المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المال لله وللبشر حق الانتفاع: - المال والحكم في الإسلام

[عبد القادر عودة]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيمُ المُؤَلِّفِ:

- ‌الخَلْقُ وَالتَّسْخِيرُ:

- ‌هَذَا الكَوْنُ خَلَقَهُ اللهُ:

- ‌هذا الكون مسخر للبشر:

- ‌البشر مسخر بعضهم لبعض:

- ‌البَشَرُ مُسْتَخْلَفُونَ فِي الأَرْضِ:

- ‌اِسْتِخْلَافُ البَشَرِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ:

- ‌أَنْوَاعُ الاِسْتِخْلَافِ:

- ‌سُنَّةُ اللهِ فِي اِسْتِخْلَافِ الحُكْمِ:

- ‌أَمْثِلَةٌ مِنَ المُسْتَخْلَفِينَ السَّابِقِينَ:

- ‌مَرْكَزُ المُسْتَخْلَفِينَ فِي الأَرْضِ:

- ‌وَاجِبَاتُ المُسْتَخْلَفِينَ فِي الأَرْضِ:

- ‌جَزَاءُ تَعَدِّي حُدُودَ الاِسْتِخْلَافِ:

- ‌المَالُ مَالُ اللهِ:

- ‌مَاذَا يَمْلِكُ البَشَرُ فِي هَذَا الكَوْنِ

- ‌المَالُ للهِ وَلِلْبَشَرِ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ:

- ‌حُدُودُ حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ المَالِ للهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌حُقُوقُ الغَيْرِ فِي مَالِ اللهِ:

- ‌[1] الزَّ كَاةُ:

- ‌[2] الإِنْفَاقُ:

- ‌أنواع الإنفاق:

- ‌الإنفاق في سبيل الله:

- ‌الإنفاق على ذوي الحاجة:

- ‌إنفاق التطوع:

- ‌حد الإنفاق:

- ‌بحث محدود:

- ‌للهِ الحُكْمُ وَالأَمْرُ:

- ‌لِمَنْ الحُكْمُ

- ‌الحُكْمُ مِنْ طَبِيعَةِ الإِسْلَامِ:

- ‌الإِسْلَامُ عَقِيدَةٌ وَنِظَامٌ:

- ‌الإِسْلَامُ دِينٌ وَدَوْلَةٌ:

- ‌الحُكُومَةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَظِيفَتُهَا وَمُمَيِّزَاتُهَا:

- ‌الحُكُومَةُ التِي تُقِيمُ أَمْرَ اللهِ:

- ‌مَنْطِقُ التَّجَارِبِ:

- ‌وَظِيفَةُ الحُكُومَةِ إِقَامَةُ أَمْرِ اللهِ:

- ‌مِيزَاتُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الصفة الأولى: حكومة قرآنية:

- ‌الصفة الثانية: حكومة شورى:

- ‌الصفة الثالثة: حكومة خلافة أو إمامة:

- ‌نَوْعُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

الفصل: ‌المال لله وللبشر حق الانتفاع:

ادخار الكثير، وهذا المدخر يتشكل أشكالاً مختلفة بحسب ظروف كل شخص فيكون عقارًا أو منقولاً أو حيوانات أو معادن.

فهل يمتلك البشر كل هذا الذي يحتاجونه أو يجتازونه أو يدخرونه؟ ما حدود ملكيتهم؟ وهل هي ملكية تامة أو هي مليكة ناقصة؟ وهل هي ملكية مطلقة أم هي مليكة مقيدة؟

‌المَالُ للهِ وَلِلْبَشَرِ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ:

ونستطيع في سهولة ويسر إذا رجعنا إلى ما لدينا من نصوص ورتبنا معلوماتنا ترتيبًا منطقيا أن نصل إلى نتيجة واحدة هي أن المال كله لله وأن البشر لا يملكون منه إلا حق الانتفاع به.

فالله - جَلَّ شَأْنُهُ - هو الذي خلق وما بينهما وما فيهما من شيء {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ

فالله - جَلَّ شَأْنُهُ - هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من شيء {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]. {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [إبراهيم: 32].

ومنطقنا البشري يقتضي أن يكون خالق الشيء هو مالكه، وبهذا المنطق نفسه جاءت نصوص القرآن، فهي قاطعة في أن الله له ملك السموات والأرض وما بينهما:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة: 17 و 18]، وأنه يملك كل شيء في السماوات وكل شيء في الأرض من صغير وكبير سواء كان له قيمة مالية أو لم يكن له قيمة مالية {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

ص: 38

وَمَا فِيهِنَّ} [المائدة: 120]، وأنه - جَلَّ شَأْنُهُ - يملك كل هذا وحدة دون أن يكون له في ملكه شريك من البشر أو غير البشر، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111].

ولكن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - استعمر البشر في الأرض: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، وجعلهم خلائف فيها على ما سبق بيانه:{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39]،، وسخر لهم كل ما خلق في السموات والأرض وسلطهم عليه بقدر ما يستطيعون من استغلاله واستثماره:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]،. {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13].

ولم يسخر الله ملكه لفرد دون فرد، أو لفئة دون فئة، وإنما سخره للبشر جميعا وجعله مشاعا بين عباده الذين استخلفهم في الأرض ليعيشوا فيه وينتفعوا به، فما يعيش أحد منهم في ملكه، وما ينتفع إلا بملك الله، وليس أحد منهم احق بملك الله من غيره، وقدجعل الله منفعته لكل البشر: فهم فيه سواء.

ولقد بين الله لعباده الذين استخلفهم في الأرض انهم حينما يستغلون ما خلق وشمتثمرونه ويحصلون على منافعه لا ياتون بشيء من عندهم، وانما هورزق من الله يسوقه إليهم، وفضل آخر يغمرهم به: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ

ص: 39

وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [سبأ: 24]، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3]. وإذا لم يكن ثمة من يرزق غير الله فعلى البشر أن يطلبوا الرزق من الله وحده، وأن يبتغوه عنده {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} [العنكبوت: 17]، فهو الرازق القوي على خلق الرزق وإيصاله للمرزوقين {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].

فملك الله مسخر لمنفعة البشر، ولهم جميعًا أن ينتفعوا به ويستغلوه ويستثمروه ويعملوا فيه، والله مؤتيهم ثمرات الملك وغلته وأجورهم رزقًا من عنده، وما لرزقه من نفاد، وما جعل الله هذا كله إلا نعمة منه على البشر، ما يعود عليه من نفع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا.

ولقد علمنا فيما سبق أن ما في أيدي البشر من ملك الله وثمراته إنما هو عارية ينتفع بها البشر، وأن القيام على العارية في فقه البشر نيابة وإن كانت نيابة العبد عن ربه والمملوك عن ماله، كذلك علمنا أن مركز المستخلفين في الأرض هو مركز الخليفة أو النائب، وأن الخلافة أو النيابة هي عن الله - جَلَّ شَأْنُهُ -، وهي قائمة في حدود ما سخر الله للبشر من مخلوقاته، وما سلطهم عليه من ملكه، وما خولهم في ذلك كله من الاستغلال والانتفاع.

واذا كان الله - جَلَّ شَأْنُهُ - وهو مالك كل شيء قد سخر ما يملك لينتفع به عامة البشر الذين استخلفهم في الأرض، فإنه - جَلَّ شَأْنُهُ - هو الذي يمنح كل فرد منهم ما في يده من هذا

ص: 40

الملك الواسع {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 247]. سواء كان ما في يد الفرد قليلاً لا يزيد على حاجته أو كثيرًا يكفي العشرات والمئات {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26]. وما تغير هذه المنح أَيًّا كانت صفة الممنوحين، فما هم إلا بعض أفراد البشر المستخلفين في الأرض يقومون على ملك الله، وما هذا الملك إلا عارية في أيديهم، وما مركزهم من هذا الملك إلا مركز النائب أو الخليفة، وما لهم من سلطان على هذا الملك إلا ما خولهم الله من استغلاله والانتفاع به.

ولقد فرض الله على البشر أن ينفقوا من ماله الذي استخلفهم فيه وجعلهم قوامًا عليه {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]. ولم يترك لهم الخيار في الإنفاق، وعجب ألا ينفقوا، وما ينفقون إلا مِمَّا رزقهم الله وآتاهم إياه {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [النساء: 39].

وما أمر الله البشر أن ينفقوا إلا ذكرهم أنهم ينفقون من ماله الذي آتاهم، ورزقه الذي ساقه إليهم، والنصوص في ذلك كثيرة منها قوله {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة: 254]. {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [إبراهيم: 31]. {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].

ص: 41

وإذا كان المال مال الله وهو عارية في يد البشر الذين استخلفهم عليه فليس للبشر أن يتأخروا عن إنفاذ أمر الله في هذا المال فإذا أمرهم أن يؤتوا فئات من الناس شيئًا من هذا المال فعليهم أن يبادروا بذلك ما يؤتونهم إلا من مال الله {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33].

وعلى كل فرد في يده شيء من المال - وكل مال هو مال الله - أن يطيع أمر الله فيه، سواء قَلَّ مَا فِي يَدِهِ أَوْ أَكْثَرَ {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].

ولا يظنن أحد أن ما في يده من مال الله هو رزق خصها الله به فيمنعه عن غيره، ويبخل به على من يستحقه، فإن الله يرزق الناس ويؤتيهم ملكه ليقوموا عليه في حدود أمره ونهيه، وإذا فضل الله بعض الناس على بعض في الرزق فلا يحسبن صاحب الرزق الكثير إذا أنفق أو أعطى غيره أنه ينفق أو يعطي من رزقه، وليعلم أنه ينفق من مال الله، وأنه لا يعطي شيئًا من عنده، وإنما هو وسيط أعطى غيره من مال الله كما أخذ لنفسه من مال الله {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: 71].

ولا يفوتنا أن نلاحظ أن بعض نصوص القرآن نسبت المال لأفراد البشر من ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقوله:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2].

ص: 42

وقوله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 186]. وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]. وقوله: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].

وإضافة المال للبشر في هذه النصوص وغيرها لا تفيد أن البشر ملكوا المال، وإنما تفيد أنهم ملكوا حق الانتفاع به، فالمال مال الله كما قدمنا، وهو مالك كل شيء، وإنما سخره للبشر لينتفعوا به، فإذا أضيف إليهم فالإضافة لا يقصد منها إلا ملك الانتفاع. والقاعدة أن الإضافة يكفي فيها أدنى الأسباب، ولقد أضاف القرآن مال السفهاء إلى أوليائهم، لا لأنهم ملكوا المال، ولكن لأنهم يملكون حق التصرف فيه بما لهم من حق الولاية، فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} [النساء: 5]. فإضافة مال الله للبشر لأن لهم حق الانتفاع به هو نوع إضافة مال السفهاء إلى أوليائهم، لأن لهم حق التصرف فيه.

وبعد فإن النصوص لا يصح أن تفسر على ظاهرها ما دام هناك نصوص أخرى تناقضها .. والقاعدة أن نصوص القرآن لا يترك بعضها لبعض، وإنما تؤخذ جملة وتفسر مجتمعة، والتفسير الصحيح الذي يرفع التناقض يقتضي اعتبار نسبة المال للبشر نسبة مجازية، وأنه نسب إليهم لوجوده في أيديهم، ولما لهم من حق الانتفاع به في الحدود التي رسمها الله.

ص: 43