الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُدَارَاةُ وأثرها في العلاقات العامة بين الناس
(دِرَاسَةٌ شَرْعِيةٌ اجتماعيةٌ)
بقلم
د. مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَن آل سعود
ال
مقدمة
الحمد لله القائل: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [164/ الأنعام] .
وأُصلّي وأُسلِّم على من اصطفاه ربّه وأرضاه، القائل:" كلام ابن آدم كلّه عليه لا له إلاّ ذكر الله عز وجل، أو أمر بمعروفٍ أو نهي عن منكر " 1، وعلى آله وصحبه، وأمّته الذين اتّبعوا هداه.
أما بعد:
فللمسلم الفرد دور خاص في حياة المسلمين جماعة، ولهم فيه تأثير فيما يأتي أو يدع. ودوره يَبْرز أو يختفي حسب قدراته، واستعداداته للمشاركة، من خلال فرص الحياة الكثيرة، ومعرفة استغلالها من قِبَلِهِ.
وأردت - والله المستعان - من خلال بحث موضوع (المُداراة وأثرها في العلاقة بين النّاس) أن أشارك غيري دراسة أنجع السبل لإيجاد علاقات اجتماعية ناجحة وفق المعنى الشرعي في مجتمع يدين في شتى نواحي الحياة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
وأُبيِّن بعض ما ورد عن هذا السلوك الأساسي - الَّذي يربط جميع أفراد المجتمع بعضه ببعض - في القرآن والسنّة، وما انعكس بعد ذلك من تأثير عنهما
1 أَخرَجه التِّرمذيّ في الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان، وقال:((هذا حديث حسن غريب)) ، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب كفُّ اللسان في الفتنة.
على حياة الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
ثمَّ ما طرأ بعد ذلك على هذا السلوك من توسّع في المفهوم لدى المتأخرين الَّذِين بدأت تميل كفّة ميزان حياتهم إلى الأمور المادية، بعالمها، ومعالمها، مما دفع بعضهم إلى التّخلّي - متعمّدًا، أو مضطرًا - عن بعض الأخلاق الحميدة الَّتِي تميّز الفرد المسلم عن غيره، كالصدق، والوفاء، والمروءة، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من السيء من القول أو الفعل الَّذي من أخطره، وأشنعه خصلتا: النفاق، والكذب. اللتان توديان بصاحبيهما يوم القيامة إلى الدرك الأسفل من النار.
وقد قسَّمت بحثي هذا إلى أربعة مباحث بعد المقدّمة والتمهيد.
في الأَوَّل تعريف عام (للمداراة) في معناها اللّغوي، والاصطلاحي.
وفي الثَّاني استعرضت بشيء من الإيجاز ما ورد في كتاب الله العزيز عن (المداراة) ومدلولاتها وفق ما اخترت من آيات كريمات. وحاولت أن أُبرز دور (المداراة) في دعوة الرسل بوصفها منهجًا قائمًا بذاته يحتاجه الدعاة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وفي الثَّالث أوردت نماذج مختلفة ممَّا ورد في السُّنَّة المطهرة من أحاديث تدعّم ما أردت بيانه من تأثير (المداراة) على سلوك الداعية، وإيجابية ذلك في نتائج دعوته.
وذكرت من مواقف بعض الصَّحابة، والتابعين رضي الله عنهم ما يندرج في مفهوم العام (المداراة) .
وأمّا المبحث الرابع فأردت أن استبين واقع المجتمع المعاصر الذي اعتبرته امتداداً طبيعياً للمجتمعات فيها يخصّ معاملة الأفراد بعضهم بعضاً وما استجدَّ فيه من مفاهيم واسعة (للمداراة) فرضتها عوامل معيشية مختلفة على
كثير من أفراده، يجنح معظمها إلى الخروج عن المفهوم الإسلامي الصحيح. وما انعكس بعد ذلك من نتائج سلبية على المجتمع المسلم المعاصر.
وفي الخاتمة حاولت أن استعرض أهم نقاط البحث الإيجابية مثل أسلوب الصالحين في الدعوة إلى الله، والسلبية كخفّة الوازع الديني عند البعض، وتفشي الرشوة، وتعميم الوساطة، واعتبار المحسوبية، وتقرير الحلول المناسبة الَّتي من أهمّها تحقيق معنى الإحسان:" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "1.
فإِنَّ ذلك صِمام أَمانٍ للإنسان من الوقوع في كثير من المعاصي والآثام. ومن الله استمدّ العون والتوفيق.
وفي التمهيد قبل ذلك ذكرت نقاطًا من أهمها حاجة الإنسان للإنسان لقضاء حاجاته، وتحقيق أهدافه، وما يجب أن يكون بينهما من صدق ووفاء واحترام لتسلك العلاقة بينهما مسلكًا صحيحًا وفق ما نصّ عليه الشارع الحكيم عند تبادل المصالح.
ومنها تقوى الله في السرّ والعلن حتَّى لا يطغى الشَّر على الخير، والرضا بما قسمه الله دون التطلع إلى ما بأيدي النّاس.
ومنها العمل التطبيقي لما جاء في القرآن من آيات باهرات تدلّ المسلم إلى أنجع الطرق، وأقربها تحقيقًا من نفسه للخروج من اليأس إلى الأمل، فإِنَّ القلوب كلما كانت مطمئنة بالإيمان استطاع أصحابها العيش بسلام وأمان.
ومنها أن التفاوت في السلوك والأخلاق بين المسلمين سببه اختلاف
1 أَخرَجه البخاريّ في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النَّبي صلى الله عليه وسلم.
درجات فهمهم لقواعد دينهم. وقبل ذلك صلاح النيّة، أو فسادها في القول أو العمل.
ومنها أن العلم الشرعي السليم من آفة البِدع والضّلال يُكْسِي صاحبه كلما ازداد منه، درعًا واقيًا يرد عنه كيد الشيطان. ويبصِّره الصراط المستقيم.
ومنها أن القدوة الحسنة، والنشأة القويمة، والتربية السليمة للإنسان تجعل منه عنصرًا صالحًا طيّبًا ينتفع منه الجميع.
ومنها ارتباط مصالح النّاس بعضها ببعض، فلا يستطيع إنسان الاكتفاء ذاتيًا في متطلبات معيشته دون الاستعانة بغيره. والناس على درجات متفاوتة من الذكاء، ممّا يجعلهم يتفاوتون في الجمع والتحصيل، ولا يتّفقون في القدْر والنوع. وغير ذلك من النقاط الَّتي احتواها هذا البحث الَّذي يصبُّ في قالب العلاقات العامة، والقدرات الإنسانية الاجتماعية وفق توجيه إسلامي حكيم، والله أعلم وهو المستعان.