المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة ، والتوصيات (المداراة) خُلُق في الإنسان، مكتسب ليُصبح له بعد ذلك - المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

[محمد بن سعد آل سعود]

الفصل: ‌ ‌الخاتمة ، والتوصيات (المداراة) خُلُق في الإنسان، مكتسب ليُصبح له بعد ذلك

‌الخاتمة

، والتوصيات

(المداراة) خُلُق في الإنسان، مكتسب ليُصبح له بعد ذلك سلوكًا، يُقَوِّم من خلاله معظم علاقاته الاجتماعية مع الآخرين.

وكُلَّما كان الإنسان ذا علاقة واسعة مع غيره، وتعددت مسئولياته احتاج إلى نوع من (المداراة) الّتي من أبرزها: اللين.

فمهمّة الأنبياء والرسل في نشر الدعوة إلى توحيد الله، وهداية الأمم يغلب عليها طابع (المداراة) فيما لا يخالف منهج الدعوة، وأهداف الداعية. فكانوا يتعاملون مع أذى المناوئين لدعوتهم بالصبر، والأناة، والحكمة، والموعظة الحسنة. مُوَجَّهِين من الله تعالى بذلك.

والعامة من المسلمين في تعاملهم المعيشي مع بعضهم يُفْتَرضُ أن الشريعة الإسلامية الّتي تحثّ على الصدق، والوفاء، والتعاون على البرِّ والتقوى وإصلاح ذات البين، وإغاثة المحتاج، والإيثار هي مرشدهم في تعاملهم. أولئك كانوا أقرب إلى الهدى من الضلال، وإلى الخير من الشرّ، حتّى إذا ابتعد أكثر النَّاس عن صميم تعاليم دينهم، وخفَّ لديهم الوازع الديني، وشُغِلوا بالماديات في شتى أمور حياتهم، وتعلّقوا بالحياة الدنيا وزخرفها، ابتدعوا من قبل أنفسهم حِيلاً، وأساليب مختلفة للوصول إلى غاياتهم، لا يضرهم من تضرر إذا حققوا ما يُريدون!!

فَبَرَزَ في المجتمع المسلم فئة من المسئولين استغلت ضعف الضعيف، وطمع القوي، يعاملون الفئتين بالابتزاز، واصطياد الفرص، فأفشت بينهم الرِّشْوَة، ورسَّخت في المفهوم العام فكرة الوَسَاطَةِ، والوَسيط لانجاز مصلحة وإن لم تَسْتَوْف الشروط اللَاّزمة الصحيحة لإنجازِها. وهذا ليس من (المداراة) في شيء.

ص: 334

ويكون من واجب ولاة الأمر حِينَئذٍ التقصي والاجتهاد في اختيار مُعاونيهم في شتى الأعمال، ومتابعتهم بعد ذلك، وتقويم اعوجاج سُلوكِهم، أو حماية المجتمع من شرورهم بإقصائهم بعد معاقبتهم، ليتحقق المفهوم العام القائل: الرجل المناسب في المكان المناسب.

وما يسببه البعض من إحراج للمسئول عند مراجعته لإنجاز معاملته - وتكون ناقصة المعلومات، أو مخالفة لمقتضيات النظام - فيذكّره بقرابته، ويستفزه بعبارات المديح، وبما له عليه من حقوق، مما يضطره إلى مجاملته، وتقديم طلبه على المستحقين قَبْلَهُ، أو أن يعامله بخلاف نصوص التنظيم، فيضطرب أمر الدائرة، ويتسلل الخطأ، وربما يعالج بخطأ آخر.

فعلاج ذلك - في مفهومي - دراسة الأنظمة - قبل وضعها موضع التنفيذ - دراسة دقيقة وافية من قِبَل مختصين، أهل دراية، وخبرة شرعية وقانونية، ثمَّ تُطْرح للتجربة، ويتابعون تنفيذها، والعمل بها مدّة تتناسب وأهميّة النظام من حيث مِساسه بالجمهور، وباعتباره قاعدة تقوم عليها أسس أخرى. وألَاّ يستنكف واضعو النظام من الأخذ بكلّ ملاحظة مهما كان حجمها، أو قَدْرَهَا، ويستفيدون منها في التجربة، فيضيفون أو يحذفون، ثمَّ بعد التأكّد من صلاح النظام بنسبة معقولة، يعاقب كلّ من يخالفه أو يتجاوزه بزيادة أو نقص عقابًا صارمًا يصل في المرحلة الثالثة إلى فصل المتسبب من عمله، والغرامة المالية لغير العاملين في السلك الوظيفي، وأن يُجعل شعار كلّ دائرة لها اتصال بالمواطنين:(المصلحة العامة فوق كلّ شيء) ، وفي هذا قضاء على (المحسوبية) ، وإعطاء الموظّف القدر الكافي من الجرأة لرفض كل ما يخالف الأنظمة.

و (المداراة) لا تكون أبدًا على حساب العقيدة الصحيحة، ولا تنافي المروءات، ولا تكون عونًا للظالم على ظلمه.

بل هي أسلوب لحياة كريمة، ووسيلة للتوصّل إلى الحق، وتحصيل الحقوق،

ص: 335

والمحافظة على الصِّلات الإنسانية بين أفراد المجتمع، والرفق بالجاهل، والسفيه في الدعوة والإرشاد، فذلك كلّه مع صلاح النية، ومراقبة الله تعالى في السّرِّ والعلن في كلّ ما يأتي أو يدع وذلك معنى الإحسان:" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". وابتغاء وجه الله ومرضاته كفيل - إن شاء الله - بالسداد، والقبول.

والله تعالى أعلم، وهو المستعان.

ص: 336