الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي بينهما كما قال المسيح: "أبي أعظم مني"(يوحنا 14/ 28)، وقال:"أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل"(يوحنا 10/ 29).
وليس من أحد من النصارى يرضى بالقول بأن الآب هو الابن، فإنهم يقولون بتمايز الأقانيم، وإن زعموا أنها متوحدة في جوهرها، يقول الأب متى المسكين:" الإيمان المسيحي يقول: إن الأقانيم في الله متميزة، فالآب ليس هو الابن، ولا الابن هو الآب، وكل أقنوم له اختصاصه الإلهي"(1)، وعليه فمن رأى الابن لم يرَ الآب.
وأما قول المسيح: "أنا هو الطريق والحق والحياة" فيقصد فيه المسيح الدعوة إلى التزام تعليمه ودينه الذي أنزله الله عليه، فهو وإخوانه الأنبياء - بتعاليمهم وهديهم - الطريق الموصل إلى الجنة دار الخلود، كما قال في موطن آخر:"ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي"(متى 7/ 21)، فالخلاص يكون بالعمل الصالح والبر " أقول لكم: إنكم إن لم يزد بِرّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات .. ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/ 20 - 23).
ويتأكد ضعف الاستدلال بهذا الدليل المزعوم "الذي رآني فقد رأى الآب" إذا آمنا أن رؤية الله الآب ممتنعة في الدنيا، كما قال يوحنا:" الله لم يره أحد قط"(يوحنا 1/ 18)، وكما قال بولس:"لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية "(تيموثاوس (1) 6/ 16)، فيصير النص لزاماً إلى رؤية المعرفة والبصيرة كما تقدم بيانه.
ج. معية المسيح الأبدية
ويتعلق الزاعمون بألوهية المسيح بما جاء في أقوال المسيح من نصوص تتحدث
(1) شرح إنجيل القديس يوحنا، الأب متى المسكين (1/ 35).
عن معية المسيح للتلاميذ ومن بعدهم من المسيحيين، وأنها معية دائمة إلى الأبد، فقد قال وهو يصعد إلى السماء:"وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"(متى 28/ 20)، وقال:"حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم"(متى 18/ 20)، ففهم منه الواهمون حضوراً ومعية حقيقيين، واعتبروا هذه المعية دليلاً على الألوهية، فالمسيح موجود في كل زمان ومكان، كما الله موجود في كل زمان ومكان (1).
وهنا نلحظ خطأين متراكبين: أولهما: في فهم معية الله لخلقه على الحقيقة، والثاني: في فهم معية المسيح.
فالكتاب المقدس لم يتحدث عن معية حقيقية لله أو للمسيح، فالله تعالى لا يحل في مخلوقاته، ولا يخالطهم، ومعيته لخلقه تبارك وتعالى أمر مجازي، معية النصر والتأييد والهداية، ومعية المسيح للتلاميذ هي كذلك معية إرشاد ومعية تعاليم، وقد قال الأنبا غريغوريوس في موسوعته تعليقاً على خاتمة إنجيل متى:"وهذه المعية ليست معية ظاهرة مادية، بل معنوية، بمعنى أنه أعطاهم المواهب والقدرات"(2).
وهذا النوع من المعية المجازية لا تكاد تحصى نصوصها - في الكتاب - لكثرتها، ومنها قول يحزيئيل بن زكريا مثبتاً اليهود في حربهم " قفوا اثبتوا، وانظروا خلاص الرب معكم، يا يهوذا وأورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا، غداً اخرجوا للقائهم، والرب معكم"(الأيام (2) 20/ 17)، ومثله قول موسى: "لأن الرب إلهكم سائر معكم، لكي
(1) ينزه الإسلام الله تبارك وتعالى عن الحلول في مخلوقاته، فالله بذاته بائن من خلقه، ولكن علمه وقدرته وسمعه أحاط بكل شيء، فلا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو غير محتاج في ذلك إلى التواجد بذاته العلية بين مخلوقاته.
(2)
موسوعة الأنبا غريغوريوس (اللاهوت المقارن)، ص (244).