المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقد الاستدلال بالنصوص التوراتية - الله جل جلاله واحد أم ثلاثة

[منقذ السقار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المسيح في معتقد المسلمين

- ‌عقائد الفرق النصرانية المعاصرة

- ‌أولاً: الأرثوذكس

- ‌الأقانيم عند الأرثوذكس

- ‌وأبرز معتقدات الكنيسة الأرثوذكسية وفروقها عن الكنائس الأخرى:

- ‌ثانياً: الكاثوليك

- ‌الأقانيم عند الكاثوليك

- ‌وأما أبرز ما تختلف فيه الكنيسة الكاثوليكية عن الأرثوذكسية المصرية فهو:

- ‌ثالثاً: البروتستانت

- ‌أدلة النصارى على ألوهية المسيح

- ‌مدخل إلى مناقشة أدلة النصارى على ألوهية المسيح

- ‌أولاً: نصوص نسبت إلى المسيح الألوهية والربوبية

- ‌الأسماء والألقاب لا تفيد ألوهية أصحابها

- ‌هل سمي المسيح (الرب) و (الإله)

- ‌إطلاقات لفظ الألوهية والربوبية في الكتاب المقدس

- ‌ثانياً: نصوص بنوة المسيح لله

- ‌هل سمى المسيح نفسه ابن الله

- ‌المسيح ابن الإنسان

- ‌أبناء كثر لله، فهل هم أيضاً آلهة

- ‌معنى البنوة الصحيح

- ‌هل ادعى المسيح بنوة حقيقة تجعله معادلاً لله

- ‌بكورية المسيح بين الأبناء

- ‌الابن النازل من السماء

- ‌ثالثاً: نصوص الحلول الإلهي في المسيح

- ‌حلول الله المجازي على مخلوقاته

- ‌أ. قول المسيح: "أنا والآب واحد

- ‌ب. قول المسيح: "الذي رآني فقد رأى الآب

- ‌ج. معية المسيح الأبدية

- ‌د. المسيح صورة الله

- ‌هـ. السجود للمسيح

- ‌رابعاً: نصوص نسبت صفات الله إلى المسيح

- ‌أ. أزلية المسيح

- ‌ب. مقدمة إنجيل يوحنا

- ‌خامساً: نسبة أفعال الله إلى المسيح

- ‌أ. إسناد الخالقية لله بالمسيح

- ‌ب. إسناد الدينونة إلى المسيح

- ‌ج. غفران المسيح الذنوب

- ‌سادساً: دلالة معجزات المسيح على ألوهيته

- ‌المعجزات هبة إلهية

- ‌اشتراك غير المسيح مع المسيح في معجزاته

- ‌النصوص المناقضة لألوهية المسيح

- ‌الضرب الأول:

- ‌الضرب الثاني:

- ‌الضرب الثالث:

- ‌الضرب الرابع:

- ‌القول بتدرج إعلان ألوهيته

- ‌مبررات تجسد الابن

- ‌هل المسيح هو الله

- ‌استدلال النصارى بآيات من القرآن على ألوهية المسيح

- ‌ألوهية الروح القدس

- ‌نقض أدلة النصارى على ألوهية الروح القدس

- ‌قراءة في أقوال الآباء في مسألة الأقانيم

- ‌أدلة النصارى على عقيدة التثليث

- ‌أولاً: النصوص التوراتية وعقيدة التثليث

- ‌نقد الاستدلال بالنصوص التوراتية

- ‌ثانياً: النصوص الإنجيلية وعقيدة التثليث

- ‌أ. الاستدلال بنص الشهود الثلاثة على التثليث

- ‌ب. نقد الاستدلال بخاتمة متى على التثليث

- ‌التوحيد في الكتاب المقدس

- ‌أولاً: النصوص الموحدة في العهد القديم

- ‌ثانياً: النصوص الموحدة في العهد الجديد

- ‌التثليث سر لا يطيقه العقل

- ‌نشأة التثليث في النصرانية

- ‌أولاً: مجمع نيقية:

- ‌ثانياً: مجمع القسطنطينية:

- ‌التوحيد في التاريخ النصراني

- ‌أولاً: التوحيد فيما قبل مجمع نيقية

- ‌ثانياً: التوحيد فيما بعد مجمع نيقية

- ‌ثالثاً: الطوائف النصرانية الموحدة بعد ثورة الإصلاح الديني

- ‌مصادر القول بألوهية المسيح

- ‌أهمية بولس في الفكر النصراني

- ‌بولس وألوهية المسيح

- ‌بولس والتثليث

- ‌ألوهية المسيح والتثليث عقيدتان منحولتان من الوثنيات القديمة

- ‌أولاً: تجسد الإله في الوثنيات القديمة

- ‌ثانياً: التجسد من أجل الخلاص والغفران

- ‌ثالثاً: الإله المتجسد والخالقية

- ‌رابعاً: الأزلية والأبدية للآلهة المتجسدة

- ‌خامساً: تاريخ ميلاد الآلهة والعبادات والطقوس

- ‌سادساً: التثليث في الوثنيات القديمة

- ‌العبادات الوثنية الكاثوليكية

- ‌أولاً: تأليه مريم عند الكاثوليك

- ‌ثانياً: عبادة الصليب والصور والتماثيل

- ‌ثالثاً: العشاء الرباني

- ‌خاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌نقد الاستدلال بالنصوص التوراتية

‌أدلة النصارى على عقيدة التثليث

إن من الطبيعي والمتوقع ونحن نتحدث عن أهم عقائد النصرانية، أي التثليث أن نجد ما يؤصله في عشرات النصوص الواردة على لسان الأنبياء ثم المسيح ثم تلاميذه من بعده.

لكن التصفح الدقيق لما بين دفتي الكتاب المقدس يكشف لنا غياب الدليل الصريح الذي نبحث عنه، في العهد القديم، وأيضاً في الجديد، ولم العجلة في إصدار الأحكام، هلم نتأمل ما جاء في الكتاب المقدس من تأصيل لهذا المعتقد الهام.

‌أولاً: النصوص التوراتية وعقيدة التثليث

لم يرد في العهد القديم نص واحد يتحدث عن الثالوث الذي يشكل جوهراً واحداً، بل نستطيع القول بأن (الابن والروح القدس) اسمان لم يردا أبداً في العهد القديم؛ فضلاً عن الحديث عن الثالوث الجامع الذي تنادي به الكنيسة، فكيف يمكن الإيمان بعقيدة لم يعرفها الأنبياء خلال 1500 سنة من الوحي الإلهي؟.

هذه الحقيقة المذهلة لن تمنع الغريق من التعلق بقشة، فقد تعلق النصارى ببعض النصوص التوراتية، وزعموا أنها إشارات ورموز إلهية إلى التثليث، منها استخدام بعض النصوص التوراتية صيغة الجمع العبري (ألوهيم) عند الحديث عن الله كما في مقدمة سفر التكوين "في البدء خلق الله السماء والأرض"(التكوين 1/ 1)، وفي النص العبري "إلوهيم" أي:(الآلهة)، ومثله في استخدام ما يدل على الجمع في أفعال منسوبة لله، كقول التوراة أن الله قال:"هلم ننزل ونبلبل"(التكوين 11/ 7).

ومن الإشارات التوراتية أيضاً لتثليث الأقانيم قول الملائكة: "قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود"(إشعيا6/ 3)، فقد كرر ذكر كلمة (قدوس) ثلاث مرات، ومثله قالت الحيوانات التي رآها يوحنا في رؤياه:"قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء"(الرؤيا 4/ 8)، فزعموا أنها تعني:(قدوس الآب، قدوس الابن، قدوس الروح القدس).

‌نقد الاستدلال بالنصوص التوراتية

بداية يعترف النصارى بأن ليس في هذه النصوص ما نستطيع أن نعتبره دليلاً

ص: 159

صريحاً على التثليث الذي تنقضه النصوص التوحيدية الصريحة، كما لم يفهم سائر قراء العهد القديم - من لدن الأنبياء الأوائل لبني إسرائيل - شيئاً عن تلك التي يعتبرها النصارى إشارات على التثليث،

ويعترف بذلك القس بوطر: "بعدما خلق الله العالم، وتوج خليقته بالإنسان لبث حيناً من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بالوحدانية، كما تبين ذلك من التوراة، على أنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذ قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات "كلمة الله" أو "حكمة الله" أو "روح الله" ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة إلا في ضوء الإنجيل المعنى المراد

فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل" (1).

ويقول الدكتور واين جردوم: "أما في العهد القديم فالطبيعة الثالوثية لم تكن قد أعلنت بوضوح بعد، فإنه من غير المستغرب أن لا نجد أدلة على أن الصلاة كانت ترفع مباشرة إلى الله الابن أو الروح القدس قبل زمن المسيح"(2).

ويبرر عوض سمعان عدم وجود التثليث صراحة في العهد القديم: "نظراً لانتشار الوثنية في الأزمنة الغابرة، واحتمال إساءة اليهود فهم حقيقة التثليث وقتئذ، وجواز اتخاذهم إياها أساساً للاعتقاد بصدق عقيدة تعدد الآلهة التي كان الوثنيون يؤمنون بها؛ كان من البديهي ألا يقوم الله بإعلان حقيقة كونه ثلاثة أقانيم دفعة واحدة"(3).

وهنا يتساءل المرء: هل كان هذا السبب كافياً لإلغاز الله تثليث أقانيمه عن نوح وموسى وبني إسرائيل، فقد كان سبب ضلالهم وتيههم عن التثليث؛ فقد لبَّسه عليهم ما يقرؤونه في الكتاب من نصوص موحدة، جعلتهم يحاربون عقيدة التثليث ويرفضونها، فهل سيغفر لهم ولغيرهم أنهم لم يهتدوا إلى حقيقة المراد من هذه الألغاز؟.

ونظر المحققون فيما أسمته النصارى إشارات التوراة، فوجدوها محض تمحل لا تقبله الأذواق السليمة، ولا ترتضيه دلالات الكلام وتناسق السياق.

ثم إن غاية ما يمكن أن تدل عليه هذه النصوص تعدد الآلهة، من غير تحديد لها بالتثليث أو التربيع أو غيره، فالجمع الوارد في مثل قوله:(إلوهيم، هلم، ننزل، ونبلبل) لو أفاد جمع العدد فإنه يحتمل التربيع والتخميس وغيرهما، ولا يفيد التثليث بالضرورة.

لكن هذه الألفاظ يراد منها جمع التعظيم لا التكثير والتعدد، وقد اعتادت الأمم التعبير عن عظمائها باستخدام جمع التعظيم، فيقول

(1) انظر: محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة، ص (121)، العقائد المسيحية بين القرآن والعقل، هاشم جودة، ص (129 - 130).

(2)

كيف يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي، واين جردوم، ص (319).

(3)

الله في المسيحية، عوض سمعان، ص (234).

ص: 160

الواحد: نحن، ورأينا، وأمرنا، ومقصده نفسه، ولا يفهم منه مستمع أنه يتحدث عن ذاته وأقانيمه الأخرى.

واستخدام صيغة الجمع للتعظيم لا العدد معروف عند اليهود، ويسمونه (رِيبُويْ هَكَبود)، أي جمع التعظيم أو الشرف، ويستعملونه في لغتهم؛ وبخاصة فيما يتعلق باسم الجلالة (إلوهيم ?????)، يقول البروفيسور الرابي مناحيم كوهين الأستاذ في جامعة بار إيلان في كتابه:(مِكرأوت جدولوت)، ومعناه (القراءات الكبيرة):"لقد فسر (الرابي إبراهام بن عزرا 1089 - 1166) سبب تكلم الله بصيغة الجمع في عدة أماكن في التوراة ، وأكثر الرابيين على طول الأجيال تبنوا رأيه ، إن رأيهم بأن استعمال كلمة (إلوهيم) بصيغة الجمع هي لسان جمع لجلالة الملك، كما هي العادة في خطاب الملوك وأرباب المناصب. وببساطة إلوهيم يتكلم عن نفسه بلسان الجمع حتى يُفخم نفسه".

ويقول الرابي اليهودي توفيا سينجر في موقعه على شبكة الإنترنت ( Outreach Judaism) : " من الخطأ الفادح للمبشرين أن يترجموا اسم (إلوهيم ?????) على أنه يمثل نوعاً من المجموع بالنسبة للربوبية، وإلا فكيف يمكن للمبشرين أن يفسروا لنا الكلمة المقابلة لإلوهيم الواردة في (سفر الخروج 7: 1) وهي تشير إلى موسى؟ "فقال الرب لموسى انظر. أنا جعلتك إلهاً (إلوهيم) لفرعون".

ويقول الدكتور جرهاردوس فوس: "وأما لقب (إلوهيم ?????) فهو صيغة جمع تدل على الجلال والعظمة والغنى والسمو والكمال"(1).

ويقول القديس توما الأكويني: "قوله: (سماوات السماوات) بالجمع؛ فذلك من خاصية اللغة العبرانية التي جرت فيها العادة أن يعبر عن السماء الواحدة بصيغة الجمع"(2).

ويقول المطران كرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك: "في العهد القديم استعمل الشعب اليهودي كلمتين للإشارة إلى الله، كلمة (إلوهيم) وهي اسم جمع أو تفخيم لكلمة (إيل) التي استعملتها مختلف الشعوب الساميّة للدلالة على الله"(3).

ونختم بالأب متى المسكين حيث يقول: "و (إلوهيم) تأتي بالجمع في تكوينها، ولكن على مدى الكتاب تأتي بالمعنى المفرد لتدلّ على الله الحقيقي الفعّال، ليظهر الجمع أنه جمع المجد والجلال والعظمة، ولا دخل له بتعدد الآلهة على وجه الإطلاق"(4).

وصيغة جمع التعظيم معروفة أيضاً في الكتاب المقدس، ولها صور عديدة، منها قصة المرأة العرافة التي رأت روح صموئيل بعد وفاته، فعبرت عنه باستخدام صيغة الجمع، تقول التوراة:"فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم .. فقالت المرأة لشاول: رأيت آلهة (?????) يصعدون من الأرض، فقال لها: ما هي صورته؟ فقالت: رجل شيخ صاعد، وهو مغطي بجبّة. فعلم شاول أنه صموئيل"(صموئيل (1) 28/ 12 - 14)، فقد كانت تتحدث عن صموئيل، لقد رأته على هيئة رجل شيخ، وتستخدم مع ذلك صيغة الجمع (آلهة ?????)، فالجمع لا يفيد العدد بالضرورة، بل هو جمع التعظيم.

وعندما عبد بنو إسرائيل العجل، وهو واحد سمته التوراة آلهة مستخدمة صيغة الجمع في ثلاثة مواضع، تقول: "فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر

صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً، وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/ 4 - 8).

ويمضي السفر ليؤكد ثالثة أصالة استعمال الجمع الذي يراد منه الواحد، فيقول:"رجع موسى إلى الرب، وقال: آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة، وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب"(الخروج 32/ 31).

ومثله تجد هذا الاستخدام شائعاً في لغة العرب، كما في قول الله:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحِجر: 9)، فالمقصود هو الله الواحد العظيم.

وأما التكرار ثلاث مرات في قول الملائكة أو حيوانات رؤيا يوحنا وأمثال ذلك،

(1) علم اللاهوت الكتابي، جرهاردوس فوس ص (109)، وانظر دائرة المعارف الكتابية (1/ 379).

(2)

الخلاصة اللاهوتية (2/ 208).

(3)

اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر، المطران كرلس سليم بسترس (1/ 37 - 38).

(4)

النبوة والأنبياء في العهدالقديم، الأب متى المسكين، ص (50).

ص: 161