المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نُبِّئْتُ نِعَمًا عَلَى الْهِجْرَانِ عَاتِيَةً … سَقْيًا وَرَعْيًا لِذَاكَ الْعَاتِبِ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٥

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: نُبِّئْتُ نِعَمًا عَلَى الْهِجْرَانِ عَاتِيَةً … سَقْيًا وَرَعْيًا لِذَاكَ الْعَاتِبِ

نُبِّئْتُ نِعَمًا عَلَى الْهِجْرَانِ عَاتِيَةً

سَقْيًا وَرَعْيًا لِذَاكَ الْعَاتِبِ الزَّارِي

وَالْأَحَادِيثُ فِي قَوْلِهِ: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ» فِي مُفْرَدِهِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمْعُ حَدِيثٍ كَمَا تَقُولُ: هَذِهِ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تُرِيدُ بِالْأَحَادِيثِ جَمْعَ حَدِيثٍ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنَ الْجُمُوعِ الْجَارِيَةِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَحَائِدٍ عَنِ الْقِيَاسِ كُلَّ مَا

خَالَفَ فِي الْبَابَيْنِ حُكْمًا رَسْمَا

يَعْنِي بِالْبَابَيْنِ: التَّكْسِيرَ وَالتَّصْغِيرَ، كَتَكْسِيرِ حَدِيثٍ عَلَى أَحَادِيثَ وَبَاطِلٍ عَلَى أَبَاطِيلَ، وَكَتَصْغِيرِ مَغْرِبٍ، عَلَى مُغَيْرِبَانِ، وَعَشِيَّةً عَلَى عُشَيْشِيَّةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا اسْمُ جَمْعٍ لِلْحَدِيثِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَحَادِيثَ جَمْعُ أُحْدُوثَةٍ الَّتِي هِيَ مِثْلُ: أُضْحُوكَةٍ، وَأُلْعُوبَةٍ، وَأُعْجُوبَةٍ بِضَمِّ الْأَوَّلِ، وَإِسْكَانِ الثَّانِي: وَهِيَ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ تَلَهِيًّا وَتَعَجُّبًا. وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيْرِ

: مِنَ الْخَفِرَاتِ الْبِيْضِ وَدَّ جَلِيسُهَا

إِذَا مَا انْقَضَتْ أُحْدُوثَةٌ لَوْ تُعِيدُهَا

وَهَذَا الْوَجْهُ أَنْسَبُ هُنَا لِجَرَيَانِ الْجَمْعِ فِيهِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، أَمَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رُسُلَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ، وَقْتَ نُزُولِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم، بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ: وَهِيَ الْحَلَالُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَأَنْ يَعْمَلُوا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْحَلَالِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ الرُّسُلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَمَرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [2 \ 172] وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ أَمَرَ فِي زَمَنِهِ بِالْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَأْثِيرُ الْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ فِي الْأَعْمَالِ مَعْرُوفٌ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [23 \‌

‌ 51]

ص: 334