الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 - باب التصريف
هو في اللغة مصدر صرف، أي قلب من حال إلى حال، ومناسبته لما نحن فيه ظاهرة؛ فإن التصريفي يقلب الكلمة تقاليب، ليعرف بها أصلها وزائدها ومبدلها من غيره، إلى غير ذلك، مما ستراه.
وقيل: تصريف الكلمة: تغييرها، بحسب ما يعرض لها، من تثنية وجمع ونحو ذلك، كبناء الفعل من المصدر واسم الفاعل؛ ولهذا التغيير أحكام، كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام، يسمى علم التصريف. انتهى. فسمى العلم باسم ذلك التغيير، لأنه إنما يعرف به.
(التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة، وما لحروفها من أصالة وزيادة، وصحة وإعلال، وشبه ذلك) - فخرج ببنية، علم الإعراب والعروض ونحوهما، مما لا تعلق له ببنية الكلمة، أي صيغتها، وأورد أن بعض أحكام الإدغام نحو: اضرب بكراً، وبعض أحكام التقاء الساكنين، نحو: لم يضربِ الرجل، وأحكام الوقف، كالوقف على زيد
بالسكون، والروم والإشمام، من علم التصريف، ولا ترجع لأبنية الكلم؛ فالأولى أن يقال: علم بأصول، تعرف به أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب.
ويجوز أن يُجاب بأن الوقف ليس من التصريف، ولذا أفرده المصنف بباب آخر الكتاب، كما أفرد الإمالة بباب كذلك؛ وكذا فعل في الإدغام والتقاء الساكنين؛ ومَنْ ذكر هذه في علم التصريف، توسَّع باعتبار أن معظم أحوالها يتعلق بالإفراد، فأشبهت لذلك ما يتعلق بالبنية.
وقوله: وما لحروفه .. إلى آخره، إيضاح لمتعلق العلم، على جهة الإجمال، وسيأتي التفصيل؛ وأراد بالشبه: الحذف والنقل والقلب ونحو ذلك.
(ومتعلقه من الكلم: الأسماء المتمكنة) - وهي التي لا تشبه الحرف.
(والأفعال المتصرفة) - أخرج ليس ونحوها من الأفعال الجامدة؛ وإنما كان موضوعه ذلك، لأن الحروف وشبهَها، وما لا يتصرف من الأفعال، يلزم حالة واحدة، ولا تنقلب البنية فيه من حال إلى حال.
والمراد بقوله: من الكلم: العربية، فلا يرد الأعجمي، نحو: إبراهيم، فيقال: هو من الأسماء المتمكنة، ولا يدخله
التصريف، لأنها منقولة من لغة لها حكم يخصها، ولا مشاركة بينها وبين لغة العرب في أحكام هذا الباب؛ والقول بزيادة بعض حروف الأعجمي وأصالتها، ليس معناه إلا المقايسة، بمعنى أن العربي في مثله، حقه كذا، فيثبت لهذا ما ثبت لذلك للتعريب، كما قال سيبويه في همزة إبراهيم وإسماعيل: إنها زائدة، لشبهها بهمزة الوصل، من جهة أنه لا يوجد في لسان العرب اسم أوله همزة، بعدها أربعة أصول، لا أصلية ولا زائدة، إلا في مصادر الأفعال التي أولها همزة وصل، فجعل ما أوله همزة من الأعلام الأعجمية، بعدها أربعة أصول، بتلك المنزلة تشبيهاً.
وكما قال المبرد: إن الهمزة المذكورة أصلية، لأن الهمزة لا تكون زائدة أولاً، وبعدها أربعة أحرف أصول، فأجرى هذا على ما يشبهه كإصطبل؛ والوجه ترك مثل هذا؛ وإنما شاع، وهو أمر تقديري واعتباري، غير مبني على محقق، لأنه كمسائل التمرين؛ وما جاء من الحذف والإبدال في بعض الحروف نحو: سف وسو وسى، فيوقف عنده ولا يقاس عليه، بلا خلاف؛ بخلاف مثل ذلك في الأسماء المتمكنة، والأفعال المتصرفة، واقعاً على الوجه الذي سيأتي بيانه.
وكون التصريف لا يدخل الحرف وشبهه من الأسماء المتوغلة في البناء، نص عليه ابن جني وغيره، ومنازعة الخضراوي ابن عصفور في ذلك، ليس لها حجة.
(ولها الأصالة في ذلك) لكثرة وجود التصريف فيها نحو: ضرب يضرب اضرب؛ ولكون التصريف في الفعل أكثر منه في الاسم، لم يحتمل من عدة الحروف الأصول ما يحتمله الاسم، فلم يجاوز المجرد منه أربعة، ولا المزيد فيه ستة، كما سيأتي، ولما ثبت لها، بسبب هذه الكثرة، مع وضوح الاشتقاق فيها، هذه الأصالة، احتملت من الزيادة، ما لا تحتمله الأسماء، كما سيأتي أيضاً.
(وما ليس بعضه زائداً، سمي مجرداً) - لخلوه من الزيادة، وسيأتي ذكر حروف الزيادة، وما يتعلق بها.
(ولا يتجاوز خمسة أحرف، إن كان اسماً، ولا أربعة إن كان فعلاً) - فيكونان ثلاثيين، كزيد وضرب، ورباعيين، كجعفر ودحرج؛ ويختص الاسم بكونه خماسياً كسفرجل؛ ودليل هذا استقراء النحويين، من البصريين وغيرهم.
(ولا ينقصان عن ثلاثة) - فلا يكون المجرد من الاسم المتمكن والفعل، ناقصاً عن ذلك، بحسب الوضع، بدليل الاستقراء، وهي: فاء الكلمة وعينها ولامها؛ وقد يحذف من الاسم، فيبقى على حرفين، كيد ودم، وعلى حرف واحد،
كقولهم: شربت ماً يا فتى، حكاه ثعلب؛ ويحذف من الفعل كذلك، نحو: قل: وق زيداً؛ وكون أقل الأصول ثلاثة، هو قول البصريين؛ وزاد أبو الفتح نصر بن أبي الفنون البغدادي، تلميذ أبي البركات بن الأنباري، أن مذهب الكوفيين، أن أقل ما يكون عليه الاسم حرفان، حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه.
(والمزيد فيه، إن كان اسماً، لم يتجاوز سبعة) - فأكثر ما ينتهي إليه الاسم بالزيادة سبعة أحرف، نحو: اشهيباب، مصدر: اشهاب، وأصوله: ثلاثة، يقال: شهب الشيء، بالكسر، شهباً واشهب اشهيبابا، من الشهبة، وهي البياض الذي غلب عليه السواد؛ وجاء نادراً انتهاؤه إلى ثمانية، قالوا: كذبذبان، وأصله من الكذب، وزوائده خمس؛ والمعروف أن الخماسي الأصول، إنما يزاد في بنيته زيادة واحدة، يصير بها سداسياً، وهي حرف مد قبل الآخر كعندليب، أو بعد آخره كقبعثرى؛ وذكر
أبو القاسم السعدي في مزيد الخماسي: فعلاليل، نحو: مغناطيس، لغة في مغنطيس، وهذا خماسي اشتمل على زيادتين، والعندليب طائر يقال له: الهزار.
(إلا بهاء التأنيث) - نحو: قرعبلانة، وهي دويبة عريضة عظيمة البطن، وأصله: قرعبل.
(أو زيادتي التثنية) - نحو: عندليبين.
(أو التصحيح) - كأن تسمى بعندليب مذكراً، ثم يجمع بالواو والنون، فتقول: عندليبون، أو مؤنثاً، ثم تجمع بالألف والتاء، فتقول: عندليبات.
(أو النسب) - كأن تقول: عندليبي؛ ولا حاجة إلى ما ذكر من الاستثناء، لأن الزيادات التي ذكرها ليست من بنية الكلمة، والكلام إنما هو فيما يكون من البنية.
(وإن كان فعلاً لم يتجاوز ستة) - نحو: استخرج واحرنجم.
(إلا بحرف التنفيس) - نحو: سأستخرج.
(أو تاء التأنيث) - نحو: استخرجت.
(أو نون التوكيد) - نحو: استخرجن؛ والكلام في هذا الاستثناء، كما سبق.
(فصل)(الاسم الثلاثي المجرد، مفتوح الأول، ساكن الثاني) - كفلس وضخم.
(أو مفتوحه) - كفرس وبطل.
(أو مكسوره) - نحو: كبد ووجع.
(أو مضمومه) - كعضد وندس، يقال: رجل ندُس وندِس، أي فهم.
(ومكسور الأول، ساكن الثاني) - نحو: جذع.
(أو مفتوحه) - نحو: ضلع، ونحو: قوم عدى، أي غرباء، وقوم عدى أيضاً، أي أعداء؛ وقال سيبويه في فعل: ولا نعلمه جاء صفة، إلا في حرف معتل، يوصف به الجمع، وهو: قوم عدى؛ وكذا قال ابن السكيت: لم يأت فعل في النعوت إلا حرف واحد، وهو: قوم عدى؛ واعترض عليهما بألفاظ منها: "مكانا سوى"، و"ديناً قيما"، وهذا ماء روى، ومنزل زيم، أي متفرق النبات؛ وسعى المنتصرون لسيبويه في التأويل.
(أو مكسوره) - نحو: إبل، ولم يحفظ سيبويه غيره؛ وزيدت ألفاظ منها: وتد لغة في وتد، ومِشِط في مُشْط، ولا أفعل ذلك أبد الإبِد، وإطل للخصر.
(ومضموم الأول، ساكن الثاني) - نحو: برد وحلو.
(أو مفتوحه) - نحو: صرد ولبد.
(أو مضمومه) - نحو: عنق.
(وندر مكسوره) - نحو: دئل؛ قال الأخفش: هي دويبة، وبها سمي قبيلة أبي الأسود الدئلي؛ وهذا البناء نفاه سيبويه، وأثبته الأخفش، وجاء أيضاً: وُعِل، لغة في وَعِل؛ وعلم من كلام المصنف، أنه ليس من كلامهم: فعل بكسر الفاء وضم العين، وأما قراءة:"ذات الحبك" بكسر الحاء وضم الباء، فخرجها ابن جني على أنها من تركيب اللغات، إذ يقال: حبك، بكسر الحاء والباء وبضمهما، فركب منهما من ضم الباء وكسر الحاء؛ وخرج أيضاً على أن كسر الحاء، لإتباع كسرة التاء في ذات، ولم يعتد بالساكن فاصلاً؛ وفي المحتسب 2/ 286 - أنها قراءة الحسن.
(والرباعي المجرد، مفتوح الأول والثالث) - نحو: جعفر، وجعل منه في الصفة: سلهب للطويل،
وشجعم، وقيل: الباء والميم زائدتان.
(ومكسورهما) - نحو: زبرج للذهب والسحاب، وامرأة خرمل أي حمقاء؛ وذكر سيبويه هنا في الصفات: دلقماً، فجعل الميم أصلاً، وقال في زيادة الميم في الثلاثي: إن دلقماً فعلم، والميم زائدة، والدلقم: الناقة التي أكلت أسنانها من الكبر.
(أو مضمومهما) - نحو: برثن، لواحد براثن السباع، ونحو: جرشع، للعظيم من الجمال؛ وقال السيرافي: وهو الجمل العظيم البطن.
(ومكسور الأول، مفتوح الثاني) - نحو: فطحل، وهو دهر لم يخلق الناس فيه بعد؛ وقال أبو عبيدة: زمان كانت الحجارة فيه رطبة، وقيل: اسم لزمن خروج نوح عليه السلام من السفينة؛ وأنشد ابن القطاع:
(2)
إنك لو عمرت عمر الحسل
أو عمر نوح زمن الفطحل
والصخر مبتل كطين الوحل
أو كنت أوتيت كلام الحكل
علم سليمان كلام النمل
كنت رهين هرم أو قتل
ونحو: سبطر، وهو الطويل.
(أو الثالث) - نحو: درهم، وهجرع، للطويل المضطرب؛ وقال الخضراوي: الأشهر أنه الأحمق، والكلب السلوقي الخفيف.
(وتفريع فُعْلَل على فُعْلُل، أظهر من أصالته) - فذهب البصريون، إلا الأخفش، إلى عدم فُعْلَل، بضم الأول، وفتح الثالث، بطريق الأصالة، وأثبته الأخفش والكوفيون، وجعلوا منه: جخدباً، وهو من الجراد، الأخضر الطويل الرجلين، والجمل الضخم أيضاً؛ وجرشعاً؛ وقال الأولون: هو مخفف من المضموم الثالث، فجميع ما قيل فيه: فعلل، بفتح الثالث، قيل بضمه.
(وفرع فَعَلُل على فَعَنْلُل) - قالوا: عرتن، بفتح الأول والثاني وضم الثالث، وهو نبت يدبغ به؛ قال الخليل: أصله: عرنتن مثل: قرنفل، وقد قالوه فيه، فحذفت النون، وترك على أصله، وهذا حتى لا يجعل ما توالى فيه المتحركات بناءً أصلياً، لعدم النظير؛ وأثبت بعضهم هذا البناء، وهو ضعيف؛ وقولهم: أديم معرتن، أي مدبوغ بالعرتن، دليل أصالة التاء، فيكون عرتن فعللاً، كما تقدم؛ وأما النون الأولى في عرنتن، فزائدة، فإنه يلزم زيادتها ثالثة ساكنة؛ وقالوا: سقاء معرون، إذا دبغ بالعرتن، وهذا يشهد بزيادة التاء أيضاً، فلا يكون على هذا عرتن فعللاً، بل فعنلا.
(وفُعَلِل على فُعالِل) - نحو: علبط، وهو العظيم من الرجال الضخم، وأصله: علابط، لما تقدم، وقد قالوه؛
وليس شيء من هذا، إلا يجوز فيه فعالل؛ ومنه: عكمس وعكامس، يقال: ليل عكامس، أي شديد الظلمة، وإبل عكامس أي كثيرة.
(وفعلل على فعليل، وفاقاً للفراء وأبي علي) - نحو: جندل، وأصله: جنديل، لوقوعه على مفرد، وهو المكان الكثير الحجارة، وفعليل في الآحاد بخلاف فعالل؛ واحتج من قال: أصله: فعالل، بوقوع بعضها على جمع، كزلزل للأثاث والمتاع، وبسماع فعالل في بعضها، قالوا في دلدل، وهو أسفل القميص: دلادل، وهو ضعيف، لجواز قصده معنى الجمع، ثم يختصر، بحذف الألف؛ والكلام فيما لا يقع إلا على المفرد؛ ومنه: خنثر، للشيء الخسيس من متاع القوم.
وفي نسخة عليها خطه، بدل قوله:(وفاقاً للفراء وأبي علي): (خلافاً للبصريين).
(والخماسي المجرد، مفتوح الأول والثاني والرابع) - نحو: سفرجل، وشمردل، للسريع من الإبل وغيرها.
(أو مفتوح الأول والثالث، مكسور الرابع) - نحو: صهصلق، للصوت، وجحمرش، للأفعى العظيمة، وقال السيرافي: هي العجوز المسنة.
(أو مكسور الأول، مفتوح الثالث) - نحو: جردحل، قال ثعلب: دابة؛ والمازني: الوادي؛ والزبيدي: الناقة الغليظة؛ وغيره: الجمل الغليظ؛ وقرطعب، بمعنى شيء، يقال: ما عنده قرطعبة، أي شيء.
(أو مضموم الأول، مفتوح الثاني، مكسور الرابع) - نحو: خزعبل للباطل، وللحديث المستظرف؛ وقذعمل للضخم من الإبل، وكذا قذعملة، وقال المازني: القذعملة: الفقير الذي لا يملك شيئاً، وقالوا: ما في بطنه قذعملة، أي شيء، فجعلوه اسماً.
(وما خرج عن هذه المثل، فشاذ) - وهي عشرة للثلاثي المجرد، وخمسة للرباعي المجرد، وأربعة للخماسي المجرد.
ومثال الشاذ، ما سبق من دئل ووعل، على مذهب سيبويه؛ وقالوا: طحربة، فأثبت بعضهم بذلك فعللاً؛ وخرج على أن ذلك من فتح المكسور تخفيفاً، فإنهم قالوا: طحربة، بالكسر، والمشهور: طحربة، بفتح الطاء والراء وضمهما وكسرهما، وهو الملبوس الحقير؛ ويقال: ما في السماء طحربة، أي شيء من غيم.
وقالوا: سبعطر، للضخم، ويقال: سبعطري أيضاً، للشديد البطش.
(أو مزيد فيه) - نحو: أفكل للرعدة، وأسود، ونحو: فدوكس للأسد، وسروسط للذي يبتلع كل شيء، وقيل: الجمل الطويل، وقال الزبيدي: وعاء يكون زق الخمر ونحوه؛ ونحو: خزعبيل، وقذعميل.
(أو محذوف منه) - نحو: شية وسه ويد.
(أو شبه الحرف) - نحو: من وكم.
(أو مركب) - نحو: معد يكرب؛ قال الزبيدي: ليس في الكلام فعيلل، فأما دحيدح، فحمل على أنه صوتان مركبان، والأصل: دح دح.
(أو أعجمي) - نحو: سرخس.
(فصل): (استثقل تماثل أصلين في كلمة) - لأن مخرج المتماثلين واحد، فينحبس اللسان عند النطق بهما، ولذا أدغموا في بعض ذلك، وذلك نحو: ددن وسلس.
(وسهله كونهما عيناً ولاماً) - لكون اللام معرضاً لنقل حركة الإعراب، ولسكون الوقف، فلا تماثل حركة العين في أكثر الأحوال، وذلك نحو: طلل ودرر وزلل.
(وقل ذلك فيهما، حرفي لين) - أي في العين واللام، نحو: قوة وعي وحي.
(أو حلقيتين) - نحو: لححت عينه، وصح وشعاع ومهه.
(وأهمل كونهما همزتين) - فلا يوجد في كلامهم كون العين واللام همزتين مثل: جأأ وشأأ؛ وثبت بعد هذا في بعض النسخ: "وفي كونهما هاءين" وفي النسخة المحققة.
(وعز كونهما هاءين) - نحو: مهه، ومن كلامهم:"كل شيء مهه، ما النساء وذكرهن"، أي يسير؛ والمعنى أن الرجل يحتمل كل شيء، حتى يأتي ذكر حرمه، فيمتعض حينئذ، والمهه والمهاه أيضاً: الطراوة والحسن، قال:
(3)
كفى حزناً أن لامهاه لعيشنا
…
ولا عمل يرضى به الله صالح
(وقل كون الفاء واللام حلقيين) - نحو: أجأ،
وهو فعل، بالتحريك، أحد جبلى ضيئ، والآخر سلمى، وينسب إليهما: الأجئيون؛ ونحو: آء، وهو شجر، والواحدة: آءة، وآء أيضاً حكاية أصوات، قال:
(5)
إن تلق عمراً فقد لاقيت مدرعاً
…
وليس من همه إبل ولا شاء
في جحفل لجب، جم صواهله
…
بالليل يسمع في حافاته آء
وأما تماثل الفاء واللام، من غير ذلك، نحو: قلق وسلس، فليس كذلك، بل هو كثير، وهو أكثر من باب قوة.
(وأقل منه نحو: كوكب) - وهو مماثلة لفظ الفاء للعين فقط، فيما عدده أربعة، ومنه أيضاً: قوقل وقرقف، فهذا أقل من أجأ؛ وكان يقال في الجاهلية للرجل، إذا استجار بيثرب: قوقل ثم، قد أمنت؛ والقواقل من الخزرج، والقرقف: الخمر.
(وأقل منه: ببر) - مما تماثل فاؤه وعينه، كببر، وهو واحد الببور، وهو الفرانق الذي يعادي الأسد، ونحو: ددن، وهو اللهو واللعب، والددان الرجل الذي لا غناء عنده، ونحو: ديدن وديدان للعادة، أقل من باب كوكب؛ ولم يوجد تماثل الفاء والعين مع تحركهما، بلا فاصل، إلا في ددن وددان.
(وأقل منه: ببه) - فما فاؤه وعينه ولامه من جنس واحد، أقل مما تماثل فاؤه وعينه فقط، ومن ذلك قولهم: غلام ببه، أي سمين، وهو أيضاً لقب لعبد الله ابن الحارث بن نوفل، لقبته به أمه، كانت ترقصه بقولها:
(6)
لأنكحن ببه
…
جارية خدبه
مكرمة محبه
…
تجب أهل الكعبه
وكان والى البصرة؛ وقالوا: زَزَزْته زَزّاً: صفعته.
(والأظهر كون الواو والياء نظيرتيه في التأليف من ثلاثة أمثال) - فياء أصله: ييى، بثلاث ياءات، تحركت العين، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، ثم قلبت اللام همزة لتطرفها، تشبيهاً للألف المنقلبة عن الأصل بالزائدة نحو: رداء؛ وأصل واو: ووو، تحركت العين وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، وصحت الواو، فلم تبدل همزة؛ قالوا: ولم توجد كلمة اعتلت حروفها إلا هذه.
وقول المصنف: "الأظهر"- يدل على ثبوت الخلاف في الكلمتين، وحكى فيما كتبه على تصريف ابن الحاجب، الاتفاق على أن الياء مما تماثل فيه الفاء والعين واللام، وخص الخلاف بالواو.
ومذهب الأخفش في الواو، أن الألف منقلبة عن الواو، لأن أكثر ما يكون انقلاب الألف عنها، فتكون حينئذ من باب ببه.
وذهب الفارسي إلى أنها منقلبة عن ياء، حتى لا تكون الكلمة حروفها كلها من جنس واحد، لقلة باب بب، وكثرة باب سلس؛ ورد بقولهم في التصغير: أوبة، بقلب الفاء همزة، لكونها أول واوين مصدرين، ولو كانت العين ياء لقيل في التصغير: ويبة؛ وما ذكر من الاتفاق في ياء، يشهد له قولهم: يييت الياء؛ ويجوز إن ثبت الاتفاق، أن يرد قول المصنف:
الأظهر
…
إلى ما يشمل الخلاف والاحتمال، فيجوز أن يقال: إن الألف فيها منقلبة عن واو، بعين ما قال الفارسي في واو، إلا أن سماع يييت، يرده، كما رد أوبة قول الفارسي، ويرده أيضاً تقدم الياء على الواو، كما ترى تقرير ذلك.
(وإن تضمنت كلمة ياء وواواً أصليين، لم تتقدم الياء، إلا في يوح ويوم وتصاريفه) - ولا يعرف غيرهما؛ ويأتي الخلاف في حيوان؛ وقال ابن السيد: المشهور في يوح، وهو من أسماء الشمس، أنه بياء واحدة، كذلك حكاه أبو علي البغدادي في البارع. انتهى.
وحكى المبرد والفارسي وغيرهما عن العرب كونه بالياء، باثنتين من تحت، وتصاريف يوم: الجمع قالوا: أيام، أصله: أيوام، وبناء أفعل منه، قالوا: يوم أيوم، وبناء فاعل، قالوا: ياومه يياومه مياومة ويواماً؛ وأما غير هذين، فتقدمت فيه الواو الياء، نحو: ويح وويل وويس.
(وواو حيوان ونحوه، بدل من ياء، على رأي الأكثرين) - ومنهم سيبويه، فلا يكون مما تقدمت فيه الياء الواو؛
وقال المازني: هو منه، فزعم أن حياً أصله: حيو، بدليل قولهم: حيوان وحيوة، وكذلك حياة؛ رد بأنه لم يثبت من كلامهم ما عينه ياء، ولامه واو، وقال بعض هؤلاء: أصل حي: حيي، على وزن فيعل كميت؛ ثم حذفت الياء تخفيفاً، كما قالوا: ميت، ثم أدغمت الياء في الياء، وفي حيوة لم تدغم، ويدل لذلك ظاهر حي؛ ويجوز أن لا يكون حي ولا حيوة من المخفف، بل وزنهما كلفظهما؛ وأما واو حيوان وحيوة، فبدل من الياء شذوذاً، وقد ثبت إبدال الياء واواً، على جهة الشذوذ.
(وقل باب ويح) - وهو ما فاؤه واو، وعينه ياء؛ والذي حفظ منه ويح وويل وويس وويب.
(وكثر باب طويت) - وهو ما عينه واو، ولامه ياء، ومنه: شويت وكويت ولويت؛ وفي نسخة الرقي:
(وكثر باب طويت وأبيت، فالحمل عليهما أولى من باب قوة وأجأ) - والمراد بأبيت، كون فاء الكلمة همزة، ولامها ياء. وقوله: قوة راجع إلى طويت، وأجأ راجع إلى أبيت، أي كون العين واواً، واللام ياء، أولى من كونهما واوين أو ياءين، وكون فاء الكلمة همزة، ولامها ياء، أولى من كونهما همزتين.
(واستغنوا في باب قو بفعل عن فَعَل وفَعُل) - فإذا كانت العين واللام واوين كباب قوة وحوة، لم يبن العرب من ذلك فعلاً إلا على فعل، نحو: قوي، والأصل: قوو، قلبت الواو ياء، لكسر ما قبلها، والمضارع يقوى، قلبت الواو فيه ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ وإنما تركوا فَعَل وفَعُل،
لئلا يجيء المضارع على يفعل، بضم العين، فكما يقال في قام: يقوم، يقال في ذلك: يقوو، فيثقل، فرفض ذلك؛ وكذلك يثقل لو قلت: فعلت، إذ يكون: قووت.
(فإن اقتضى ذلك قياس رفض) - فلو قيل: ابن من قوة مثل سبعان، وهو اسم مكان، ولم يأت على فعلان غيره، لقلت: قويان، والأصل: قووان، لكن رفض هذا الأصل، ورد إلى فعل، بكسر العين، فانقلبت الواو الأخيرة ياء لكسر ما قبلها؛ وسيأتي ذكر ما في هذه المسألة من الخلاف.
(ويماثل كثيراً، ثالث الرباعي أوله، ورابعه ثانيه) - نحو: سمسم وربرب وصلصل وقلقل.
(وأهمل ذلك مع الهمزة فاء) - فلم يسمع من كلامهم مثل: أجأج؛ واحترز بفاء، من أن تكون الهمزة عيناً، فإنه موجود، نحو: بأبأ الرجل، إذا أسرع.
(وقل مع الياء مطلقاً) - أي فاء كانت نحو: يؤيؤ، أو عيناً نحو: صيصية؛ واليؤيؤ: طائر من الجوارح
يشبه الباشق، والجمع: اليآيئ؛ والصيصية: شوكة الحائك التي يسوى بها السدى واللحمة.
(ومع الواو عيناً) - نحو: ضوضى، ودليل أصالة الواو، أن زيادتها تجعل الكلمة من باب ددن، وهو قليل، وأصالتها تجعلها من مضاعف الرباعي وهو كثير؛ والضوضى والضوضاة: أصوات الناس وجلبتهم.
(فإن كانت في فعل، لم تقلب ألفاً) - نحو: قوقى وضوضى، يقال: الدجاجة تقوقى، أي تصيح، والمصدر: قوقاة وقيقاء، على فعللة وفعلال؛ وياء قيقاء بدل من الواو، لأنه مما كرر فيه الفاء والعين.
(وما أوهم ذلك، فأصله: الياء، كحاحيت) - أي ما أوهم كون العين واواً قلبت في الفعل ألفاً، فأصل الألف فيه الياء، لا الواو.
وقال الأخفش وغيره: ولم يأت في الياءات غير ثلاثة: حاحيت وعاعيت وهاهيت. انتهى.
قال السيرافي: وهي متقاربة المعنى، وهي أصوات البهائم؛ ومذهب سيبويه والأخفش وغيرهما أن الألف بدل من ياء، لقرب الألف من الياء، وأبدلوا كراهة اجتماع المثلين، كما فعلوا في دهديت، حيث قلبوا الهاء ياء لذلك؛ وليست الألف في حاحيت ونحوه بزائدة، لقولهم في المصدر: حاحاه وعاعاه، وهو فعللة كدحرجة، وفاعل لا يأتي مصدره على فعللة.
(خلافاً للمازني) - في زعمه أن الألف في حاحيت ونحوه بدل من واو، حملاً على ما نطق فيه بالواو، نحو: قوقيت؛ وما ذهب إليه سيبويه وغيره أولى، لما سبق، ولأنها لو كانت بدلاً من الواو، لجاء الأصل، ولو مرة، كما في قوقيت، فلما لم يجيء قط، دل مع ما سبق، على أن الأصل ياء، وكأنهم أرادوا التفرقة بين ذوات الياء وذوات الواو، وجعلوا القلب في اليائي للقرب، ولنفي الاجتماع، كما عرفت.
(ويسمى أول الأصول فاء، وثانيها عيناً، وثالثها ورابعها وخامسها لامات، لمقابلتها في الوزن بهذه الأحرف) - والقصد بالوزن على هذا الوجه: تعريف الأصلي من الزائد، في الأكثر، باختصار، وبيان محل الأصل؛ فإذا قيل: وزن مستخرج: مستفعل، كان أخصر من أن يقال: الميم والسين والتاء زوائد؛ وإذا قيل: وزن آدر: أعفل، علم أن العين متقدمة فيه على الفاء، كما يعلم في وزن: أدور على أفعل،
أن الأمر ليس كذلك. وقولي: في الأكثر، للاحتراز عن وزن: قردد على فعلل، فإن أحد الدالين زائد، ولم يبين ذلك في الأصل، اتكالاً على معرفته من الموزون، لأن كل مضاعف زائد على ثلاثة، يحكم بزيادته، إلا إن قام دليل على زيادة غيره، نحو: مكر وألندد، وإنما كان الوزن بهذا اللفظ؛ لأن لفظ الفعل، يعبر به عن كل فعل، وحمل الاسم على الفعل، لأن للفعل الأصالة في التصريف، فتقول: وزن ضرب وحجر: فعل، ووزن دحرج وجعفر: فعلل، ووزن سفرجل: فعلل، بثلاث لامات؛ وهذا قول البصريين؛ أعني إذا لم تبن الأصول، تكرر اللام، لأنهم يرون انتهاء بناء الكلمة إلى خمسة أصول؛ وأما الكوفيون فيرون نهاية الكلمة ثلاثة، وما زاد حكموا بزيادته، فما كان ثلاثياً، وزنوه كما سبق، وما زاد قيل: لا يوزن، فإذا قيل: ما وزن سفرجل؟ قيل: لا أدري، وقيل ينطق بلفظ ما زاد على الثلاثة، فيقال: وزن جعفر: فعلر، ووزن سفرجل: فعلجل؛ وقيل: تكرر اللام، مع اعتقاد زيادة ما زاد على الثلاثة.
(مسوى بينها في الحال والمحل) - فتساوى الفاء والعين واللام أصول الكلمة في حالها من حركة وسكون، وفي محلها في التقديم والتأخير، فلو قيل: ما وزن عصر؟ من قوله:
(8)
لو عصر منه البان والمسك انعصر
لقلت: وزنه: فعل، بسكون العين؛ ولو قيل: ما وزن آرام؟ لقلت: أعفال.
(ومصاحبة زائد، سابق أو لاحق) - فتقول: وزن أحمر: أفعل، ووزن دريهم: فعيلل، ووزن يرفع: يفعل، ووزن سيضرب: سيفعل.
(وما لم تبن زيادته بدليل، فهو أصل) - وسيأتي ذكر دليل الزيادة.
(والزائد بعض سالتمونيها) - وهذا من ألطف ما جمعت فيه حروف الزيادة؛ يقال: إن بعض النحاة سأله أصحابه عنها، فقال لهم: سألتمونيها؛ فقالوا: نعم، فقال: قد أجبتكم؛ وجمعت أيضاً في: أهوى تلمسان؛ وجمعها المصنف أربع مرات في بيت واحد، وهو:
(9)
هناء وتسليم، تلا أنس يومه
…
نهاية مسئول: أمان وتسهيل
ومعنى كون هذه الحروف حروف الزيادة، أن الزيادة تكون منها، لا أنها لا تكون إلا زائدة؛ وقولهم في النسب إلى الهند:
هندكي، ليست الكاف فيه زائدة، بل هو من باب: سبط وسبطر، لأن الكاف لم تثبت زيادتها في موضع، فيحمل هذا عليه؛ والمراد بهذا الزائد، ما جعل في الكلمة كالجزء، فلا تجعل كاف ذلك من هذا.
(أو تكرير عين) - كسلم وقطع.
(أو لام) - كمهدد وجلبب.
(أو عيد ولام، مع مباينة الفاء) - نحو: دمكمك وصمحمح للشديد، ووزنهما عند البصريين: فعلعل، بتكرير العين واللام، وهما من المضاعف المختلف التضعيف، بدليل قولهم: دمامك وصمامح؛ ولو كانا كسفرجل، وليس فيهما زائد، لقيل: صماحم ودماكم، كما يقال: سفارج؛ وإنما لم يقولوا: صماحم لفقد فعالم، ولا صماحح للاستثقال؛ وقال الكوفيون: وزن صمحمح: فعلل، والأصل: صمحح، أبدلوا الوسطى ميماً نحو:"فكبكبوا" وتغلغل، والأصل: كببوا وتغلل؛ قالوا: وليس فعلعلاً، للزوم كون صرصر: فعفعاً، وهو باطل، فكذا هذا؛ ورد بأن
ما ذكروه من الأصل دعوى، وأما كبكبوا، ففي معنى كببوا، وليس من لفظه، وأما صرصر فلا يرد، لأن الزائد ما زاد على فاء الكلمة وعينها ولامها.
(أو فاء وعين، مع مباينة اللام) - نحو: مرمريت للقفر، ومرمريس للداهية، ووزنهما: فعفعيل؛ ولا يحفظ غيرهما، ودليل الزيادة فيهما الاشتقاق، فالمرت: المفازة التي لا نبات فيها، يقال: مكان مرت: بين المروتة، قال:
(10)
ومهمهين قذفين مرتين
والمراس: الممارسة والمعالجة، ورجل مرس: شديد العلاج.
(وإذا كان الزائد من سألتمونيها، قوبل في الوزن بمثله) - فتقول: وزن أحمر: أفعل، ووزن مطعن: مفعل؛ وذكر هذا بعد ما سبق من قوله: "ومصاحبة زائد
…
وهو يفهم المذكور هنا، توطئة لما يذكره بعد.
(وإلا، فبما يقابل الأصل، من فاء وعين ولام) - فتقول: وزن جلبب: فعلل، مع أن الباء زائدة، لكن يرد على إطلاقه أن يقال: وزن مرمريت: فعفعيل، فالميم الثانية
زائدة، وقد قابلتها بالفاء، مع أنها من حروف سالتمونيها.
(خلافاً لمن يقابل بالمثل مطلقاً) - فيعبر بعض النحويين عن الزائد بلفظه مطلقاً، فيقول في وزن جلبب: فعلب، إن اعتقدت أن الزائد الثاني، وفعبل إن اعتقدته الأول؛ والجمهور على الفرق بين زيادة التضعيف، وزيادة سألتمونيها، ووجهه أن زيادة التضعيف عامة لجميع الحروف، فجعلوا لها حكم المضاعف، لأنه أقرب معتبر، إذ لم يرد المضعف مفرداً، فيحكم له بحكم ما ورد كذلك، وهو حروف سالتمونيها؛ وقد فهم من هذا التقرير ما ينبغي من التعبير، خلاف ما سبق من إطلاق المصنف.
(فصل): (لأصالة الفعل في التصريف، زيد قبل فاء ثلاثيه إلى ثلاثة) - نحو: استخرج يستخرج استخرج، والاثنان نحو: انطلق ينطلق انطلق، والواحد نحو: أكرَمَ يكرم أَكْرِمْ.
(وقبل فاء رباعيه إلى اثنين) - نحو: يتدحرج، والواحد: تدحرج.
(ومنع الاسم من ذلك) - أي من أن يزاد قبل فاء ثلاثيه إلى ثلاثة، وقبل فاء رباعيه إلى اثنين.
(ما لم يشاركه لمناسبة) - نحو: مستخرج ومنطلق
ومتدحرج؛ والمناسبة هي كونهما يرجعان في الاشتقاق إلى أصل واحد.
(أو يكن ثلاثياً، والمزيد واحد) - نحو: يرمع وأفكل.
(وشذ إنقحل وإنزهو وينجلب وإستبرق) - فزيد في الاسم زيادتان قبل فاء الكلمة، في الثلاثة الأول، وثلاث زيادات في الرابع، ويوضح الزيادة الاشتقاق من القحل والزهو والجلب والبريق؛ وهذا يقتضي بأن
إستبرقاً عربي، فلا يشتق الأعجمي من العربي؛ وقيل: إنقحل فعلل كجردحل، والهمزة والنون أصلان، ويرده الاشتقاق، فالإنقحل: الشيخ الهرم، من قحل التمر إذا يبس؛ واعترض عليه بأن ينجلب لا ينبغي عده، فإنه منقول من فعل، وإن كان اسم جنس، وقد نصوا على أن النقل من الفعل يكون في أسماء الأجناس، كما يكون في الأعلام، وعدوا من ذلك الينجلب؛ وتنوط لطائر، وأما دخول التاء في قولهم: الينجلبة، فجرياً به على ما يجوز فيما نقل إليه من الاسمية.
(ومنتهى الزيادة في الثلاثي من الأفعال ثلاثة) - نحو: استخرج، لأن أقصى ما يكون عليه الفعل بالزيادة ستة.
(ومن الأسماء أربعة) - نحو: اشهيباب واحميرار، لأن منتهى الاسم بالزيادة سبعة؛ وقد سبق أنهم قالوا: كذبذبان، فزادوا خمسة، ووزنه: فعلعلان، وقالوا أيضاً بربيطياء، لضرب من النبات، وقرنيسياء، اسم بلد، ووزنهما: فعنيلياء.
(وفي الرباعي من الأفعال اثنان) - نحو: يتدحرج، وذلك لما تقدم.
(ومن الأسماء ثلاثة) - نحو: عبوثران، لنبت طيب الرائحة، وذلك لما سبق ذكره.
(وقد يجتمع في آخر الاسم الثلاثي ثلاثة) - إما وحدها نحو: عنفوان، أو مع سبق زائد آخر نحو: أربعاوي.
(وأربعة) - نحو: سلمانين، اسم موضع.
(وفي آخر الرباعي ثلاثة) - نحو: قردماني، لدواء معروف.
(ولم يزد في الخماسي غير حرف مد قبل الآخر) - نحو: عضرفوط ومغنطيس ومغناطيس.
(أو بعده) - نحو: قبعثرى.
(وندر: قرعبلانة وإصطفلينة، وإصفعند) - ووجه ندورها زيادة النون، لما تقرر أن الخماسي إنما يزاد فيه حرف المد؛ وقيد بعضهم زيادة الخماسي بكونها واحدة؛ وعلى هذا يكون شذوذ الأولين من جهة تعدد الزوائد أيضاً؛ وإذا حمل كلام المصنف على هذا، كان مغناطيس شاذاً من هذه الجهة.
(فصل): (أهمل من المزيد فيه فعويل) - على أن بعضهم ذكر أنه ثابت، قالوا: سرويل.
(وفعولى، إلا عدولى وقهوباة) - ولم يثبت هذا الوزن سيبويه؛ وعدولى على هذا فعولل كفدوكس؛ وأما قهوباة، فلم يثبته بعضهم من جهة النقل، لكنه ثابت، فأبو عبيدة حكاه، وهو ثقة، وأنشد ثعلب:
(12)
ولا تيأساً من رحمة الله واسألاً
…
بوادى حبونا أن تهب شمال
وخرجه بعضهم على أن المكان سمي بجملة.
(وفعلال، غير مضعف، إلا الخزعال) - وأما المضعف فكثير، نحو: صلصال وقلقال ووسواس، ولم يثبت الأكثر فعلالاً في غيره، ولكن حكى الفراء: ناقة بها خزعال، أي ظلع؛ وقال بعضهم: الفتح غلط، وأصله الكسر، كما قالوا: شيء لِيَاح ولَيَاح، وفيه نظر؛ وقالوا: قشعام للعنكبوت.
(وفيعال، غير مصدر، إلا ناقة ميلاعاً) - أي سريعة، من الملع، وهو السير الخفيف.
(وفعلال، مضعف الأول والثاني، غير مصدر، إلا الديداء) - وأما المضعف كذلك، مصدراً، فكثير، كزلزال؛ والديداء: آخر الشهر؛ قال أبو عمرو: الداداء والديداء: آخر الشهر؛ وقولهم: الداداء، يبين أن الهمزة الأخيرة في الديداء، ليست بدلاً من حرف علة، للزوم ثبوت فعفال.
(وفوعال وإفعلة وفعلى، أوصافاً) - فهذه الثلاثة جاءت أسماء كتوراب وإنفحة، في لغة من لا يشدد الحاء، وإصبعة وذكرى، ولم ترد أوصافاً، وسيأتي ما استثناه منها؛ وزعم بعضهم أن فوعالاً جاء وصفاً، قالوا: رجل هوهاءة، أي أحمق؛ ويحتمل كونه من المضاعف كصلصال، والهمزة بدل الواو، غوغاء؛ وذكر بعضهم مجيء إفعلة وصفاً، قالوا: إمعة.
(إلا ما ندر كضئزى وعزهى) - قرأ ابن كثير: "قسمة ضئزى" بالهمز، فهي فعلى من الصفة، وأثبت ذلك الأخفش، ونفاه
سيبويه وغيره، ومن قرأه بالياء، احتمل التخفيف من الهمز، واحتمل خلافه؛ وعلى هذا قال سيبويه: هو فعلى بالضم في الأصل، وقال الأخفش: فعلى بالكسر كلفظه؛ ويقال: ضازه حقه يضيزه ضيزاً، أي بخسه ونقصه، ومنهم من يهمز فيقول: ضأزه يضأزه ضأزاً، قال:
(13)
فحقك مضؤوز، وأنفك راغم
وحكى أبو حاتم، عن أبي زيد، أنه سمع العرب تهمز ضيزى؛ وقالوا: رجل عزهى؛ ومذهب سيبويه، والفراء أن فعلى، لا يكون صفة، كانت الألف للتأنيث أو للإلحاق؛ فإن لحقت الهاء، جاز عنده، نحو: رجل عزهاة؛ فعزهى على هذا شاذ عندهما؛ وأثبت ذلك الأخفش، مع ألف الإلحاق أيضاً، وحكى ثعلب: رجل كيصى، بالتنوين، وهو الذي ينزل وحده، وحكى أنهم يقولون: كاص طعامه: أكله وحده؛ وحكى عن أبي حاتم: كصنا عند فلان: أكلنا؛ ويقال أيضاً: كاص عن الشيء: رجع، كيصاً وكيوصاً؛ ويقال: رجل عزهى بالتنوين، أي لا يطرب للهو، ويبعد عنه، وكذلك عزهاة.
(وفيعل في المعتل، دون ألف ونون) - أي معتل العين، بواو
أو ياء، فلو قيل: ابن من القول أو البيع مثل: ضيغم، لتركته ورجعت إلى فيعل فقلت: قيل، كسيد، وبيع، كليِّن؛ ولو قيل: ابن مثله من صحيح العين، لم تتركه، بل تقول فيه من وعد أو يسر: ويعد وييسر؛ ومن غزو ورمى: غيزى ورميى، وتقلب اللام ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
ويخرج بالمعتل، الصحيح العين، فإنه كثير، كضيغم وصيرف؛ وبقوله: دون كذا، ما اشتمل على ذلك، فإنهم لم يتنكبوه، نحو: تيحان، للكثير الكلام العجول، وهيبان، للجبان.
(وفيعل، في الصحيح) - بخلاف المعتل، فهو كثير فيه، كسيد وميت، ووزنهما عند البصريين: فيعل، وكذا ما أشبههما؛ وقال البغداديون: الأصل فيعل، بفتح العين؛ وقال الفراء: فعيل، كطويل.
(مطلقاً) - أي كان بألف ونون، أو بدونهما، فلا يوجد مثل ضيغم ولا ضيغمان، بكسر العين.
(إلا ما ندر، كعين وبيئس وطيلسان، في لغة) - فعين
يرجع إلى قوله: فيعل في المعتل، دون كذا، ولا يحفظ غيره، وبيئس يرجع إلى فيعل في الصحيح، بدون ألف ونون، وهذه إحدى القراءات في "بعذاب بئيس"، وفيها اثنتان وعشرون قراءة، ونحو: صيقل، علم امرأة، وطيلسان يرجع إليه، بألف ونون؛ وقال بعضهم: إن كسر اللام رواية ضعيفة، وأنكرها الأصمعي، لكن عمل الأخفش والمازني عليها المسائل.
(وندر فعيل) - نحو: ضهيد، اسم موضع.
(وفعيل) - قالوا: علبب، لواد باليمن.
(وكثر فعيل) - نحو: عثير وحمير؛ وفي نسخة عليها خطه، بدل قوله:(وندر فَعْيَل وفُعْيَل، وكثر فِعْيَل) قوله:
(وأهمل فَعْيَل دون فِعْيَل وفُعْيَل) - وما ذكر من إهمال فَعْيَل موافق لقول ابن جني، قال: أما ضهيد فمصنوع؛ وقول
المصنف: دون كذا، لا يقتضي تساويهما، والأمر على غير التساوي، ففعيل قليل جداً، وفعيل كثير كما سبق، لكن قال ابن جني: إن عثيراً مصنوع.
(فصل): (يحكم بزيادة ما صحب أكثر من أصلين) - فإن صحب أصلين فقط، لم يكن زائداً؛ لأن أقل ما تكون عليه الكلمة العربية ثلاثة.
(من ألف) - نحو: كتاب.
(أو ياء) - نحو: كثيب.
(أو واو) - نحو: عجوز؛ وحروف العلة أكثر الحروف زيادة، فلذلك بدأ بذكرها.
(غير مصدرة) - راجع إلى الواو فقط، فلا يتصور تصدير الألف لسكونها، والياء تكون زائدة صدراً مع يرفع؛ وذلك نحو: ورنتل، والجمهور على أصالة واوه؛ وذهب بعضهم إلى زيادتها، ولامه أصلية، كلام جحنفل؛ وقال الفارسي: زائدة.
(أو همزة مصدرة) - نحو: أحمر وأصفر، مما صحب ثلاثة
أصول قطعاً، وأماأفكل، فكلام سيبويه وغيره على زيادة همزته، حملاً على الأكثر، وهو باب أفعل، كأحمر؛ وقيل: همزته محتملة الوجهين، والأولى الزيادة، لما سبق.
وقد جرى الخلاف في همزة أرنب، للتردد في أن الثلاثة التي بعدها أصول كلها، أو منها زائد؛ فقيل: همزته أصل، لقولهم: كساء مؤرنب، وقيل: زائدة، لقولهم: كساء مرنب، فسقوطها دليل زيادتها، وهو الأولى حملاً على الأكثر، وأما مؤرنب، (14) فإنما جاز في الشعر، فهو من باب: "لأن يؤكرما، وقضاؤه بزيادة الهمزة مصدرة، سيأتي تقييده.
(أو مؤخرة، هي، أو نون، بعد ألف زائدة) - هذا، وفي نسخة الرقي؛ وفي غيرها:
(أو مؤخرة، أو نون بعد ألف زائدة) - فعلى النسخة الأولى، يكون الوقوع بعد ألف زائدة، متعلقاً بالهمزة والنون، فإذا صحبت الهمزة أو النون أكثر من أصلين ووقعتا آخراً، بعد ألف زائدة، حكم بزيادتهما نحو: حمراء وعلباء وقرفصاء، ونحو: قطران وأفعوان وزعفران؛ فإن صحبتا أصلين، فغير زائدتين، نحو: أجأ وحسن وداء وكساء، وهذه النسخة توافق كلامه في غير هذا الكتاب؛ والمعنى أنهما متى وقعتا كذلك، قضي بزيادتهما؛ وأما النسخة الأخرى، فتقتضي اعتبار ذلك في النون فقط، وعلى ما ذكر في الهمزة أولاً وآخراً، أنها لا تزاد وسطاً، وهو كذلك، فالهمزة الواقعة في غير هذين، محكوم بعدم زيادتها، كحطائط للقصير، إلا إن دل دليل على الزيادة نحو: شأمل وشمال، الهمزة فيهما زائدة، لقولهم: شملت الريح، إذا هبت شمالاً.
(أو ميم مصدرة) - فمتى صحبت الميم المصدرة أكثر من
أصلين، حكم بزيادتها نحو: مخدع ومفتح وملهى ومسرى؛ فإن كان بعدها حرفان، قضى بالأصالة، نحو: معن ومكر.
(إن لم يعارض دليل الأصالة، لملازمة ميم معد في الاشتقاق) - معد أبو العرب، وهو معد بن عدنان؛ ومذهب سيبويه أن ميمه أصلية، لقولهم: تمعدد الرجل، إذا انتسب إلى معد، أو تصبر على عيشهم، وذلك لقلة تمفعل، وقيل: هي زائدة، والأول أصح، لملازمة الميم في الاشتقاق؛ ومعد العلم منقول من المعد، وهو موضع رحل الفارس من الفرس أو غيره إذا ركب، وهو خشن شديد، وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اخشوشنوا وتمعددوا؛ قال أبو عبيدة: فيه قولان، يقال: هو من الغلظ، ومنه قيل للغلام إذا غلظ وشب: قد تمعدد، قال:
(16)
ربيته حتى إذا تمعددا
ويقال: تمعددوا، أي تشبهوا بعيش معد، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش، يقول: كونوا مثلهم، ودعوا التنعم وزي الأعاجم، وهكذا هو في حديث آخر:"عليكم باللبسة المعدية".
(وكالتقدم على أربعة أصول) - كيستعور وإصطبل، فالياء والهمزة في هذين وشبههما أصلان، لأن بنات الأربعة لا يزاد من أولها، ووزن يستعور: فعللول، كعضرفوط، قال عروة:
(17)
أطعت الآمرين بصرم سلمى
…
فطاروا في بلاد اليستعور
قيل: هو موضع، وقيل: شجر؛ ووزن إصطبل: فعلل كجردحل.
(في غير فعل) - وأما في الفعل فتقع الزيادة أولاً نحو: يدحرج.
(أو اسم يشبهه) - وكذا تقع أولاً مع أربعة أصول في اسم يشبه الفعل نحو: مدحرج.
(فإن لم تثبت زيادة الألف، فهي بدل لا أصل) -
فلا تكون الألف في غير ما سيذكر إلا زائدة، أو بدلاً من أصل، ولا تكون أصلاً، نحو: عصا ورحى وأرطى، في من قال: مرطي، هي فيه بدل من أصل، لا أصل.
(إلا في حرف) - نحو: ما ولا وبلى.
(أو شبهه) - نحو: متى والألى، فالألف في هذا وما قبله أصل، وليست بدلاً من شيء؛ فلا تكون الألف أصلاً في فعل، ولا في اسم متمكن، بل زائدة أو منقلبة عن واو أو ياء.
(وزيدت النون أيضاً باطراد في الانفعال) - نحو: الانطلاق.
(والافعنلال) - نحو: الاحرنجام.
(وفروعهما) - وهي: الماضي والأمر والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول.
(وفي التثنية والجمع) - نحو: الزيدان والزيدون.
(وغيرهما مما سبق ذكره) - كنون التوكيد.
(وساكنة مفكوكة، بين حرفين قبلها، وحرفين بعدها) -
نحو: غضنفر، وهو الأسد؛ ودليل زيادتها، وقوعها موقع ما علمت زيادته، كياء سميدع، وواو فدوكس، ومعاقبتها حرف اللين غالباً، كقولهم للغليظ الكف: شرنبث وشرابث، ولضرب من النبت: عرنقصان وعريقصان.
واحترز بمفكوكة، أي غير مدغمة، من المدغمة- نحو: سفنج، للظليم الخفيف، فليس وزنه فعنللا، لأنه لم تكثر زيادة النون فيما عرف له اشتقاق أو تصريف، إلا إذا كانت غير مدغمة، فهو فعنلل كخبرنج للجسم الناعم، ويجوز كونه فعللا، فيكون مثل المضاعف كعدبس، وهو من الإبل وغيرها: الموثق الخلقح وسيأتي بيان الراجح.
(والتاء في التفعل والتفاعل والتفعلل والافتعال) - نحو: التكبر والتغافل والتدحرج والاكتساب.
(وفروعهن) - وهو الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول.
(وفي التفعيل والتفعال) - نحو: التقطيع والترداد؛ ولا تكون هذه التاء في الماضي وما ذكر معه من الفروع، فلذلك لم يتعرض هنا للفرع، إذ تقول: قطع يقطع
…
إلى آخرها، بلا تاء.
(ومع السين في الاستفعال) - نحو: الاستخراج.
(وكذا فروعه) - نحو: استخرج
…
إلى آخرها.
(والهاء وقفاً، في مواضع يأتي ذكرها) - وأنكر المبرد زيادتها، وقال: إنما تلحق لبيان الحركة، فهي كالشين اللاحقة لبيان ضمير المؤنث، نحو: أكرمتكش، فكما لا تعد الشين زائدة، كذلك هذه، والصحيح عندهم خلاف قوله؛ ولم تطرد زيادة الهاء إلا في الوقف، وجاءت زيادتها في غيره قليلاً، قالوا في أم: أمهة، فالهاء زائدة، لقولهم في معناه: أم وأمات، وقالوا: أم بينة الأمومة؛ وأجاز ابن السراج كون الهاء فيها أصلاً، فتكون كترهة؛ وحكى صاحب العين: تأمهت، لكن في كتاب العين اضطراب كثير.
(واللام في الإشارة، كما سبق) - وهذا موضع اطراد زيادتها؛ وسمعت في عبد قالوا: عبدل، وفي زيد، قالوا: زيدل.
(وتقل زيادة ما قيد، إن خلا من القيد) - كما سبق في أمهة وعبدل.
(ولا تقبل زيادة إلا بدليل جلي) - فلا يجعل الحرف زائداً إلا بدليل يوضح ذلك؛ وجملة الأدلة تسعة، وسيأتي الكلام عليها، عند ذكر المصنف لها.
(كلزوم كون الثاني من نحو: كنتأو، أحد حروف سألتمونيها) - فلما لزم في هذا الوزن، كون الثاني نوناً، وهو أحد حروف الزيادة، قضي بزيادته.
والكنتأو، بالتاء والثاء: العظيم اللحية؛ ومثله: قندأو للخفيف، وكندأو للجمل الغليظ، ووزنها: فنعلو، وكذا شندأو عن الجمهور، وهو الجريء المقدم، وقيل: وزنه: فنعأل من الشدو، وهو مد اليد نحو الشيء.
(وكسقوط همزة شمأل وشأمل واحبنطأ، في الشمول والحبط) - يقال للريح إذا هبت من ناحية القطب: شمل، بسكون الميم، وشمل، بتحريكها، وشمال وشمأل، بالهمز، وشأمل، بالقلب، والهمزة زائدة، لقولهم فيها: شمول، قال:
(19)
فإن الريح طيبة شمول
وقولهم: شَمْل وشَمَل؛ واستدل ابن عصفور للزيادة بقولهم: شملت الريح تشمل شمولاً، أي تمولت شمالا.
ويقال: حبطت الشاة بالكسر، حبطاً، قال ابن السكيت: هو أن تنتفخ بطونها من أكل الذرق، وهو الحندقوق؛ وفي الحديث:"وإن مما ينبت الربيع، ما يقتل حبطاً، أو يلم"، فالهمزة في احبنطأ زائدة للإلحاق.
(وميم دلامص ورزقم، في الدلاصة والزرقة) - يقال: درع دلامص ودلمص ودمالص، ودملص، أي براق، والميم زائدة، لقولهم: دلصت الدرع بالفتح، تدلص دلوصة: برقت، وهي زائدة للإلحاق بعذافر؛ وزعم الأخفش والمازني أنها أصلية.
ويقال للشديد الزرقة: زرقم، وكذا يقال للمرأة أيضاً: زرقم، والميم زائدة للإلحاق ببرثن، لقولهم: زرقت عينه، بالكسر زرقاً، والاسم الزرقة، قال:
(20)
لقد زرقت عيناك يابن مكعبر
…
كما كل ضبي من اللؤم أزرق
(ونون رعشن وبلغن في الرعش والبلوغ) - فيقال: رجل رعشن، أي مرتعش؛ وجمل رعشن؛ لاهتزازه في السير؛ والنون زائدة للإلحاق بجعفر، لقولهم: رعش بالكسر، رعشاً: ارتعد؛ والنون في بلغن زائدة للإلحاق بقمطر.
(وهاء أمهات وهبلع وأهراق، في الأمومة والبلع والإراقة) - ووزن أمهة، على القول بزيادة الهاء: فعلهة، وزيدت لتكثير الكلمة، كالألف في قبعثرى؛ والهاء في هبلع زائدة للإلحاق بدرهم؛ وفي أهراق زائدة عوضاً من ذهاب حركة العين منها.
(ولام فحجل وهدمل، في الفحج والهدم) - وهي في فحجل زائدة للإلحاق بجعفر، يقال: فحج يفحج فحجاً، وهو أفحج، للذي تتدانى صدور قدميه، ويتباعد قدماه، وفي هدمل للإلحاق بزبرج.
(وسين قدموس، وأسطاع، في القدم والطاعة) - وقدموس بمعنى قديم، والسين فيه زائدة للإلحاق بعصفور؛ والسين في أسطاع بفتح الهمزة، زائدة، وأصله عند سيبويه: أطاع، وهمزته للقطع، وأصله: أطوع، فنقلت فتحة العين إلى الفاء، فصار: أطوع، ثم قلبت الواو ألفاً لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها في اللفظ، ثم زيدت السين، عوضاً من ذهاب حركة العين، أي ذهابها منها، بما ذكر من النقل، ودل على ذلك كون الهمزة مقطوعة مفتوحة، والمضارع مضموم أوله؛ وزيادة السين في هذا مسموعة، وليست جارية على القياس.
وقول الكوفيين: إن أصل أسطاع يسطيع: استطاع يستطيع، مردود بفتح الهمزة، وضم الياء، وزعمهم أنه بحذف التاء، شبه بأفعل، ففتحت وضمت، رجوع عما قدروا، ومخالف للاستعمال، فلما قالوا: اسطاع، بهمزة الوصل، وأصله استطاع، فحذفت التاء لمجانسة الطاء، كما يحذف أحد المثلين في ظلت، قالوا في المضارع: يسطيع، بفتح الياء، كما يقولون: يستطيع، والسين في اسطاع، بهمزة الوصل، زائدة، على القياس، لأنها سين الاستفعال.
(وكلزوم عدم النظير، بتقدير أصالة نون نرجس، وعرند
وكنهبل وإصفعند وخبعثنة وخنبتنة وهندلع) - فلو كانت نون نرجس بالفتح أصلاً، لكان وزنه: فعللا، وهو بناء مفقود، ونفعل، وإن كان مفقوداً في الأسماء، موجود في الأفعال، نحو: نضرب، مع أن في الزيادة، الدخول في أوسع البابين، وهو الزيادة، وهذا الدخول من دلائل الزيادة؛ وحكى سيبويه: وتر عرند أي غليظ، وهو نظير ما حكى أبو زيد من ترنجة وترنج بمعنى أترجة وأترج، والنون زائدة لأن فعللاً مفقود؛ مع دلالة قولهم: شيء عرد، أي صلب، على زيادتها.
وكنهبل: ضرب من الشجر، وفيه ضم الباء وفتحها، فعلى الضم، لو قدِّر أصالة النون، لكان: فعللاً، وهو مفقود، فالنون زائدة، ولو كان بتقدير زيادتها أيضاً لا نظير له، إلا أنه دخول في الباب الواسع؛ وأما على الفتح فله نظير، وهو سفرجل، لكن قام الدليل على زيادة النون، في لغة الضم، فتكون زائدة في هذا أيضاً، لأن بعض الأوزان يحمل عليها غيرها، ولا يخرج عنه إلا بدليل صحيح؛ وعلم من هذا، ما يقال في نون نرجس بالكسر.
ونون إصفعند زائدة، لعدم إفعلل، وللدخول في أوسع البابين. والخبعثنة: الأسد، ونونه زائدة لما سبق، ولقولهم في معناه: خبعث؛ وفي نسخة الرقي، مكان هذا: خنبتنة، وشرحه بأنه المرأة السوداء.
وأما هندلع، فبناء لم يثبته سيبويه، وحكاه ابن السراج وغيره، ثم قيل: إن نونه أصلية، ووزنه: فعلَلِل، وقيل: زائدة، ووزنه: فنعلل، وهو أولى، دخولاً في الأوسع، وهو باب الزيادة.
(ولام ورنتل وعقرطل) - والورنتل: الشر، والعقرطل: أنثى الفيل؛ وما ذهب إليه من زيادة اللام فيهما، هو قول الفارسي؛ والواو في ورنتل أصل، وذهب بعض النحويين إلى أنها زائدة.
(وتاء تنضب وتدرأ وتجيب وعزويت) - التنضب: شجر تتخذ منه السهام، الواحدة تنضبة، والتاء زائدة، لأنه ليس في كلامهم فعلل، وفيه تفعل، مثل تخرج؛ ويقال: السلطان ذو تدرإ، بضم التاء، أي ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه، وهو اسم موضوع للدفع، والتاء زائدة، كما في تنضب، لما سبق ذكره. وتجيب: بطن من كندة بن ثور، والكلام في تائه كما تقدم. وتاء عزويت زائدة، لما سبق، ومثله عفريت؛ وعزويت قيل: موضع، وقيل: الرجل القصير.
(وما ثبتت زيادته بعدم النظير، فهو زائد، وإن وجد النظير على لغة) - وذلك نحو: تتفل، فيه فتح التاء وضمها؛ فعلى الفتح، لو كانت التاء أصلاً، لكان فعللاً، وهو بناء مفقود، وأما على الضم،
فهو كبرثن، ومع هذا يحكم بزيادة التاء، لأن المادة واحدة، وقد قام دليل الزيادة، فيوقف عنده، حتى يأتي ثبت يدفعه؛ وكذلك نرجس، بفتح النون وكسرها، وهو مع الكسر كزبرج، وكذا كنهبل، بضم الباء وفتحها، وقد سبق تقريره.
(والزيادة أولى إن عدم النظير، مع تقديرها وتقدير الأصالة) - نحو: كنهبل، بضم الباء، فهو، كما سبق، عادم النظير، قدرت أصالة النون أو زيادتها، ومع هذا يحكم بالزيادة، دخولاً في الباب الأوسع، وهو كما ذكروا من دلائل الزيادة، لأن أبنية المزيد أوسع وأكثر من الأصول.
(فصل): (إن تضمنت كلمة متباينين ومتماثلين، ولم تثبت زيادة أحد المتباينين، فأحد المتماثلين زائد) - نحو: جلبب وقردد، والباء والدال زائدتين؛ وخرج بقوله: ولم تثبت
…
نحو: مفر ومحبب، فالميم قد ثبتت زيادتها، فأحد المتماثلين أصل حينئذ، لئلا ينقص البناء عن ثلاثة.
(إن لم يماثل الفاء ولا العين المفصولة بأصل كحدرد) - فإن ماثل أحد المثلين ما ذكر، على حسب ما شرط، فهو أصل؛ وذلك في الفاء نحو: كوكب وكركم، فالكاف الثانية أصل، وكذلك القاف في قوقل وقرقر، وفي العين نحو: حدرد، وهو
القصير، وقال الجوهري: هو اسم رجل، ولم يجيء على فعلع، بتكرير العين، غيره، ولو كان فعللا، لكان من المضاعف، لأن العين واللام من جنس واحد، وليس هو منه؛ وأخرج قوله: بأصل، ما فصل فيه زائد، فإن أحد المتماثلين يكون حينئذ زائداً، نحو: عقنقل، فأحد المتماثلين زائد، وهو من العقل؛ والعقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل، والجمع عقاقل، وربما سموا مصارين الضب عقنقلاً؛ وخرج أيضاً ما لم يفصل نحو: اشمخر، فأحد المتماثلين زائد، بدليل قولهم: شمخر؛ ويحمل ما لم يعرف اشتقاقه على هذا؛ هكذا قيل، وفيه نظر؛ فيقتضي ما ذكر في الفاء، الحكم بأصالة مماثلها، فصل بزائد ككوكب، أو أصلي نحو: كركم، أو لم يفصل نحو: هركلة، وهي الحسنة الخلق والجسم والمشية، عند من يجعل الهاء زائدة، فالفاءان المدغم إحداهما في الأخرى، متماثلان، بلا فصل، وكل منهما أصل؛ وذكر غيره أن الفاء إذا ضعفت، لزم الفصل، كمرمريس ونحوه، هكذا قيل في تقرير هذا الموضع، وفيه بحث ونظر، فليتأمل.
(فإن تماثلت أربعة، ولا أصل للكلمة غيرها، عمتها الأصالة
مطلقاً) - نحو: سمسم وزلزل، وهو كثير جداً؛ ومعنى كون الأربعة متماثلة، حصول التماثل في هذه العدة، وذلك إنما يكون بمجيء كل اثنين بلفظ؛ وخرج بقوله: ولا أصل: صمحمح ونحوه، وسيأتي تقرير ذلك، وقوله: مطلقاً، ومعناه أنه يحكم بأصالة الأربعة، فهم المعنى بسقوط الثالث، أم لا؛ وهذا قول جمهور البصريين، ووجهه أن الزيادة إنما تعتقد بدليل، ولا دليل، بل الدليل قائم بخلاف الزيادة؛ ويأتي تمام تقرير هذا.
(خلافاً للكوفيين والزجاج، في نحو: كبكبة، مما يفهم المعنى بسقوط ثالثه) - ظاهر هذه النسخة- أن مذهب الزجاج والكوفيين واحد، ويجوز أن يرد إلى الاتفاق على أن هذا النوع ثلاثي، وإن اختلف قوله وقولهم في الوزن، فتنزل هذه النسخة على ما ثبت في نسخة أخرى من قوله بدل هذا:
(خلافاً للزجاج في كبكبة، مما يفهم المعنى بسقوط ثالثة، وليس الثالث بدلاً من مثل الثاني، خلافاً للكوفيين) - فهذه النسخة على أن الزجاج يخالف غيره من البصريين، في أن هذا من الرباعي، وكذا الكوفيون، إلا أن الكوفيين يقولون: الثالث بدل من مثل الثاني، والزجاج لا يقول ذلك، فيكون في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول جمهور البصريين: أن الأربعة أصول مطلقاً، فهم المعنى بسقوط الثالث، نحو: كبكب، أو لا، نحو: سمسم.
والثاني: أن الأصول ثلاثة في كبكب ونحوه، وهو قول الزجاج والكوفيين، واختص الكوفيون، بأن جعلوا الثالث بدلاً من مثل الثاني، والأصل: كبب، وكذا حثحث وزلزل، أصلهما: حثث وزلل، فاستثقل التضعيف، فأبدل من إحدى العينين حرف من لفظ الفاء.
والثالث: أنه ثلاثي، كما تقدم، والفاء مكررة، ووزنه: فعفل، وهو قول الزجاج وقطرب، ونسب إلى الخليل، وقد نسب ما سبق عن الكوفيين إلى سيبويه وأصحابه، وبه قال أيضاً جماعة من أهل اللغة من البصريين، كأبي عبيد وابن قتيبة، وسامح فيه المبرد، وقال: إنه ممكن؛ والذي يظهر، أنه رباعي، لأن مثل هذا الإبدال لم يثبت، بل إذا استثقلوا التضعيف، أتوا بحرف العلة بدل المضاعف، كقولهم في تظننت: تظنيت، دون تظنظنت؛ وأما أن وزن الكلمة، فعفل، فضعيف، لأنه بناء مفقود.
(فإن كان للكلمة أصل غير الأربعة، حكم بزيادة ثاني المتماثلاث، وثالثها في نحو: صمحمح) - وهو الشديد، وكذا دمكمك، بمعنى شديد، وبرهرهة للمرأة التي كأنها ترعد رطوبة، ونحوها من الاسم: حبربر وتبربر وحورور؛ حكى سيبويه: ما أصاب منه حبربراً ولا تبربراً ولا حوروراً، أي ما أصاب منه شيئاً؛ ويقال: ما في الذي تحدثنا به حبربر، أي: شيء.
ووزن هذه ونحوها عند البصريين: فعلعل، وعند الكوفيين: فعلل، والأصل عندهم صمحمح، وقد سبق ذكر هذا الخلاف، وبيان الراجح، عند قوله: أو عين ولام، مع مباينة الفاء، في فصل: استثقل تماثل أصلين في كلمة. واتفق الفريقان على أن وزن جلعلع، وهو الجعل، ودرحرج، وهو دويبة: فعلعل؛ وفرق الكوفيون بين هذا وبين صمحمح، بأن فعلعلا، بضم أوله مفقود في الأسماء، بخلاف المفتوح أوله، وخروج اللفظ عن أبنية كلامهم دليل زيادة الحرف فيه.
(وثالثها ورابعها في نحو: مرمريس) - فالميم التي هي ثالث المتماثلات، والراء التي هي رابعها، زائدتان، ووزنها: فعفعيل، وكذا مرمريت، وقد سبق أنه ليس غيرهما.
(وثاني المثلين أولى بالزيادة في نحو: اقعنسس، لوقوعه موقع ألف احرنبي) - واحرنبى ملحق باحرنجم، فالزائد للإلحاق، وقع فيه آخراً، فيحمل عليه اقعنسس ونحوه، من الملحق من الثلاثي، فالسين الأخيرة في مقابلة الألف في احرنبى، فهي الزائدة كالألف.
(وأولهما أولى في نحو: علم، لوقوعه موقع ألف فاعل، وياء فيعل، وواو فوعل) - وهذا مذهب الخليل في كل مضاعف نحو:
علم وبلز وفرد، فالأول في هذه ونحوها، هو الزائد عنده، لوقوعه موقع أمهات الزوائد، وهي الألف والواو والياء، نحو: كاهل وجوهر وبيطر، فقدموا الزائد من هذه في الإلحاق وفي غيره، نحو: قابل وضارب، فظهر بذلك كون المقدم من المضاعفين هو الزائد، لوقوعه موقع ما تكثر زيادته كذلك.
وذهب يونس إلى أن الزائد الثاني، قياساً على اقعنسس، فلما ثبت فيه ذلك، لما تقدم، حملت سائر المضاعفات عليه.
واختلف في الصحيح من القولين؛ فقال الفارسي: الصحيح قول يونس، وقال ابن عصفور: الصحيح قول الخليل؛ وحكم سيبويه بأن الثاني هو الزائد، ثم قال: وكلا الوجهين صواب ومذهب، والمذهبان جاريان في اقعنسس ونحوه؛ وما اختاره المصنف من التفصيل مذهب ثالث له.
(وإن أمكن جعل الزائد تكريراً، أو من سألتمونيها، رجح ما عضد بكثرة النظير) - فإذا اشتملت الكلمة على زائد متردد بين كونه من قبيل المضاعف، فيعبر عنه في الزنة بما يعبر به عن أصله، وكونه من قبيل غيره، فيعبر عنه بلفظه، سلك سبيل الترجيح بكثرة النظير، فيرجح كون مهدد، علم امرأة، من المضاعف، والزائد أحد الدالين، دون الميم، فهو فعلل من المهد، لا مفعل من الهد، لأن فعللاً بابه الفك، كقردد، ومفعل لا يفك إلا شذوذاً كمحبب،
وكذا يرجح كون شملل من المضاعف كقردد، على كون اللام من حروف سالتمونيها، لأن مثل عبدل قليل، بخلاف الآخر؛ ويرجح كون نون سفنج من غير المضاعف، لقلة فعنلل المضاعف، كعدبس؛ ووزن سفنج: فعلنل، إن قدرنا الزائد النون الثانية، فيكون كخبرنج وإن قدرناه الأول، فوزنه: فعنلل كغضنفر، وكلاهما ليس بالقليل؛ وكلام المصنف عند الكلام في مسألة غضنفر، على الأول، وقد تقدم.
(إن لم يمنع اشتقاق) - فإذا ظهر اشتقاق، عمل بمقتضاه، وإن لزم عدم النظير، ومخالفة الأصل، وذلك كمعد، فميمه أصلية، كما سبق، لقولهم: تمعدد، وإن كان نظيره بابه الفك، كمهدد وقردد، وكمحبب، فميمه زائدة، لظهور الاشتقاق، وإن كان نظيره حقه الإدغام، كمقر ومفر.
(أو ما يجرى مجراه) - كما في إمعة، فوزنه: فعلة، لا إفعلة، لفقدان إفعلة في الصفات، ووجدان فعلة فيها، كدنبة؛ يقال: رجل إمع وإمعة للذي يكون، لضعف رأيه، مع كل أحد؛ وقول من
قال: امرأة إمعة، غلط، لأنه لا يقال ذلك للنساء، وقد حكى عن أبي عبيد: والدنامة والدنابة، بالباء موضع الميم: الرجل القصير، وكذلك الدنمة والدنبة؛ ومثل إمع وإمعة قولهم: رجل إمر وإمرة، أي ضعيف الرأي، يأتمر لكل أحد.
(فصل): (ما آخره همزة أو نون، بعد ألف، بينها وبين الفاء حرف مشدد أو حرفان، أحدهما لين، فمحتمل لأصالة الآخر، وزيادة أحد المثلين، أو اللين، وللعكس) - وذلك نحو: قثاء وحنان، ونحو: قوباء وعقيان، فيحتمل زيادة الآخر وأصالته، وزيادة ما قبله مما ذكر وأصالته، فعلى زيادة الآخر، وزن قثاء فعلاء، ووزن حنان: فعلان، ووزن قوباء: فعلاء، وعقيان: فعلان؛ وعلى اصالته، وزنها: فعلال وفعَّال وفُعَّال، وفعلال؛ وما ذكره من احتمال النون الزيادة والأصالة فيما ذكر، هو قول بعض المتقدمين.
والذي ذهب إليه الجمهور، هو زيادتها، إذا لم يكن قبل الألف حرفان، ولم يكن من باب جيحان، إلا إن دل دليل على الأصالة فتعتبر.
(ما لم يهمل أحد البناءين) - وفي نسخة الرقي: (التأليفين) - ومعنى البناءين والتأليفين واحد؛ وذلك نحو: مزاء، اسم للخمر، فالهمزة زائدة، لأن مادة مزأ مهملة، بخلاف مزز؛ ونحو: سقاء، فالهمزة أصلية، أي بدل من أصل، لوجود مادته، وفقد مادة س ق ق؛ ونون لوذان زائدة، لفقد لذن، ووجود لوذ، ولوذان، بالفتح اسم رجل قيل؛ ونون فينان أصل، لوجود فنن وفقد فين. انتهى. وليس بجيد، ففين موجود، والفينات: الساعات، يقال: لقيته الفينة بعد الفينة، وفينة بعد فينة، ويقال: رجل فينان، أي حسن الشعر طويله، وهو فيعال من فين، فيما حكى سيبويه عن الخليل، وقيل: هو فعلان من فين، وعليه جرى الجوهري.
ويجوز أن يمثل للمضاعف قبل النون بربان؛ يقال: افعل ذلك الأمر بربانه، بضم رائه، أي بحدثانه وجدته، وأخذت الشيء
بربانه، أي كله، ولم تترك منه شيئاً، وهو من رب، لوجوده، وفقد ربن، فالنون زائدة، لا أحد المثلين.
هذا مقتضى كلام الجوهري، فإنه ذكره في رب، ولم يذكر مادة ربن؛ وذكر ابن فارس في المجمل ربن، وذكره فيه، ولم يذكر غيره؛ يقال: أخذ الشيء بربانه، أي بجميعه، ويقال: بجدته وطراءته؛ والأول من التفسيرين، عن الأصمعي، والثاني عن ابن السكيت؛ وذكره في رب أيضاً الصاغاني، وذكر أنه يقال: ربان الشباب، بالكسر، لغة في ربانه، بالضم.
(أو الوزنين) - نحو: حواء، للذي يعاني الحيات، فأحد المثلين زائد، والهمزة أصل، فوزنه: فعال، وليس الأمر بالعكس، لأنه يكون فعلاء مصروفاً، وهو مهمل؛ ونحو: خزيان، فنونه زائدة، والياء أصل، فوزنه: فعلان، ولا يكون العكس، لأن فعيالاً مهمل.
(أو يقل نظير أحد المثالين) - فإذا قل النظير، لم يلحق به، بل يلحق بما كثر نظيره، كدكان، فهو فعلان، لكثرته، وقلة فعال؛ والدكة، والدكان: الذي يقعد عليه، وناس يجعلون النون أصلية، من مصدر دكنته، أي نضدت بعضه فوق بعض، وكونه من مصدر قولهم: أكمة دكاة، أي منبسطة، أولى، لما سبق.
(ويتعين اغتفار قلة النظير، إن سلم به من ترتيب حكم على غير سبب) - وذلك نحو: غوغاء، ممنوع الصرف، فهو فعلاء؛ نص عليه سيبويه وغيره، وإن أدى إلى أنه من باب ما ماثل فيه اللام الفاء، كسلس، وهو قليل، وليس هو بفعلال، وإن كان كثيراً كزلزال وصلصال، للزوم منع صرفه بلا سبب، وكذلك أيضاً، لا يكون فوعالاً، لذلك، ولكونه يصير من باب ددن، ولهذا قال سيبويه وغيره: إن من صرفه جعله كقمقام.
والغوغاء، قال الأصمعي: الجراد إذا صارت لها أجنحة، وكادت تطير، قبل أن تستقل فتطير، وبه سمي الناس؛ وقال أبو عبيدة: الغوغاء شبيه بالبعوض، إلا أنه لا يعض ولا يؤذي.
(وتترجح زيادة ما صدر من ياء أو همزة أو ميم، على زيادة ما بعده من حرف لين) - وذلك نحو: يحيى، عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام، فهو يفعل عند سيبويه، لأن الياء يقضى عليها بالزيادة؛ أولاً للكثرة، قال أبو جعفر بن الباذش: وما نسب إلى الكسائي أو غيره، من أنه فعلى، لا يصح. انتهى.
ويحيى أعجمي، إلا أن النحويين يتكلمون في التصريف على أحكام كل أعجمي استعملته العرب، على حد كلامهم في العربي، قاله أبو الحسن بن الباذش، وهو والد أبي جعفر؛ ونحو: أفعى وأيدع وأبين، فالهمزة زائدة، والألف منقلبة عن أصل، والياء أصل؛ والأيدع: الزعفران، وأبين: اسم رجل، نسب إليه عدن، يقال: عدن أبين؛ ونحو: موسى، نص سيبويه على أن وزنه: مفعل؛ ونحو: مرود، وهو مفعل، كمكسر، من راد يرود، وليس بفعول، من مرد يمرد، وذلك لما سبق من الكثرة، فكل من الثلاث كثرت زيادته أولاً، كثرة فاق بها زيادة ما بعده من حروف اللين.
والمرود: الميل، وحديدة تدور في اللجام، ومحور البكرة، إذا كان من حديد، ويقال: راد وساده: إذا لم يستقر؛ وغلام أمرد، بين المرد، وغصن أمرد: لا ورق عليه، فيحتمل كون مرود من هذا؛ ولكن الأول أظهر، لما سبق، والمعنى أنه لا يستقر.
(أو تضعيف) - نحو: بلنجج وإجاص، ومجن، فالثلاثة
زائدة للكثرة، وبلنجج عود يتبخر به، وكذا ألنجج وبلنجوج.
(فإن أدى ذلك إلى شذوذ فك أو إعلال أو عدم نظير، حكم بأصالة ما صدر) - نحو: مهدد، فميمه أصلية، لأنها لو كانت زائدة، لكان الوجه الإدغام، كمفر وبابه، فإنما هو ملحق بجعفر، ففكه واجب، كقردد؛ ونحو: مدين، فهو فعيل كضهيأ، وليس بمفعل، لعدم الإعلال، وهو وجهه كمقام وبابه؛ ونحو إمعة، فهو فعلة، لا إفعلة، لفقدانها في الصفات.
(ما لم يؤد ذلك إلى استعمال ما أهمل، من تأليف أو وزن كمحبب ويأجج) - فوزن محبب: مفعل، والميم زائدة، وفكه شاذ، إذ قياسه، محب كمفر، وليست الميم أصلاً، وأحد المضاعفين زائداً، كمهدد، لإهمالهم مادة: م ح ب، واستعمالهم مادة: ح ب ب، فاحتمال شذوذ الفك، أيسر من احتمال مادة مفقودة. ووزن يأجج، المكسور العين: يفعل، لأنه بناء موجود؛ وليس وزنه فعللاً، لأنه وزن مهمل، إلا في لفظة، وهي: طحربة، ولا فأعلاً، لأنه وزن مفقود، فالياء زائدة، والهمزة والجيمان أصول؛ هذا في المكسور العين، وحكاه الفراء؛ وأما سيبويه فحكاه بالفتح، وقال: الياء فيه من نفس الحرف؛ ووجهه إظهار التضعيف، فهو فعلل كجعفر، وأحد المضاعفين للإلحاق، كمهدد؛ ولو كانت الياء زائدة، لقيل: ياج، بالإدغام، كرد ومرد.
ويأجج، املكسور العين، والمفتوحها: اسم مكان من مكة، على ثمانية أميال، وكان منزل عبد الله بن الزبير، فلما قتله الحجاج أنزله المجدمين، قال العجاج:
(21)
فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا
…
أو باللوى أو ذي حسى أو يأججا
(فصل)(الزائد إما للإلحاق، وإما لغيره) - والفصل معقود لزيادة الإلحاق؛ والزيادة لغيره، إن كانت لغير التكرير، فهي من الحروف العشرة، وتجيء لدلالة الزائد على معنى، وهو أقوى ما يزاد، كحروف المضارعة، والمد نحو: كتاب وعجوز وقضيب، والإسكان كهمزة الوصل، ولتكثير الكلمة كقبعثرى، وكونها لغير التكثير، أولى منها له، وأما الزيادة للتكرير، فقد سبق ذكر أقسامها.
(فالذي للإلحاق، ما قصد به جعل ثلاثي، أو رباعي، موازناً لما فوقه) - فما فوق الثلاثي: الرباعي، والخماسي؛ وما فوق الرباعي: الخماسي وذلك نحو: رعشن، من الارتعاش، فالنون فيه زائدة للإلحاق بجعفر، ونحو: إنقحل، من القحل، فالهمزة والنون فيه زائدتان، للإلحاق بجردحل، ونحو: فردوس، الواو فيه للإلحاق بجردحل.
وفي قوله قصد تجوز، فالعربي لم يقصد ذلك، وإنما هذا اعتبار نحوي، والوجه أن يقال: هو ما وازن به ثلاثي أو رباعي ما فوقه؛ والمراد بالموازنة الموافقة في الصيغة، وإن كان وزن جعفر: فعللاً، ووزن رعشن: فعلناً.
(محكوماً له بحكم مقابله غالباً) - ثبت هذا في نسخة عليها خطه، ويغني عنه ما سيأتي من قوله: في حكمه، لكن في هذه زيادة قوله: غالباً، ويأتي الكلام على ذلك.
(ومساوياً له مطلقاً) - أي اسماً كان أو فعلاً.
(في تجرده من غير ما يحصل به الإلحاق) - كمساواة رعشن لجعفر، ومساواة بيطر لدحرج؛ وقوله: في غير كذا، قيد لابد منه، ليتحقق الإلحاق، إذ لو لم يفارق الملحق به بزيادة الإلحاق، لم يوجد الإلحاق.
(وفي تضمن زيادته، إن كان مزيداً فيه) - فلابد من وجود ما في الملحق به من زيادة في الملحق، فيقال في بناء مثل احرنجم من سحك: اسحنكك، فالهمزة والنون زائدتان في احرنجم، وثبتتا في اسحنكك، والإلحاق حصل بإحدى الكافين.
(وفي حكمه) - فما ثبت للملحق به من حكم، ثبت مثله للملحق؛ والمراد الصحة والإعلال وغيرهما من الأحكام؛ فلو قيل: ابن من الضرب مثل جعفر أو برثن أو زبرج، قلت: ضربب أو
ضربب أو ضربب؛ أو من البيع مثل ضيون، قلت: بيوع، فيصح؛ أو من القول مثل طيال، قلت: قيال، فيعل؛ وما سبق من قوله: غالباً، استظهر به على مخالفته له في بعض الصور، لأمر اقتضاها، كما لو قيل: ابن من قرأ مثل درهم، فتقول: قرأى، والأصل: قرأأ بهمزتين، فأبدلت الآخرة ألفاً، لأنه ليس في كلامهم ذلك.
(ووزن مصدره الشائع، إن كان فعلاً) - نحو: بيطر بيطرة كدحرج دحرجة؛ وخرج بالشائع غيره، فقد جاء في مصدر فعلل: فعلال، نحو: سرهف سرهافاً، ولكن الشائع في فعلل: فعللة، فمتى وافق في المصدر الشائع، حكم بالإلحاق، وإن لم يشاركه في غير الشائع، فبيطر ملحق بدحرج، لثبوت بيطرة، ولم يقولوا: بيطاراً.
(ولا تلحق الألف إلا أخيرة) - ولذلك قال ابن عصفور مرة: إن الألف لا تكون للإلحاق حشواً، وقال مرة أخرى: إن تغافل ملحق بتدحرج، لمجيء مصدره على تغافل كتدحرج، وهو في هذا متبع للزمخشري، والصحيح الأول، لقولهم: تضام زيد، وتضام القوم، بالإدغام، ولو كان ملحقاً، لم يجز الإدغام، لئلا يخالف ما ألحق به في تسكين المدغم، ولذا لم تدغم جلبب.
(مبدلة من ياء) - كعلقى في لغة من نون، فإنه ملحق بجعفر، وحبنطى ملحق بسفرجل؛ وكون ألف الإلحاق منقلبة، قاله ابن عصفور أيضاً؛ ورد عليه الخضراوي، وذكر أنه لم يقل أحد من النحويين إنها منقلبة، قال: ولو انقلبت كان الإلحاق بالمنقلب عنه، كما لا يقال في علباء: بهمزة، إلحاق. انتهى.
وإنما جعلها عن ياء، لا عن واو، لأنها لا تكون للإلحاق إلا في الرباعي فما زاد، والواو إذا وقعت رابعة فصاعداً، أبدلت ياء، وانقلبت عن الياء الألف، فلو بنيت من الغزو: أفعلت لقلت: أغزيت، أو استفعل، لقلت: استغزيت، فإذا رفعت به غير التاء، قلت: أغزى واستغزى، فتقلب تلك الياء ألفاً، لتحركها، وانفتاح ما قبلها.
(ولا الهمزة أولاً، إلا مع مساعد، كنون ألندد، وواو إدرون) - فلا تكون الهمزة أولاً للإلحاق؛ وألندد ملحق بسفرجل، لأنه من اللدد، فالهمزة والنون فيه للإلحاق، ودليل الإلحاق، إظهار التضعيف؛ وإدرون ملحق بجردحل، وهو بمعنى الدرن، فالهمزة والواو فيه للإلحاق.
وفهم منه أن الهمزة تلحق إذا لم تكن أولاً، بل حشواً أو طرفاً، بلا مساعد، أي بلا لزوم مساعد، وأنها إن وقعت أولاً بلا مساعد، لم تكن للإلحاق؛ فلا يقال في أفكل: إنه ملحق بجعفر، ويقال في شأمل: إنه ملحق بجعفر، لوقوع الهمزة حشواً، وفي غرقئ: إنه ملحق بزبرج، لوقوعها طرفاً؛ وكذلك حطائط، ملحق بعذافر؛ وعلباء ملحق بقرطاس. والغرقئ قشر البيض الذي تحت القيض.
ومثل الغرقئ الكرفئ، وهو السحاب المرتفع الذي بعضه فوق بعض، والقطعة منه كرفئة، والكرفئ أيضاً: قشر البيض الأعلى. حكاه أبو عبيدة؛ ويقال: رجل حطائط، أي صغير، وحطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر.
(ولا إلحاق في غير تدرب وامتحان، إلا بسماع) - فما سمع من لسان العرب ملحقاً ببناء غيره، فمعدود من كلامهم، وهو ظاهر؛ وما لم يسمع، إنما يفعل على جهة التمرين وامتحان المشتغل بالفن، ليعلم ضبطه لقواعده، فلا يعد ذلك من كلام العرب؛ وهذا الكلام لا يختص بالإلحاق، بل هو فيه، وفي بناء مثال من مثال؛
والمذاهب ثلاثة؛ أحدها هذا، وهو ظاهر قول الخليل، وهو المختار، وعليه كلام المصنف.
والثاني: أنه يصير من كلام العرب، وهو قول الفارسي.
والثالث: أن ما فعلته العرب كثيراً، اطرد فعله لنا، وما قل فلا يطرد.
وقال المازني: الإلحاق المطرد في اللام نحو: معدد وشملل، وفي غير اللام شاذ، لا يقاس عليه لقلته، كجوهر وبيطر. وعلى مقتضى هذا القول يجوز القياس على كل ما كثر إلحاق العرب فيه، فلعل ما ذكر المازني تمثيل، والقول منسوب إليه.
فإذا قيل: ابن من الضرب مثل جعفر، قلت: ضريب، ونعده من كلام العرب، لأن الرباعي قد ألحق به كثير من الثلاثي بالتضعيف كمهدد، وبغيره كشأمل، ويجوز البناء على فعنلل من كل رباعي وثلاثي، وعلى افعنلل، لكثرة إلحاق العرب بهما؛ واختلفوا في المعتل والصحيح، فقيل: هما باب واحد، فما سمع في أحدهما قيس عليه الآخر؛ وقيل: بابان، يجري في أحدهما ما لا يجرى في الآخر، وهو قول الجرمي والمبرد، والأول قول سيبويه وجماعة، فتبنى من المعتل كمثل إبل، كقول من القول، ومن الصحيح مثل فيعل، كضيرب من الضرب؛ وهذا الخلاف مذكور على القول بالقياس؛ ويلزم منه أن سيبويه من القائلين بالقياس، ويحتمل خلاف ذلك.
(ويقارب الاطراد، الإلحاق بتضعيف ما ضعفت العرب مثله) - فلو بنينا من الضرب مثل: قردد، فقلنا: ضربباً، لكان ذلك
متجهاً قريباً من المطرد؛ وهذا قريب من القول الثاني، بالنسبة إلى المذكور، وليس به، فإن قربه لا يجعله مقيساً، بل يكسبه قوة ما.
(فلا يلحق بتضعيف الهمزة) - فإذا قيل: ابن من قرأ مثل جعفر؛ لم تقل: قرأأ، لثقل اجتماع الهمزتين، بل تخفف بإبدال الأخيرة ياء، وتقلب الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: قرأى.
(ولا بتضعيف متصلين) - فلو قيل: ابن من كم مثل: جردحل، لم يجز، لأنه يكون اللفظ: كمم، بتضعيفين لا فاصل بينهما، وليس ذلك في كلامهم، وأما المفصول فموجود، نحو: دمكمك.
(لإهمال العرب لذلك) - أي لتضعيف الهمزة، ولتضعيفين متصلين.
(فإن قصد التدرب، أو إجابة ممتحن، فلا بأس به) - والغرض علم ما تقتضي لغة العرب فيه، لو تكلمت به؛ ولهذا فعلنا في قرأأ ما سبق.
(ولو كان إلحاقاً بأعجمي، أو بناء مثل منقوص، وفاقاً لأبي الحسن) - فيجوز عند المصنف، تبعاً للأخفش، الإلحاق للتدرب
بهذين؛ فيقال في بناء مثل صحقن، وهو القار بلغة الترك: ضربب، وهو تأليف موجود في لغة العرب، وبناء موجود أيضاً كدرهم؛ ويقال في بناء مثل يد من ابن: بن، ومثل فل: بن؛ وغير الأخفش، لا يحسن عنده أن يلحق بأعجمي، ولا ببناء منقوص، ولو قصد التدرب؛ لأن الأعجمي من غير لغة العرب، فلا يحسن أن نلحق نحن به، والمنقوص ليس بقياس؛ فلهم أن يتصرفوا في لغتهم، بحسب ما طبعوا عليه، وليس يحسن لنا تقدير ذلك، لأنه تقدير إدخال ما لا يقتضيه قياسهم.
(بشرط اجتناب ما اجتنب العرب، من تأليف أو هيئة) - فلا يجوز عندهما الإلحاق بأعجمي، ولا ببناء منقوص، ولو قصد التدرب، إلا بالشرط المذكور، فلا يبنى من الجلوس مثل: جنلق، وهي الشختورة، بلغة الترك، لأنه لا يوجد في لغة العرب كلمة، تقع النون فيها متلوة باللام؛ ومراده بالتأليف المادة؛ ولا يبنى من ضرب اسم على وزن: دبكج، وهو المهماز بلغة الترك، لأن هذا
الوزن مفقود في لغة العرب؛ وكذا لا يبنى من الرمي اسم على مفعل، لا مفعلاً في المنقوص مجتنب، إلا شذوذاً، نحو: مأوى الإبل.
(وسلوك سبيل صمحمح) - وهو ما كان الإلحاق فيه، بعد تمام الأصول، بتكرير العين واللام، فإن وزن صمحمح: فعلل، على الصحيح.
(وحبنطى) - وهو ما كان الإلحاق فيه بحرفين، مفصول بينهما، وليس أحدهما من جنس أصل الكلمة، وليسا من جنس واحد، كنون حبنطى وألفه.
(في إلحاق ثلاثي بخماسي) - كإلحاق ضرب بسفرجل، فتقول: ضربرب، بتكرير العين واللام كصمحمح، أو ضرنبى، بزيادتين ليستا من جنس واحد، ولا إحداهما من الأصل.
(أولى من سلوك سبيل غدودن) - وهو الإلحاق بحرفين قبل تمام الكلمة، أحدهما نظير العين، والآخر ليس من الجنس؛ ويقال: اغدودن الشعر، إذا طال وتم، واغدودن النبت: اخضر حتى يضرب إلى سواد، من شدة ريه.
(وعفنجج) - وهو الإلحاق بما أحد حرفيه نظير اللام، والآخر ليس من الجنس؛ والعفنجج: الضخم الأحمق.
(وعقنقل) - وهو ما كان أحد حرفيه نظير العين، والآخر ليس من الجنس، ولم يفصل بين حرفي الإلحاق؛ والفرق بين غدودن وعفنجج، اطراد زيادة النون في مثله، وأن في غدودن توالى حرفي الإلحاق، وأما عفنجج فيحتمل عدم التوالي والتوالي، بناءً على الخلاف في أن الزائد الواحد أول المثلين أو ثانيهما.
(وخفيدد) - وهو مثل عفنجج، إلا أن أحد الزائدين ليس النون.
(وخفيفد) - وهو مثل عقنقل، إلا أن عقنقل بالنون.
(واعثوجج) - وهو مثل خفيدد، لكن فيه الإلحاق ببناء غريب، وقد نفاه بعضهم، وزعم أنه لا يوجد فعل على افعولل.
(وهبيخ) - وهو ما وقع الإلحاق فيه بحرفين ليسا من الأصل، وهما متصلان بلفظ واحد.
(وقتور) - وهو مثل هبيخ، إلا أن الواو أثقل من الياء.
(وضربب) - وهو مثل اللذين قبله، في اشتماله على ثقل التضعيف؛ ونريد بثقل، اجتماع الأمثال.
والحاصل أن سلوك أحد الطريقين الأولين، أخف من سلوك ما ذكر بعد، وأكثر في الاستعمال، فكان لذلك أولى.
(ويختار إبدال ياء من آخر نحو: ضربب، من الرد ونحوه) - فإذا بني من الثلاثي الذي عينه ولامه من جنس واحد، وهما صحيحان، نحو: رد، على مثال: سفرجل، قيل: رَدَدَّد، بأربع دالات، وذلك مستثقل.
والعرب قد أبدلوا فيما آخره ثلاثة أحرف من جنس واحد، من الحرف الأخير ياء، فهذا أحرى، فتبدل من الدال الأخيرة ياء، كما قالوا في تصددة: تصدية، فيصير: رددى، فتتحرك الياء، وينفتح ما قبلها، فتنقلب ألفاً، فيصير: رددى، وكذا يقال في مثل: خبعثنة من الرد: رددية؛ قال أبو الحسن: ومن قال: أمييي، فجمع بين أربع ياءات، قال: رُدَدِّدَة. انتهى.
وقياس هذا أن يجوز في المثال الأول: ردددد.
والخبعثنة مثل القذعملة: الضخم الشديد؛ وأنشد أبو عمرو:
(22)
خبعثن الخلق، في أخلاقة زعر
(وجملة ما يتميز به الزائد تسعة أشياء) - وزاد بعضهم آخر، وهو الدخول في أوسع البابين، نحو: كنهبل، فعلى الأصالة وزنه: فعلل، وعلى الزيادة: فنعلل، وكلاهما مفقود، فيحمل على الزيادة، لأن باب المزيد أوسع، لكثرة أبنية المزيد، وقلة أبنية المجرد.
(دلالته على معنى) - كحروف المضارعة، وألف ضارب، وتاء افتعل؛ ويمكن الاستغناء عن هذا بالاشتقاق أو التصريف، وسيأتي بيان هذا.
(وسقوطه لغير علة) - وهذا هو الذي يعبر عنه التصريفيون بالاشتقاق، والذي أثبته الجمهور، هو الاشتقاق الأصغر، وهو إنشاء كلمة من كلمة، مع التوافق في أصل المعنى والحروف وترتيبها، كضارب وضرب من ضرب.
وأما الاشتقاق الأكبر، فأثبته أبو الفتح، وكان الفارسي يأنس به في بعض المواضع، وهو عقد تراكيب الكلمة، كيفهما ركبتها، على معنى واحد، نحو دوران الكلم والكمل واللكم، وبقية تقاليبها، على معنى الشدة والقوة، والصحيح عدم اعتباره، لعدم اطراده، والمقصود فيما نحن فيه الأول، وقول الجماعة، من أهل النحو واللغة، من البصريين والكوفيين، أن بعض الكلم مشتق، وبعضه غير مشتق؛ وذهب طائفة من متأخري اللغويين، إلى أن الكلم كله مشتق، ونسب للزجاج، وقيل: إن سيبويه كان يراه؛ وزعم قوم أن الكلم كله أصل، وليس شيء مشتقاً من شيء. وأخرج بقوله: لغير علة، سقوط واو عدة، فليست الواو زائدة، لسقوطها لعلة ستأتي في فصل الحذف، إن شاء الله تعالى.
(من أصل) - كسقوط همزة أحمر من حمرة، والمعنى بسقوطها من الأصل، عدم وجودها فيه.
(أو فرع) - كسقوط ألف قذال في قذل، وواو عجوز، وياء كثيب، في عجز وكثب؛ وكون الإفراد أصلاً، والجمع فرعاً، مجاز مشهور في لسان أهل العربية، ونحوه قولهم: إن الإفراد أصل،
والتركيب فرع، وإنما يقع الفرع والأصل حقيقة، على المشتق والمشتق منه.
ومعنى كلامه أن السقوط من الفرع يكون لغير علة، كما سبق ذلك في الأصل؛ وخرج بهذا يعد واخواته، فهو فرع عن عدة، وسقوط الواو فيه لعلة، فلا تكون زائدة؛ ويعبر عن هذا الدليل بالتصريف؛ والمراد تغيير صيغة إلى صيغة، فيسقط من الفرع زائد هو في الأصل؛ والفرق بينه وبين الاشتقاق، أنه يستدل في الاشتقاق، بثبوت الزيادة في الفرع، وسقوطها من الأصل، والتصريف بالعكس.
(أو نظير) - نحو: إصار وأيصر، هما بمعنى واحد، فسقوط الياء من إصار، وهو بمعنى أيصر، دليل زيادتها في أيصر، وكذا إطل وأيطل، والمعنى أيضاً لغير علة؛ ويخرج نحو: عدة ووعد، فهما بمعنى، وسقوط الواو في عدة لعلة، فلا يدل على الزيادة.
(وكونه مع عدم الاشتقاق، في موضع تلزم فيه زيادته) - كالنون تقع ساكنة ثالثة، وبعدها حرفان، وهي غير مدغمة، نحو: عقنقس، فلا يعرف له اشتقاق، ولا تصريف، ومع هذا يحكم بزيادة النون، لأن ما عرف اشتقاقه من مثله، نونه زائدة لزوماً، نحو:
جحنفل؛ وأما المدغمة نحو: عجنس، فقيل: زائدتان، وهو فعنل، وقيل: أصل، وهو فعلل، من مزيد المضعف، وقيل: هو فعنلل، من مزيد الرباعي؛ والعقنقس: العسر الأخلاق، يقال ايضاً: خلق عقنقس.
(أو تكثر مع وجود الاشتقاق) - فما كثرت زيادته، فيما عرف له اشتقاق أو تصريف، حمل على الزيادة، فيما لم يعرف له اشتقاق أو تصريف، نظراً إلى الكثرة، كالهمزة، تقع أولاً، بعدها ثلاثة أحرف، نحو: أفكل، ولذلك حكم سيبويه بمنعه علماً، للعلمية ووزن الفعل، لكثرة زيادة الهمزة في نحو: أصفر وأحمر.
(واختصاصه ببنية، لا يقع موقعه منها ما لا يصلح للزيادة) - أي لا يقع موقعه فيها حرف أصلي، وذلك نحو: حنظأو وكنتأو، وزنهما: فنعلو، فالنون زائدة، لأنه لم يجيء مكانها في نحو هذا البناء حرف أصلي نحو: سردأو، ولذا لم يحكم على الهمزة فيه بالزيادة، وإن لزمت هذا البناء، لأنه قد وقع مكانها أصل، نحو: عنزهو.
(ولزوم عدم النظير، بتقدير أصالته فيما هو منه) - فنرجس؛ بفتح النون، وزنه: نفعل كنضرب، ونونه زائدة، وليست أصلاً، إذ ليس في الكلام فعلل، فلو سمي به، منع الصرف للعلمية ووزن الفعل.
(أو في نظير ما هو منه) - نحو: نرجس، بكسر النون، فهو بوزن: زبرج، لو قدرت أصالة النون، لكن قام دليل زيادتها في حالة الفتح، وهي تلك، فلا تكون في هذا أصلاً، للزوم عدم النظير، في نظير ما هي منه، وهو نرجس المفتوح النون، وكذلك تتفل، سمع فيه فتح الأول، وضم الثالث، فتاؤه الأولى حينئذ زائدة، كتاء تنضب، لعدم فعلل، وسمع بضم الأول والثالث، وهو حينئذ بوزن: برثن، لكن تلزم زيادة التاء فيه أيضاً، للزوم عدم النظير في نظيره، وهو المفتوح التاء. هذا ما ظهر لي في شرح هذا الموضع، والله أعلم.
(فصل): (يجمع حروف البدل الشائع في غير إدغام، قولك: لجد صرف شكس آمن طي ثوب عزته) - أخرج بالشائع إبدال الذال من الدال، قرأ الأعمش:"فشرذ بهم من خلفهم"، قال ابن جني: لم يمر بنا في اللغة تركيب ش ر ذ، فالذال في شرذ بدل من الدال، لأنهما مجهورتان ومتقاربتان، وهذا كقولهم: لحم خرادل وخراذل؛ يقال: خردلت اللحم بالدال والذال، أي قطعته صغاراً؛ وخرج الزمخشري القراءة على القلب، والأصل: شذر، من شذر مذر، أي: فرق بهم من خلفهم؛ وإنما قال في غير إدغام، لأن البدل للإدغام يكون في حروف المعجم كلها، إلا الألف، كما سيأتي؛ والحروف التي اشتمل عليها ما ذكر المصنف، اثنان وعشرون.
اللام والجيم والدال والصاد والراء والفاء والسين والكاف والشين والهمزة والألف والميم والنون والطاء والياء والثاء والواو والباء والعين والزاي والتاء والهاء؛ وما بقي من الحروف لا يبدل، وهي:
الحاء والخاء والذال والظاء والضاد والغين والقاف؛ وما يذكر اللغويون من الإبدال في هذه الأحرف، هو إما لغتان، أو شاذ.
(والضروري في التصريف، هجاء: طويت دائماً) - وهي اثنا عشر حرفاً في ما ذكر غيره، ويجمعها: طال جهدي وأمنت؛ والذي ذكر هو ثمانية، فأسقط أربعة، وعد في غير هذا الكتاب تسعة فزاد الهاء، فسقط له على هذا، مما ذكر غيره: اللام والنون والجيم.
(وعلامة صحة البدلية، الرجوع في بعض التصاريف، إلى المبدل منه لزوماً) - كقولهم في جدث: جدف، بإبدال الفاء من الثاء، بدليل قولهم في الجمع: أجداث بالثاء، على جهة اللزوم.
(أو غلبة) - كقولهم في أفلت: أفلط، جعل الطاء بدلاً من التاء، والغالب في الاستعمال التاء.
(فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين، فهو من أصلين) - أي إن لم يثبت الرجوع لزوماً أو غلبة، في لفظ ذي استعمالين، فذلك اللفظ من أصلين، نحو: وكد وأكد، وورخ وأرخ، فليست الهمزة بدلاً من الواو، لأن التصاريف كلها جاءت بهما، نحو: أرخ يؤرخ تأريخاً، فهو مؤرِّخ ومؤرَّخ، وكذا مع الواو، وكذلك
أكد، فالهمزة أصل، كالواو.
(فصل): (تبدل الهمزة وجوباً، من كل حرف لين، يلي الفاً زائداً متطرفاً) - نحو: كساء ورداء، والأصل: كساو، من الكسوة، ورداي، من التردية. وظاهر كلامه على أن الهمزة بدل من ذلك الحرف اللين؛ وغيره يقول: إن الحرف اللين تحرك وانفتح ما قبله، لأن الألف حاجز غير حصين، فانقلب ألفاً، ثم قلبت الألف همزة.
ومراد لامصنف، حرف اللين الذي هو لام، أو في حكمها، وهو الملحق، فتقول: اسلنقى اسلنقاء، بالهمزة، فلو كان عيناً، لم يقلب، كأن تسمى بـ غاوي، منسوباً، ثم ترخم، على لغة من لا ينتظر، فتقول: يا غاو، فحرف اللين وقع طرفاً، بعد ألف زائدة، ولا يبدل، لشبهه، حينئذ، بما وضع أولاً، وآخره واو، نحو: واو، فكما صحت واوُ واوٍ، صحت واو غاو؛ فلو كانت الألف غير زائدة، لم يبدل الحرف، نحو: آية وراية، لئلا يتوالى إعلالان، وكذا لو لم يتطرف الحرف، كتعاون وتباين؛ والرديه كالركبة من الركوب، نحو: هو حسن الردية.
(أو متصلاً بهاء تأنيث عارضة) - كسناة وعظاة؛ وخرج اللازمة، وهي التي بنيت عليها الكلمة، فلا يبدل حرف العلة معها همزة، بل يبقى نحو: هراوة وإداوة وهداية.
(وربما صحح مع العارضة) - كشقاوة وعظاية.
(وأبدل مع اللازمة) - قالوا في مثل: اسق رقاش، فإنها سقاية، بالياء وبالهمزة؛ ووجه ترك البدل، أنه لما استعمل مثلاً، والأمثال لا تغير، صارت الهاء فيه كالهاء في هراوة، ووجه الهمز النظر إلى ما قبل المثل، ومعنى المثل: أحسنوا إليه لإحسانه؛ عن أبي عبيد.
(وتبدل الهمزة أيضاً وجوباً، من كل ياء أو واو، وقعت عيناً لما يوازن فاعلاً أو فاعلة، من اسم معتز إلى فعل معتل العين) - نحو: قائم وقائمة وبائع وبائعة، فأبدلت الهمزة لزوماً من الواو والياء، وقيل: تحركتا وانفتح ما قبلهما، لأن الألف حاجز غير حصين، فقلبتا ألفاً، فالتقى الفان، فأبدلت الثانية همزة.
وخرج بقوله: عيناً، الواقعة فاء أو لاماً، فلها حكم غير هذا؛ وبقوله: لما يوازن، نحو: مطيل من أطال، ومنيل من أنال؛ وبمعتز إلى كذا، أي إلى معتل العين، بقلبها ألفاً، نحو: قام وباع، عور وصيد ونحوهما، فاسم الفاعل منهما: عاور وصايد، بالواو والياء، ولا يبدلان همزة، لأن الفعل لم يعتل على الحد المذكور.
(أو اسم لا فعل له) - نحو: جائزة، هي اسم لا فعل له، والجائزة: خشبة تجعل في وسط السقف، وكذا الجائز، ومثل أيضاً بحائر، وجعل اسماً لا فعل له، وفسر بالبستان، واستشهد بقوله:
(23)
صعدة نابتة في حائر
…
أينما الريح تميلها تمل
وفسره بعضهم بمجتمع الماء، وقال ابن فارس: الحائر الذي يتحير فيه الماء، وعلى هذا لا يحسن التمثيل به؛ وفيه بحث.
(ومن أول واوين صدرتا، وليست الثانية مدة غير أصلية) - كقولك في تصغير واصل: أويصل، والأصل: وويصل، وفي جمع واصلة: أواصل، والأصل: وواصل.
وخرج بقوله: وليست
…
إلى آخره، قولك: ووريَ في وارى، فالواو الثانية بدل ألف فاعل، وهي مدة غير أصلية، فلا يجب قلب الأولى في وورى همزة، كما يجب في أويصل وفي أواصل ونحوهما.
(ولا مبدلة من همزة) - نحو: الأولى تأنيث الأوأل، أي الألجأ من وألت، أي لجأت، الأصل: وؤلى، فأبدلت الهمزة واواً، لضم ما قبلها، كبوس في بؤس، فصار وولى، فلا يجب قلب الأولى همزة، نظراً إلى أن الثانية كانت همزة، بل يجوز، نظراً إلى الحال؛ وهذا هو مقتضى قول المازني؛ ومقتضى قول الخليل وسيبويه، وجوب الإبدال، فلو لم تقلب الثانية، وجب أن لا تهمز الأولى، لاستثقال الهمزتين.
(فإن عرض اتصالها، بحذف همزة فاصلة، فوجهان) - فإذا بنيت من وأيت على وزن افعوعل، قلت: إوأوأى، فتتحرك الياء، وينفتح ما قبلها، فتقلب ألفاً، فيصير: إوأوأى، وتقلب الواو الأولى ياء ليسكونها وانكسار ما قبلها، فيصير: إيأوأى، فإذا سهلت الهمزة التي بعد هذه الياء، نقلت حركتها إلى الياء، فتحذف همزة الوصل، لزوال مقتضيها وهو السكون، فتعود الياء إلى أصلها، لزوال موجب قلبها، وهو الكسر، فيصير: ووأى، فيجوز حينئذ أن يقر الواو الأولى بحالها، نظراً إلى الفاصل المقدر بين الواوين، ولا يعتد بالعارض، كما فعل في جيل، حيث لم تقلب الياء ألفاً، وإن تحركت وانفتح ما قبلها، نظراً إلى الأصل، وهو جيأل، ولم يعتد بالعارض؛ ويجوز قلب الواو الأولى همزة، نظراً إلى الحال. وجواز الوجهين قول الفارسي؛ وغيره من النحويين يوجب إبدال الواو الأولى همزة.
(وكذا كل واو مضمومة ضمة لازمة) - نحو: وجوه ووقتت، فتقلب همزة، فتقول: اجوه وأقتت، قال أبو حاتم: وقد التزموا
الهمزة في شيء من هذا، يقولون: أجنة، ولم يقولوا: وجنة، ومنه في القراءة:"الأنثى"، ولم يقولوا: ونثى؛ والقياس ما سبق؛ وقد حكى الفراء، أنهم يقولون لوجنة الإنسان: أجنة ووجنة.
وخرج بلازمة، نحو: اخشووا الله، و"ولتبلون"، وهذا غزو، ولا تبدل الواو في شيء من هذا همزة.
(غير مشددة) - احترز من تعوذ ونحوه، فلا يجوز الهمز؛ وقال الخدب: يجوز التقوءل، بإبدال الثانية. انتهى. واستبعدوه.
(ولا موصوفة بموجب الإبدال السابق) - يشير إلى مسألة أول واوين صدرتا، ولا فرق، حيث يجوز الهمز في المسألة التي نحن فيها، بين الواو المضمومة، وهي أول، كما مثل، أو غير أول، كدار وأدور، وثوب وأثوب، وفوج وأفوج؛ فكل هذا يجوز فيه الهمز؛ وظاهر كلام سيبويه، أن همز أدؤر أكثر، وإليه ذهب المازني؛ وقال المبرد: ترك الهمز أحسن؛ قيل: واتفقوا على أن همز واو وجوه أكثر وأحسن. انتهى. ولغة القرآن في وجوه ترك الهمز، فلعل هذا الاتفاق في الباب في الجملة، وإنما تهمز الواو المضمومة إذ لم يمكن تخفيفها
بالإسكان، فإن أمكن، لم يجز الهمز، كسوار وسور، يمكن تخفيفها بالإسكان، فلا تهمز، ولم يرد السماع بالهمز إلا في الواو الأصلية. وقد شرط ابن جني في جواز الهمز، أن لا تكون الواو زائدة، فلا يجوز عنده في الترهوك، مصدر ترهوك، همز الواو؛ يقال: مر الرجل يترهوك، كأنه يموج في مشيته.
(وكذا كل ياء مكسورة، بين ألف وياء مشددة) - فتقول في النسب إلى راية: رائي، بالهمزة، ويجوز تركه، فتقول: رايي، بالياء، وحكوا قلب الياء واواً نحو: راوي.
(وهمز الواو المكسورة المصدرة، مطرد على لغة) - قال سيبويه: وليس هذا بمطرد في المفتوحة، يعني قلبها أولاً همزة، قال: ولكن ناساً كثيراً يجرون الواو إذا كانت مكسورة، مجرى الضمة، فيهمزون الواو المكسورة. انتهى. وذلك نحو: وعاء ووسادة ووجهة ووفادة، فيجوز همز الواو في هذا ونحوه، والجمهور على أنه مطرد منقاس، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ ونقل عن المازني ولاجرمي في اقتياسه المنع والجواز؛ وبعدم القياس قال المبرد، ولم يقيد الكسرة باللزوم، والأمر على عدم التقييد؛ فمن قال في ريا، الذي أصله: رؤيا بالهمز، فأبدل ريا، بكسر الراء، قال في وأي، الذي أصله وئي، فأبدل وأدغم: وئي، بكسر الواو، فيجوز حينئذ همز الواو،
فيقال: إئي، كإسادة؛ هذا مذهب سيبويه، وقيل: لا يجوز همز هذه الواو.
(وربما همزت الواو، لضمة عارضة) - كما قرئ في الشاذ: "لفريقاً يلئون"، بالهمز، وكذا قرئ:"ولا يلئون على أحد".
(فصل): (إذا اكتنف طرفا اسم، حرفي لين، بينهما ألف، وجب في غير ندور، إبدال الهمزة من ثانيهما) - نحو: أول وأوائل، وعيل- وهو الفقير- وعيائل، وسيد وسيائد، بالهمز في الجميع، والأصل: أواول وعيايل وسياود، وإنما أبدل لثقل البناء، مع ثقل اجتماع حروف العلة، متصلة بالطرف، وهي الألف والحرفان.
وتناول قوله: ألف، ما كانت الألف فيه للجمع، كما مثل، وما كانت في مفرد، كأن تبنى من القول مثل: عوارض، وهو بضم الفاء: اسم جبل عليه قبر حاتم، فتقول: قوائل، بالهمز عند سيبويه
والجمهور؛ والأصل: قواول، وقال الأخفش والزجاج: لا يهمز، لفوات ثقل الجمع، والراجح الأول، لقوة الشبه.
واحترز بغير ندور، من قولهم: ضياون، بلا همز، والقياس الهمز؛ وذهب ناس إلى أن ما صح في المفرد صح في الجمع، كضيون وضياون، وعليه كلام الجوهري، والصحيح غيره؛ فلو بنيت مثل ضيغم من القول، وصححت فقلت: قيول، لقلت في الجمع: قيائل بالهمز، وقد قال سيبويه: لو جمعت ألبب، لقلت: ألاب، أي بالإدغام، وإن كان قد شذ في مكبره بالفك. والضيون: السنور الذكر.
(إن لم يكن بدلاً من همزة) - فإن كان الثاني بدل همزة، لم يهم، لأنهم فروا من الهمزة، فكيف يعودون إليها؟ وذلك نحو: زوايا، الأصل: زوائي، بإبدال الواو همزة، لكونها ثاني لينين، بينهما ألف، فاستثقل كسر الهمزة، فخفف إلى زواءا، ثم إلى زوايا، على حد تخفيف نحو: قضايا، كما سيأتي تقريره.
(ولا مفصولاً من الطرف لفظاً) - نحو: طواويس، وعواوير في عوار، وهو بالضم والتشديد: الخطاف، والقذى في العين،
يقال: بعينه عوار، أي قذى، والعاير مثله، والعاير: الرمد، والعوار أيضاً: الجبان.
(أو تقديراً) - قالوا في جمع عوار: عواوير وعواور أيضاً، فلم يعوضوا، وذلك في الشعر، وإنما صحت فيه الواو، مع قربها من الطرف، لأن الياء المحذوفة للضرورة مرادة، فهي في حكم الموجودة، وكما لم يعتدوا بالحذف هنا لعروضه، لم يعتدوا بالبعد من الطرف، حين اضطر الشاعر، فزاد ياء في قوله:
(24)
فيها عيائيل أسود ونمر
لأن هذا المد عارض للضرورة.
(ولا يختص هذا الإعلال بواوين في جمع، خلافاً للأخفش) - فلو كانا ياءين، أو ياء وواواً، كعيايل وسياود وصوايد، لم يبدل ثاني اللينين همزة، بل تقر الياء والواو، وكذا لا يبدل عنده ثاني الواوين، إذا كانت الألف في مفرد، كبناء مثل عوارض من القول،
كما سبق، وهو قول الزجاج أيضاً، وقد سبق توجيه همز هذا؛ وأما اشتراط الأخفش الواوين في الجمع، فيرده السماع؛ حكى أبو عثمان، عن الأصمعي، جمع عيل على عيائل، بالهمز، وحكى أهل اللغة جيد وجيائد، بالهمز؛ يقال: عال الرجل، يعيل عيلة وعيولاً: افتقر.
(فصل): (يجب أيضاً، إبدال الهمزة، مما يلي ألف جمع يشاكل مفاعل، من مدة زيدت في الواحد) - أي يشاكله في الحركات والسكنات وعدد الحروف؛ ودخل في المدة الواو كحلوبة، والألف كرسالة، والياء كصحيفة، فتقول: حلائب ورسائل وصحائف، بالهمز؛ قال خطاب: وقد يجوز تخفيف الهمزة في هذا كله، قال: وهو قياس ماض؛ وأجاز الزجاج قلبها ياء؛ وخرج ما زيدت فيه الياء والواو من المفرد، لا للمد، نحو: جدول وطريم، وهو السحاب الكثيف، فلا يبدل في الجمع، بل تقول: جداول وطرايم، بإقرار الواو والياء.
وخرج بقوله: زيدت، المدة المنقلبة عن أصل في الواحد، كألف مفاوز، والتي هي أصل فيه، نحو واو معونة، وياء معيشة، فلا تهمز، بل يقال: مفاوز ومعاون ومعايش.
(فإن كانت المدة عيناً، لم تبدل إلا سماعاً) - كقراءة خارجة عن نافع "معائش" بالهمز، شبه الأصلي بالزائد، وهو شاذ؛
وقالوا: منارة ومنائر، بالهمز، وهو شاذ، والقياس والأصل: مناور، وقالوه أيضاً؛ وقالوا: مسائل، بالهمز، فقيل: هو جمع مسيل، مفعل، من سال يسيل، فجمعوه كرغيف، للشبه اللفظي، وهمزه شاذ، وعلى هذا كلام سيبويه وغيره؛ قال الأعلم: المسايل، حيث يسيل الماء إلى الرياض، والقياس أن لا يهمز، لن ياءه أصلية، وقيل: هو جمع مسيل، وهو ماء المطر، ويجمع ايضاً على أمسلة ومسل، نحو: كثيب وأكثبة وكثب؛ وعلى هذا ذكره الزبيدي، في مختصر العين، وحينئذ لا يكون همزه شاذاً؛ وقالوا: مصائب، بالهمز، فقالوا: شبهت ياء مصيبة بياء فعيلة، فهمزت، وهو قول سيبويه، والقياس مصاوب، وقالوه أيضاً على القياس، وهو قول أكثر العرب.
وأصل مصيبة: مصوبة، فنقلت حركة الواو إلى الصاد، فصارت الواو ياء لسكونها بعد كسرة، فإذا جمعوا، فالقياس الرجوع إلى الأصل، فيؤتى بالواو، ولا يهمز، لأنها عين؛ وقال الزجاج في رواية: قلبت الواو المكسورة وسطاً، همزة، تشبيهاً بالواو المضمومة، تبدل همزة جوازاً كأدؤر، بجامع اشتراكهما في النقل؛ وقال ابن عصفور: إن هذا أقوى من قول سيبويه، لأن له نظيراً، وهو قائم.
(وتفتح في غير شذوذ، الهمزة العارضة في الجمع المشاكل مفاعل، مجعولة واواً فيما لامه واو، سلمت في الواحد بعد ألف) -
كقولهم في هراوة: هراوى؛ وذلك أن حق هراوة، أن يجمع كرسالة، فيقال: هرائى، كرسائل، لكن استثقلت الكسرة ففتحوا الهمزة، فصار هراءو، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، فصار هراءى، فكرهوا اجتماع ألفين، بينهما همزة مفتوحة، فكأنه اجتمع ثلاث ألفات، فأبدلوا من الهمزة واواً، فصار هراوى؛ وكذا يفعل في جمع إداوة وعلاوة ونحوهما.
وخرج بقوله: سلمت
…
مطية، فإن لامها واو، ولم تسلم في الواحد، فلها ولما أشبهها حكم يأتي؛ والمطو: المد، يقال: مطوت القوم مطواً، إذا مددت بهم في السير، قال الأصمعي: المطية التي تمطو في السير، قال: وهو مأخوذ من المطو، أي المد. انتهى. والمطية تذكر وتؤنث، أنشد أبو زيد لربيعة بن مقروم الضبي:
(25)
ومطية، ملث الظلام، بعثته
…
يشكو الكلال إلي، دامى الأظلل
(ومجعولة ياء في غير ذلك) - أي في غير ما لامه واو، سلمت في الواحد.
(مما لامه حرف علة) - أي حرف اعتل في الواحد وهو واو كمطية، أو ياء كهدية.
(أو همزة) - كخطيئة، فتبدل في هذه كلها وفي نحوها ياء، فتقول: مطايا وهدايا وخطايا. وشذ إقرار الهمزة في جمع ما لامه همزة نحو: خطيئة، قالوا: خطائئ، وروى: اللم اغفر لي خطائئه، بإبدال الهمزة من ياء خطيئة، وبإقرار الهمزة التي هي لام الكلمة؛ وشذ أيضاً إقرار الهمزة فيما لامه ياء، قالوا: منية ومناء، قال:
(26)
فما برحت أقدامنا في مقامنا
…
ثلاثتنا، حتى أزيروا المنائيا
وشذ أيضاً في مطية: مطاوي، وفي هدية: هداوي، فقلبوا الهمزة واواً فيما لامه واو، وفيما لامه ياء؛ وكل هذا يدخل في قوله: في غير شذوذ.
(وربما عوملت الهمزة الأصلية، معاملة العارضة للجمع) - وذلك قولهم في مرآة: مرايا، ومرآة مفعلة من الرؤية، وهي التي كمطرقة، والهمزة فيها أصلية، ليست عارضة للجمع، والأصل: مرأية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، فصارت مرآة، وقالوا في جمعها: مرائي، على وزن مفاعل، وهو القياس، ومرايا، عاملوا الهمزة الأصلية، التي هي عين الكلمة، معاملة الهمزة العارضة للجمع، فأبدلوا ياء.
(ونحو: هدية وهداوي، شاذ) - وقياسه هدايا، كما تقدم. وقد كان مستغنياً عن ذكر هذا، لدخوله في قوله: في غير شذوذ، كما سبق شرحه، لكنه أراد التنبيه على خلاف الأخفش فيه.
(ولا يقاس عليه، خلافاً للأخفش) - فقوله ضعيف، إذ لم ينقل فيما لامه ياء، غير هذه اللفظة، ولم يقولوا في غيرها إلا بالياء، نحو منية ومنايا، وحنية وحنايا.
واعلم أن وزن خطايا وبابه، عند البصريين: فعايل، وعند الكوفيين فعالى، ونسب إلى الخليل.
(وتبدل الهمزة قليلاً من الهاء) - قالوا في هل: آل، نحو: ال فعلت؟ أي: هل فعلت؟ وفي ماه: ماء؛ وفي الجمع: أمواه وأمواء، والهاء الأصل، لأن الأكثر استعمالها، نحو: هل فعلت؟
وأكثر التصاريف بها، نحو: ماهت الركية تموه وتميه وتماه: كثر ماؤها.
(والعين) - قالوا: أباب وعباب؛ فذهب قوم إلى أن الهمزة بدل من العين، لأن عباباً أكثر من أباب؛ وقال ابن جني: الهمزة أصل، وليست بدلاً من شيء، وهو من أب بمعنى تهيأ، يقال: أب يؤب أباً وأباباً وأبابة: تهيأ للذهاب وتجهز؛ قال الأعشى:
(27)
صرمت، ولم أصرمكم، وكصارم
…
أخ، قد طوى كشحاً، وأب ليذهبا
لأن البحر يتهيأ لما يزخر به؛ قال ابن جني: والبدل وجه ليس بالقوي. انتهى.
وسمع من كلامهم: لا أصحبه ما أن السماء سماءً، برفع السماء، ونصب سماء، فأثبت بعض أهل اللغة أنَّ أنَّ ترفع الاسم، وتنصب الخبر؛ وخرجه بعض المحققين على أن الهمزة بدل من العين، والأصل: ما عنَّ السماء، وسماء حال.
(وهما كثيراً منها) - أي كثر إبدال الهاء والعين من الهمزة، فالهاء كقولهم في إياك: هياك، وفي أزيد منطلق؟ : هزيد منطلق؟ وأنشد الفراء:
(29)
وأتى صواحبها فقلن هذا الذي
…
منح المودة غيرنا وجفانا؟
أي أذا الذي؟ وطي يقولون في إن الشرطية: عِنْ؛ والعين كقولهم: يعجبني عنَّ عبد الله قائم، يريدون: أنَّ، وفي مؤثل: معثل؛ قال الخليل: تميم تبدل الهمزة من العين، والعين منها، يقولون: نزأ بمعنى نزع، وعنِّي بمعنى أنِّي.
وقال أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، في كتاب الأبدال، وهو بفتح الهمزة: إن انقلاب الهمزة المبتدأة عيناً، لغة تميم وقبائل من قيس، وهي العنعنة. انتهى. والعنعنة مشهورة لتميم.
(فصل): (تبدل الهمزة الساكنة، بعد همزة متحركة، متصلة بمدة تجانس الحركة) - أي حركة الهمزة التي اتصلت الهمزة الساكنة بها، وذلك نحو: آدم وآمن وأومن وإيمان؛ والأصل: أأدم وأأمن، وأأمن وإأمان، بهمزتين، فاستثقل اجتماعهما، فأبدل من الثانية حرف مناسب لحركة ما قبلها ليزول الثقل.
وخرج بالساكنة، المتحركة، وسيأتي حكمها؛ وبقوله: بعد همزة، الواقعة بعد غيرها، وسيأتي حكمها أيضاً؛ وقوله: متحركة، لغير الاحتراز، فإن الهمزة الساكنة لا تقع بعد ساكنة، وإنما ذكر ذلك لما ألحقه من الإبدال على حسب الحركة.
وخرج بمتصلة من همزة ساكنة، قبلها أخرى متحركة، ولكن بينهما فصل، كأن تبنى مثل قمطر من الهمز نحو: إيأى، وسيأتي الكلام عليه.
وفي نسخة:
(تبدل الهمزة الساكنة، دون ندور) - واحترز به من قول
بعضهم: إئتمن، بإقرار الهمزة الثانية بحالها، وهو نادر لا يقاس عليه.
(فإن تحركتا) - يعني الهمزتين المتصلتين.
(والأولى لغير المضارعة) - تحرز من أكرم ونحوه، فإن حكمه حذف الثانية، كما سيأتي.
(أبدلت الثانية ياء، إن كسرت) - فإذا بنيت مثل إثمد من أم، قلت: إيم، أصله: إأمم، نقلت حركة الميم إلى الهمزة، لأجل الإدغام، فانكسرت، فأبدلت حرفاً يناسب حركتها، وهو الياء.
(مطلقاً) - أي متى كسرت الثانية، أبدلت ياء، سواء أكسرت الأولى، كما مثل، أم فتحت كأئمة، أم ضمت،
نحو: أيم، مثال: أصبع من أم، وأصل أئمة: أأممة، على وزن أفعلة، وأصل أيم: أأيم، ففعل فيهما ما تقدم.
وثبت بعد هذا، في نسخة الرقي، وفي نسخة أخرى، عليها خط المصنف:
(أو فتحت بعد مكسور) - وذلك نحو أن تبنى من أم مثل إصبع، فتقول: إيم، والأصل: إئمم، نقلت حركة الميم إلى الهمزة، فصار إئم، فقلبت الهمزة المفتوحة ياء، لأجل الكسرة التي قبلها.
(أو كانت موضع اللام) - كما إذا بنيت من القراءة اسماً على مثال جعفر، فتقول: قرأيٌ، متحرك الياء، وينفتح ما قبلها، فتقلب ألفاً، فيصير: قرأى.
(مطلقاً) - أي سواء أكانت في اسم أم فعل، وسواء أكانت الهمزة التي قبلها مفتوحة أم مضمومة أم مكسورة.
فالمفتوحة في الاسم كمثال جعفر من قرأ، والمكسورة والمضمومة فيه، كأن تبنى منه مثال زبرج أو برثن، ولا يخفى
ما يقتضيه التصريف في ذلك؛ ومثال الفعل أن تبنى مثل دحرج من قرأ، والعمل فيه لا يخفى.
(وواواً إن فتحت بعد مفتوحة) - نحو: أوادم، جمع آدم، والأصل: أأادم.
(أو مضمومة) - نحو: أويدم، تصغير آدم، والأصل: أأيدم. وقال المازني: هو من قلب الألف واواً، لا من قلب الهمزة.
(أو ضمت) - وذلك كأن تبنى مثل أصبع، بفتح الهمزة وضم الباء، من أم، فتقول: أأمم، ثم تنقل حركة الميم لأجل الإدغام، إلى الهمزة الساكنة، فتقلبها واواً، فتقول: أوم.
(مطلقاً) - أي سواء أكان قبلها فتحة، كما مثل، أو كسرة كمثال إصبع من أم، أو ضمة، كمثال أصبع منه؛ والعمل كما تقدم، فردت الهمزة في الأحوال الثلاثة إلى ما يجانس حركتها، وهو الواو.
(خلافاً للأخفش، في إبدال الواو من المكسورة بعد المضمومة) - فعنده تبدل الهمزة المكسورة، بعد همزة مضمومة، واواً، لمناسبة حركة ما قبلها، فتقول في مثال أصبع من أم: أوم، وعندنا تبدل ياء، لمناسبة حركتها، فتقول: ايم، وقد تقدم.
(والياء، من المضمومة بعد المكسورة) - فيبدل الأخفش في مثل إصبع من أم، الهمزة ياء، لمناسبتها حركة ما قبلها، ونحن نبدلها واواً، لأجل حركتها.
(وللمازني، في استصحاب الياء المبدلة منها، لكسرة أزالها التصغير) - فيقول المازني في تصغير أئمة: أييمة، بالياء، والمختار: أويمة، وهو مذهب الأخفش والجماعة.
(أو التكسير) - فتقول على مذهب المازني، إذا بنيت من الأدمة مثل إصبع فقلت: إيدم، ثم كسرت، فقلت: أيادم، وعلى قول الأخفش والجماعة تقول: أوادم؛ ووجهه في الصورتين، أن الواو أحق بالهمزة، وإنما صير إلى الياء للكسرة، فلما ذهبت، لم يبق موجب الإبدال ياء، والواو أحق بالهمزة، فيقال هذا بالواو، كما قالوا في آدم: أوادم وأويدم.
(وفي إبدال الياء منها فاء لأفعل) - فإذا بنيت من الأم، أفعل، قلت على مذهب المازني: هذا أيم من هذا، بالياء؛ وتقول على مذهب الأخفش والجماعة: أوم، كما قالوا في آدم، في الجمع: أوادم.
وما ذهب إليه المازني، وجهه الحمل على أئمة، لأن الفتحة
أخت الكسرة، فالأقيس أن يكون حكم الهمزة المفتوحة، كحكم المكسورة في الإبدال، وهو ضعيف، وقولهم: أوادم، يرد عليه.
(فإن سكنت الأولى، أبدلت الثانية ياء، إن كانت موضع اللام) - وذلك كأن تبنى مثل: قمطر، من قرأ، فتقول: قرأ، بزيادة همزة للإلحاق، فتجتمع همزتان، الأولى ساكنة، والثانية لام، فيجب إبدال الثانية ياء فتقول: قرأى، لأنك إن أقررتها غير مدغمة، ثقل اللفظ، وخولف به القياس؛ لأن المثلين إذا التقيا، والأول ساكن، في كلمة، وجب الإدغام، نحو: خدب، ملحقاً بقمطر، وقرشب، ملحقاً بجردحل، فإن أدغمت خالفت ما أجمعت العرب عليه، من ترك الإدغام في الهمزتين، إلا إذا كانتا عينين، نحو: سآل، وما وقع رابعاً في المتحركين، أبدل ياء، فكذا في الساكنة والمتحركة.
(وإلا، صحت) - أي وإن لا تكن موضع اللام، وقد سكنت الهمزة التي قبلها، لم تبدل، بل تبقى همزة، ويجب الإدغام، نحو: سآل ولآل.
(ولا تأثير لاجتماع همزتين بفصل) - فتصح الهمزتان الواقعتان في كلمة بفصل، نحو: آء، وهو شجر، والواحدة: آءة؛ فلو بنيت من آء مثل فلفل، قلت: أوأو، الأصل: أوأأ، فأبدلت الأخيرة ياء، ودخل في باب أدل.
(ولا يقاس على ذوايب، إلا مثله جمعاً وإفراداً) - هذا كالاستثناء من قوله: ولا تأثير
…
إلى آخره، فذوايب أصله: ذآئب، لأنه جمع ذؤابة، فاجتمع فيه همزتان بفصل، ومع ذلك قد قلبوا الأولى واواً لزوماً، فكأنه قال: لا تأثير لاجتماع همزتين بفصل، إلا في ذوايب ونحوه، فإن الهمزة الأولى تبدل فيه باطراد، واواً، وجوباً، وهو ما كان ألف الجمع المتناهي واقعاً فيه بين همزتين؛ وإنما فعلوا ذلك، لأن الألف قريب من الهمزة، لكونهما من الحلق، فكأنه اجتمع في كلمة ثلاث همزات، مع ثقل البناء، فأبدلوا الهمزة الأولى واواً؛ ومعنى قوله: وإفراداً، أن يكون على وزن مفرده.
(خلافاً للأخفش) - في كونه يقيس على ذوايب، ما لم يكن مثله في الجمعية ولا في الإفراد؛ فإذا بنيت من السؤال اسماً على وزن
فعاعيل، نحو: سخاخين، قلت عنده: سوايل، بقلب الهمزة الأولى واواً، كما فعل في ذوايب؛ وغير الأخفش يقر الهمزة، لأنه اسم مفرد؛ فإن قلبت الهمزة واواً، لأجل الضم الذي قبلها، جاز على المذهبين. يقال: ماء سخاخين، بالضم، على فعاعيل، وليس في الكلام غيره.
ولو سميت بسآمة، ثم جمعته على فعايل، على حد سحابة وسحايب، لقلت عنده، سوايم، بالواو، وغيره يقر الهمزة، لأن مفرده لا يوافق مفرد ذوايب في الوزن.
(وتحقيق غير الساكنة مع الاتصال، لغة) - أي مع الاتصال بهمزة أخرى، نحو: أئمة وأأم من فلان، بإقرار الهمزة، فتجتمع
همزتان، وذكر في غير هذا الكتاب، أن ذلك شاذ، وعليه كلام كثير من أهل العربية، وقالوا: تحقيق الهمزتين في أأمة، وتسهيل الثانية مخالف للقياس؛ وفي الإفصاح، حكى ابن جني: جائئ؛ وسمع أبو زيد: اللهم اغفر لي خطائئي؛ قال: همز ذلك أبو السمح ورداد ابن عمه، وفي القراءة الكوفية: أئمة، بهمزتين، وهذا كله شاذ يحفظ. انتهى. وقد قرئ في السبعة به، فالوجه أنه ليس كما قالوا.
(ولو توالى أكثر من همزتين، حققت الأولى والثالثة والخامسة، وأبدلت الثانية والرابعة) - فإذا بنيت من الهمزة مثل أُتْرُجَّة، قلت: أأأأأة، فتجتمع خمس همزات، فتخفف الثانية بقلبها واواً؛ لضم ما قبلها، مع سكونها، وكذا الرابعة، وتحقق الأولى والثانية والخامسة، فتقول: أوأوأة؛ ويجوز نقل حركة الهمزة المتوسطة فيما آل إليه العمل إلى الواو الساكنة قبلها، فتحذف، فيصير اللفظ أووأة، ونقل حركة الهمزة الأخيرة فيه إلى الواو التي قبلها، فيصر: أووة؛ ولا يجوز قلب الهمزتين واوين، وإدغامهما في الواوين قبلهما، كما جاز في همزة مقروءة، لأن الواوين هنا بدلان من حرفين أصليَّين، فيقبلان الحركة المنقولة، وواو مقروءة، زائدة للمد، فلا تقبل الحركة، لئلا تخرج بذلك عن المد الذي جيء بها لأجله.
(فصل): (إذا كان في الكلمة همزة غير متصلة بأخرى من كلمتها، جاز أن تخفف متحركة، متحركاً ما قبلها، بإبدالها مفتوحة، بواو بعد ضمة) - خرج بقوله: غير متصلة بأخرى، ما هي كذلك، وقد سبق الكلام عليها؛ وقوله: جاز، إشارة إلى أن ذلك ليس بلازم، وذلك نحو: رجل سُؤَلة، فيجوز: سولة، بقلب الهمزة واواً؛ وكذلك جون، جمع جونة، جاء في جونة الهمز وتركه، والأكثر ترك الهمز؛ وهي سُلَيْلَة مغشاة بأدم.
(وبياء بعد كسرة) - نحو: مئر في مير، جمع مئرة، ونحو: أريد أن أقرئك، وحكى أبو زيد: مأرت بين القوم مأراً، بالهمز: عاديت بينهم وأفسدت؛ والاسم: المئرة، والجمع: مئر.
(وأن تخفف مفتوحة بعد فتحة، ومكسورة أو مضمومة، بعد فتحة أو كسرة أو ضمة، بجعلها كمجانس حركتها) - نحو: سأل وسئم ومئين وسئل ولؤم، ويستهزئ ومؤون: جمع مأنة،
والمأنة: الطفطفة، وجمعوها على مؤون، كبدرة، وبدور.
وقوله: كمجانس
…
إشارة إلى يجعل بين الهمزة والحرف الذي منه الحركة، وهذه هي المقول فيها: تسهل بين بين؛ ويقال أيضاً: همزة بين بين، ففي هذه الأمثلة السبعة، تسهل الهمزة كذلك؛ وأما المذكورتان قبل هذه، فلا تجعل الهمزة فيهما بين الهمزة والألف، لقربها حينئذ من الألف، والألف لا يكون ما قبلها مضموماً ولا مكسوراً، فكذا ما قرب منها، فلما تعذر التسهيل، تعين الإبدال واواً بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، كما يفعل بالألف واقعة كذينك.
(خلافاً للأخفش، في إبدال المضمومة بعد كسرة ياء، والمكسورة بعد ضمة واواً) - فيقول: يستهزيون، وسول، بالياء في الأول، والواو في الثاني؛ واحتج بأن المضمومة إذا سهلت، قربت من الواو الساكنة، وكذا المكسورة تقرب به من الياء الساكنة؛ والواو الساكنة لا تقع بعد كسرة، والياء الساكنة لا تقع بعد ضمة، فكذا ما قرب منهما؛ وإنما يجعلون الواو الساكنة بعد الكسرة ياء، كميزان، وبعد الضمة واواً، كموقن، فكذا يفعل هنا للقرب.
ورد بأنه لم يسمع الإبدال في سئل ويستهزئون، فليلتحق هذان بما اتفق عليه من بقية أخواتهما؛ وعن الأخفش في المضمومة
بعد كسرة، وهي منفصلة، أنها تخلص ياء كالمتصلة، نحو: من عند يخته، أي من عند أخته، وعنه في المكسورة، المضموم ما قبلها، وهي متصلة، التسهيل بين بين، نحو: عبد إبلك، ويحتاج إلى الفرق.
(وأن تخفف ساكنة بعد حركة، بإبدالها مدة تجانسها) - فإن كانت بعد فتحة، أبدلت ألفاً، نحو: كاس؛ والإبدال لغة الحجاز، والهمز لغة تميم؛ والفاء واللام كالعين في نحو: يامَنُ، وبدات؛ أو بعد ضمة أبدلت واواً، نحو: بوس ويومن، ووضوت في وضؤت؛ أو بعد كسرة أبدلت ياء، نحو: ذيب، ونحو: بيتي مضارع أتى، في لغة من يكسر حروف المضارعة فيه، ونحو: بريت.
(وإن تحركت بعد ساكن، فبحذفها، ونقل حركتها إليه) - نحو: هذا خيُّك، ورأيت خيَّك، ومررت بخيِّك.
(ما لم يكن ألفاً، أو واواً مزيدة للمد، أو ياء مثلها، أو للتصغير، او نون الانفعال، عند الأكثر) - فإن كان الساكن شيئاً من ذلك، لم يجز نقل حركة الهمزة إليه وحذفها؛ وسيأتي حكمه.
(وتسهل بعد الألف، إن أوثر التخفيف) - فتجعل الهمزة حينئذ بين بين؛ ولا يصح النقل ولا الإبدال في نحو: الهباءة،
وإنما جاز ذلك، والألف ساكنة، والهمزة بين بين، بمنزلة الساكن، لأن الألف فيها فضل مد، والهمزة اللينة فيها فضل حركة، فيسهل لذلك اجتماعهما.
والهباءة: أرض ببلاد غطفان، ومنه يوم الهباءة، لقيس بن زهير العبسي، على حذيفة بن بدر الفزاري، قتله في جفر الهباءة، وهو مستنقع بها.
(وتجعل مثل ما قبلها، من الواو والياء المذكورتين، ويتعين الإدغام) - فتقلب الهمزة مع الواو واواً، ومع الياء ياءً، وتدغم بعد القلب، فتقول في مقروءة: مقروة، وفي خطيئة: خطية، ومن قال: خطية، بياء واحدة، فأصله: خطئة، على فعلة، كنبقة، ثم قلبت الهمزة ياء، كما قيل في مير، وتقول في أقوس، إذا صغرته: أقيس، لأن ياء التصغير تجري مجرى المد واللين، لشبهها بألف التكسير، لأنها إنما تقع ثالثة، وبعدها كسرة، كألف التكسير.
وخرج بقوله فيما تقدم: واواً مزيدة للمد- إلى آخره، ما ليس بزائد، نحو: ضوء وشيء، فحكم الواو والياء حينئذ حكم الحرف الصحيح، فتنقل حركة الهمزة إليهما، إذا خففا، فيقال: ضو وشي؛ وما زيد لغير المد، بل للإلحاق، نحو: حوأب وجيأل،
فيعاملان معاملة الأصلي في النقل، فتقول: حوب وجيل.
وعلم مما ذكر مع الألف، ومع الواو والياء المذكورتين، أن ما بقي مما ذكره معها، وهو نون الانفعال، لا يجري فيه شيء من ذلك، بل تبقى الهمزة محققة، نحو: انآد وانأطر، فلا يجوز عند الأكثرين فيه النقل للإلباس، إذ يصيران بعد النقل: نأد ونطر، فلا يدري أهما ثلاثيان مجردان، أم مزيدان؛ ومن لم يبال بالعارض، أجاز ذلك، قيل: وينبغي أن يقر همزة الوصل حينئذ، لتدل على الأصل، فيزول اللبس؛ وإذا أقروها في: اسأل، حين نقلوا، ولا لبس، فإقرارها مع الإلباس أولى.
وانآد من الانئياد، وهو الانحناء، قال العجاج:
(31)
لم يك ينآد، فأمسى انآدا
ويقال: أطرت القوس، آطرها أطراً: حنيتها.
(وربما حمل في ذلك، الأصلي على الزائد) - قال ابن جني: قال بعضهم: سوة وشي وضو. انتهى. فقلبت الهمزة مع الواو واواً، ومع الياء ياءً، ثم وقع الإدغام؛ وهذا قليل جداً، لم يثبته سيبويه ولا غيره ممن تقدم.
(والمنفصل على المتصل) - نحو: أبو أيوب، فتبدل الهمزة واواً، وتدغمها، ونحو: مررت بأبي إبراهيم، فتبدل الهمزة ياء وتدغم؛ وقال ابن جني: إنهم لا يشددون، إذا قالوا: أبو أمك، كراهة الضمات والواوات؛ وحكى الجرمي في الفرخ إدغامه.
(ونحو قولهم في كمأة: كماة، شاذ، لا يقاس عليه، خلافاً للكوفيين) - وقياس تخفيف مثل هذا، أن تنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وتحذف؛ فإقرار الهمزة خارج عن القياس؛ قال سيبويه: وقد قالوا: المراة والكماة، ومثله قليل؛ وقال السيرافي: هذا لا يطرد عند البصريين، وطرده الكسائي والفراء، وحكى غيره اقتياسه عن الكوفيين.
واختلف في الفتحة الموجودة قبل الألف، فقيل: هي حركة الهمزة، نقلت إلى الساكن الذي قبلها، ثم أبدل منها ألف؛ وقيل: أبدلوا الهمزة ألفاً، فلزم تحريك ما قبلها بالفتح؛ وروى أبو زيد والكوفيون أن من العرب من يبدل الهمزة على حسب إبدالها في الفعل، فيقول في رفء، مصدر رفأ: رفو، لقوله: رفوت،
وفي خبء، مصدر خبأ: خَبِي، لقوله: خبيت؛ قال السيرافي: وهذا عند سيبويه وسائر البصريين رديء، لا ينقاس.
(وإن كان المنقول إليه حرف التعريف، رتب الحكم على سكونه الأصلي، كمن الآن) - فإذا نقلت حركة الهمزة إلى لام التعريف، فلك أن تراعي السكون الأصلي، ولا تعتد بما عرض من نقل الحركة، وهو المراد من قوله: رتب- إلى آخره، فتبقى حينئذ همزة الوصل، لأن الساكن كأنه موجود، فتقول: من الان، والارض؛ فإن تقدم اللام ساكن مماثل أو مقارب، حرك بالحركة المذكورة في التقاء الساكنين، إن كان مما يحرك، ولم يدغم في اللام، إن كان مما يجوز إدغامه، نحو:"بل الانسان"، ومن الآن.
(أو على حركته العارضة، كمن لان) - فلك أن تعتد بالحركة العارضة، فتسقط همزة الوصل، وتدغم فيما تقدم منع الإدغام فيه، على ذلك التقدير نحو:"بل الانسان"، ومن الان؛ وعلى الاعتدد بالعارض، تقول في الابتداء: لحمر، كما قلت على التقدير الأول: الرض، الحمر.
وأنشدوا على الاعتداد:
(32)
فما أصبحت علرض نفس برية
…
ولا غيرها إلا سليمان نالها
أصله: على الأرض، فحذف همزة الوصل، لما نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، فالتقى لام على ولام لرض، فأدخل اللام في اللام؛ قال بعض البصريين: وهو قياس مطرد، تقول في: جلا الأمر: جلمر؛ وفي: سل الإقامة: سلقامة، ومثله:"لكنا هو الله ربي". انتهى.
وينبغي أن لا يلحق على الأرض، وجلا الأمر، وسل الإقامة، لوضوح الفرق، فلا يمتنع الإدغام في الأخيرين، ويمتنع في الأولين، ويحمل قوله: على الأرض، على الشذوذ؛ لكن قال السيرافي أيضاً: إن قوله: علرض، قياس.
(وربما استغنى بحذف الهمزة، عن النقل إلى الياء والواو المتحرك ما قبلهما) - نحو: يغزو أدد، ويرمي إخوانك، فالأكثر في تخفيفها، نقل الحركة إلى الواو والياء، وحذف الهمزة، نحو: يغزو دد، ويرمي خوانك؛ ويقل حذف الهمزة من غير نقل، نحو: يغزو دد، ويرم خوانك، وتحذف الياء من هذا، لالتقاء الساكنين.
وفهم من كلامه أن هذا لا يكون مع الألف، لأنه لا يمكن النقل فيه، كما لا يمكن الإدغام، وإنما التخفيف مع الألف، تسهيل الهمزة، بينها وبين الحرف الذي منه حركتها، نحو: هذا احمر، وهذا ابراهيم، وهذا احمد.
(ما لم تكن الحركة فتحة) - أي حركة الهمزة، فإن كانت، لم يستغن بحذف الهمزة عن النقل إلى الحرفين المذكورين، بل تنقل الحركة من الهمزة إلى الياء والواو، وتحذف الهمزة، فتقول: يغزو حمد، ويرمى حمد؛ ومن العرب من يقلب الهمزة المفتوحة، مع الواو واواً، ومع الياء ياءً، ويدغم المقلوب في الآخر، فتقول: أبو يوب، وغلامي بيك؛ يريد: أبو أيوب، وغلامي أبيك.
(وقد لا تستثنى) - أي الفتحة؛ وفي نسخة الرقي:
(وقد لا تستثنى الفتحة) - فتحذف الهمزة، وإن كانت مفتوحة، فتقول: يغزو حمد، ويرم حمد، أي يغزو أحمد، ويرمي أحمد.
(والتزم غالباً النقل فيما شاع من فروع الرؤية والرأي والرؤيا) - فخرج بقوله: غالباً، لغة تيم اللات، فإنهم لا ينقلون، بل يقولون: يرأى، وارأ يا زيد، قال شاعرهم:
(33)
أري عيني ما لم ترأياه
…
كلانا عالم بالترهات
ومعظم العرب على التزام النقل. وخرج ما لم يشع من الفروع، فإنهم لا ينقلون فيه، نحو: استرأى؛ والمراد بالفروع المشار إليها، صيغ المضارع والأمر، نحو: يرى وأرى وترى ونرى وره.
ونقلوا أيضاً، إذا دخلت همزة التعدية على الماضي والمضارع والأمر، نحو: أريته كذا، وأريه، وأرني، وكذا اسما الفاعل والمفعول، نحو: مر ومرى، والمصدر نحو: إراة؛ والرؤية، وما بعدها مصادر؛ والأول للإبصار في اليقظة، والثاني للاعتقاد، والثالث للإبصال المنامي؛ والرأي أيضاً يكون مصدر رأيته، أي أصبت رئته، وحينئذ لا يكون شيء من فروعه منقولاً، بل تهمز جميعها، تقول: أنا أرئه، وارأه، بالهمز، لقلة استعماله في كلامهم، وإنما يحذفون عند كثرة الاستعمال، لتخفيف الكلمة.
(إلا مرأى ومرئياً ومرآة وأرأى منه وما أرآه وأرء به) - فهذه لا ينقل فيها، ومرأى مفعل، ولم ينقلوا فيه في الغالب، وقد جاء تخفيفه، قال الحادرة:
(34)
محمرة عقب الصباح عيونهم
…
بمرى هناك من الحياة ومسمع
ومرئي اسم مفعول، ومرآة آلة، وأرأى أفعل تفضيل، والأخيران للتعجب.
(فصل): (تبدل الياء بعد كسرة، من واو، هي عين مصدر لفعل معتل العين) - فخرج بكسرة، ما كان بعد فتحة، نحو: رواح، أو ضمة، نحو: عوار، فإنه يجب التصحيح فيهما، نحو: قام قياما، وعاد عياداً؛ وخرج غير المصدر، نحو: خوان وصوان؛ وخرج ما لم تعتل عينه، فإنه تصح الواو في مصدره، نحو: لاوذ لواذاً، وعاوذ عواذاً؛ وهذا بخلاق قام ونحوه، فإنه معتل العين، والأصل: قوم، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً.
(أو عين جمع، لواحد معتل العين) - فخرج المفرد، نحو: طول، وما صحت عينه، نحو: زوج وزوجة، وعود وعودة.
(مطلقاً) - أي سواء أوليها في الجمع ألف، أم لم يلها، نحو: دار وديار، وقيمة وقيم؛ والأصل: دوار وقومة.
(أو ساكنها) - أي ساكن العين، نحو: ثوب وحوض.
(إن وليها في الجمع ألف) - نحو: ثياب وحياض؛ وخرج نحو: دولة ودول، وزوج وزوجة.
(وصحت اللام) - أخرج نحو: جو وجواء، وريان ورواء، والأصل رويان، فعلان من روى؛ وإنما صحت الواو، لئلا يجتمع على الكلمة إعلالان، لأن فيها إبدال الواو والياء همزة، لأجل التطرف، بعد ألف زائدة، فلو قلبت الواو ياء، للكسرة، لاجتمعا، وإنما أوثر الآخر، لأن الأواخر محل التغيير.
(وقد يصحح ما حقه الإعلال، من: فعل، مصدراً) - نحو: حول.
(أو جمعاً) - نحو: حوج، جمع حاجة.
(وفعال، مصدراً) - قالوا: نارت نواراً: نفرت، وقياسه: نيار، كقيام.
(وقد يعل ما حقه التصحيح، من فعال، جمعاً) - كقولهم في طوال، جمع طويل: طيال، وقياسه التصحيح، لأن واوه لم تسكن في مفرده كثوب، ولا اعتلت كدار، قال:
(35)
تبين لي أن القمامة ذلة
…
وأن أعزاء الرجال طيالها
وهذا شاذ، والمشهور: طوالها، وخرج بقوله: فعال: اعلواط واجلواذ، ونحوهما.
(أو مفرداً، غير مصدر) - كقولهم في الصوان: صيان، وفي الصوار: صيار.
(ومن فعلة، جمعاً) - كقولهم: ثور وثيرة، وقياسه: ثورة، كعود وعودة؛ على أنهم شذوا، فقالوا: عود وعيدة.
(وليس مقصوراً من فعالة، خلافاً للمبرد) - فالأصل عند المبرد، ثيارة كحجارة، فقلبت الواو ياء، لأجل الألف، كما في سياط، ثم قصر، فبقيت الياء منبهة على الأصل، وهو ضعيف، إذ فيه دعوى بغير دليل؛ مع أن القلب إلى الياء، يحتمل غير ذلك، وهو الفرق بين جمع ثور، للقطعة من الإقط، وثور الحيوان، فقالوا في الحيوان: ثيرة، وفي الإقط: ثورة، للفرق؛ كما
قيل: نشيان في الخبر، ونشوان بمعنى سكران؛ وقد حكى هذا أيضاً، عن المبرد؛ وهذه اللفظة شاذة، فلا حاجة إلى تكلف تعليل.
(فصل): (تبدل الألف ياء، لوقوعها إثر كسرة) - نحو: محراب ومحاريب.
(أو ياء التصغير) - نحو: غزال وغزيل.
(وكذا الواو الواقعة إثر كسرة متطرفة) - نحو: الغازي وغزي.
(أو قبل علم تأنيث) - نحو: أكسية جمع كساء، وترقية في ترقوة.
(أو زيادتي فعلان) - نحو: شجيان.
(أو ساكنة مفردة) - أي غير مدغمة؛ واخرج نحو: اخرواط، فلا تبدل الواو فيه ياء، لأن الإدغام حصنها، فلم تتأثر بالكسرة، ونحو: أوب إواباً، أي استوعب النهار سيراً، وغيره من الأعمال.
(لفظاً) - أي ساكنة مفردة لفظاً، نحو: ميعاد وإيعاد.
(أو تقديراً) - نحو: حياء، مصدر: احووى، على حد قولهم في اقتتل: قتالاً، والأصل: احوواء، كاقتتال، ثم رد إلى فعال، فصار: حواء؛ قلبت الواو الأولى ياء لكسر ما قبلها، لأن أصلها الحركة والإفراد، لما علمت من أن الأصل: احوواء، فليست كواو اخرواط ونحوه، لأنها وضعت في هذا أولاً على الإدغام، فلما قلبت الواو ياء، اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت، فصار: حياء.
وقال الأخفش: أقول: حواء، وصححه بعض المغاربة، لتحصن الواو بالإدغام، فأشبه اخرواطاً، والفرق بينهما ما سبق ذكره.
(وكذلك الواقعة إثر فتحة، رابعة) - نحو: أعطى ومعطى.
(فصاعداً) - نحو: استعلى ومستعلى.
(طرفاً) - كما مثل، فالألف بدل من ياء، هي بدل من الواو، بدليل أعطيت، ومستعليان.
(أو قبل هاء التأنيث) - نحو: معطاة ومستعلاة.
(ونحو: مقاتوة وسواسوة وأقروة وديوان واجليواذ، شاذ ولا يقاس عليه) - فمقاتوة جمع مقتو، اسم فاعل من اقتوى، أي خدم وساس، قال عمرو بن كلثوم:
(36)
متى كنا لأمك مقتوينا؟
فقياسه: مقاتية؛ والسواسوة: المستوون في الشيء، وقياسه: سواسية، وقالوه أيضاً، قال:
(37)
سواسية سود الوجوه كأنهم
…
ظرابي غربان بمجرودة محل
وأقروة جمع قرو، وهي ميلغة الكلب، وقياسه: أقرية كأكسية.
وديوان أصله: دوان، فهي واو غير مفردة، وضعت كذلك، فكان القياس أن لا تقلب ياء، بل يلتزم دوان، ولكنهم لم يقولوه، وشذوا في القلب؛ ودليل أن أصله الواو، قولهم: دواوين.
وكذا اجليواذ، قياسه: اجلواذ، لأنها واو وضعت مدغمة، فحقها أن لا تقلب، كما فعل في اخرواط، واعلواط ونحوهما؛ ويقال: اجلوذ بهم السير اجلواذاً، أي دام مع السرعة، وهو سير الإبل؛
وكذا يقال: اخروط بهم السير اخرواطا: امتد؛ واعلوط بعيره اعلواطا: تعلق بعنقه وعلاه، واعلوطني فلان لزمني.
(وتبدل الألف واواً، لوقوعها إثر ضمة) - نحو: ضويرب في ضارب، ونحو: بويع في بايع، مبنياً للمفعول.
(وكذلك الياء الساكنة المفردة، في غير جمع) - كموقن ويوقن؛ وخرجت المتحركة لفظاً وتقديراً، كهيام، أو لفظاً، وهي ساكنة تقديراً، نحو ييل في المكان، مضارع يل، أصله: ييلل، فتحركت الياء الثانية، لأجل الإدغام، فلا تبدل الياء فيهما؛ وبالمفردة المدغمة، كأن تبنى اسماً على فعال، كحسان، من البيع، فتقول: بياع، وكذا إن جمعت بايعاً على فعال، قلت: بياع، ولا تبدل للإدغام.
وخرج أيضاً الواقعة في جمع كبيض، فلا تبدل أيضاً واواً، وإن كانت ساكنة مفردة.
(والواقعة آخر فعل) - نحو: قضو ورمو، قلبت الياء فيهما واواً، لضم ما قبلها وتطرفها، وهو مطرد في بناء فعل للتعجب، ولم يرد في فعل متصرف إلا نادراً، وهو قولهم: نهو الرجل، فهو نهي،
إذا كان كامل النهية، وهي العقل.
(أو قبل زيادتي فعلان) - كأن تبنى من الرمي مثل: سبعان، فتقول: رموان، بإبدال الياء واواً، لأن الألف والنون لا تحصن من التطرف؛ وسبعان اسم مكان.
(أو قبل علامة تأنيث، بنيت الكلمة عليها) - كأن تبنى من الرمي مثل مقدرة، فتقول: مرموة، لأن التاء، وإن بنيت الكلمة عليها، مقدرة الانفصال، فلا تحصن، فلو لم تبن الكلمة عليها، أبدلت الضمة كسرة، وسلمت الياء، كما يجب ذلك مع التجريد، نحو: توانى توانياً، أصله: توانياً كتدارك، فأبدلت الضمة كسرة، تخفيفاً، لأنه ليس في الأسماء المتمكنة، ما آخره واو، قبلها ضمة لازمة، فإذا لحقته تاء التأنيث، للدلالة على المرة، قيل: توانية، بالتاء، لعروض تاء التأنيث.
(وتبدل الضمة في الجمع كسرة، فيتعين التصحيح) - نحو: أبيض وبيض، وأعين وعين، والأصل: بيض وعين، بضم الفاء، كحمر؛ فهم بين أن يقلبوا الياء واواً، لسكونها وانضمام ما قبلها، كموقن، وبين أن يقلبوا الضمة كسرة، لتصح الياء، فسلكوا الثاني، لأن تغيير حركة، أيسر من تغيير حرف.
ومقتضى قوله: في الجمع، إخراج المفرد، وفيه خلاف:
مذهب الخليل وسيبويه، أنه كالجمع؛ ومذهب الأخفش، التفرقة بين الجمع والمفرد، فتصح الياء عنده في الجمع، لقلب الضمة كسرة، وتقلب واواً في المفرد، لإقرار الضمة، لأن الجمع أثقل من المفرد، فهو أدعى إلى التخفيف؛ واحتج بقول العرب، لما يحذر منه: مضوفة، وهو من ضاف يضيف، إذا أشفق وحذر؛ وحكى الأزهري أن العرب تقول في معيشة: معوشة، فهو مفعلة من العيش؛ وحكى الأصمعي أن العرب تقول: ريح هيف وهوف، وهي الريح ذات السموم المعطشة؛ والمرجح عند الناس، القول الأول، ويشهد له قول العرب: أعيس من العيسة، والعيسة مصدر كالحمرة، وقولهم: مبيع ومكيل؛ وما استشهد به شاذ، لا يقاس عليه.
وعلى المذهبين، يتخرج وزن معيشة؛ فعلى الأول، هي محتملة لمفعلة، بضم العين وكسرها؛ وعلى الثاني، هي بكسرها، لا غير؛ ويتخرج ما إذا بنيت اسماً مفرداً من البياض، على وزن فعل، فتقول على الأول: بيض، وعلى الثاني: بوض.
والأعيس واحد العيس، وهي الإبل البيض، يخالط بياضها شيء من الصفرة، والأنثى عيساء؛ ويقال: هي كرائم الإبل.
(ويفعل ذلك بالفعلى صفة، كثيراً) - نحو: امرأة حيكى.
ولم يثبت سيبويه فعلى، بكسر الفاء في الصفات، فقال: إن ما كانت عينه ياء من فعلى من الصفات، يجب قلب الضمة فيه كسرة، لتصح الياء، نحو: حيكى، وكذا:"قسمة ضيزى"، وزعم أن الاسم تقر فيه الضمة، فتقلب الياء واواً، واعتقد هو وجماعة من البصريين، بل أكثرهم، أن أفعل من، ومؤنثه، حكمهما حكم الأسماء، بدليل الجمع كجمعهما، فقالوا: إنما تقلب الياء واواً في طوبى وكوسى وخورى، تأنيث الأطيب والأكيس، والأخير، تفرقة بين الاسم والصفة، وكان القلب للحرف في الأسماء، لأنها أخف من الصفات.
وظاهر مذهب سيبويه، أنه لا يجوز فيها إلا ذلك؛ وعد المصنف مؤنث أفعل من قبيل الصفات، وقال: إن الوجهين في الصفة، أعني إقرار الضمة، وقلب الياء واواً، وقلب الضمة كسرة، فتصح الياء، مسموعان من العرب، وحكى كراع، الكيسى، وهو من كاس يكيس كيساً.
(وبمفرد غيرهما قليلاً) - كالطيبى في الطوبى، الذي هو مصدر طاب، يقال: طاب طوبى، ومنه:"طوبى لهم وحسن مآب"، ويجوز أن يدخل في هذا مسألة معيشة ونحوها، فيكون مذهب المصنف فيها، قريباً من مذهب الجمهور.
(وربما قررت الضمة في جمع، فيتعين الإبدال) - نحو ما حكى أبو عبيد، من أن عايطا يجمع على عوط، بإقرار الضمة، وقلب الياء واواً؛ وقالوا فيه أيضاً: عيط، على القياس، كبيض؛ هكذا قيل، وفيه نظر؛ فقد قالوا: عاطت الناقة، تعوط، وقالوا: تعوطت، وتعيطت؛ وإذا لم تحمل الناقة أول سنة يحمل عليها، فهي عائط وحائل، وجمع عائط: عوط وعيط، وجمع حائل: حول، وتعيطت: إذا لم تحمل سنوات، وربما كان ذلك من كثرة شحمها.
(وتبدل كسرة أيضاً، كل ضمة تليها ياء أو واو، وهي
آخر اسم متمكن) - فخرج بآخر، نحو: أفعوان، فلا تبدل فيه الضمة كسرة، لأ، الواو ليست آخراً، فتكون معرضة لما يحصل من النقل، عند وجود ياء المتكلم وياء النسب، كما يأتي تقريره؛ وخرج باسم، الفعل، نحو: يغزو ويدعو؛ وبمتمكن، المبني لزوماً، نحو: هو وذو الموصولة في الأشهر، وذلك نحو: أظب وأدل، جمع ظبي ودلو، على أفعل، الأصل: أظبى، وأدلو، نحو: كلب وأكلب، فاستثقلت الضمة، وإنما استثقلت الواو المتطرفة، المضموم ما قبلها في الاسم دون الفعل، لأن الاسم يضاف إلى الياء، وينسب إليه، فلو أقرت الواو، لاجتمعت ضمة وواو، قبل ياءي المتكلم والنسب، وكسرة قبل الياءين، وذلك ثقيل.
وعارض البناء كالمعرب، فتقول في عرقوة وثمود، إذا رخمت على لغة من لا ينتظر: يا عرقي، ويا ثمي، ووافق الكوفيون على هذه القاعدة، وهي أنه إذا أدى عمل إلى وقوع الواو طرفاً، وقبلها ضمة، في اسم متمكن، فعل ما ذكر، إلا في موضعين، فيما سمي به من الفعل، نحو: يغزو، وفيما نقل من أعجمي، نحو: هندو، علماً، فلا يقلبون فيهما الضمة كسرة، ولا الواو ياء، بل يبقونه علماً، على ما كان عليه قبل التسمية، ويفتحونه في حال النصب والجر، ويسكنونه في حال الرفع.
(لا يتقيد بالإضافة) - فإن تقيد الاسم المتمكن بالإضافة، لم تبدل الضمة كسرة، فتسلم الواو، وذلك نحو: ذو بمعنى صاحب، واخواته في حالة الرفع.
(أو مدغمة في ياء هي آخر اسم، لفظاً) - أي وتبدل كسرة، كل ضمة، تليها ياء أو واو، وهي مدغمة في كذا؛ وخرج بآخر، نحو: صيم، فلا يجب كسر الضمة فيه، لأن الياء المدغم فيها، ليست آخراً، وسيأتي حكم صيم.
وباسم، الفعل، نحو: حيي، مبنياً للمفعول، فلا يجب تحويل الضمة فيه كسرة، لكن يجوز، وذلك نحو: عصاً وعصي، ودلو ودلي، وجاث وجثي، فالقلب في هذه ونحوها هو القياس المطرد، والتصحيح شاذ؛ قالوا في جمع أب: أبو، وفي نحو: نُحُوّ، ومن كلام بعضهم: إنكم لتنظرون في نحو كثيرة، وفي جمع أخ: أُخُوّ؛ والأكثر في فاء عصي ونحوه، الضم، وهو الأصل والأفصح؛ ومن العرب من يكسر الفاء، إتباعاً لحركة العين، هذا في الجمع.
والحاصل، أن ما آخره ياء أو واو، قبلها ياء، أو واو ساكنة، إما أن يتوافق فيه الآخر والساكن، أو لا؛ فإن توافقا، أدغمت من غير تغيير، نحو: عدو وولي، أصلهما: عدوو ووليي، إذ هما فعول، وفعيل، وجاء القلب في الواو، مع المفرد قليلاً، نحو مرضي، وهو من الرضوان؛ وشذ في الجمع، نحو: أبو وأخو.
وإن تخالفا، بأن كانت اللام ياء، والساكن واواً،
أو بالعكس، قلبت الواو ياء، تقدمت أو تأخرت، وأدغمتها في الياء، وتقلب الضمة كسرة، لتصح الياء، نحو: مرمي وسري، هما من الرمي والسرو، والأصل: مرموى وسريو، وكذا الجمع، نحو: نهي جمع نهي؛ ومما شذ في المفرد، قولهم: فلان نهو عن المنكر؛ يقال: إنه لأمور بالمعروف، نهو عن المنكر؛ وشذ في الجمع فتو جمع فتى، عند من يجعله من ذوات الياء، وهو قول سيبويه، لقوله تعالى:"ودخل معه السجن فتيان"، وقيل: هو واوي، لقولهم في المصدر: الفتوة، وعند سيبويه، فتوة شاذ. كنهو عن المنكر، والنهي، بالكسر: الغدير، في لغة نجد، وغيرهم يقوله بالفتح.
(أو تقديراً) - نحو: مرضية، فالمدغم فيها، هي آخر الاسم تقديراً، فإن التاء آخره لفظاً.
(وكل ضمة في واو قبل واو متحركة، أو قبل ياء تليها زيادتا فعلان) - وذلك كأن تبنى من قوة مثل سبعان، فتقول: قووان، فتقلب الضمة كسرة، والواو الثانية ياء، فيصير: قويان، كما تقول في فعلوة من الغزو: غزوية، فتلحق زيادتا فعلان بتاء التأنيث. وهذا الذي اختاره المصنف، هو مذهب الأخفش والجرمي والمبرد والأكثرين، ومذهب سيبويه أنك تقول: قووان، بتصحيح الواوين،
من غير إدغام ولا قلب؛ وإنما وجب التصحيح، لمخالفته الفعل، بزيادتي فعلان، لاختصاصهما بالاسم، فصار كالجولان؛ وإنما يعل ويدغم ما أشبه الفعل، لا ما خالفه؛ وأشبه الأسماء به قولهم في النسب إلى طوى: طووي، بواوين متحركين، قيل: الأولى ضمة، وهي في التقدير بعد الحرف، فكأنها في الواو؛ هكذا قيل؛ والأولى أن يقال: خالف هذا الفعل بالزيادتين، فصحح؛ وليست الزيادتان كالتاء، بدليل ضمة الغزوان، واعتلال حصاة. وقال ابن جني: تدغم، فتقول: قوان، وهو أضعف الأقوال.
وخالف الزجاج الجمهور، فمنع بناء فعلان من القوة، متمسكاً بأنه ليس في الكلام اسم ولا فعل على فَعُل، عينه ولامه واوان.
ومثال ما قبل الياء، كأن تبنى من شوى اسماً كسبعان، فتقول: شويان، فتقلب الياء واواً، لضم ما قبلها، كما في قووان ونحوه، فيصير شووان، مثل قووان، فتقول على ما اختاره المصنف: شويان، بقلب الضمة كسرة، والواو الثانية ياء؛ ولا يبعد مجيء المذهبين الأخيرين.
(أو علامة تأنيث) - كأن تبنى مثل فعلة من قوة ومن
شوى، فتقول: قووة وشووة، ثم يصيران، بإبدال الضمة كسرة، إلى قوية وشوية.
(فإن كانت في غير واو، قبل، هاء التأنيث، لم تبدل، إلا إن قدر طرآن التأنيث) - فإذا كانت الضمة في غير واو، بعدها واو، هي قبل هاء التأنيث، وذلك كأن تبنى مثل سمرة من الغزو، فتقول: غزوة، بالواو، إن لم يقدر طرآن التاء؛ وغزية، بقلب الضمة كسرة، والواو ياء، إن قدر طرآنها؛ إذ يصير حينئذ نظير أدل؛ وهذا كما قال سيبويه في بناء فعلة من الرمى، قال: تقول: رموة، إذا بنيت على التاء، ورمية إذا لم تبن؛ وقد سبق تقرير كلام المصنف، في مسألة بناء مثل فعلة من الرمى، على وجه غير هذا، هو أليق بكلامه هناك؛ وكلام سيبويه فيها كما قد عرفته؛ فالوجه عدم تكلف ذلك التقرير، وحمل كلام المصنف في الموضعين، على محمل واحد، وهو ما اقتضاه محمل سيبويه.
(وفي ضمة مصدرة، قبل ياء مشددة، أو متلوة بأخرى مغيرة لياء مشددة، أو منقولة إلى واو، من همزة قبل واو، وجهان) - أحدهما بقاؤها؛ والثاني تحويلها كسرة. فخرج بمصدرة، ضمة الحاء في تحير زيد، فهي ضمة، قبل ياء مشددة، ولا تحول إلى الكسرة، لعدم تصدرها؛ ويرد عليه عياب ونيام، فهما داخلان فيما ذكر، ولا يجوز فيهما غير الضم، بخلاف صيم ولي، في جمع صائم، وألوى، يقال: قرن ألوى، وقرون لي، فيجوز ضم الصاد واللام، وكسرهما؛ فالضم على الأصل، فإنهما فُعَّل وفُعَّل، والكسر، لمناسبة الياء.
وخرج بياء، ما كان قبل مشدد غير ياء، نحو: شُهَّد ونُوَّم، فلا يجوز فيهما إلا الضم.
ومثال المتلوة بما ذكر: عصي ودلي، فالضمة المصدرة فيهما، متلوة بضمة اخرى، والضمة الثالثة مغيرة، بتحويلها كسرة، لأجل الياء المشددة التي حصلت في آخر الكلمة، كما اقتضاه التصريف؛ فيجوز ضم العين والدال، على الأصل، لأنهما فعول، ويجوز كسرهما إتباعاً، وكذا ما أشبههما.
وخرج بمغيرة، ضمة التاء في تحير، فإنها متلوة بضمة، لكن لم تغير، لما يليها من ياء مشددة؛ فلا يجوز في التاء إلا الضم.
ومثال المنقولة المذكورة، أن تبنى من سوء مثل عرقوة، فتقول: سوؤوة، ثم تنقل حركة الهمزة إلى الواو الساكنة، فتحذف الهمزة، فتصير سووة، فيبقى لفظه كلفظ قووة: فعلوة من قوة، لكن ضمة سووة عارضة، وضمة قوة أصلية، فلذلك تعين الاعتداد بها، فكان فيها القلب حتماً، وجاز في سووة اعتباران: إن لم تعتد بالنقل لم تقلب، كأنك نطقت بسوووة، وإن اعتددت بما عرض، صيرته مثل: قووة، فتقلب، فتقول: سوية.
(وقد يسكن ذو الكسرة والضمة المؤثرتين إعلال اللام، فيبقى أثرهما) - لعدم الاعتداد بما عرض من السكون؛ فإذا بنيت من الغزو، اسماً على فعلان، قلت: غزوان، ثم تقلب الواو ياء، لأجل الكسرة، فتقول: غزيان، فلو سكنت الزاي تخفيفاً، لقلت أيضاً:
غزيان، بالياء؛ ونظيره أن تقول: غزي، بالبناء للمفعول، ثم تسكن الزاي، فتقول: غُزْي أيضاً، بالياء.
وإذا بنيت من الرمي، اسماً على فعلان، قلت: رموان، فإذا سكنت، قلت أيضاً: رموان، بالواو، ونظيره قولك في: قضو بعد التسكين: قضو، بالواو أيضاً؛ ويدل على هذا قوله:
(38)
تهزأ مني أخت ىل طيسله
…
قالت: اراه دالفاً، قد دنى له
فأقر الياء مع التسكين، كما كانت مع الكسرة، وهو من الدنو.
(وقد يؤثران إعلالها، محجوزة بساكن) - فيؤثر كل من الكسرة والضمة، إعلال اللام المفصولة بساكن، نظراً إلى أن الساكن حاجز غير حصين، فكأنه لم يوجد، وذلك نحو قولهم: هو ابن عمي
دِنْيا، والأصل: دنوا، فقلبوا الواو ياء، لكسرة الدال؛ والأكثر في لسان العرب صحة الواو، نحو صنو وجرو؛ ومثل قولهم: دنيا، قولهم: صبية؛ وكذلك قالوا: عرو، وهو من ذوات الياء، أصله: عري، ونطقوا به أيضاً؛ والأكثر في لسان العرب، نحو: مدي وعمي.
(وربما أثرت الكسرة محجوزة بفتحة) - كقول العرب في تثنية رضا: رضيان، وهو من الندور، بحيث لا يقاس عليه؛ وخالف الكسائي فقاس؛ وقد سبقت المسألة بباب كيفية التثنية.
(وربما جعلت الياء واواً، لإزالة الخفاء) - كقولهم في: أيفع الغلام: أوفع.
(والواو ياء، لرفع لبس) - كقولهم في جمع عيد، وهو من العود: أعياد، لئلا يلتبس بأعواد، جمع عود؛ وقد لا يلتزمون ذلك، بل يفعل مع كثرة الأصل، كقولهم في جمع ريح: أرياح دفعاً لالتباسه بجمع روح، وهو أرواح، مع أن الأفصح والأكثر والأشهر في ريح: أرواح.
(أو تقليل ثقل) - كقولهم في صوم: صيم، والوجه عدم
القلب؛ وإذا بعدت العين من الطرف، لم تقلب، نحو: صوام؛ وشذ نيام؛ وإن كان فعل مفرداً، فلا قلب، نحو: حوَّل؛ وكذا إن كان جمعاً معتل اللام، نحو: شوَّى جمع شاو.
(فصل): (تحذف الياء المدغمة في مثلها، قبل مدغمة في مثلها، إن كانت ثالثة زائدة، لغير معنى متجدد) - نحو: غني وعلي، إذا لحقتهما ياء النسب؛ وخرج بثالثة، الثانية، وسنذكر حكمها، والرابعة، فإنها تحذف في النسب، مع التي أدغمت فيها، إن كان إدغام نحو كرسي، وقد سبق ذكرها في النسب؛ وبزائدة، الأصلية، نحو: تحية، وسيأتي؛ وما بعد ذلك، نحو: قصي، تصغير قصوى، والأصل: قصيوي، فتدغم ياء التصغير في لام الكلمة، فيصير على قصيي، ولا تحذف الأولى، لأنها لمعنى متجدد، وهو التصغير.
(أو ثالثة عيناً) - نحو: تحية، والأصل: تحيية، كتزكية، لأن الفعل حياً، كزكَّى.
(ويفتح ما قبلها، إن كان مكسوراً) - فتقول في غني وعلى وتحية، في النسب: غنوي وعلوي وتحوي، حذفت الياء المدغمة في مثلها زائدة وثالثة عيناً، وفتح ما كان قبلها من مكسور، لشبه الاسم بعد الحذف: نمراً؛ فإن انفتح ما قبل الياء أقر على حاله، نحو: هبي وهبية، فتقول: هبوي، والهبي: الصغير.
(وإن كانت ثانية فتحت وردت واواً، إن كانت بدلاً منها) - فتقول في النسب إلى لي وطي: لووي وطووي، لأن أصلهما: لوي وطوي؛ لأنهما مصدرا: لوى وطوى؛ فإن لم تكن الياء الثانية الساكنة المدغمة في مثلها، بدلاً من واو، فتحت وأقرت على حالها، فتقول في النسب إلى حي: حيوي.
(وتبدل الثانية واواً) - لأنها لما فتح ما قبلها، وهي متحركة، قلبت ألفاً، فصار الاسم كمقصور ثلاثي، وألفه تقلب في النسب واواً؛ وإنما لم ترد إلى الياء، إذا كانت منقلبة عنها، كراهة اجتماع ثلاث ياءات.
(ولا تمتنع سلامتها، إن كانت الثالثة والرابعة لغير النسب) - وذلك نحو أن تبنى من حي نحو: جردحل، فتقول: حيوي، والأصل: حيي، بأربع ياءات، فيفعل فيه ما فُعل في النسب إلى حي ونحوه؛ وتجوز السلامة.
(خلافاً للمازني) - في منعه سلامتها، فيوجب أن يقال: حيوي، وغيره يجوّز هذا والسلامة، فيقول: حيي؛
وإنما جازت السلامة هنا، ولم تجز في النسب إلى حي، لأن ياء النسب بعروضها، تصير الياء الثانية من الياءات الأربع، كالمتطرفة، بخلاف ما نحن فيه، فمن قلب فيه، شبهها بياء المنسوب، ومن لم يقلب، شبهها بعين حي وعي؛ ولو بنيت مثل: حمصيص، وهي بقلة، من فتى، قلت على رأي المازني: فتوي، لا غير، وقلت عند غيره كذلك، وفتيي أيضاً بالسلامة؛ والتوجيه ما سبق.
(وتبدل واواً أيضاً، بعد فتح ما وليته، إن كان مكسوراً، الياء الواقعة ثالثة بعد متحرك) - وفي نسخة الرقي: الواقعة ثالثة، وذلك نحو: شج وعم، فتقول: شجوي وعموي؛ ويستثنى من هذا الجزم، ما سبق من مسألة بناء مثل: جردحل، من حي، وكذا مثل حمصيص من فتى، فإنه لا يتعين في الياء الثالثة فيها القلب واواً، إلا عند المازني، كما تقدم؛ وأما غيره، فقد عرفت أنه تخير السلامة والقلب.
وخرج بقوله: بعد متحرك: ياء طي ونحوه؛ وعلم من تقييد فتح ما وليه، بكونه مكسوراً، أن المفتوح يقر على فتحه، نحو: رمى، علماً خالياً من الضمير، فتقول: رموى.
وخرج بثالثة: الرابعة فصاعداً، وإنما سكت عنه في غير تلك النسخة، لفهمه مما يذكر بعد، ويعلم حكم الثانية مما تقدم، مع موافقتها للثالثة، فيما ذكر.
(وقبل ياء أدغمت في أخرى) - كأن تبنى من رمى مثل قرطعب، فتقول: رموي، وكذا لو بنيت من فتى مثل: حمصيص، لقلت: فتوَّى؛ وإن قلنا: إن فتيي يأتي، لكن قد سبق أن التزام الواو في هذين، هو قول المازني، فهذا الكلام ليس على ظاهره في التزام القلب إلى الواو؛ وقد صرح المصنف في غير هذا الكتاب، بالخلاف عن المازني، في بناء مثل حمصيص من فتى، وهي والمسألة الأخرى، داخلتان في مقتضى ما سبق عنه، فليحمل ما يتعلق بهاتين المسألتين، من كلامه هذا، على الأولى؛ والله أعلم.
(وتحذف رابعة فصاعداً) - وفي نسخة الرقي:
(وتحذف جوازاً، رابعةً، ووجوباً، خامسة فصاعداً) - فالرابعة نحو: قاض، والزائدة على ذلك نحو: مشتر ومستدع، فتقول: قاضي ومشتري ومستدعي؛ ويجوز في نحو: قاض ونحوه: قاضوي ومعطوي؛ وسكوته عن جواز بقاء الرابعة، في غير النسخة المذكورة، يبين أن كلامه محمول على ما يتناول الواجب والأولى، كما سبق تقريره قريباً.
(وكذا ما وقع هذا الموقع من ألف) - فالرابع حبلى وجمزى، ومرمى؛ وغيره حبارى ومشترى وحثيثى ومستدعى، فتقول: حبلي وجمزي ومرمي وحباري؛ وكذا الباقي.
(أو واو، تلت ضمة) - نحو: عرقوة، فتقول: عرقي.
(فإن كانت ألفاً لغير تأنيث، اختير قلبها واواً) - نحو: ملهوي ومغزوي.
(وقد تقلب رابعة للتأنيث، فيما سكن ثانيه) - نحو: حبلوى وسكروى؛ فإن تحرك الثاني، لم يجز إلا الحذف، نحو: جمزى ومرطى.
(وتحذف أيضاً كل ياء تطرفت لفظاً أو تقديراً، بعد ياء مكسورة، مدغم فيها أخرى) - فاللفظ نحو: عطي تصغير عطاء، والأصل: عطيي، والياء الأولى للتصغير، والثانية المنقلبة عن الألف التي كانت في المكبر، كما في غزيل، تصغير غزال، والثالثة لام الكلمة التي هي واو، أبدلت همزة في المكبر، وصارت هنا ياء، لكسر ما قبلها لما صغر، فتحذف هذه الياء تخفيفاً، وكان الحذف لها لتطرفها، والأطراف محل التغيير، والتقدير نحو: سقية، تصغير سقاية، والعمل فيه كما تقدم، لأنها تطرفت تقديراً، لأن تاء التأنيث كالمنفصلة.
وخرج بقوله: بعد ياء، ما تطرف لا بعد ياء، كياء القاضي؛ وبمكسورة ياء صبي، فإنها تطرفت بعد ياء ساكنة؛ وبمدغم نحو:
حيي، فإنها تطرفت بعد ياء مكسورة، لم تدغم فيها أخرى، فلا يجوز حذفها.
(ما لم يكن ذلك في فعل) - نحو: أحيي، مضارع حييت، فلا تحذف هذه، لأنها معرضة لحذفها بالجازم.
(أو جار عليه) - أي على الفعل، نحو: محيي والتزيي، مصدر تزيا بالشيء، فلا تحذف، حملاً لاسم الفاعل والمصدر، على الفعل.
(ولا يمنع هذا الحذف، لعدم زيادة المكسور، خلافاً لأبي عمرو) - نحو: أحوى، إذا صغر، فتقول عند سيبويه والمبرد، وهو قول يونس: أحيّ بياءين، غير منصرف، وأصله: أحيو، لأنه من الحوة، فقلبت الواو الأخيرة ياء، لكسر ما قبلها، وأدغمت ياء التصغير في الياء الأولى، وهي عين الكلمة، بعد قلبها ياء، فصار مثل عصي، ففعل فيه ما تقدم من الحذف، لأنه لا فرق عند سيبويه، بين أن يكون المدغم فيه ياء التصغير، زائداً كألف عطاء، أو أصلياً كواو أحوى؛ وقال أبو عمرو بن العلاء بالفرق، فتقول: أحيي، بثلاث ياءات، وتجريه مجرى أعيم، فتقول: أحيي، رفعاً وجراً، وأحيي نصباً. وقد سبقت المسألة بباب التصغير.
(فإن تحركت الأولى والثانية، حذفت الثالثة) - وذلك بأن
تبني من الرمي مثل جحمرش، فتقول: رمييي، بثلاث ياءات، فيجوز فيه ثلاثة أوجه، ذكرها المصنف. أحدها: أن تنقل حركة الياء الأولى، إلى الساكن قبلها، ثم تدغمها في الياء الثانية، فصير كعطي، فتحذف الياء الأخيرة، كما فعلت في عصي، فتقول: رمي.
(أو قلبت الوسطى واواً) - وهذا هو الثاني، فتقول: رميو، ويصير من المنقوص، وإنما قلبت واواً، كراهية اجتماع الأمثال.
(أو ألفاً) - وهذا هو الثالث، فتقول: رمياي؛ ووجهه أن المتوسطة تحركت، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً.
(وسلمت الثالثة) - أي في الوجهين الأخيرين، وهي في الثالثة كياء آي وزاي.
(وتبدل باء، الألف التالية ياء التصغير، ما لم تستحق الحذف) - ثبت هذا في نسخة الرقي؛ وذلك نحو قولك في غزال وقذال: غزيل وقذيل؛ فإن كان بعد الألف حرفان فصاعداً، حذفت الأول في التصغير، نحو: عذافر، فتقول: عذيفر، ومصابيح، فتقول: مصيبح، إن كان علماً، ومصيبحات، إن كان غير علم.
(فصل): (اجتنبوا ضمة غير عارضة، في واو قبل واو) - لأن الضمة كالواو، فإذا بنيت اسم مفعول من جادة، قلت: مجود، وأصله: مجوود، فاستثقلوا، فنقلوا ضمة الواو إلى الساكن قبلها، وحذفوا، ثم المحذوف ماذا؟ يأتي الخلاف فيه.
(فاجتناب ثلاث واوات أحق) - لأن في ذلك من الثقل ما لا يخفى.
(فإن عرض اجتماعها، قلبت الثالثة أو الثانية ياء) - فتقول في اسم المفعول من قوي: مقوي، وأصله: مقووو، فتقلب الثالثة أو الثانية ياء، فتجتمع ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فنقلب الواو ياء، وتدغم في الأخرى.
(وقد يعرض اجتماع أربع، فتعل الثالثة والرابعة، نحو: قويي، مثال جحمرش، من قوة) - والأصل: قَوْوَوِوٌ، فتدغم الأولى لسكونها في الثانية، وتقلب الثالثة ياء، لاستثقال اجتماع الواوات، وتقلب الرابعة أيضاً، لكسر ما قبلها.
(وقد تعل معها الثانية، نحو: اقويا، مثال اغدودن منها) - فتعل الثالثة والرابعة، والثانية أيضاً، والأصل: اقْوَوْوَوَ، فتحركت الأخيرة، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً وأعلت الثالثة، بقلبها ياء، لاجتماع ثلاث واوات، وأعلت الثانة، لأنه لما أعلت الثالثة، اجتمعت واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الثالثة، فصار اقويا.
(وذا أولى من قوَّو) - أي اقويا أولى من قَوَّوٍ، وهو تصحيح الواو الثالثة.
(واقْوَوَّا) - وهو التصحيح للواو الثالثة، فاقوياً أولى منه.
(وفاقاً لأبي الحسن) - وذلك للسلامة من اجتماع ثلاث واوات، ولا خلاف في إعلال الرابعة، وإنما الخلاف في الثالثة.
(وحيو أو حيا في مثل جحمرش، من حييت، اولى من حياي) - والأصل: حييييٌ، فأدغمت الأولى لسكونها في الثانية، وأبدلت الثالثة واواً، كراهة اجتماع الأمثال، فصار حيو كالمنقوص؛ وأما حيا، ففعل فيه ما سبق من الإدغام، فاجتمع فيه ما في تصغير عطاء، فحذفت الأخيرة، فبقيت الياء التي قبل الأخيرة متحركة، وقبلها مفتوح، فقلبت ألفاً؛ ووجه حياي، أن الثالثة تحركت وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، وسلمت لذلك الياء الأخيرة من الحذف.
(فصل): (تبدل ياء، الواو الملاقية ياء في كلمة، إن سكن سابقهما سكوناً أصلياً) - وذلك نحو: مرمي وسيد، الأصل: مرموي وسيود، فخفف البناء، بإبدال الواو ياء، والإدغام.
وخرج بكلمة: الكلمتان، نحو: في يوسف، وفو يزيد، فلا إبدال، ولا إدغام. وخرج بقيد سكون السابق، نحو: طويل وغيور وعزويت ونحوها؛ وبأصلي: العارض، نحو: قوي، وسيأتي.
(ولم يكن بدلاً غير لازم) - فإن كانت الواو المذكورة بدلاً جائزاً، لم يثبت باطراد، ما ذكر من الإبدال، ويترتب عليه من الإدغام، نحو: رُويَة في رُؤية؛ وكذا ساير، إذا بنيته للمفعول، فأبدلت من الألف واواً، فقلت: سوير، فهو بدل غير لازم، فلا يثبت معه الحكم المذكور من الإبدال والإدغام، لئلا يلتبس غير المضعَّف بالمضعَّف، ولأنه مغير من سار، فحكم له بحكمه.
(ويتعين الإدغام) - فإذا ثبت ما ذكرنا من كونهما في كلمة، وسبق الساكن، وتأصل السكون، ولم تكن الواو بدلاً غير لازم، بأن تنتفي البدلية، كما في لي وطي، أصلهما: لوي وطوي، أو يوجد شرط اللزوم، كأن تبنى من أئمة، اسماً على وزن: أبلم، فتقول: أأيم، فتبدل الهمزة الثانية واواً لزوماً، كما في أومن، قلبت الواو ياء، لوجود الشروط، ووجب الإدغام، فتقول: أيم؛ وكذا إن بنيت من أوب، اسماً على وزن: إنفحة، لقلت: إأوبة، ثم إيوبة، مثل إيمان، ثم إيبة.
(ونحو: عوية وضيون وعوة ورية، شاذ) - ووجه كونها شاذة، مخالفتها لما سبق تقريره، ووقعت هذه المخالفة على ثلاثة أوجه:
أحدها: التصحيح، نحو: عوى الكلب عوية، والقياس عية؛ وكذا قولهم للسنور: ضيون، والقياس: ضين؛ ونحوهما قولهم: يوم أيوم، والقياس: أيم؛ وكذا حيوة اسم رجل، وقياسه: حية.
والثاني: إبدال الياء واواً، عكس ما سبق، وإدغام الواو في الواو، نحو قولهم: عوى الكلب عوة؛ وإنه لأمور بالمعروف، نهو عن المنكر.
والثالث: ما أبدل وأدغم، ولم يستوف الشروط، نحو ما حكى الفراء من الإدغام في مخفف رؤية، إذ قالوا: رية، والقياس عدمه، لأن البدل غير لازم؛ وحكى الكسائي في تخفيف رؤيا الإدغام، وأنه سمع من يقرأ:"إن كنتم للريا تعبرون".
(وبعضهم يقيس على رية، فيقول في قوي، مخفف قوي: قي) - فألحق ما عرض من السكون، بما عرض من البدل في رية؛ قال: فكما اعتدوا هنا بالعارض، وأبدلوا وأدغموا، كذلك أفعل، إذا سكنت قوي تخفيفاً، فأعتد بعارض سكون الواو، فأبدلها ياء، وأدغم؛ وهو ضعيف؛ فالأغلب في كلامهم عدم الاعتداد بما عرض؛ والفروع إنما تلحق بما تقرر واستمر؛ ويوضح ذلك قولهم: شقي ودني، فلم يردوا الواو، وإن كان موجب قلبها، قد عرض بالسكون زواله.
(وتبدل ياء أيضاً، الواو المتطرفة، لفظاً أو تقديراً، بعد واوين، سكنت ثانيتهما، والكائنة لام فعول، جمعاً، ويعطى متلوهما ما تقرر لمثله من إبدال وإدغام) - فإذا بنيت اسم مفعول من قوى عليه، قلت: مَقْوُووٌ، فتقلب الواو الأخيرة ياء، لإزالة الثقل، فيصير: مَقْوُوياً، فتجتمع الواو والياء على الحدّ السابق، فتقلب وتدغم، ثم تقلب الضمة كسرة، لتصح الياء؛ وكذا تفعل، لو بنيت مثل عصفور من غزو، فتقول: غُزْوُوو، ثم تفعل ما تقدم؛ هذا قول سيبويه في هذا البناء؛ وقال الفراء: لا أعل، بل أدغم الواو الثانية في الأخيرة، فأقول: غُزْوُوّ، ولا حجة في مقوي، إن سمع، لأنه محمول على الفعل، فكما اعتل قوي، اعتل هو.
ومثال المتطرفة تقديراً، أن تبنى مفعولة من قوي، ونحو: عصفورة من غزو؛ ومثال الكائنة لام ما ذكر: دلي وعصي، والأصل: دلو وعصو، فأبدلت الواو الأخيرة ياء، فجاءت القاعدة، فقلبت الأولى وأدغمت، فصارا كما ترى.
وخرج بقوله: سكنت ثانيتهما، المتحركة، نحو أن تبنى مثل قمحدوة من غزو، فتقول: غَزَوْوُوَة، فتقلب الواو الأخيرة ياء لتطرفها، لكن لا يعطى متلوها، وهو الواو الثانية، من قلبه وإدغامه
في الأخيرة، ما تقرر، لأنه لم يسكن، فتقول على هذا: غزوية، لكن تقلب الضمة كسرة، لتصح الياء.
وخرج بقوله: جمعاً، المفرد نحو: عتا عتياً، وعلا علواً، فلا ينقاس إبدال هذا عند كثيرين.
(فإن كانت) - أي الواو.
(لام مفعول، ليست عينه واواً) - نحو: معدو؛ وخرج لام غير هذا، وما يذكره بعد، نحو: عدو، فهذه الواو لا تعل؛ وكذا لو بنيت فوعلة من الغزو، لقلت: غَوْزوَة، ولم تعل فتقول: غوزية.
واحترز مما عينه واو، فإنه يجب فيه الإعلال، نحو: مقوي عليه، وقد سبق بيان العمل فيه.
(ولا هو من فعل) - كمرضي من رضي، وسيأتي حكمه.
(أو لام أفعول) - أي أو كانت لام كذا، نحو: أدحي، يقال للموضع الذي يفرخ فيع النعام: أدحي، وهو أفعول، من دحوت، لأنها تدحوه برجلها.
(أو أفعولة) - نحو: أدعوة، من دعوت.
(أو فعول، مصدراً) - نحو: عتا عتواً.
(أو عين فعل، جمعاً) - نحو: صوم؛ واحترز من الصفة، نحو: رجل حول، وهو البصير بتحويل الأمور.
(فوجهان، والتصحيح أكثر) - وهذا يقتضي ظاهره اطراد كل من التصحيح والإعلال، في المذكور جميعه، فتقول: معدو ومعدي، وأدحو وأدحي، وأدعوة وأدعية، وعتو وعتي، وصوم وصيم؛ والذي ذكره المغاربة في معدو وأدحو وأدعوة وعتو ونحوها، أن التصحيح هو المطرد، والقلب والإعلال شاذ؛ وقالوا في صوم ونحوه: إنه مطرد الإعلال، والأجود التصحيح؛ فإن كان فاعل معتل اللام، تعين التصحيح، لئلا يتوالى الإعلال، فتقول: شاو وشوي.
(فإن كان مفعول من فعِلَ، ترجح الإعلال) - فمرضي عنده أرجح من مرضو، فتعل اللام، بقلبها ياء، فتجتمع الواو والياء، وتسبق إحداهما بالسكون، فتقلب وتدغم، ويكسر ما قبل الياء، لتصح؛ والذي ذكره المغاربة، أن القياس: التصحيح، والإعلال شاذ.
(وقد بعل بذا الإعلال، ولامه همزة) - أي مفعول من فعل، قالوا: شنأه يشنؤه، فهو مشنوء، على القياس، وقالوا:
مشني، على غير قياس، وكأنه بنى على شني، بإبدال الهمزة ياء؛ وقال المصنف في غير هذا الكتاب: لو جعل هذا مطرداً، لكان صواباً؛ قال: وكذا إن أخذ من فُعِلَ، وإن كان أصله فعل نحو: قوي؛ وهذا بناء منه على ترجيح الإعلال في مَرْضُو.
(وقد تُصحح الواو، وهي لام فعول، جمعاً) - كقولهم: نُحُوّ وأُبُوّ وأُخُوّ.
(ولا يقاس عليه، خلافاً للفرَّاء) - لقلة ما ورد من ذلك.
(وربما أُعلت، وهي عين فُعَّال، جمعاً) - قالوا في نوام: نيام، وهو شاذ؛ وتقييده بالجمع، قد يوهم أن المفرد بخلافه، وليس كذلك، بل فعال المفرد، شذ أيضاً إعلاله، قالوا: فلان في صيابة قومه، والقياس في صوابة؛ قال الفراء: صيابة قومه، وصوابة قومه، أي صميمهم.
(فصل): (تبدل الياء من الواو، لاماً لفعلى، صفة محضة) - كالقُصْيا والعليا، تأنيث الأقصى والأعلى.
(أو جارية مجرى الأسماء) - كالدنيا، لهذه الدار؛ وخرج بصفة: الاسم، فلا تبدل فيه، نحو حزوى: اسم موضع. هذا
ما ذهب إليه المصنف، وهو مذهب الفرَّاء وابن السكيت والفارسي، وناس من اللغويين؛ وذهب الأكثرون إلى أن تصحيح حزوى شاذ، وأن قياس الاسم الإعلال، وتمسكوا بالدنيا أنثى الأدنى، ونحو ذلك، وقالوا: إنهم جعلوها اسماً، من جهة استعمالها كالأسماء إذا وليت العوامل؛ وقالوا: إن الصفة تبقى على لفظها، ولا تُغَيَّر نحو: خذ الحلوى، وأعط المزى. قالوا: وشذ من الاسم شيء لم يقلب، وهو القصوى، وحزوى: اسم موضع؛ ولعل الأول أقرب إلى الصواب؛ وأفهم كلام المصنف أن فعلى من ذوات الياء، لا تغير، فلو بنيت من الرمي فعلى، لقلت: رميى، والأمر على ذلك.
(إلا ما شذ كالحلوى) - وهو تأنيث الأحلى، وهو مجمع عليه؛ وشذَّ أيضاً قول أهل الحجاز: القُصْوَى، وأما بنو تميم فيقولون: القصيا؛ وبعضهم يقول: القصيا، عند غير بني تميم.
(وشذ إبدال الواو من الياء، لاماً لفعلى اسماً) - فأخرج الصفة نحو: خزيا وصديا وريا، فلا تبدل، قياساً ولا سماعاً؛ ومثال الاسم: يقوى وتقوى، وهي من وقيت وتقيت؛ ولعل مراده شذوذ القياس، لا شذوذ عدم الاطراد، فإن ذلك مطرد في الاستعمال، كما قال أكثر
النحويين، وعليه كلام سيبويه؛ وقال المصنف في غير هذا الكتاب: أو شذوذ لا يقاس عليه؛ وقال في موضع آخر: إن هذا الإبدال في الاسم هو الغالب؛ قال: واحترزت بالغالب من الريا، بمعنى الرائحة، والطغيا، وهو ولد البقرة الوحشية، وسعيا: اسم موضع. انتهى.
وقد نص سيبويه وغيره من النحويين، على أن ريا صفة، وكان الأصل فيه: رائحة ريا، أي ممتلئة طيباً؛ قال سيبويه: وقد ذكر ريا مع خزيا وغيرها من الصفات: ولو كانت ريا اسماً، لقلت: روا، لأنك كنت تبدل واواً موضع اللام؛ وأما طغيا، فقال الأصمعي: هو بضم الطاء، وقال ثعلب: هو بفتحها، وقياسه، أعني المفتوح: طغوى، وأما المضموم فيعرف حكمه مما سبق، إن كان واوياً؛ وقد قيل: إنه لا يتعين في طغوى أن يكون بدلاً من ياء، لأن في طغيا لغتين: طغيت وطغوت؛ وقال المصنف في غير هذا الكتاب في الثلاثة: إنها يستدل بها على أن إبدال الواو في غيرها شاذ؛ وقيل أيضاً: يحتمل كون سعيا، اسم مكان، منقولاً من صفة، فلا يثبت به كون فعلى الاسم، صحيحاً؛ ومثله يجوز أن يقال في طغيا، فيكون صفة في الأصل، ثم غلبت اسميته
كأبطح. وفهم من كلامه أن فعلى من ذوات الواو، لا يقلب، صفة كان كسهوى، أو اسماً كدعوى، وهو كذلك.
(وربما فعل ذلك) - أي إبدال الواو من الياء.
(بفعلاء، اسماً وصفة) - خرج بعضهم على ذلك قولهم: العواء بالمد، للنجم، هو من عويت الشيء: لويته، لأنها كواكب ملتوية، والأصل: عوياء، فيصير: عياء، ثم شذوا في عواء؛ وقيل: ليس وزنه فعلاء، وإنما هو فعال، وهو عواي، فقلبت الياء همزة، كما في رداء، وذكر على معنى المنزل، ولذا قالوا: هو العواء، ومن قال: عوى، فقصر، ذهب إلى معنى المنزلة؛ على أنه يحتمل أن يكون فعَّل كشمَّر، قاله المصنف. هذا مثال الاسم، وأما الصفة
…
(فصل): (تبدل الألف بعد فتحة متصلة اتصالاً أصلياً، من كل واو، أو ياء تحركت في الأصل وهي لام) - خرج بقوله: بعد فتحة، ما بعد ساكن، كدلو وظبي، أو بعد كسرة كشقي، وشجن أو ضمة نحو: أدل وأظب ويغزو ويقضو، فلا تبدل الياء والواو في هذه كلها ألفاً؛ وبمتصلة نحو: آي وواو، إذ حجزت الألف بين الفتحة والياء والواو؛ وخرج الاتصال العارض، كأن تبنى مثل: عكمس، من الغزو والرمى، فتقول: غُزَوِو ورُمَيِي
فهذه لام تحركت في الأصل بعد فتحة متصلة، لكن اتصالها عارض، لأن أصل عكمس: عكامس، فأصل غُزَوِو: غُزَاوِو، ورُمَيى: رُمايِى، فلا تبدل هذه اللام ألفاً، لكن تبدل الواو ياءً، لوقوعها طرفاً بعد كسرة، فيصير لفظ غُزَوو كلفظ المنقوص، فتقول: غزو، وتعامله معاملته، كما تفعل في رَمَيِى، فتقول: رَمَي. يقال: ليل عكامس، أي شديد الظلمة، وإبل عكامس، أي كثيرة.
وخرج بقوله: تحركت، الساكنة، كأن تبنى من من غَزْو ورَمْي مثل قمطر، فتقول: غزو ورمي، فلا تقلب الواو والياء فيهما إلى الألف، وإن كانتا لامين بعد فتحة، وذلك لسكونهما؛ وبقوله: في الأصل، الساكنة في الأصل، نحو: يرعوى ويرميي، فحركة الواو والياء فيهما عارضة، وأصلهما السكون، لأن مثالهما من الصحيح: يحمر مضارع احمر، ووزنه: افعل، فلا تبدل فيهما الألف؛ وقوله: وهي، أي الواو والياء لام، نحو: غزا ورمى وعصا ورحى، والأصل: غزو ورمى وعصو ورحى، تحركت الواو- أو الياء- وانفتح ما قبلها، على الوجه المذكور، فانقلبت ألفاً، وكذلك الياء.
(أو بإزاء لام) - كأن تبنى من الغزو أو الرمي مثل درهم،
فتقول: غزوو ورميي، فالواو والياء الأخيرتان بإزاء لام الكلمة، وهي الواو والياء الأخرى، وهاتان زيدتا للإلحاق، ووجد فيهما شروط إبدالهما ألفاً، فجرى عليهما حكم اللام، فلذلك تقول: غزوى ورميي.
(غير متلوة بألف) - فإن تلتهما ألف، لم يبدلا، نحو: غزوا ورميا، وعصوان ورميان، والنزوان والغليان.
(ولا ياء مدغمة في مثلها) - نحو: عصوي، فلا تبدل من الواو هنا ألف، لأن الألف تقلب واواً في مثل هذا.
(فإن كانت مضمومة أو مكسورة، وتلتها مدة مجانسة لحركتها، قلبت ثم حذفت) - فإذا سميت بعصا وفتى ورحا، ثم جمعت بالواو والنون، قلت: جاء عصون ورأيت عصين، فتحركت الواو، بالضم في الأول، وبالكسر في الثاني، وانفتح ما قبلها، وتلتها الواو والياء، وهما مجانستان، فقلبت ألفاً، ثم حذفت؛ وكذلك تقول: جاء فتون، ورأيت فتين، والعمل كما ذكر.
(ولا تصحح، لكون ما هي فيه واحداً، خلافاً لبعضهم) - فيعل ما أشبه هذا الجمع مما ذكر من مفرد؛ فإذا بنيت مثل ملكوت من غزا ورمى؛ قلت: غزوت ورموت، الأصل: غزووت ورميوت،
تحركت الواو والياء، وانفتح ما قبلهما، فقلبتا، كما في عصا ورحى، ثم حذفت الألف، لملاقاة الساكن بعدها، فصار اللفظ كذلك، ولا يجوز التصحيح، على الصحيح.
(وتعل العين، بعد الفتحة، بالإعلال المذكور) - وهو إبدالها، إن كانت واواً أو ياء، تحركت في الأصل، ألفاً؛ ومراده بالفتحة ما سبق ذكره، وهي المتصلة اتصالاً أصلياً؛ وبالعين، العين المتحركة بأي حركة كانت، من فتحة كناب وباب وقال وباع، أو كسرة كخاف وكرجل مال أي مول، أو ضمة نحو طال؛ ولو جاء من المعتل اسم على فعل بالضم، وجب إعلاله أيضاً؛ فلو كانت بعد غير فتحة، لم تبدل ألفاً نحو: عيب ونوب وطيبة وحول؛ وكذا إن لم يتصلا نحو: قاول وباين، أو اتصلا اتصالاً عارضاً، كأن تبنى مثل علبط من القول، فتقول: قوول، وأصله: قواول كعلابط؛ وكذا لا تبدل، إن لم تتحرك في الأصل، بل عرضت الحركة، نحو أن تبنى مثل شمأل من قول أو بيع فتقول: قوأل وبيأع، ثم تنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، فتصير قولاً وبيعاً، فلا يعل، لأن الحركة عارضة.
ومثال ما استكمل الشروط، باب وما معه، والأصل: بوب ونيب وقول وبيع وخوف وطول؛ ويقال: رجل مال، أي كثير المال، وأنشد أبو عمرو:
(39)
إذا كان مالاً، كان مالاً مرزَّأ
…
ونال نداه كل دان وجانب
(إن لم يسكن ما بعدها) - احترز من طويل ونحوه.
(أو يعل) - نحو: هوى وطوى.
(أو تكن هي بدلاً من حرف لا يعل) - نحو قولهم في شجرة: شيرة؛ قال:
(40)
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى
…
فأبعدكن الله من شيرات
(أو يكن ما هي فيه فعلاً واوياً، على افتعل، بمعنى تفاعل) - فخرج اليائي العين، فإنه يجب إعلاله، نحو: ابتاعوا وامتازوا؛ وإنما لم يصحح، لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فرجحت عليها في الإعلال، وذلك نحو: اجتوروا واعتونوا، بمعنى تجاوروا وتعاونوا؛ فلو كان افتعل الواوي العين، ليس بمعنى تفاعل، اعتلت عينه، بإبدالها ألفاً، نحو: اختان واختار، بمعنى خان وخار.
(أو فعل بمعنى افعل مطلقاً) - واوياً كان نحو: حول وسود،
بمعنى: احول واسود، أو يائياً، نحو: بيض وصيد، بمعنى ابيض واصيد.
(أو متصرفاً منهما) - أي من افتعل وفعل المذكورين، نحو: مجتور وعوير.
(أو اسماً، ختم بزيادة تخرجه عن صورة فعل، خال من علامة تثنية، أو موصول بها) - نحو: الجولان والسيلان، فالألف والنون زائدتان، لا يلحقان الفعل بحال، فهذا الاسم يصحح، لخروجه عن شبه الفعل صورة، بالزيادة المذكورة؛ وزعم المبرد أن القياس الإعلال، وعليه جاء دارات، من دار يدور، وحادان من حاد يحيد؛ ومذهب سيبويه، والمازني أن الإعلال في هذا غير مطرد؛ وهو الصحيح، لأن التصحيح فيه أكثر في كلام العرب؛ فإن ختم الاسم بزيادة لا تخرجه عن صورة فعل خال من علامة تثنية، أعل، نحو: قالة وباعة، لأن تاء التأنيث تلحق الاسم والفعل، فأعل هذا الاسم كالفعل، نحو: قالت وباعت؛ وكذا المختوم بزيادة لا تخرجه عن صورة فعل موصول بعلامة تثنية كأن تبنى من القول والبيع اسماً على فعلى، فتقول: قالى وباعى،
بالإعلال، كما في الفعل، لأن الألف في آخرهما، كألف فعلا نحو: ضربا؛ ولا يصحح حملاً على صورى وحيدى، لشذوذ هذا التصحيح، كما سيأتي أنه اختيار المصنف في هذا الكتاب، ولما سمع في الشذوذ؛ فلو قيل: ابن من نوس اسماً جمعاً على مثل حوكة، لقلت: ناسة، باتفاق، دون نوسة، لأن حوكة شاذ، فلا يتبع، ومذهب سيبويه أن تصحيح صورى يطرد، كما سيأتي، فتقول عنده: قولى وبيعى، بالتصحيح.
(وقد يعل فعل المذكور) - كقوله:
(41)
تسائل يا ابن أحمر من تراه
…
أعارت عينه أم لم تعارا
(وتصحيح نحو: صورى، شاذ لا يقاس عليه، وفاقاً لأبي الحسن) - ومذهب سيبويه أن تصحيحه مطرد، تشبيهاً لألف التأنيث، بالألف والنون في جولان، لأنهما لا يكونان في الفعل، واختار هذا، المصنف في موضع آخر، وألحق بها ما باين الفعل في البناء، كما لو نبنى من القول مثل: قربوس، قال: فنقول:
قَوَوُول، بالتصحيح؛ لأن مباينته الفعل، أشد من مباينته فعلان وفعلى، فتصحيح عينه متعين؛ وألحق أبو الحسن ألف التأنيث بتائه، فكما يعل مع التاء، يعل مع الألف؛ والفرق واضح، وما سبق من النظر إلى الشبه الصوري ضعيف.
(وشذ نحو: روح وغيب) - وقياسهما: راح وغاب؛ ومثلهما في الشذوذ الخونة والحوكة، وقياسهما: الخانة والحاكة، كالسادة والقادة؛ وروح جمع رايح، والبيعة أيضاً، وغيب جمع غايب.
(وحول) - وقياسه: حال، كرجل مال، وخاف، أي مول وخوف، ومثل حول قولهم: رجل شول، أي خفيف في قضاء الحاجة؛ وشذ أيضاً التصحيح في الفعل؛ قالوا: صوف الكبش، وخوف الرجل.
(وهيؤ) - وقياسه: هاء مثل طال، لكنهم شذوا فصححوا عينه.
(وعفوة وأوو) - والقياس: عفاة كقناة، لأنها واو تحركت وانفتح ما قبلها، فتقلب ألفاً، وكذلك أوو، قياسه: أوى، كغدى جمع غدوة، والعفوة جمع عفو، وهو الجحش، نقله أبو زيد؛
والأوو: جمع أوه، وهي الداهية، نقله أبو عمرو الشيباني.
(كما شذ إعلال ما ولى فتحة، مما لا حظَّ له في حركة، كآية) - فالألف بدل حرف علة ساكن، وكذا غاية وطاية، وهي كقولهم في نومة وصومة: نامة وصامة.
(في اسهل الوجوه) - أي المذكورة في آية ونحوها؛ وهو قول الفراء، وذكره سيبويه- رحمه الله بعد ذكره مذهب الخليل، فقال: وقال غيره: أصله: أية: فعلة، فقلبت الياء ألفاً، كراهة التضعيف؛ وقد نسب إلى سيبويه؛ ووجه كونه أسهل، أنه ليس فيه إلا إبدال الألف من حرف علة ساكن؛ ولكن القياس التصحيح والإدغام، فأبدلوا تخفيفاً، وإذا أبدلوا في توبة ونحوها، حيث قالوا: تابة، فقال: قبلت توبتك وتابتك، وقالوا أيضاً: رحم الله حوبتك وحابتك، ونمت نومة ونامة، فلأن يبدلوا عند اجتماع الياءين أحرى.
ومذهب الخليل أن وزنها أيَيَة: فعلة؛ فقياس قوله أن يقال: أياة، لأن اللام تحركت وانفتح ما قبلها؛ لكن قال: إنهم عكسوا، فأعلوا العين، وصححوا اللام.
ومذهب الكسائي، أن وزنها: فاعلة، والأصل: آيِيَة، فحذفت العين استثقالاً للياءين والكسرة؛ وقيل: وزنها: فَعُلَة كسَمُرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً؛ وقيل: فَعِلة كنبقة؛ وقيل: الأصل: أياة، كنواة، فَعُلَّت بتقديم اللام على العين، فصار آية.
(واطرد ذلك في نحو: يوتعد وييتسر، عند بعض الحجازيين) - فأبدلوا من الواو والياء الساكنة ألفاً، في كل مضارع لافتعل، فاؤه إحداهما، فيقولون: ياتعد وياتسر؛ ونسبها ابن الخشاب للحجازيين؛ ومن كلام الشافعي: ياتطها، وهو من افتعل من الوطء؛ والقرآن جاء على غير هذه اللغة، قال تعالى:"للذين يتقون".
(وفي نحو: أولاد، من جمع ما فاؤه واو، عند تميم) - فيطرد عندهم إبدال الواو الساكنة ألفاً في مثل ذلك، فيقولون: آلاد، في أولاد؛ وآقات في أوقات؛ وآثان في أوثان؛ وآعاد في أوعاد.
(وفتح ما قبل الياء الكائنة لاماً مكسوراً ما قبلها، وجعلها ألفاً، لغة طائية) فيقولون في الجارية والناصية: الجاراه والناصاة؛ ومن كلامهم: أنا امرأة من الباداة؛ وقال الشاعر:
(42)
وما الدنيا بباقاة لحي
…
وما حي على الدنيا بباق
ويقولون في بقي ورضي: بقى ورضى؛ قال:
(43)
نعى لي أبو المقدام، فاسود منظري
…
من الأرض، واستكت علي المسامع
اي نعي؛ والمنقول عنهم، أن ذلك جائز، لا واجب؛ وكلام المصنف يقتضي أن يقال في لن يرمي عند طيئ: لن يرمى، وفي رأيت الراضي: رأيت الراضي؛ وكذا يقال في قام القاضي: قام القاضي، إن لم يعتد بكون الياء مفتوحة، وقد صرح هو في الكافية الشافية، بأنه يقال عندهم في إكرامي: إكرامَا؛ ونوزع في ذلك، والسماع عنهم ثابت في النوعين السابقين، أعني ما كانت الياء فيه مفتوحة فتحة لازمة، من اسم أو فعل؛ ويحتاج غير هذا إلى سماع.
(فصل): (إن كانت الياء أو الواو عين فعل، لا لتعجب) - فخرج نحو: ما أطوله، وما أبينه، فهذا يصح لشبهه بأفعل التفضيل، نحو: هذا أطول وابين، لأنهما من واد واحد.
(ولا مصرف منهما) - نحو: أطول بزيد، وأبين به، ويعور ويصيد، وأعوره الله.
(أو عين اسم يوافق المضارع في وزنه الشائع) - كما سيأتي تمثيله؛ وخرج مغيل، يقال: أغالت المرأة فهي مغيل، وأغيلت، فهي مغيل: إذا سقت ولدها الغيل، وهو لبن المرضع بعد الحمل أو الوطء؛ والمراد الموافقة في الحركات والسكنات وعدد الحروف؛ وليس المقصود بالحركات خصوصها، بل جنسها.
(دون زيادته) - وسيأتي حكم الموافق في الزيادة أيضاً.
(غير جار على فعل مصحح) - تحرز من نحو: مقاول ومبايع، فلا يعلان، لأنهما جاريان على مصحح نحو: تقاول وتبايع.
(أو يوافقه) - أي يوافق المضارع.
(في زيادته وعدد حروفه وحركاته، دون وزنه) - فيعل الاسم إن وافق المضارع في الزيادة وعدد الحروف والحركات، دون الوزن، كما سيأتي؛ ولا يعل إن وافق في الوزن، ولم يكن في الأصل فعلاً نحو: أسود وأطول منك وأبين، لئلا يلتبس بلفظ الفعل؛ فلو بنيت مثل يفعل من القول أو البيع، لصح حرف العلة؛ ومن كلامهم: تدورة،
اسم مكان، وإن خالفه في الوزن، أعل لأمن اللبس؛ ولهذا تقول، لو بنيت من القول أو البيع مثل تحلئ: تقيل وتبيع، والأصل: تقول وتبيع؛ نقلت حركة العين إلى الفاء، فسكنت العين، وانقلبت، وهي واو، ياء، لكسر ما قبلها، كما في ميعاد؛ والحاصل أنه يشارك الفعل في وجوب الإعلال بالنقل، كما سيأتي، كل اسم أشبه المضارع في زيادته، لا في وزنه، أو في وزنه، لا في زيادته؛ والأول كتبيع مثل تحلئ من البيع، والثاني كمقام؛ فإن أشبهه في الزيادة والوزن، فإن كان في الأصل فعلاً أعل، كيزيد؛ وإلا وجب تصحيحه، ليمتاز عن الفعل نحو: أسود.
(أو عين مصدر على إفعال) - نحو: إقامة.
(أو استفعال) - نحو: استعاذة.
(مما اعتلت عينه) - نحو ما مثل، لأن الفعل أقام واستعاذ.
(نقلت حركتها إلى الساكن قبلها) - أي في جميع ما تقدم، وهو عين الفعل بشرطه السابق نحو: أقام وأطاب؛ وعين الاسم كذلك نحو: مقيم ومطيب؛ وعين إفعال واستفعال،
كما سبق، والأصل: أقوم وأطيب، ومقوم ومطيب وإقوام واستعواذ، فنقلت حركة العين إلى الساكن قبلها.
(إن لم يكن) - أي الساكن الذي قبلها.
(حرف لين) - كما مثل؛ وخرج مثل: طاوع وبايع وقوم وسير، فلا تعتل العين هنا، لأن الساكن قبلها لا يقبل الحركة.
(ولا همزة) - فلا تنقل إلى الساكن الذي هو همزة، نحو: يأنس، مضارع أنس، لأن هذه الهمزة معرضة للإعلال، بتصييرها ألفاً، فكأنها ألف؛ فلا يجوز إعلال هذا، كما لا يجوز في طاوع وبايع.
(ولم تعتل اللام) - نحو: أعوى وأعيا، واستعوى واستحيى؛ فلا يعل شيء من هذا بالنقل والحذف، لإعلال اللام، فيلزم توالى الإعلال في كلمة.
(أو تضاعف) - نحو: اسود وابيض، فإنه لو أعل لقيل: ساد وباض، لأن نقل الحركة إلى الساكن يوجب حذف الهمزة، فيصير كعاد، فيلتبس افعل بفاعل.
(ويبدل من العين مجانس الحركة) - فأصل أقام: أقوم، نقلت حركة العين إلى القاف، وأبدل من العين الألف، لأنها
تجانس حركتها وهي الفتحة، وكذلك القول في أطيب؛ وأصل يقيم: يقوم، فأبدل من العين ياء، لمجانستها كسرها.
(إن لم تجانسها) - فإن جانست الحركة العين، فليس غير النقل، نحو: يقول ويبيع، الأصل: يقول ويبيع.
(وتحذف واو مفعول، مما اعتلت عينه، ويفعل بعينه ما ذكر) - نحو: مقول ومبيع، أصلهما: مقوول ومبيوع، فنقلت حركة الواو والياء إلى الفاء، فالتقى ساكنان، فحذف أحدهما.
ومذهب الخليل وسيبويه أن المحذوف واو المد، واختاره المصنف، لأن حذف الزائد أولى من حذف الأصلي؛ ومذهب الأخفش أن المحذوف عين الكلمة، لأن حذف ما ليس لمعنى أولى من حذف ما هو لمعنى. ورد بأن المعنى للميم، لا للواو، لأنها الثانية في كل اسم مفعول، والواو زائدة للمد، لا معنى لها.
قال أبو الفتح: سألني أبو علي، عن تخفيف مسوء، فقلت: على مذهب الأخفش أقول: رأيت مسواً، كما تقول في مقروء: مقرو، لأنها عنده واو مفعول؛ وعلى مذهب سيبويه، أقول: رأيت مسواً، كما تقول في خبء: خب، فتحرك الواو، لأنها في مذهبه العين، فقال لي أبو علي: كذلك هو.
(وإن كانت ياء وقيت الإبدال، بجعل الضمة المنقولة كسرة) - فأصل مبيع: مبيوع، كما تقدم، نقلت الحركة إلى الياء، فالتقى ساكنان، فحذفت الواو، فتبقى على مبيع، فكسرنا الفاء، لتصح الياء، فيبقى على مبيع؛ وهذا على مذهب سيبويه؛ وتقول على رأي الأخفش: نقلت الحركة إلى الياء، ثم قلبت الضمة كسرة، لتصح الياء، فحذفت الياء، لالتقاء الساكنين، فتبقى الواو ساكنة إثر كسرة، فتقلب ياء، فتبقى على مبيع.
وأشار بقوله: وقيت الإبدال، إلى أنه كان حق مبيع، أن يقال فيه: مبوع، لكنهم كرهوا انقلاب يائه واواً، فأبدلوا الضمة قبلها كسرة، فسلمت من الإبدال، وذلك لأن تغيير الحركة أسهل من تغيير حرف.
(وتصحيحها لغة تميمية) - فتقول: مبيوع، قال المازني: بنو تميم، فيما زعم شيوخنا، يتمون مفعولاً من الياء، نحو: معيوب. انتهى. وقال سيبويه: بعض العرب يخرجه على الأصل، فيقول: مخيوط ومبيوع. انتهى. ومن كلامهم: جدة مطيوبة به نفس؛ وزعم المبرد أن ذلك إنما أجيز في الضرورة، وكلام سيبويه يخالف ذلك، وكذا نقل أنها لغة، وقال الجوهري: هي لغة لبعض العرب مقيسة.
(وربما صححت الواو كمصوون) - فجاء عنهم: ثوب مصوون، وسكر مدووف، وقول مقوول، وحكى مضووع، ولم يحفظ ذلك سيبويه، قال: ولا نعلمهم أتموا الواو، لأنها أثقل. انتهى. أي من الياء، وقال ابن السيد: هذا كله خرج عن الكوفيين. والبصريون لا يعرفونه.
(ولا يقاس على ما حفظ منه) - بل يقتصر على المسموع لقلته.
(خلافاً للمبرد) - فيما حكاه عنه ابن جني؛ والذي ذكره المبرد في تصريفه، أن البصريين أجمعين لا يجيزون إتمام المفعول من ذوات الواو في الضرورة، وقال هو: إنه يجيز ذلك عند الضرورة؛ وقال الشلوبين: حكى الكسائي ذلك وقاس عليه، والصحيح أنه لا ينقاس، لشذوذ ما سمع. انتهى.
(وتحذف ألف إفعال واستفعال، ويعوض منها، في غير ندور، هاء التأنيث) - فأصل إقامة واستقامة: إقوام واستقوام، فنقلت حركة حرف العلة إلى الساكن قبله، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف، لالتقاء الساكنين، ثم قلب حرف العلة ألفاً، لتحرك ما قبله، وانفتاحه في الأصل، وعوض من المحذوف هاء التأنيث.
ومذهب الخليل وسيبويه، أن المحذوف الألف؛ ومذهب
الأخفش والفراء، أن المحذوف حرف العلة، وقد سبقت له المسألة في آخر باب مصادر غير الثلاثي، وقال هناك: إنهما ربما خلوا من الياء، وظاهره يخالف قوله هنا: في غير ندور، بعض المخالفة؛ وقد سبق هناك أن ابن عصفور قال: لا يجوز حذفها إلا حيث سمع، ولا يقاس عليه، وأن ظاهر كلام سيبويه يخالفه؛ ومن الحذف قول بعضهم، فيما حكاه الأخفش: أراه إراء، وأجابه إجاباً، قال بعضهم: ويكثر ذلك مع الإضافة، نحو:"وإقام الصلاة"؛ وسبق هناك أن الفراء قال: إنما يحذف عند تعويض الإضافة، والحق خلاف ظاهره.
ومثال حذفها من الاستفعال قولهم: استفاه استفاهاً.
(وربما صحح الإفعال) - قالوا: أجود إجواداً، وأعول إعوالاً، وأغيلت المرأة إغيالاً.
(والاستفعال) - نحو: استحوذ عليهم استحواذاً، واستنوق الجمل استنواقاً، واستروح الريح استرواحاً.
وجاء مصححاً ومعلاًّ: أجود إجواداً، وأغيلت المرأة إغيالاً، واستروح الريح استرواحاً؛ ومصححاً: أغول إغوالاً، واستحوذ استحواذاً، واستنوق الجمل استنواقاً.
(وفروعهما) - نحو: أجود يجود ومجود، واستجود يستجود ومستجود.
(ولا يقاس على ذلك مطلقاً، خلافاً لأبي زيد) - وحكى الجوهري أن أبا زيد حكى عنهم تصحيح أفعل واستفعل، نحو: أطولت الشيء واستصوبته، تصحيحاً مطرداً في الباب كله، وقال الجوهري أيضاً: إن التصحيح لغة فصيحة صحيحة؛ والصحيح منع القياس، لقلة ما سمع من تصحيح أفعل واستفعل.
(بل إذا أهمل الثلاثي كاستنواق) - وهذا يبين قوله: مطلقاً؛ فاختار لنفسه مقالة ثالثة، وهي: إن كان استفعل ليس له فعل ثلاثي كاستنوق، اطرد تصحيحه؛ فلم يقولوا من هذا: ناق، ولا من استحوذ: حاذ، ولا من استتيست الشاة: تاس، وإن كان له ذلك نحو: استقام، لم يطرد تصحيحه.
وكأن المصنف رأى أن المسموع من استفعل مصححاً، ورد كذلك، فقاس على ما سمع، ما ناسبه دون غيره.
(وربما أعل ما وافق المضارع في الزيادة والوزن) - فلما قدم أن الاسم إذا وافق المضارع في الوزن والزيادة، صحح حرف العلة فيه، نحو: أسود وأطول وأبين، نبه هنا على ما أعل من ذلك، وهو
قليل، قالوا: أفيقة جمع فواق، واللائق، كما قال المصنف: أفوقة، فيصحح كنظائره، نحو: أسودة وأحوجة، لأنه موافق للفعل في وزنه وزيادته، لكن السماع لا يرد.
(ولا يشترط في إعلال نحو: مقام مناسبة الفعل في المعنى، فيكون تصحيح مدين ونحوه مقيساً، خلافاً لبعضهم) - وهو المبرد، زعم أن مجيء مزيد ومريم على القياس، لأن اعتلال باب مقام ومباع ونحوهما، لأنه مصدر للفعل أو اسم مكان، فبينه وبين الفعل مناسبة، وكذا صحح اسماً يبنى على يفعل من القول نحو: يقول، وردَّ عليه بإعلالهم معيشة ومثوبة، وليسا مصدرين ولا اسمي مكان، بل اسمان لما يعاش ويثاب به.
(فصل): (تبدل في اللغة الفصحى، التاء من فاء الافتعال وفروعه، إن كانت واواً أو ياء) - نحو: الاتعاد والاتسار، والفروع: الفعل، نحو: اتعد واتسر، واسم الفاعل نحو: متعد ومتسر، واسم المفعول نحو: متعد ومتسر؛ وقيل في اتعد، إن التاء بدل من الياء، لأن الواو لا تثبت مع الكسر في اتعد، وكذا في اتعاد، وحمل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول، على الماضي والمصدر، وهذه هي اللغة الكثيرة، واللغة الأخرى، إقرارها على حسب مقتضى الحركات المتقدمة،
وقد سبق ذكرها، وهي لغة الحجاز أو بعضهم؛ وحكى الجرمي أن من العرب من يقول: ائتعد وائتسر بالهمز، وهو غريب.
(غير مبدلة من همزة) - تحرز من ائتزر: افتعل من الإزار، فلا تبدل فيه الياء تاء، لأنها بدل همزة، والهمزة لا تدغم، ولا يدغم فيها، إلا في نحو: سأال خاصة، فيصير على حسب ما يقتضيه التصريف؛ تقول: ائتزر ويأتزر ومؤتَزِر ومؤتَزَرٌ به، والأصل: اأتزر، وكذا الباقي.
(وقد تبدل، وهي بدل منها) - أي من الهمزة، كقول من قال في أوتمن: اتُّمن وفي، ايتمر: اتُّمِرَ؛ وحكى الخضراوي أن البغداديين أجازوا ذلك، وحكوا: اتزر من الإزار، واتمنه من الأمانة، واتهل الرجل من الأهل.
(وتبدل تاء الافتعال وفروعه ثاء بعد الثاء) - نحو: اثرد من الثرد، والأصل: اثترد، فأبدل من التاء ثاء، وأدغم.
(أو تدغم فيها) - أي تدغم الثاء في التاء، فتقلب كذلك الثاء تاء، فتقول اترد؛ فعلى الوجه الأول، قلب الثاني
للأول، وعلى هذا الوجه عكس؛ وهما ثابتان عن العرب، قالوا في مفتعل من الثريد: مثرد ومترد؛ وقال سيبويه في قلب الثاني إلى الأول: لغة عربية جيدة؛ قال: والقياس قلب الأول إلى الثاني، لأنه الأصل في الإدغام؛ وفات المصنف وجه البيان، وقال سيبويه: البيان عربي حسن.
(ودالاً بعد الدال) - نحو: ادلج وادان، والأصل: ادتلج وادتان: افتعل من الدلجة والدَّين.
(أو الذال) - نحو: اذدكر، من الذكر.
(أو الزاي) - نحو: ازدجر.
(وطاء بعد الطاء) - نحو: اطلع.
(أو الظاء) - نحو: اظلم.
(أو الصاد) - نحو: اصطبر.
(أو الضاد) - نحو: اضطرب.
(وتدغم في بدلها، الظاء) - فتقول: اظلم، كما سبق؛ وقال سيبويه: إنه أقيس، لكونه الأصل في الإدغام، وهو قلب الأول للآخر.
(والذال) - نحو: اذكر، وفيه ما سبق في اظلم، أعني كونه أقيس.
(أو يظهران) - فتقول: اصطلم واذدكر.
(وقد تُجْعَل مثل ما قبلها من ظاء) - نحو: اظلم.
(أو ذال) - نحو: اذكر.
(أو حرف صفير) - نحو: اصبر وازان، في اصطبر وازدان.
وملخص ما يجوز في الفصل، أن مثل ادلج واطلب، إنما يجوز فيه الإدغام، ومثل اصطبر وازدجر واستمع، فيه وجهان: البيان كالمذكور، والإدغام، بقلب الثاني للأول، نحو: ازجر واصبر واسمع؛ ومثل اذدكر واظطلم واضطرب فيه ثلاثة أوجه: البيان، كالمذكور؛ والإدغام بقلب الثاني للأول نحو: اذكر واظلم واضرب؛ والإدغام بعكسه، نحو: ادكر واطلم واطرب.
(وقد تبدل دالاً بعد الجيم) - قالوا في اجتمعوا: اجدمعوا، وفي اجتر: اجدر؛ ولا يقاس على هذا، لا يقال في اجترح: اجدرح.
(فصل): (من وجوه الإعلال: الحذف) - وهو مقيس وشاذ؛ والأول المذكور في هذا الفصل، والثاني سيأتي.
(ويقل) - أي الحذف.
(في غير لام) - فالفاء كناس في أناس، في أحد وجهيه؛ والعين نحو: سه، والأصل: سته؛ وأما اللام فحذفها كثير، نحو: أب ويد ودم.
(وغير حرف لين) - نحو: حر، أصله: حرح؛ وأما حرف اللين فكثير، كأب ونحوه.
(أو همزة أو هاء أو حرف متصل بمثله) - أي ويقل في همزة وكذا
…
ودليل أن المراد ذلك، الواقع، وكلامه من بعد، كما ستراه في آخر الفصل الذي يلي هذا، فلا يمثل هنا، لأنه سيأتي.
(فمن مطرده: حذف الواو من مضارع ثلاثي، فاؤه واو) - أي حذف فائه كائنة واواً؛ فخرج بالثلاثي، الرباعي، نحو: أوعد يوعد، فلا تحذف الواو من هذا المضارع، وإن وقعت بين ياء وكسرة ظاهرة، لأن بين الكسرة والياء همزة مقدرة، لأن الأصل:
يؤوعد؛ وتناول قوله: فاؤه واو، كونه على فعل كوعد، وفعِل كوثق.
(استثقالاً، لوقوعها في فعل بين ياء مفتوحة، وكسرة ظاهرة، كيعد) - فخرج بفعل، الاسم، فلا تحذف فيه، كما سيأتي؛ وخص الفعل بذلك، لأنه أثقل من الاسم؛ ولذلك أوثر وزنه المختص؛ والغالب في تخفيف الاسم بنزع التنوين.
وخرج بمفتوحة: المضمومة، نحو: يُوعِد، ويُوَعدُ، مضارع وعَد، مبنياً للمفعول، فلا تحذف الواو في هذين؛ أما الأول، فلما سبق، وأما الثاني، فلعدم كسر ما بعد الواو.
وخرج بكسرة: ما وقع بين ياء مفتوحة وضمة، فلا تحذف الواو حينئذ، نحو: وَضؤ يوضؤ، ووطؤ يوطؤ، وسيأتي ذكر ما شذَّ.
(أو مقدرة كيقع ويسع) - أي كان الماضي على فعل كوقع ووضع؛ أو على فعل، كوسع ووطئ. ومعنى تقدير الكسرة، أنه لولا كون اللام في وقع ونحوه حرف حلق، لكانت الواو وقعت بين ياء وكسرة، لأن قياس وقع ونحوه، من المعتل الفاء بالواو، في غير هذا، كون مضارعه على يفعل، بكسر العين، نحو: يعد، وأما وسع فحق
عين مضارعه الفتح، نحو: وجل يوجل، لكن لما حذفوا، فقالوا: يسع ويضع، دل على أنهم عزموا على كونه مما جاء من هذا الباب على فعل يفعل، نحو: وثق، يثق وومق يمق، في ألفاظ مذكورة في بابها، فيكون وسع منها، لكنهم فتحوا العين في يسع، لأجل حرف الحلق، فجاء تقدير الكسرة بهذا الاعتبار.
وما ذكر المصنف من علة الحذف في يعد ونحوه، هو قول البصريين؛ وقال الفراء: سبب الحذف: الفرق بين اللازم والمتعدي، فحذف في المتعدي، كيعد ويزن، ويطأ ويضع، دون اللازم نحو: يوجل ويوهم؛ وحكاه بعضهم عن الكوفيين؛ وحجتهم: يوعد، فليس الوقوع بين الياء والكسرة سبب الحذف؛ ورد بوجود الحذف في اللازم كثيراً، نحو: وقع يقع، ووكف البيت يكف، ووجب الشيء يجب؛ وأما يوعد، فقد سبق بيان سبب عدم الحذف فيه.
(وحمل على ذي الياء، أخواته) - وهي: نعد وتعد وأعد، وتقع وتسع والباقي، ونظيره: تكرم ونكرم ويكرم، في الحمل على أكرم؛ وفعلوا ذلك ليجري الباب على سنن واحد.
(والأمر) - نحو: عد وسع.
(والمصدر الكائن على فعل، محرك العين بحركة الفاء، معوضاً
منها هاء تأنيث) - نحو: عدة وشية، الأصل: وعدة ووشية، فاستثقلوا الكسرة على الواو، فحذفوها، ونقلوا حركتها إلى العين، ثم عوضوا منها الهاء؛ فلو كان المصدر على غير هذا الوزن، لم تحذف الواو، نحو: وعد وعداً، قال تعالى:"وعد الله"، وكذا ورد وروداً؛ وربما جاءوا بفعل على الأصل، فقالوا: وعدة ووثبة، وقالوا أيضاً: وترته أتره وتراً ووترة، بكسر الواو.
(وربما فتحت عينه) - أي عين ما حذفت منه الواو.
(لفتحها في المضارع) - كقولهم: سعة ودعة، والمضارع: يسع ويدع.
(وربما فعل هذا بمصدر فعل) - كقولهم: وضع ضعة، ووقح قحة، حكاه الأخفش.
(وشذ في الصِّلَة: صُلَة) - فضموا الصاد، وكان قياسه، إذ بناه على فُعْلَة، بضم الفاء، أن يقال: وُصلة، بإثبات الواو مضمومة، لكن لما قالوا فيه: فِعْلة، بالكسر، حذفوا الواو، فقالوا: صِلَة، اجرى فُعلة مجرى فِعلة، شذوذاً.
(وربما أعل بذا الإعلال أسماء، كرقة) - والقياس عدم حذف الواو، فيقال: ورقة، كوجهة، إذا قلنا: هو اسم ظرف بمعنى المكان المتوجه إليه، وهو قول المبرد والفارسي، لا إذا قلنا: هو مصدر، كظاهر قول سيبويه؛ وحكى عن المازني كل من القولين؛ وذلك لأن الرقة لم يبن على فعل ملفوظ به ولا مقدر، فليس له فعل حذفت منه الواو، فهو كجهة، على القول الأول؛ وأما على القول بأنه مصدر، فهو مبني على فعل مقدر، لم ينطق به.
(وصفات، كلدة) - والأصل: ولدة؛ يقال: مررت برجل لدتك، أي ولد معك في زمن واحد؛ وظاهر هذا أنه صفة، كما قال المصنف؛ وجعله الشلوبين مصدراً في الأصل، وعلى هذا لا يكون شاذاً؛ وكلام سيبويه على أنه لم يجيء في الصفات مثل هذا؛ وفيه نظر.
(ولا حظَّ للياء في هذا الإعلال) - فلا تحذف الياء لوقوعها بين ياء وكسرة؛ لأنها أخف من الواو، يقال: يسر الرجل ييسر، ويعرت العير تيعر، بإثبات الياء.
(إلا ما شذ من قول بعضهم: ييس) - والقياس: ييس
وقالوا أيضاً: ييست تيس، والقياس: تيس، بياءين فيهما.
(ولا ليفعل) - وهو ما وقعت الواو فيه بين ياء وضمة، نحو: وضؤ يوضؤ، ووطؤ يوطؤ، ووقح يوقح.
(إلا ما شذ من يجد) - فقالوا: وجد يجد، بحذف الواو، والقياس: يوجد، بإثباتها، فأجريت الضمة مجرى الكسرة فيه، إذ كان أصله: يجد، بالكسر؛ وهي لغة أكثر العرب في مضارع وجد؛ فالضم كأنه فرع عن الكسر، باعتبار أنه الأكثر؛ وكذا يقول النحويون: إن يجد بالضم منبهة على الأصل، أي حذفت الواو تنبيهاً على انه جاء على غير الأصل، وأن أصله المطرد فيه ما كثر، وهو الكسر، وضم الجيم لغة عامرية.
(ولا ليفعل) - بل يقال: يوعد ويوزن، بإثبات الواو، لعدم وقوعها بين ياء وكسرة، وإن كانت فتحة العين عارضة؛ ولم يقولوا: يعد ويزن، نظراً إلى الأصل، لأن الحذف في الجملة على خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا عند تحقق سببه.
(إلا ما شذ من يذر ويدع، في لغة) - والقياس: يوذر ويودع، كيوعد ويوضع؛ والذين قالوا: يذر ويدع، لم يعتدوا بما عرض من الفتح، من جهة أن هذه الواو مماتة في الماضي وغيره، أو كالمماتة، استغناء بترك وتارك ومتروك وترك؛ وقد قرئ شاذاًّ:"ما ودعك ربك وما قلى"؛ وجاء أيضاً في ضرورة الشعر: ودع ومودوع؛ وقياس ماضي يذر: وذر، لو استعمل، وفي نسخة صححت مع المصنف، وعليها خطه، الضرب على: ويدع؛ وفي معجم الطبراني مرفوعاً: "كل أحد يؤخذ من قوله ويدع".
(ولا لاسم، تقع فيه الواو موقعها من يعد) - لأن الاسم خفيف، والفعل ثقيل، فلا يتساويان، بل يقال في مثل: يقطين، من وعد: يوعيد، فتثبت الواو فيه، وإن وقعت بين ياء وكسرة، لخفة الاسم.
(فصل): (ومما اطرد حذف همزة أفعل من مضارعه) - نحو: يكرم، أصله: يؤكرم، كيدحرج، لأنه من المضارع أكرم، وأصله: أؤكرم، بهمزتين، فاستثقل ذلك؛ وكذا لو أبدلت الهمزة هاء مثلاً، لم تعامل بمعاملة الهمزة نحو: هراق يهريق وأهريق،
وباقي التصاريف؛ فلما استثقلوا اجتماع الهمزتين، حذفوا الثانية، فصار: أكرم، ثم حمل باقي المضارع عليه، وفصلت همزة المضارع الأخرى، لتقدمها.
(واسمي فاعله ومفعوله) - نحو: مُكْرِم ومُكْرَم، والأصل: مُؤكْرِم ومُؤَكْرَم، والحذف للحمل، كما تقرّر.
(ولا تثبت إلا في ضرورة) - كقوله:
(14)
مكرر فإنه أهل لأن يؤكرما
(أو كلمة مستندرة) - قالوا: أرض مؤرنبة، بكسر النون، أي كثيرة الأرانب.
(ومن اللازم حذف فاءات اأخذ وكل ومر) - والأصل: اأخذ واأكل واأمر، فحذفوا الفاء، وهي الهمزة الثانية، فاستغنوا عن همزة الوصل، لتحرك ما بعد ذلك؛ وهذا الحذف هو المشهور في لسان العرب؛ ومنهم من لا يحذف، فيقول: أؤخذ وأؤكل وأؤمر، وهو
في مر، فصيح كثير، وفي خُذْ وكُلْ، قليل.
(وإن ولي مر واواً أو فاء، فالإثبات أجود) - فقولك: وأمر، فأمر، أجود من قولك: ومر، فمر؛ وثبت في بعض النسخ: وخذ وكل بالعكس، فالحذف فيهما مع الحرفين نحو: وخذ، فخذ، وكل، فكل، أجود من: وأخذ فاخذ وأكل فأكل.
(ولا يقاس على هذه الأمثلة غيرها، إلا في الضرورة) - كقوله:
(44)
ت لي آل زيد، واندهم لي جماعة
…
وسل آل زيد: أي شيء يضيرها
ولا يقال في ألت مثلاً: لت، إلا في الضرورة.
(ومن اللازم حذف عين فيعلولة، كبينونة) - والأصل عند سيبويه في هذه المصادر، فيعلولة، فأصل بَيْنُونُة: بَيَّنُونة، بإدغام الياء في الياء؛ وكذا أصل كيْنُونة: كَيْوَنُونة، اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبوا الواو ياءً، أودغموا، فصار كَيَّنُونة، ثم خفف لزوماً، لثقل الكلمة بكثرة حروفها، مع الإدغام في حرفي العلة، فصار بينونة وكينونة، ووزنها حينئذ: فيلولة؛ ومثلهما صيرورة وقيدودة؛ ودليل أن الأصل ما ذكر، انقلاب الواو
ياء في كينونة ونحوه؛ ولولا ذلك لم يكن لقلبها موجب، وتصريحهم بذلك؛ أنشد أبو العباس:
(45)
قد فارقت قرينها القرينة
…
وشحطت عن دارها الظعينه
يا ليت أنا ضمنا سفينه
…
حتى يعود الوصل كينونه
(وليس أصله: فعلولة، ففتحت فاؤه، لتسلم الياء، خلافاً للكوفيين) - وغير المصنف نقله عن الفراء؛ وعلل ذلك بأن هذا النوع من اليائي، أكثر من الواوي؛ ورد بأن العرب لا تقلب الضمة فتحة، لتسلم الياء، ويمنع ما ذكر من الكثرة، بل كلاهما مسموع؛ ولا يقاس مجيء المصدر على ذلك في البابين.
(ويحفظ هذا الحذف في عين فيعلان) - نحو: ريحان أصله: ريوحان؛ فقلبت الواو ياء، وحصل الإدغام، ثم خفف بحذف
العين، فوزنه الآن: فيلان؛ ولا ينقاس؛ فلا يقال في هيبان، وهو الجبان: هيبان، إلا إن سمع.
(وفيعل وفيعلة) - أي وفي عينيهما، نحو: سيد وسيدة، وهين وهينة؛ والأصل: سيد، بتشديد الياء، وكذا الباقي؛ فخفف بحذف العين، فصار الوزن: فيلاً؛ وكلام المصنف، على أن هذا التخفيف لا ينقاس في الواوي كسيد، واليائي كلين؛ وكلام غيره على أنه مقيس؛ وخالف الفارسي في اليائي.
(وفاعل) - أي وعين فاعل، ونحو: شاك، في لغة من جعل الإعراب على الكاف، فقال: هذا شاك، ورأيت شاكاً، ومررت بشاك؛ والأصل: شايك، فحذفت العين؛ وفيه لغة أخرى، وهي قلب العين، وجعلها بعد اللام، فيصير كالمنقوص، فيقال: هذا شاك، ومررت بشاك، ورأيت شاكياً، كما يفعل بقاض، واللغة الأولى أكثر، كما ذكر سيبويه؛ ويحتمل قوله تعالى:"شفا جرف هار" الوجهين؛ ولا ينقاس شيء من الوجهين، فلا يقال في قايم: قام، لا على الأول، ولا على الثاني.
(وربما حذف ألف فاعل مضاعفاً) - لقولهم في راب: رب، وفي بار: بر، ولا ينقاس، فلا يقال في عاد وراد: عد ورد؛ وجوز
المصنف، في غير هذا الكتاب، كون شاك ونحوه، مما حذف منه ألف فاعل.
(والرد إلى أصلين، أولى من ادعاء شذوذ حذف) - نحو: سبط وسبطر، ودمث ودمثر، يحتمل هذان ونحوهما وجهين: أحدهما الرجوع إلى أصلين، بتركيب دمث من دم ث، وتركيب دمثر من ذلك، وزيادة راء، فيكونان مترادفين؛ ويحتمل كون الأصل: دمثر، وحذفت الراء شذوذاً؛ ولا يمكن القول بزيادتها، لأنها ليست من حروف الزيادة؛ والأول أولى، لسلامته من دعوى الشذوذ؛ وكذا الكلام في سبط وسبطر.
(أو إبدال) - نحو: مدح ومده، فهما أصلان؛ وقد جاءت التصاريف كلها لكل منهما، نحو: ماده، وباقيها؛ وهذا أولى من الإبدال؛ إذ لم يثبت النحويون إبدال الهاء من الحاء؛ وإنما أثبت ابن خالويه ذلك، لأنه لم يكن ممن يحقق علم العربية، بل غلب عليه علم اللغة. انتهى. والحق إثبات ذلك، فقد سمعت منه ألفاظ كثيرة جداً؛ وقد عقد له العلامة أبو الطيب اللغوي باباً في كتاب الإبدال؛ ومما ذكر فيه، أن أبا حاتم، حكى عن الأصمعي، عن الحارث ابن مصرف، قال: ساب حجل بن نضلة، معاوية بن شكل،
عند النعمان بن المنذر، أو عند المنذر، شك الأصمعي؛ فقال: إنه قتَّال ظباء، تبَّاع إماء، مشَّاء بأقراء، فعو الأليتين، مقبل النعلين، أفحج الفخذين، مفج الساقين.
فقال الملك: ويهك! . أردت أن تذمه فمدهته! . أراد: ويحك! أردت أن تذمه فمدحته! .
قال: ويروى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لرجل:"أقبل جناد! . ويهك! " أي: ويحك! . انتهى.
والفرق بين طريق النحويين في هذا، واللغويين، أن اللغويين إذا اشتهر للكلمة استعمال بحرف، ثم جاءت مستعملة بحرف آخر مكانه، قالوا: إن أحد الطرفين بدل من الآخر؛ وقد يقولون ذلك أيضاً، مع عدم شهرة في أحد الحرفين؛ ولا فرق عندهم بين أن يكمل التصريف في كل منهما، وبين أن لا يكمل؛ وأما النحويون فيقولون عند كمال التصريف: ليس أحدهما بدلاً من الآخر، بل هما مادتان، وعند عدم الكمال، يقولون بالإبدال، إن كان ذلك الحرف مما ثبت أنه يبدل من ذلك؛ وإلا فهما أصلان.
وربما أطلق مطلقون، أنه إذا لم تكمل التصاريف، يكون على الإبدال.
(ويجوز في لغة سليم، حذف عين الفعل الماضي المضاعف، المتصل بتاء الضمير أو نونه، مجعولة حركتها على الفاء وجوباً، إن سكنت) - وذكر الجواز منبِّه على أنهم لا يلتزمون ذلك؛ فقوله في آخر التقاء الساكنين، محمول على هذا؛ ودخل على الماضي، الثلاثي كظل، وغيره كأحس وأحب؛ ومثال الوجوب: أحست وأحستم وأحستما وأحستن وأحسن وأحسنا؛ والأصل: أحسست وأحسسن، وكذا الباقي، فنقلت حركة السين إلى الحاء، وحذفت، وكذا أحبت وأحبن ونحوه.
(وجوازاً إن تحركت) - أي الفاء؛ فيجوز في ظلت،
أن تبقى الفاء على فتحتها، وأن تحرك بحركة العين، فتكسر، وكذا مست.
(ولم تكن حركة العين فتحة) - فإن كانت نحو: هممت وانحططت، لم تجعل على الفاء، لأن الفاء مفتوحة؛ هكذا شرح هذا الموضع؛ وقضيته: جواز التخفيف في مثله بالحذف، لكن لا ينقل؛ وقد صرَّح الشارح بذلك، فقال: تقول في هممت: همت، وفي انحططت: انحطت؛ ويجوز حمل كلام المصنف على أنه إن كانت حركة العين فتحة، لم يكن ذلك لغة، وكلامه في غير هذا الكتاب يوافق هذا؛ فإنه زعم في غيره أن الحذف إنما يطرد، إذا كانت حركة العين كسرة نحو: ظللت، فإن كانت فتحة قال: فالحذف قليل؛ حكاه الفراء؛ ولا يقاس على ما ورد منه، ولا يحمل عليه، إن وجد عنه مندوحة. انتهى.
وقد وجد من كلامهم في هممت: همت، بحذف إحدى الميمين؛ ثم اعلم أن نقله أن ذلك لغة، يقتضي اطراده، كما رأيت من تصريحه في غير هذا الكتاب بالاطراد؛ وعلى الاطراد: الشلوبين؛ وكلام سيبويه، على عدم اطراده، وعليه ابن عصفور وابن الضائع.
(وربما فعل ذلك بالأمر والمضارع) - وكلامه في غير هذا الكتاب يقتضي اطراده فيهما؛ فإنه ذكر الماضي من ظللت وما فيه
من فتح الفاء وكسرها، ثم قال: وكذلك يستعمل نحو: يقررن واقررن، فيقال فيهما: وقرن ويقرن؛ لكن فتح الفاء من هذين وشبههما غير جائز. انتهى؛ لأن المضارع مكسور العين، والأمر مثله، وقراءة:"وقرن" بكسر القاف، جارية على هذا، فإنه أمر من قررت بالمكان، أقر، بفتح العين في الماضي، وكسرها في المضارع؛ وهي على قول من لا يرى اطراد ذلك في الأمر، خارجة عن القياس؛ وقيل: يحتمل كون قرن من الوقار، يقال: وقر يقر، كوعد يعد، فقرن على هذا، على القياس، وقراءة:"قرن" بفتح القاف، تبنى على إجازة ذلك، مع فتح العين.
وقد نقل البغداديون أنه يقال: قررت بالمكان أقر، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع؛ وعلى ذلك خرَّج بعض العلماء القراءة؛ وقيل: إنها من قار يقار، كخاف يخاف؛ ومعناه: الاجتماع، أي اجتمعن في بيوتكن، وعلى هذا، هي على القياس؛ وعلى الأول، قد عرفت ما يقال فيها؛ ومما جاء في المضارع من هذا، ما حكاه الفراء من قولهم: ينحطن في ينحططن؛ واعلم أن المصنف ذكر في غير هذا الكتاب، أنه لو قيل ذلك في المضموم لجاز، فقال: لو قيل في اغضض: غضن، قياساً على قرن، بالفتح لجاز؛
قال: وإن لم أره منقولاً؛ لأن فك المضموم أثقل من فك المكسور؛ وإذا كان فك المفتوح قد فُرَّ منه إلى الحذف في قرن، بفتح القاف، ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز. انتهى.
وذكر أبو الطيب اللغوي أن الحجازي يقول في حسست: حسيت، يعوض من السين ياء، والتميمي لا يعوض، فيقول: حست. انتهى.
يقال: حسيت بالخبر، وأحسيت به، أي أيقنت به؛ قال أبو زبيد:
(46)
خلا أن العتاق من المطايا
…
حسين به، فهنَّ إليه شوس
وأبو عبيدة يروي قول أبي زبيد: أحسن به، فهن إليه شوس *
(وبعض العرب يحذف همزة يجيء ويسوء) - فيقول: يجي ويسو، والقياس عدم الحذف، وهو لغة أكثر العرب.
(وإحدى ياءي يستحيي) - فيقول، وهي لغة تميم، يحذفون إحدى الياءين من أستحيي وفروعه، فيقولون: أستحي يستحي مستح ومستحىً منه واستحاءً؛ ثم قال المعظم: المحذوف العين؛ وقيل: المحذوف اللام؛ والإثبات لغة الحجاز؛ وقد نطق بعضهم بلغة تميم، قال عمر بن أبي ربيعة:
(47)
أما تستحي أو ترعوي أو تفكر؟
وعلى الأول قراءة ابن محيصن: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً)، ورويت عن ابن كثير.
(ويجريهن مجرى يفي ويستفي في الإعراب) - فيقول في الرفع: يجي ويسو ويستحي، وفي غيره: لن يجيَ، ولن يسو، ولن يستحي، ولم يج، ولم يس، ولم يستح.
(والبناء) - إذا عرض ما يقتضيه، من نون إناث أو تأكيد نحو: يجين ويسون ويستحين، ولا يجينَّ، ولا تسون زيداً، ولا تستحين من الخير.
(والإفراد) - بأن يتجرَّد عن دالٍ على تثنية أو جمع.
(وغيره) - بأن لا يتجرد نحو: يجِيانِ، كيفيان، ويجون، كيفون، ويستحيان ويستَحُون.
(والتزم في غير ندور واضطرار، حذف ما الاستفهامية المفردة المجرورة) - نحو: "عم يتساءلون"؟ و"فيم أنت من ذكراها"؟ ومجيء م جئت؟ وفعلوا ذلك تخفيفاً، لكثرة الاستعمال.
واحترز بغير ندور، مما حكى الأخفش في الأوسط، من أن من العرب من يثبت الألف؛ قال الأخفش: وذلك قبيح قليل.
وفي بعض النسخ بعد هذا:
(أو اضطرار) - وأشار إلى قوله:
(48)
على ما قام يشتمني لئيم
…
كخنزير تمرغ في رماد
على أن الزمخشري حكى في الكشاف، أن إثباتها لغة؛ وكلام الدينوري في المهذب نحوه، قال: قال أهل التفسير في: "بما غفر لي ربي" معناه: بأي شيء؟ وخرج بالاستفهامية: الموصولة، نحو: فرحت بما فرحت به؛ والشرطية نحو: بما تفرح أفرح؛ ولم تحذف فيهما الألف، لعدم استقلالها، بخلاف الاستفهامية؛ فكأن المجموع فيهما هو الاسم، فصارت ألفها كالحشو، فنقص بطرفها؛
ولذا لما ركبت ما الاستفهامية مع ذا، لم تحذف ألف ما، فتقول: على ماذا تلومني؟ قال الأخفش في الأوسط: إن وصلت ذا بما، أثبت الألف، وعن هذا احترز بقوله: المفردة.
وخرج بالمجرورة: المرفوعة والمنصوبة، نحو: ما هذا؟ وما صنعت؟ فالحذف ضرورة، كقوله:
(49)
ألام يقول الناعيان ألامه؟
…
ألا فاندبا أهل الندى والكرامه
وتناول قوله، المجرورة بالحرف وبالإضافة، وقد سبق التمثيل.
(وقد تسكن ميمها اضطراراً، إن جرت بحرف) - فيقال: لم فعلت؟ قال:
(50)
يا أسدي لم أكلته؟ لمه؟
ولم يجز في السعة، لتهتك الكلمة بالحذف؛ وكذا لا يجوز، إذا جرَّت بالإضافة.
(وزعم المبرد، أن حذف ألف ما الموصولة بشئت لغة) - وقال الأخفش في الأوسط: زعم أبو زيد، أن كثيراً من العرب يقولون: سل عم شئت، كأنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه.
(وشذ في الأسماء حذف اللام، لفظاً ونية، بكثرة، إن كانت واواً) - نحو: أب واسم وابن، بدليل الأبوة والسمو والبنوة، وهو كثير، ولكن لا يقاس، فلا يقال في دلو: دل. واحترز من حذفها لفظاً، لا نية، نحو: عصا الرجل، فالألف محذوفة لفظاً، لالتقاء الساكنين، وهي مقدرة، لأجل الإعراب، ولو حذفت نية، لنقل الإعراب إلى ما قبلها، كما فعل في أب.
(وبقلة، إن كانت هاء) - نحو: شفة، بدليل شفاه ومشافهة، وشاة بدليل شياه، وشوهت شاة: اصطدتها؛ حكاه أبو زيد؛ ووزن شاة: فعلة، بسكون العين، فلما حذفت الهاء، تحركت العين، لأجل تاء التأنيث، فقلبت ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ وقيل: وزنها: فعلة، بتحريك العين؛ وفيه دعوى حركة، الأصل عدمها.
وثبت في بعض النسخ: إن كانت ياء أو هاء؛ وهو صحيح؛ ومثال الياء يد، لقولهم: يديت إليه يداً؛ وماية، لقولهم: أخذت ماياً، أي ماية.
(أو همزة) - نحو ما حكى أبو زيد من قولهم: سؤته سواية، والأصل: سوايية، كرفاهية، فحذفت الهمزة وهي لام.
(أو نوناً) - نحو قولهم: دد، والأصل: ددن، وهو اللعب؛ وكذا فل، أصله: فلان؛ كذا مثل، وفيهما بحث.
(أو حاء) - نحو: حر، أصله: حرح، بدليل أحراح؛ وهو قليل جداً، بحيث قيل: إنه لا يحفظ غير هذا.
(أو مثل العين) - قالوا: بخ، بالتشديد، ثم حذفوا، فقالوا: بخ، بالتخفيف، ساكن الخاء ومكسورها، والسكون على الأصل، والتحريك بالكسر لالتقاء الساكنين: الخاء والتنوين؛ وهي كلمة تقال عند استعظام الشيء.
(وربما حذفت العين، وهي نون) - نحو: مذ، والأصل: منذ.
(أو واو) - نحو: فم، أصله: فوة، فحذفوا الهاء،
ثم الواو، وعوض من الواو الميم.
(أو تاء) - نحو: سه، أصله: سته، بدليل أستاه.
(أو همزة) - نحو: يرى، في لغة غير تيم اللات، والأصل: يرأى.
(والفاء، وهي واو أو همزة) - كناس، عند سيبويه والفرَّاء، أصله: أناس؛ قال تعالى: (يوم ندعو كل أناس)، ووزنه فُعال؛ وقال الكسائي: الأصل نوس، فقلبت الواو ألفاً من النَّوَس، وهي الحركة، وفي بعض النسخ:
(والفاء، وهي واو أو همزة) - وهو صحيح؛ ومثال الواو: رقة ولدة وحشة، الأصل: ورقة وولدة ووحشة.
(وكثر في أب بعد لا ويا) - أي كثر حذف الهمزة، نحو قولهم: لا بالك، حكاه أبو زيد، وقوله:
(52)
يا با المغيرة، رب أمرٍ معضل
…
فرجته، بالمكر مني والدَّها
(وندر بعد غيرهما) - أي بعد غير لا ويا، كقوله:
(53)
تعلمتُ باجادٍ، وآل مرامر
…
وسوَّدت أثوابي، ولست بكاتب
ومرامر اسم رجل؛ قال شَرْقيّ بن القُطاميّ: إن أول من وضع خطَّنا هذا، رجال من طيئ، منهم مرامر بن مرة؛ وإنما قال الشاعر: آل مرامر، لأنه كان قد سمى كل واحد من أولاده، بكلمة من أبي جاد، وهم ثمانية.
(وشذ في الفعل، لا أدر، ولا أبال) - وأصله- أدري وأبالي، بإثبات الياء، لأن لا نافية، ولكن حذفوا تخفيفاً، لكثرة الاستعمال.
(وعِمْ صباحاً) - ثبت هذا في بعض النسخ؛ وتقرير هذا، أن الأصل: أنعم صباحاً، فحذفت فاء الكلمة، فانحذفت الهمزة؛ ونقل جماعة من ثقات اللغويين، أنه يقال: وعم يعم، بمعنى نعم ينعم، وعلى هذا يكون المحذوف من عم صباحاً، الواو التي هي فاء، كما حذفت من عد، من الوعد، وهو قياس، لا شاذ؛ وسبق له في فصل ما منع التصرف من الأفعال، أنه عد عم صباحاً؛ وعلى هذا، لا يكون عنده من نعم، لأنه فعل متصرف، يقال: نعم عيشك ينعم، وانعم.
(ونحو: خافو، ولو تر ما الصبيان) - والأصل: ترى، فحذف الألف شذوذاً، تشبيهاً للو بإن، وما زائدة، وأما كون لو جازمة، فضعيف.
(فصل): (من وجوه الإعلال: القلب) - والمراد به هنا: جعل حرف مكان حرف، بالتقديم، والتأخير؛ ويطلق القلب أيضاً،
على تحويل حرف العلة، إلى حرف علة آخر، كما في قال وباع؛ وقد سبق الكلام فيه؛ وهذا الفصل قسمان: قسم قلب للضرورة، وقسم قلب توسعاً، وهو كثير، لكن لم يجيء منه في باب ما يقتضي اطراده، فلذا يحفظ حفظاً.
(وأكثر ما يكون، في المعتل والمهموز) - وهذا يشعر بكثرته في غيرهما، وليس كذلك، بل هو قليل، كقولهم: رعملى، في لعمرى.
(وذو الواو فيه، أمكن من ذي الياء) - بدليل الاستقراء، نحو: شاك ولاث وهار، وهذا، كما أن انقلاب الألف عن الواو، أكثر من انقلابها عن الياء؛ فلو تردد في ألف، أهي منقلبة عن واو أو ياء، حكمنا بأنها عن واو، للكثرة، ومثله يقال هنا.
(وهو) - أي القلب المذكور هنا.
(بتقديم الآخر) - أي ولو كان زائداً.
(على متلوه) - أي متلو الآخر، ولو كان المتلو غير عين؛ وذلك نحو قولهم في رأي: راء، قدموا اللام على العين؛ وكذا في شاك ونحوه، والأصل: شايك، ونحو قولهم في جمع ترقوة: ترايق، والأصل: تراقي، فقدموا الزائد على القاف، وهي لام، فواو ترقوة زائدة، ولامه القاف.
(أكثر منه، بتقديم متلو الآخر على العين) - نحو: ميدان، إذا جُعل من المدى، فأصله: مديان، فقدمت اللام، وهي متلو الآخر، على العين؛ وإن جعل من ماد يميد، فلا قلب فيه؛ ومثل أيضاً بالحوباء، وهي النفس، فقيل: هو مقلوب، ووزنه: فلعاء، بدليل: حابيت الرجل، إذا أظهرت له خلاف ما في حوبائك.
(أو بتقديم العين على الفاء) - أي أكثر منه بكذا، أو بكذا، نحو قولهم: أيس في يئس، وفي أنوق، جمع ناقة: أينق؛ وفيه قلب وإبدال؛ فلو لم يبدلوا، لقالوا: أونق؛ ولسيبويه في أينق، مع هذا، قول آخر، وهو أن الواو حذفت، وعوض عنها الياء، فوزنه على هذا: أفعل، وعلى الأول: أعفل.
(وربما ورد بتقديم اللام على الفاء) - نحو: أشياء، عند سيبويه، أصله: شيئاء، كطرفاء، فقلب بتقديم اللام على الفاء.
(وبتأخير الفاء عن العين واللام) - نحو: الحادي، بمعنى الواحد، قدم فيه العين واللام، وأخرت الفاء، وهي الواو، وقلبت ياء، لانكسار ما قبلها.
(وكثر نحو: راء في رأي، وآبار في أبآر) - فالقلب في هذين الوزنين كثير؛ قالوا: ناء يناء، في نأى ينأى، والمصدر: النأي،
على الأصل، وقالوا: آرام في أرآم، جمع رئم؛ ومع كثرة هذين، لا ينقاسان.
(وعلامة صحة القلب، كون أحد التأليفين فائقاً للآخر، ببعض وجوه التصريف) - وإذا كان الأمر كذلك، كان الفائق أصلاً، والمفوق هو المقلوب؛ فنأى أصل لناء، لقولهم في المصدر: نأي، دون نيء، ففاق ناء، بثبوت المصدر عليه؛ وعلم من هذا، أنه إذا وجدت التصاريف كلها في لفظ، دون آخر، فإن ما فقدها مقلوب، وذلك نحو: شوايع وشواعي، فالثاني مقلوب، إذ قالوا: شاع يشيع فهو شايع، ولم يقولوا: شعى يشعى فهو شاع؛ ويرد عليه أيس ويئس، فقد جاء على النظمين المصدر وفروعه، فلم يفق بشيء من ذلك واحد منهما، ومع هذا أيس مقلوب، وذلك لوجود شاهد القلب فيه، وهو سلامة الياء من الإعلال، فلم يقولوا: آس، فعاملوا الياء متأخرة، معاملتها متقدمة، وهذا أولى من ادعاء شذوذ تصحيح الياء، لأن القلب، وإن كان لا ينقاس، أوسع وأكثر من الشذوذ.
(فإن لم يثبت ذلك، فهما أصلان) - نحو: جبذ وجذب،
قالوا: جذب يجذب جذباً فهو جاذب ومجذوب؛ وجبذ يجبذ جبذاً فهو جابذ ومجبوذ.
(وليس جاء وخطايا مقلوبين، خلافاً للخليل) - أما مسألة جاء، فالمراد بها ما كان من الوصف على فاعل، من المعتل العين، ولامه همزة، كجاء من جاء، وشاء من شاء، وفاء من فاء؛ ومذهب سيبويه فيه أنه غير مقلوب، ووزنه فاعل، إلا أن الهمزة التي هي لام، قلبت ياء، لأن العين في مثله تقلب همزة، كما في قائل، وبائع، فتلتقي همزتان، فيستثقل ذلك، فتقلب الثانية ياء، لانكسار ما قبلها، كما قالوا في مئر: مير؛ ولم تسهل اللام بين بين، لأنها كالثانية؛ وذهب الخليل إلى القلب، والأصل: جابئ، فأخرت العين، وهي الياء، وقدمت اللام، وهي الهمزة، فصار جائياً؛ وجعله كقولهم في شائك: شاك؛ واختار الخليل هذا؛ لأنه سلم من الجمع بين إعلالين في كلمة، من جهة واحدة، وهو أقل عملاً من الأول؛ هذا هو المشهور؛ وقال سيبويه في كتابه: إن كلا القولين حسن؛ وهذا يقتضي إجازته كلاً منهما؛ لكن الأول هو الأرجح، لأن من قاعدته أن كثرة العمل، مع الجري على القواعد، أولى من قلبه مع المخالفة.
ووزن جاء ونحوه، على القول الثاني: فالع؛ وفي كلام الخليل أيضاً، موافقة الأول، وذكره سيبويه أيضاً، فله في جاء ونحوه القولان.
ومئر جمع مئرة، وهي الذحل والعداوة. وأما مسألة خطايا،
فالمراد بها جمع فعيلة، الذي لامه همزة؛ ومذهب البصريين، غير الخليل، أن أصل خطايا: فعايل، لأن خطيئة: فعيلة، كصحيفة، وفعيلة تجمع على فعايل، فالأصل خطايئ، ثم أبدل من الياء همزة، كما يقال: صحائف، فاجتمع همزتان، فقلبت الثانية ياء، لكسر ما قبلها، فصار: خطائي، ثم أبدلوا الكسرة فتحة، لثقل اجتماع الكسرة في الهمزة قبل الياء، فتحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، فاستثقلوا الهمزة بين ألفين، فأبدلوا منها ياءً، فصار خطايا.
وذهب الخليل، وبعض الكوفيين، إلى أن الأصل: فعايل، فقلب بتقديم الهمزة على الياء، لئلا يؤدي عدم القلب، إلى إبدال الياء همزة، كما في صحائف، فتجتمع همزتان، وهو مرفوض، إلا في الشذوذ، كما حكى الكسائي: اللهم اغفر لي خطائيه، وكقوله:
(54)
فإنك لا تدري متى الموت جائي
…
ولكن أقصى مدة الموت عاجل
وإنما ادعى الخليل القلب، لئلا يجمع بين إعلالين؛ ورد بأنه إذا كانت العين تعتل اعتلالاً مطرداً، واللام تعتل اعتلالاً آخر، ليس من جنس ذلك الإعلال، لم يمتنع؛ وإنما الممتنع من جمع إعلالين، أن تسكن اللام والعين جميعاً، من جهة واحدة في الإعلال، مثل شوى، إن سكنت اللام، لم تسكن العين، أو العين، لم تسكن اللام.
وذهب بعض الكوفيين؛ ونسب إلى الفراء، إلى أن وزن خطايا: فعالى، لأن خطيئة كثر ترك الهمز فيه والإدغام، فقالوا: خطية، فصار كفعيلة من ذوات الواو والياء، وهي تجمع على فعالى، كمطية ومطايا، وسرية وسرايا.
(فصل): (أبدلت الياء سماعاً من ثالث الأمثال، كتظنيت) - وهذا شروع في الإبدال من الحرف الصحيح، وإبداله بعد انقضاء إبدال حروف العلة والهمزة، بعضها من بعض؛ والأصل في تطنيت عند الجمهور: تظننت، تفعل من الظن، فأبدلوا من النون، التي هي اللام، ياء؛ وجوز بعض النحويين كون وزنه: تفعلى نحو: تقلسى، يقال: قلسيته فتقلسى وتقلنس وتقلَّس، أي ألبسته القلنسوة، فلبسها.
ومثل قولهم: تظنيت، قولهم: تسريت، وقصيت أظفاري؛
فالياء بدل من الراء والصاد؛ لأنها في المشهور من السر والقص؛ وقيل: الياء في تسريت، بدل من الواو، من السراة، وهي أعلى الشيء؛ لأن للسرية شفوفاً عند سيدها، على ربة البيت. وألف السراة من واو، لقولهم لسادات الناس: سروات؛ وقيل: تسرى: تفعلى؛ وقيل في قصيت: إنه يجوز كونه فعَّلت من أقاصي الشيء، وهي أطرافه، فالياء منقلبة عن الواو، لظهورها في القصوى.
(وثانيهما كائتميت) - وأصله: ائتممت، فأبدل من ثاني الميمين ياء، قال:
(55)
تزور امرأا، أما الإله فيتقي
…
وأما بفعل الصالحين فيأتمي
أي يأتم، قاله ابن الأعرابي؛ وكلام ابن المصنف، على اختصاص ذلك بالشعر؛ وقالوا في: لا وربك: لا وربيك، فأبدلوا من الباء الثانية ياء، حكاه ثعلب؛ وقالوا: أمللت الكتاب وأمليته، بإبدال الياء من اللام الثانية، قال تعالى:"وليملل الذ عليه الحق" وقال: "فهي تملى عليه"؛ قال ابن عصفور: وإنما جعل أمللت أصلاً، لأنه أكثر من أمليت.
(وأولهما كأيما) - وقد روي بيت ابن أبي ربيعة هكذا:
(56)
رأت رجلاً، أيما إذا الشمس عارضت
…
فيضحى، وأيما بالعشي فيخصر
وأنشدوا:
(57)
يا ليتما أمنا شالت نعامتها
…
إيما إلى جنة، إيما إلى نار
وقالوا: ديماس، وأصله عند سيبويه: دماس؛ بدليل: دماميس؛ وقال غيره: هما لغتان؛ فمن قال: دماس، قال في الجمع: دماميس؛ ومن قال: ديماس، قال: دياميس؛ وأبدلت الياء من الباء والراء، لزوماً، في ديباج وقيراط؛ والأصل: دباج، وقراط، لقولهم في الجمع: دبابيج وقراريط.
ووجد في بعض النسخ، الضمير المتصل بثاني وأول، بلفظ ها، والتمثيل يأباه؛ فإن البدل لم يقع في المثالين المذكورين من بعض أمثال، بل من ثاني مثلين في الأول، ومن أولهما في الثاني؛ ولو قرئ بصيغة ضمير التثنية، لكان حسناً، ويكون الضمير عائداً على ما يقتضيه الأمثل من المثلين.
(ومن هاء، كدهديت) - يقال: دهديت الحجر: دحرجته، والياء بدل من الهاء، بدليل قولهم لما يدحرجه الجعل: دهدوهة، ويحتمل أن يكون مثله قولهم: صهصيت بالرجل، إذا قلت له: صه، صه؛ ويحتمل كونه فعلى، فلا يشترط في المشتق من ألفاظ الجمل، استيفاء الحروف، بدليل بسمل.
(ومن نون كأناسي) - وهو جمع إنسان، أبدلوا من النون ياء، وأدغموا فيها الياء التي قبلها؛ وليس هذا البدل بلازم، خلافاً
لابن عصفور، فقد قالوا: أناسين، وهو القياس، كسرحان وسراحين؛ ويحتمل أن يكون مثل إنسان وأناسي: ظربان وظرابي، لكن البدل في هذا لازم؛ فلم يقولوا: ظرابين؛ وحكى أبو القاسم السعدي في أبنيته، أنهم قالوا: ظرباء، بمعنى ظربان، فيجوز كون ظرابي جمعاً لهذا، كصحاري في صحراء؛ وأبدلوا أيضاً الياء من نون إنسان الأولى، فقالوا: إيسيان، وقالوا في الجمع: أياسين.
(ومن عين ضفادع) - فقالوا: ضفدع وضفادي، فأبدلوا الياء من العين.
(وباء أرانب) - أنشد سيبويه:
(58)
لها أشارير من لحم تتمره
…
من الثعالي، ووخز من أرانيها
يريد أرانبها؛ وذكر سيبويه وغيره إبدال الياء من باء الثعالب، وأنشدوا البيت؛ وجوَّز ابن جني كون ثعالي جمع ثعالة، ثم قلب: نحو: شواعي في شوايع، وقال: إن الأول أولى؛ والأشارير: قطع قديد؛ وتتمير اللحم والقديد: تجفيفهما.
وقال شيخنا: النحويون يقولون في هذا البيت: ووخز، بالواو والخاء المعجمة والزاي؛ وقال لي شيخنا رضي الدين الشاطبي: صوابه: ودخر، بالدال والخاء من فوق والراء. انتهى.
وفي الصحاح: الوخز: الشيء القليل، وأنشد البيت، وتكرر إنشاده له في الصحاح، ولم يذكره إلا كما ذكر النحويون. والبيت في صفة العقاب، والمراد أنها تصيد الأرانب والثعالب.
(وسين سادس) - كقوله:
(59)
عمرو وكعب وعبد الله بينهما
…
وابناهما خمسة، والحارث السادي
وقالوا في خامس أيضاً: خامي، قال:
(61)
مضت ثلاث سنين منذ حل بها
…
وعام حلت، وهذا التابع الخامي
(وثاء ثالث) - أنشد أبو الفتح، رحمه الله:
(62)
يفديك يا زرع أبي وخالي
…
قد مر يومان، وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي
(وربما أبدل من حرف اللين، تضعيف ما قبله) - نحو قولهم: أب وأخ ودم بالتضعيف، والأصل حرف اللين، بدليل الأبوة والأخوة ودميان أو دموان.
(وقد تبدل تاء الضمير طاء، بعد الطاء والصاد) - وكذا بعد الظاء والضاد، وهي لغة قوم من بني تميم، وقد رووا بيت علقمة بن عبدة على الإبدال، وهو:
(63)
وفي كل حي قد خبط بنعمة
…
فحق لشأس من نداك ذنوب
ويقولون: فحصط وحفظط، وحضط.
(ودالاً، بعد الدال والزاي) - نحو: جلد وفزد، في جلدت وفزت؛ ونقل أبو القاسم السعدي هذا، عمن يقول في خضت: خضط، وذكر أن إبدال تاء الضمير دالاً بعد الدال، لغة أبي هريرة، رضي الله عنه.
(وشذ إبدال التاء من واو كتراث) - أصله: وراث، لأنه من الوراثة، وكذا تجاه، من الوجه، وتقية من وقيت، وكذا توراة، وزنها فوعلة، من ورى الزند، وكذا أخت وبنت.
(ومن ياء كأسنتوا) - قال:
(64)
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
…
ورجال مكة مسنتون عجاف
يقال: أسنت الرجل، إذا كان في سنة جدبة؛ وأصله: أسنى؛ فالتاء بدل من الياء المبدلة من الواو؛ لأن أفعل من ذوات الواو، تنقلب واوه ياء، نحوه: أعزيت؛ وأجاز سيبويه، مع هذا، وجهاً آخر، وهو كون التاء بدلاً من الواو، قبل قلبها ياء؛ وكذا ثنتان، فهي من ثنيت؛ وإبدال التاء من الواو، أكثر من إبدالها من الياء.
(ومن سين، كست) - وأصله: سدس؛ فقلبوا السين تاء، ثم أدغموا، وهو بدل لازم؛ وأبدلت من السين جوازاً، في الناس والأكياس والطست؛ وأنشد أحمد بن يحيى:
(65)
يا قاتل الله بني السعلات
…
عمرو بن يربوع، شرار النات
غير أعفاء ولا أكياس
يريد الناس، وأكياس.
(ومن صاد كلصت) - وفعلوا ذلك في الجمع، قالوا: لصوت، والأصل: لص ولصوص، لأنه أكثر استعمالاً.
(وربما أبدلت من هاء) - وخرَّج بعضهم على ذلك.
(66)
العاطفون تحين ما من عاطف
فقال: أراد العاطفونه، بهاء السكت، إجراء للوصل مجرى الوقف، ثم أبدل من الهاء تاء، وحركها للضرورة.
(كما أبدلت الهاء منها) - كوقفهم على طلحة ونحوه بالهاء؛ وحكى قطرب أن طيئاً تبدل تاء جمع المؤنث السالم هاء في الوقف، فيقولون: كيف الإخوة والأخواه؟ وكيف البنون والبناه؟
(وأبدلت الميم من النون الساكنة قبل باء) - نحو: عنبر، و"أن بورك"، وتكون الميم مظهرة، من غير إخفاء ولا إدغام؛ ونقل عن الفراء أن النون الساكنة تخفى عند الباء، فقيل: هو على ظاهره، فتخفى النون، ولا يبدل منها؛ وقيل: أراد بالإخفاء: الإبدال، تجوزاً؛ قال ابن أبي الأحوص: وهو الصواب؛ فإن أحداً من أهل العربية لم ينقل الإخفاء، وإنما نقلوا قلبها ميماً، بلا خلاف.
(وقد تبدل منها، ساكنة ومتحركة، دون باء) - فالساكنة، كقولهم في حنظل: حمظل؛ والمتحركة، كقولهم: البنام، في البنان؛ وهذا البدل غير لازم، بخلاف نحو: عنبر، و"أن بورك"، فإنه لازم.
(وقد تبدل هي من الميم) - حكى الشيباني، أنه يقال: أسود قاتن، وقاتم؛ وذكره ابن السكيت، في كتاب القلب والإبدال.
(وتبدل الصاد من السين جوازاً، على لغة، إن وقع بعدها غين) - أي بلا فصل، نحو: سغب، أي جاع.
(أو خاء) - نحو: سخر.
(أو قاف) - نحو: سقر.
(أو طاء) - نحو سطع؛ فيجوز أن يقال: صغب وصخر زيد، وصقر وصطع؛ وهذه لغة بني العنبر؛ ذكر ذلك سيبويه.
(وإن فصل حرف أو حرفان، فالجواز باق) - فتقول في أسبغ: أصبغ، وفي سراط: صراط؛ وكذا لو فصل ثلاثة، فتقول في مساليخ: مصاليخ؛ وعلم من كلامه أنه لو تقدم حرف الاستعلاء السين، لم يجز القلب نحو: طست، وأنه لا يعامل الزاي بما يعامل به السين، نحو: زخر.
(وإن سكنت السين قبل دال، جاز إبدالها زاياً) - فتقول في أسد: أزد، وفي يسدل: يزدل؛ وقيل: يضارع بها الزاي، ولا تخلص زاياً؛ والأول في كتاب سيبويه، في النسخة الرباحية، والثاني هو الذي أثبته السيرافي، ويدل له قول سيبويه: والبيان فيها أحسن؛ لأن المضارعة في الصاد أكثر وأعرف منها في السين، والبيان فيها أكثر أيضاً. انتهى. فهذا يقتضي أن في السين مضارعة؛ وإنما تطلق المضارعة على بين بين.
(وإن تحركت قبل قاف، فكذلك) - وهذه لغة كلب، يبدلون الزاي من السين، إذا كان بعدها قاف، يقولون في "مس سقر": مس زقر.
(وربما أبدلت بعد جيم أو راء) - فيقولون في: جست خلال الدار: جزت؛ وفي رست الشيء: رزت.
(ويحسِّن مضارعة الزاي، ما سكن قبل دال، من صاد أو جيم أو شين) - نحو: يصدر، وأجدر، وأشدق، فيضارع بكل من الصاد والجيم والشين نحو الزاي.
(ولا يمتنع الإخلاص، في الصاد المذكورة) - قال سيبويه: وسمعنا العرب الفصحاء، يجعلونها زاياً خالصة؛ وذلك قولهم
في التصدير: التزدير، وفي القصد: القزد، وفي أصدرت: أزدرت. انتهى. وحكيت هذه اللغة عن كلب، وعن عذرة وكعب؛ والأفصح عدم إخلاص الزاي.
(فإن تحركت قبل دال أو طاء، جازت المضارعة) - نحو: مصادر وصراط، فيجوز في الصاد فيهما المضارعة، وهي أن تشاب الصاد بالزاي.
(وشذ الإبدال) - أي إبدال الصاد زاياً خالصة فيهما نحو: مزادر والزراط.
(فصل): (وقع التكافؤ في الإبدال، بين الطاء والدال والتاء) - فإبدال الطاء من الدال، نحو: مط الحرف ومده، حكاه الأصمعي؛ وإبدالها من التاء نحو: فحصط في فحصت؛ وإبدال الدال من الطاء قولهم: المريداء في المريطاء؛ حكاه يعقوب؛ وهو يحث يمرط الشعر حول السرة؛ وإبدالها من التاء نحو: اجدمعوا، في اجتمعوا؛ وإبدال التاء من الطاء، قالوا: فستاط، في فسطاط، وقالوا في الجمع: فساطيط وفساتيط، لكن الطاء أصل، لأن استعمالها هو الأكثر؛ وإبدالها من الدال، قولهم: ناقة تربوت، أي مذللة، والأصل: دربوت من الدربة؛ وقال سيبويه: التاء
أصل، لا بدل، وهو عنده من التراب، لأن الذلول من الذلة، وهي تناسب التراب.
(وبين الميم والباء) - قالوا في بيد بمعنى غير: ميد؛ وقالوا: باسمك؟ يريدون: ما اسمك؟ فأبدلوا من الميم باء، وهي لغة مازنية؛ وقال بعض الخلفاء للمازني: باسمك؟ فقال المازني: بكر، بالباء، ومن لغتهم إبدال الباء ميماً، فاستحسن ذلك من المازني، من حيث فهم عنه، أنه قصد أن لا يواجه الخليفة بقوله: مكر.
(وبين الثاء والفاء) - حكى يعقوب أنهم يقولون في العطف: قام زيد فمَّ عمرو، بالفاء موضع الثاء؛ وقالوا في حدث: حدف؛ والثاء الأصل، لقولهم: أحداث، وقالوا في ثوم: فوم؛ وإبدال الثاء من الفاء في قولهم: مغثور في مغفور، والفاء أصل، لقولهم: ذهبوا يتمغفرون، بالفاء، أي يجنون المغفور، ولم يقولوا: يتمغثرون؛ والمغفور والمغثور، وكذا المغفر والمغثر، بكسر الميم: شيء ينضحه العرفط والرمث، مثل الصمغ، وهو حلو كالعسل يؤكل، والعرفط: شجر من العضاه، والرمث بالكسر: مرعى من مراعي الإبل، وهي من الحمض.
(وبين الكاف والقاف) - قالوا: عربي قح، وعربية قحة، وجعلوا موضع القاف الكاف، فقالوا: كح وكحة، والقاف أصل؛
لقولهم في الجمع: أقحاح، ولم يسمع أكحاح، وقالوا في وكنة الطائر: وقنة؛ وفسر بعضهم الوكنة بمأوى الطائر في الجبل، وقال أبو عمرو: الوكنة والأكنة، بالضم: مواقع الطير، حيث ما وقعت؛ وقال بعضهم: الوكن، بالفتح: عش الطائر في جبل أو جدار، والموكن مثله؛ وقال الأصمعي: الوكن مأوى الطائر في غير عش، والوكر، بالراء: ما كان في عش.
(وبين اللام والراء) - قالوا في الشرخ، وهي النطفة يكون منها الولد: شلخ؛ وقالوا في نثلة، وهي الدرع: نثرة، واللام الأصل، لقولهم: نثل عليه درعه، ولم يقولوا: نثرها؛ ومثله قولهم في لعل: رعل.
(وبين النون واللام) - قالوا في لعل: لعن، وفي لا، بل فعلت: نا، بن؛ ولا، بن؛ ونا، بل؛ وفي لاسيما: ناسيما، وقالوا في أصيلان، تصغير أصلان: أصيلال، واللام بدل النون، فلو سميت به، منعته الصرف، لزيادة الألف واللام المبدلة من النون.
(وبين العين والحاء) - قالوا في ضبح: ضبع؛ وفي ربع: ربح.
(وربما وقع بين الغين والخاء) - وهذا يفهم أن التكافؤ فيما تقدم كثير؛ وفيه نظر؛ وقد نقل النضر بن شميل، عن الخليل، أن إبدال القاف من الكاف والعكس، قليل؛ ومثال إبدال الغين من الخاء قولهم: غطر بيديه يغطر، في خطر بيديه يخطر؛ والخاء الأصل، لكثرتها؛ ومثال العكس قولهم: الأخن في الأغن، وهو الذي يتكلم من قبل خياشيمه.
(وبين الضاد واللام) - قال الجوهري في رجل جلد، من الجلد، وهي الصلابة: ربما قالوا: رجل جضد، يجعلون اللام مع الجيم ضاداً إذا سكنت، وقالوا في اضطجع: الطجع.
(وبين الذال والثاء) - قالوا في الجذوة من النار: الجثوة؛ وفي تلعثم الرجل، إذا أبطأ في الجواب: تلعذم.
(وبين الفاء والباء) - قالوا: خذه بإفانه، أي بإبانه، وقالوا في الفسكل: البسكل.
(وبين الجيم والياء) - قالوا: لا أفعله جدا الدهر، يريدون: يدا الدهر، أي آخره؛ قال اللحياني: وقال أبو زيد: يقول الكنانيون: هي الصهاريج، والواحد صهريج، وبنو تميم يقولون: صهاري، والواحد صهري؛ وقال الأصمعي: كل ياء مشددة، للنسبة وغيرها، يبدلها بعض العرب جيماً. انتهى. وقال الفراء: هي لغة
طيئ؛ وقال أبو عمرو: وهم يقلبون الياء الخفيفة أيضاً إلى الجيم؛ قال الفراء: وذلك في لغة بني دبير وبني أسد خاصة، يقولون: هذا غلامج، وهذه دارج، أي غلامي، وداري؛ وسأل أبو عمرو ابن العلاء، أعرابياً من بني حنظلة، فقال له: ممن أنت؟ فقال: فقيمج، فقال: من أيهم؟ فقال: مرِّج؛ وقال سيبويه: وأما ناس من بني سعد، فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ وكذلك حكى الفراء وأبو زيد، أن من العرب من يبدلها ساكنة في الوقف جيماً، ولم يخص جماعة من أهل العربية ذلك بالوقف، بل أطلق قوم في المشددة إبدالها جيماً، من غير تقييد، منهم يعقوب؛ وكذا في المخففة، ومنهم أبو عمرو، ويوضح ذلك قولهم: جدا الدهر، وقولهم في الإيل: الإجل؛ ومثال إبدال الياء من الجيم قولهم: الدياجي في جمع ديجوج؛ وقالوا في شجرة: شيرة، بكسر الشين مع الياء وفتحها؛ وقال أبو حاتم: قلت لأم الهيثم، واسمها: غيثة: هل تبدل العرب من الجيم ياء في شيء من الكلام؟ فقالت: نعم، ثم أنشدتني:
(40)
مكرر إذا لم يكن فيكن ظل ولا جني
…
فأبعدكن الله من شيرات
ضبط بفتح الشين وكسرها؛ وإبدال الياء جيماً كثير، والعكس قليل.
(والأكثر كون الياء المبدل منها الجيم، مشددة) - وليس ذلك بلازم، وقد سبق بيانه؛ وقال بعض المغاربة: إبدال الجيم من الياء المشددة مطرد، ومن الياء الخفيفة غير مطرد، بل يوقف في ذلك على السماع. انتهى. ولا يخفى مما تقدم، ما في هذا.
(أو مسبوقة بعين) - كقوله:
(68)
خالي عويف وأبو علج
…
المطعمان اللحم في العشج
أي أبو علي، وفي العشي؛ وهي جعجعة قضاعة، وفي نسخة الرقي وغيرها: عجعجة، بتقديم العينين على الجيمين؛ وقال
الجوهري في عجج: والعجعجة في قضاعة، يحولون الياء جيماً مع العين، يقولون: هذا راعج، خرج معج، أي هذا راعي، خرج معي.
(وربما أبدلت الميم من الواو) - نحو: فم، والأصل، فوه، فحذفت اللام تخفيفاً، وعوض من الواو الميم، لأن الاسم صار على حرفين، ثانيهما حرف لين، فكرهوا حذفه للتنوين، للإجحاف، فأبدلوا من الواو الميم؛ وقوله:
(69)
هما نفثا في فيَّ من فمويهما
جمع بين العوض والمعوض، ضرورة، نحو:
(70)
أقول: ياللهم، ياللهمَّا
بذلك أجاب الزجاج وابن السراج؛ وقال الفارسي: يجوز كون الواو لاماً، ومادته: ف م و، فتعقب لامه الهاء والواو كسنة، إذ قالوا: سانيت وسانهت؛ وعلى هذا، الميم ليست بدلاً؛ وعن الأخفش، أن الميم بدل من الهاء.
(وقد تبدل من الهاء الحاء، بعد حاء أو عين، إن أوثر الإدغام) - نحو: امدح حلالاً، واذهب محُّم، يريد: امدح
هلالاً، واذهب معهم؛ فإن لم يؤثر الإدغام، لم يبدل، بل تبقى الهاء بحالها.
(وربما أبدلت الشين من الجيم) - قالوا في مدمج: مدمش؛ قال:
(71)
إذ ذاك، إذ حبل الوصال مدمش
وأبدلت الشين أيضاً من كاف المؤنث، نحو: أكرمتش، أي أكرمتك، قال:
(72)
فيعيناش عيناها، وجيدش جيدها
…
ولكن عظم الساق منش دقيق
ومن السين قالوا في جعسوس، وهو القمئ الذليل: جعشوش، والمهملة أصل، لقولهم في الجمع: جعاسيس، بالمهملة.
(وإذا سكنت الجيم قبل دال، جاز جعلها كشين) - نحو: أجدر، فيجوز أن تشاب بالشين، وقيل: تشاب بالزاي، لا بالشين، ونسب كل منهما لسيبويه.
(وأبدلت الهاء وقفاً من ألف أنا وما وهنا وحيهلا) - قالوا: أنه، ومنه قول حاتم هكذا قصدي أنه، وأنشدوا:
(73)
قد وردت من أمكنه
…
من ههنا ومن هنه
…
إن لم أروها فمه
والأصل: هنا، وما؟ أي ما أصنع؟
وأجاز ابن جني كون مه فيه، اسم فعل؛ وقالوا: حيهله، والأصل: حيهلا؛ وجوز بعضهم كون الهاء في أنه وحيهله، هاء السكت؛ وتحتمله أيضاً هنه، وفيه بحث.
(ومن ياء هذي وهنية) - قالوا: هذه، وقالوه في الوصل أيضاًح وقالوا: هنيهة، والأصل: هنية، تصغير هنه، وأصلها: هنيوة بالواو، بدليل هنوات، فالتقت الياء والواو، فقلبت الواو ياء، وأدغمت فيها ياء التصغير؛ فإذا نظر إلى الأصل، جاز أن يقال: إن
الياء بدل من الواو؛ وإذا نظرت إلى ما آلت إليه الواو، قيل: إن الهاء بدل من الياء؛ وعلى هذا جرى ابن جني، وتبعه المصنف.
(وعوضت هي والسين، من سلامة العين، في أهراق، وأسطاع) - وشذوا في هذا التعويض، فلم يفعل في شيء من نظائرهما؛ فالهاء والسين فيهما، بدلان من سلامة العين؛ لأنها تحذف في أرقت وأطعت وشبهه، مما يسكن له آخر الفعل، وتعل بنقل حركتها إلى الساكن قبلها، في أراق زيد، وأطاع وشبهه، مما لا يسكن له آخر الفعل.
واعلم أنه سبق جمع المصنف حروف البدل، في غير إدغام، في قوله: لجد صرف شكس أمن طي ثوب عزته؛ وهذه اثنان وعشرون حرفاً؛ وذكر بعد ذلك، كما رأيت: القاف والحاء والعين والخاء والضاد والدال؛ فكملت ثمانية وعشرين؛ فجميع حروف المعجم، وقع فيها البدل؛ وقال ابن الضائع: قلَّما تجد حرفاً إلا جاء فيه البدل، ولو نادراً.