ولذلك لم ألتزم فيه شروطهم.

وقولنا: " من صفات الله كعلمه أو من فعله كالكتابة والتيسير "، وإنما قيل:" من فاعله " ليدخل الرب تعالى، وإنما قيل:" بسبب صدور أسبابه عن القادر الحكيم المقدِّر سبحانه " ليخرج على المخلوقين، فإنه واجب المطابقة، ولا يسمى قدراً في اللغة لعدم خلقهم لأسباب المقدر، وإلا لزم أن يكون علمهم بالفقه قدراً.

وإنما قيل: " الحكيمُ " احترازاً من قول من يقول: بنفي الحكمة في سبق الأقدار، فإنها لم تكن سدىً، بل لا بُدَّ أن تكون مشتملةً على الغايات الحميدة.

(1) في (أ) زيادة: " دلالته ".

ص: 184

وإنما قيل: " يستلزم فرض بطلانه المحال " لأنه الدليل على وجوب وقوع المقدَّر بالعلم، أو القول، أو الكتابة، أو الإرادة ووقوع المُيَسَّر بالدواعي كما يأتي بيانه.

ألا ترى أن فرض وقوع المرجوح من الله عند المعتزلة يؤدي إلى المحال، وليس فيه إلَاّ مخالفة الدواعي الراجحة مع صفة الله تعالى بالقدرة والاختيار.

وقوله: " باعتبار الجهتين " إشارة إلى أن القدر لا يُحيل الذوات عن صفاتها، ولذلك كان الله تعالى مختاراً عند الجميع مع تعلُّق القدر بأفعاله سبحانه {كانَ على رَبِّك حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم: 71].

وقيل: تعلُّق أمرٍ بأمرٍ ليَعُمَّ الشيء الحقيقي والإضافي.

وقال الخَطَّابي: قد يَحسِبُ كثير من الناس أن معنى القَدَر من الله، والقضاء معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدَّره وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وصدورها عن قدرٍ منه خيرها وشرها.

والقدر: اسمٌ لما صدر مقدَّراً على فعل القادر، كالهدم، والنشر، والقبض، اسم لما يصدر عن فعل الهادم، والناشر، والقابض، يقال: قَدَرتُ الشيء، وقدَّرت، خفيفةً وثقيلة، والقضاء في هذا معناه: الخلق كقوله تعالى: {فقضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12].

فإذا كان كذلك، فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور وملابستهم إياها عن قصدٍ وتعمُّدٍ وتقدير إرادة اختيار، والحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة تلزمهم عليها.

وجماعُ القول في هذا أنهما (1) أمران لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر، لأن

(1) كتب فوقها في (أ): أي الاختيار وسبق القدر.

ص: 185

أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هَدْمَ البناء ونقضه. انتهى كلامه.

وتلخيصه: أن العلم سبق باختيار العباد لأفعالهم، وقدَّر الله وقضى أن يكونوا مختارين، وأراد بذلك ويَسَّرَه لهم، فلو أبطلنا اختيارهم، أبطلنا العلم والقدر والقضاء، وجعلناها غير مطابقة، وهي الأساس، ولو أبطلناها أبطلنا صفات الربوبية الواجبة، فيلزم إثبات الأمرين. والله أعلم.

وفي " الصحيحين "، و" موطأ مالك "، و" سنن أبي داود "، و" سنن النسائي " من حديث ابن عباس، وذكر الطاعون أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتي إذا كان بسَرْغَ (1) لقيَهُ أُمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام .. ، وساق الحديث إلى قوله: فنادى عمرُ في الناس: إني مُصبحٌ (2) على ظَهْرٍ (3)، فأصْبِحُوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفِراراً من قَدَرِ الله؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة -وكان يكرهُ خلافه- نعم نَفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله، أرأيت لو كانت لك إبلٌ فهبطت بها وادياً له عُدوتان، إحداهما خَصِبَةٌ (4)، والأخرى جَدِبَةٌ، أليس إن رعيت الخَصِبَة (5) رعيتها بقدر الله، وإن رعيتَ الجدبة رعيتها بقدر الله. انتهى (6).

وفيه إجماعهم على صحة القدر، وعلى أنه لا يستلزم الجبر، لأنه لم ينكر ذلك مُنكرٌ، وهم في أكثر ما كانوا جمعاً.

وقال ابن الأثير في " النهاية "(7): هو عبارة عما قضاه الله وحكم به من

(1) هي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز.

(2)

تحرفت في الأصلين إلى: " أن يصبح "، والتصويب من مصادر التخريج.

(3)

أي: إني مسافر في الصباح راكباً على ظهر الراحلة راجعاً إلى المدينة.

(4)

في (ش): مُخصبة.

(5)

في (ش): المخصبة.

(6)

تقدم تخريجه ص 356.

(7)

4/ 22.

ص: 186

الأمور، وهو مصدر: قَدَرَ يَقْدِرُ [قَدَراً]، وقد تُسَكَّن دالهُ، ومنه حديث الاستخارة " فاقدُرْهُ لي ويَسِّرْه " (1) أي: اقضِ لي به وهيِّئْهُ.

وقال الزمخشري (2) في تفسير قوله تعالى: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]: القَدَرُ والقَدْرُ: التقدير، وقُرىء بهما (3) [أي:] إنا خلقنا كل شيءٍ مقدراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدراً مكتوباً في اللوح معلوماً قبل كونه، وقد علمنا حاله وزمانه.

وقال الزمخشري (4) أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وإنَّه لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68]: يعني: علمه أن الحذر لا يُغني عن القدر (5).

وقال أبو نصر إسماعيل بن حمَّاد الجوهري في " صحاحه "(6): القدر والقدر ما يُقَدِّره الله من القضاء.

(1) أخرجه أحمد 3/ 344، والبخاري (1162) و (6382) و (7390)، وفي " الأدب المفرد "(293)، والترمذي (480)، وأبو داود (1538)، والنسائي 6/ 80، وفي " عمل اليوم والليلة "(498)، وابن ماجه (1383)، وابن حبان (887)، والبيهقي في " السنن " 3/ 52، وفي " الأسماء والصفات " ص 124 - 125 من حديث جابر.

وأخرجه ابن حبان (885)، وأبو يعلى (1342)، والبزار (3185) من حديث أبي سعيد الخدري.

وأخرجه ابن حبان (886) من حديث أبي هريرة، والحاكم 1/ 314 من حديث أبي أيوب.

وأخرجه الطبراني في " الكبير "(10012) و (10052)، وفي " الأوسط " ص 97، و" الصغير " 1/ 190، والبزار (3181) و (3182) و (3183) و (3184) من حديث ابن مسعود.

(2)

4/ 41.

(3)

وانظر " البحر المحيط " 8/ 183.

(4)

2/ 333.

(5)

قوله: " أن الحذر لا يغني عن القدر " حديث تقدم تخريجه ص 321 من حديث عائشة وأبي هريرة ومعاذ بن جبل.

(6)

2/ 786.

ص: 187

وأنشدَ الأخفش:

ألا يا لَقَوْمي لِلنَّوائِب والقَدر

وللأمْرِ يأتي المَرْءَ من حيث لا يدري (1)

والمَقْدِرَةُ: من القدرة، بالحركات الثلاث، وهي القضاء والقدر بالفتح لا غير.

قال الهُذلي:

وما يَبْقَى على الأيَّام شيءٌ

فيا عَجَباً لمَقْدرة الكتاب (2)

وقَدَرْتُ الشيء: أقْدُرُهُ وأقْدِرُه قدراً من التقدير.

(1) البيت من قصيدة لهُدبة بن خشرم قالها عند معاوية، وذلك أن هدبة قتل ابنَ عمه زيادة بن زيد، فرفعه أخوه عبد الرحمن بن زيد إلى سعيد بن العاص وكان أمير المدينة، فكره سعيدٌ الحكم بينهما، فأرسلهما إلى معاوية بالشام، فلما صارا بين يديه، قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين أشكو إليك مظلمتي وقتل أخي، فقال معاوية لهدبة: ما تقول؟ قال هدبة: أتحب أن يكون الجواب شعراً أم نثراً؟ قال: بل شعراً، فإنه أنفع، فقال هدبة:

ألا يا لقومي للنوائب والدهر

وللمرء يُردي نفسه وهو لا يدري

وللأرض كم من صالحٍ قد تأكَّمت

عليه فوارَتْه بلمَّاعةٍ قَفْرِ

فلا تتَّقي ذا هَيبةٍ لِجلاله

ولا ذا ضياعٍ هُنَّ يتركن للفَقْرِ

إلى أن قال:

رُمينا فرامَيْنا فصادف رَمْيُنا

منايا رجالٍ في كتابٍ وفي قَدْرِ

وأنت أمير المؤمنين فما لنا

وراءك من مَعدىً ولا عنك من قصرِ

فإن تَكُ في أموالنا لم نَضِقْ بها

ذراعاً وإن صَبْرٌ فنصبرُ للصَّبْرِ

وانظر تمام الخبر في " الأغاني " 21/ 264، و" خزانة الأدب " 9/ 237.

(2)

من قوله: " والمقدرة " إلى هنا ليس في المطبوع من " الصحاح "، والبيت في " اللسان " 5/ 76.

ص: 188

قال الشاعر (1):

كِلا ثَقَلَيْنا طامع (2) بِغَنيمةٍ

وَقَدْ قَدَرَ الرحمن ما هو قادر

انتهى كلام الجوهري.

وفي كتب الكلام أن القدر يكون بمعنى الكتابة، وأنشدوا فيه:

واعلم بأنَّ ذا الجلال قد قَدَرْ

في الصُّحفِ الأولى التي كان سَطَرْ

أمرَكَ هذا فاجْتَنِبْ منه النَّتَرْ (3)

وهذا معنىً صحيحٌ تشهد له الأحاديث الصحاح كما يأتي.

وأما القضاء فقال الجوهري (4): هو الحكم، وقضى: حكم، ومنه قولُه تعالى:{وَقَضَى ربُّك ألَاّ تَعْبُدوا إلَاّ إيَّاهُ} [الإسراء: 23].

وقد يكونُ بمعنى الفراغ، تقول: قضيتُ حاجتي، وقد يكونُ بمعنى الأداء والإنهاء، تقول: قضيتُ دَيْني، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَيْنا إلى بَني إسرائيل في الكِتاب} [الإسراء: 4]، وقوله:{وَقَضَيْنا إليه ذلك الأمرَ} [الحجر: 66] أي: أدَّيناه إليه وأبلغناه ذلك.

وقد يكون بمعنى الصنع والتقدير، وقال أبو ذُؤَيب:

(1) هو إياس بن مالك بن عبد الله المُعَنَّى كما في " اللسان ".

(2)

في الأصلين: " طالع "، والمثبت من الصحاح.

(3)

الرجز غير منسوب في " الصحاح " 2/ 822، وهو للعجاج في " اللسان " و" تاج العروس "(نتر).

و" النَّتْر ": هو الضعف في الأمر والوَهْن.

(4)

6/ 2463.

ص: 189

وعَلَيْهما مَسْرُودَتانِ قَضَاهُما

داود أو صنع السَّوابِغ تُبَّعُ (1)

ويقال: قضاه أي: صنعه وقدره، ومنه قوله يعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماواتٍ} [فصلت: 12].

ومنه القضاء والقدر

إلى قوله: وقَضَّوا بينهم منايا بالتشديد، أي: أنفذوها (2).

وقال القاضي عياض في " المشارق "(3): قضى صلاته، أي: فرغ منها، ومنه: فلما قضينا مناسكنا، وقضى الله حَجَّنا

، إلى قوله: قال الأزهريُّ (4) قضى في اللغة يرجِعُ إلى انقطاع الشيء وتمامه والانفصال منه، يقال: قضى بمعنى حتم، ومنه: قضى أجلاً، أي: أتَمَّه وحَتَمه، ومنه:" فإن الله قضى على نفسه سمع الله لمن حمده "، أي: حتم ذلك وحكم بسابق قضائه بإجابة قائله.

ويأتي بمعنى الأمر: {وقَضَيْنا إليهِ ذلك الأمْرَ} [الحجر: 66].

وبمعنى الفصل في الحكم، ومنه:{يَقْضِي بينهم} [في آيات منها: يونس: 93] ومنه: قضى الحاكم، وقضى دينه، وكلُّ ما أُحْكِمَ عمله، فقد

(1) هو من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، مطلعها:

أمِنَ المنون ورَيبها تتوجَّعُ

والدهرُ ليسَ بمُعتبٍ من يجزعُ

والبيت في " جمهرة أشعار العرب " ص 26، و" ديوان الهذليين " 1/ 19، والمفصل " ص 117، و" المخصص " 13/ 34، و" إصلاح المنطق " ص 508، و" المفضليات " ص 428، و" معاني الشعر " ص 114، و" نظام الغريب " ص 98، و" اللسان " (قضى)، و" معجم مقاييس اللغة " 5/ 99، و" تهذيب اللغة " 2/ 38 و8/ 251 و9/ 212 - 213.

(2)

في الأصلين: " أبعدوها "، والتصوبب من " الصحاح " و" اللسان ".

(3)

ص 189 - 190.

(4)

في " تهذيب اللغة " 9/ 211.

ص: 190

قُضِي، ومنه: إذا قضى أمراً، أي: أحكمه، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماواتٍ} [فصلت: 12]، ومنه: فلمَّا قضى قراءته أي: فرغ، وقُضِيَ الشيء: تمَّ.

وبمعنى أنفَذَ وأمضى، ومنه:{فَاقْضِ ما أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72].

وبمعنى الانفصال والخروج عن الشيء، ومنه: قضى دينه.

وقال الزمخشري (1): في تفسير قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4]: أوحينا إليهم وحياً مَقْضِيّاً، أي: مقطوعاً مبتوتاً بأنهم مفسدون لا محالة (2).

وقال الزمخشري (3) في تفسير قوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41]: قُطِعَ وتمَّ ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما.

فقد حصل مِنْ مجموع كلام العلماء ونَقَلَةِ اللغة، وأدلة المعقول والمنقول على ما مَضَى منه اليسير، ويأتي منه الكثير ما يدلُّ على أن القدر واجبٌ، والمُقَدَّر ممكن، وهذا هو الوجه في دقة الكلام فيه، فإن اجتماع الوجوب والإمكان مُحالٌ، فمن ثمَّ تباينت فيه أقوال أهل الكلام والجدل في الظاهر مع اتفاقها في المعنى.

فمن نظر إلى وجوب القدر، قال: لا حيلة في مخالفته، ومن نظر إلى إمكان المقدر في ذاته، قال: لا يخرُجُ الممكن عن صفته الذاتية بسبب تعلُّقِ ما ليس من الموثِّرات.

وكلُّ واحدٍ من الخصمين يُورِدُ على الآخر ما يُفحمُه ويُلْقِمُه الحجر.

(1) 2/ 438.

(2)

من قوله: " وقال الزمخشري " إلى هنا ساقط من (ش).

(3)

2/ 321.

ص: 191

وسببه أن اجتماع الوجوب والإمكان في القدر لا يمكن جَحْدُه، ومن جحده، عطَّل (1) العقل والنقل، وبقي أن يُقال: فكيف ثبت اجتماع الوجوب والإمكان بالضرورة، وهل هذا إلَاّ بمنزلة ثبوت المحال بالضرورة.

والجواب: أن ذلك لا يكون (2) مُحالاً باعتبار الجهتين، ولو كان مُحالاً، ما جمعه الله تعالى، وقد جمعه سبحانه كثيراً، فما استنكر ذلك أحدٌ لا من المؤمنين ولا من غيرهم، قال الله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 29 - 30]، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29].

وقد تقدَّم بطلان تأويلها بالإكراه في آخر مسألة الإرادة وهو كقولِ المعتزلة: إن صدور القبيح مُمتنعٌ من الله تعالى، مؤدٍ إلى المُحال، مقطوعٌ بامتناعه وجوباً مع بقاء الاختيار والإمكان بالنظر إلى القدرة والمقدور.

والتحقيقُ في ذلك كله: أن الإحالة إنما تكون في صدق النقيضين معاً، وذلك لا يلزم إلَاّ حيث يتَّحِدُ المَنْفي والمُثبت من جميع الوجوه، فتكون الذات المسند إليها ثبوت الوجوب اللازم لنفي الإمكان، وثبوتُ الإمكان اللازم لنفي الوجوب واحدةً، والجهة التي أُسند (3) إليها الوجوب والإمكان واحدة.

وكذلك الزمان والمكان، والحقيقة والإضافة، والبعض والكل، والقوة، والفعل، والشرط، والعموم والخصوص، فإذا قلت: زيدٌ كاتب، زيدٌ ليس بكاتب، لم يصح القطع بكذب أحدهما متى جاز أن يختلفا بالذات، فيكون زيدٌ الموصوف بأنه كاتب غير زيدٍ الموصوف بأنه غير كاتب، أو يختلفا في جهة الوصف بالكُلية (4)، وإن كان زيد واحداً فيكون كاتباً بالقوة، كما يقال: الخمر

(1) في (ش): لزمه تعطيل.

(2)

في (ش): لم يكن.

(3)

في (ش): استند.

(4)

في (ش): بالكناية.

ص: 192

مسكر قبل شُربه بالقوة، غير كاتبٍ بالفعل، كما يقال: الخمر غير مُسكرٍ قبل شربه بالفعل.

وكذلك قولنا: زيدٌ أبٌ غير أب قد يصدُقُ كله، أي: أبٌ بالإضافة إلى أولاده، غير أبٍ بالإضافة إلى غير أولاده.

وكذلك الزِّنجي أسود بالإضافة إلى أكثره، غير أسود بالإضافة إلى جميعه، ففيه أسنانه بيض.

وكذلك زيدٌ عالم بالنظر إلى علوم العقل الضرورية، ومن هنا خُوطب الكفار بنحو قوله:{لعلَّكم تعقِلون} ، {وأنتم تعلمون} ليس بعالم بالنظر إلى خصوص كثيرٍ من العلوم، ولذلك خُوطِبَ الخلق كلهم بنحو قوله تعالى:{والله يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ} [البقرة: 216]. وتبين تخصيص هذا العموم بنحو قوله عز وجل: {وَمَا أُوتيتم من العِلْمِ إلَاّ قليلاً} [الإسراء: 85]، وقوله تعالى:{لا عِلْمَ لَنا إلَاّ ما عَلَّمْتَنا} [البقرة: 32].

وبالجملة فالجمع بين النقائض شهيرٌ بين العامة والخاصة على هذا الاعتبار، ولذلك لم يلتبس عليهم ما جاء من ذلك في القرآن الكريم من نحو قوله تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3].

وقد جاء ذلك مُستفيضاً في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن فيه إلَاّ ما في الأسماء الحسنى من نحو: المُعِزِّ المُذِلِّ، الضارِّ النافع، المقدِّم المؤخِّر، المُحْيي المُميت، المبدي المُعيد، الباسط القابض.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الإمكان والوجوب في أفعال العباد مختلفان في الذات والجهة معاً.

أمَّا الوجوب، فإنه من صفات القدر السابق، والإمكان من صفات المقدور الحادث المتأخِّر الممكن في ذاته.

ص: 193

وأما الجهة، فإن الحادث بنفسه إن وصفناه بالوجوب والإمكان لم نجعل جهتهما واحدة في ذلك، بل نصفه بالإمكان بالنظر إلى ذاته واختيار فاعله، وبالوجوب بالنظر إلى تعلق الواجب به تعلُّقاً غير مؤثِّر في وجوده.

وقد أجمعت المعتزلة مع الأمة على جواز التكليف بالممتنع لغيره كطلب الإيمان ممن عَلِمَ الله أنه لا يُؤْمِنُ.

وكذلك صحَّ الأمر والنهي، والمدح والذم على ذلك، وهو بينَ العقلاء شائعٌ مستحسنٌ ضروري، من أنكره لم يُراجع إلَاّ بالفعل، فيضرب ضرباً شديداً، فإن أحسَّ في نفسه وِجْدان اللوم للضارب، فقد اعترف، وهذا كما قال تعالى:{أفَسِحْرٌ هذا} [الطور: 15]، وقال تعالى:{هذه النارُ الَّتي كُنتُم بها تُكَذِّبونَ} [الطور: 14].

فإن قيل: إن الوجوب المختصَّ بجهة، وجوبٌ خاص، والخاص يستلزم العام، فإن وجود الإنسان يستلزم وجود الحيوان بخلاف العكس، فالجواب من وجهين.

الأول: أن هذا خيالٌ باطل، ضلَّ بسبب الغلط فيه خلقٌ كثير، وبَنَوْا عليه من البِدَعِ ما لا يُحصى.

وبيانه: أن الجنس العام مجرَّد لفظٍ لا وجود له في حال عمومه ألبتة، ووجوده عاماً مع عدم جميع أنواعه مُحالٌ، وأهل المنطق يُسمُّونه العرض العام، والوصف العرضي، والاشتراك فيه اشتراكٌ في مجرد عبارة لا سوى، ولذلك قال المحققون: إن ذوات المخلوقات لم تُشارك ذات الرب في شيءٍ حقيقي، ثم تميزت ذات الرب بعد المشاركة.

وقالت المعتزلة: إن العباد قد شاركوا الربَّ عز وجل في الذاتية، أي: في كونهم أشياء، وهو سبحانه شيءٌ، ومن ها هنا عَطَّل المُعَطِّلَةُ.

ص: 194

وقالت الباطنية والإسماعيلية: لا يوصف سبحانه بصفةٍ قط، فيكون مثل من وُصِفَ بها مِنَّا، فلا يوصف بأنه شيءٌ، ولا موجود ولا عالم ولا قادر.

وقد رد الجويني (1) بهذا على من زعم من الكُلَاّبية أن القرآن الكريم كان كلاماً في القِدَمِ غير أمرٍ ولا نهي ولا خبر ولا خطاب.

الوجه الثاني: أنه لو استلزم الوجوب الخاصُّ الإمكان العام المطلق، كان ذلك (2) يستلزِمُ نفي الاختيار، وليس للمعتزلي أن يحتج بهذا الإمكان الخاص على نفي ذلك الوجوب الخاص.

ولا للجَبْري أن يحتجَّ بذلك الوجوب الخاص على نفي ذلك الإمكان الخاص، لأنا إن جعلنا لكلِّ واحدٍ منهما أن يحتج بذلك على الآخر أدى إلى صحة النقيضين وهو محالٌ.

وإن جعلنا الحجة لأحدهما دون الآخر، أدَّى إلى تناقض المثلين، وهو مُحالٌ.

ومن جَهِلَ هذا التحقيق، نسب إلى أهل السنة ما لا يليق، وتوهَّم من بعض عباراتهم نفي الاختيار، وإثبات الإجبار والاضطرار، ومن عدم النظر إليه حارَتِ الأفكار، وعَثَرَ فرسانُ النُّظَّار في مسائل الأقدار.

الفائدة الثالثة: التنبيه على الجمل، وبعض التفاصيل مما حَضَرني مما يدلُّ على القَدَر من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أمَّا كتاب الله تعالى، فهو محفوظٌ معلومٌ، لكن نتبرَّك بإحضارِ بعض آياته المباركة للواقف على هذا الكتاب (3).

(1) في " الإرشاد " ص 119 وما بعدها.

(2)

في (أ): وذلك.

(3)

في (ش): على مثل هذا الكتاب.

ص: 195

واعلم أن الوارد فيه أنواع كثيرة، وبالجملة فكُلُّ آيةٍ فيها دِلالةٌ على أن للرب (1) سبحانه أثراً ما في فعلٍ من الأفعال، فهو مما يصلُحُ إيراده هنا من سؤاله عز وجل الهداية والإعانة كما في فاتحة الكتاب التي يقرأُ بها كلُّ مُصَلٍّ من المسلمين.

وكذلك المِنَّةُ بنعمة الإيمان كما في الفاتحة أيضاً في قوله: {صِراطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ} [الفاتحة: 7] فإن نعمة الإيمان مرادةٌ هنا بالإجماع، فهذه ثلاث حُجَجٍ من فاتحة الكتاب وحدها.

وكذلك الاستعاذة من الشيطان التي يبدأ بها كل قارىء.

وكذلك الاستعاذة بالله من الضلالة، يدلُّ على ذلك مثل ما حكى الله تعالى عن الراسخين في قولهم:{رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنا} [آل عمران: 8].

وكذلك كل آية فيها نسبة الهدى والضلال إلى الله سبحانه وتعالى.

وكذلك ما هو في معنى ذلك من التيسير لليُسرى والعُسرى وجميع ما تقدم من آيات المشيئة. وما لو أفردناه لطال، وفي الإشارة إليه كفايةٌ، فهذه جملة نبَّهتُ طالب الحق عليها.

وأما التفاصيل: فمنها قوله تعالى: {إلَاّ امرأَتَه قَدَّرْناها مِنَ الغَابرينَ} [النمل: 57]، وفي آية:{قَدَّرْنا إنَّها لَمِنَ الغَابرينَ} [الحجر: 60]، وقوله تعالى:{وأهلَكَ إلَاّ مَنِ سَبَقَ عليه القولُ} [هود: 40]، وقال:{إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال تعالى:{الَّذي قَدَّرَ فَهَدى} [الأعلى: 3]، فحذف مفعول قدَّر وهدى لعمومها: قدَّر كل شيءٍ، {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ} [القمر: 49]، وهدى كُلَّ أحد {إنَّا هَدَيْناهُ السبيلَ إمَّا شاكراً وإمَّا كَفوراً} [الإنسان: 3]، وقال:{وكُلُّ شَيْءٍ عندَهُ بمِقْدارٍ} [الرعد: 8]، وقال: {ما

(1) في (أ): " الرب " وهو خطأ.

ص: 196

أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22 - 23].

وأكثرُ المصائب من أفعال العباد في تعادي بعضهم بعضاً وتظالمهم وتحاسُدِهم وجناياتهم، وقد تكونُ معصيةً، فتكون مكروهة من حيث قَبُحَتْ لا من حيث قُدِّرَتْ، كيمين الزور الغموس التي يحكم بسببها بحقِّ الغير، وقد لا تكون معصيةً ألبتة كفعل الخَضِر عليه السلام في قتل الغُلام، وقال:{قُلْ لَنْ يُصيبنا إلَاّ ما كَتَبَ الله لنا} [التوبة: 51].

وقال في تقدير أفعال العباد خُصوصاً: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]، وقال:{هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ} [يونس: 22]، وقال:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24] كما تقدم مع آيات المشيئة المتقدمة جميعها.

وقال: {كذلك كِدْنا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76]، وقال:{أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} [الإسراء: 69]، وقال:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29]، وقوله:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26] وليس هو (1) إلزام الأمر لعمومه، وخصوص هذا بالمؤمنين.

ومنه قراءة أُبي: {وأتبعناهُم ذُرِّيَّاتِهم بإيمانٍ} (2).

ومنه التيسير لليُسرى والعسرى وما فيهما من آياتِ الهدى والضلال مثوبةً وعقوبةً كما مضى.

(1) في (ش): هذا.

(2)

وهي قراءة أبي عمرو. انظر " زاد المسير " 8/ 50.

ص: 197

ومثل قوله: {وفي ذلكم بلاءٌ مِنْ رَبِّكُم عَظيمٌ} [البقرة: 49] بعد قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49].

وقال: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15].

وقال في تقدير المعاصي خُصوصاً: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4].

وقال في هود وفي السجدة: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]، [السجدة: 13].

وقال على جهة التعيين لواحد مخصوص: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، وقال:{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} إلى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 7 - 12].

وقال في تقدير أفعال العباد: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41].

وقال حكاية عن نبيه يعقوب عليه السلام. {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} (1)[يوسف: 67 - 68].

وقال في يحيى بن زكريا: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15] وعيسى

(1) قوله: " إن الحكم إلَاّ لله

من شيء " ليس في الأصول.

ص: 198

كذلك، وهو في يحيى أوضح، لأنه لم يقل أحد: إنه كان كامل العقل يومئذ، وذلك دليل على سبق القدر للعمل.

وقال: {كَتَبَ الله لأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلي} [المجادلة: 21]، وقال:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] فعلَّلَ نجاتهم من العذاب بسبق الكتاب، وهو عين ما يمنع منه الخصوم.

وعن سعد بن أبي وقَّاص: أرجو أن تكون رحمةٌ من الله سبقت لنا. رواه الحاكم (1) وقال: على شرط الشيخين.

وقال: {إنَّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الحُسْنَى} [الأنبياء: 101].

وجاء بتعليل أفعال الله، وهي اختياريةٌ بكلماته الواجبة كقوله تعالى:{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 19].

وكذلك تعليلُ أفعال العباد الاختيارية، كقوله:{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 33] هذا مع قوله تعالى: {لا تبديلَ لِكلماتِ الله} [يونس: 64] وليس المراد به إلَاّ هذه.

أما كلمات كتبه الشرعية، فقد نصَّ على تبديلها، قال تعالى:{وإذا بَدَّلْنا آيةً مَكانَ آيةٍ} [النحل: 101]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96 - 97]، وفي معناها قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس: 13]، وقال: {والله

(1) 2/ 329 من طريق زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، عن سعد.

وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 4/ 110، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر.

ص: 199

يحكمُ لا مُعَقِّبَ لحُكْمِهِ} [الرعد: 41].

وقال في تأثير أفعال العباد الاختيارية: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} ، [الفتح: 24]، وقال:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]، وقال:{إنَّا فَتَحْنَا لك فَتْحَاً مُبيناً} إلى {ويُعَذِّبَ المنافقين} [الفتح: 1 - 6] الآية.

وفي معناها: {إنَّا عَرَضْنا الأمانة} إلى آخر السورة: [الأحزاب: 72 - 73]، وقال:{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج: 1 - 2] وقال: {إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج: 19] الآية، وقال:{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا} [المعارج: 38 - 39]، وقال:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49]، وقال:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} إلى قوله: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 36 - 37]، وقال:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] وفيه جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.

وقال: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 94 - 95]، وقال:{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58].

وقال في يحيى بن زكريا: {وسلامٌ عليهِ يومَ وُلِدَ} [مريم: 15]، وفي عيسى بن مريم مثل ذلك.

ص: 200

وذلك مثلُ حديث " السعيد من سَعِدَ في بطن أمِّه "(1) على أنه مُفسَّرٌ بحديث ابن مسعود المتفق على صحته كما يأتي في الأخبار، وليس كما تظُنُّه الجبرية.

وقال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 78 - 79].

وقوله في آخر هذه: {فمِنْ نَفْسِكَ} محمولٌ على السبب الذي سبق من الربِّ تقديره بدليل قوله: {ما أصابَكَ} ولو كان معصية لقال: ما أصَبْتَ كما ذلك معروف، فهو كقوله تعالى:{ما أصابَ من مُصيبةٍ إلَاّ بإذنِ اللهِ} [الحديد: 22].

وقوله تعالى: {وفي ذلِكُمْ بَلاءٌ من ربِّكم عظيمٌ} بعد قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49].

وقوله: {وليس بِضارِّهم شيئاً إلَاّ بإذنِ الله} [المجادلة: 10] وإنما نسبه إلى العبد، لأنه حدث من العبد فعل سببه واختياره.

ونظيره قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران: 165 - 167].

فجمعت هذه الآية مذاهب أهل السنة في تقدير أفعال العباد الاختيارية بقوله: {مِنْ عندِ أنفُسِكم} وسبق تقديرها من الله تعالى بقوله: {فبإذن الله} .

(1) سيأتي تخريجه ص 417. وحديث ابن مسعود سيأتي ص 394.

ص: 201

وبيانُ تعليل القدر بالحكمة في قوله: {ولِيَعْلَمَ} يدل على أن الإذن هنا الإرادة بدليل هذا التعليل، فإن الإذن لا يُعَلَّلُ، فدلَّ على أن الإذن ليس بمعنى العلم.

وقد بيَّنه الله عز وجل في قوله: {ثُمَّ صَرَفَكم عنهم لِيبتلِيَكُم} [آل عمران: 152]، ومثلها:{هُوَ الَّذي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عنكُم وأيديَكُم عنهم} [الفتح: 24].

وفي " الضياء " ما يدلُّ على أن الإذن إذا كان من العلم كان بفتح الهمزة، وفتح الذال المعجمة (1)، ويُقَوِّيه: أن عادتهم التفريق بين المصادر التي أفعالها متماثلة مشتبهة.

وقوله: {وجعلناهُم أئمةً يَدْعُونَ إلى النَّار} [القصص: 41] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 123]، وقوله:{مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6]، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، وقال:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60]، وقال تعالى:{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85]، وقال:{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الشعراء: 200 - 201]، وقال:{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 161 - 163]، وقال:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 1 - 3] إلى آخر

(1) ذكره نشوان بن سعيد الحميري في " شمس العلوم " 1/ 74، و" الضياء " المذكور هو " ضياء الحلوم المختصر من شمس العلوم " لولده محمد.

ص: 202

السُّورة، وقال:{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} إلى قوله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 1 - 6]، وقال:{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 52 - 53]، وقال:{وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [الحشر: 3]، وقال:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]، ونوره هنا يتعلق بأفعال المؤمنين من الهدى، وذلك يتوقف على اختيارهم مع أن تمامه منسوب إلى الله تعالى على جهة القطع.

ومثله قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9]، وقال:{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال: 44]، وقال:{وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 42]، وقال:{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 4]، وقال:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، وهي من أوضح الأدلة على مذهب أهل السنة في صحة الجمع بين نفوذ القضاء ونفي الجبر، لأنه لا يصح الجبر في حق الرب سبحانه إجماعاً.

وقال: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ (1) رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 6]، وقال:{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129]، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ

(1) بالألف على الجمع، وهي قراءة نافع وابن عامر، وقرأ الباقون (كلمة). " حجة القراءات " ص 627.

ص: 203

مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118 - 119].

ومثل آخرها: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} الآية [السجدة: 13] والإشارة بذلك إلى الاختلاف بدليل أول الآية وآخرها وسائر نصوص كتاب (1) الله البينة.

وقال الله تعالى: {ولَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُم على الهُدى} [الأنعام: 35]، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، وقوله:{ولا يزالُونَ مُختلفين} [هود: 118]، ولأن وقوعه هو المعلوم ضرورةً.

وقد ثبت أن ما أراده الله وقع، وقد جوَّزه الإمام المنصور بالله عليه السلام في " المجموع المنصوري "، وذكر فيه وجهاً لطيفاً، وهو أن يكون المراد: خلق أولياءه لمخالفة أعدائه، وشرط في صحة هذا أن تكون " إلَاّ " بمعنى (2) الواو.

ويُقوِّي الوجه اللطيف الذي ذكره ما ذكرتُه في هذا الكتاب في مرتبة الدواعي في تفسير قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُم أيُّكم أحسنُ عملاً} [الملك: 2]، وكذا ذكر الزمخشري في " كشَّافه " (3): إشارة إلى ما دل عليه السلام الأول وتضمنه، يعني: ولذلك التمكين والاختيار الذي كان فيه الاختلاف خلقهم ليُثيب مختار الحق بحُسْنِ اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره. انتهى.

وقد ألمَّ هذا الموضع بمذهب الأشعرية في صرف إرادة الله المتعلقة بأفعال العباد إلى (4) تعليقها بأفعال الله تعالى على ما مر تقريره في مسألة الإرادة.

وفي قوله تعالى: {وتمَّتْ كلمةُ ربِّكَ لأَمْلأنَّ} [هود: 119] لقوله في غيرها: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [السجدة: 13] دليلٌ واضح

(1) ساقطة من (أ).

(2)

في (أ): معنى.

(3)

2/ 298 - 299.

(4)

في (أ): التي.

ص: 204

على أن هذا مراد لله (1) تعالى أصيلٌ اقتضته حكمةٌ بالغة حتى حقَّ به قوله الحق، وتمت (2) به كلمته الصدق، ولا تبديل لقوله، ولا مُعَقِّب لحكمه.

ولو كان أمراً مضادّاً لمراده تعالى، ما حَسُنَ في لغة العرب وروده بهذه الصيغ، ولكن نعلم قطعاً أنه لا يريد الشر لكونه شراً، بل يُريده لخيرٍ وحكمةٍ، وذلك هو تأويله الذي لا يعلمه إلَاّ هو سبحانه، أو من شاء أن يخُصَّه من خلقه سبحانه وتعالى.

ويدل على القول الأول ما ذكره الله من جعله لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن، وسائر ما تقدم من أنه لو شاء، لهدى الناس جميعاًً، ومِنْ جعلِهم أمة واحدة ونحو ذلك.

ويدل عليه قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213].

فقوله: {بإذنه} يتعلق بـ " اختلفوا "، والضمير فيه يرجع إلى غير المؤمنين، والقرائن واضحةٌ في ذلك، وهذا الحق هو الإسلام لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران: 19]، ولقوله:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

فدلَّ ذلك، على أن الحق التوحيد وعبادة الله وحده، والإشاره بالاختلاف إلى من خالف في شيءٍ من ذلك.

(1) في (أ): مراد الله.

(2)

في (ش): ومضت.

ص: 205

ونحو (1) ما تقدم قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي} [آل عمران: 79] الآيات.

وعن ابن عباس: كانوا على الإيمان (2). قال الهيثمي في " مجمع الزوائد ": رواه أبو يَعْلى والطبراني ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. انتهى.

وجعله الزمخشري (3) المختار من الوجهين.

والوجه الثاني: أن المراد كانوا على الكُفْرِ (4).

(1) في (أ): ونحو ذلك.

(2)

أخرج أبو يعلى (2606)، والطبراني (11830) من طريق شيبان بن فروخ، حدثنا همام، حدثنا قتاده، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله عز وجل:{كان الناسُ أمةً واحدةً} قال: على الإسلام كُلّهُم.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 6/ 318 وقال: ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 1/ 582 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

وأخرج الطبري في " تفسيره "(4048)، والحاكم 2/ 546 من طريق محمد بن بشار، عن أبي داود، عن همام، عن قتادة (وفي الطبري:" عن همام بن منبه " وهو خطأ)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا ". وصححه الحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي، وليس كما قالا، فأبو داود -وهو سليمان بن داود الطيالسي- من رجال مسلم ولم يرو له البخاري إلا تعليقاً.

وزاد السيوطي نسبته إلى البزار -وذكره الهيثمي 6/ 318 - 319 - وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(3)

1/ 355.

(4)

رُوي عن ابن عباس من طريق عطية العوفي، وهو ضعيف. انظر " زاد المسير " 1/ 229، و" الدر المنثور " 1/ 583.

ص: 206

قلت: والذي يوضح الأول قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] بعد قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] وفي اختلاف بني إسرائيل آيةٌ أصرح منها.

وأيضاً فلن يجتمع الناس مع بقاء كثرتهم واختلاف فِطَنِهم وطبائعهم وإسلامهم على كُفرٍ ولا إسلام.

وقد حكى الله اختلاف الملائكة في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69].

وجاء في الحديث الصحيح: اختلافهم في الذي قتل مئة نفسٍ ثم تاب (1).

واختلف الخَضِرُ وموسى (2)، وسليمان وداود (3)، وآدم وموسى (4)، بل قال الله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وأمثالها.

فدلَّ على أن الاختلاف من لوازم الاختيار فيما يوجب الاجتماع عادةً، ولا يقع غير ذلك عادةً، كما لا يجتمعون على مأكولٍ واحد دون سائر الأطعمة، ولا على اختيار بلد ولا صناعة إلَاّ أن يشاء الله، لكن قد أخبر الله أنه لا يُريدُ جمعهم على الكُفْر، وذلك بَيِّنٌ في قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33]. الآية.

ص: 207

وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27].

وكيف يُخلي الله الخلق من عباده الصالحين، وهم ثمرة خلق العالمين، ولذلك تقوم القيامة عند فقدهم كلهم كما ورد مرفوعاً، ولولاهم ما خلق الخلق بدليل قوله للملائكة بعد ظهور صلاح آدم لهم:{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 33] فإنه نقض عليهم بذلك ما ظنُّوا من فساد جميع الآدميين الذي هو شرٌّ محض لا خير فيه، وهو القبيح عقلاً، أما وجود شر لخير فيه ذلك (1) الخير هو المقصود من ذلك الشر، فلا قُبْحَ فيه على ما أوضحته في تفسير قوله تعالى:{وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلَاّ لِيَعْبُدون} [الذاريات: 56]، كما تقدم بيان مذهب الأشعرية في المشيئة.

وأيضاً فلم يجتمع الخلق على الكفر قطُّ لوجود الأنبياء في المتقدمين وكثرتهم، فقد جاء في الحديث " أنهم مئة وعشرون ألف نبيٍّ " صلوات الله عليهم وسلامه (2).

(1) في (أ): لا لخير خير فيه ذلك.

(2)

أخرجه ابن حبان في صحيحه (361) وفي " المجروحين " 3/ 130، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 166 - 168 من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر مطولاً. وإسناده ضعيف جداً، فإبراهيم بن هشام كذّبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال الذهبي: متروك.

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " 7/ 2699، وابن حبان في " المجروحين " 3/ 129، والحاكم 2/ 597، والبيهقي 9/ 4، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 168 - 169 من طرق عن يحيى بن سعيد السعدي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر بلفظ:" مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي "، ويحيى بن سعيد هذا قال ابن حبان في " المجروحين " 3/ 129: شيخ يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات، لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد. وقال ابن عدي: ويحيى بن سعيد يعرف بهذا =

ص: 208

ويشهد بذلك قوله في الآية: {وما اختلَفَ فيه إلَاّ الذينَ أُوتوه} [البقرة: 213] والضمير في قوله: {فيه} راجعٌ إلى الحق.

= الحديث، وهذا حديث منكر من هذا الطريق عن ابن جريج. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل.

وأخرج أحمد 5/ 265 - 266، والطبراني (7871) من طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وكانوا يظنون الوحي ينزل عليه فأقصروا عنه حتى جاء أبو ذر، فاقتحم، فأتاه فجلس إليه فأقبل عليه فقال: يا أبا ذر

وذكر حديث أبي ذر الطويل، وفيه عدة الأنبياء:" مئة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ". قال ابن كثير في " تفسيره " 1/ 600 بعد أن نقله بإسناده عن ابن أبي حاتم: معان بن رفاعة السلامي ضعيف، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضاً.

وقال الهيثمي في " المجمع " 1/ 159: ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف.

وأخرج أبو يعلى (4092) و (4132)، والحاكم 2/ 597 و598، وأبو نعيم 3/ 53 من طرق عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعث الله ثمانية آلاف نبي: أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس "، وإسناده ضعيف لضعف يزيد الرقاشي وغيره. وانظر " مجمع الزوائد " 8/ 210 و211.

وأخرجه ابن كثير في " تفسيره " 1/ 599 - 600 من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا مسلم بن خالد، حدثنا زياد بن سعد، عن محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم، عن أنس. وقال: وهذا كرب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به رجاله كلهم معروفون إلَاّ أحمد بن طارق هذا، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح. قلت: قد تابعه زكريا بن عدي عند أبي نعيم 3/ 162.

وأخرج الحاكم 2/ 597 من طريق مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني خاتم ألف نبي أو أكثر ".

قال الذهبي في " ملخصه ": مجالد ضعيف.

وأخرج البزار (3380) من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر نحوه.

قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 347: فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الجمهور وفيه توثيق.

ص: 209

وقد قُصِرَ الاختلاف فيه على الذين أوتوا الكتاب فدلَّ بمفهومه على نفي الاختلاف في الحق عمَّن قبلهم، وكذا مفهومُ قوله:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: 19].

ولعل ذلك الاجتماع إنما كان بسبب الابتلاء، فلما نزل الكتاب بالابتلاء، وقع الاختلاف بسبب الابتلاء (1)، لا بسبب نزول الكتاب، ألا ترى أن الملائكة غيرُ مختلفين بسبب عدم الابتلاء بدليل قصة هاروت وماروت.

ولو سلمنا أن الإشارة في قوله: {ولذلك خَلَقَهم} [هود: 119] إلى الرحمة لَزِمَ منه أن الضمير في خلقهم راجع إلى من رَحِمَ لا إلى المختلفين ولا إلى الجميع.

كما أنه إذا صح أن الإشارة فيه إلى الاختلاف كان الضمير راجعاً إلى المختلفين، لا إلى المرحومين الذين استثناهم الله تعالى.

وبالجملة فالضمير لا يرجع إلى جميع المذكورين قبل الاستثناء وبعده، لأن حكمهم مختلف، فالضمير ليس من ألفاظ العموم، والأمور المقدرة يجب الاقتصار فيها على الضرورة، ولا يُضْمَرُ أكثر من الحاجة، فتأمل ذلك، فإنه مفيدٌ ولله الحمد.

وعلى هذا التقدير يزولُ الإشكالُ على كل تقديرٍ، ولا يلزم أن الله تعالى أراد خلاف ما علم، لأنه إذا عاد الضمير إلى المرحومين، ووقعت الإشارةُ إليهم، فقد علم الله أنهم من أهل الرحمة وخلقهم لذلك، ولا بُدَّ (2) من حكمة الله تعالى في الجميع، في خلق السعداء للرحمة جليةً، وفي خلق الكفار للاختلاف خفيَّةً، وما أحسن كلام المنصور بالله عليه السلام المقدم في ذلك، ويمكن أن

(1) من قوله: " فلما " إلى هنا ساقط من (أ).

(2)

تحرفت في (ش): إلى: ولأنه.

ص: 210

تكون الإشارةُ إلى الجميع، أعني: الرحمة والاختلاف، والضمير للجميع أي: خلق المرحومين للرحمة وغيرهم للاختلاف.

ومما يُصادِمُ مذهب المعتزلة مصادمة النصوص الصريحة قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].

والمعتزلة تأوَّلوا جميع هذا تارة بأن الإضلال بمعنى العقاب وتارة بمعنى الحكم، وتارةً بما فيه تعسُّفٌ.

والجواب من وجوه:

الأول: النزاع في المُوجِبِ للتأويل من الأصل.

والثاني: دعوى العلم الضروري لمن بحث عن أحوال السلف أنهم كانوا لا يتأولون شيئاً من ذلك، وبيان هذا يحصُلُ بتأويل ما يأتي من الأخبار المتواترة الآن.

الثالث: أن تأويلاتهم وإن تَمَشَّتْ في بعض المواضع فإنها لا تمشي في كثيرٍ منها إلَاّ بتعسُّفٍ معلوم البطلان، كما تقدم بيانه في مرتبة الإرادة، وكذلك تقدم إيضاح الوجه الأول والثاني فيها ولله الحمد.

أما الأحاديث وآثار الصحابة والسلف في الإيمان بالقدر، فلا سبيل إلى استقصائها، وهي على كثرتها تنحصِرُ في قسمين:

أحدهما: ما يدلُّ على ثبوت القدر وصحته.

وثانيها: ما يدلُّ على وجوب الإيمان به، وذمِّ من كذَّب به، وأنا أُورد في كل قسمٍ ما تيسَّر لي وقت تعليق هذا الجواب من غير إسهاب ولا استيعاب، وأتركُ الكلام على أسانيد ما نقلته من الكتب الستة لشهرتها، وأُنَبِّهُ على ما في

ص: 211

إسناد الحديث الذي من غيرها ليتمكَّن من البحث عنه في كتب الرجال من كان أهلاً لذلك.

وجملة ما تيسَّر لي تعليقه في هذا مئتا حديثٍ، بل أكثر من مئتين كما تراه، فمنها في القسم الأول مئة ونَيِّفٌ وخمسون وفي القسم الثاني سبعون، وهذا زائدٌ على التواتر، فللهِ الحمد والمنة.

القسم الأول: ما يدلُّ على صحته على جهة الاستظهار وإلا فقد تقدم من قواطع القرآن والبرهان ما يُغني عن الزيادة في البيان.

الحديث الأول: عن عليِّ بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: كنا في جنارةٍ في بقيع الغَرْقَد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخْصَرَةٌ فنكَّس وجعل يَنْكُتُ بمِخصرتِه، ثم قال:" ما منكم من أحدٍ إلَاّ وقد كُتِب مقعدُه من النار، ومقعده من الجنة " فقالوا: يا رسول الله، أفلا نَتَّكِلُ على كتابنا؟ فقال: " اعملوا فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، أمَّا من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فسيصير لعمل الشقاء، ثم قرأ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10](1).

رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، والأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الحديث، والمعنى متقاربٌ، ورواه النسائي.

ذكرها المزي في " أطرافه "(2)، ولم يذكرها أبو القاسم بن عساكر.

(1) تقدم تخريجه في ص 281.

وقوله: " مخصرة ": هو ما أخذه الإنسان بيده واختصره من عصا لطيفة، وعكاز لطيف، و" نكس " -بتخفيف الكاف وتشديدها- أي: خفض رأسه وطأطأه إلى الأرض على هيئة المهموم، و" ينكت " أى: يخط بها خطاً يسيراً مرة بعد مرة وهذا فعل المفكر المهموم.

(2)

7/ 398 - 399.

ص: 212

ولعليٍّ عليه السلام ستة أحاديث في إثبات القدر على مذهب السلف وأهل السنة تأتي متفرقة، وإنما نَبَّهْتُ على ذلك لدعوى المعتزلة أنهم على مذهبه عليه السلام، وسيأتي تطابق الروايات عند تبيين ذلك من طريق أهل البيت وطريق أهل الحديث كما مر مثل ذلك في المشيئة، فقد تواتر عنهم براءته من رأيهم ولله الحمد والمنة.

الحديث الثاني: عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، قال: جاء سراقة بن مالك، فقال: يا رسول الله بيِّنْ لنا ديننا كأنَّا خلقنا الآن، فِيمَ العمل اليوم؟ قال:" بما جَفَّتْ به الأقلام وجرت به المقادير " قال: ففيم العمل؟ قال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له، وكل عاملٍ بعمله " أخرجه مسلم في " الصحيح "(1).

الثالث: عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أعُلِمَ أهل الجنة من أهل النار؟ قال:" نعم "، قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال: " كل ميسر لما خلق له ". أخرجه مسلم وأبو داود.

وفي رواية البخاري نحوه، وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8](2).

الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال عمر يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، فيه أمرٌ مُبتدأ، أو فيما قد فُرِغَ منه؟ فقال: "فيما قد فُرِغ يا ابن الخطاب، وكل مُيَسَّرٌ، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من

(1) أخرجه أحمد 3/ 292 و293 و304 وابنه عبد الله في " السنة "(857)، والطيالسي (1737)، ومسلم (2648)، وابن حبان (337)، والآجري في " الشريعة " ص 174، والبغوى (74)، وسيأتي برقم (89) بزيادة.

(2)

تقدم تخريجه ص 281.

ص: 213

أهل الشقاوة فإنه يعمل للشقاوة" (1).

وفي رواية قال: لما نزلت {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: فعلام نعمل؟ وساق نحو الأولى (2). خرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح. قال: وفي الباب عن علي، وحذيفة بن أسيد، وعمران بن حصين، وأنس رضي الله عنهم.

وخرج أبو داود معنى الأول من حديث ابن عمر، عن أبيه عمر رضي الله عنهما في حديث جبريل عليه السلام في الإيمان بالقدر خيره وشره (3).

الخامس: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه مَلَكاً بأربع كلمات، بِكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد، ثم يُنفخ فيه الروح، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلَاّ ذراعٌ، فيَسْبِق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلَاّ ذراعٌ، فيسبق

(1) أخرجه الترمذي (2135) وسيأتي تخريجه برقم (84).

(2)

أخرجه الترمذي (3111)، والطبري (18571)، وابن أبي عاصم في " السنة "(170) و (181).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. قلت: فيه سليمان بن سفيان وهو ضعيف.

وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4/ 475 وزاد نسبته إلى أبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.

(3)

أخرجه أحمد 1/ 27، وأبو داود (4696)، ومسلم (8)(3). ولم يذكر نصه مسلم، وإنما عزاه إلى الحديث الطويل وقال: وفيه شيء من زيادة.

ص: 214

عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"، أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود (1).

ويقارب معناه من كتاب الله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ} [النبأ: 29] كما في التفسير في قوله تعالى في لقمان: {وما تَدْري نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان: 34] وأما آيات الأقدار فقد مضت والله سبحانه أعلم.

السادس: عن عامر بن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. خرجه مسلم (2).

السابع: عن عمر رضي الله عنه بحديث نحو هذا في تفسير قوله تعالى: {وإذْ أخَذَ ربُّك مِنْ بَني آدمَ} الآية [الأعراف: 172] رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم. وابن حبان في " صحيحه " عن مالك، عن زيد بن أبي أُنيسة، أن [عبد الحميد بن] الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسارٍ الجهني، أن عمر سأل عن هذه الآية {وإذْ أخَذَ ربُّك} [الأعراف: 172] الحديث بطوله كما يأتي في مسألة الأطفال.

وفيه مرفوعاً: " إذا خلق الله العبد للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة يُدخله به، وإذا خلقه للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل النار، فيدخله به النار "(3).

(1) تقدم تخريجه في 2/ 388، وانظر تخريجه أيضاً في " صحيح ابن حبان "(6174).

(2)

الحديث حديث حذيفة بن أسيد الغفاري، رواه عنه عامر بن واثلة.

وسيأتي تخريجه ص 394.

(3)

أخرجه مالك في " الموطأ " 2/ 898 - 899 ومن طريقه أحمد 1/ 44 - 45، وأبو داود (4703)، والترمذي (3075)، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 1148، والطبري في " جامع البيان "(15357)، وفي " التاريخ " 1/ 135، واللالكائي (990)، والآجري =

ص: 215

هكذا هو في " الموطأ "، وقال الترمذي: حديثٌ حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة، زاد أبو حاتم: وبينهما نُعيم بن ربيعة (1). وكذلك رواه أبو داود من طريق عمر بن خَثْعم، فأدخل بينهما نعيم بن ربيعة (2).

قال الدارقطني وتابع عمر بن خثعم على ذلك أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك (3).

= ص 170، وابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " 2/ 273، وابن حبان (6166)، والحاكم 1/ 27 و2/ 324 - 325 و544 - 545، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 325، والبغوي في " شرح السنة "(77)، وفي " معالم التنزيل " 2/ 211 و544. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي في الموضع الأول منه بقوله: فيه إرسال، ووافقه في الموضعين الآخرين مع أن فيه مسلم بن يسار الجهني راويه عن عمر لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي، وأخطأ الألباني في تحقيق " المشكاة "(95). فعدَّه من رجال الشيخين، ثم هو لم يسمع من عمر فيما قاله غير واحد من الأئمة.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلاًَ.

(1)

انظر " تفسير ابن كثير " 3/ 503.

(2)

أخرجه أبو داود (4704)، والطبري (15358) من طريق عمر بن جُعْثُم، وابن عبد البر في " التمهيد " 6/ 4 و4 - 5 من طريق أبي عبد الرحيم الحراني، كلاهما عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، قال: كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية

(3)

نص كلام الدارقطني في " العلل " 2/ 222 لما سئل عن الحديث: يرويه زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر. حدث عنه كذلك يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي. وجود إسناده ووصله. قلت: ورواية يزيد هذه أخرجها محمد بن نصر في كتاب " الرد على محمد بن الحنفية " كما في " النكت الظراف " 8/ 113. وذكرها البخاري في " التاريخ الكبير " 8/ 97. =

ص: 216

الثامن: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وكَّل الله بالرَّحم مَلَكاً يقول: أي ربِّ نُطفةٌ، أي ربِّ عَلَقةٌ، أي ربِّ مُضْغَةٌ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال: يا ربِّ أذكرٌ أم أُنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ وكتب ذلك في بطن أمه ". أخرجه البخاري ومسلم (1).

التاسع: عن طاووسٍ قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيءٍ بقَدَرٍ، وسمعتُ ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْسُ "(2). خرجه مالك ومسلم في " الصحيح "(3).

= قال الدارقطني: وخالفه مالك بن أنس، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة، ولم يذكر في الإسناد نعيم بن ربيعة، وأرسله عن مسلم بن يسار، عن عمر. وحديث يزيد بن سنان متصل، وهو أولى بالصواب والله أعلم. قلت: يزيد بن سنان ضعيف.

وقال الحافظ ابن كثير: الظاهر أن الإمام مالكاً إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمداً لما جهل حال نعيم ولم يعرفه، فإنه غير معروف إلَاّ في هذا، ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم، ولهذا يرسل كثيراً من المرفوعات، ويقطع كثيراً من الموصولات، والله أعلم.

وقال ابن عبد البر في " التمهيد " 6/ 3 تعليقاً على حديث مالك: هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد، لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب، وزيادة من زاد فيه نعيم بن ربيعة ليست حجة، لأن الذي لم يذكره أحفظ، وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن، وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم، لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعاً غير معروفين بحمل العلم، ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها.

قلت: قد تقدم بعض شواهده.

(1)

أخرجه أحمد 3/ 148، والبخاري (318) و (3333) و (6595)، ومسلم (2646)، والآجري ص 184.

(2)

في (ش): " والكبر "، وهو خطأ.

(3)

أخرجه مالك في " الموطأ " 2/ 899، ومن طريقه أحمد 2/ 110، وابنه عبد الله في =

ص: 217

العاشر: عن عامر بن واثلة أنه سمع ابن مسعودٍ يقول: الشقيُّ من شقي في بَطْنِ أُمِّه، والسعيد من وُعِظَ بغيره، وسمع من حُذيفة بن أسيدٍ الغِفاري نحو ذلك (1). أخرجه مسلم في أول الحديث (2)، وقد أشرت إليه بعد حديث ابن مسعود.

الحادي عشر: عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله " فقال: كيف يستعمله؟ قال: " يُوَفِّقُه لعملٍ صالحٍ قبل الموت ".

أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح (3).

الثاني عشر: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل الزمن

= " السنة "(748) و (749)، والبخاري في " خلق أفعال العباد "(121)، ومسلم (2655)، وابن حبان (6149)، والآجري ص 213، والبيهقي في " السنن " 10/ 205، وفي " الاعتقاد " ص 135 - 136، والبغوى في " شرح السنة "(73).

وقوله: " العجز " يحتمل أن يكون على ظاهره وهو عدم القدرة، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به، وتأخيره عن وقته، ويحتمل العجز عن الطاعات، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة. و" الكيس " ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور ومعناه: أن العاجز قد قُدِّر عجزه، والكيس قد قُدِّر كيسه.

(1)

أخرجه الحميدي (826)، وأحمد 4/ 6 - 7، ومسلم (2644) و (2645)، وابن حبان (6177)، واللالكائي في " أصول الاعتقاد "(1045) و (1046) و (1047)، والآجري ص 182 - 184، والطبراني (3036)

(3045)، وابن أبي عاصم في " السنة "(177) و (179) و (180).

(2)

في الأصلين " حديث ". ومراد المصنف أن مسلماً أخرج قول ابن مسعود في أول حديث عامر بن واثلة.

(3)

أخرجه أحمد 3/ 106 و120 و230، والترمذي (2142)، وابن حبان (341)، والآجري ص 185، والحاكم 4/ 339 - 340، والبغوي (4098) من طرق عن حميد، عن أنس. وصححه الحكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

ص: 218

الطويلَ بعمل أهل الجنة، ثم يُخْتَمُ له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يُختم له عمله بعمل أهل الجنة ". أخرجه مسلم (1).

الثالث عشر: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق خلقه في ظُلمةٍ، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضَلَّ، فلذلك أقول: جَفَّ القلم على علم الله ". أخرجه الترمذي، وأحمد، والبيهقي، والبزار، والطبراني (2).

وقال الهيثمي (3): أحد إسنادي أحمد رجاله ثقات.

الرابع عشر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف وأحب إلى الله، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن (4) بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ لكان كذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء (5) فعل، فإن " لو" تفتح عمل الشيطان ". أخرجه مسلم (6).

(1) أخرجه أحمد 2/ 484 - 485، ومسلم (2651)، وابن أبي عاصم (218)، وابن حبان (6176).

(2)

حديث صحيح. أخرجه أحمد 2/ 176 و197، والترمذي (2642)، وابن أبي عاصم (241) و (242)، وابن حبان (6169) و (6170)، والبزار (2145)، والآجري ص 175، واللالكائي (1077) و (1078) و (1079)، والحاكم 1/ 30. وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(3)

في " مجمع الزوائد " 7/ 193 - 194.

(4)

في (أ): واستغن.

(5)

في (أ): وما شاء الله.

(6)

أخرجه أحمد 2/ 366 و370، ومسلم (2664)، وابن ماجه (79) و (4168)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة "(623) و (624)، وابن أبي عاصم في " السنة "(356)، =

ص: 219

الخامس عشر: عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سعادة المرء رضاه بما قضى الله، ومن شقاوته سَخَطُه بما قضى ". أخرجه الترمذي، وقال: غريب (1).

السادس عشر: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" حاجَّ آدمُ موسى، قال: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك، فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمرٍ كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدَّره علي قبل أن يخلقني "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فحجَّ آدمُ موسى "(2).

أخرجه البخاري، ومسلم، ومالك في " الموطأ "، والترمذي، وقال: حسن غريب من حديث سليمان التيمي، عن الأعمش، وفي الباب عن عمر وجندب،

= والطحاوي في " مشكل الآثار "(259) و (260) و (261) و (262)، وابن حبان (5721) و (5722)، وأبو نعيم في " الحلية " 10/ 296، والخطيب في " تاريخه " 12/ 223، والبيهقي في " السنن " 10/ 89، وفي " الأسماء والصفات " 1/ 263، والمزي في " تهذيب الكمال " 9/ 135.

(1)

أخرجه الترمذي (2151)، وأحمد 1/ 168، والحاكم 1/ 518 من طريقين عن محمد بن أبي حميد، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن جده.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلَاّ من حديث محمد بن أبي حميد، ويقال له أيضاً: حماد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم المدني، وليس بالقوي عند أهل الحديث!

قلت: ومع ذلك فقد أورده الحافظ في " الفتح " 11/ 187، ونسبه إلى أحمد وحسن إسناده، وقد وجدتُ له طريقاً آخر ربما ينتهض به، فقد أخرجه أبو يعلى (701) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله، عن إسماعيل بن محمد، عن أبيه، عن جده سعد رفعه " إن من سعادة المرء استخارته لربه ورضاه بما قضى، وإن شقاوة العبد تركه الاستخارة، وسخطه بما قضى "، وعبد الرحمن بن أبي بكر وإن كان ضعيفاً، قال ابن عدي: هو في جملة من يكتب حديثه.

(2)

تقدم تخريجه في 1/ 218.

ص: 220

وقد روى بعضُ أصحاب الأعمش هذا عنه، عن أبي صالحٍ عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).

وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم (2). وبوَّب (3) عليه باب حجاج آدم وموسى.

فقوله: وفي الباب عن عمر وجُندب يدل على عدم تفرُّد أبي هريرة بهذا الحديث.

وذكر ابن كثير في الأول من " البداية والنهاية "(4): أنه متواتر عن أبي هريرة، وذكر من طرقه الجمة ما يُصدِّقُ ذلك، ثم ذكر له شواهد عن غير أبي هريرة.

ولا حجة لنفاة القدر في مَلام موسى لآدم، لأنه كان في ذلك كالناسي الغافل عن تذكُّر القدر، لا أنه جاحدٌ له، ولذلك لما ذكَّرَه آدم لم ينكره.

وقد تقدم أن وجهه أنه لامه على خروجه من الجنة وإخراج ذريته، وكل ذلك من فعل الله تعالى لا ذنب فيه له، لأنه عقوبة ذنبه، ولو شاء الله ما عاقبه لا سيما وذنوب الأنبياء صغائر، ولا حجة للعصاة في القدر إجماعاًً والله أعلم.

السابع عشر: ذكر الهيثمي من شواهد حديث أبي هريرة حديث جندب مرفوعاً بنحوه. قال: رواه أبو يعلى وأحمد بنحوه، والطبراني ورجاله رجال الصحيح (5).

(1) وسيأتي تخريجه في الصفحة الآتية.

(2)

انظر " صحيح " ابن حبان (6179) و (6180) و (6210) بتحقيقنا.

(3)

أي: الترمذي.

(4)

1/ 75 - 79.

(5)

أخرجه أحمد 2/ 464، وأبو يعلى (1521) و (1528)، والطبراني في " الكبير "(1663)، وابن أبي عاصم في " السنة "(143) من طريق حماد بن سلمة، عن حميد، عن =

ص: 221

الثامن عشر: عن أبي سعيدٍ مرفوعاً نحوه، رواه أبو يعلى والبزار، ورجاله رجال الصحيح (1).

التاسع عشر: عن عمر بن الخطاب نحوه، كما أشار إليه الترمذي (2).

العشرون: عن أبي هريرة: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن معه يدَّعي الإسلام:" هذا من أهل النار " فلما حضر القتال، قاتل الرجل من أشد القتال، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال:" أما إنه من أهل النار " فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هو كذلك وجد الرجل ألم الجِراح، فأهوى بيده إلى كِنانته، فانتزع منها سهماً فانتحر به، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لبلال:" قم فأذِّن لا يدخل الجنة إلَاّ مؤمنٌ، وإن الله ليُؤَيِّدُ هذا الدين بالرجل الفاجر ".

وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار وهو من أهل

= الحسن البصري، عن جندب وغيره، ورجاله ثقات، إلَاّ أن فيه عنعنة الحسن.

وقد انفرد عبد الله بن سوار بزيادة في الإسناد عند الخطيب 4/ 349، فرواه عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن أنس، عن جندب أو غيره.

(1)

أخرجه البزار (2147) من طريق الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد مرفوعاً.

وأخرجه (2148) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري.

وأخرجه أبو يعلى (1204) من طريق وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد موقوفاً.

قلت: وأسانيد هذه الطرق صحاح.

(2)

وأخرجه أبو داود (4702)، وأبو يعلى (243) من طريقين عن ابن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب. وهذا إسناد حسن.

وأخرجه أبو يعلى (244)، والبزار (2146)، والهروي في " الأربعين "(22) من طريقين عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر.

ص: 222

الجنة، ويعملُ عمل أهل الجنة وهو من أهل النار، فإنما الأعمال بالخواتيم".

خرجه البخاري في باب القدر (1).

الحادي والعشرون: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يأتي ابن آدم النَّذْرُ بشيء لم يكن قد قدَّرته، ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له، أستخرج به من البخيل "، أخرجه البخاري في القدر (2).

الثاني والعشرون: عن أبي سعيد عنه صلى الله عليه وسلم: " المعصوم من عصم الله ".

خرجه البخاري فيه (3).

الثالث والعشرون: عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزِّنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر، وزنى اللسان النُّطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يُصَدِّق ذلك ويُكَذِّبُه "، خرجه البخاري (4).

(1) تقدم تخريجه في 5/ 311 من حديث أبي هريرة وسهل بن سعد الساعدي.

(2)

أخرجه الحميدي (1112)، وأحمد 2/ 242، و373 و412 و463، والبخاري (6609) و (6694)، ومسلم (1640)، والترمذي (1538)، وأبو داود (3288)، والنسائي 7/ 16 و16 - 17، وابن ماجه (2123)، وابن أبي عاصم في " السنة "(312) و (313)، والطحاوى في " مشكل الآثار " 1/ 364، وابن الجارود (932)، وابن حبان (4376)، والحاكم 4/ 304، والبيهقي 10/ 77.

(3)

وهو بتمامه: " ما استُخلف خليفةٌ إلَاّ له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشرِّ وتحضُّه عليه، والمعصوم من عصم الله ".

أخرجه أحمد 3/ 39، والبخاري (6611) و (7198)، والنسائي 7/ 158 وفي " الكبرى " كما في " تحفة الأشراف " 3/ 494، وأبو يعلى (1228)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " 3/ 22، وابن حبان (6192)، والبيهقي 10/ 111.

(4)

أخرجه أحمد 2/ 276 و317 و344 و372 و379 و431 و528 و535 و536، والبخاري (6243) و (6612)، ومسلم (2657)، وأبو داود (2153) و (2154)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " 3/ 298، وابن حبان (4420) و (4421) و (4423)، والبيهقي =

ص: 223

الرابع والعشرون: حديث المغيرة عنه صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مَعطِيَ لما منعتَ ". خرجه البخاري (1).

الخامس والعشرون: حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يَحْلِفُ: لا ومُقَلِّبَ القلوب ". خرَّجه البخاري (2)، وترجم الباب بقوله تعالى:{يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ} [الأنفال: 24].

السادس والعشرون: حديث ابن عمر، أن عمر قال: ائذنْ لي، فأضْرِبَ عُنُقَه، يعني: ابن صَيَّاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن يكن هو -يعني: الدجَّال- فلا تُطيقُه ". خرجه البخاري (3).

= 7/ 89 و10/ 185 - 186.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4224)، والحميدي (762)، وابن أبي شيبة 10/ 231، وأحمد 4/ 250 و251 و254، والدارمي 1/ 311، والبخاري (844) و (1477) و (2408) و (5975) و (6330) و (6473) و (6615) و (7292)، ومسلم (593)، والنسائي 3/ 70 و71، وفي " عمل اليوم والليلة "(129) و (130)، وأبو داود (1505)، وابن خزيمة (742)، وأبو عوانة 2/ 243 و244، والطبراني 20/ (896) و (897) و (898) و (899) و (906) و (907) و (908) و (909) و (910) و (911) و (912) و (914) و (915) و (916) و (917) و (918) و (919) و (920) و (924) و (925) و (926) و (927) و (928) و (929) و (931) و (932) و (933) و (934) و (935) و (936) و (937) و (938)، وفي " الدعاء "(683) - (704)، وعبد بن حميد (390) و (391)، وابن حبان (2005) و (2006) و (2007)، والبيهقي 2/ 185، والبغوى في " شرح السنة "(715).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 25 - 26 و67 و68 و127، والدارمي 2/ 187، والبخاري (6617) و (6628) و (7391)، والترمذي (1540)، والنسائي 7/ 2 و2 - 3، وابن ماجه (2093)، وابن حبان (4332)، والطبراني (13163) و (13164) و (13165) و (13166)، والبيهقي 10/ 27.

(3)

أخرجه أحمد 2/ 148 و149، والبخاري (1354) و (3055) و (6173) و (6618)، ومسلم (2930)، وأبو داود (4329)، والترمذي (2250)، وابن منده في =

ص: 224

السابع والعشرون: حديث عائشة أنها سألت رسول صلى الله عليه وسلم عن الطاعون؟ فقال: " كان عذاباً يَبْعَثُه الله على من يشاء من عباده، فجعله الله رحمةً للمؤمنين، ما مِنْ مُؤمنٍ يكون في بلدٍ يكون فيه، فيمكُثُ فيه صابراً مُحْتَسٍباً، يعلم أنه لا يُصيبه إلَاّ ما كتب الله له إلَاّ كان له مثل أجر شهيدٍ ". خرجه البخاري (1).

الثامن والعشرون: حديث البراء بن عازب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقُلُ التراب معنا، وهو يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا

ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنَا

فأَنْزِلَنْ سكينةً علينا

وثَبِّت الأقدام إنْ لاقَيْنا

والمشركون قدْ بَغَوْا علينا

إذا أرادُوا فِتنةً أبَيْنا

أخرجه البخاري (2).

التاسع والعشرون: حديث أنسٍ أنه كان صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ أن يقول: " يا مُقَلِّبَ القلوب ثبتْ قلبي على دينك "(3). خرجه الترمذي من رواية أبي سفيان، اختلف عليه، قيل: عن أنس، وقيل: عن جابر. قال الترمذي: وحديثه عن أنس أصحُّ (4).

الثلاثون: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسولُ الله

= " الإيمان "(1040)، وابن حبان (6785).

(1)

أخرجه أحمد 6/ 64 و154 و252، والبخاري (3474) و (5734) و (6619).

(2)

أخرجه الطيالسي (712)، وأحمد 4/ 285، والدارمي 2/ 221، والبخاري (2836) و (2837) و (3034) و (4104) و (4106) و (6620) و (7236)، ومسلم (1803)، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 2/ 54، وأبو يعلى (1716)، وابن حبان (4535)، والبيهقي 7/ 43، والبغوي (3792).

(3)

تقدم تخريجه في 2/ 272.

(4)

تحرفت في (أ) و (ف) إلى: واضح.

ص: 225

- صلى الله عليه وسلم، وفي يده كتابان فقال:" أتدرون ما هذان الكتابان؟ " فقلنا: لا يا رسول الله، إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى:" هذا كتابٌ من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِل على آخرهم لا يُزاد فيهم، ولا ينقُصُ منهم أبداً " ثم قال للذي في شِماله: " هذا كتابٌ من رب العالمين فيه أسماءُ أهل النار، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمل على آخرهم لا يزيد فيهم ولا ينقص منهم أبداً " فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان قد فُرِغَ منه؟ فقال: " سدِّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عَمِلَ أيَّ عملٍ، وإن صاحب النار يُختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أيَّ عملٍ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال:" قد فرغ ربكم من العباد فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير ".

خرجه الترمذي (1)، قال: وفي الباب عن [ابن] عمر، وهذا حديث حسن

(1) أخرجه أحمد 2/ 167، والترمذي (2141)، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة "، والآجري في " الشريعة " ص 173 - 174، وعثمان بن سعيد الدارمي في " الرد على الجهمية " ص 79 - 80، وابن أبي عاصم (348)، وأبو نعيم في " الحلية " 5/ 168 - 169 من طرق عن أبي قبيل حُيي بن هانىء، عن شُفي بن ماتع عن عبد الله بن عمرو.

قلت: وأبو قبيل: وثقه غير واحد، وقال ابن معين في رواية عثمان بن سعيد الدارمي: ثقة، وضعفه في رواية الساجي، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: كان يخطىء، وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم، وقال في " تعجيل المنفعة " ص 277: ضعيف لأنه كان يكثر النقل عن الكتب القديمة.

قلت: هو حسن الحديث، إلَاّ أن في حديثه هذا نكارة، فقد قال الذهبي في " الميزان " 2/ 684 فيه وقد رواه من حديث عبد الله بن عمر بنحوه .. وسيرد عند المؤلف ص 429 - 430: هو حديث منكر جداً، ويقضي أن يكون له زنة الكتابين عدة قناطير.

وقال العلامة علي القاري في " شرح المشكاة " 1/ 142 تعليقاً على قوله: " ما هذان الكتابان ": الظاهر من الإشارة أنهما حسيان، وقيل: تمثيل واستحضار للمعنى الدقيق الخفي في مشاهدة السامع حتى كأنه ينظر إليه رأي العين، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كُوشف له بحقيقة هذا =

ص: 226

صحيح (1).

الحادي والثلاثون: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. ذكره الهيثمي (2) مرفوعاً بنحو الأول، وقال: رواه الطبراني من حديث ابن مجاهد عن أبيه (3).

الثاني والثلاثون: ذكره الهيثمي عن البراء بن عازب مرفوعاً، رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق الهُذيل بن بلال " (4).

الثالث والثلاثون: عن عبد الله بن بُسر (5): خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يمينه، ثم قبضها، ثم قال:" أهل الجنة بأسمائهم " إلى آخره، لم يصرح بذكر الكتاب. رواه الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أيوب السَّكوني وبَقِيَّة (6).

= الأمر، وأطلعه الله عليه إطلاعاً لم يبق معه خفاء، صوَّر الشيء الحاصل في يده، وأشار إليه إشارة إلى المحسوس.

وقوله: " ثم أجمل على آخرهم " قال ابن الأثير: بالجيم والميم واللام، وبالبناء لما لم يسم فاعله، وهو من قولهم: أجملت الحساب، إذا جمعت آحاده، وكملت أفراده، أي: أُحصوا وجمعوا، فلا يزاد فيهم ولا ينقص. وانظر حديث عبد الله بن عمر الآتي ص 429 - 430.

(1)

في النسخ المطبوعة من " سنن الترمذي " وفي " تحفة الأشراف " 6/ 343: وهذا حديث حسن صحيح غريب.

(2)

في " المجمع " 7/ 187 وقال: ولم أعرف ابن مجاهد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قلت: وهو في " معجم الطبراني الكبير " برقم (13568).

(3)

تحرفت في (ش) إلى: أمه.

(4)

أخرجه الطبراني في " الأوسط "(1470) من طريق محمد بن جهضم، عن الهذيل بن بلال، عن أبي الأصبغ، عن زاذان، عن البراء. والهذيل بن بلال: ضعيف كما ذكر الهيثمي في " المجمع " 7/ 188.

(5)

في (أ) و (ش): عبد الله بن قيس، والمثبت من " مجمع الزوائد ".

(6)

ذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 187 وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن أيوب السكوني روى حديثاً غير هذا، فقال العقيلي فيه: لا يتابع عليه، فضعفه الذهبي من =

ص: 227

الرابع والثلاثون: حديث أبي عزَّة يسار بن عبدٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى الله لعبدٍ أن يموت بأرضٍ جعل له إليها -أو قال: بها- حاجةً ".

خرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح (1).

الخامس والثلاثون: مثل الأول، أخرجه الترمذي من طريق مَطَر بن عُكَامِسٍ الصحابي، وقال: حسن غريب (2).

السادس والثلاثون: حديث الزهري، عن أبي خِزامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً قال له: يا رسول الله، أرأيت رُقىً نَسْتَرْقي بها (3)، ودواءً نتداوى به، وتُقاةً نتقيها يرد ذلك من قدر الله شيئاً؟ قال:" هي من قدر الله "(4).

= عند نفسه، لكن في إسناده بقية، وهو متكلم فيه بغير هذا الحديث أيضاً.

(1)

أخرجه أحمد 3/ 429، والترمذي (2147)، والبخاري في " الأدب المفرد "(1282)، وأبو يعلى (927)، والبزار (2154)، وابن حبان (6151)، والقضاعي في " مسند الشهاب "(1392) و (1393) و (1394)، والطبراني في " الكبير " 22/ (706) و (707) و (708)، وابن عدي في " الكامل "، وأبو نعيم في " الحلية " 8/ 374، والحاكم 1/ 42، وابن الأثير في " أسد الغابة " 6/ 213 من طريق أبي المليح بن أسامة، عن أبي عزة، وقال بعضهم: عن رجل من قومه وكانت له صحبة. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ورواته عن آخرهم ثقات.

(2)

أخرجه أحمد 5/ 227، والترمذي (2146)، والطبراني في " الأوسط "(2617)، والحاكم 1/ 42 من طرق عن سفيان الثوري، والحكم 1/ 42 من طريق أبي حمزة، كلاهما عن أبي إسحاق، عن مطر بن عكامس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا جميعاً على إخراج جماعة من الصحابة ليس لكل واحد منهم إلَاّ راوٍ واحد.

(3)

في (أ): " يسترقيها " وكتب فوقها: يسترقي بها.

(4)

ضعيف. أخرجه الترمذي (2065)، وابن ماجه (3437) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه مرفوعاً. =

ص: 228

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخرجه الترمذي أيضاً (2065) عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه مرفوعاً.

قال الترمذي: هذا حديث حسن! وقد رُوي عن ابن عيينة كلتا الروايتين، فقال بعضهم: عن أبي خزامة، عن أبيه، وقال بعضهم: عن ابن أبي خزامة، عن أبيه، وقد روى غير ابن عيينة هذا الحديث عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه، وهذا أصح، ولا نعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث.

قلت: في " التقريب ": ابن أبي خزامة عن أبيه، وقيل: عن أبي خزامة عن أبيه -وهو الصحيح- مجهول.

وفي " التهذيب ": أبو خزامة السعدي أحد بني سعد بن الحارث بن هذيم، روى حديثه الزهري عن ابن أبي خزامة، عن أبيه

وقيل: عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه.

قلت (القائل ابن حجر): صوابه أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم، كذا جاء مصرحاً به في رواية الحاكم في " المستدرك " 4/ 199 لهذا الحديث من طريق الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه، وهو الصواب. (قلت: وقد تحرف في المطبوع من " المستدرك ": " أحد بني " إلى: حدثني). وقال مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة في التابعين: أبو خزامة بن يعمر، وقال ابن عبد البر: أبو خزامة ذكره بعضهم في الصحابة لحديث أخطأ فيه راويه عن الزهري، وهو تابعي، وحديثه مضطرب.

ورواه الطبراني (5468) من طريق الزهري في " المجمع " 5/ 85: والحارث لم أعرفه! وبقية رجاله رجال الصحيح غير أبي خزامة.

قلت: في رواية الطبراني تحريف في قوله: " عن الحارث " والصواب عن أبي خزامة أحد بني الحارث. قال ابن الأثير في " أسد الغابة " 2/ 379، والحافظ في " الإصابة " 2/ 122: وقد رواه على الصواب: الليث بن سعد، وابن المبارك، وسليمان بن بلال، عن يونس، عن الزهري، عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد، عن أبيه. قال الحافظ: والمراد بقوله: " أحد بني الحارث بن سعد " أنه من ذريته، لا أنه ولده لصلبه.

وقد تنبه لهذا التحريف ابن عبد البر في " التمهيد "، فأخرجه من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه، ثم نقل عن إسماعيل القاضي أنه اختلف فيه على يونس، فقال سليمان بن بلال: عنه، عن الزهري، عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد، عن =

ص: 229

السابع والثلاثون: عن عليٍّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الدعاء يرُدُّ القضاء "(1). خرجه السيد أبو طالب في " الأمالي " وقال: تأويله أن يكون القضاء مشروطاً بترك الدعاء، وهذا الذي ذكره هو الذي أراده أهل السنة.

الثامن والثلاثون: نحو الأول عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " لا يرد القضاء إلَاّ الدعاء ". خرجه الترمذي (2)، وقال: وفي الباب عن أسيد، وقال: حديث حسن غريب.

التاسع والثلاثون: عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخاصمون في القدر، فنزلت هذه الآية:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48 - 49]. رواه

= أبيه أنه سأل، وقال عثمان بن عمر، عن أبي خزامة أن الحارث بن سعد أخبره به قال إسماعيل: والصواب قول سليمان.

وأخرجه الحاكم 1/ 32 و4/ 199، والطبراني (3090) من طريق صالح بن أبي الأخضر -وهو ضعيف- عن الزهري، عن عروة، عن حكيم بن حزام.

وأخرجه الحاكم 1/ 32 من طريق مسدَّد، عن يزيد بن زريع، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن حكيم بن حزام، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ثم لم يخرجاه، وقال مسلم في تصنيفه فيما أخطأ معمر بالبصرة: إن معمراً حدَّث به مرتين، فقال مرة: عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه.

قلت: وأخرجه عبد الرزاق (19776) عن معمر، عن الزهري قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

تقدم تخريجه من حديث عائشة، وأبي هريرة، وثوبان، وابن عمر، ومعاذ ص 321.

(2)

رقم (2139). وأخرجه الطحاوي في " المشكل " 4/ 169، والقضاعي في " مسند الشهاب "(832) و (833) وفي سنده أبو مودود -واسمه فِضَّة- ضعيف، لكن الحديث يتقوى بشواهده التي تقدم تخريجها ص 321.

ص: 230

الترمذي (1)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قال ابن العربي في " شرح الترمذي ": صحيح صحيح (2).

الأربعون: حديثُ الاستخارة، وفيه " فاقدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لي ". خرجه البخاري (3).

الحادي والأربعون: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ". خرجه مسلم، والترمذي، وفي الترمذي:" قدَّر الله المقادير "(4).

الثاني والأربعون: عن أبي عثمان (5) مولى أبي هاشم، قال: سألت أبا هريرة عن القدر، فقال: اكتفِ منه بآخِرِ سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ

(1) رقم (3290). وأخرجه أحمد 2/ 444 و476، ومسلم (2656)، وابن ماجه (83)، والطبري في " تفسيره " 27/ 110، والبغوي (81).

وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 7/ 682 - 683 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه.

(2)

8/ 296.

(3)

تقدم تخريجه. وانظر " صحيح ابن حبان "(887).

(4)

أخرجه مسلم (2653)، والترمذي (2156). وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان "(6138).

(5)

كذا في (أ) و (ش): " أبو عثمان "، وهو كذلك في " جامع الأصول " 10/ 133 والصواب أبو عمرو أو أبو عمر، واسمه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم المكي، احتج به مسلم، ووثقه أحمد وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري.

ص: 231

مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: 29] فنعتهم قبل أن يخلقهم بما عَلِمَ أنهم يكونون عليه إذا خلقهم، وقال تعالى فيهم:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} [الفتح: 29]. رواه النسائي (1).

الثالث والأربعون: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها في أصلاب آبائهم ". أخرجه أبو داود، ومسلم، والنسائي (2).

الرابع والأربعون: عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن أولاد المشركين، فقال:" الله إذ خلقهم، أعلم بما كانوا عاملين ". خرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3).

الخامس والأربعون: عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.

خرجه البخاري، ومسلم، والنسائي (4).

(1) كذا في الأصلين رواه النسائي، وهو خطأ، فليس هو في النسائي، لا في " الصغرى " ولا في " الكبرى "، ولم يرد له ذكر في " تحفة الأشراف "، وقد أورده ابن الأثير في " جامع الأصول " 10/ 133 - والمصنف ينقل عنه- فقال بإثره:" أخرجه "، ولما يزد على ذلك، ويغلب على ظني أنه من زيادات رزين العبدري. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 7/ 543 ونسبه إلى أبي عبيد، وأبي نعيم في " الحلية "، وابن المنذر.

(2)

أخرجه مسلم (2662)، وأبو داود (4713)، والنسائي 4/ 57، وابن ماجه (82)، والطيالسي (1574)، وأحمد 6/ 41 و208، وابن حبان (138) و (6173)، والآجري ص 195 - 196.

(3)

أخرجه البخاري (1383) و (6517)، ومسلم (2660)، وأبو داود (4711)، والنسائي 4/ 59.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (20077)، وأحمد 2/ 259 و268 و471، والبخاري (1384) و (6600)، ومسلم (2659)، والنسائي 4/ 58، وابن حبان (131)، والآجري ص 194.

ص: 232

ووجه إدخال هذه الأحاديث في القدر ما فيها من ذكر علم الله بأعمال الأطفال، والاحتجاج بذلك على أنهم كما علم الله سبحانه، وأما معانيها، فسيأتي الكلام عليها (1) في الوهم التاسع والعشرين.

السادس والأربعون: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الدعاء: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولَّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذِلُّ من واليت، ولا يَعِزُّ من عاديت، تباركت وتعاليت ".

رواه أهل السنن الأربعة، والحاكم في " المستدرك "(2)، ورواه الإمام الهادي في " الأحكام "، والسيد أبو طالب في " الأمالي ".

السابع والأربعون: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلَاّ بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضُرُّوك، لم يضروك إلَاّ بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفَّت الصُّحُف ".

رواه النواوي في " الأربعين "(3).

(1) في (أ): " عليهم "، وهو خطأ.

(2)

أخرجه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي 3/ 248، وابن ماجه (1178)، والحاكم 3/ 172. وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (945).

(3)

وهو الحديث التاسع عشر منه. وأخرجه أحمد 1/ 293 و303 و307، والترمذي (2516) من طرق عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " 1/ 460 - 461 بتحقيقنا: وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة

وأصح الطرق كلها حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي، كذا قاله ابن منده وغيره.

ص: 233

الثامن والأربعون: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: من زعم أن الله يشاء لعباده الطاعة، فلم تنفذ مشيئة الله، وشاء لهم إبليس المعصية، فنفذت مشيئة إبليس، فقد وَهَّن الله في ملكه، وجوَّرَه في حُكمه.

رواه الإمام أحمد (1) بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وكان أحمد بن عيسى من قدماء أئمة أهل البيت، وذكر محمد بن منصور: أنه ممن أُجْمِعَ على فضله، وكان يُسمَّى فقيه آل محمد صلى الله عليه وسلم.

التاسع والأربعون: عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رجلاً سأله عن القدر؟ فقال: طريقٌ وَعْرٌ فلا تسلُكْهُ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما تقول في القدر؟ فقال: بحرٌ عميقٌ فلا تَلِجْهُ، قال: فسكت الرجل ساعة، ثم قال: يا أمير المؤمنين، ما تقول في القدر؟ قال: سِرُّ الله فلا تُفْشِهِ (2).

رواه الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان ممن أجمع على فضله وعلمه، ذكره محمد بن منصور.

ورواه مُحِبُّ أهل البيت محمد بن منصور الكوفي في كتابه " كتاب الجُملة والأُلفة ".

الخمسون: ما رواه محمد بن منصور رحمه الله أيضاً، فقال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أبو حفص عمر القزاز، عن جعفرٍ، يعني: الصادق، عن أبيه، يعني: الباقر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول: "سبق العلم، وجفَّ القلم، ومضى القضاء وتم القدرُ بتحقيق

(1) تقدمت ترجمته في 3/ 458.

(2)

أخرجه الآجري في " الشريعة " ص 202، واللالكائي 4/ 629.

ص: 234

الكتاب، وتصديق الرسل، وما العباد عاملون، وبالسعادة من الله، لمن آمن واتقى، وبالشقاء من الله لمن كذَّب وكَفَرَ، وبالولاية من الله للمؤمنين، وبالبراءة من المشركين

إلى آخر الحديث.

وقد تقدم بيانه في مسألة المشيئة.

الحادي والخمسون: ما رواه محمد بن منصور أيضاً بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أعمال العباد كلها على مشيئة الله وإرادته ".

الثاني والخمسون: عن محمد بن منصور رحمه الله أنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسِك ما تشاء، ويإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد " إلى آخر الحديث بطوله.

وروى الإمام الحسن بن يحيى عليه السلام بعضه بلا إسناد، وقال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا إن أبغض خلق الله إلى الله تعالى عبدٌ وَكَلَهُ الله إلى نفسه.

خرَّج هذه الأحاديث الخمسة السيد الشريف الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني العلوي في كتابه " كتاب الجامع الكافي " في مذهب أحمد بن عيسى، والحسن بن يحيى، والقاسم بن إبراهيم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذهب محبهم محمد بن منصور رحمه الله، وهو في الغالب من أنفس كتب أهل البيت عليهم السلام.

وروى ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " بسنده أن رجلاً قال: يا أمير المؤمنين أتيتك من بلدةٍ ما رأيت لك بها مُحبّاً، يعنى: البصرة، فقال عليه السلام: لو يستطيعون أن يُحبوني لأحَبُّوني، إني وشيعتي في ميثاق الله لا يُزاد فينا ولا يُنْقَصُ إلى يوم القيامة.

ص: 235

رواه في شرح قوله عليه السلام: أما إنه سيظهر عليكم رجلٌ رحب البلعوم

إلى آخره، وفي ذكر المنحرفين عنه عليه السلام.

الثالث والخمسون: عن عِمران بن حُصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم كتب جل ثناؤه في الذكر كل شيءٍ، ثم خلق السماوات والأرض ". رواه البخاري (1).

الرابع والخمسون: عن ابن عباس: " أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتُبْ، فقال: يا ربِّ وما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما هو كائنٌ من ذلك إلى قيامِ الساعة ". رواه البيهقي في " الأسماء والصفات "، وله طرق تأتي، فهو حديث قوي (2).

(1) أخرجه البخاري (3191) و (7418). وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان "(6140) و (6142) وقد أخطأ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فهم هذا الحديث، وفسره تفسيراً يوافق ما انفرد به من القول بالقدم النوعي، وعدَّ ذلك العلماء من مستشنع المسائل المنسوبة إليه. انظر " فتح الباري " 13/ 410.

(2)

أخرجه الآجري ص 85، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 378، والطبري في " جامع البيان " 29/ 14 من طرق عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس.

وأخرجه الطبري 29/ 15، والطبراني (12227)، وعبد الله بن أحمد في " السنة "(871) و (894)، والآجري ص 84 من طريق جرير ومحمد بن فضيل وحماد بن زيد، عن عطاء، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن ابن عباس.

وأخرجه الآجري ص 85، والحاكم 1/ 453 - 454 من طريق عطاء بن السائب عن مقسم، عن ابن عباس بنحوه.

وأخرجه الطبري 29/ 15 من طريق ثابت البناني، عن ابن عباس. كلهم رووه عنه موقوفاً إلا في رواية حماد بن زيد، فقال الطبراني: لم يرفعه عن حماد بن زيد إلَاّ مؤمل بن إسماعيل. قلت: وهو سيىء الحفظ.

وأخرجه أبو يعلى (2329)، والطبري 29/ 16، وعبد الله بن أحمد في " السنة " =

ص: 236

الخامس والخمسون: من " مجمع الزوائد " للهيثمي عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كَتِفَه اليُمنى، فأخرج ذُرِّيَّة بيضاء كأنهم الدُّرُّ، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء، كأنهم الحُمَم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أُبالي، وقال للذي في اليسرى: إلى النار ولا أبالي ". رواه أحمد، والبزار، والطبراني ورجاله ثقات (1).

والسادس والخمسون: عن أبي نضرة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (2).

والسابع والخمسون: عن عبد الرحمن بن قتادة السُّلمي عنه صلى الله عليه وسلم، زاد: فقال رجل: فعلى ماذا نعمل يا رسول الله؟ قال: " على مواقع القدر "(3) رواه

= (854)، والطبراني (12500)، والبيهقي في " السنن " 9/ 3، وفي " الأسماء والصفات " ص 378 من طرق عن عبد الله بن المبارك، عن رباح بن زيد، عن عمر بن حبيب، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً. وقال ابن كثير في " تفسيره " 4/ 429: غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 190، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وهو كما قال.

(1)

أخرجه أحمد 6/ 441، وابنه في " زوائده "، والبزار (2144) من طريق الهيثم بن خارجة، عن سليمان بن عُتبة، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء. وقال البزار: وإسناده حسن. وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/ 185 وقال: ورجاله رجال الصحيح. قلت: كذا قال مع أن سليمان بن عتبة لم يخرجا له ولا أحدهما، وإنما هو من رجال ابن ماجه، وهو صدوق له غرائب، ويونس بن ميسرة روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو ثقة.

(2)

أخرجه أحمد 4/ 176 - 177 و5/ 68 من طريقين عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة. وإسناده صحيح، حماد بن سلمة سمع من الجريري قبل الاختلاط.

(3)

أخرجه أحمد 4/ 186، وابن سعد 1/ 30 و7/ 417، والحاكم 1/ 31، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3/ 489 من طريق معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن عبد =

ص: 237

أحمد، ورجاله ثقات، وخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال فيه: على موافقة القدر، وقال: صحيح اتفقا على رواته إلَاّ الصحابي.

والثامن والخمسون: عن أنسٍ عنه صلى الله عليه وسلم نحوه. رواه أبو يعلى من طريق الحكم بن سنان الباهلي (1).

= الرحمن بن قتادة. وقول الحكم: صحيح قد اتفقا على الاحتجاج برواته عن آخرهم إلا الصحابي فيه نظر، فإن معاوية بن صالح لم يرو له البخاري، وإنما هو من رجال مسلم، وشيخه راشد بن سعد لم يخرجا له ولا أحدهما، وهو من رجال أصحاب السنن، وهو ثقة.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 186 ونسبه إلى أحمد وقال: ورجاله ثقات. وقال الحافظ في " الإصابة " 2/ 411: عبد الرحمن بن قتادة السلمي: قال ابن منده: يعد في الحمصيين، ذكره البغوي، وابن قانع، وابن شاهين، وابن حبان، وغيرهم من الصحابة، وأخرج حديثه أحمد، وابن منيع، والطبراني في مسانيدهم، كلهم من طريق الليث عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله خلق آدم ثم أخذ ذريته من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي " فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: " على مواقع القدر " أخرجه ابن شاهين من رواية معن بن عيسى، عن معاوية بن صالح، عن راشد، عن عبد الرحمن بن قتادة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وكذا قال ابن سعد عن حماد بن خالد عن معاوية، عن راشد، حدثني عبد الرحمن وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأعل البخاري الحديث بأن عبد الرحمن إنما رواه عن هشام بن حكيم، هكذا رواه معاوية بن صالح وغيره عن راشد، وقال معاوية مرة: إن عبد الرحمن قال. سمعت وهو خطأ. ورواه الزبيدي عن راشد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن أبيه وهشام بن حكيم. وقيل: عن الزبيدي وعبد الرحمن، عن أبيه، عن هشام. وقال ابن السكن: الحديث مضطرب. قلت (القائل ابن حجر): ويكفي في إثبات صحبته الرواية التي شهد له فيها التابعي بأنه من الصحابة، فلا يضر بعد ذلك إن كان سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أو بينهما فيه واسطة!

(1)

ضعيف. أخرجه أبو يعلى (3422) و (3453) من طريق الحكم بن سنان العبدي، عن ثابت، عن أنس. =

ص: 238

والتاسع والخمسون: عن أبي موسى عنه صلى الله عليه وسلم نحوه. رواه البزار، والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من طريق روح بن المسيب (1).

والستون: عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم نحوه. رواه البزار (2)، ورجاله رجال الصحيح غير (3) نمر بن هلال، وقد وثَّقه أبو حاتم (4).

والحادي والستون: عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم نحوه، وزاد فيه:" فتفرق الناس وهم لا يختلفون في القدر ". رواه البزار، والطبراني في " الصغير "، ورجال البزار

= وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 186 وقال: رواه أبو يعلى، وفيه الحكم بن سنان الباهلي، قال أبو حاتم: عنده وهم كثير، وليس بالقوي، ومحله الصدق، يكتب حديثه وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(1)

ضعيف. أخرجه البزار (2143)، والآجري ص 173 من طريقين عن روح بن المسيب، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن غنيم بن قيس، عن أبي موسى، ولفظه:" إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم قبض طينته قبضتين: قبضة بيمينه، وقبضة بيده الأخرى، فقال للذي بيمينه: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وقال للذي في يده الأخرى: هؤلاء للنار ولا أبالي، ثم ردَّهم في صلب آدم، فهم يتناسلون على ذلك إلى الآن " وقال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلَاّ أبو موسى.

وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 186: رواه البزار والطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وفيه روح بن المسيب، قال ابن معين: صويلح وضعفه غيره. قلت: ويزيد الرقاشي ضعيف.

(2)

رقم (2142) عن محمد بن المثنى، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا النمر بن هلال، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري. وقال: لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه، والنمر بصري ليس به بأس، ومسلم لم يتابع على هذا. قلت: والجريري اختلط بأخرة.

(3)

تحرف في (أ) و (ش) إلى: " عن " والتصويب من " المجمع " 7/ 186.

(4)

كذا نقل الهيثمي عنه، وقال ابنه في " الجرح والتعديل " 8/ 511، وسألته عنه، فقال: شيخ.

ص: 239

رجال الصحيح (1).

والثاني والستون: عن هشام بن حكيم بن حزام عنه صلى الله عليه وسلم نحوه، وزاد ذكر تيسير كل للعمل الذي سبق. رواه البزار والطبراني من طريق بقية بن الوليد (2).

والثالث والستون: عن مُعاذٍ عنه صلى الله عليه وسلم نحوه. رواه الطبراني من طريق البراء بن عبد الله الغَنَوي (3).

(1) أخرجه البزار (2141)، والطبراني في " المعجم الصغير "(362) من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أبي أحمد الزبيري، عن الثوري، عن أيوب وإسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر. وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين غير إبراهيم بن سعيد الجوهري، فمن رجال مسلم، إلَاّ أنهم قالوا في أبي أحمد الزبيري -واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير- قد يخطىء في حديث الثوري.

(2)

أخرجه البزار (2140)، والطبري في " تفسيره "(15377) و (15378)، والبخاري في " التاريخ الكبير " 8/ 191 - 192 من طريق بقية بن الوليد، والطبري (15379) من طريق عبد الله بن سالم، كلاهما عن الزبيدي، عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة النصري، عن أبيه، عن هشام بن حكيم.

وأخرجه الآجري ص 172 من طريق بقية، حدثنا الزبيدي، والطبري (15380) من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، كلاهما عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن هشام بن حكيم.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 186 - 187 وقال: رواه البزار والطبراني وفيه بقية بن الوليد، وهو ضعيف، ويحسن حديثه بكثره الشواهد، وإسناد الطبراني حسن.

قلت: وفي هذا الحديث اضطراب من جهة إسناده، وفي نسبة بعض رجاله وفي لفظه، وقد فصل القول فيه الشيخ محمود شاكر في تعليقه على " تفسير الطبري "، فارجع إليه.

(3)

أخرجه الطبراني 20/ (365) من طريق البراء بن عبد الله الغنوي قال: سمعت الحسن يحدث عن معاذ بن جبل قال: لما أن حضره الموت بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا على دنيا أخلفها بعدي، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 240

والرابع والستون: عن الحسن أن الله أخرج أهل الجنة من صفحة (1) آدم اليمنى، وأهل النار من اليُسرى. خرَّجه ابن أبي الدنيا (2) عن خلف بن هشام بلفظ:" حدثنا "، قال: حدثنا الحكم، عن حوشب، عن (3) الحسن.

وروى عبد الرزاق عن مَعْمرٍ، عن قتادة، عن الحسن نحوه (4).

قلت: فهذه عشرة أحاديث تواردت على معنى واحدٍ فلا شكٍّ في صحته، وقوله فيها:" ولا أُبالي " ليس فيه التعذيب بغير ذنبٍ ولا حجة، ولهذا ذكر العمل في موافقته للقدر، وإنما هو مثل قوله تعالى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ربِّي لَوْلا دُعَاؤُكُم} [الفرقان: 77] فأثبت عدم المبالاة على حال. ومثل قوله: {فَرِيقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير} [الشورى: 7] ولم يستلزم إهمال الأعمال، وإنما خرجت هذه الأشياء مخرج التمدح بالقدرة التامة، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفتح: 14].

= يقول: " إنما هما قبضتان، فقبضة في النار، وقبضة في الجنة "، فلا أدري من أي القبضتين أكون.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 187: رواه الطبراني وفيه البراء بن عبد الله الغنوي وهو ضعيف، والحسن لم يدرك معاذاً.

(1)

في (أ): " صحفة "، وكتب فوقها: صفحة.

(2)

في كتاب " الشكر لله عز وجل "(165)، وقد تقدم 322.

والحكم هو ابن سنان ضعيف، ورواه أحمد في " الزهد " ص 47 من قول بكر بن عبد الله المزني.

(3)

تحرفت في الأصول إلى: " ابن "، والتصويب من " الشكر ".

(4)

أخرجه عبد الرزاق في " المصنف "(20086) عن معمر، عن غير واحد، عن الحسن أنه كان يقول: الآجال، والأرزاق، والبلاءُ، والمصائب، والحسنات بقدر من الله، والسيئات من أنفسنا ومن الشيطان.

ص: 241

وقوله: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 129].

وقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 40].

وقوله تعالى: {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: 17].

وقوله: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 24].

وليس في شيء من ذلك أنه يفعل شيئاً من ذلك بالمشيئة من غير حكمة باطنةٍ، ولا حجة ظاهرة.

ألا تراه مع ذلك يقول عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، ويقول:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147]، ونحوه:{بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

وكذلك: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1].

وكذلك قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].

وعلى هذا يتخرج معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " الخير بيديك والشر ليس إليك "(1).

والجمع بين هذه الآيات وآيات الحكمة توجب القطع بنفي العبث واللعب بالخلق عن أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين كما يأتي مطولاً مقرراً في آخر هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

(1) تقدم تخريجه في الجزء الخامس.

ص: 242

وأما حديث أبي هريرة المرفوع في إخراج ذرية آدم، فلم يذكر فيه قَسْمَ الذُّرِّيَّة قسمين: قسماً إلى الجنة، وقسماً إلى النار، وإنما ذكر " خَطِىءَ آدم، فخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُه، ونَسِيَ فنسيَتْ ذُرِّيَّتُهُ ".

فكذلك رواه عنه المَقْبُري، وأبو صالح، وعطاء بن يسار، خرج حديث المَقْبُري البزار، وأبو يعلى، والترمذي، وقال: حديث غريب (1)، والنسائي من طريق أخرى، وخرج حديث أبي صالحٍ الترمذي، وقال: حسن صحيح (2)، ورُوي من غير وجهٍ من أبي هريرة، ولم يُذكر " خَطِىء فخَطِئَت ذُرِّيته، ونسي فَنَسِيَتْ ذريته ".

خرَّج حديث ابن عمر، عن أبي هريرة البزار بإسنادٍ لا بأس به.

الخامس والستون: عن ابن مسعودٍ عنه صلى الله عليه وسلم نحو الحديث الخامس المتفق عليه، وقد تقدم (3)، وفي هذا زيادة: فقال رجل: ففيم العمل؟ فقال: " اعملوا فكُلٌّ سيُوجَّه لِما خُلِقَ له ". قال الهيثمي: رواه أحمد (4) من طريق علي بن زيد، عن أبي عُبيدة، عن أبيه، وهو ابن مسعود.

السادس والستون: عن ابن مسعودٍ عنه صلى الله عليه وسلم: "فُرِغَ إلى آدم من أربعٍ: من

(1) حديث صحيح أخرجه الترمذي (3368)، وابن أبي عاصم في " السنة "(206)، والطبري في " تاريخه " 1/ 96، وابن حبان (6167)، وابن خزيمة في " التوحيد " ص 67، والحاكم 1/ 64 و4/ 263، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 324 - 325.

(2)

أخرجه الترمذي (3076)، وابن سعد في " الطبقات " 1/ 27 - 28، والطبري 1/ 96، والحاكم 2/ 585 - 586 وصححه.

(3)

ص 391.

(4)

1/ 374 - 375 وإسناده ضعيف. قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 193: هو في الصحيح باختصار عن هذا، رواه أحمد، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وعلي بن زيد سيىء الحفظ.

ص: 243

الخَلْق، والخُلُق، والرِّزق، والأجل". رواه الطبراني في " الأوسط "، وذكره الهيثمي في باب ما فُرِغ منه من " مجمع الزوائد " (1).

السابع والستون: عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلاً بعشائرهم وقبائلهم لا يُزاد فيهم ولا يُنقص منهم " ثم ذكر مثل ذلك (2) في أهل النار، إلى قوله في جواب السائل:" كل ميسر لما خلق له ". رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من طريق بكار بن محمد السِّيريني (3).

والثامن والستون: عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الحيُّ من قريش آمنين حتى يرُدُّوهم عن دينهم كُفَّاراً حما (4)، فقام إليه رجلٌ، فقال يا رسول الله: أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال: " في الجنة " ثم قام إليه آخر فقال: أفي الجنة أنا أم في النار؟ فقال: " في النار " ثم قال: " اسكُتوا عنِّي ما سَكَتُّ عنكم، فلولا أن لا تَدَافَنُوا لأخبرتُكُم بملَئِكم في النار حتَّى تعرفوهم عند

(1) 7/ 195 وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عيسى بن المسيب البجلي، وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه الحاكم والدارقطني في " سننه "، وضعفه في غيرها. وسيأتي الحديث موقوفاً في الحديث الثاني والتسعين.

(2)

في (ف): هذا.

(3)

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير "(719) عن عباد بن علي السيريني من ولد محمد بن سيرين ببغداد، حدثنا بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين، حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 188 وقال: رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط "، وفيه بكار بن محمد السيريني وثقه ابن معين وضعفه الجمهور، وعباد بن علي السيريني ضعفه الأزدي.

(4)

في (أ) و (ف): " حا " والمثبت من هامش مسند أبي يعلى ورقة: 266/ 2، و" مجمع الزوائد " و" المطالب العالية " ولم ترد في (ش) وهي في أصل مسند أبي يعلى " كفاء رحمنا ".

ص: 244

الموت، ولو أُمِرْتُ أن أفعل، لفعلتُ. رواه أبو يعلى من طريق ليث بن أبي سليم (1).

والتاسع والستون: عن أنسٍ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان، فخطب الناس، فقال:" لا تسألوني عن شيءٍ إلَاّ أخبرتكم به " ونحن نرى أن جبريل معه. قال الهيثمي: فذكر الحديث إلى أن قال: فقال عمر: يا رسول الله، إنا كنا حديثي (2) عهدٍ بجاهلية، فلا تُبْدِ علينا سوأتنا اعف، عفا الله عنك.

رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (3).

وذكر الهيثمي أخذ الميثاق في النشأة الأولى، وذكر فيه حديث ابن عباس، وأبي أُمامة. وسيأتي (4) ذكر ذلك في الكلام في الأطفال.

والسبعون: حديث أبي أُمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " فأهل الجنة أهلها، وأهل النار أهلها " فقال رجل: ففيم العمل؟ فقال: " يعمل كل قومٍ لما خُلِقُوا له "، فقال عمر: أرأيت يا رسول الله أعمالنا هذه أشيءٌ نبتدِعُهُ أو شيءٌ قد فُرِغَ منه؟ قال: " على شيءٍ قد فُرِغَ منه "، قال: الآن نجتهد في العبادة. رواه الطبراني في

(1) أخرجه أبو يعلى (5702)، وليث بن أبي سليم ضعيف. وضعفه ابن حجر في " المطالب العالية "(2929)، وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 188: وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات. قلت: وصف الهيثمي ليث بن أبي سُليم بالتدليس قد انفرد به، وإنما ضعفوه لسوء حفظه واختلاطه بأخرة.

(2)

في الأصول: " حديث " والمثبت من " مسند أبي يعلى ".

(3)

هو في " مسند أبي يعلى "(3689) و (3690) و (3134) و (3135) و (3601).

وذكره الهيثمي 7/ 188.

وأخرجه عبد الرزاق (20796)، وأحمد 3/ 162، والبخاري (93) و (540) و (749) و (6362) و (6468) و (7089) و (7294)، ومسلم (2359)، وابن حبان (106)، والبغوي (3720).

(4)

في الجزء السابع.

ص: 245

" الأوسط " و" الكبير " باختصارٍ من طريق سلم بن سالم، وإسنادُ " الكبير " من طريق جعفر بن الزبير (1).

والحادي والسبعون: عن ابن عباس: " إن أول شيءٍ خلقه الله القلم، وأمره أن يكتُبَ كُلَّ شيءٍ ". رواه أبو يعلى ورجاله ثِقاتٌ (2).

والثاني والسبعون: عنه [عن النبي]صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله القلم، قال له: اكتُبْ، فجرى بما هو كائِنٌ إلى قيام الساعة ". رواه الطبراني (3) ورجاله ثقات، قال (4): وقد تقدم حديثٌ في تفسير سورة (ن)(5).

قلت: هو ابن عباس (6)، قال: إن أول شيء خلقه الله القلمُ والحوتُ، قال: ما أكتب؟ قال: " كلُّ شيء كان إلى يوم القيامة " الحديث. رواه الطبراني، وقال: لم يرفعه عن حماد بن زيد إلَاّ مؤمَّل بن إسماعيل (7). قال: ويأتي حديث في البر والصلة (8)، يعني: نحو هذا.

(1) أخرجه الطبراني في " الكبير "(7940) و (7943) وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 189: رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير " باختصار وفيه سالم بن سالم وهو ضعيف، وفي إسناد الكبير جعفر بن الزبير وهو ضعيف.

(2)

أخرجه أبو يعلى (2329) مرفوعاً لا موقوفاً وقد تقدم تخريجه من الوجهين ص 408.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 190، ووقع في المطبوع منه: رواه البزار ورجاله ثقات، وهو خطأ.

(3)

رقم (12500) وهو الحديث السالف بإسناده، وقد تقدم تخريجه ص 408.

(4)

أي: الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/ 190.

(5)

من " مجمع الزوائد " 7/ 128.

(6)

مرفوعاً كما في الطبراني و" المجمع ".

(7)

وقال الهيثمي بإثره: ومؤمّلٌ ثقةٌ كثير الخطأ، وقد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله ثقات.

(8)

لعله يعني حديث ابن عباس مرفوعاً: "إن الله عز وجل قال: أنا خلقت الخير والشر، =

ص: 246

والثالث والسبعون: عن حيَّان بن عبيد الله بن زهير البصري عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس نحوه بزياداتٍ كثيرة تَعَلَّقُ بتفسير قوله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الآية [الحديد: 22]، وقوله (1) تعالى:{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]، وبقوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. رواه الطبراني من طريق الضحاك بن مزاحم (2).

وقد تقدم حديث ابن عباس، وأهل الحديث يعدُّونها أحاديث لتعدد الطرق.

والرابع والسبعون: عن مِرثدٍ -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطَّ الله خَطَّيْن في كتابه، ثم رفع القلم، فكتب في أحدهما الخلق، وكتب في الآخر ما الخلق عاملون. رواه الطبراني (3) من طريق الحسن بن يحيى الخُشَني.

= فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر". فقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 8/ 192 في البر والصلة، باب فضل قضاء الحوائج، وقال: رواه الطبراني (12797) وفيه مالك بن يحيى النكري، وهو ضعيف. قلت: وكذا أبوه يحيى بن عمرو النكري.

(1)

في الأصول: " فيقول الله "، والجادة ما أثبت.

(2)

هو في " المعجم الكبير "(10595) بطوله موقوفاً، وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 190 وقال: رواه الطبراني، وفيه الضحاك ضعفه جماعة، ووثقه ابن حبان، وقال: لم يسمع من ابن عباس، وبقية رجاله وثقوا. قلت: وحيان بن عبيد الله ذكره ابن عدي في " الضعفاء " وقال: عامة حديثه أفراد انفرد بها، وقال البيهقي: تكلموا فيه.

وأخرج نحوه مقطعاً ابن جرير الطبري 25/ 156 و27/ 111 و233 و234، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، كما في " الدر المنثور " 7/ 429 - 431 و683 و8/ 62.

(3)

20/ (778) وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 191 وقال: رواه الطبراني وفيه الحسن بن يحيى الخشني، وثقه دحيم وغيره، وضعفه الجمهور. قلت: وفيه أيضاً هشام بن =

ص: 247

والخامس والسبعون: عن الحسنِ بن علي رضي الله عنه قال: رُفِعَ الكِتاب، وجَفَّ القلم، وأمورٌ تُقضى في كتابٍ قد خلا. رواه الطبراني من طريق ليث بن أبي سُليم (1).

والسادس والسبعون: عن عبد الله بن عمرو بن العاص في تنازُع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في القدر، وأنه صلى الله عليه وسلم حكم بينهما بما حكم به إسرافيل بين جبريل وميكائيل وذكر في المرفوع:" لو أراد الله أن لا يُعصى، ما خلق إبليس ".

رواه الطبراني في " الأوسط "، واللفظ له من طريق عُمر بن الصُّبح، والبزار بنحوه (2). قال: وتأتي أحاديث في موضعها من هذا النحو.

= عمار، قال الحافظ في " التقريب ": كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح.

(1)

كذا قال الهيثمي في " المجمع، 7/ 191 مع أنه ليس في الطبراني الذي نسبه إليه ليث بن أبي سُليم، فقد أخرجد (2684) عن علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، عن قتادة، عن أبي السوار العدوي، عن الحسن.

وأخرجه عبد الله بن أحمد في " السنة "(875) من طريق سفيان، واللالكائي في " أصول الاعتقاد "(1234) من طريق محمد بن طلحة، كلاهما عن محمد بن جحادة، بهذا الإسناد.

وأخرجه عبد الله (881) من طريق حماد، والآجري ص 248 من طريق المعتمر بن سليمان، كلاهما عن حميد، عن ثابت، عن الحسن.

(2)

أخرجه البزار (2153) من طريق إسماعيل بن حماد، والطبراني في " الأوسط "(2669) من طريق عمر بن الصُّبح، كلاهما عن مقاتل بن حيَّان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 192 وقال: وفي إسناد الطبراني عمر بن الصبح، وهو ضعيف جداً، وشيخ البزار السكن بن سعيد ولم أعرفه، وبقية رجال البزار ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر.

وأخرجه مختصراً البيهقي في " الأسماء والصفات " ص 157 من طريق مقاتل بن حيان، واللالكائي (1101) من طريق إسماعيل بن عبد السلام، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به.

ص: 248

والسابع والسبعون: عن جابرٍ عنه صلى الله عليه وسلم: " إذا استقرَّت النطفة في الرحم أربعين يوماً أو ليلةً، بعث الله إليها مَلَكاً فيقول: يا رب، ما أجلُهُ؟ ذكرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيد؟. رواه أحمد (1) من طريق خُصَيف.

والثامن والسبعون: عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله أن يخلق نَسَمَةً، قال ملك الأرحامِ: أيْ ربِّ أذكرٌ أم أنثى؟ شقي (2) أم سعيد؟ فيقضي الله أمره، ثم يكتب بين عينيه ما هو لاقٍ حتى النكبة يُنكَبُها ". رواه أبو يعلى والبزار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح (3).

والتاسع والسبعون: عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: " الشقي من شَقِيَ في بطن أمه، والسعيد من سَعِدَ في بطنها ". رواه البزار والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح (4).

(1) في " المسند " 3/ 397 من طريق خُصيف، عن أبي الزبير، عن جابر. وهذا إسناد ضعيف، خُصيف: سيىء الحفظ، وأبو الزبير: لم يصرح بالتحديث.

(2)

في (ف): أشقي.

(3)

أخرجه أبو يعلى (5775)، واللالكائي (1050) و (1051)، والدارمي في " الرد على الجهمية " ص 80 من طريق يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن هنيدة، عن ابن عمر. وهذا إسناد صحيح. وقول الهيثمي 7/ 193 الذي نقله عنه المؤلف: ورجاله رجال الصحيح سبق قلم، فإن عبد الرحمن بن هنيدة لم يخرج له صاحبا الصحيح ولا أحدهما، وحديثه عند أبي داود في " القدر "، وهو ثقة.

وأخرجه البزار (2149) عن محمد بن معمر، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه ابن عمر. وصالح وإن كان ضعيفاً يصلح حديثه للمتابعة.

(4)

أخرجه البزار (2150)، والطبراني في " الصغير "(773)، والبيهقي في " الاعتقاد " ص 139 من طريق عبد الرحمن بن المبارك، عن حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين غير عبد =

ص: 249

والموفي ثمانين: عن عائشة مرفوعاً نحو حديث ابن عمر المتقدم، وفيه زيادات. فيه مرفوعاً:" فما من شيء إلَاّ وهو يُخلق معه في الرَّحم ". رواه البزار ورجاله ثقات (1).

والحادي والثمانون: عن ابن مسعودٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله جل ذكره خلق يحيى بن زكريا في بطن أُمِّه مؤمناً، وخلق فرعون في بطن أمه كافراً ". رواه الطبراني، وإسناده جيد (2).

روى هذه الأحاديث الخمسة الهيثمي في باب ما يكتب على العبد في بطن أمه (3).

الثاني والثمانون: عن ابن مسعودٍ حديث زيد الخيل، وتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقوله: أسألُك عن علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد، إني أُحبُّ الخير وأهله، ومن يعمل به، وإن عَمِلْتُ به ابتغيت (4) ثوابه، فإن فاتني منه شيءٌ، حَنَنْتُ إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هي علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد، لو أرادك في الأخرى (5) هيَّأك لها، ثم لا يُبالي في أيِّ وادٍ

= الرحمن بن المبارك فمن رجال البخاري.

وأخرجه اللالكائي (1054) و (1055) و (1056) من طرق، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

(1)

أخرجه البزار (2151)، واللالكائي (1052) و (1053) من طريق أبي عامر عن الزبير بن عبد الله، عن جعفر بن مصعب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة. والزبير بن عبد الله قال ابن عدى: أحاديثه منكرة المتن والإسناد، وجعفر بن مصعب لم يوثقه غير ابن حبان.

(2)

هو في " المعجم الكبير "(10543) وفيه أبو هلال الراسبي وفيه ضعف، لا سيما في روايته عن قتادة كما في هذا الحديث.

(3)

" مجمع الزوائد " 7/ 192 - 193.

(4)

عند الطبراني: أيقنت.

(5)

عند الطبراني: الآخرة.

ص: 250

سلكتَ". رواه الطبرانى من طريق عون بن عُمارة (1).

الثالث والثمانون: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قلتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، نعمل على ما فُرِغَ منه أو على أمرٍ مُؤْتَنَف؟ قال:" على أمرٍ قد فُرِغَ منه "، قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: " كل ميسر لما خلق له ". رواه أحمد والبزار والطبراني من طريق عطاف بن خالد (2).

الرابع والثمانون: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت ما نعمل فيه أقد فُرِغَ منه، أو في شيء مبتدأ، أو أمرٍ مُبتدع؟ قال:" فيما قد فرغ منه "، فقال عمر: ألا نتكل؟ فقال: "اعمل يا ابنَ الخطاب، فكل مُيَسَّر، أما من كان من أهل السعادة، فيعمل للسعادة، وأما أهلُ الشقاء (3)، فيعملُ للشقاء"(3). رواه أحمد من طريق عاصم بن عُبيد الله (4).

(1) هو في " المعجم الكبير "(10464)، وعون بن عمارة: ضعيف.

(2)

أخرجه البزار (2136)، والطبراني (47) من طريق أبي اليمان، وأحمد 1/ 5 - 6 من طريق علي بن عياش، كلاهما عن العطاف بن خالد -وزاد في طريق علي بن عياش: حدثني رجل من أهل البصرة- عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أبيه. قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 194: وعطاف وثقه ابن معين وجماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات إلَاّ أن في رجال أحمد رجلاً مبهماً لم يُسَمَّ.

(3)

في (ش): الشقاوة.

(4)

أخرجه أحمد 1/ 29 و2/ 52 و77، وابنه عبد الله في " السنة "(855)، والطيالسي ص 4، وابن أبي عاصم في " السنة "(163) و (164)، والترمذي (2135)، وأبو يعلى (5571)، والدارمي في " الرد على الجهمية " ص81 - 82، والآجري ص 171 من طريق شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر -وفي بعضها: أن عمر-. وعاصم بن عبيد الله ضعيف.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 194 وقد سقط من المطبوع منه التعليق على هذا الحديث، والحديث الآتي، فيستدرك من هنا.

ص: 251

الخامس والثمانون: عن أبي الدرداء، قال: قالوا: يا رسول الله نعمل في أمرٍ مُستأنفٍ، أو في أمرٍ قد فُرِغ منه بالعمل أو شيءٍ نستأنفه؟ قال:" بل في أمر قد فُرِغ منه "، قال: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل امرىءٍ مُهَيَّأ لما خُلِقَ له ". رواه أحمد، والبزار وحسن إسناده، والطبراني من طريق سُليمان بن عُتبة (1).

السادس والثمانون: عن ذِي اللحية الكلابيِّ أنه قال: يا رسول الله، نعمل في أمرٍ مُستأنفٍ أو في أمر قد فُرِغ منه؟ فقال:" لا بل في أمرٍ قد فُرِغ منه " قال: ففيم العمل إذاً؟ قال: " فكل ميسر لما خلق له ". رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات (2).

السابع والثمانون: عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله: أرأيت ما نعمل، أشيءٌ قد فُرِغ منه، أو شيءٌ يُستأنف؟ قال:" بل شيء قد فُرِغ منه "، قال: ففيم العمل؟ قال: " كل ميسر لما خلق له ". رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (3).

الثامن والثمانون: عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله أنعملُ فيما جرت به المقادير، وجفَّ به القلم، أو شيءٌ نأتَنِفُهُ؟ قال:" لِما جرت به المقادير، وجفَّ به القلم " قال: ففيم العمل؟ قال: " اعمل فكل ميسر لما خلق له ". رواه

(1) أخرجه أحمد 6/ 441، والبزار (2138). وقال الهيثمي في " المجمع " 4/ 194: وفيه سليمان بن عتبة، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات.

(2)

أخرجه أحمد 4/ 67، والطبراني (4235) و (4236) من طريقين عن يزيد بن أبي منصور، عن ذي اللحية الكلابي.

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم (165)، والبزار (2137)، وابن حبان (108)، والآجري ص 170 من طريق أنس بن عياض، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وهذا إسناد على شرط الشيخين.

ص: 252

الطبراني والبزارُ بنحوه إلَاّ أنه قال في آخره: فقال القوم بعضهم لبعض: فالجد إذاً. ورجال الطبراني ثقات (1).

التاسعُ والثمانون: عن جابر بن عبد الله قال: قام سراقة بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت أعمالنا التي نعمل أمأخوذون (2) بها عند الخالق خيرٌ فخير، وشرٌّ فشر، أو شيء قد سبقت به المقادير، وجفت به الأقلام؟ قال:" يا سراقة قد سبقت به المقادير وجفت به الأقلام " قال: فعلام نعمل يا رسول الله؟ قال: " اعمل يا سراقة، فكل ميسر لما خلق له " قال سراقة: الآن نجتهد. رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق عبد الكريم بن أمية (3).

الموفي تسعين: عن سراقة بن مالك بن جُعْشُم المُدْلِجي أنه قال مثل الأول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل ميسر له عمله "، فقال: يا رسول الله، الآن الجِدُّ، الآن الجِدُّ، قال الهيثمي روى ابن ماجه بعضه (4). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (5).

ذكر الهيثمي هذه الأحاديث الثمانية في باب كل ميسر لما خلق له (6).

الحادي والتسعون: عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فرغ الله إلى كل عبدٍ من خمس: من أجله ورزقه، ومضجعه، وشقي أو سعيدٍ ".

(1) أخرجه البزار (2139)، والطبراني (10899) من طريقين عن ابن عباس.

(2)

في " المجمع ": أمؤاخذون.

(3)

ذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 195 وقال: عبد الكريم أبو أمية ضعيف. وقد تقدم تخريجه برقم (2).

(4)

رقم (91) عن هشام بن عمار، عن عطاء بن مسلم الخفاف، عن الأعمش، عن مجاهد، عن سراقة. هشام بن عمار كبر فصار يتلقن، وعطاء بن مسلم كثير الخطأ، ومجاهد لم يسمع من سراقة.

(5)

في " المعجم الكبير "(6593).

(6)

في " المجمع " 7/ 194 - 195.

ص: 253

وفي رواية: " وعمله ". رواه أحمد والبزار والطبراني في " الأوسط " و" الكبير " وأحد إسنادي أحمد ثقات (1).

الثاني والتسعون: عن ابن مسعودٍ قال: أرْبَعٌ قد فُرِغَ منهن: الخَلْقُ، والخُلُقُ، والرزق، والأجل، ليس أحدٌ بأكسب من أحدٍ وقال (2): الصدقة جائزة قُبِضَتْ أو لم تُقْبَضْ. رواه الطبراني من طريق عيسى بن المسيب (3).

الثالث والتسعون: عن أبي الدرداء قال: ذكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" لا يُؤَخِّرُ الله نفساً إذا جاء أجلها " فذكر الحديث. رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق سليمان بن عطاء (4).

ذكر هذه الثلاثة الأحاديث الهيثميُّ في باب ما فُرغ منه (5)، وحديثاً رابعاً قد

(1) حديث صحيح أخرجه أحمد 5/ 197، وابن أبي عاصم في " السنة "(303) و (304) و (305) و (306) و (307) و (308)، وعبد الله بن أحمد في " السنة "(859)، والبزار (2152)، واللالكائي (1059)، والقضاعي في " مسند الشهاب "(602)، وابن حبان (6150).

(2)

تحرف في الأصول إلى: " وقد "، والتصويب من الطبراني.

(3)

أخرجه الطبراني (8953)، وعيسى بن المسيب ضعيف.

وأخرجه (8952) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين عن المسعودي، عن القاسم عن جده عبد الله بن مسعود. والمسعودي قد اختلط، والقاسم لم يسمع من جده.

(4)

أخرجه الطبراني في " الأوسط "(34) بلفظ: ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرحام، فقلنا: من وصل رَحِمَه أُنسىء في أجله، فقال:" إنه ليس يُزاد في عمره، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، ولكنه الرجل تكون له الذرية الصالحة، فيدعون له من بعده، فيبلُغُه ذلك، فذاك الذي يُنسأُ في أجله ". وفي سنده سليمان بن عطاء، وهو منكر الحديث، وذكره الهيثمي 8/ 153 وقال: رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " وليس في إسناده متروك، ولكنهم ضُعفوا.

(5)

" المجمع " 7/ 195 - 196.

ص: 254

تقدم في " مجمع الزوائد " في باب فرغ إلى كل عبد من خلقه (1).

الرابع والتسعون: عن أبي الدرداء قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم بجبلٍ زال عن مكانه، فصدِّقوا، وإذا سمعتم برجلٍ زال عن مكانه، فلا تُصدِّقوا، فإنه يصير إلى ما جُبِلَ عليه ". رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح إلَاّ أن الزُّهري لم يُدرك (2) أبا (3) الدرداء (4).

الخامس والتسعون: عن عبد الله بن ربيعة قال: كنا عند عبد الله، يعني: ابن مسعود، فذكر القوم رجلاً فذكروا من خُلُقه، فقال عبد الله: أرأيتم لو قصصتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تُعيدوه؟ قالوا: لا، قال: فَيَدَهُ؟ قالوا: لا، قال: فرِجْلَه؟ قالوا: لا، قال: فلن تستطيعوا أن تُغَيِّرُوا خُلُقَه حتى تُغيِّروا خَلْقَهُ.

فذكر الحديث. رواه الطبراني ورجاله ثقات (5).

السادس والتسعون: عن ابن مسعودٍ قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يُعطي الدنيا من يُحِبُّ ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة (6) إلَاّ من يحب (7). رواه الحاكم، وقال: صحيح تفرَّد به أحمد بن جناب

(1)" المجمع " 7/ 196.

(2)

تحرف في الأصول إلى: " يذكر "، والمثبت من " المجمع ".

(3)

في الأصول: " أبي "، والتصويب من " المجمع ".

(4)

أخرجه أحمد 6/ 443 وفيه انقطاع كما قال الهيثمي.

(5)

أخرجه الطبراني (8884) و (8885) من طريقين عن عبد الله بن ربيعة.

(6)

في مصادر التخريج: الإيمان.

(7)

أخرجه الحاكم 1/ 33 من طرق عن أحمد بن جناب المصيصي، حدثنا عيسى بن يونس -وهو ابن أبي إسحاق السبيعي- عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود. وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه 1/ 34 من طريق سفيان بن عقبة أخي قبيصة، عن حمزة الزيات، وسفيان الثوري، به. =

ص: 255

المصيصي وهو ثقة، عن عيسى بن يونس، قال: ومن شرطنا في هذا الكتاب أنا نخرج أفراد الثقات إذا لم نجد لها علَّة، وقد وجدنا لعيسى بن يونس فيه شاهدين (1)، أحدهما: على شرط هذا الكتاب.

وفي " مجمع الزوائد "(2) للهيثمي في باب: لا يموت عبدٌ حتى يبلغ أقصى أثره.

السابع والتسعون: عن أسامة بن زيدٍ، عنه صلى الله عليه وسلم قال:" ما جُعِلَتْ مِيتَةُ عبدٍ بأرضٍ إلَاّ جُعلت له فيها حاجةٌ ". رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (3).

وعن أبي عزة نحوه، وفيه زيادة. رواه البزار. ورواه الترمذي باختصار وصححه، وقد تقدم من طريق محمد بن موسى الحرشي (4).

= وأخرجه أحمد 1/ 387، والحاكم 2/ 447 و4/ 165، وأبو نعيم 4/ 166 من طريق الصباح بن محمد البجلي، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود مرفوعاً. والصباح بن محمد ضعيفه.

وأخرجه أبو نعيم 4/ 166 من طريق عبد الرحمن بن زبيد، عن أبيه، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعاً، ومرة وقفه.

وأخرجه الطبراني (8990) من طريق حجاج بن المنهال، عن محمد بن طلحة، عن زبيد، به موقوفاً. وذكره الهيثمي في " المجمع " 10/ 90 وقال: ورجاله رجال الصحيح.

(1)

في " المستدرك ": متابعين.

(2)

7/ 196.

(3)

أخرجه الطبراني (461) من طريق عبد الرزاق -وهو في " مصنفه "(20996) - عن معمر، عن أيوب، عن أبي المليح، عن أسامة بن زيد. وهذا إسناد صحيح. ولفظ الطبراني: " ما جعل الله منية عبد

".

(4)

أخرجه البزار (2154) وقال الهيثمي: وفيه محمد بن موسى الحرشي، وهو ثقة وفيه خلاف. وقد تقدم تخريجه برقم (34).

ص: 256

وفي باب خلق الله كل صانع وصنعته (1).

الثامن والتسعون: عن حُذيفة، عنه صلى الله عليه وسلم:" خلق الله كُلَّ صانع وصنعته ".

رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله بن (2) الحسين بن الكردي (3)، وهو ثقة. ورواه الحاكم في " المستدرك " والبيهقي (4) ويأتي الكلام عليه في آخر مسألة الأفعال، وفي باب الإيمان بالقدر.

التاسع والتسعون: عن أبي الدرداء، عنه صلى الله عليه وسلم قال:" لكل شيءٍ حقيقةٌ وما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ". رواه أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات (5).

والموفي مئة: عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ". رواه أحمد ورجاله ثقات، ورواه الطبراني في " الأوسط "(6).

(1)" المجمع " 7/ 197.

(2)

تحرفت في (أ) إلى: أبي.

(3)

تحرفت في (ش) إلى: الكروجي.

(4)

أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد "(117)، وابن أبي عاصم (357)، والبزار (2160)، والحاكم 1/ 31 - 32، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 260 و388، وفي " الاعتقاد " ص 144، والخطيب في " تاريخه " 2/ 31 من طريقين عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة. وهذا إسناد صحيح.

(5)

أخرجه أحمد 6/ 441. وانظر " المجمع " 7/ 197.

(6)

أخرجه أحمد 2/ 181 و212، وابنه عبد الله في " السنة "(916)، وابن أبي عاصم (134)، والطبراني في " الأوسط "(1976)، واللالكائي (1108) و (1387) والآجري ص 188 من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وهذا إسناد حسن. وسقط هذا الحديث من المطبوع من " مجمع الزوائد " 7/ 197 مع شيء من التعليق عليه، فيستدرك من هنا.

ص: 257

والواحد والمئة: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأُمورُ كُلُّها خيرها وشرها من الله " وقال: " القَدَرُ نظام التوحيد، فمن (1) وحَّد الله، وآمن بالقدر فقد استمسك بالعُروة الوُثقى ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق هانىء بن المتوكل (2).

والثاني والمئة: عن معاوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَعْجَلْ على شيءٍ تَظُنُّ أنك إذا استعجلت إليه أنك تُدرِكُهُ، وإن كان الله لم يُقدرْ ذلك، ولا تستأخر عن شيءٍ تظن أنك إن استأخرت عنه أنه مدفوعٌ (3) عنك، وإن كان الله قدَّره عليك ". رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من طريق عبد الوهاب بن مجاهد (4).

ثم ذكر الهيثمي أحاديث متفرقة المعاني في أبوابٍ شتى، منها.

الثالث والمئة: عن ابن مسعود موقوفاً: لأن يَقْبِضَ أحَدُكُم على جمرةٍ حتى تبرُد خيرٌ له من أن يقول لأمر قضاه الله: لَيْتَهُ لم يكن. رواه الطبراني من طريق المسعودي (5).

والرابع والمئة: عن أنسٍ مرفوعاً: " كل شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرٍ، ولو هذه "، وضرب بأصبعه السبابة على ذراعه. رواه الطبراني في " الأوسط "(6).

والخامس والمئة: عن الضَّحَّاك بن مُزاحِمٍ، قال: اجتمعت أنا وطاووسٌ

(1) في (أ) و (ف): ومن.

(2)

ذكره الهيثمي 7/ 197 وقال: وفيه هانىء بن المتوكل، وهو ضعيف.

(3)

في (ش): مرفوع.

(4)

ذكره الهيثمي 7/ 199 وقال: وفيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف.

(5)

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(9171) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/ 207: فيه المسعوي وقد اختلط.

(6)

قال الهيثمي 7/ 208: رواه الطبراني في " الأوسط " وفي جماعة لم أعرفهم.

ص: 258

اليماني، وعمرو بن دينار، ومكحولٌ الشامي، والحسن البصري في مسجد الجَنَدِ، فتذاكرنا القدر حتى ارتفعت أصواتنا، فقام طاووسٌ، فقال: أنْصِتُوا أُخبِرْكُم بما سمعت أبا الدرداء يُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله افترض (1) عليكم فرائض، فلا تضيعوها، وحدَّ حُدُوداً، فلا تَعْتَدوها، ونهاكم عن أشياء، فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تكلَّفُوها، رحمة من ربكم فاقبلوها، الأُمور كُلُّها بيد الله، من عند الله مصدرها، وإليه مرجعها، ليس للعباد فيها تفويضٌ ولا مشيئةٌ ". فقام القوم جميعاً وهم راضون بما قال طاووس.

رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق نهشل (2) بن سعيد (3) الترمذي (4)، ورواه مصنف " أخبار صنعاء " وِجَادَةً، قال: وجدت بخط سليمان بن محمد عن الضحاك بن مزاحم وساق (5) مثله سواء.

ويأتي في آخر مسألة الأفعال تحقيق معنى قوله: " مصدرها من عند الله " إن صح على التفصيل والتحقيق (6).

وفي الجملة: إن المراد بذلك أوائلها ومُقدِّماتُها وأسبابُها، وتقدير اختيار العباد لأفعالهم ليبلوهم أيُّهُمْ أحسن عملاً، ولما شاء الله تعالى من الحِكَمِ البالِغة، وتقدير صدور المعاصي من أهلها باختيارهم على وجهٍ تقوم به الحُجَّة عليهم، ويستحق الرب بجزائهم اسم الغفار، أو العدل الحكيم.

ولا يصح أن يكون غفاراً لنفسه (7)، ولا عدلاً عليها، وإنما يصح ذلك متى

(1) في (ش): فرض.

(2)

في الأصول الثلاثة: " سهل "، وهو تحريف.

(3)

تحرف في (أ) إلى: سعد.

(4)

أخرجه الطبراني في " الأوسط "، والدارقطنى 4/ 297 - 298. ونهشل بن سعيد: متروك.

(5)

في (ف): وساقه.

(6)

في (ش): وفي التحقيق.

(7)

في (ش): بنفسه.

ص: 259

كان للعباد أفعالٌ اختياريةٌ قطعاً عقلاً وسمعاً، لقوله تعالى في نحو ذلك:{قُلْ هو مِنْ عِنْدِ أنفَسِكُم} [آل عمران: 165]، وقوله:{وَيَقُولونَ هُوَ مِنْ عِندِ الله} [آل عمران: 78].

وسيأتي من ذلك الكثير الطَّيِّب، وإنما المراد على نحو قول الخليل:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 78 - 82]، ونحو قوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، وقوله:{وما يُضِلُّ به إلَاّ الفاسِقينَ} [البقرة: 26]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم[فيما يرويه عن ربه]:" إنما هي أعمالُكُم أُحْصِيهَا لكم، ثم أُوفِّيكُم إياها، فمن وجد خيراً، فليحمد الله، ومن وجد شراً فلا يَلُومَنَّ إلَاّ نفسه ". خرجه مسلم في " صحيحه "(1) من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه، وسيأتي ذلك مبسوطاً في خاتمة مسألة الأفعال، وبيان نصوص الأئمة فيه.

والسادس والمئة: عن عائشة مرفوعاً: " الطَّيْرُ تَجْري بقَدَرٍ ". رواه البزار، وقال: لا يُرى إلَاّ بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير يوسف بن أبي بردة وثقه ابن حبان (2).

السابع والمئة: عن أبي أُمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُكِّلَ بالمؤمن تسعون ومئة مَلَكٍ، يَذُبُّون عنه ما لم يُقَدَّرْ عليه، [من ذلك البصر: تسعة أملاك] يذبُّون [عنه] كما تَذُبُّون عن قصعة العَسَل الذُّبَاب في اليوم الصَّائِف، وما لو بدا لكم

(1) رقم (2577) وقد تقدم.

(2)

وأخرج حديثه هذا في " صحيحه "(5824) ووثقه العجلي، وقال الذهبي في " الكاشف ": ثقة.

وأخرجه أحمد 6/ 129، والبزار (2161)، وابن أبي عاصم في " السنة "(254) وصححه الحاكم 1/ 32.

ص: 260

لرأيتموه على كُلِّ جَبَلٍ وسَهْلٍ، كلُّهم باسطٌ يديه، فاغِرٌ فاه، وما لو وُكِلَ العبد إلى نفسه طرفة عين خَطِفَتْهُ الشياطين". [رواه الطبراني] من طريق عُفير بن معدان (1).

والثامن والمئة: عن أبي هريرة مرفوعاً: " لا ينفعُ حَذَرٌ من قَدَرٍ ". رواه البزار (2) من طريق إبراهيم بن خثيم.

والتاسع والمئة: عن عائشة مرفوعاً بمثله. رواه البزار (3) أيضاً من طريق زكريا بن منظور.

وخرَّج الحاكم في " المستدرك "(4) حديث: " إذا نزل القدر، عَمِيَ البصر " ذكره في قصة الهُدهد. ويشهد له من كتاب الله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 44].

(1) الحديث في الطبراني (7704)، و" مجمع الزوائد " 7/ 209 وما بين حاصرتين منهما. وقد تقدم تخريجه ص 236 من هذا الجزء.

(2)

رقم (2164) قال الهيثمي 7/ 209: فيه إبراهيم بن خثيم، وهو متروك. قلت: له شاهد من حديث عائشة، وهو الحديث الآتي، وآخر من حديث ابن عباس رواه الحاكم 2/ 349 - 350 وصححه ووافقه الذهبي.

(3)

رقم (2165) قال الهيثمي 7/ 209: فيه زكريا بن منظور، وثقه أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور.

(4)

2/ 405 و405 - 406 من قول ابن عباس.

وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة "(239) عن ابن مصفى، حدثنا بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قد ينفع الحذر ما لم يبلغ القدر، فإذا جاء القدر حال دود النظر ". وهذا سند ضعيف جداً، بقية مدلس، وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف، وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.

ص: 261

والعاشر والمئة: عن أنس مرفوعاً: " عَجِبْتُ للمؤمن إن الله لا يقضي له قضاءً إلَاّ كان خيراً له ". رواه أحمد وأبو يعلى بمثله، ورجال أحمد ثقات، وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر (1) ثعلبة وهو ثقة (2).

والحادي عشر والمئة: حديث: " إن القلب بين أُصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبُه ". عن عثمان. رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث محمد بن عيسى (3) الطرسوسي (4).

والثاني عشر والمئة: عن عائشة نحو حديث عثمان.

رواه أحمد من طريق مسلم بن محمد بن زائدة، قال بعضهم: صوابه صالح بن محمد بن زائدة (5).

والثالث عشر والمئة: عن عائشة أيضاً نحوه أيضاً رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق المُعَلَّى بن الفضل (6).

(1) تحرف في الأصول إلى: بحير.

(2)

حديث صحيح. أخرجه أحمد 3/ 117 و184 و5/ 24، وأبو يعلى (4217) و (4218). وصححه ابن حبان (728) بتحقيقنا. وانظر تمام تخريجه فيه.

(3)

في الأصول: " يحيى "، والمثبت من " مجمع الزوائد ".

(4)

ذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 210 بلفظ: " إذا أراد الله أن يزيغ قلب عبد أعمى عليه الحيل ". واللفظ الذي أورده المصنف رواه الطبراني في " الأوسط " أيضاً، لكن في سنده -كما قال الهيثمي- عبد الله بن صالح، وثقه عبد الملك بن شعيب وضعفه غيره.

(5)

وتمام كلام الهيثمي في " المجمع " 7/ 210: وقد وثقه أحمد، وضعفه أكثر الناس، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قلت: أخرجه أحمد 2/ 418 في مسند أبي هريرة.

(6)

وتمام كلام الهيثمي 7/ 210: قال ابن عدي: في بعض ما يرويه نكرة، وبقية رجاله وثقوا، وفيهم خلاف. =

ص: 262

والرابع عشر والمئة: عن أم سلمة نحوه. رواه الترمذي، ورواه أحمد من طريق شهر بن حوشب (1).

والخامس عشر والمئة: عن أبي هريرة نحوه أيضاً، رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق عبد الله بن صالح (2).

والسادس عشر والمئة: عن نعيم بن همار نحوه، وزاد:" وكل يوم الميزان بيد الله يرفع أقواماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة ". رواه الطبراني ورجاله ثقات (3).

= قلت: وأخرجه أحمد 6/ 250 - 251، وابن أبي عاصم في " السنة "(224) و (233)، والآجري في " الشريعة " ص 317، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

وأخرجه أحمد 6/ 91 من طريق الحسن البصري أن عائشة قالت

وذكر نحوه.

(1)

أخرجه أحمد 6/ 294 و301 - 302 و315، وابنه عبد الله في " السنة "(866)، والترمذي (3522). وابن أبي عاصم في " السنة "(223) و (232)، والآجري في " الشريعة " ص 316 كلهم من طريق شهر بن حوشب، عن ابن سلمة. وشهر: فيه كلام.

(2)

قال الهيثمي 7/ 211: وثقه عبد الملك بن شعيب، وضعفه غيره. وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في " السنة "(229) من طريقه.

(3)

" مجمع الزوائد " 7/ 211. وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (221) و (553)، والبزار (40)، وابن الأثير في " أسد الغابة " 5/ 351 من طريق الوليد بن سليمان، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن نعيم بن همار.

وأخرجه بنحوه أحمد 4/ 182، وابنه عبد الله في " السنة "(1224)، والآجري ص 317 و386، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 9/ 61، وابن ماجه (199)، والبغوي (199)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 341، وصححه ابن حبان (943)، والحاكم 1/ 525 من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن النواس بن سمعان. قال ابن الأثير: وهو الصواب. أي: عن النواس بن سمعان.

ص: 263

والسابع عشر والمئة: عن سبرة بن فاتكٍ في ذكر الأصابع والميزان. رواه الطبراني ورجاله ثقات (1).

والثامن عشر والمئة: عن المقداد، ولفظه:" لَقَلْبُ ابن آدم أسرع تقلُّباً من القِدْرِ إذا استجمعت غَلْيَاً ". رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات (2).

قلت: أحاديث الباب مرفوعة، وأورد في باب الأعمال بالخواتيم اثني عشر حديثاً، وفي باب علامة خاتمة الخير سبعة أحاديث، صارت تسعة عشر حديثاً.

والتاسع عشر والمئة: عن أنسٍ مرفوعاً، وفي متنه:" وإذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله قبل موته " قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: " يُوَفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ ثم يقْبِضُه عليه ". رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في " الأوسط " ورجال أحمد رجال الصحيح (3).

والعشرون والمئة: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه لمكتوبٌ في الكتاب من أهل النار، فإذا كان قبل موته تحوَّل فعمل بعمل أهل النار، فمات ". الحديث. رواه أحمد وأبو يعلى

(1) أخرجه الطبراني في " الكبير "(6557)، وأخرجه أيضاً الآجري في " الشريعة " ص 386، وابن أبي عاصم في " السنة "(220) و (550) و (551) وعنده تحرف " فاتك " إلى " فاكه ". وفي سنده هشام بن عمار وقد ضعفوه بأنه كبر فصار يتلقن.

(2)

أخرجه الطبراني في " الكبير " 20/ (598) و (599) و (603). وأخرجه أيضاً أحمد 6/ 4، وابن أبي عاصم في " السنة "(226)، والقضاعي في " مسند الشهاب "(1331) و (1232)، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 175 وصححه الحاكم 2/ 289.

(3)

حديث صحيح. أخرجه أحمد 3/ 120 و223، وأبو يعلى (3756) و (3821) و (3829) و (3840)، والبزار (2157). وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في " السنة "(393)(399)، والآجري في " الشريعة " ص 185، واللالكائي في " أصول الاعتقاد "(1087)، والبيهقي في " الاعتقاد " ص 157. وقد تقدم بنحوه عن أنس أيضاً ص 394.

ص: 264

بأسانيد، وبعض (1) أسانيدهما رجالُ الصحيح (2).

والحادي والعشرون والمئة: عن ابن عمر، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على شيءٍ في يده، ففتح يده اليمنى فقال:" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من الرحمن الرحيم فيه أهل (3) الجنة بأعدادهم وأسمائهم وأحسابهم مُجْمَلَ عليهم إلى يوم القيامة، لا يُنْقَصُ منهم أحدٌ، ولا يُزادُ فيهم أحد، وقد يُسْلَكُ بالسعيد طريق الشقاء حتَّى يقال: ما أشبهه بهم، ثم يُزال إلى سعادته قبل موته، ولو بِفَواق ناقة "، وفتح يده اليسرى فقال:" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من الرحمن الرحيم فيه أهل النار بأعدادهم وأسمائهم وأحسابهم مُجْمَل عليهم إلى يوم القيامة لا يُنقصُ منهم، ولا يُزاد فيهم أحدٌ، وقد يُسلك بالأشقياء طريق أهل السعادة حتى يقال: هو منهم وما أشبهه بهم، ثم يُدركُ أحدُهم شقاوةً قبل موته، ولو بفواق ناقةٍ "، ثم قال صلى الله عليه وسلم:" العمل بخواتيمه ". ثلاثاً. رواه البزار من طريق عبد الله بن ميمون القداح (4).

(1) في (أ) و (ش): وفي بعض.

(2)

أخرجه أحمد 6/ 107 و108، وأبو يعلى (4668)، وهو حديث صحيح.

(3)

في (أ) و (ف): فيه أعداد أهل الجنة.

(4)

أخرجه البزار (2156)، واللالكائي في " أصول الاعتقاد "(1088) من طريق عبد الله بن ميمون القداح، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. وعبد الله بن ميمون قال البخاري. ذاهب الحديث، وقال الترمذي وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال الحاكم: روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة.

وأخرجه ابن عدي 5/ 1932 - 1933 من طريق عبد الوهاب بن همام الصنعاني (وقد وصفه ابن معين بالغفلة) عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. وأورده الذهبي في " الميزان " 2/ 684 في ترجمة عبد الوهاب بن همام، وقال: هو حديث منكر جداً ويقضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطير. وانظر التعليق على حديث عبد الله بن عمرو في ص 400.

وقوله: " مجمل عليهم " من أجملت الحساب إذا جمعت آحاده وكملت أفراده أي: أحصوا وجمعوا فلا يزاد فيهم ولا ينقص. " النهاية ".

ص: 265

والثاني والعشرون والمئة: عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة ثم يُختم له بعمل أهل الجنة ويعمل العامل سبعين سنة بعمل أهل الجنة ثم يُختم له بعمل أهل النار ". رواه البزار والطبراني في " الأوسط " ورجال الطبراني رجال الصحيح (1).

والثالث والعشرون والمئة: عن العُرس بن عميرة سمعه صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العبد يعمل البُرهة بعمل أهل النار، ثم تَعْرِضُ له الجادة من جَوَادِّ الجنة، فيعمل بها حتى يموت عليها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة بُرهةً من دهره، ثم تَعْرِضُ له الجادة من جوادِّ النار، فيعمل بها حتى يموت عليها، وذلك لما كتب له ". رواه البرازُ والطبراني في " الصغير " و" الكبير " ورجالهم ثقات (2).

والرابع والعشرون والمئة: عن ابن مسعود، قال صلى الله عليه وسلم:" إن العبد يُولد مؤمناً ويموت مؤمناً، وإن العبد يولد كافراً ويموت كافراً، والعبد يعمل بُرهةً من دهره بالسعادة، فيُدرِكُهُ ما كُتِبَ له، فيموت كافراً، والعبد يعمل بُرهةً من دهره بالشقاء، ثم يُدرِكُه ما كُتِبَ له فيموت سعيداً ". رواه الطبراني في " الأوسط "

و" الكبير " باختصار من طريق عمر بن إبراهيم العبدي (3).

والخامس والعشرون والمئة: عن عبد الله بن عمرو عنه صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليكتب مؤمناً أحقاباً، ثم يموت والله عليه ساخِطٌ، وإن العبد ليكتب كافراً

(1) حديث صحيح. أخرجه البزار (2158)، والطبراني في " الأوسط "(2469).

وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة "(217)، وأخرجه ابن حبان (6176) من وجه آخر عن أبي هريرة. وانظر تمام تخريجه عنده.

(2)

أخرجه البزار (2159)، والطبراني في " الكبير " 17/ (340)، وفي " الصغير "(512). وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في " السنة "(119) وهو حديث صحيح.

(3)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(10542). وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة "(249). وقال الهيثمي 7/ 213: فيه عمر بن إبراهيم العبدي، وقد وثقه غير واحد، وقال ابن عدي: حديثه عن قتادة مضطرب. قلت (القائل الهيثمي): وهذا منها.

ص: 266

أحقاباً، ثم يموتُ والله عنه راضٍ، ومن مات همَّازاً لمَّازاً مُلقّباً للناس، كان علامته يوم القيامة أن يَسِمَه على الخُرطوم من كلا الشفتين ". رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من طريق عبد الله بن صالح (1).

والسادس والعشرون والمئة: عن عليٍّ رضوان الله عليه، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فحَمِدَ الله وأثنى عليه وقال:" كتابٌ كتبه [الله] فيه أهل الجنة بأسمائهم وأنسابهم مجمل عليهم، لا يُزاد فيهم ولا يُنْقَصُ منهم إلى يوم القيامة، صاحب الجنة مختوم بعمل أهل الجنة، وصاحب النار مختوم بعمل أهل النار وإن عَمِلَ أيَّ عملٍ، وقد يُسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاء حتى يقال: ما أشبهه بهم، بل هو منهم، فتدركهم السعادة فتستنقذهم منهم (2)، وقد يُسلك بأهل الشقاء طريق أهل السعادة حتى يقال: ما أشْبَهَهَهُ بهم، بل هو منهم، فيدركهم الشقاء، من كتبه الله سعيداً في أمِّ الكتاب، لم يُخرجه من الدنيا حتى يستعمِلَه بعملٍ يُسعِدُه قبل موته، ولو بِفَواق ناقةٍ "، ثم قال:" الأعمال بخواتيمها ثلاثاً ". قال الهيثمي: لعلي عليه السلام حديثٌ في " الصحيح " في القدر غير هذا. رواه في " الأوسط " من حديث حماد بن واقد الصفار (3).

قلت: وله حديث في وجوب الإيمان بالقدر يأتي في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.

قلت: وله حديث في وجوب الإيمان بالقدر يأتي في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.

والسابع والعشرون والمئة: عن أبي أُمامة مرفوعاً: "لا تَعْجَبوا بعملِ عاملٍ

(1) وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم (136) من طريق عبد الله بن صالح (تحرف عنده إلى: عبيد بن صالح) وهو ضعيف. وانظر " المجمع " 7/ 213.

(2)

" منهم " لم ترد في " المجمع ".

(3)

وتمام كلامه 7/ 213: وهو ضعيف.

ص: 267

حتى تنظروا بِمَ يُختم له". رواه الطبراني (1) من طريق فضَّال بن جُبيرٍ (1).

والثامن والعشرون والمئة: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره بعض من شهد صلى الله عليه وسلم فقال لرجل ممن معه: إن هذا لَمِنْ أهل النار، فلما حضر القتال، قاتل الرجل أشد القتال، حتَّى كثرت به الجراح، فأتاه رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أرأيت الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار، فقد قاتل والله أشد القتال في سبيل الله، وكثرت به الجراح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أما إنه من أهل النار "، فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينا هم على ذلك وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كِنانته، فانتزع منها سهماً، فانتحر به، فاشتد رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد صدَّق الله قولك. رواه أحمد (2) ورجاله رجال الصحيح.

والتاسع والعشرون والمئة: عن كعب بن مالك نحوه.

رواه الطبراني (3) من طريق محمد بن خالد الواسطي وجماعة لم أعرفهم.

والثلاثون والمئة: عن أكثم بن أبي الجَوْن القصة نحوه وزيادة في المرفوع: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، تُدرِكُهُ الشقوة أو السعادة عند خروج

(1) في " الكبير "(8025) وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 214: فيه فضال بن جبير، وهو ضعيف. قلت: وقال ابن عدي في " الكامل " 6/ 2047: لفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة.

(2)

4/ 135، وعلقه البخاري في " التاريخ الكبير " 5/ 307. وقد تقدم بنحوه 5/ 311 من حديث أبي هريرة وسهل بن سعد. وانظر الرواية الآتية.

(3)

في " الكبير " 19/ (170) و (171). وقال الهيثمي 7/ 213: وفيه محمد بن خالد الواسطي، ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: يخطىء ويخالف، وقال ابن معين: رجل سوء كذاب، ورواه بإسناد آخر، وفيه جماعة لم أعرفهم.

ص: 268

نفسه يُختم له ثلاثاً". رواه الطبراني (1) وإسناده حسن.

والحادي والثلاثون والمئة: عن عمرو بن الحَمِقِ الخزاعي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله قبل موته "، قيل: وما استعمله؟ قال: " يفتح له باب عملٍ صالح بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ".

رواه أحمد والبزار والطبراني في " الأوسط " و" الكبير "، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح (2).

والثاني والثلاثون والمئة: عن جُبير بن نُفير أن عمر الجُمَعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، استعمله قبل موته " فسأله رجل من القوم: ما استعمله؟ قال: " يهديه الله تبارك وتعالى إلى العمل الصالح قبل موته ثم يقبضه عليه ". رواه أحمد (3) من طريق بقية، وقد صرح بالسماع.

قلت: هكذا رواه الهيثمي عن الجُمَعيِّ، بضم الجيم وفتح الميم. قال الذهبي في كتابه " المشتبه " (4): كذا صحفه بعضهم، وإنما ذا عمرو بن الحَمِق.

فهو الحديث الأول على الصحيح.

(1) في " الكبير (872)، وعنه أبو نعيم في " الصحابة " (1042). وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 1/ 133 - 134، وابن حجر في " الإصابة " 1/ 75، وعزاه لابن منده، وحسن إسناده.

(2)

أخرجه أحمد 5/ 224، والبزار (2155)، وأخرجه أيضاً ابن قتيبة في " غريب الحديث " 1/ 301 - 302، والطحاوي في " مشكل الآثار " 3/ 261، والبيهقي في " الزهد "(814)، وفي " الأسماء والصفات " ص 153، والقضاعي في " مسند الشهاب "(1390)، وصححه ابن حبان (342) و (343)، والحاكم 1/ 340.

(3)

4/ 135.

(4)

1/ 174 وقال الحافظ في " الإصابة " 2/ 514: عمر الجمعي ذكره أحمد في " المسند " وتبعه جماعة، وذكره ابن ماكولا في " الإكمال "، وجزم بأن له صحبة، ومدار حديثه =

ص: 269

والثالث والثلاثون والمئة: عن أبي عِنَبَة - قال سريج بن النعمان (1): -وله صحبة-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبد خيراً عسَّله " قيل: وما عسَّلهُ؟ قال: " يفتح له عملاً صالحاً قبل موته، ثم يقبضه عليه ". رواه أحمد والطبراني وفيه بقية، وقد صرح بالسماع في " المسند "، وبقية رجاله ثقات (2).

والرابع والثلاثون والمئة: عن أبي أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" إذا أراد الله بعبدٍ خيراً، طهَّره قبل موته " قالوا: يا رسول الله، وما طهور العبد؟ قال:" عَمَلٌ صالحٌ يُلهِمُه إياه حتى يقبضه عليه ". رواه الطبراني (3) من طرق، وفي بعضها " عسَّله " بدل " طهره " وفي إحدى طرقه بقية بن الوليد، وقد صرح بالسماع، وبقية رجاله ثقات.

والخامس والثلاثون والمئة: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد

= عند أحمد، ومطين، وابن أبي عاصم، والبغوي، وابن السكن، والطبراني على بقية عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير أن عمر الجمعي حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته " الحديث قال ابن السكن: يقال: اسمه عمرو بن الحمق، وقال البغوي: يقال: إنه وهم من بقية، وبذلك جزم أبو زرعة الدمشقي، وقد رواه ابن حبان في " صحيحه " من طريق عبد الرحمن بن بجير بن بقية، عن أبيه، فقال: عن عمرو الحمق، وكذلك رواه الطبراني من طريق زيد بن واقد عن جبير بن نفير، وإنما لم أجزم بأنه غلط لمقام الاحتمال.

(1)

قلت: سريج بن النعمان: هو أحد رواة السند، وهو سريج بن النعمان بن مروان الجوهرى أبو الحسن البغدادي، روى هذا الحديث عن بقية.

(2)

هو في " المسند " 4/ 200، ومن طريقه أخرجه ابن الأثير في " أسد الغابة " 6/ 334.

وأخرجه أيضاً الدولابي في " الكنى " 2/ 10، والقضاعي في " مسند الشهاب "(1389)، وابن أبي عاصم في " السنة "(400).

(3)

في " الكبير "(7522) و (7725) و (7900). وأخرجه القضاعي في " مسند الشهاب "(1388).

ص: 270

الله بعبدٍ خيراً عسَّله". قلت: يا رسول الله، وكيف يُعسِّلُه؟ قال: " يُوفِّقُه لعمل صالح قبل موته فيقبضه عليه ". رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح غير يونس بن عثمان وهو ثقة (1).

والسادس والثلاثون والمئة: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله " ثم صَمَتَ، فقالوا: يا رسول الله، في ماذا يستعمله؟ قال:" يستعمله عملاً صالحاً قبل أن يموت ". رواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه أحمد بن محمد بن نافع (2).

والسابع والثلاثون والمئة: عن حُذيفة قال: أسندتُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري، فقال:" من قال لا إله إلَاّ الله ابتغاء وجه الله، ختم الله له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله، ختم الله له به دخل الجنة، ومن تصدَّق بصدقةٍ ابتغاء وجه الله، ختم الله له بها دخل الجنة ". رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن مسلم البتي، وهو ثقة (3).

والثامن والثلاثون والمئة: عن ابن عباس، عنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله عز وجل قال: أنا خلقتُ الخير والشر، فطُوبى لمن قدَّرْتُ على يده الخير، وويْلٌ لمن قدَّرت على يده الشر ". رواه الطبراني (4)، وخرجه الهيثمي في باب فضل قضاء الحوائج، وقال: فيه مالك بن يحيى النكري (5).

وذكر في باب حُسْنِ الخُلُق عن أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأخلاق

(1) انظر " مجمع الزوائد " 7/ 215.

(2)

رقم (1962)، وأحمد بن محمد بن نافع: قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 215: لم أعرفه. قلت: تقدم الحديث من وجه آخر عن أنس ص 394 و429 من هذا الجزء.

(3)

5/ 391، وأخرجه أيضاً البيهقي في " الأسماء والصفات " ص 303.

(4)

في " الكبير "(12797).

(5)

وتمام كلامه 8/ 192: وهو ضعيف.

ص: 271

مِن الله، فمن أراد الله به خيراً منحهُ خُلُقاً حسناً، ومن أراد الله به سوءاً، منحه خُلُقاً سيئاً". رواه الطبراني في " الأوسط " (1) من طريق مسلمة بن علي (2).

وعنه مرفوعاً: " أوحى الله إلى إبراهيم: إن كلمتي سبقت لمن حَسُنَ خُلُقه أن أُظِلَّه تحت عرشي " الحديث. رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق مؤمَّل بن عبد الرحمن الثقفي (3).

قلت: وفي " صحيح مسلم "(4) من حديث علي مرفوعاً: " اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَاّ أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلَاّ أنت " الحديث.

التاسع والثلاثون والمئة: عن ابن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه همٌّ أو حُزْنٌ: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عَدْلٌ فيَّ قضاوك " الحديث. خرجه الحاكم وابن حبان في " صحيحيهما " والسيد أبو طالب في " أماليه "(5).

(1) في الأصول: " في الأوسط والكبير "، وهو سبق قلم من المصنف رحمه الله.

(2)

تقدم تخريجه 5/ 301. ومسلمة بن علي ضعيف كما قال الهيثمي 8/ 20، لكن يشهد له ما رواه ابن أبي الدنيا في " مكارم الأخلاق " (31) عن الحسن بن الصباح، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال (هو عبد الرحمن بن مطعم) بنحو حديث أبي هريرة. وهذا مرسل صحيح. وروى مثل حديث أبي هريرة (32) عن ابن طاووس، عن أبيه قوله.

(3)

ذكره الهيثمي في " المجمع " وقال: مؤمل بن عبد الرحمن ضعيف، وأشار إليه الحافظ في " الفتح " 2/ 144 وضعف إسناده.

(4)

برقم (771) وقد تقدم تخريجه 5/ 296.

(5)

حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (972) بتحقيقنا، والحاكم 1/ 509.

وأخرجه أحمد 1/ 391 و452، والطبراني في " الكبير "(10352)، وأبو يعلى 249/ 2. =

ص: 272

وفي قوله: " ماض في حكمك، عدل في قضاوك " ترجمة عن مذهب أهل السنة بأن لله تعالى كمال القدرة والقدر والمشيئة في العباد مع كمال العدل في ذلك القدر والقضاء.

وروى الحاكم في " مستدركه "(1) من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] قال: قال آدم: يا رب ألم تخلُقْني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفختَ فيَّ من روحك؟ قيل له: بلى، وعطستُ فقلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتُك غضبك؟ قيل: بلى، وكتبت عليَّ أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى، قال: أفرأيت إن تبتُ، هل راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وذكر ابن كثير في آخر ما ورد في خلق آدم من المجلد الأول من " البداية والنهاية "(2)، وذكر في الأحاديث الواردة في خلق آدم عليه السلام: إن الله خلقه من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوه على قدر الأرض، فجاء فيهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن، وبين ذلك ". رواه أحمد عن يحيى، ومحمد بن جعفر، وهوذة، ثلاثتهم عن عوف، عن قَسَامَة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً. وكذا رواه أبو داود، والترمذي، وابن حبان في " صحيحه " من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي بنحوه. وقال الترمذي: حسن صحيح (3).

= ووصف المصنف لمستدرك الحاكم بالصحيح فيه تسامح، فإن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة، وأحاديث غير قليلة موضوعة.

(1)

2/ 545. وأخرجه أيضاً الطبري في " جامع البيان " (775) موقوفاً على ابن عباس، وإسناده حسن. وأورده السيوطي في " الدر المنثور 1/ 142 - 143، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

(2)

1/ 89.

(3)

حديث صحيح. وأخرجه أحمد 4/ 400 و406، وأبو داود (4693)، والترمذي =

ص: 273

وقد ذكر السُّدي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث خلق آدم وفيه:" وأخذ من وجه الأرض ولم يُؤخذ من مكانٍ واحدٍ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين "(1).

الأربعون والمئة: عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله، إني رجلٌ شابٌّ أخافُ على نفسي العَنَتَ، ولا أجِدُّ ما أتزوج به أفلا أختصي؟ فسكت عني فقلتُ له مثل ذلك، فقال:" يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ فاخْتَصِ على ذلك أو ذَرْ ". أخرجه البخاري والنسائي (2).

الحادي والأربعون والمئة: عن ابن عباس أنه قال في الغلام الذي قتله الخَضِرُ: إنه طبع كافراً. رواه البخاري ومسلم موقوفاً (3)، ورواه مسلم وحده عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً (4).

= (2955) وصححه ابن حبان (6160) و (6181). وانظر تمام تخريجه فيه.

(1)

أخرجه الطبري في " جامع البيان "(607) و (644)، وفي " التاريخ " 1/ 90، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 362 من طريق عمرو بن حماد، عن أسباط بن نصر، عن السدي. وذكره ابن كثير في " تفسيره " 1/ 79 - 80 ثم قال: فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة، والله أعلم.

(2)

أخرجه البخاري (5076) معلقاً، ووصله الجوزقي في " الجمع بين الصحيحين " والفريابي في كتاب " القدر "، والإسماعيلي كما في " الفتح " 9/ 119، و" تغليق التعليق " 4/ 396. وأخرجه النسائي 6/ 59 - 60، وابن أبي عاصم في " السنة " (109) (110)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (603) و (604).

(3)

البخاري (3401) و (4725) و (4727)، ومسلم (2380). وانظر " صحيح ابن حبان "(6222) بتحقيقنا.

(4)

هو من حديث ابن عباس عن أُبي بن كعب، وهو في " صحيح مسلم "(2380) =

ص: 274

وخرج الحاكمُ عن ابن عباس موقوفاً: أنه سُئِل عن الولدان في الجنة؟ فقال: " حَسْبُكَ ما اختصم فيه موسى والخضر ". وقال: صحيح الإسناد (1).

وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: " والله لقد لعنك (2) الله وأنت في صَلبِ أبيك ". رواه الطبراني من حديث عطاء بن السائب (3). وخرجه الهيثمي في باب من ذم من القبائل وأهل البدع (4)، وله شواهد ذكرت في هذا الكتاب.

ومن المناقب.

الثاني والأربعون والمئة: عن عبد الله بن سَبُعٍ قال: سمعتُ علياً رضي الله عنه يقول: لتُخْضَبَنَّ هذه من هذه، فما ينتظِرُ بي الأشقى، قالوا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا به فنُبِيرُ عِترته! فقال: إذاً والله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا: فاستخلِفْ علينا قال: لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فماذا تقول لربك؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتَهُم.

رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سَبُعٍ، وهو ثقة (5).

= (172) و (2661). وقد تقدم 5/ 224. وانظر " ابن حبان " (6221).

(1)

" المستدرك " 2/ 369 - 370. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5/ 426 وزاد نسبته لابن أبي حاتم.

(2)

تحرفت في الأصول إلى: " بعثك "، والتصويب من مصادر التخريج.

(3)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(2740)، وأبو يعلى 311/ 1 من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى الأعرج، عن الحسن.

(4)

أي: مما ذكره الهيثمي في كتاب المناقب من " مجمع الزوائد ".

(5)

أخرجه أحمد 1/ 130، وأبو يعلى (590)، والنسائي في " مسند علي "، والمزي =

ص: 275

ومن التفسير:

الثالث والأربعون والمئة: عن أبي ذرٍّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الكنزُ الذي ذكره في كتابه لَوْحٌ من ذهب مُضَمَّنٌ: عَجِبْتُ لمن أيْقَنَ بالقدر ثم نَصِبَ، وعَجِبتُ لمن ذكر النار ثم ضَحِكَ، وعجبتُ لمن ذكر الموت ثم غفل " رواه البزار (1) من طريق بشر بن المنذر، عن الحارث بن عبد الله اليحصبي.

والرابع والأربعون والمئة: عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَمِنهُم شَقِي وسَعِيدٌ} [هود: 105] ونحو هذا من القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلَاّ من سبق له من الله السعادة، ولا يَضِلُّ إلَاّ من سبق له من الله الشقاء، ثم قال لنبيه:{لَعَلَّك باخِعٌ نفسَكَ أن لا يَكُونوا مُؤْمِنينَ} [الشعراء: 3] رواه الطبراني (2) ورجاله وُثِّقوا.

والخامس والأربعون والمئة: عن ابن عُمَرَ في قوله: {يَمْحُو الله ما يَشاءُ ويُثْبِتُ} [الرعد: 39] أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم: " يمحو الله ما يشاء إلَاّ الشقاوة والسعادة، والحياة والموت ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق محمد بن جابر اليمامي (3).

= في " تهذيب الكمال " 15/ 5 - 6 من طريق عبد الله بن سبع، عن علي. وعبد الله بن سبع: لم يرو عنه غير سالم بن أبي الجعد، ولم يوثقه غير ابن حبان.

وأخرجه البزار (2572) من وجه آخر عن علي، وحسَّن الهيثمي إسناده في " المجمع " 9/ 137.

(1)

رقم (2229). قال الهيثمي 7/ 53: رواه البزار من طريق بشر بن المنذر، عن الحارث بن عبد الله اليحصبي ولم أعرفهما.

وذكره السيوطي في " الدر المنثور 5/ 421 وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وابن مردويه.

(2)

أخرجه في " المعجم الكبير (13025) من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ولم يسمع علي بن أبي طلحة منه.

(3)

وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 4/ 660 وزاد نسبته لابن مردويه وضعف إسناده، =

ص: 276

وأما حديث أمِّ حبيبة الذي خرجه مسلم (1) في الأمر بسؤال الجنة، والاستعاذة من النار دون الدعاء بالعُمُر والرزق وتعليل ذلك بسبق القدر في العمر والرزق فوجهه -والله أعلم- أن الدعاء فيما كلفنا باكتساب أسبابه عبادةٌ مطلوبة منه كالعمل، لأنه من جملة الأسباب المطلوبة، وأما فيما لم نُكلَّف، كالدعاء بالرزق والعمر، فإنه مباحٌ لنا، غير مطلوبٍ منا، وثمرة طلب المقدورات يذكر في المرتبة الرابعة.

والسادس والأربعون والمئة: عن جابرٍ في قوله تعالى: {وكُلَّ إنْسَانٍ ألزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِه} [الإسراء: 13]، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" طير كل عبد في عنقه "، رواه أحمد (2) من طريق ابن لهيعة. وفائدة ذكره مع الآية معرفة عدم

= وهو كما قال، فإن محمد بن جابر اليمامي ضعيف الحديث.

وله شاهد من حديث ابن عباس موقوفاً أخرجه الطبري في " جامع البيان "(20461) - (20466) وذكره السيوطي 4/ 659 وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في " الشعب ".

(1)

برقم (2663) من حديث ابن مسعود. وأخرجه أيضاً أحمد 1/ 390 و413 و433 و466، والبغوي (1362)، وصححه ابن حبان (2969)، ولفظه: أن أم حبيبة قالت: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجِّل شيئاً قبل حلِّه، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، أو من عذاب القبر، كان خيراً وأفضل ".

(2)

3/ 342. وأخرجه عبد بن حميد في " مسنده " كما في " تفسير ابن كثير " 3/ 30 قالا: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر فذكره. وهذا سند ضعيف لضعف ابن لهيعة، ثم إن أبا الزبير مدلس وقد عنعن.

وأخرجه الطبري في " جامع البيان " 15/ 50 - 51 من طريق هشام الدستوائي عن قتادة، عن جابر مرفوعاً. وزاد في أوله:" لا عدوى ولا طيرة ". وهذا سند منقطع، فإن قتادة لم يسمع من جابر شيئاً.

ص: 277

تأويلها (1).

ومن كتاب الفتن في قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني سألت ربي عز وجل أن لا يُهْلِك أمتي بسنة عامة، ولا يُسَلِّطَ عليهم عدواً فيَهْلِكَهم عامة، وأن لا يلبِسَهُم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعضٍ، فقال: يا محمد، إني قضيت قضاءً لا يُرَدُّ، وإني قدرت أني لا أُهلِكُهم بسنة عامةٍ، وأن لا أُسلِّط عليهم عدوّاً بعامة، فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ".

رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح (2).

والسابع والأربعون والمئة: عن جابر بن عَتيكٍ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا بأن لا يُظهِر عليهم عدواً من غيرهم، وأن لا يهلكهم بالسنين، فأُعطِيَها، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم، فمُنِعها، فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة. رواه أحمد (3) لرجاله ثقات.

= وذكره الهيثمي في " المجمع " 7/ 49 وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5/ 249 من رواية أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وحسَّن إسناده!

(1)

في (أ): " وفائدة ذكره مع عدم تأويلها "، وفي (ف):" وفائدة ذكره مع معرفة عدم تأويلها " وكلاهما خطأ، والمثبت من (ش).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 123، والبزار (3291) من حديث شداد بن أوس وقال البزار: رواه حماد بن زيد، وعباد عن أيوب، عن أبي أسماء، عن ثوبان، وهو الصواب، وكذلك رواه قتادة. قلت: حديث ثوبان مخرج في " صحيح ابن حبان "(7238).

(3)

5/ 445، وصححه الحاكم 4/ 517 على شرط الشيخين. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 3/ 286، ونسبه لأحمد والحاكم. وأورده أيضاً ابن كثير في " تفسيره " 2/ 145 من رواية أحمد، وقال: إسناده جيد قوي.

ص: 278

والثامن والأربعون والمئة: عن أبي هريرة نحوه، وفيه:" سألت ربي فمنعنيها " رواه الطبراني في " الأوسط "(1)، ورجاله ثقات.

ورواه البزار عن أبي بصرة الغفاري، وابن عمر، وعلي بن أبي طالب، وأنس، وابن عباس، ونافع بن خالد الخزاعي عن أبيه، وجابر (2) بن عتيك أيضاً غير حديثه الأول. وكلها عند الطبراني (3) والحديث في الكتب الستة بطرق معروفة.

(1) رقم (1883)، وفيه: " سألت ربي لأمتي أربع خلال، فأعطاني ثلاثاً، ومنعني واحدة، سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة فأعطانيها

" وفيه أسباط بن نصر، وهو كثير الخطأ.

وأخرجه البزار (3290)، والحاكم 4/ 516 - 517 من وجهين آخرين عن أبي هريرة، ولفظه: " سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة

" وصححه الحكم.

(2)

كذا قال المصنف، والصواب:" جبر بن عتيك "، وهو أخو جابر بن عتيك.

(3)

أما حديث أبي بصرة الغفاري، فأخرجه أحمد 6/ 396، والطبراني في " الكبير "(2171)، وفيه رجل لم يسم.

وحديث ابن عمر لم أجده ولم يذكره الهيثمي في " المجمع ".

وحديث علي بن أبي طالب أخرجه الطبراني في " الكبير "(179)، وقال الهيثمي 7/ 222: فيه أبو حذيفة الثعلبي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وأما حديث أنس، فأخرجه الطبراني في " الصغير (1)، وقال الهيثمي 7/ 222: فيه جنادة بن مروان الأزدي، وهو ضعيف. قلت: وفيه أيضاً المبارك بن فضالة والحسن البصري، وهما مدلسان وقد عنعنا، لكن أخرجه أحمد 3/ 146 و156، وأبو نعيم في " الحلية " 8/ 326، والحاكم 1/ 314، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " 1/ 242 من طريق عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن الضحاك بن عبد الله القرشي، عن أنس. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في " المجمع " 2/ 236 وقال: رجاله ثقات. قلت: الضحاك بن عبد الله القرشي لم يوثقه غير ابن حبان.

وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في " الكبير "(12274). قال الهيثمي 7/ 222: فيه =

ص: 279

وخرج الحاكم في " المستدرك " عائشة مرفوعاً: " الطير تجري بقدر "(1).

وخرَّج حديث حكيم بن حزام مرفوعاً في الرقى هل ترُدُّ من قدر الله؟ قال: " هي من قدر الله ". وقال فيه: صحيح على شرطهما (2).

وخرج الحاكم من ذلك شيئاً كثيراً، ومنه عن كريب، عن ابن عباس (3).

التاسع والأربعون والمئة، والخمسون والمئة، والحادي والخمسون

= محمد بن أبي ليلى، وهو سيىء الحفظ.

وحديث خالد الخزاعي أخرجه الطبراني في " الكبير (4112) و (4114)، والبزار (3289). وقال الهيثمي 7/ 223: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير نافع بن خالد، وقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد، ورواه البزار أيضاً.

وحديث جبر بن عتيك أخرجه الطبراني في " الكبير "(1781) وقال الهيثمي 7/ 222: فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف.

(1)

حديث حسن. وقد تقدم تخريجه ص 226 من هذا الجزء، وهو الحديث السادس بعد المئة.

(2)

أخرجه الحكم 1/ 32 و4/ 402 من طريق إبراهيم بن حميد الطويل، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن حكيم بن حزام. ومن هذه الطريق أخرجه الطبراني في " الكبير "(3090).

وأورده الهيثمي في " المجمع " 4/ 85 وقال: فيه صالح بن أبي الأخضر، وهو ضعيف يعتبر بحديثه.

وأخرجه الحاكم أيضاً 1/ 32 من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن حكيم بن حزام. وقال: قال مسلم في تصنيفه فيما أخطأ معمر بالبصرة: إن معمراً حدث به مرتين، فقال مرة: عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه. قال الحاكم: وعندي أن هذا لا يُعلِّلُه، فقد تابع صالح بن أبي الأخضر معمر بن راشد في حديثه عن الزهري، عن عروة. وصالح -وإن كان في الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري- فقد يستشهد بمثله.

قلت: وحديث أبي خزامة تقدم تخريجه ص 401.

(3)

أخرجه الحكم 2/ 433 وتقدم تخريجه في ص 297 (1).

ص: 280

والمئة، والثاني والخمسون والمئة: ذكر الهيثمي في مناقب أشج عبد القيس مرفوعاً: " إن فيك خُلُقَين يحبهما الله ورسوله " قال: الله جَبَلَني عليهما أمْ أنا أتَخَلَّق بهما؟ قال: " بل جبلك الله عليهما " قال: الحمد لله الذي جبلني (1) سلى خُلُقين يُحبُّهما الله ورسوله. رواه أحمد (2) والطبراني وأبو يعلى، أما أحمد، فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة برجال الصحيح، وأما الطبراني وأبو يعلى، فعن مزيدة جد هود (3) العبدي ورجالهما ثقات، وفي بعضهم خلاف (4)، وله طرق وشواهد.

منها: عن الزارع، رواه البزار من طريق أم أبان بنت الزارع (5).

ومنها: عن نافع العبدي، رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من طريق سليمان بن نافع العبدي (6).

الحديث الثالث والخمسون والمئة: ما رواه أبو داود في كتاب

(1) في (ش): خلقني.

(2)

4/ 205 - 206.

(3)

تحرف في (ش): إلى جهوذ.

(4)

أخرجه الطبراني 20/ (812)، وأبو يعلى 316/ 2، والبيهقي في " الدلائل " 5/ 327، وابن الأثير في " أسد الغابة " 5/ 151، وسنده حسن في الشواهد.

(5)

أخرجه البزار (2746)، والطبراني (312)، والبيهقي في " السنن " 7/ 102، وفي " الدلائل " 5/ 327 - 328.

وأورده الهيثمي في " المجمع " 9/ 388 - 390 وقال: رواه البزار، وفيه أم أبان بنت الزارع، روى لها أبو داود، وسكت على حديثها!، فهو حسن، وبقية رجاله ثقات.

(6)

وأخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما في " أسد الغابة " 5/ 302 - 303، و" الإصابة " 3/ 515 عن سليمان بن نافع، وفي حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك للمنذر بن ساوى لا لأشج عبد القيس، واسمه المنذر بن عائذ.

ولهذه الأحاديث شواهد انظرها في " صحيح ابن حبان "(7203) و (7204).

ص: 281

" المراسيل "(1) من حديث محمد بن مسلمة، عن ابن وهب، [عن يونس]، عن ابن شهابٍ، قال: بُلِّغْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب: " كل ما هو آتٍ قريبٌ، [لا بُعْدَ لما هو آتٍ]، لا يُعَجِّل الله لِعجلةِ أحدٍ، ولا يَخِفُّ لأمر الناس، ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الناس أمراً، ويريد الله أمراً، وما شاء الله كان، ولو كره الناس، ولا مُبَعِّدَ لما قرَّب الله، ولا مُقَرِّب لما بَعَّدَ الله، ولا يكون شيءٌ إلَاّ بإذن الله ".

الحديث الرابع والخمسون والمئة: عن أبي هريرة رضي الله عنه (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسألُ المرأة طلاق أُخْتِها لِتكفأَ ما في إنائها، فإنه ليس لها إلا ما قُدِّر لها ". رواه البخاري ومسلم (3).

وقال ابن عبد البر في " التمهيد "(4): إنه أصح حديث روي في الباب، يعني: باب القدر.

الحديث الخامس والخمسون والمئة: عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة، فقال:" ألا تُصلِّيان؟ " فقال علي: إنما أنفُسنا بيد الله، إن شاء يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إليَّ شيئاً،

(1) رقم (58) بتحقيقنا، وهو على إرساله رجاله ثقات رجال الصحيح. ورواه البيهقي 3/ 215 من طريق بحر بن نصر، عن ابن وهب، بهذا الإسناد.

(2)

في الأصول الثلاثة: عن عائشة رضي الله عنها، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله، فالحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري (5152) و (6601)، وانظر أيضاً (2140) و (2723)، وأخرجه مسلم (1408)(38) و (39) و (51) و (52)، ومالك في " الموطأ " 2/ 900، وأحمد 2/ 238 و394 و410 و487 و489 و508 و516، وأبو داود (2176)، والترمذي (1190)، والنسائي 6/ 71 - 72 و7/ 258، وابن حبان (4069) كلهم من حديث أبي هريرة.

(4)

18/ 165، ونص كلامه فيه: وهذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم والسنة، وفيه أن المرء لا يناله إلَاّ ما قُدر له.

ص: 282

ثم سمعته وهو منصرفٌ يضرب فخذه ويقول: {وكانَ الإنسان أكثَرَ شيءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54] أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (1).

وفي رواية النسائي: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة، فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هَوِيّاً من الليل، فلم يسمع لنا حسّاً، فرجع إلينا، فأيقظنا فقال:" قوما فصَلِّيَا " قال: فجلست أعْرُكُ عينى وأقول: أما والله ما نُصَلِّي إلَاّ ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء أن يبعثنا بعثنا. الحديث (2).

وقد ختمت هذا القسم بحديث علي كما افتتحه بحديثه عليه السلام، ثم وسطتُ بينها من حسان آثاره روايات أهل بيته ما يشهد بغلط المعتزلة عليهم، وسيأتي في القسم الثاني شيء من ذلك، ولله الحمد والمنة.

وتقدمت أحاديث لم يذكر عددها سهواً، وهي اثنان وعشرون حديثاً، منها: ثلاثة بعد الثانية والثلاثين.

ومنها: خمسة بعد التسعة والثلاثين.

ومنها: ثلاثة بعد الحادي والأربعين والمئة.

ومنها: حديث بعد الستة والأربعين والمئة.

ومنها: عشرة (3) بعد الثمانية والأربعين والمئة، صارت مئة وخمسة وسبعين حديثاً.

(1) البخاري (1127) و (4724) و (7347) و (7465)، ومسلم (775)، والنسائي 3/ 205، وصححه ابن حبان (2566)، وانظر تمام تخريجه فيه.

(2)

النسائي 3/ 206.

(3)

في (أ): عشر.

ص: 283

ويلحق بهذا ما خرَّج أبو داود في باب لزوم السنة (1) أن رجلاً كتب إلى عُمَرَ بن عبد العزيز يسأله عن القدر؟ فكتب إليه أما بعد: فإني أُوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سُنَّة رسوله، وترك ما أحدث المُحْدِثون بعد ما جرت به سُنَّتُه، وكُفُوا مُؤْنَتَه، ثم اعلم أنه لم تُبتدع بِدعة إلَاّ قد مضى قبلها ما هو دليلٌ عليها وعِبْرةٌ فيها، فإن السنة إنما سنَّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحُمْقِ والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على (2) علم وقفوا، وبِبَصرٍ كَفُّوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أحرى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلَاّ من اتبع غير سبيلهم، ورَغِبَ عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلَّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه (3) ما يشفي (4)، وقد قصَّر قومٌ دونهم فَجَفَوا، وطمح عنهم أقوام فغَلَوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم، كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير بإذن الله وقعت، ما أعلم أحدث الناس من مُحدَثَةٍ هي أبين أثراً من الإقرار بالقدر، لقد كان ذِكره في الجاهلية الجهلاء في كلامهم وشعرهم يُعَزُّون به أنفسهم على ما فاتهم، ولم يزده الإسلام إلَاّ شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث، قد سمعه منه المسلمون، فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقيناً وتسليماً لربهم وتضعيفاً لأنفسهم أن يكون شيءٌ لم يُحِطْ به علمه، ولم يُحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا. لقد قرؤوا منه ما قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتابٍ وقَدَرٍ وكتبت الشقاوة، وما يُقَدَّرْ يَكُنْ، وما شاء الله كان،

(1) رقم (4612).

(2)

في (أ) و (ف): عن.

(3)

في (أ) و (ف): ووضعوا فيه.

(4)

في أبي داود هنا زيادة هي " فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر ".

ص: 284

وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ثم رَغِبُوا بعد ذلك ورَهِبُوا.

القسم الثاني: ما يدل على وجوب الإيمان بالقدر وذمِّ منكره.

الحديث الأول: عن يحيى بن يَعْمَرَ، قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة: معبدٌ الجُهَني، فانطلقت أنا وعُبيد بن عبد الرحمن الحِميري حاجَّيْن أو ومُعتَمِرَيْن، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب، فاكتنفتُه أنا وصاحبي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القرآن ويتقفَّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُفٌ، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريءٌ، وأنهم بُرَآءُ مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ قال:" أن تشهد أن لا إله إلَاّ الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحُجَّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً " قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويُصدِّقُه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " الحديث.

أخرجه مسلم في " الصحيح " وهذا لفظه، والترمذي، وأبو داود، والنسائي (1).

(1) مسلم (8)، والترمذي (2610)، وأبو داود (4695)، والنسائي 8/ 97، وصححه ابن حبان (168) وانظر تمام تخريجه فيه.

ص: 285

الثاني: عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه. خرجه مسلم ولفظه: " وتؤمن بالقدر كله "(1).

وذكر الحافظُ محمد بن موسى المراكشي أن البخاري إنما لم يخرج حديثَ ابن عمر لاضطرابٍ وقع في إسناده، فإن من الرواة من جعله عن عمر، ومنهم من جعله عن ابنه عبد الله بن عمر (2).

قلت: وهذا لا يضر لأنهما ثقتان.

الثالث: عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بأربعٍ "، وذكر فيها:" ويؤمن بالقدر ". رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين (3)، قال: وقد قصّر بروايته بعض أصحاب الثوري، وهو عندنا مما لا يُعبأ به، يعني أنه اختلف فيه على سفيان، فرواه عنه أبو عاصم ومحمدُ بن كثير، فقالا: عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن علي به، ورواه أبو حذيفة، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن رجل، عن علي (4).

(1) مسلم (10)، وانظر " صحيح ابن حبان "(159).

(2)

وانظر " فتح البارى " 1/ 115 - 116.

(3)

الترمذي (2145)، وابن ماجه (81)، والحاكم 1/ 32 - 33 و33، وصححه ابن حبان (178) وانظر تمام تخريجه فيه.

(4)

أخرجه من طريق أبي حذيفة -وهو موسى بن مسعود النهدي- بهذا الإسناد الحاكم 1/ 33، وقد تابعه عليه عن سفيان أبو نعيم الفضل بن دكين عند البغوي في " شرح السنة "(66).

وأخرجه أيضاً الطيالسي (106) عن ورقاء، والترمذي (2145) من طريق شعبة، كلاهما عن منصور، عن ربعي، عن رجل، عن علي. قلت: وقد صحح الترمذي الرواية الأولى وهي " منصور، عن ربعي بن حراش، عن علي ".

ص: 286

قال: وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي كثير الوهم، وإن كان البخاري يحتج به لا يُحكم له على أبي عاصم النبيل ومحمد بن كثير وأقرانهم، بل يلزم الخطأ إذا خالفهم، ويدلُّ على ما ذكرته متابعة جرير بن عبد الحميد للثوري في روايته عن منصور، عن ربعي، عن علي، ثم ساقها وقال فيها:" ويؤمن بالقدر كله ".

قلت: وكذلك اختلف على شعبة، فرواه عنه أبو داود عن منصورٍ، عن ربعي، عن علي.

ورواه النضر بن شميل، عن شعبة، عن منصور، عن ربعي، عن رجل، عن علي.

ورواه ابن ماجه من طريق شريك، عن منصور، عن ربعي، عن علي.

ذكره المزي في " أطرافه "(1).

قلت: ويمكن أن ربعياً سمع الحديث عن رجل، عن علي، ثم سأل علياً عنه، فرواه بالوجهين معاً. والله أعلم.

الرابع: عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ". خرجه الترمذي (2) من طريق عبد الله بن ميمون، قال: وفي الباب عن عُبَادة وجابر، وعبد الله بن عمرو.

(1) 7/ 371 - 372.

(2)

رقم (2144) عن أبي الخطاب زياد بن يحيى البصري، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر

فذكره. ثم قال: وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون، وعبد الله بن ميمون منكر الحديث.

قلت: لكن الحديث صحيح بشواهده، وحديث عبد الله بن عمرو الذي أشار إليه الترمذي تقدم تخريجه ص 423، وحديث عبادة هو الآتي عند المؤلف.

ص: 287

الخامس: عن عُبادة بن الصامت قال لابنه عند الموت: يا بني إنك لن تَطْعَمَ طَعْمَ حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" إن أول ما خلق الله القلمُ، فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ فقال: اكتبْ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ". يا بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات على غير هذا فليس مني ". خرجه أبو داود واللفظ له، وللترمذي نحوه، وقال: حسن غريب من هذا الوجه (1).

وأخرج الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي في كتابه " مجمع الزوائد "(2) على الكتب الستة شواهد كثيرة لحديث عمر بن الخطاب في الإيمان بالقدر خيره وشره.

فمنها:

السادس: عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث عمر وأتم منه، وفيه:" وتؤمن بالقدر كله خيره وشره ". وقال: رواه أحمد والبزارُ بنحوه، وفي إسناد أحمد شهر بن حوشب (3).

قلت: هذا يدل على أن إسناد البزار غير (4) إسناد أحمد.

ومنها السابعُ والثامن: عن علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بُنِيَ الإسلامُ على ثلاثة: أهلُ لا إله إلَاّ الله، فلا تُكَفِّروهُمْ

(1) أبو داود (4700)، والترمذي (2155) و (3319).

(2)

1/ 38 - 41.

(3)

أحمد 1/ 319، والبزار (24). وأورده الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 6/ 356 - 357 سورة لقمان من طريق " المسند " وقال: حديث غريب ولم يخرجوه. قلت: وحسن الحافظ ابن حجر إسناده في " الفتح " 1/ 116.

(4)

في الأصول: عن، وهو خطأ، فإن سند البزار ليس فيه شهر بن حوشب.

ص: 288

بذنبٍ، ولا تشهدوا عليهم بِشِركٍ، ومعرفةُ المقادير خيرها وشرها من الله، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا ينقُضُ ذلك جَوْرُ جَائِرٍ". رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي من ذرية أبي بكر رضي الله عنه (1).

ومنها التاسع: عن ابن عامرٍ، أو أبي عامر، أو أبي مالكٍ عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث بطوله، وفيه:" وأن تؤمن بالقدر كله خيره وشره ". رواه أحمد من طريق شهر أيضاً (2).

العاشر: وهو الشاهدُ الرابع عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم بالحديث ولفظه: " ويؤمن بالقدر كله " رواه البزار (3) من طريق الضحاك بن نبراس (4).

(1) إسماعيل بن يحيى التيمي: هو إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال صالح جزرة: كان يضع الحديث، وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تَحِلُّ الرواية عنه، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه بواطيل، وقال أبو علي النيسابوري الحافظ والدارقطني والحاكم: كذاب، وقال الذهبي في " الميزان " 1/ 253: مُجمعٌ على تركه.

(2)

" المسند " 4/ 129 و164. وفيه: عن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك. وإسناده إلى شهر بن حوشب صحيح على شرط الشيخين، وفي شهر بن حوشب خلاف. وحسن إسناده ابن حجر في " الفتح " 1/ 116.

(3)

في الأصول: الحكم، وما أثبته من " مجمع الزوائد " فالمؤلف ينقل هذه الأحاديث من هناك.

(4)

البزار (22)، وقال الهيثمي في " المجمع " 1/ 40 بعد أن نسبه إلى البزار: وفيه الضحاك بن نبراس قال البزار: ليس به بأس، وضعفه الجمهور.

قلت: وأخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد "(191) من طريق الضحاك بن نبراس، عن ثابت، عن أنس. وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 1/ 116 بعد أن نسبه إلى البخاري والبزار: إسناده حسن! كذا قال مع أنه قال في " التقريب " في ترجمة الضحاك بن نبراس: لين الحديث.

ص: 289

ومنها الحادي عشر: عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر عمر بالحديث، وفيه:" ويؤمن بالقدر خيره وشره وحُلوه ومُرِّه من الله ". خرجه الطبراني في " الكبير "(1) ورجاله موثقون.

ومنها الثاني عشر: عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أتيته لأبايعه، فدعاني إلى شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وأنه رسول الله، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: ثم ألقى عليَّ كساءه، ثم أقبل على أصحابه، فقال:" إذا جاءكم كريمُ قومٍ فأكرموه ". رواه الطبراني في " الكبير "(2) من طريق حُصين بن عمر.

ومنها الثالث عشر: عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" لا يبلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتَّى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ". رواه البزار وقال: إسناده حسن (3).

انتهى ما ذكره الهيثمي في باب الإيمان دون ما ذكره في باب القدر.

الرابع عشر: وخرج حديث عدي بن حاتم في باب القدر. رواه الطبراني من طريق عبد الأعلى (4) بن أبي المساور (5).

(1) رقم (13581)، والهيثمي في " المجمع " 1/ 40 - 41.

وأخرجه كذلك من حديث ابن عمر ولم يرفعه إلى أبيه: أحمد 1/ 52 - 53 و53 و2/ 107.

(2)

رقم (2266)، وقال الهيثمي في " المجمع " 1/ 42: وفي إسناده حصين بن عمر مجمع على ضعفه وكذبه.

(3)

البزار (33). وأخرجه كذلك أحمد 6/ 441 - 442.

(4)

في الأصول: أبي الأعلى، وهو تحريف، وكنية عبد الأعلى: أبو مسعود.

(5)

الطبراني 17/ (138) وموضع الشاهد منه أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال:" تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره ".

قال الهيثمي في " المجمع " 9/ 403: وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو متروك. وسيرد عند المؤلف بلفظ آخر، انظر ص 471 من هذا الجزء.

ص: 290

الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر: قال أبو داود في باب القدر من " السنن "(1): حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن أبي سِنان، عن وهب بن خالد الحمصي، عن ابن (2) الديلمي قال: أتيتُ أُبي بن كعبٍ، فقلت له: قد وقع في نفسي شيءٌ من القدر، فحدثني لعلَّ الله أن يُذهبه من قلبي، فقال له: لو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهباً في سبيل الله ما قَبِلَهُ الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا، لدخلت النار.

قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك.

قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك.

ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وإسناده صالح.

التاسع عشر: خرَّج أيضاً (3) حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل أُمَّةٍ مجوسٌ، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر، فمن مات منهم، فلا تشهدوا جنازته، ومن مَرِضَ منهم، فلا تعودوهم، وهم شِيعة الدجال، وحقٌّ على الله أن يُلحِقَهُم بالدَّجَّال ".

(1) رقم (4699)، وإسناده صحيح. وأخرجه أيضاً ابن ماجه (77) عن علي بن محمد، عن إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، بهذا الإسناد. أبو سنان: هو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني، وابن الديلمي: هو عبد الله بن فيروز.

(2)

في الأصل: أبي، وهو خطأ.

(3)

برقم (4692) من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن رجل من الأنصار، عن حذيفة رفعه. وهذا إسناد ضعيف، عمر مولى غفرة ضعيف ولا يحتج بحديثه، والرجل من الأنصار مجهول. قلت: وأخرجه أيضاً أحمد 5/ 406 - 407 من طريق عمر مولى غفرة، به.

وأخرجه أحمد 2/ 86 بنحوه من حديث عبد الله بن عمر، وفيه أيضاً عمر مولى غفرة وهو ضعيف كما سبق.

ص: 291

من طريق عمر بن عبد الله مولى عفرة، عن رجل من الأنصار.

العشرون: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بنُ أبي حازمٍ (1) عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" القَدَريَّة مَجوس هذه الأمة، إن مَرِضوا، فلا تعودوهم، وإن ماتوا، فلا تشهدوهم "(2).

رجاله ثقات، إلَاّ أنه منقطع أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج أحدُ الثقات بلا مدافعة، لكنه لم يدرك عبد الله بن عمر، ولا عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد روى عنهما. قاله الذهبي (3).

الحادي والعشرون: عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تُجالِسُوا أهل القدر ولا تُفاتِحُوهم ". رواه أبو داود أيضاً (4).

الثاني والعشرون: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صِنفان من أُمتي ليس لهما في الإسلام نصيبٌ: المُرجئة والقدرية ". رواه الترمذي (5) قال:

(1) في (ش): حاتم، وهو تحريف.

(2)

أبو داود (4691)، وأخرجه الحكم 1/ 85 من طريقه، وإسناده ضعيف لانقطاعه، أبو حازم -وهو سلمة بن دينار- لم يدرك ابن عمر كما سيشير إليه المصنف، ولم يسمع من الصحابة غير سهل بن سعد وهو راويته.

(3)

في " سير أعلام النبلاء " 6/ 97.

(4)

رقم (4710) و (4720)، وإسناده ضعيف فيه حكيم بن شريك الهذلي، وهو مجهول لم يرو عنه غير عطاء بن دينار، وذكره ابن حبان في " ثقاته " 6/ 215، وأخرج حديثه هذا في " صحيحه "(79)، وانظر تمام تخريجه فيه.

(5)

رقم (2149). وأخرجه أيضاً ابن ماجه (73)، وفي إسناده عندهما نزار بن حيان، وهو ضعيف.

وأخرجه بنحوه الطبراني (11682)، وفي إسناده وأحد إسنادى الترمذي سلاّم بن أبي عمرة وهو ضعيف أيضاً.

ص: 292

هذا حديث غريب، وفي نسخة: حسن غريب، وروى أيضاً نحوه عن ابن عباس بطريق أخرى.

الثالث والعشرون: عن نافع أن ابن عمر جاءه رجل فقال: إنَّ فلاناً يقرأ عليك السلام، فقال: إنه بلغني أنه أحدث، فإن كان قد أَحْدَثَ، فلا تُقْرِهِ مني السلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يكون في هذه الأمة أو في أمتي خسفٌ ومسخٌ أو قذفٌ في أهل القدر ". رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح (1).

الرابع والعشرون: عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" يكون في أمتي خسفٌ ومسخٌ، وذلك في المكذبين بالقدر ". رواه الترمذي (2).

وروى الهيثمي في " مجمع الزوائد "(3) في المجلد الخامس في باب ما جاء فيمن يكذب بالقدر أحاديث كثيرة.

منها الخامسُ والعشرون: عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة عاقٌّ، ولا مُكَذِّبٌ بالقدر ". رواه أحمد والبزار والطبراني من طريق

(1) الترمذي (2152). وأخرجه أيضاً ابن ماجه (4061). قلت: وفي إسناده عندهما أبو صخر حميد بن زياد -وهو وإن كان من رجال مسلم- مختلف فيه، ضعفه ابن معين في روايتين عنه، وكذا النسائي، وهذا الحديث أحد الأحاديث التي أنكرت عليه فيما قاله ابن عدي في " الكامل "، ومما يؤيد ذلك أنه قد رُوِي هذا الحديث عن غير واحد من الصحابة دون قوله " في أهل القدر " أو" في المكذبين بالقدر ".

(2)

في الأصل: أبو داود، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله، فالنص الذي أورده عن ابن عمر في " سنن الترمذي "(2153)، وحديث ابن عمر عند أبي داود (4613) بلفظ:" إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر ". وفي إسنادهما أبو صخر حميد بن زياد، وقد تقدم الكلام عليه في التعليق السالف.

(3)

7/ 202 - 207.

ص: 293

سليمان بن عُتبة الدمشقي (1).

والسادس والعشرون: عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيكون في هذه الأمة مسخٌ ألا وذلك في المكذبين بالقدر ". رواه أحمد من طريق رشدين بن سعد (2).

والسابع والعشرون: عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثله.

ورجاله رجال الصحيح (3).

والثامن والعشرون: عن سهل بن سعدٍ (4) قال: ما كان زندقة إلَاّ بين يديها التكذيب بالقدر. رواه الطبراني من طريق إبراهيم بن أعين، وذكره ابن العربي في " عارضة الأحوذي "(5) وعزاه إلى " مسند " أبي أسامة وهو الحارث بن

(1) أحمد 6/ 441، والبزار (2182) وحسَّن إسناده. وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 202 بعد أن نسبه إلى أحمد والبزار والطبراني: فيه سليمان بن عتبة الدمشقي وثّقه أبو حاتم وغيره، وضعفه ابن معين وغيره.

(2)

أحمد 2/ 108، وإسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد، وفيه أيضاً أبو صخر حميد بن زياد وقد سبق الكلام فيه قبل قليل. وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 203 بعد أن نسبه إلى أحمد: فيه رشدين بن سعد، والغالب عليه الضعف.

(3)

هو في " المسند " 2/ 136 - 137. وفي إسناده أبو صخر حميد بن زياد تقدم الكلام عليه.

(4)

كذا هو هنا موقوف نقلاً عن " مجمع الزوائد " 7/ 203، وهو في المطبوع من الطبراني (5944) مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الهيثمي في " المجمع " بعد أن نسبه إلى الطبراني: فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف.

(5)

8/ 296. وهو في " مسند " الحارث بن أبي أسامة من حديث أبي هريرة مرفوعاً، ذكره ابن حجر في " المطالب العالية " (2930)، وضعف البوصيري إسناده في " إتحاف المهرة ". وأخرجه بنحوه الآجري في " الشريعة " ص 193 من طريق بقية بن الوليد، عن يحيى بن مسلم، عن بحر السقَّاء، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رفعه بلفظ: "ما كانت زندقه

ص: 294

محمد بن أبي أسامة أحد الأئمة.

والتاسع والعشرون: عن جابر بن سمرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ثلاثٌ أخاف على أمتي: الاستسقاء بالأنواء، وحَيْفُ السلطان (1)، والتكذيب بالقدر ".

رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، والثلاثة من طريق محمد بن القاسم الأسدي (2).

والثلاثون: عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخاف على أمتي خمساً: تكذيبٌ بالقدر، وتصديقٌ بالنجوم ". رواه أبو يعلى مقتصراً على اثنتين من الخمس من طريق يزيد الرقاشي (3).

والحادي والثلاثون: عن أبي أُمامة قال صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم، وتكذيبٌ بالقدر، وحَيْفُ السلطان ". رواه الطبراني من طريق ليث بن أبي سُليم (4).

والثاني والثلاثون: عن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: "هلاك أمتي في ثلاث:

= إلا إذا كان أصلها التكذيب بالقدر". وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء، بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وشيخه يحيى بن مسلم مجهول، وبحر السقاء ضعيف.

(1)

تحرف في " المجمع " إلى: الشيطان.

(2)

أحمد 5/ 89 - 90، وأبو يعلى ورقة 349/ 1، والبزار (2181)، والطبراني في " الكبير "(1853) و" الأوسط "(1873) و" الصغير "(12 1)، وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم (324)، وفي سنده عندهم كلهم محمد بن القاسم الأسدي، قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 203: وثقه ابن معين وكذبه أحمد، وضعفه بقية الأئمة. وقال البزار: لين الحديث.

(3)

" مسند أبي يعلى "(4135)، وإسناده ضعيف لضعف يزيد الرقاشي، وقال الهيثمي 7/ 203 بعد أن نسبه إلى أبي يعلى: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف، ووثقه ابن عدي!

(4)

قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 203: رواه الطبراني، وفيه ليث بن أبي سليم وهو لين، وبقية رجاله وثقوا.

ص: 295

العصبية والقدرية والرواية من غير ثبت". رواه الطبراني من طريق هارون بن هارون (1).

والثالث والثلاثون: عن أبي الدرداء، قال صلى الله عليه وسلم:" أخاف على أمتي ثلاثاً: زَلَّة عالمٍ، وجدال منافقٍ بالقرآن، والتكذيب بالقدر ". رواه الطبراني من طريق معاوية بن يحيى الصدفي (2).

والرابع والثلاثون: عن أبي موسى عنه صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي لا تزال مستمسِكةً بدينها ما لم يُكذِّبُوا بالقدر، فإذا كذبوا بالقدر، فعند ذلك هلاكهم ". رواه الطبراني، وأبو البركات تابعي لم أعرفه، وبقيتهم ثقات (3).

الخامس والثلاثون: عن أبي أُمامة، قال صلى الله عليه وسلم:" لم يكن شركٌ منذ أهبط الله آدم إلَاّ بَدْؤُه بالتكذيب بالقدر، وما أشركت أمة إلَاّ بتكذيب القدر، وإنكم ستُكذِّبون به أيتها الأمة، فإذا لقيتموهم، فكونوا أنتم سائلين، ولا تُمكِّنوهم من المسألة، فيدخلوا الشبهات ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق سلم بن سالم (4).

والسادس والثلاثون: عن عبد الله بن عمرو، قال صلى الله عليه وسلم: "ما هلكتْ أمةٌ إلا

(1) الطبراني (11142)، وأخرجه أيضاً البزار (191). وفي سنده عندهما هارون بن هارون، قال الهيثمي في " المجمع " 1/ 141 و7/ 203 بعد أن عزاه إليهما: وفيه هارون بن هارون وهو ضعيف. وقال البزار بعد إخراجه للحديث: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ من وجه صحيح، وإنما ذكرناه إذ لا يحفظ من وجه أحسن من هذا، وهارون ليس بالمعروف بالنقل.

(2)

قال الهيثمي 7/ 203 بعد أن نسبه إلى الطبراني: وفيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف.

(3)

قاله الهيثمي في " المجمع " 7/ 203 - 204.

(4)

قال الهيثمي 7/ 204 بعد أن نسبه إلى الطبراني في " الأوسط ": وفيه سلم بن سالم ضعفه جمهور الأئمة: أحمد وابن المبارك ومن بعدهم، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به!

ص: 296

بالأنواء، وما كان بدءُ إشراكها إلَاّ التكذيب بالقدر". رواه الطبراني في " الكبير " و" الصغير " إلَاّ أنه قال:" ما هلكت أمةٌ قطُّ حتى تُشْرِكَ بالله، ولا أشركت أمة بالله حتى يكون أول إشراكها التكذيب بالقدر " من طريق عمر بن يزيد النصري من بني نصر (1).

والسابع والثلاثون: عن معاذ، قال صلى الله عليه وسلم:" ما بعث الله نبياً قط إلَاّ وفي أمته قَدَرِيَّة ومرجئة (2) يُشوِّشُون عليه أمر أمته، ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لِسان سبعين نبياً ". رواه الطبراني وفيه بقية، ويزيد بن حصين ولم أعرفه (3).

(1) هو في " الصغير " للطبراني (1059)، و" السنة " للالكائي (1114) من طريق العباس بن الوليد بن مريد البيروتي، وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة "(322) عن دُحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، كلاهما عن محمد بن شعيب بن شابور، عن عمر بن يزيد النصري، عن عمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز، عن يحيى بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رفعه. وأورده البخاري في " التاريخ الكبير " 8/ 300 عن دحيم، به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمر بن يزيد النصري روى عنه اثنان وأورده البخاري في " تاريخه " 6/ 205، وابن أبي حاتم 6/ 142 ولم يأثرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال ابن حبان في " المجروحين " 2/ 89: كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به على الإطلاق، وإن اعتُبر بما يوافق الثقات فلا ضير، ثم أعاد ذكره في " الثقات " 7/ 179 إلا أنه قال: في روايته أشياء، وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمته من " الميزان " 3/ 232.

ويحيى بن القاسم وأبوه مجهولان: يحيى بن القاسم لم يرو عنه غير عمر بن عبد العزيز، وأورده البخاري 8/ 300، وابن أبي حاتم 9/ 182 ولم يأثرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في " الثقات " 7/ 607، وأبوه القاسم بن عبد الله لم يرو عنه غير ابنه يحيى ذكره ابن أبي حاتم 7/ 111 ولم يأثر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في " الثقات " 5/ 303.

(2)

في (أ) و (ف): جبرية، وهو خطأ.

(3)

الطبراني في " الكبير " 20/ (232)، وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم (325)، =

ص: 297

والثامن والثلاثون: عن محمد بن عبيد، عن ابن عباس، أنه قيل له: إن رجلاً قد قَدِمَ علينا يُكَذِّبُ بالقدر، قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه، لأعضَّنَّ أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت عُنُقُه في يدي لأدُقَّنَّها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كأنني بنساء بني فِهْرٍ يَطُفْنَ بالخزرج تصطفِقُ ألياتُهُنَّ مشركاتٍ، هذا أول شرك هذه الأمة، والذى نفسي بيده لينتَهِينَّ بهم سْوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قد قدَّر خيراً كما أخرجوه من أن يكون قد قدَّر شرّاً ".

رواه أحمد (1) من طريقين، وفيهما محمد بن عبيد المكي وفي إحداهما رجل لم يسم، وسماه في الأخرى العلاء بن الحجاج، وقال في " المسند ": إن محمد بن عبيد سمع ابن عباس (2).

والتاسع والثلاثون: عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبياً إلَاّ كان بعدهُ وقفة تملأ بهم جهنم. رواه الطبراني (3) من طريق أبي داود الأعمى.

والأربعون: عن سعيد بن جبير قال: كنت في حلقة فيها ابن عباس، فذكرنا القَدَرَ، فغضب ابن عباس غضباً شديداً، وقال: لو أعلم أن في القوم أحداً

= والخطيب البغدادي في " موضح أوهام الجمع والتفريق " 2/ 8، من طريق بقية بن الوليد، عن أبي العلاء الدمشقي -وهو برد بن سنان- عن محمد بن جحادة، عن يزيد بن حصين، عن معاذ بن جبل.

وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 204 بعد أن نسبه إلى الطبراني: فيه بقية بن الوليد وهو لين، ويزيد بن حصين لم أعرفه.

(1)

1/ 330، وأخرجه اللالكائي (1116) من طريق بقية بن الوليد، عن الأوزاعي، عن العلاء بن الحجاج، عن محمد بن عبيد المكي، عن ابن عباس. والعلاء بن الحجاج مجهول، ومحمد بن عبيد المكي ضعفه أبو حاتم.

(2)

" مجمع الزوائد " 7/ 204.

(3)

رقم (12742)، وأبو داود الأعمى -اسمه نفيع بن الحارث- ضعيف جداً. قاله الهيثمي في " المجمع " 7/ 205.

ص: 298

منهم، لأخذته، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

قلت: وساق حديثاً أظنه في معنى الأول لم يتحرر لي لسقوط شيء فيه.

رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير صدقة بن سابق وهو ثقة. ورواه البزار وزاد: وهم القدرية (2).

والحادي والأربعون: عن ابن عباس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعلك أن تبقى حتَّى تُدرِكَ قوماً يُكذِّبون بقَدْرِ الله الذنوب على عباده استَقَوْا كلامهم ذلك من النصرانية، فإذا كان كذلك فابرأ إلى الله منهم ". رواه الطبراني (3) من طريق عبد الله بن سمعان.

(1) تمام نصه في " المجمع " 7/ 204: يقول: " ما بعث الله نبياً قط ثم قبضه إلا جعل بعده فترة، وملأ من تلك الفترة جهنم ".

وهو في الطبراني (12514)، والبزار (2184) عن محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى، حدثنا صدقة بن سابق، حدثنا سليمان بن قَرْم، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن قَرْم ضعيف سيء الحفظ، وصدقة بن سابق روى عنه غير واحد وأورده ابن أبي حاتم 4/ 434 ولم يأثر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في " ثقاته " 8/ 320.

وأخرجه الطبراني أيضاً (12515) عن الحسين بن إسحاق، حدثنا داود بن رُشيد، حدثنا بقية بن الوليد، عن الجراح بن المنهال، عن أبي الزبير، به. وهذا إسناد ضعيف كذلك، الجراح بن المنهال ضعفه يحيى بن معين، وقال ابن أبي حاتم 2/ 523: سمعت أبي يقول: هو متروك الحديث، ذاهب الحديث، لا يكتب حديثه.

(2)

البزار (2183) من طريق عمرو بن صالح قاضي رامهُرمز، عن يحيى بن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذا إسناد ضعيف جداً، يحيى بن أبي أنيسة ضعيف متروك الحديث، واتهمه أخوه الثقة زيد بن أبي أنيسة بالكذب.

(3)

في " الكبير " رقم (11179)، قال الهيثمي 7/ 205 بعد أن نسبه إلى الطبراني: وفيه عبد الله بن زياد بن سمعان وهو متروك.

ص: 299

والثاني والأربعون: عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا، فلا تعودوهم، وإن ماتوا، فلا تشهدوهم ". رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة (1)!

والثالث والأربعون: عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" القَدَريَّة مجوس هذه الأمة، إن مرضوا، فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ". رواه الطبراني في " الأوسط "(2) من طريق زكريا بن منظور.

والرابع والأربعون: عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله أهل القدر: الذين يُكذِّبون بقدر، ويُصدِّقون بقدر "(3). رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق ابن لهيعة.

الخامس والأربعون: عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذَّب

(1) قاله الهيثمي في " المجمع " 7/ 205.

(2)

رقم (2515)، وأخرجه أيضاً اللالكائي في " شرح السنة "(1150)، والآجري في " الشريعة " ص 190 من طريق زكريا بن منظور، عن أبي حازم -وهو سلمة بن دينار- عن نافع، عن ابن عمر. وهذا إسناد ضعيف لضعف زكريا بن منظور، وقال الدارقطني: متروك.

وأخرجه أيضاً أبو داود (4691)، والحاكم 1/ 85 من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن ابن عمر. وهذا إسناد ضعيف أيضاً لانقطاعه، أبو حازم لم يدرك ابن عمر. وقد تقدم من حديث أبي داود في هذا الجزء ص 454.

(3)

وأخرجه أيضاً الآجرى في " الشريعة " ص 193 من طريق بشر بن عمر الزهراني، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة. وهذا إسناد ضعيف، ابن لهيعة سيء الحفظ، وموسى بن وردان اشتهر بالقصص وهو مختلف فيه، وقال ابن حبان: كثر خطؤه حتى كان يروي المناكير عن المشاهير، وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 205 بعد أن نسبه إلى الطبراني في " الأوسط ": فيه ابن لهيعة وهو لين الحديث.

ص: 300

بالقدر، كذَّب بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن الحسين القصاص ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات (1).

السادس والأربعون: عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عمر: لُعِنَتِ القدرية على لسان سبعين نبياً، آخرهم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يوم القيامة، وجمع الناس في صعيدٍ واحد، نادى منادٍ يُسمع الأولين والآخرين: أين خصماءُ الله؟ فتقوم القدرية. رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن الفضل بن عطية، ورواه أبو يعلى في " الكبير " باختصار من رواية بقية بن الوليد، عن حبيب بن عمر (2).

والسابع والأربعون: عن عمر بن الخطاب [قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: " إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: ألا لِيَقُمْ خصماء الله وهم القدرية ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق بقية وحبيب بن عمر أيضاً (3).

(1) وأخرجه أيضاً بنحوه اللالكائي في " شرح السنة "(1111) من طريق محمد بن حمير السليحي، عن بشر بن جبلة، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر. وإسناده ضعيف، بشر بن جبلة مجهول ضعيف الحديث. ونسبه ابن حجر في " المطالب العالية "(2922) إلى أبي يعلى، وسكت عليه البوصيري في " إتحاف المهرة ".

(2)

وأخرجه اللالكائي (1132) و (1158) و (1159) من طريق حسان بن إبراهيم، عن محمد بن الفضل بن عطية، عن كرز بن وبرة الحارثي، عن محمد بن كعب القرظي، به.

قال الهيثمي 7/ 206 بعد أن نسبه إلى الطبراني في " الأوسط ": وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك، قلت: وكرز بن وبرة لا يعرف بجرح ولا تعديل، وقال الهيثمي في رواية أبي يعلى: بقية مدلس، وحبيب مجهول. قلت: وقول الهيثمي: ورواه أبو يعلى في " الكبير " يعني به مسنده الكبير رواية الأصبهانيين، والمطبوع مختصر منه وهو برواية ابن حمدان، وهذه الرواية المختصرة اعتمدها الهيثمي في " المجمع " وجرد زيادتها، وربما أدرج فيه بعض الأحاديث من المسند الكبير، ولكنه ينبه على ذلك كما فعل هنا.

(3)

وأخرجه ابن أبي عاصم (336) من طريق بقية بن الوليد، حدثنا حبيب بن عمر =

ص: 301

والثامن والأربعون: عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" في آخر الزمان تأتي المرأة، فتجد زوجها قد مُسِخَ قرداً، لأنه لا يؤمن بالقدر ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق بشار بن قيراط (1).

والتاسع والأربعون: عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فأنا منه بريءٌ ". رواه أبو يعلى من طريق صالح بن سرج (2).

والخمسون: عن سهل بن سعدٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر ". رواه الطبراني (3) من طريق إسماعيل بن أبي الحكم.

والحادي والخمسون: عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: عاقٌّ، ومَنَّانٌ، ومدمن خمر، ومُكَذِّبٌ بقدر الله ".

وفي رواية: " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً " فذكر نحوه رواه الطبراني بإسنادين أحدهما من طريق بشر بن نُمير، والآخر من طريق عمر بن يزيد (4).

= عن أبيه، عن ابن عمر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره. إسناده ضعيف، حبيب

وأبوه مجهولان. ونسبه ابن حجر في " المطالب العالية "(2960) إلى أبي يعلى.

(1)

قلت: بشار بن قيراط كذبه أبو زرعة، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: روى أحاديث غير محفوظة وهو إلى الضعف أقرب. انظر " الميزان " 1/ 310.

(2)

صالح بن سرج لم يرو عنه غير عمرو بن العلاء اليشكري، ولم يوثقه غير ابن حبان 6/ 460، وكان من الخوارج.

(3)

في " الكبير "(5900) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد. وهذا إسناد حسن، محمد بن عثمان لا بأس به له ترجمة في " الميزان " 3/ 642 - 643، و" التذكرة " ص 661، و" اللسان " 5/ 280، وشيخه إسماعيل بن أبي الحكم قال ابن أبي حاتم 2/ 165. روى عنه أبو زرعة، سئل أبي عنه فقال: شيخ، وباقي السند ثقات.

(4)

اللفظ الأول في الطبراني (7938)، وأخرجه أيضاً ابن عدي في " الكامل " 2/ 440 =

ص: 302

والثاني والخمسون: عن واثلة بن الأسقع، قال رسول الله:" صِنفان من [هذه] الأمة لا تنالُهُما شفاعتي: المُرجئة والقدرية ". رواه الطبراني في " الأوسط "(1) من طريق محمد بن مِحْصَن.

والثالث والخمسون: عن جابر، عنه صلى الله عليه وسلم:" صِنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: المرجئة والقدرية ".

رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق بحر بن كَنِيزٍ السَّقَّاء (2).

والرابع والخمسون: عن جابر، عنه صلى الله عليه وسلم:" صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق قرين بن سهلٍ (3).

= كلاهما من طريق يزيد بن زريع، عن بشر بن نمير، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة. قال الهيثمي 7/ 206: وفيه بشر بن نمير وهو متروك.

واللفظ الثاني عنده (7547) من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن عمر بن يزيد -وهو النصري- عن أبي سلام الأسود، عن أبي أمامة. قال الهيثمي: فيه عمر بن يزيد وهو ضعيف.

(1)

رقم (1648)، وهو موضوع، في سنده محمد بن محصن -وهو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عكاشة بن محصن- قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: كذاب، وقال الدارقطني: يضع الحديث، انظر " الميزان " 3/ 476، وقال ابن حبان في " المجروحين " 2/ 277: شيخ يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، وقال الهيثمي 7/ 206: متروك.

(2)

قال الهيثمي 7/ 206: وهو متروك.

(3)

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " 3/ 1280 من طريق قرين بن سهل بن قرين، عن أبيه، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر. وهذا إسناد موضوع، قرين بن سهل وأبوه كذابان.

وأخرجه بنحوه ابن ماجه (73)، وابن أبي عاصم (948) من طريق نزار بن حيان، عن =

ص: 303

الخامس والخمسون: عن أبي سعيد، قال صلى الله عليه وسلم مثله. رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عمرو بن القاسم بن حبيب التمار وعطية العَوْفي (1).

والسادس والخمسون: عن أنس، قال صلى الله عليه وسلم:" صِنفان من أمتي لا يَرِدان عليَّ الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية والمُرجئة ". رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفَرْوِي، وهو ثقة (2).

قلت: تقدم بزيادة.

والسابع والخمسون: عن سهل بن سعد الساعدي قال صلى الله عليه وسلم: " لكل أمةٍ مجوسٌ، ولكل أمةٍ نصارى، ولكل أمةٍ يهود، وإن مجوس أمتي القدرية ونصاراهم الخَشَبيّة (3)، ويهودهم المرجئة ". رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق يحيى بن سابق (4).

= عكرمة، عن ابن عباس وعن جابر

مرفوعاً، إلَاّ أن في آخره " أهل الإرجاء وأهل القدر ".

وهذا إسناد واه منكر نزار بن حيان: قال ابن حبان في " الضعفاء ": يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك، لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن عدي: هذا الحديث أحد ما أُنكر على نزار بن حيان.

(1)

قال الهيثمي 7/ 207: وفيه عمرو بن القاسم بن حبيب التمار وهو ضعيف، وكذلك عطية العوفي.

(2)

كذا قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 207، وليس الآن إسناده بين يدي، وإن كان يغلب على ظني أن في سنده ما يمنع من القول بصحته وهو مع ذلك منكر المتن.

(3)

في (ش): " الحسينية " وهو تحريف، والخشبية كما في " مشتبه النسبة " 1/ 217: صنف من الرافضة قاتلوا مرة بالخشب فعرفوا بذلك.

وذكر ابن حزم في " الفصل " 5/ 45: إن بعض الشيعة كانوا لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذى ينتظرونه، فهم يقتلون الناس بالخنق والحجارة، والخشبية بالخشب فقط.

(4)

يحيى بن سابق ذكره ابن أبي حاتم 9/ 153 ونقل عن أبيه قوله قيه: ليس بقوي في الحديث، وعن أبي زرعة: لين، وقال ابن حبان في " المجروحين " 3/ 114 - 115: كان ممن =

ص: 304

والثامن والخمسون: عن أنس، قال صلى الله عليه وسلم:" من لم يرض بقضاء الله، ويؤمن بقدره، فليلتمس إلهاً غير الله ". رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " من طريق سُهيل بن أبي حَزْم (1).

والتاسع والخمسون: عن أبي هند الدَّارِي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي، فليلتمس ربَّاً سِواي ". رواه الطبراني من طريق سعيد بن زَيَّاد، وهو ابن فائد بن زَيَّاد بن أبي هند (2).

= يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به في الديانة ولا الرواية عنه بحيلة. قلت: وحديثه هذا معدود في منكراته عند الإمام الذهبي في " الميزان " 4/ 377.

(1)

هو في " الصغير " للطبراني (902)، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " 2/ 228، والخطيب في " تاريخه " 2/ 227 عن محمد بن حسين الأبهري الأصبهاني، عن محمد بن موسى الحَرَشي، عن سهيل بن عبد الله -وهو سهيل بن أبي حزم القُطَعي- عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك. وهذا إسناد ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم.

(2)

هو في " الكبير " للطبراني 22/ (807) عن يحيى بن عبد الباقي المصيصي، عن سعيد بن زَيَّاد، عن أبي زَيَّاد بن فائد، عن أبيه فائد بن زياد، عن جده زياد بن أبي هند، عن أبي هند الداري. وهذا إسناد ضعيف جداً، قال الهيثمي 7/ 207: فيه سعيد بن زياد بن أبي هند وهو متروك، وقال ابن حجر في " الإصابة " 4/ 209: وفائد هو وولده ضعيفان.

وأخرجه ابن حبان في " المجروحين " 1/ 327، والخطيب في " تلخيص المتشابه " 1/ 81 من طريق سعيد بن زياد -زاد الخطيب: وإبراهيم بن زياد- عن زياد بن فائد، بهذا الإسناد. قال ابن حبان بعد أن أورد الحديث: في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد تفرد بها سعيد هذا، فلا أدري البلية فيها منه أو من أبيه أو من جده؟ لأن أباه وجده لا يعرف لهما رواية إلا من حديث سعيد، والشيخ إذا لم يرو عنه ثقة فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به، لأن رواية الضعيف لا تُخرِج مَن ليس بعدل عن حد المجهولين إلى جملة أهل العدالة، كأن ما روى الضعيف وما لم يَرْوِ في الحكم سيّان.

ص: 305

والستون: ذكر الهيثمي في تفسير سورة " اقتربت " عن عبد الله بن عمرو: ما أُنزلت هذه الآية {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48 - 49] إلَاّ في [أهل] القدر. رواه البزار (1) من طريق يونس بن الحارث.

الحادي والستون: وعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في القدرية {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48 - 49]. رواه الطبراني (2) من طريق عبد الوهاب بن مجاهد.

الثاني والستون: وعن زُرارة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قال: " نزلت في أُناسٍ من أمتي في آخِر الزمان يُكَذِّبون بقدر الله عز وجل "(3).

(1) رقم (2265) من طريق الضحاك بن مخلد، وأخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد "(136) عن محمد بن يوسف -وهو الفريابي- كلاهما عن يونس بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو. وهذا إسناد ضعيف، فيه يونس بن الحارث والجمهور على تضعيفه.

(2)

في " الكبير "(11163) من طريق عثمان بن الهيثم المؤذن، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس. قال الهيثمي 7/ 117: وفيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف.

وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في " تفسيره " -كما في تفسير ابن كثير 7/ 458 - واللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد "(948) و (1162) و (1388)، والبيهقي 10/ 205 من طريق الحسن بن عرفة، عن مروان بن شجاع الجزري، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس. مروان بن شجاع الجزري وثقه غير واحد، لكن قال أبو حاتم: صالح ليس بذاك القوي، في بعض ما يرويه مناكير يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ثم ذكره أيضاً في " الضعفاء " فقال: يروي المقلوبات عن الثقات لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.

(3)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(5316) عن عبدان بن أحمد، عن إبراهيم بن =

ص: 306

قلت: كذا في كتاب الهيثمي في نسخة منه، ولم يُبين من أخرجه، ولا حال رواته، وأظنُّ ذلك سقط من النسخة.

ومن غير كتابه:

الثالث والستون: عن أبي أُمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} : " إنما أُنزلت في القدرية ". وفي إسناده عُفير بن معدان (1)، وقد تقدم ما يشهد لصحته.

وقد خرجه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2).

= المستمر العروقي، عن قرة بن حبيب، عن جرير بن حازم، عن سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي، عن ابن زرارة، عن أبيه. قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 117 بعد أن نسبه إلى الطبراني: وفيه من لم أعرفه.

وأخرجه ابن أبي حاتم -كما في " تفسير ابن كثير " 7/ 458 - عن أبيه، عن سهل بن صالح الأنطاكي، عن قرة بن حبيب، عن كنانة (!)، عن جرير بن حازم، به.

وأخرجه أيضاً الواحدي في " أسباب النزول " ص 269 من طريق خالد بن سلمة القرشي، عن سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي، به.

(1)

أخرجه ابن عدي في " الكامل " 5/ 2017، والواحدي في " أسباب النزول " ص 269 من طريق عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة الباهلي. وهذا إسناد ضعيف لضعف عُفير بن معدان، وكذا ضعفه السيوطي في " الدر المنثور " 7/ 683.

(2)

مسلم (2656)، والترمذي (2157) و (3290) ولفظه عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48 - 49].

وأخرجه كذلك أحمد 2/ 444 و476، والبخاري في " أفعال العباد "(134) و (135)، وابن ماجه (83)، وابن أبي عاصم (349)، وابن جرير الطبرى 27/ 110، والفسوي في =

ص: 307

وقال ابن العربي في " شرح الترمذي "(1): صحيح صحيح.

وتقدم في مسألة الإرادة أثر وهب بن مُنبِّهٍ: كنت أقول بالقدر حتى قرأتُ بضعاً وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل شيئاً من المشيئة إلى نفسه، فقد كفر، فتركت قولي، وتقدم الكلام على إسناده.

الرابع والستون: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ستة لَعَنتُهم ولَعَنهُمُ الله -وكُلُّ نبي مُجابٌ-: الزائد في كتاب الله، والمكذِّب بقدر الله، والمُتسلِّط بالجبروت ليُعِزَّ من أذل الله، ويذل من أعز الله، والمُستَحِلُّ لِحُرَمِ الله، والمُستَحِلُّ من عِترتي ما حرَّم الله، والتارك لسنتي ". رواه الحاكم في " المستدرك "(2) في تفسير سورة الليل، فقال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن دُرستويه (3) الفارسي، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا إسحاق بن محمد الفَرْوي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال (4)، عن عُبيد الله بن مَوْهب، عن عمرة، عن عائشة بالحديث.

ثم قال: قد احتج الإمام البخاري بإسحاق بن محمد الفروي (5)، وعبد

= " المعرفة والتاريخ " 3/ 236، والبيهقي في " الاعتقاد " ص 135، والبغوي في " شرح السنة "(81)، وفي " تفسيره " 4/ 265.

(1)

8/ 296.

(2)

2/ 525، وإسناده ضعيف، عبيد الله بن موهب مختلف فيه، ورواه عنه غير واحد مرسلاً، وإسحاق بن محمد الفروي يأتي بطامَّات فيما قاله الذهبي، وانظر تخريج الحديث والكلام عليه في " صحيح ابن حبان "(5749) بتحقيقنا.

(3)

في (أ) و (ف): دارستويه.

(4)

هذا خطأ صوابه: عبد الرحمن بن أبي الموالي، فإنه هو الذي أخرجه له البخاري في " الجامع الصحيح "، وجاء على الصواب عند الحاكم في موضعين آخرين 1/ 36 و4/ 90.

(5)

قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 389: إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة الفروي، قال أبو حاتم: كان صدوقاً، ولكن ذهب بصره، فربما لُقِّنَ، =

ص: 308

الرحمن بن أبي الرجال (1) في " الجامع الصحيح " وهو أولى بالصواب من الإسناد الأول.

قلت: وهذا الإسناد الأول: قال الحاكم (2): حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن وهب الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الفريابي، حدثني أبي، حدثنا سفيان، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت عليَّ بن الحسين يُحدِّث عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ستةٌ لعنتهم ولعنهم الله -وكل نبي مُجابٌ-: الزائد في كتاب الله، والمُكَذِّبُ بقدر الله، والمُتسلِّطُ بالجبروت لِيُذِلَّ من أعز الله، ويعز من أذلَّ الله، والتارك لِسُنتي، والمُستَحِلُّ من عِترتي ما حرَّم الله، والمُستحِلُّ لِحُرَمِ الله ".

قال الترمذي (3): هكذا روى عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عُبيد الله بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة به.

وروى سفيان الثوري وحفص بن غياث وغير واحد عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن علي بن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً (4).

= وكتبه صحيحة، ووهَّاه أبو داود والنسائي، والمعتمد فيه ما قاله أبو حاتم، وقال الدارقطني والحاكم: عيب على البخاري إخراج حديثه. قلت: روى عنه البخاري في كتاب الجهاد حديثاً وفي فرض الخمس آخر، كلاهما عن مالك، وأخرج له في الصلح حديثاً آخر مقروناً بالأويسي وكأنها مما أخذه عنه من كتابه قبل ذهاب بصره.

(1)

الصواب: بن أبي الموالي كما تقدم.

(2)

2/ 525، وإسناده ضعيف كسابقه.

(3)

عقب الحديث (2154) في كتاب القدر الذي رواه عن قتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي الموالي.

(4)

في " السنن " زيادة: وهذا أصح. قلت: ونقل ابن أبي حاتم في " العلل " 2/ 91 عن أبي زرعة في هذا الحديث قوله: حديث ابن أبي الموالي خطأ، والصحيح حديث عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن علي بن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

ص: 309

قلت: عبد الرحمن بن أبي الموالي ثقة حجة، وهو أحد شيوخ البخاري، خرج عنه البخاري في " الصحيح " حديث الاستخارة في أحاديث القدر، وهو من مشاهير الشيعة أصحاب محمد بن عبد الله بن الحسن.

قال الذهبي في " الميزان "(1): وهو ثقة مشهور.

وقد روى هذا الحديث السيد أبو طالب في " الأمالي " والهيثمي في " مجمعه "(2)، كما خرجه الترمذي (3)، والحاكم في كتاب الإيمان من " المستدرك " أيضاً (4)، وقال بعد روايته: وهذا صحيح، ولا أعلم له عِلة، وقد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبي الموالي.

قلت: خرجه الحاكم عنه، عن عبيد الله بن مَوْهَبٍ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة.

وهذه طريقٌ فيها زيادة أبي بكر، عن عمرة وهي خالته، وأما عُبيد الله بن موهب: فهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب، وقع منسوباً إلى جده. والله أعلم.

ومن " مجمع الزوائد " للهيثمي:

الخامس والستون: عن عمرو بن شعيب، قال: كنت عند سعيد بن المسيب، فسمع قوماً يقولون: قدَّر الله كل شيءٍ إلَاّ الأعمال، فوالله ما رأيتُ سعيد بن المسيب غَضِبَ غضباً شديداً أشدَّ منه. ثم ساق الحديث.

وفيه: عن رافع بن خديج، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون قومٌ من أمتي يكفرون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون كما كفرت اليهود والنصارى، يُقِرُّون

(1) 2/ 592.

(2)

1/ 176 و7/ 205.

(3)

رقم (2154).

(4)

1/ 36.

ص: 310

ببعض القدر، يكفرون ببعضه، يقولون: الخير من الله والشر من الشيطان، فما تلقى أمتي منهم من البغضاء والجدال أولئك زنادقة هذه الأمة، يمسخ الله عامَّتهم قردة وخنازير، ثم يخرج الدجال على أثر ذلك".

وفيه: " أن عامة من هلك من بني إسرائيل بالتكذيب بالقدر ".

وفيه: فقلت: جُعِلْتُ فداك يا رسول الله، فكيف الإيمان بالقدر؟ قال:" تؤمن بالله وحده، وأنه لا يملك معه ضراً ولا نفعاً -إلى قوله:- ثم خلق خلقه، فجعل من شاء منهم للجنة، ومن شاء منهم للنار عدلاً ذلك منه، وكل يعمل لما فُرِغَ له منه، وصائرٌ إلى ما فُرِغَ له منه ". رواه الطبراني من طرق أحسنها طريق ابن لهيعة (1).

(1) خبر باطل موضوع، أخرجه العقيلي في " الضعفاء " 3/ 357 و358، والطبراني في " الكبير "(4270)، واللالكائي في " أصول الاعتقاد "(1099)، والآجري في " الشريعة " ص 193 من طريق عطية بن عطية، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمرو بن شعيب، به. وهذا إسناد واه، عطية بن عطية قال العقيلي: مجهول بالنقل وفي حديثه اضطراب ولا يتابع عليه، وقال الذهبي في " الميزان " 3/ 80: لا يعرف، وأتى بخبر موضوع طويل -قلت: وهذا هو، فليس له غير هذا الخبر- وقد ساقه ابن حجر في ترجمته من " لسان الميزان " 4/ 175 - 176.

وأخرجه العقيلي 3/ 358 من طريق أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي، عن أبي داود سليمان بن فروخ اليمامي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عمرو بن شعيب، به. وهذا إسناد واه بمرة، أحمد بن محمد بن عمر اليمامي كذاب، وقال ابن عدي: حدَّث بنسخ وعجائب. " تاريخ بغداد " 5/ 65، وأبو داود سليمان اليمامي لم أتبينه، وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف.

وأخرجه العقيلي 3/ 358، والطبراني (4271) و (4272)، واللالكائي (1100)، والآجري ص 192 و193 من طريق أبي عبد الرحمن المقرىء، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، به. قال ابن أبي حاتم في " العلل " 2/ 433: سألت أبي عن حديث رواه عبد الله بن يريد المقرىء -وهو أبو عبد الرحمن- عن ابن لهيعة

فساق الخبر من هذا الطريق، =

ص: 311

والمرادُ بالشر هنا -إن صح الحديث- الأمراض وسائر البلاوي، فإنها من الله، وإن كانت أسبابها من العباد على ما سيأتي بيان النصوص على ذلك في آخر الكلام على أفعال العباد.

ألا تراه يقول في آخره: " وكُلٌّ يعمل " ففرَّق بين العمل والقدر، فأضاف كلاًّ إلى من هو منه، ولو قدرنا فيه شبهة، وجب تقديمُ القواطع عقلاً وسمعاً، كقوله تعالى:{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أنفُسِكُم} [آل عمران: 165]، {ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله} [آل عمران: 78]، وقول الكليم عليه السلام: إنه من عمل الشيطان (1). وما لا يحصى من ذلك كما سيأتي مبسوطاً شافياً في خاتمة مسألة الأفعال.

السادس والستون: عن الوليد بن عبادة، أن عبادة لما حُضِرَ (2) قال له ابنه عبد الرحمن: أوصني، قال له: يا بني اتق الله، ولن تتقي الله حتى تؤمن بالله، ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" القدر على هذا، من مات على غيره، دخل النار ".

وفي رواية: لم يطعم طَعْمَ الإيمان، وإنك لم تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر.

رواه الترمذي (3) موقوفاً باختصار، ورواه الطبراني في " الكبير " بأسانيد، وفي

= فقال: هذا حديث عندي موضوع. وقال العقيلي: لم يأت به عن ابن لهيعة غير المقرىء، ولعل ابن لهيعة أخذه عن بعض هؤلاء عن عمرو بن شعيب.

(1)

أشار بهذا إلى قوله تعالى في سورة القصص آية رقم 15 في قصة الفرعوني الذي وكزه موسى فقضى عليه {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} .

(2)

يقال: حُضِرَ المريض واحتُضِرَ: إذا نزل به الموت.

(3)

رقم (2155) وليس فيه قوله " القدر على هذا

"، وفي إسناده عبد الواحد بن =

ص: 312

" الأوسط " أحدها من طريق عثمان بن أبي العاتكة، وبقيتهم ثقات، وفي بعضهم كلام (1).

والسابع والستون: عن الحارث، قال: رأيتُ ابن مسعودٍ يَبُلُّ أصبعه في فيه، ثم يقول: والله لا يجد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر، ويعلم أنه ميت ثم مبعوثٌ بعد الموت. رواه الطبراني (2).

والثامن والستون: عن أبي الحجاج الأزدي، قال: سمعتُ سلمان بأصبهان يقول: لا يؤمن عبدٌ حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. رواه الطبراني (3).

= سليم وقد ضعفه الجمهور، وقال الإمام أحمد: حديثه منكر، أحاديثه موضوعة. ومثل حديث الترمذي أخرجه أبو داود الطيالسي (577)، واللالكلائي في " أصول الاعتقاد "(357) و (1097)، وفيه كذلك عبد الواحد بن سليم.

(1)

" مجمع الزوائد " 7/ 198، وقد حذف المؤلف من كلامه قوله في عثمان بن أبي العاتكة: وهو ضعيف. وانظر " المسند " 5/ 317، والشريعة " للآجري ص 83 و177 - 178 و186، وسنن أبي داود (4700) واللالكائي (1233).

(2)

رقم (8788) و (8789)، وهو في " مصنف عبد الرزاق (20081) من طريق الحارث -وهو ابن عبد الله الهمداني الأعور صاحب علي- أيضاً. قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 199: والحارث ضعيف، وقد وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

رقم (6060)، وأخرجه كذلك الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " 1/ 241 بتحقيقنا، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " 1/ 155 و2/ 365 من طريق أبي إسحاق، عن أبي الحجاج الأزدي، به. قال الهيثمي في " المجمع " 7/ 199 بعد أن نسبه إلى الطبراني: أبو الحجاج لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: أبو الحجاج أورده ابن سعد في " الطبقات " 6/ 216 في تابعي الكوفيين، ولقي سلمان بأصبهان فيما ذكره أبو الشيخ في " طبقات المحدثين " 1/ 228 و229، وقال أبو نعيم: كوفي قدم أصبهان، قلت: وذكر ابن حبان في " ثقات التابعين " 5/ 580 أبا الحجاج غير منسوب وقال: يروي عن أبي موسى الأشعري، روى عنه قتادة، فلعله هو هذا.

ص: 313

والتاسع والستون: عن عمرو بن العاص مرفوعاً: " لن يؤمن أحدٌ حتَّى يؤمن بالقدر خيره وشره ". رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات (1).

والسبعون: عن الشعبي، عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام؟ فقال:" تشهد أن لا إله إلَاّ الله وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار خيرها وشرها، حلوها ومرها ". رواه الطبراني من طريق عبد الأعلى بن أبي المساور (2).

والحادي والسبعون: عن أنس بن مالك (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثٌ من أصل الإيمان: الكفُّ عمن قال: لا إله إلَاّ الله، لا نُكفِّرُه بذنبٍ ولا نخرجه من الإسلام بعملٍ، والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن تقاتل آخرُ أمتي الدجال، لا يُبطِلُه جَوْرُ جائِرٍ، [ولا عدل عادلٍ] والإيمان بالأقدار ". رواه أبو داود (4)، وحكاه أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله.

الحديث الثاني والسبعون: عن أبي الأسود الدؤلي أنه سأل عمران بن

(1) هو في " مسند أبي يعلى ورقة 343 من طريق هشام بن سعد، عن عمرو بن شعيب، عن أليه، عن عمرو بن العاص. وهذا سند فيه انقطاع بين شعيب -وهو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص- وبين عمرو بن العاص.

وأخرجه الطبراني في " الأوسط "(1976) من طريق عبد الله بن جعفر المدني، عن منصور بن زياد مولى عثمان بن عفان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

وعبد الله بن جعفر المدني متروك الحديث، ومنصور بن زياد لم أعرفه.

(2)

الطبراني في " الكبير " 17/ (182). وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 199 بعد أن نسبه إليه: وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو متروك.

وأخرجه كذلك ابن ماجه (87) من طريق عبد الأعلى بن أبي المساور.

قلت: وقد روي بلفظ آخر من طريق عبد الأعلى أيضاً، انظر ص 452 من هذا الجزء.

(3)

في الأصول: عن أبي هريرة، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله تعالى.

(4)

(2532)، ومن طريقه أخرجه البيهقي 9/ 156 من طريق جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي نبيشة، عن أنس. وهذا إسناد ضعيف لجهالة يزيد بن أبي نبيشة.

ص: 314

حُصين، وابن مسعود، وأُبيَّ بن كعبٍ، عن القدر، فقالوا: لو أن الله عز وجل عذَّب أهل السماء والأرض، عذَّبهم وهو غيرُ ظالم، ولو أدخلهم في رحمته، لكانت رحمته أوسع من ذنوبهم، ولكنه كلما قضى يعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، فمن عذَّبه، فهو الحق، ومن رحمه، فهو الحق، ولو كان لك مثلُ أحد ذهباً تُنفِقُهُ في سبيل الله ما قُبِلَ منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. رواه الطبراني (1) بإسنادين، ورجال هذه الطريق ثقات.

وقد انتهى ما تيسَّر لي تعليقه من أحاديث القدر من غير استقصاء، فلقد وقفتُ بعد الفراغ منها على كلام ابن عبد البر في أحاديث القدر في " التمهيد "(2) فذكر فيها حديثاً مرفوعاً من حديث أبي هريرة (3) رضي الله عنه لم أكتبه فيما جمعته، وذكر أنه أصح حديث في الباب، فعَجِبْتُ من تتبع أحاديث هذا الباب فاتني أصحُّها وأشهرها بعد هذا الجمع الكثير، وهو الحديث الذي أوله: لا تسأل المرأة طلاق أُختها، فإنه ليس لها إلَاّ ما قُدِّر لها ".

ورواه (4) في القدر من حديث أبي هريرة، وأبو داود في الطلاق، والنسائي في عشرة النساء كلهم عنه.

(1) في " الكبير " 18/ (556)، وإسناده حسن، وقال الهيثمي 7/ 198 - 199: رجاله ثقات.

وهو بنحوه عنده أيضاً (10564)، وفيه عمر بن عبد الله مولى غُفْرة وهو ضعيف.

(2)

18/ 165، ولفظه: قال أبو عمر: وهذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم والسنة، وفيه أن المرء لا يناله إلَاّ ما قُدِّر له.

وقد تقدم تخريج حديث أبي هريرة هذا في الصفحة 444 من هذا الجزء.

(3)

في الأصل: من حديث عائشة، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله.

(4)

أي الإمام مالك، وهو في " موطئه " 2/ 900 في كتاب القدر: باب جامع ما جاء في أهل القدر، وكذلك رواه البخاري في " صحيحه " (6601) في القدر: باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

ص: 315

وقد تجنَّبتُ سياقة كثيرٍ من المتون بألفاظها، وذكر الأسانيد، وتقصِّي الكلام على الرجال والعلل لوجهين:

أحدهما: خوف الإملال.

وثانيهما: الاستغناء بالتواتر، فإن الكلام على الأسانيد تصحيحاً وتضعيفاً وتعليلاً لا يحتاج إليه مع التواتر ولذلك جمعت فيما نقلت أحاديث الثقات والمجاريح كما هو عادة الحفَّاظ إذا نقلوا المتواترات، وإنما نبهت على الثقة من غيره بذكر من في كل سند ممن فيه كلام أو خلاف أو جهالة أو جرح مبهم أو مبين أو غير ذلك، وإن كان لا يُحتاج إلى ذلك في المتواترات اقتداءً بأئمة السنة في الإنصاف، وترك العصبية، والمبالغة في تعليم التحري في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنبيهاً على هذه الفضيلة التي اختصَّ بها أئمة السنة، وهي بيان ضعف الضعيف وإن وافق ما هو الصحيح عندهم، وهذه الأحاديث تدل على أحكام:

الحكم الأول: أن القدر حقٌّ في نفسه، ودلالتها على هذا القدر ضرورية مع ما تقدمها من الآيات القرآنية والبراهين العقلية.

وقد تقدم في الفائدة الثانية أن القول بالقدر لا يوجب نفي الاختيار في أفعالنا، كما لا يوجب ذلك في أفعال الله تعالى.

الحكم الثاني: أن الإيمان بالقدر واجب، ولا شك أن الوجوب مَدْرَكٌ سمعي، وأن الحديث الواحد الصحيح، أو الحسن ينتهض دليلاً على الوجوب، فكيف بما تقدم؟ فإنه يفيد العلم بوجوبه، فقد مر في القسم الثاني سبعون حديثاً كلها تدل على وجوب الإيمان به مع ما انضم إليها من إجماع السلف الصالح على تلقيها بالقبول، وتقدم الإنكارُ على أحدٍ من رواتها ثقاتهم وضعفائهم، ومثل هذا لو حصل في خبرٍ واحد لوجب أن يكون حجةً بالإجماع، وإنما اختلفوا

ص: 316

هل يخرج بذلك عن كونه مظنوناً أولا؟ مع اتفاقهم على وجوب العمل به وصحة الاحتجاج به.

الحكم الثالث: ما أفادته من ذمِّ القدرية، ولا شك أن ما وجب الإيمانُ به، فتاركه مذمومٌ، وقد انعقد الإجماع على أن القدرية فرقة مذمومةٌ، وأما تكفيرهم، فقد مر في كلام القاضي أبي بكر بن العربي المالكي، أنهم عشرون فرقة: فرقتان منهم لا يُعَدَّانِ في فِرَق الإسلام.

قلت: والضابط في التكفير أن من ردَّ ما يُعلَمُ ضرورةً من الدين، فهو كافر، وفي هذا بعض إجمال.

والتحقيق أن من علمنا ضرورة أنه رد ما يعلم من ضرورة الدين، وعلمنا بالضرورة أنه يعلمه هو ضرورةً مثل ما نعلمه ضرورةً، فلا شكَّ في كفره.

وأما من جوَّزنا أن يجهل من الدين ما نعلمه نحن ضرورة، فهذا موضع يكثر فيه الاختلاف، والأولى عدم التكفير لعدم الدليل عليه.

وقد مر تحقيقُ ذلك في آخر مسألة الصفات.

والقدر الذي يدل على كفر القدرية كلهم من النصوص غير متواتر كما يعرف ذلك ممن ميز ما يدل على الكفر من سواه، وإنما المتواتر والمجمع عليه ذمهم.

أمَّا حديث " القدرية مجوس هذه الأمة " فقد ذكر الحافظ زين الدين أبو حفص عمر بن بدرٍ الموصلي في كتابه " المغني عن الحفظ من الكتاب بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب "(1): إن ما جاء في المرجئة، والجهمية،

(1) ص 29، وقد حاول المعلق عليه أن يقوي ما ورد في هذا الباب بكثرة الشواهد مقلداً بذلك بعض من ينتحل صناعة الحديث في عصرنا ممن ليس له خبرة بنقد المتون، وعامةُ الشواهد التي ساقها من طرقٍ شديدة الضعف، تنطوي على متون ظاهرة النكارة، واضحة =

ص: 317

والقدرية، والأشعرية لا يصح في هذا الباب شيء. نقل ذلك ابن النحوي في تلخيصه لهذا الكتاب المذكور وكذلك الموصلي المذكور مختصراً من كتاب ابنِ الجوزي (1)، فقد تطابق هؤلاء الأئمة الثلاثة على نقل هذا عن المحدثين.

واعلم أنهم يُطلقون مثل هذه العبارة على ما يقوى بكثرة طرقه وشواهده، وربما صح كما ذلك مقرر في علوم الحديث، ولكن هذا مقام صعب، وما زال أهل التحري من علماء الإسلام يتورَّعون في مقام التكفير، فإن إخراج رجلٍ مسلم من مِلَّةِ الإسلام عظيم، وقد صحَّت الأحاديث في تعظيم ذلك، وفي الحديث الصحيح " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما "(2).

الحكم الرابع: اختلف الناس في القدرية، وهي لفظةٌ ليست لغوية، فيرجع فيها إلى أئمة اللغة، ولذلك أعرض الجوهري عن تفسيرها، وكذلك نشوان بن سعيد في " شمس العلوم "، وولده محمد في " ضياء الحلوم "، وأما مجد الدين، فقال في " القاموس " (3): القدرية: جاحدوا القدر، وقال في تفسيره: القدر محرك هو القضاء، والحكم، ومبلغ الشيء، والجمع أقدار. ولم يوجد في أشعار العرب وديوانها، ولم يتحقق صحة الحديث الوارد في تفسيرها، فالمتحقق الآن أنها مُولَّدة اصطلاحية، ولم يبق إلَاّ النزاع في من تُطلق عليه.

وقد قدمنا ثبوت الأحاديث (4) وبالإجماع على أنها تطلق على فرقةٍ مذمومةٍ،

= التوليد، وقد قال أئمة هذا الفن: ليس كل ما صح سنده صح متنه، وقال العلامة الخطيب البغدادي في " الكفاية " ص 432: ولا يُقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل، وحكم القرآن الثابث المحكم، والسنة المعلومة، والفعل الجاري مجرى السنة، وكل دليل مقطوع به.

(1)

انظر " الموضوعات " 1/ 272 - 278، و" العلل المتناهية " 1/ 147 - 163.

(2)

تقدم تخريجه في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 438 - 439.

(3)

ص 591 " قدر ". طبع مؤسسة الرسالة.

(4)

الأحاديث التي فيها ذم القدرية والمرجئة والجهمية، ليس شيء منها بثابت كما تقدم بيانه.

ص: 318

وهذا يدل على أنهم نُفاة القدر عن الله تعالى، وسيأتي قول القاضي عياض عن النواوي أنهم نفاة علم الغيب، لأن الأدلة: عقلاً ونقلاً، قرآناً وسنة دلَّت على ثبوت القدر، ودلت النصوص الصحاح على وجوب الإيمان به، فامتنع أن يكون الإجماع قد انعقد على ذمِّ من آمن بما يجب الإيمان به، وأثبت ما دلت الأدلة على ثبوته، وليس في هذا من الإشكال إلَاّ أمران:

أحدهما: أن يتوهم أن القدر هو الجبر ونفي الاختيار وهذا باطل قطعاً باتفاق المعتزلة، وأهل السنة، والأشعرية بل بالأدلة القاطعة الواضحة لمن قال به من المعقول والمنقول من القرآن أو السنة وتواتراً ضرورياً كما مرَّ بعض ذلك، ويأتي تمامه إن شاء الله تعالى.

وثانيهما: أن يقال: كيف يصح ذلك باشتقاقِ النسب وأسماء الفاعلين أنها تكونُ من الإثبات ومن النفي كالموحد والمشبه ونحو ذلك.

والجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا بحثٌ لغوي، والمرجع فيه إلى أئمة العربية، ولم ينُصُّوا على أن النسبة لا تصح إلى النفي لو قدرنا ما لم يعلم من نصِّ بعضهم على ذلك فلا تقوم حجةٌ إلَاّ بإجماعهم، أو نص من يُوثَقُ به منهم من غير معارضة ممن هو مثله أو أرجح منه، وكِلا الأمرين غير واقع، وإنما المشهور بينهم في شرط النسبة وقوع الملابسة بين المنسوب والمنسوب إليه كما هو شرط الإضافة.

قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {فَأَنساهُ الشَّيطَانُ ذِكرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42]: إن الإضافة تكون بأدنى ملابسة (1). انتهى.

(1)" تفسير الزمخشري " 2/ 258.

ص: 319

وذكر الطبراني أن حبيب الروم الصحابي رضي الله عنه أنه إنما سُمِّيَ حبيب الروم لكثرة غزوه لهم وحبِّه (1) لجهادهم (2). ذكره الهيثمي في المناقب في كتاب " مجمع الزوائد "(3).

وقد أجمعوا على أن في باب النسبة ما هو وارد على خلاف القياس، فالرازي نسبة إلى الري ولا زاي فيه، والصنعاني نسبة إلى صنعاء ولا نون فيه، والمروزي نسبة إلى مرو ولا زاي فيه، بل السِّجزي بكسر المهملة وسكون الجيم والزاي نسبة إلى سجستان، والقَرَوي نسبة إلى قيروان، والبساسيري نسبة إلى بَسا بزيادة سِيري، ويُنسب إليها فسوي أيضاً، ذكره ابن خلكان (4). وقيل في وجهه: إن العَجَمَ تُبْدِلُ الفاء من الباء كقولهم: أصفهان وأصبهان، ولذا ذكر أن البندهي نسبة إلى بنج ديه، ويقال فيه أيضاً: الفنجديهي بالفاء، والبوصيري إلى بوصير قوريدس، ويقال فيه أيضاً: كوصير كوريدس بنقصان ستة أحرف، وهي أربعة مواضع كلها في صعيد مصر، والحصني والحَصْكفي، كلاهما نسبة إلى حِصن كيفا (5) وأمثال ذلك كثيرة.

(1)" وحبه " سقطت من (أ) و (ف).

(2)

" المعجم الكبير " للطبراني 4/ 21. ويقال له أيضاً: حبيب الدروب، واسمه: حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري، ويكنى أبا عبد الرحمن، توفي سنة 42 هـ، ولم يبلغ خمسين سنة.

(3)

10/ 3.

(4)

قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 1/ 192: البساسيري -بفتح الباء الموحدة والسين المهملة وبعد الألف سين مهملة مكسورة، ثم ياء ساكنة مثناة من تحتها وبعدها راء- هذه النسبة إلى بلدةٍ بفارس يقال لها: بَسا، وبالعربية فسا، والنسبة إليها بالعربي: فَسَويٌّ، وأهل فارس يقولون في النسبة إليها: البساسيري، وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل.

(5)

حصن كيفا: بلدة وقلعة عظيمة تقع على ضفة الفرات الجنوبية بين آمد وجزيرة ابن عمر شمال الشام، وهي اليوم تابعة لولاية ماردين من المدن التركية.

ص: 320

الوجه الثاني: المنازعةُ في كون هذه اللفظة مخالفةً لقياس النسبة، وذلك أن أئمة العربية على أن النسبة إذا كانت إلى كلمتين على جهة الإضافة، وكان المضاف إليه متناولاً لمسمى بحياله باقياً على دلالته حُذِفَ المضاف، ونسب إلى المضاف إليه مثل الإضافة إلى ذي يَزَن، وذي جَدَن، وذي رُعَيْنٍ، وعبد مناف، وأبي بكرٍ، وابن عباس، وابن القاسم، وقوم لوط.

ممن ذكر ذلك الزمخشري في " المفصل "(1)، وذكر نحو ذلك الجوهري في " صحاحه " في مادة: شَمَسَ (2) الأولى معجمة.

فعلى هذا إذا (3) أردنا النسبة إلى نفي القدر حذفنا " نفي " لخفاء النسبة إليه، وجعلناها إلى " القدر " لشهرته كما ذكروه في الأزلي نسبة إلى نفي الزوال بلم يزل كما سيأتي، ولا مانع من هذا إلَاّ كونه يُوهِمُ الخطأ، والقرينة تمنع ذلك كما تمنعه في سائر النسب المخالفة للقياس، وهي ذم القدرية ووجوب إثبات القدر.

ولو امتنع مثل هذا، لامتنع ورود المجاز، لأنهما كلاهما لا يُفهمان إلا بالقرينة، فما خصَّ باب النسبة بالامتناع من ذلك؟ وهو الباب الذي شهد أئمة النقل بأن فيه ما هو وارد على خلاف القياس.

الوجه الثالث: أن الأحاديث المتقدمة في تفسير القدرية لمن قال: لا قدر، وإن لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اشتهرت بين أهل اللسان وأهل المعرفة به من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة العلم، ولم يُنْقَلْ إن أحداً منهم قدح فيها بأنها لا تصح في اللغة. وقد تقدم قول وهب بن مُنبِّه في ذلك.

وحكى السيد المرتضى في " الغرر "(4) أن أبا القاسم البلخي حكى عن

(1) ص 210 - 211.

(2)

3/ 940 - 941.

(3)

في (ش): متى.

(4)

1/ 169، وهو بتمامه: وحكى أبو القاسم البلخي أن عبد الله قال لابنه محمد: كل =

ص: 321

عبد الله بن الحسن بن الحسن أنه قال لولده محمد: إني لا أعِيبُ عليك شيئاً إلا قولك بالقدر، فقال: هل تلومني على ما لا أقدر عليه أو على ما أقدر عليه؟ فقال: والله ما أعاتبك (1) عليه أبداً.

ففي هذا معا أنهما فَهِمَا من القدر نفيه، ولم يختلفا في ذلك، وأمثال ذلك كثيرة.

وتقدم مثل ذلك في الكلام على المشيئة عن أحمد بن عيسى بن زيد وغيره من قدماء أئمة أهل البيت عليهم السلام، وعن المعرِّي وأبي نُواس مثل ذلك في شعرهما، وهما من أهل اللغة والبلاغة.

ففي شعر المعري:

لا تكن مُجبراً ولا قَدَرِياً

واتَّخِذْ مَذْهَباً يكن بَينَ بَينا (2)

وفي شعر أبي نُواس:

ما صحَّ لا قَدَرٌ ولا جَبْرُ

ما صَحَّ إلَاّ الموتُ والقَبْرُ (3)

= خصالك محمودة يا بني إلَاّ قولك بالقدر، قال: يا أبَهْ، أفَشَيءٌ أقدِرُ على تركه أو لا أقدر على تركه؟ فورد الكلام على رجل عاقل، فقال: لا عاتبتك عليه أبداً. قال أبو القاسم: يقول: إن كنت أقدر على تركه فهو قولي، وإن كنت لا أقدر، فلِمَ تعاتبني على شيء لا أقدر عليه.

(1)

في (ف): لا أعيبك.

(2)

هو في " اللزوميات " 2/ 535 وروايته فيها:

لا تعش مجبراً ولا قدرياً

واجتهد في توسُّط بين بينا

(3)

إن صح عنه هذا فقد قاله في سكره ومجونه وهذيانه، فقد ذكر الخطيب في " تاريخه " 7/ 441 بإسناده عن الحسن بن أبي المنذر قال: كان أبو نواس يشرب عند ابن أبي المنذر، فبات ليلة، ثم قال: قوموا، فقمنا ودخلنا حانة خمار قد كان يعرفه، ومعه غلام قد كان أفسده على أبويه وغيبه عنهما زماناً، ونحن في أطيب موضع، فذكرنا الجنة وطيبها، والمعاصي وما =

ص: 322

فجعلا القدر مقابلاً للجبر وضده، وذلك في كلام السلف كثير إذا تُتُبِّعَ، واللغة تَثْبُتُ بأقلَّ من ذلك.

وأما الجوابُ عما أورده المرتضى في حكايته، فهو ما تقدم في الفائدة الثانية من أن إثبات القدر لا يستلزم نفي القدرة، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وقد مرَّ تقريره في ردِّ شبه المعتزلة في آخر مسألة الإرادة.

ومن أخصر ما يعارضون به أنهم يَصِفون الرب سبحانه بالقدرة على الكذب وجميع القبائح، ويمنعون من تجويز وقوع ذلك منه، ويوجبون استحقاقه المدح على تركها، فدل على صحة القدرة على الممتنع وصحة الثناء والذم عليها.

وإنما معنى القدر القطع بوقوع أحد المقدورين بدليل أنه جارٍ في أفعاله تعالى لقوله: {كانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقضياً} [مريم: 71]، بل شرط القدر أن يكون في المقدورات دون المحالات، فلا يقال: إن الله قد قدر على الجماد المعدوم ترك المعاصي.

= يحول عنه منهما، وهو ساكت، فقال:

يا ناظراً في الدين ما الأمر

لا قَدَرٌ صحَّ ولا جَبرُ

ما صحَّ عندي من جميع الذي

تذكره إلَاّ الموت والقبرُ

فامتعضنا من قوله، وأطلنا توبيخه، وأعلمناه أنا نتخوف صحبته، فقال: ويلكم والله إني لأعلم بما تقولون، ولكن المجون يفرط علي، وأرجو أن أتوب ويرحمني الله، ثم قال:

أية نارٍ قَدَحَ القادحُ

وأيَّ جِدٍّ بَلَغ المازحُ

لله درُّ الشيب من واعظٍ

وناصحٍ لو حَذِرَ الناصحُ

يأبى الفتى إلَاّ اتباع الهوى

ومنهجُ الحق له واضحُ

فاعمد بعينيك إلى نسوةٍ

مهورُهن العملُ الصالح

لا يجتلي العذراء من خِدرها

إلَاّ امرؤٌ ميزانُه راجحُ

مَنِ اتَّقى الله فذاك الذي

سِيقَ إليه المتجر الرابحُ

فاغد فما في الدين أغلوطة

ورح بما أنت له رائحُ

ص: 323

الوجه الرابع: أنها قد جاءت ألفاظٌ صحيحة شهيرةٌ على خلاف هذه القاعدة التي في اشتراط الإثبات في المشتقات، وقد حضرني منها اثنتان وعشرون لفظةً منها: التَّحنُّث والتحنُّف والتحرُّج والتَّأثُّم والتَّحوُّب والتهجد والتنجُّس، وهو فعل ما يُخرِجُ عن الحِنث، والحَنَف والحرج والإثم والحَوْب والهُجُود. ذكر ذلك كله الثعالبي في " فقه اللغة "(1) وغيره من أئمة اللغة.

وفي " الصحيحين " من حديث عائشة " وحُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد "(2).

قال الجوهرى في " الصحاح "(3): تحنَّث: تعبَّد واعتزل الأصنام، مثل تحنَّف، وفلان يتحنَّث من كذا: أي يتأثم منه.

قال (4): والحنيف: المسلم، والحَنَف: الاعوجاج، وقد يُسمى المستقيم بذلك كما سُمِّي (5) الغراب أعور، وأنشد الجوهري قول جِرَان العَوْد (6):

ولما رأينَ الصُّبْحَ بادَرْنَ ضوءَهُ

رَسِيمَ قَطَا البَطْحاء أو هُنَّ أقطَفُ

وأَدرَكْنَ أعجازاً من الليل بعدما

أقام الصلاةَ العابِدُ المُتَحنِّفُ

وقوله: سُمِّي (5) الغراب أعور، إشارة إلى ما ثبت أنهم يقولون له ذلك لحدة

(1) انظر ص 331 منه وفيه: فلان يتنجس: إذا فعل فعلاً يخرجه من النجاسة.

(2)

البخاري (3)، ومسلم (160). وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان "(33).

(3)

1/ 280 (حنث).

(4)

4/ 1347 (حنف).

(5)

في (ف): يسمى.

(6)

قال صاحب " خزانة الأدب " 10/ 18: وجران العود لقب شاعر من بني ضِنَّة بن نمير بن عامر بن صعصعة. والجِران -بكسر الجيم- والعَود -بفتح العين المهملة وسكون الواو وآخره دال مهملة-: هو المسنُّ من الإبل. =

ص: 324

بصره على الشؤم. نص عليه الجوهري (1).

ومن ذلك القَذُور من النساء التي تتجنَّب الأقذار، وقال أبو عبيدة: ناقة قَذُورٌ تبرُكُ ناحيةً من الإبل وتستبعِدُ. قال الكِلابي: رجُلٌ قُذَرةٌ مثل هُمَزَةٌ: يتنزه عن المَلائِم، ورجل قاذورة، وذو قاذورة: لا يخالط الناس لسوء خلقه ولا يُنازِلُهم (2).

= وكتب ياقوت بن عبد الله الحموي في " حاشية مختصر جمهرة ابن الكلبي ": ومن بني ضِنَّة بن نمير: جران العَوْد الشاعر، واسمه عامر بن الحارث بن كُلْفة، وقيل: كَلَدة، وإنما سُمِّي جران العود لقوله يخاطب امرأتيه:

عَمَدتُ لعودٍ فالتحيتُ جرانه

ولَلْكَيْسُ أمضى في الأمور وأنجحُ

خُذا حذراً يا ضرَّتيَّ فإنني

رأيتُ جِران العَودِ قد كان يصلحُ

والجِران: باطن العنق الذي يضعه البعير على الأرض إذا مدَّ عنقه لينام، وكان يُعمل منه الأسواط، فهو يهدِّدهما. انتهى.

وكتب أيضاً في الهامش الداخل: ومن بني ضِنَّة بن نمير جران العَوْد، صاحب الضَّرَّتين اللتين ضربتاه، وخنقتاه، فعمد إلى جَمَلٍ فنحره وسلخ جرانه، وهو جلد ما بين اللبة إلى اللحيين، ثم مرَنه وجعل منه سوطاً وهو يقول:

عَمَدتُ لعود فالتحيتُ جرانه

البيتين.

فسمِّي جران العود، وذهب اسمه فلا يُعرف.

قلت: وله ترجمة في " الشعر والشعراء " 2/ 718 - 722، وذكر له مما يتمثل من شعر قوله:

فلا تأمنوا مكر النساء وأمسكوا

عُرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنك لم يُنذِرْك أمراً تخافه

إذا كنتَ منه جاهلاً مثلُ خابر

والبيتان من قصيدة في " الديوان " 13/ 24. والرسيم: من سير الإبل، وأقطف، أي: أبطأ.

(1)

" الصحاح " 2/ 761، ونص كلامه: ويقال للغراب: أعور، سمي بذلك لحدة بصره، على التشاؤم.

(2)

تحرفت في الأصول الثلاثة إلى: ولا لهم.

ص: 325

قال مُتمم بن نويرة يرثي أخاه:

فإنْ تَلقَه في الشرب لا تَلْقَ فاحِشاً

على الكَأْسِ ذا قاذُورةٍ متربِّعا (1)

ذكر ذلك كله الجوهري (2)

وقال النعمان بن بشيرٍ الأنصاري:

ولكنَّها نَفْسٌ عليَّ كَريمةٌ

عَيوفٌ لأصهارِ اللِّئامِ قَذورُ

رواه الطبراني من طريق أبان بن بشير بن النعمان في مكاتبة جرت بين (3) النعمان ومروان (4).

ومن ذلك الرَّيِّض، قال الجوهري (5): هي الناقة أول ما رِيضَتْ، وهي صعبةٌ بَعْدُ.

وقال الثعالبي (6): هي الدابة لم تُرَضْ.

ومن ذلك تشميت العاطس بالمعجمة، فإنه إنما يسمى بذلك، لأنه يُزيل الشماتة بالعاطس، وينفيها عنه.

(1) البيت في " المفضليات " 1/ 265 - 270 من قصيدة طويلة مطلعها:

لعَمْري وما دهري بتأبين هالكٍ

ولا جَزَع ممَّا أصاب فأوجعا

والشرب: هم القوم يشربون، والمتزبِّع: هو المعربد، سيء الخلق.

(2)

انظر " الصحاح " 2/ 788.

(3)

في الأصول: في مكاتبة حرب بن النعمان، وهو تحريف.

(4)

قال الهيثمي في " المجمع " 10/ 35: وفيه أبان بن بشير بن النعمان ولم أعرفه، رجاله ثقات.

(5)

في " الصحاح " 3/ 1081 " روض ".

(6)

في " فقه اللغة " ص 332.

ص: 326

ومن ذلك ما خرَّجه مسلم في " الصحيح " والنسائي وابن ماجه من حديث خبَّاب بن الأرت شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّ الرَّمْضاء فلم يُشْكِنا (1).

زاد البيهقي (2): في وجوهنا وأكُفِّنا.

ذكر الزمخشري في " الفائق "(3) أنه يحتمِلُ أن المراد أنه رخَّص لهم ولم يُزِلْ لهم الشكاية بالنهي.

قلت: ويعضُدُه صحة الأمر بالإبراد بالصلاة عن أول وقتها في الحرِّ، كما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة (4).

وحديث ابن عباس (5): أُمِرَ صلى الله عليه وسلم أن يَسجُدَ على سبعة أعظُمٍ لا يكفُّ شعراً ولا ثوباً. خرجاه (6).

ولمسلم (7): " أُمرتُ أن أسجُدَ " فذكره.

(1) مسلم (619)، والنسائي 1/ 247، وابن ماجه (675)، وصححه ابن حبان (1480) وانظر تمام تخريجه فيه. تنبيه: لقد فاتنا في " صحيح ابن حبان " أن نعزو الحديث إلى ابن ماجه من طريق أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب، فيستدرك من هنا.

(2)

في " سننه " 2/ 105.

(3)

2/ 86 ونص كلامه فيه: " فلم يشكنا " يحتمل أن يكون من الإشكاء الذي هو إزالة الشِّكاية، فيُحمل على أنهم أرادوا أن يرخِّص لهم في الصلاة في الرحال، فلم يجبهم إلى ذلك، ويحتمل أن يكون من الإشكاء الذي هو الحمل على الشكاية، فيُحمل على أنهم سألوه الإبراد بها، فأجابهم ولم يتركهم دون شكاية.

(4)

البخاري (536)، ومسلم (615)، وأخرجه ابن حبان (1506) وانظر تمام تخريجه فيه.

(5)

في الأصول: وحديث أبي هريرة، وهو سبق قلم من المؤلف، فالحديث حديث ابن عباس لا حديث أبي هريرة.

(6)

البخاري (809)، ومسلم (490)(227).

(7)

(490)، وهي للبخاري أيضاً (812)، والحديث في " صحيح ابن حبان "(1923) =

ص: 327

وقال ابن الأثير في " النهاية "(1): إنه لم يُجبهم إلى ذلك ولم يُزِلْ شكواهم، يقال: أشكيت الرجل: إذا أزلت شكواه، وإذا حملته على الشكوى.

والمقصود من إيراد هذا الحديث بيان نقل ابن الأثير عن أهل اللغة، وعمل كثير من الفقهاء بمقتضى ما نقله.

ومن ذلك: " المُقسِط "، قال ابن الأثير في " النهاية " (2): في أسماء الله المُقسِطُ وهو العادل، يقال: أقسط يُقسِطُ، فهو مُقسِطٌ، وقَسَطَ يقسط، فهو قاسِط: إذا جار، فكأنَّ الهمزة في " أقسط " للسَّلْبِ، كما يقال في أشكى.

ومن ذلك التجزيع: بمعنى نفي الجزع، وذلك في قول ابن عباس لعمر عند موته يُجَزِّعُه، أي: يُزيل جزعَهُ (3).

ومن ذلك التفزيع: إزالة الفزع، ذكره ابن الأثير في " جامع الأصول " (4) في تفسير قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23].

ومن ذلك المحكِّمة، قال الجوهري (5): الخوارج يُسَمَّوْنَ المُحَكِّمة لإنكارهم أمر الحَكَمين وقولهم (6): لا حُكْمَ إلَاّ لله.

ومن ذلك: الأزلي نسبة إلى لم يزل، ثم حذف حرف النفي، ثم أبدلت الياء ألفاً، لأنها أخفُّ، كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي يزن: أزَني (7).

= و (1924) و (1925) وانظر تمام تخريجه فيه.

(1)

2/ 497.

(2)

4/ 60، لكن فيه آخره: كما يقال: شكا إليه فأشكاه.

(3)

هو في " صحيح البخاري "(3692)، وانظر " النهاية " 1/ 269.

(4)

5/ 61، وانظر " النهاية " له 3/ 444.

(5)

في " الصحاح " 5/ 1902 " حكم ".

(6)

في (أ) و (ف): في قولهم.

(7)

انظر " الصحاح " 4/ 1622 " أزل ".

ص: 328

ومن ذلك: تسمية الأعمى بصيراً، وقد روي في ذلك حديث مرفوعٌ رواه الطبراني والبزار من حديث جُبير بن مُطعِم (1). أورده الهيثمي (1) في باب الزيارة وإكرام الزائر في كتاب البر والصلة، وقال: رجال البزار رجال الصحيح غير إبراهيم بن المستمر وهو ثقة.

ومن ذلك: الخيار في البيع، قد جاء في " الصحيح " بمعنى نفي الخيار، وذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، إلَاّ بَيْعَ الخِيار "(2).

قال النواوي في شرح " مسلم "(3): إلَاّ بيعاً نُفِي فيه الخيار، فإنه لا يثبت فيه خيار المجلس.

وحكى ابن كثير هذا عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، وأمثال ذلك كثير لمن تتبَّعَه في كتب اللغة.

وقد ذكر الثعالبي في أواخر " فقه اللغة وسِرِّ العربية "(4) باباً فيما يخالف لفظه معناه من هذه الأمور، وكان من أئمة اللغة.

وكذلك الزمخشري ذكر في " المفصل "(5) في قسم الأفعال أن همزة أفعل قد تكون للسلب نحو: أشكيته، وأعجمت الكتاب إذا أزلت الشكاية والعجمة، ثم ذكر أن فعَّل مضاعف العين يؤاخيه في ذلك نحو: فزَّعته، وقذَّيتُ عينه، وجَلَّدت البعيرَ وقرَّدته، أي: أزلت الفَزَع والقذى والجلد والقُراد. انتهى.

(1) في " المجمع " 2/ 174 ولفظه: وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقوا بنا إلى بني واقف نزور البصير رجل كان مكفوف البصر. قلت: هو في " مسند البزار "(1920)، و" معجم الطبراني "(1533) و (1534).

(2)

البخاري (2111)، ومسلم (1531) من حديث ابن عمر. وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان "(4912) و (4913) و (4914) و (4915) و (4916).

(3)

10/ 174.

(4)

ص 331.

(5)

ص 280 - 281.

ص: 329

فدلَّ هذا على شُهرة هذا المعنى.

الوجه الخامس: أنه قد ثَبَتَ بناء اسم الفاعل لما هو في الحقيقة مفعولٌ، كقوله تعالى:{والنَّهارَ مُبْصِراً} [يونس: 67]، وقوله تعالى:{في عِيشةٍ رَاضيةٍ} [الحاقة: 21] ومنه قولهم: سَيْلٌ مُفْعَمٌ على اسم المفعول، وشعرٌ شاعرٌ، ونهاره صائمٌ أي: مصومٌ فيه، ونهرٌ جارٍ [أي] مجري فيه، لأن النهر اسمٌ لساقيه الماء (1). وسيأتي ذلك.

ونصَّ علماء المعاني على أن المجوِّز لذلك هو الملابسة، فإن النسبة أولى بمخالفة بعضه القياس، ومما يُشبه هذا قولهم: القَمران والعُمران.

وقد ذكر ابن قتيبة في " مُشكل القرآن "(2) باباً في المقلوب ومنه قولهم: للدَّيِغ: سليم، وللعطشان: ناهِلٌ، وللفَلاة: مفازَةٌ، وللشمس: جَوْنة، وللغراب: أعور، وللحبشي: أبو البيضاء، وللأبيض: أبو الجَوْن.

قال: ومنه قول قوم شعيب: {إنَّكَ لأنْتَ الحَليمُ الرَّشيدُ} [هود: 87]، [كما] تقول للرجل تستجهلُه: يا عاقل، وتستخفُّه: يا حليم، وأنشدوا قول الشاعر:

فقلتُ لِسيِّدِنا يا حليـ

ـمُ إنَّك لم تأسُ أسْوَاً رفيقاً (3)

(1) انظر " الصاحبي " لأحمد بن فارس ص 366 - 368.

(2)

ص 185 فما بعدها. وانظر " الأضداد " لابن الأنباري ص 258.

(3)

هو لشُتيم بن خويلد أحد بني غراب بن فزارة وهو شاعر جاهلي. أنشده الجاحظ في " الحيوان " 3/ 82 وفي " البيان والتبيين " 1/ 181 - 182، وابن الأنباري في " الأضداد " ص 258، وأورده صاحب " اللسان "(خفق)، وفيه " حكيم " بدل " حليم ". وبعده

أعَنْتَ عدِيّاً على شَأْوِها

تُعادي فريقاً وتنفي فريقا

أطعتَ اليمينَ عِنادَ الشَّمالِ

تُنحّي بحَدِّ المواسي الحُلُوقا

زَحَرْتَ بها ليلةً كُلَّها

فجئتَ بها مُؤيداً خَنْفَقِيقا =

ص: 330

إلى قوله: ومن ذلك أن يُسمَّى المتضادَّان باسمٍ واحد، كما يقال للصُّبْحِ: صَرِيمٌ ولليل صريم، إلى آخر ما ذكره.

وذكر ابن خلكان من هذا قولهم للأسود: كافورٌ، وللشاعر المشهور: الأبله، قال: وإنما سُمِّي بذلك، لكثرة ذكائه على قول، ووجَّهه أنه من أسماء الأضداد.

ذكره ابن خلكان في ترجمة الأبله من حرف الميم (1)، وابن خلكان من الأدباء، فدل على شهرة هذا عندهم، فكيف يُقطع ببطلان أحاديث وردت في تفسير القدرية بمن يقول: لا قدر.

الوجه السادس: أنها نسبةٌ إلى الإثبات لا إلى النفي.

بيانه: أن المتبدعة أثبتوا القدر لأنفسهم، ونَفَوْه عن ربهم عز وجل، فنسبوا إليه لإثباته عن أنفسهم لا لنفيه عن الله تعالى، ومدعي الشيء لنفسه أولى أن يُنسبَ إليه مِمَّن يدَّعيه لغيره. ذكر هذا الوجه ابن قتيبة وإمام الحرمين كما سيأتي.

الوجه السابع: أنه قد ثبت أنها لفظةٌ مستعملةٌ في الاصطلاح الأخير، ولم يثبت أنها (2) لُغويةٌ ولا شرعية، وإن كانت تحتمل ذلك، فلا يمتنع أن تكون مخالفةً لوضع اللغة وقانون العرب إذا (3) لم تكن من لغتهم، ولأهل الاصطلاحات أن يصطلحوا على ذلك.

= وذكر هذه الأبيات الثلاثة المرزباني في " معجم الشعراء " ص 392.

قال في " اللسان ": وقوله: " يا حكيم " هُزْءٌ منه، أي: أنت الذي تزعم أنك حكيم وتخطىء هذا الخطأ، وقوله:" أطعت اليمين عناد الشمال " مثل ضربه، يريد: فعلت فِعْلاً أمكلنت به أعداءنا منا كما أعلمتك أن العرب تأتي أعداءها من ميامنهم، يقول: فجئتنا بداهيةٍ من الأمر وجئت به مُؤيَداً خَنفقيقاً، أي: ناقصاً مقصِّراً.

(1)

" وفيات الأعيان " 4/ 465.

(2)

في الأصول: " أنه "، والجادة ما أثبتت.

(3)

في (أ): إذ.

ص: 331

وبعد، فقد وقع ذلك، والوقوع فرع الصحة، فإن طائفة أهل السنة بغير شكٍّ على تسمية نافي القدر قدريّاً، والإجماع غير مُشتَرَطٍ في صحة الاصطلاح.

وأما ذمُّ نافي القدر المسمى بالقدري، فلم يأخذه أهل السنة من الاصطلاح، بل من أدلة العقول والقرآن والأحاديث الصِّحاح، وقد ظهر بهذه الوجوه السبعة أن المعتمد في هذه النسبة هو الاستنباط من مجموع أمرين:

أحدهما: الإجماع على أنها كلمةُ ذمٍّ.

وثانيهما: الدليلُ القاطع على ثُبوت القدر وصحته، ووجوب الإيمان به، وهما يستلزمان أن المذموم به من نفى القدر، أو نفى وجوب الإيمان به.

وأما ما يتعلق (1) به الفريقان من الاحتجاج في هذه المسألة بما استنبطوه من حديث " القدرية مجوسُ هذه الأمة "(2) فبناءٌ على صحته -ولستُ أرى صحته- فأُعَوِّلُ على ذلك، وإن كان المنصور بالله ذكر في أول " الشافي "(3) أنه مجمعٌ على صحته، فليس كذلك، وقد خالفه المؤيد بالله وسبقه بعدم تصحيحه، ذكره في " الزيادات ". وكذلك أئمةُ الحديث نصُّوا على عدم صحته كما تقدم، وإنما قال الحاكم: إنه صحيحٌ على شرطهما، إن صح سماعُ أبي حازم عن ابن عمر (4)، وهذا سوءةٌ في التصحيح، لأنه لم يصح سماع أبي حازم عن ابن عمر، وما لم يصح بمثل هذه الطريق ممكن.

(1) في (ش): تعلق.

(2)

تقدم تخريجه ص 460.

(3)

وهو كتاب في الرد على " الرسالة الخارقة " لمؤلفها عبد الرحمن بن منصور بن أبي القبائل، ويقع في أربعة أجزاء مخطوطة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء رقم 77 - 87. انظر " فهرس مخطوطات المكتبة الغربية " ص 173 - 176.

(4)

" المستدرك " 1/ 85. وأبو حازم هو سلمة بن دينار.

ص: 332

وإنما مُستندُ المنصور ما رآه من اشتغال الطائفتين من المتكلمين بتأويله دونَ تضعيفه، فجعله من قبيل المُتَلقَّى بالقبولِ، وهذا لا يدل على الصِّحة لأمرين:

أحدهما: أن المتكلمين من الطائفتين وإن كانوا أئمة الجدال، فلكلِّ علمٍ رجالٌ.

وثانيهما: أن الصحيح عند المحققين أن التلقي بالقبول لا يدل على القطع بالصحة، كما ذلك مُقَرَّرٌ في الأصول، وعلوم الحديث، وهذا هو مذهبُ الأكثرين والمحققين كما ذكره النواوي. وإنما قال به من أئمة الحديث ابنُ الصلاح (1)، وابن طاهر، وأبو نصر (2)، وتضعيف المُحَدِّثين أخصُّ من وهم التلقي بالقبول، والقدح البَيِّنُ مُقََدَّمٌ على التصحيح عند أهل الحديث، وأهل الأصول.

وأما قول الخطابي وغيره من أهل السنة: إنه مُشتقٌّ من إثبات القدري قدرةً لنفسه حتى قال ابن العربي في " عارضة الأحوذي "(3): إن القاف والدال والراء تدل على القدرة والمقدور، فمخالفٌ للحديث الوارد في تفسير القدرية بأنهم الذين يقولون: لا قَدَرَ (4).

وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره "(5) يدل على ذلك، ولأن ذلك مخالف لقياس النسبة إلى القدرة، فإن قياسه بضم القاف وسكون

(1) ساقط من (أ) و (ف).

(2)

انظر " تدريب الراوي " 1/ 131 - 133.

(3)

8/ 295.

(4)

تقدم تخريجه ص 447 - 448.

(5)

تقدم تخريجه ص 447 و448.

ص: 333

الدال، ولا يُقال: إن النسبة مخالفةٌ للقياس، لأنا نقول: إن مخالفة القياس فيها لا يُقضى بها إلَاّ لِتعذُّر القياس، ولذلك لم يُفَسَّر القدرية بنفاة القدر إلَاّ لمنع الأدلة من ذمِّ من أثبته.

ومع هذا فالذي ذكر ابن العربي مُشْكِلٌ جداً، فإن معاني هذه المادة تباينُ تبايُناً كثيراً عند اختلاف تركيبها كسائر تراكيب الكلام ومواده، إلَاّ ترى أن القاف من هذه المادة متى كُسِرَت وسُكَّنَت الدال دلَّت على الوعاء الذي يُطبخ نيه، وذلك غير معنى القضاء والتقدير، وكذلك القدرة بضم القاف غير القضاء والقدر.

وأما قولهم: إن القدريَّ هو الذي يُثْبِتُ (1) لنفسه قُدرةً، فإن عَنَوْا أنه الذي يُثبتُ لنفسه قدرةً خلقها الله تعالى، فهذا إجماع المسلمين، وإن عَنَوا قُدرةً لم يخلُقها الله تعالى له، فلم يَقُل بذلك أحدٌ من مبتدعة المسلمين، وإنما حملهم على ذلك الفِرارُ من النسبة إلى النفي.

وقد تقدم من الأدلة ما يَقْضي بصحته وشُهرته، وأنه على تقدير عدم الصحة اصطلاحٌ مُوَلَّدٌ لم يُبْنَ عليه تكفيرٌ ولا تفسيقٌ ولا حُكْمٌ شرعي، وإنما تثبتُ الأحكام على الأدلة الصحيحة عقلاً وسمعاً سواءٌ صَحَّت هذه التسمية أو لم تصح، فلا حاجة إلى تَكلُّفِ أمرٍ غير واضح.

فإذا تقرَّر أن القدرية هم نُفاة القدر، وقد ثبت أن عِلْمَ الله تعالى السابق وكتابته مقادير الخلائق هما أساس القدر وعموده على ما نطقَتْ به النصوصُ السابقة فلا تكون القدرية على التحقيق إلَاّ نفاة علم الله السابق وكتابته، وبهذا فسَّرهم النواوي في أول " شرح مسلم "(2)، وعزاه إلى القاضي عياض ونَقَلَةِ المقالات من المتكلمين المتقدمين، وذكر أنهم قد انقرضوا، وحكى عياضٌ بعد قليلٍ أنه قول الفلاسفة.

(1) في (ش): " لم يثبت " وهو خطأ.

(2)

1/ 154.

ص: 334

قال النواوي ما لفظه: قال أصحاب المقالات من المتكلمين المتقدمين:

وانقرضت القَدَريَّة القائلون بهذا القول الشنيع الباطل، ولم يبقَ أحدٌ من أهلِ القبلة عليه. وحكى بعد هذا بقليل عن القاضي عياض في براءة ابن عمر من القدرية أنه قال: هذا في القدرية الأول الذين نَفَوا علم الله تعالى بالكائنات، والقائل بهذا الأمر [كافر] بلا خلافٍ، وهؤلاء الذين يُنكرون القَدَرَ، وهم الفلاسفة في الحقيقة.

وقال غيره: يجوز أنه لم يُرِدْ بهذا الكلام التكفير المُخرج من الملة، فيكون من قبيل كُفران النِّعَمِ، إلَاّ أن قوله ما قَبِلَ الله منه ظاهر في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر إلَاّ أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل الله عمله لِمعصيتِه وإن كان صحيحاً.

وفسَّر النواوي الصحة بعدم وجوب القَضاء، وعدم القَبول بعدم الثواب.

قال: وقد حكى ابن قتيبة في كتابه " غريب الحديث "(1) وإمام الحرمين في كتابه " الإرشاد "(2): أن بعض القدرية قالوا (3): لسنا بقدرية، بل أنتم القدرية -إلى قوله- وهذا تمويهٌ من هؤلاء الجهلة ومباهتة ونزاعٌ (4)، فإن أهل الحق يفوِّضون أمورهم إلى الله تعالى، ويضيفون القدر إلى الله تعالى، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم، ومدَّعي الشيء لنفسه، ومضيفه إليها أولى أن يُنسَبَ (5) إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه. انتهى.

وكذلك ذكر ابن بطال أن مذهب أهل السنة أن القدر هو علم الله وغيبه

(1) 1/ 255.

(2)

ص 256.

(3)

في (ف): قال.

(4)

في " شرح مسلم " و" الإرشاد ": وتواقح.

(5)

في (ش): يثبت.

ص: 335

الذي استأثر به. ذكره في شرح الباب الثالث من أبواب القدر من " صحيح البخاري ".

وقد كثر إطلاق بعض أهل الحديث والأشعرية القدري على المعتزلي مع أن المعتزلة تُثبت علم الله السابق وكتابته حتى توهم ابن السيد البَطَلْيَوْسي في " شرح سقط الزّند " من شعر المعري ينكر كون الله تعالى يعلم الغيب. وسببُ وهمه في ذلك ما رآه من تسميتهم قدرية مع اعتقاده أن القدرية تنكر علم الغيب.

وسبب تجاسرهم على تسميه المعتزلي بذلك خلاف المعتزلة في مسألتين:

إحداهما: مسألة الإرادة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى يريد وقوع الطاعات من جميع العُصاة، ويجب عليهم اللطف بهم، ولكن ليس في معلومه تعالى ولا في مقدوره لهم، ولو كان في معلومه، لكان في مقدوره، ولو كان في مقدوره ولم يفعله، كان مُخِلاًّ بما يجب عليه، وقد تقدم الرد عليهم في ذلك في الكلام على الإرادة.

المسألة الثانية: الإضلال، وهو إضلالٌ وسلبُ اختيار، فإنهم يمنعون جوازه من الله تعالى ويقبحونه، والسمع ورد بجوازه عقوبةً على العاصي، كقوله تعالى:{وما يُضِلُّ به إلَاّ الفاسقين} [البقرة: 26]، وقوله:{فَسَنُيسِّرُه للعُسْرَى} [الليل: 10]، وقوله:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] إلى ما لا يُحصى كثرة.

وبيان عدم الموجب لتاويله والقاطع لِلَّجَاج أنا إن فسرنا القدر بالعلم ولوازمه فالقدرية المذمومة من نفاه وإن فسر القدر بالجبر (1)، فالقدري المذموم من أثبته، لكن التفسير الأول هو المعروف بدليل قوله تعالى:{كان على ربِّكَ حَتْماً مَقْضِياً} [مريم: 71] وقد تقدم بيانه.

(1) من قوله: " فالقدرية المذمومة " إلى هنا ساقط من (أ) و (ف).

ص: 336