المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عرفه في ما يكال1 ويوزن، لكنه مقيد بنوع خاص يرجع - أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر - ٧١ - ٧٢

[مرزوق بن هياس الزهراني]

الفصل: عرفه في ما يكال1 ويوزن، لكنه مقيد بنوع خاص يرجع

عرفه في ما يكال1 ويوزن، لكنه مقيد بنوع خاص يرجع فيه إلى ميزان مكة وهو الذهب والفضة. وإلى مكيال المدينة وهو الصاع للوفاء بالحكم الشرعي2.

القسط: المراد به هنا العدل؛ وهو بكسر القاف تقول: أقسط الرجل فهو مقسط؛ ومنه قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} 3. وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْط} 4، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 5.

ومن معانيه المكيال، وقدره نصف صاع. والحصة والنصيب تقول: تقسطنا الشيء بيننا.

والقسط بفتح القاف؛ المراد به الجور والعدول عن الحق، وإذا أخذ حق غيره وظلم وجار، سمي قاسطا؛ من قسط يقسط بكسر السين قسوطاً قال الله تعالى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} 6.

الوسع: المراد به هنا القدرة والطاقة في تحري العدل والوفاء7.

1 قال الخطابي رحمه الله: "وللناس صيعان مختلفة، فصاع أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي (3/1 5) وصاع أهل البيت - فيما يذكره زعماء الشيعة - تسعة أرطال وثلث (3/1 9) وصاع أهل العراق ثمانية أرطال؛ وهو صاع الحجاج الذي سعر به على أهل الأسواق، ولما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق ضاعف الصاع فبلغ به ستة عشر رطلا. فإذا جاء باب المعاملات حملنا - كل صاع على عرف بلده - وإذا جاءت الشريعة وأحكامها فهو صاع المدينة" معالم السنن 3/ 636.

2 هذا ملخص ما ذكر الخطابي رحمه الله المصدر السابق 3/633.

3 الآية 4 من سورة يونس.

4 الآية 9 من سورة الرحمن.

5 الآية 42 من سورة المائدة.

6 الآية 15 من سورة الجن. ولمزيد العلم انظر: المفردات ص 403 والصحاح 2/306.

7 للتوسع في المعنى انظر: الصحاح 2/688 واللسان 8/ 392 والمفردات ص 403 والرازي 13/234.

ص: 19

الإيضاح

هذا المبدأ الاجتماعي الهام قرره رب العزة والجلال في أكثر من موضع في كتابه العزيز ومنها ما نحن بصدد بيانه قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} 8. فكأن نبي الهدى والرحمة المبلغ عن الله عز وجل يقول: "ومما أتلوا عليكم أيها المسلمون من وصايا ربكم أن أوفوا الكيل إذا كلتم للناس، أو اكتلتم عليهم لأنفسكم وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم

8 الآية 152 من سورة الأنعام.

ص: 19

فيما تبتاعون، أو لغيركم فيما تبيعون، فليكن كل ذلك وافياً تاماً بالعدل لكم أو عليكم، ولا تكونوا من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ينقصون الكيل ويبخسون الوزن وهم الذين توعدهم الله عز وجل بالويل والهلاك"1. وهذا النهي مفهوم من الأمر بالإيفاء فهو مقابل له ولازم له لأن الإيفاء يستلزم عدم النقص بأي حال من الأحوال والنقص يستلزم عدم الإيفاء. وقد تقدمت الإشارة إلى ما قرره رب العزة والجلال من النهي عن التطفيف في سورة المطففين.

وقوله عز وجل: {بِالْقِسْطِ} (الرحمن: من الآية9) فيه لفتة هامة إلى أن الإيفاء لا يكفي أن يكون من طرف واحد بل لابد أن يكون من الجانبين في حالة الأخذ والإعطاء. أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط متحرين له، فدل على أنه يجب على الإنسان أن يرضى لغيره ما يرضى لنفسه وهذا ما قررته السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم إذ ثبت عنه أنه قال:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"2. وقد تواتر الأمر بإيفاء الكيل والميزان وكل كلام الله عز وجل متواتر فقال: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 3 وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} 4. ومن يتأمل كتاب الله عز وجل يجد أن الله عز وجل قد قص على هذه الأمة فيما قص من أنباء الأمم لتحصل لنا العبرة ويكمل الوعظ بما حدث لتلك الأمم ومن ذلك أنه عز وجل أهلك قوم شعيب ودمر مساكنهم وأبادهم بما كان من ظلمهم وفسادهم، وكان أمره عز وجل جزاء وفاقا لتكبرهم وعنادهم، طففوا الكيل وعموا وصموا عن سماع الحق فكان عاقبة ذلك الخسران المبين ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، بلى إنهم موقوفون وعلى أعمالهم محاسبون ومجزيون الجزاء الأوفى. وحينما يتأمل الناظر في هذه الآيات قد يظهر له أن إيفاء الكيل والميزان هو القسط عينه فيتساءل عن فائدة هذا التكرار. والجواب عن ذلك أن في هذا التعبير لفتة ظريفة وهي أن يعلم المعطي أن الواجب عليه أن يؤدي الحق لصاحبه كاملاً غير منقوص، فلا يطمع في استبقاء شيء منه وإن قل، وليعلم الآخذ أن له أن يأخذ حقه كاملاً من غير طمع في الزيادة وإن قلت وهذا عين القسط وتمام الإيفاء5.

1 انظر سورة المطففين.

2 أخرجه الإمام البخاري انظر (الصحيح مع الفتح 1/57) .

3 الآية 35 الإسراء.

4 الآية 9 من سورة الرحمن.

5 الرازي 13/234.

ص: 20

قوله تعالى: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} 1.

هذه الجملة الكريمة مستأنفه كشف الله بها غمة عظيمة، وهون ما قد يجيش في نفس المسلم الورع فقد يتوهم أن الإيفاء واجب على التحقيق لاسيما وقد أردف بقوله:{بِالْقِسْط} (الرحمن: من الآية9) فيظن أن المراد كمال الإيفاء المطلق بحيث لا يزيد على ما يستحقه صاحب الحق أدنى زيادة، ولا ينقص منه أقل القليل، ولا ريب أن تحقيق هذا صعب جداً ولا يمكن الوفاء على هذا النحو، لتحقيق الوفاء بالقسط أمر دقيق جداً ولا يتحقق في كل مكيل وموزون إلا بآلات بالغة في الحساسية ودقة الوزن والكيل إلا أن يكون ذلك بموازين الذهب التي تضبط الوزن بأقل ما يمكن وزنه أو بأجهزة (الكمبيوتر) البالغة الدقة وهذا فيه عنت وحرج على الأمة الإسلامية ولا يمكن أن تتوفر هذه الموازين لكل فرد من المسلمين وإن وجدت في عصر ما خلت منها عصور، فكانت رحمة العليم الخبير بشئون عباده تجلّل عباده توسعة عليهم ورفعاً للحرج، وليزيل ما قد يرد على صدور الأتقياء منهم من هواجس فقال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} 2 وهنا يفهم المسلم أن الله عز وجل لا يكلف عبدا إلا ما يسعه فعله، بأن يؤدي ما كلف من غير عسر ولا حرج، فهولا يكلف من يشتري أو يبيع أنواع الحبوب والفواكه وغيرها من الأقوات أن يكون كيله ووزنه على ما تقدم من الوصف في الدقة والكمال بحيث لا يزيد حبة ولا ينقص مثقالا، بل هو مكلف أن يكون كيله ووزنه منضبطا في بيعه وشرائه على حد سواء وعلى القدر الذي تعارف الناس ويكون معتقداً أنه أوفى الناس حقوقهم ولم يتطرق الظلم إلى معاملاته بزيادة أو نقص يعتد به عرفا، ويبرز هذا المنهج جليا للناظر، أنه قاعدة في اليسر عظيمة، وأساس في رفع الحرج عن هذه الأمة، فحصر التكليف بما في وسع المكلف غاية في التيسير، والبعد عن المؤاخذة فيما يقابل ذلك، وهذا من أعظم مقاصد الدين الإسلامي الذي جاء به محمدصلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فهلا نبذ المسلمون حاكمون ومحكومون القوانين الوضعية، واستناروا بسرج الحق والهداية لتستقيم أمور معاملاتهم، وتسود الثقة والأمانة فيما بينهم، وليكونوا قدوة لغيرهم من الأمم في الخير، وحجة على المطففين والمفسدين، وما فسدت أمور المسلمين في عصر من العصور، وقلت ثقتهم بأنفسهم، واحتلت ثقتهم بالأجانب مكاناً رفيعاً من أنفسهم إلا بسبب البعد عن منهج الله، والخضوع للقوانين المستوردة فأعرضوا عما أوصاهم به العليم الخبير وحثهم على التمسك به البشير النذير.

1 الآية 152 من سورة الأنعام.

2 الآية 286 من سورة البقرة.

ص: 21

‌الإيضاح

هذا المبدأ الاجتماعي الهام قرره رب العزة والجلال في أكثر من موضع في كتابه العزيز ومنها ما نحن بصدد بيانه قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} 8. فكأن نبي الهدى والرحمة المبلغ عن الله عز وجل يقول: "ومما أتلوا عليكم أيها المسلمون من وصايا ربكم أن أوفوا الكيل إذا كلتم للناس، أو اكتلتم عليهم لأنفسكم وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم

8 الآية 152 من سورة الأنعام.

ص: 19