الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذكر، والباقون: بتشديد الذال، في كل القرآن، وهما بمعنى واحد1.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: "
…
وليس هما بمعنى واحد كما قيل، فإن الصيغ من المادة الواحدة تعطى معاني خاصة، ويتجوز في بعضها ما لا يصح في بعض، فالذكر في الأصل يطلق على إخطار معنى الشيء، أو خطوره في الذهن، ويسمى ذكر القلب، وعلى النطق باللفظ الدال عليه، ويسمى ذكر اللسان، ويستعمل مجازا بمعنى الصيت والشرف، ويفسر به قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِك} 2. ويطلق بمعنى العلم وبه يسمى القرآن، دون غيره من الكتب الإلهية (ذكرا) ومنه قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 3.
وأما التذكر: فمعناه تكلف ذكر الشيء في القلب، أو التدرج فيه بفعله المرة بعد المرة ويطلق على الاتعاظ، ومنه قوله تعالى:{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَاّ مَنْ يُنِيبُ} 4 وقوله: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} 5 والشواهد عليه في الذكر كثيرة. ومثله الإدكار؛ قال تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} 6 وهو افتعال من الذكر، الافتعال يقرب من التفعل
…
وحكمة القراءتين؛ إفادة المعاني التي تدلان عليها، من باب الإيجاز البليغ7.
1 الرازي 13/ 235.
2 الآية 44 من سورة الزخرف.
3 الآية 7 من سورة الأنبياء.
4 الآية 13 من سورة غافر.
5 الآية 10 من سورة الأعلى.
6 الآية 15 من سورة القمر.
7 المنار 8/ 193.
الإيضاح
مما تقدم بيانه يتضح لنا أن تلك الأوامر والنواهي، وتلك الأسس الاجتماعية، ما هي إلا أجزاء بنود عقد أقامه الرب سبحانه وتعالى بينه وبين عباده، ويتمثل ذلك العقد في القيام بتلك الأوامر والنواهي فعلا وتركا، والعهد شامل لكل ما عهده الله إلى الناس كافة على ألسنة الرسل، فطلب من هذه الأمة الوفاء بما عهد إليها فقال:{وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (الأنعام: من الآية152) فالوفاء بما تقدم وبكل عهد بين العبد وربه مطلوب شرعاً، وهذا معلوم لكل من استخدم ما آتاه الله من عقل، وفطرة سليمة، والوفاء بالعهد يشمل أيضاً ما يعاهد الناس عليه بعضهم
بعضاً، مما ليس فيه مخالفة لشرع الله عز وجل، ومما يدل على شمولية العهد قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} 1 وقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} 2 وقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُم} 3 وقال: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ} 4 وقال في صفات المؤمنين: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} 5 فكل ما عهد به الله عز وجل إلى عباده، وكل ما شرعه للناس، فهو من عهده عز وجل إليهم، وكل من آمن برسول من رسل الله، فقد عاهد الله على الإيمان به والاتباع له، ويتجلى ذلك في السمع والطاعة، وامتثال الأمر بالفعل، والنهي بالترك.
ولا ريب أن ما يلتزمه الإنسان من عمل البر بنذر، أو يمين يعقدها، فإن ذلك عهد عاهد ربه عليه، يجب الوفاء به وعدم الوفاء ليس من خلق المسلم، لذلك وصف الله به المنافقين فقال:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} 6ومما تجدر الإشارة إليه، أن كل من عاهد إماماً7على السمع والطاعة فيما هو معروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل يتفق مع الشرع، أنه يجب الوفاء به، وبه تطالب شريعة الله عز وجل، وكذلك ما يرم من اتفاقات ومعاهدات بين الدول يجب الوفاء بها وعدم الإخلال بشيء منها ما لم تكن مخالفة لشرع الله عز وجل. وللاهتمام بهذا المبدأ الشامل العظيم جاء تقديم معمول الفعل (أوفوا) عليه، وهو أسلوب عربي يظهر عند إرادة لفت النظر إلى أهمية الأمر المتكلم عنه، وللدلالة على إرادة حصر الوفاء بالعهد في كل عهد يرضي الله عز وجل ويوافق شرعه، ويخرج ما لا يرضيه سبحانه من العهود؛ كنذر الحرام، والحلف على إتيانه، وما يقع بين الدول من عهود لا ترضي الله عز وجل ولا تتفق مع شرعه، وغير ذلك مما فيه إضرار بمصالح المسلمين. وقد عظّمت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، وجعلت الإخلال به من صفات المنافقين؛ من ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه
1 الآية 113من سورة طه.
2 الآية 60 من سورة يس.
3 الآية 91 من سورة النحل.
4 الآية 100 من سورة البقرة.
5 الآية 177 من سورة البقرة.
6 الآية 73 من سورة التوبة.
7 أردت بالإمام رأس الدولة الحاكم الشرعي وهو التعبير الإسلامي.
الإيضاح
مما تقدم بيانه يتضح لنا أن تلك الأوامر والنواهي، وتلك الأسس الاجتماعية، ما هي إلا أجزاء بنود عقد أقامه الرب سبحانه وتعالى بينه وبين عباده، ويتمثل ذلك العقد في القيام بتلك الأوامر والنواهي فعلا وتركا، والعهد شامل لكل ما عهده الله إلى الناس كافة على ألسنة الرسل، فطلب من هذه الأمة الوفاء بما عهد إليها فقال:{وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (الأنعام: من الآية152) فالوفاء بما تقدم وبكل عهد بين العبد وربه مطلوب شرعاً، وهذا معلوم لكل من استخدم ما آتاه الله من عقل، وفطرة سليمة، والوفاء بالعهد يشمل أيضاً ما يعاهد الناس عليه بعضهم