الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، أو قامت فيه صفة تستوجب العزل كان للجماعة عزله وتولية غيره، وإذا مات انتهت ولايته بموته.
نَوْعُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:
قلنا فيما سبق أن الحكومة الإسلامية فريدة في نوعها، متميزة عن غيرها، وإنها تختلف عن كل حكومة موجودة في العالم الآن، وعن كل حكومة وجدت من قبل .. وسنبين فيما يلي أن الحكومة الإسلامية لا يمكن إدخالها تحت أي نوع من أنواع الحكومات التي عرفها العالم، وأنها حكومة لا مثيل لها.
فالحكومة الإسلامية كما عرفنا مقيدة باتخاذ القرآن دستورًا لها، وملزمة بالنزول على أحكامه التي لا تقبل تبديلاً ولا تعديلاً ولا تعطيلاً، فهي بذلك ليست من نوع الحكومات المستبدة المطلقة من كل قيد، كما أنها ليست من نوع الحكومات القانونية، لأن الحكومات القانونية تخضع لقوانين وأنظمة يضعها البشر وهم متأثرون بأهوائهم وشهواتهم، والقوانين والأنظمة التي يضعها البشر قابلة للتبديل والتعديل والإلغاء إذا ما قضت بذلك أهواء البشر وشهواتهم. أما أحكام القرآن فهي من عند الله، وهي دائمة إلى الأبد لا تماشي أهواء الحكام ولا أهواء المحكومين، وإنما تعدل الفريقين وتوفي كُلاًّ حَقَّهُ في حدود العدل الخالص مع حفظ مصلحة الجماعة.
ولتكون الموازنة كاملة ينبغي أن تعلم أن نصوص القرآن جاءت بالأحكام الكلية، ورسمت المناهج العامة للحكم والإدارة،
وتركت ما دون ذلك لأولي الأمر ينظمونه بقوانين يضعونها ولكن هذه القوانين، وهي من وضع البشر يجب أن يراعى فيها ألا تخرج على الإسلام العامة، وأن تكون تطبيقًا دقيقًا لروح الشريعة الإسلامية، فهذه القوانين التي يضعها أولو الأمر ليست في الحقيقة إلا صدى القرآن وظله، وهناك فرق كبير بينها وبين القوانين التي يضعها البشر غير مقيدين إلا بأرائهم وأهوائهم ومصالحهم.
وإذا كان من أخص صفات الحكومة الإسلامية أنها حكومة شورى فإنها لا تشبه في شيء الحكومات النيابية، كما أنها تخالف في طبيعتها الحكومات غير النيابية، وإذا كان أساس الحكومات النيابية في العالم هو الشورى إلا أن الشورى في الحكومات الإسلامية لا تشبه في شكلها، ولا نوعها، ولا الغرض منها، تلك الشورى التي تقوم عليها الحكومات النيابية.
وإذا كان من وظيفة الحكومة الإسلامية أن تقيم الدين فإنها لا تعتبر من نوع الحكومات الدينية التي يسميها الفقه الدستوري حكومات ثيوقراطية، إذ أن الحكومة الإسلامية لا تستمد سلطانها من الله وإنما تستمده من الجماعة. وهي لا تصل للحكم ولا تنزل عنه إلا برأي الجماعة، وهي مقيدة في كل أعمالها وتصرفاتها برأي الجماعة. والتزام الحكومة حدود الدين الإسلامي لا يغير من هذه النتيجة شيئًا ما، لأن الدين الإسلامي يدعو الناس أن يعملوا لدنياهم قبل أن يدعوهم ليعملوا لأخراهم، بل إنه من يرتب الحياة الأخرى على ما يعمله
المرء في حياته الدنيا فهو دُنْيَا قبل أن يكون دينًا، وهو أُولَى قبل أن يكون آخرة، وإذا كان الإسلام قد حد للناس حدودًا لا يتعدونها، ووضع لهم أحكامًا ألزمهم اتباعها فإنه لم يسلبهم حريتهم في العمل، ولم يملك عليهم كل أمرهم، بل ترك لهم أن يفكروا في أنفسهم وأن يدبروا حياتهم وأن يعملوا بوسائلهم، وترك لهم أن ينظموا أنفسهم وأن يرعوا مصالحهم الخاصة والعامة، وأن يعدوا لمستقبلهم ما يشاؤون من الخطط التي تؤدي إلى رقيهم وإسعادهم وتفوقهم.
ونستطيع أن نقول في غير تجوز إن الإسلام ترك للبشر الحرية كاملة فيما يأخذون وما يدعون، ولم يقيدهم إلا بأن تكون حياتهم قائمة على الفضائل حتى يحيوا حياة فاضلة تسودها العدالة والمساواة والحب والتضامن وغير ذلك من المبادئ الإنسانية العليا التي جاء بها الإسلام والتي يدعي العالم كله أنه يعمل لتحقيقها وما يستطيع أن يحققها بعد أن انسلخ عن الدين واتبع الأهواء والشهوات، تلك المبادئ التي نسميها إنسانية وماعرفها أهل الأرض إلا عن طريق السماء ورسالات الأنبياء.
ولقد فرض الله الشورى على المسلمين وجعلها عمادًا لحياتهم العامة، ولو كانت الحكومة الإسلامية حكومة ثيوقراطية لما كانت الشورى، ولما ألزم الله رسوله أن يشاورهم في الأمر {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. وهو في غنى عن
مشاورة البشر بالوحي الإلهي، ولما ألزم الرسول نفسه نتائج المشورة المخالفة لرأيه الخاص كما فعل في غزوة بدر وغزوة أحد وغيرهما من المواقف، وإنما ألزم الله رسوله المشورة ليضع للناس قواعد الشورى، وألزم الرسول نفسه بنتائج المشورة ليسن لمن بعده أن يلتزم نتائجها ويتقيد بها.
ولو كانت الحكومة الإسلامية ثيوقراطية لكان للخليفة أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، ولكن الخليفة وكل حاكم إسلامي مقيد، فيما ورد فيه نص، بنصوص القرآن والسنة، وفيما لم يرد فيه نص بما تسفر عنه الشورى.
وإذا كان نظام الحكم الديموقراطي يشبه نظام الحكم الإسلامي فيما يوجبه من اختيار الحكام بمعرفة ممثلي الأمة وفيما يوجبه من قيام الحكم على العدل والمساواة وفيما يطلقه من حرية العقول والأفكار، فإن نظام الحكم الإسلامي يختلف عن الديموقراطية في أنه يقيد الحاكمين والمحكومين بقيود تمنعهم من الإنطلاق وراء الأهواء وتحول بينهم وبين الخضوع للشهوات. كذلك يختلف الإسلام عن الديموقراطية في أنه لا يترك مقاييس العدالة والمساواة وغير ذلك من الفضائل الإنسانية في يد البشر يرسمون حدودها فيوسعونها تارة ويضيقون منها أخرى نزولاً على أهواءهم وخضوعًا لشهواتهم، وإنما يرسم الإسلام حدود الفضائل والمبادئ الإنسانية ويضع مقاييسها ويخضع البشر لهذه المقاييس العلوية، وبذلك حمى الإسلام الحياة العامة من الفساد، وكبح الأهواء، وأقام
الحكم على أسس من الفضيلة يسلم بها الجميع ويحترمونها ولا يأنفون من الخضوع لها. أما الديموقراطية فتترك للبشر أن يرسموا حدود كل شيء وأن يضعوا المقاييس للحياة البشرية ومن ثم جمحت بهم الأهواء والشهوات وتغلبت عليهم المصالح والمنافع وانقلبت المجتمعات الديموقراطية إلى مجتمعات متحللة فاسدة تشيع فيها الرذائل وتعيش على مسخ المعاني السامية والفضائل الإنسانية، فالعدالة لا تقاس بمقياس القرابة والزلفى والحقوق لا تصل لأربابها إلا عن طريق الرشوة والمحسوبية، والتحرر العقلي معناه الانطلاق من الحياة والدين والأخلاق وهدم كل ما يميز الإنسان العاقل عن الأنعام والسوائم.
وإذا كان النظام الجمهوري يشبه النظام الإسلامي من حيث اختيار الرئيس الأعلى للجمهورية فإنه لا يوجد أي نظام جمهوري يسمح بانتخاب رئيس الدولة لمدى الحياة كما يسمح بذلك النظام الإسلامي، فضلاً عما سبق بيانه من وجوه الخلاف بين النظام الإسلامي والأنظمة الديموقراطية.
وليس بين النظام الإسلامي وبين الأنظمة الديكتاتورية أي وجه من وجوه المشابهة، فالنظام الإسلامي يقوم على البيعة والشورى، وعلى حدود مرسومة بين الحاكمين والمحكومين، وعلى جواز عزل الحاكم، ولا تسمح الأنظمة الديكتاتورية بشيء من ذلك.
ويختلف نظام الحكم الإسلامي عن أنظمة الحكم الملكية، فما يورث الحكم والسلطان في الإسلام، وإنما يترك للجماعة أن تختار للحكم من تراه أصلح الناس له وأقدرهم عليه وحسبنا دليلاً على ذلك أن النبي لقي ربه فما تولى الحكم بعده أحد من أهله وإنما خلفه أبو بكر، فلما توفي لم يخلفه أحد من أهله وإنما خلفه عمر، فلما قتل خلفه عثمان وهو من غير أهله، فلما قتل خلفه عَلِيٌّ وما كان من أهل عثمان.
وأخيرًا فان كل من يحاول الادعاء بأن نظام الحكم الإسلامي يماثل نظامًا معينًا من أنظمة الحكم التي عرفها العالم قديمًا وحديثًا فإنما يتكل ويدعي ما لا يعلم ويبعد عن الحق، فالنظام الإسلامي نظام فريد في نوعه أوجده الإسلام ولم يحاول أحد أن يقلد المسلمين فيه، بل إن المسلمين أنفسهم لم يطبقوا النظام الإسلامي بعد وفاة النبي إلا في عهد الخلفاء الراشدين، ثم حولت الأهواء هذا النظام الإلهي إلى ملك عضوض لا يتورع أن يعطل أحكام الإسلام، ويحل حرمات الله ليمكن للأطفال والفساق والظلمة من رقاب المسلمين.