الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير المنظور، بكر كل خليقة" (كولوسي 1/ 15).
لكن هذه الأقوال صدرت عن بولس الذي لم يشرف برؤية المسيح عليه السلام ولا التلمذة على يديه، ولا نرى مثل هذه العبارات عند أحد من تلاميذ المسيح وحوارييه، وهذا كاف لإضفاء ظلال الشك والارتياب عليها.
ثم إن الصورة تغاير الذات، وصورة الله هنا تعني نائبه في إبلاغ شريعته أو في القيام بشريعته، كما قال بولس في موضع آخر عن الرجل:" فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه، لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل"(كورنثوس (1) 11/ 7)، ومعناه أن الله أناب الرجل في سلطانه على المرأة.
كما أن كون المسيح على صورة الله لا يمكن أن يستدل به على ألوهيته، فإن آدم - وفق الكتاب المقدس - يشارك الله في هذه الصورة، فقد جاء في سفر التكوين عن خلقه: "قال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا
…
فخلق الإله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" (التكوين 1/ 26 - 27).
فإن أصر النصارى على الجمع بين الصورة وألوهية المسيح فإن في الأسفار ما يخطئهم، فقد جاء في إشعيا "اجتمعوا يا كل الأمم
…
لكي تعرفوا وتؤمنوا بي
…
قبلي لم يصور إله، وبعدي لا يكون، أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص" (إشعيا 43/ 9 - 11).
هـ. السجود للمسيح
وتتحدث الأناجيل عن سجود بعض معاصري المسيح له، ويرون في سجودهم له دليل ألوهيته واستحقاقه للعبادة، فقد سجد له أب الفتاة النازفة "فيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس قد جاء، فسجد له "(متى 9/ 18)، كما سجد له الأبرص "إذا أبرص قد جاء وسجد له "(متى 8/ 2)، وسجد له المجوس في طفولته " فخروا وسجدوا له،
ثم فتحوا كنوزهم " (متى 2/ 11).
فيما رفض بطرس سجود كرنيليوس له، وقال له:"قم أنا أيضاً إنسان"(أعمال 10/ 25)، فقد اعتبر السجود نوعاً من العبادة لا ينبغي إلا لله، وعليه يرى النصارى في رضا المسيح بالسجود له دليلاً على أنه كان إلهاً.
ولا ريب أن السجود مظهر من مظاهر العبادة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل سجود عبادة، فمن السجود ما هو للتبجيل والتعظيم فحسب، فقد سجد إبراهيم إكراماً لبني حث "فقام إبراهيم وسجد لشعب الأرض لبني حثّ"(التكوين 23/ 7).
كما سجد يعقوب عليه السلام وأزواجه وبنيه لعيسو بن إسحاق حين لقائه " وأما هو فاجتاز قدامهم، وسجد إلى الأرض سبع مرات، حتى اقترب إلى أخيه .. فاقتربت الجاريتان هما وأولادهما وسجدتا، ثم اقتربت ليئة أيضاً وأولادها وسجدوا، وبعد ذلك اقترب يوسف وراحيل، وسجدا "(التكوين 33/ 3 - 7).
كما سجد موسى عليه السلام لحماه (والد زوجته) حين جاء من مديان لزيارته "فخرج موسى لاستقبال حميه، وسجد، وقبّله"(الخروج 18/ 7)، وسجد إخوة يوسف عليه السلام تبجيلاً؛ لا عبادة لأخيهم يوسف "أتى إخوة يوسف، وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض"(التكوين 42/ 6)، واستمرت هذه العادة عند بني إسرائيل " وبعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا، وسجدوا للملك "(الأيام (2) 24/ 7).
وكل هذه الصور وغيرها كثير لا تفيد أكثر من الاحترام، وعليه يحمل سجود من سجد للمسيح عليه السلام.
وأما رفض بولس وبطرس لسجود الوثنيين لهما، فكان بسبب أن مثل هؤلاء يكون سجودهم من باب العبادة، لا التعظيم، خاصة أنهم يرون معجزات التلاميذ، فقد يظنونهم آلهة لما يرونه من أعاجيبهم.