الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولرسوله ولجماعة المسلمين، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولا يؤاخذ الله محسنًا أحسن عمله أو قوله بقدر ما يستطيع {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91].
الإنفاق على ذوي الحاجة:
يدخل الإنفاق على ذوي الحاجة في الجماعة الإسلامية تحت الإنفاق في سبيل الله، لأن سبيل الله هي طاعته، فكل إنفاق يطاع فيه الله هوإنفاق في سبيل الله، ولكنا أفردنا للإنفاق
على ذوي الحاجة مكانًا خاصًا وعنوانًا مستقلاً لأن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - خصه بنصوص خاصة من ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (1)[البقرة: 177]. وقول: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26]. وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ
(1) المساكين: هم الفقراء المتعففون، وقد عَرَّفَ الرسول صلى الله عليه وسلم المسكين بقوله:«لَيْسَ المِسْكِينُ [بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ] تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ» [قَالُوا: فَمَا المِسْكِينُ؟] قَالَ: «الذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ، فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ» .
وابن السبيل: هو المنقطع في السفر لا يتصل بأهل ولا قرابة، والسائلون هم من تدفعهم الحاجة إلى تكفف الناس، والسؤال محرم شرعًا إلا عند الضرورة.
وفي الرقاب: أي في تحريرها وعتقها كافتداء الأسرى.
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36]. وقوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر: 42 - 44]، وقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، وقوله:{قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215]. {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. وقوله: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
والإنفاق على ذوي الحاجة فريضة افترضها الله في المال فليس لمستخلف على مال الله أن يمنعها، وللحكومات الحق في أن تأخذ من أموال الأغنياء ما يكفي حاجة الفقراء فإن لم تفعل فقد عصت أمر الله وحرمت ذوي الحاجة حقوقهم التي فرضها لهم الله.
ولا يشترط أن يكون الفقراء وذوو الحاجة معدمين لا يملكون شيئًا أصلاً حتى يستحقوا الإنفاق عليهم، وإنما الشرط أن لا يكون لديهم ما يكفي حاجتهم، فكل من كان إيراده لا يكفي حاجته فهو من ذوي الحاجة وعلى الحكومة الإسلامية أن تأخذ من فضول أموال الأغنياء ما يرد حاجة ذوي الحاجة.
والإنفاق على ذوي الحاجة يعبر عنه بالصدقة كما يعبر عن الزكاة بالصدقة، وذوو الحاجة الذين يجب لهم الإنفاق هم تقريبًا الذين فرضت لهم الزكاة في قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60]. وقد دعا هذا الى اشتباه الأمر على البعض، فظن أن ليس في المال لذوي الحاجة سوى الزكاة، وهذا خطأ لا شك فيه، لأن الزكاة ليست هي كل ما في المال من حق، وإنما هي الحق الأول لذي الحاجة، فإن كفتهم فبها، وإلا فقد وجب الإنفاق فريضة من الله حتى تكف الحاجة عن ذوي الحاجة.
وليس أدل على صحة ما نقول من أن القرآن فَرَّقَ بين الإنفاق والزكاة في نص واحد واعتبر كليهما من الأعمال التي يقتضيها الإيمان ويقوم من أجلها الإسلام، وذلك قوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177]. فجاء النص صريحًا في وجوب الإنفاق وفي وجوب الزكاة. والفصل بين الإنفاق والزكاة بالصلاة دليل على الاختلاف بين الإنفاق والزكاة، والنص على كل من الإنفاق والزكاة على حدة في آية واحدة قاطع بأن كليهما يختلف عن الآخر وأنهما فريضتان مختلفتان، ومن ادعى أن الزكاة نسخت الإنفاق كفريضة فإنه يدعي ما لا حجة له عليه، فالزكاة فرضت في مكة والآية التي سبق ذكرها مدنية، فكيف تنسخ الفريضة السابقة اللاحقة؟ بل كيف ينسخ بعض النص الواحد بعضه الآخر؟
ولقد جاءت السُنَّةُ بنفس ما جاء به القرآن من المخالفة