المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌80 - باب الهجاء - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ابن عقيل]

الفصل: ‌80 - باب الهجاء

‌80 - باب الهجاء

والمراد به هنا، كتابة الألفاظ التي تركبت من حروف الهجاء، وهي حروف المعجم.

(وله في غير العروض أصلان) - وأما العروضيون، فيكتبون ما يسمع، لأن المعتد به في صنعة الشعر، ما يقوم به الوزن، متحركاً وساكناً، وهو ما يلفظ به، فيكتبون المدغم حرفين، ويكتبون الحروف بحسب أجزاء التفعيل، نحو:

(101)

يا دار مي يتبل علياء فس سندي

وسيأتي ذكر الأصلين.

(لا يعدل عنهما، إلا انقياداً، لسبب جلي) - وسيأتي ذكر المصنف السبب المؤدي إلى مخالفة الأصليين.

ص: 335

(أو اقتداء بالرسم السلفي) - فوقع فيما اصطلح عليه السلف في كتابة المصحف، مخالفة لما اصطلح عليه في الكتابة، وسيبين المصنف ذلك.

(الأصل الأول: فصل الكلمة من الكلمة، إن لم يكونا كشيء واحد) - وذلك أن الأصل، أن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، وكما تميز المعنيان، تميز اللفظان، فليتميز الخط النائب عن اللفظ بالفصل؛ فإن كانا كشيء واحد، فلا فصل، كأجزاء الكلمة الواحدة؛ وسيبين المصنف، ما يكون به الكلمتان كشيء واحد.

(إما بتركيب كبعلبك) - وهو تركيب المزج؛ وخرج تركيب الإسناد، نحو: زيد قائم؛ وتركيب التقييد، نحو: غلام زيد؛ وفهم من التمثيل أيضاً، أن المراد، تركيب المزج، مع اتحاد المدلول، كبعلبك؛ فخرج تركيب البناء الذي لم يتحد فيه مدلول اللفظين، نحو: خمسة عشر، وصباح مساء، وبين بين؛ فهذه كلها، تكتب مفصولة.

(وإما لكون إحداهما لا يبتدأ بها) - نحو: الضمائر البارزة المتصلة، كضربت؛ ونون التوكيد، وعلامة التأنيث، وكذا التثنية والجمع، في لغة: أكلوني البراغيث؛ فهذه كلها تكتب متصلة؛ فكما لا تفصل لفظاً، لا تفصل خطاًّ.

ص: 336

(أو لا يوقف عليها) - نحو: باء الجر، وفاء العطف، ولام التأكيد، وفاء الجزاء؛ فكما امتزجت في اللفظ، امتزجت في الخط.

(وإما لكونها مع الأخرى، كشيء واحد في حال، فاستصحب لها الاتصال غالباً) - كبعلبك، إذا أعرب إعراب متضايفين؛ وإنما كتبتا مع الإضافة متصلين، وكان حقهما، حينئذ، الفصل، نظراً إلى ما ثبت من الاتصال، عند تركيب المزج. واستظهر بقوله: غالباً، على ما لم يغلب من كتابتهما منفصلين، عند الإضافة، نظراً إلى أن الإعراب قد فصلهما.

(ووصلت من بمن، مطلقاً) - أي سواء أكانت موصولة أم موصوفة، نحو: أخذت ممن أخذت منه، أم استفهامية، نحو: ممن أنت؟ أم شرطية، نحو: ممن تأخذ درهماً، آخذ منه؛ وإنما وصلتا، لاشتباههما خطا. وقال ابن عصفور: توصل من بمن الاستفهامية، إجراء لها مجرى ما أختها؛ وإن كانت غير استفهامية، فصلت على قياس ما هو من المدغمات على حرفين.

(وبما الموصولة) - نحو: عجبت مما عجبت منه؛ وسيأتي حكم الاستفهامية، وتذكر هناك الموصوفة والشرطية والزائدة.

(غالباً) - استظهر به على عدم وصلها في غير الغالب، فتفصل؛ وقال ابن عصفور: إن ما إذا كانت غير استفهامية، فصلت، من عنها، على قياس الكلمتين.

ص: 337

(وعن بمن كذلك) - فإذا صحبت عن من الموصولة، فالغالب وصلها بها، نحو: رويت عمن رويت عنه؛ ويجوز الفصل، نحو: عن من رويت؟ فإن كانت من غير موصولة، فالقياس فصل عن، نحو: عن من تسأل؟ وعن من ترض أرض؛ وقال ابن قتيبة: إن عمن تكتب متصلة على كل حال، للإدغام، كما في (عم)، و"عما قليل".

(وفي بمن الاستفهامية، مطلقاً) - نحو: فيمن تفكر؟ ومعنى مطلقاً، في الغالب وغيره، واقعة على مفرد أو غيره.

(وبما الموصولة، غالباً) - نحو: فكرت فيما فكرت فيه؛ ويجوز: في ما. وملخص المنقول في ما الموصولة، متصلة بمن وعن وفي، ثلاثة اقوال: الاتصال؛ وهو مذهب ابن قتيبة؛ والانفصال، وهو قول المغاربة؛ والغالب الوصل، ويجوز الفصل، وهو اختيار المصنف.

(والثلاثة بما الاستفهامية) - فوصلت من وعن وفي بما الاستفهامية، نحو: بم هذا الثوب؟ و"عم يتساءلون؟ " و"فيم أنت من ذكراها"؟ وإذا كانت ما زائدة، كتبت أيضاً متصلة، نحو:"مما خطيئاتهم"؛ "قال: عما قليل"؛

ص: 338

وأما الشرطية والموصوفة، فالقياس يقتضي فصلهما، وهو مقتضى ما سبق من المصنف، في تقييد الوصل بالموصولية، وعليه كلام ابن عصفور.

(محذوفة الألف) - فتحذف ألف الاستفهام مع هذه، أعني من وعن وفي، كما تحذف مع كل جار؛ وحذفوها فرقاً بين الاستفهامية والموصولة، وكان الحذف في الاستفهامية، لأن آخرها منتهى لفظاً وتقديراً، بخلاف الموصولة؛ وقد أثبتوا ألف الاستفهامية مع حرف الجر في الشعر؛ قال:

(48)

م على ما قام يشتمني لئيم؟

كخنزير تمرَّغ في رماد

وأجاز سيبويه في الاستفهامية مجرورة بالإضافة، إثبات الألف، نحو: مجيء ما جئت؟ ومثل ما أنت؟ ومثل القتبي الحذف من ما الاستفهامية بقوله: ادع بم شئت، وسل عم شئت، وهو غير صحيح، فلا تعلق للجار الداخل على الاستفهامية بما قبله؛ وإنما هذه موصولة؛ وقد حكي حذف ألفها مع شئت، لكثرة استعمال ذلك في كلامهم.

ص: 339

(وشذ وصل بئس بما، قبل: "اشتروا به" و"خلفتموني") - وهذا مما خالف الأصل، وهو الانفصال، وتوصل اتباعاً للرسم السلفي، فكذلك كتبوه؛ وقال بعض المغاربة: كتبت "نِعِمَّا" في المصحف متصلة، لأجل الإدغام، وحملت "بئسما" عليها؛ وحكى القتبي فيهما الوجهين.

(ووصل إن "بلم يستجيبوا") - يعني في سورة هود؛ وأما في سورة القصص ففصلت إن من لم، فكتبتا هكذا "إن لم". والمراد بالوصل، أنه كتب هكذا:"إلم" فلم تكتب للنون صورة، وإنما قدِّر وصلها باللام، حتى صارا ككلمة، والمدغم من كلمة، لا يكتب إلا حرفاً واحداً، فكذلك هذا، وسيأتي ذكر المصنف حذف النون.

(ووصل أن بلن، في الكهف والقيامة) - يريد: "ألن نجعل لكم موعدا"، و"ألن نجمع عظامه"؟

ص: 340

(وبلا في بعض المواضع) - قال ابن الأنباري وغيره: "أن لا" متصلة في القرآن في الخط، إلا في عشرة مواضع:(أن لا أقول)، و"أن لا يقولوا" في الأعراب، و"أن لا ملجأ" في التوبة، و"أن لا إله إلا هو"، و"أن لا تعبدوا إلا الله، إني أخاف" في هود، و"أن لا تشرك بي شيئاً" في الحج، و"أن لا تعبدوا الشيطان" في يس، "وأن لا تعلوا على الله" في الدخان، و"أن لا يشركن بالله" في الممتحنة، و"أن لا يدخلنها اليوم" في "نون والقلم".

والصحيح عند النحويين، كتب أن مفصولة من لا مطلقاً؛ ومنهم من فصَّل فقال: تكتب المخففة من الثقيلة مفصولة؛ وكذلك

ص: 341

ثبت في المصحف في قوله تعالى: (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه)، وتكتب ناصبة المضارع موصولة، نحو: يعجبني ألا تقوم، وهو قول ابن قتيبة، واختاره ابن السيد.

(وكذا وصل أم بمن، وكي بلا) - أي هما شاذان في الوصل، والأصل: الفصل، ولكن الرسم لا يخالف، فكتبوا:"أمن هو قانت" بالوصل؛ وكتبوا كي متصلة بلا، في بعض مواضع من القرآن؛ وقال ابن قتيبة: إن كي تكتب منفصلة من لا، كما تكتب حتى كذلك، وهو قياس فاسد.

(وتحذف نون من وعن وإِنْ وأَنْ، وميم أم، عند وصلهن"- فتحذف النون خطا، وأما في اللفظ فهي مدغمة فيما بعدها، وقد سبق توجيه حذفها خطا. ومما اتصل خطا، مما الأصل انفصاله: ما الزائدة، إذا دخلت عليها إن وأخواتها، نحو: إنما قام زيد، وليتما زيد قائم؛ وأما الموصولة فتفصل، وجاء وصلها في رسم المصحف كثيراً، وقالوا: إنها لم تفصل في المصحف، إلا في قوله تعالى في الأنعام: "إن ما توعدون لآت"؛ وأما "إنما توعدون"

ص: 342

في الذاريات، و"إنما صنعوا كيد ساحر" فوصل؛ رفع "كيد" أو نصب؛ ووصلوا قل بما المصدرية، وإن الشرطية بلا، فكتبوا إلا تفعل أفعل، هكذا؛ وكذا وصلوا بما أين، في أينما تكن أكن؛ وحيث في: حيثما تجلس أجلس؛ وكل في كلما جئتني أحسنت إليك؛ فإن قلت: أين ما اشتريت؟ أي الذي اشتريت، وكل ما تفعل حسن، فصلت أين وكلاًّ.

(الأصل الثاني: مطابقة المكتوب للمنطوق به، في ذوات الحروف وعدتها) - كما في زيد وضرب ومن.

(ما لم يجب الاقتصار على أول الكلمة، لكونها اسم حرف، وارداً ورود الأصوات) - فباء اسم لثاني حروف المعجم، وألف لأولها، وكذا الباقي؛ فإذا قيل: اكتب باء، لم تكتبه هكذا: باء، وإنما تكتبه هكذا: ب؛ لأن الاسم لحرف، لم يقصد فيه إسناد ولا تقييد، وإنما أريد به ذلك اللفظ الذي يتركب منه الكلام؛ فأشبه باء وجيم ونحوهما، غاق ونحوه، من أسماء الأصوات، من جهة أن المقصود به صوت فقط، فلم يكتب بصورة النطق به، بل كتب الشكل الذي هو مدلوله، فمفهوم غاق مثلاً، ذلك

ص: 343

الصوت الغرابي، ومفهوم جيم، ذلك الصوت الذي يشكل بذلك الشكل الذي رسموه عليه.

(أو يحذف الحرف، لإدغامه فيما هو من كلمته) - نحو: مقر واقعشر وادارأ واطجع؛ وإنما حذفوا اختصاراً، لاتحادهما في النطق والكلمة؛ فلو كان في غير كلمته، لم يحذف، للانفصال، نحو: خذ ذاك؛ وسيأتي.

(وشذ "بأبيكم المفتون") - فكتبوه في المصحف بياءين، والقياس كتبه بواحدة، ولكن الرسم السلفي لا يخالف.

(فصل): (تعتبر المطابقة بالأصل، إن كان الحرف مدغماً فيما ليس من كلمته) - فيعتبر في الكتابة أصل الحرف، بقي لفظه، أو انقلب لفظه إلى آخر، فتكتب من في من مال، بالنون منفصلة، كما تكتب خذ في خذ ذاك، بالذال منفصلة؛ واحترز بكلمته، من أن يكون في كلمة أخرى، فيكتب امَّحَى، بالميم، لا بالنون، وإن كان انفعل من المحو.

(أو نوناً ساكنة مخفاة) - فتكتب نونا، كانت من كلمتها نحو: عنتر، أم من كلمتين، نحو: من كافر، وكذا أنت.

ص: 344

(أو مبدلة ميما، لمجاورة باء) - من كلمة، نحو: عنبر، أو من كلمتين، نحو: من بعد.

(أو حرف مد، حذف لساكن يليه) - فيكتب: اضربوا القوم، ويغزو الرجل، بالواو، على الأصل. واحترز بقوله: لساكن، من المحذوف لجازم، نحو: لم يغز، فلا يكتب بواو، وكذا المحذوف للفاصلة، نحو:"والليل إذا يسر"، فلا تكتب الياء في هذا ونحوه خطاًّ.

وثبت في نسخة عليها خطه، بعد هذا، قوله:(في الوصل) - والمعنى، أن حرف المد حذف في الوصل، لأجل. الساكن الذي وليه.

واحترز بذلك عن الوقف، فإنه لا يحذف فيه حرف المد؛ وترك هذه الزيادة لا يضر.

(وربما حذف خطًّا، إن أمن اللبس) - فكتبوا: "يوم يدع الداع"، "ويمح الله الباطل"، بغير واو، لأنه لا يلتبس بجمع، بخلاف: لا تضربوا الرجل، فإن حذف الواو فيه يلبس، إذ يظن الوحدة.

ص: 345

(ويجب ذلك) - أي الحذف خطاًّ، كما وجب لفظاً؛ ولا تعتبر المطابقة بالأصل.

(مع نون التوكيد) - نحو: يا زيدون، لتركبن، أصله: لتركبونَنَّ؛ فحذفت نون الرفع، ثم الواو، لالتقاء الساكنين؛ وكذا لتذهبنَّ يا هند، أصله: لتذهبينن؛ فحذفت نون الرفع، ثم الياء؛ والفرق بين هذين، وبين: اضربوا الرجل، واضربي الغلام، حيث ثبت حرف المد هنا، ولم يثبت في: لتضربن يا زيدون، ولتضربن يا هند، أن الوقف على ذي نون التوكيد المشدَّدة، لا يرد فيه حرف المد، والوقف على مثل: اضربوا واضربي، من: اضربوا الرجل، واضربي الغلام؛ يثبت فيه حرف المدِّ، فيكتب بالإثبات، على حسب الوقف؛ وأما نون التوكيد الخفيفة، فحذفوا معها، وإن كانت المدة تثبت في الوقف، حملاً على الثقيلة.

(والتنوين) - نحو: هذا قاض، هؤلاء جوار؛ حذفوا الياء، رفعاً وجراً، لأنهم لما استثقلوا الضمة والكسرة فيها، حذفوا الحركة، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء، للساكنين لفظاً، ثم حذفت خطاًّ؛ ولم تعتبر لغة من أثبت الياء وقفاً، لقلتها.

(وتعتبر المطابقةُ بالمآل، إما في وقف، لا مانع من اعتبار ما يعرض فيه) - ويعادل هذا، قوله بعدُ: وإمَّا في غير وقف؛

ص: 346

فاعتبار المطابقة بما يؤول إليه اللفظ، تارة يكون في الوقف، وتارة يكون في غيره، كما سيأتي بيانهما.

واحترز بقوله: لا مانع، من ذي المانع، كالوقف على ما صحبه نون التوكيد الخفيفة، وقبلها واو أو ياء، فلا تعتبر المطابقة بما يؤول إليه اللفظ وقفاً في هذا ونحوه، فلا يكتب لتضربُنَّ ولتضربِنَّ، إلا بحذف حرف المد، وإن كنت ترده وقفاً، لأن المانع قائم، وهو حمل نون التوكيد الخفيفة على الثقيلة، كما سبق بيانه.

(ولذا حذف تنوين غير المفتوح) - نحو: قام زيد، ومررت بزيد، فلما آل أمر التنوين في هاتين الحالتين، إلى الحذف وقفاً، رسموهما على ذلك، ولم تعتبر لغة من أبدل من التنوين واواً في الرفع، وياء في الجر، لقلتها.

(ومدة ضمير الغائب) - فكتبوا: ضربه، ومر به، بغير واو وياء، وإن كانت المدة ملفوظاً بها، لحذفها في الوقف.

(والغائبين) - نحو: ضربهم، ومر بهم، في لغة من وصل ميم الجمع، وكذا حذفوا في ضربكم، ومر بكم، في لغة من وصل.

(وكتب بألف أنا) - لأنهم إذا وقفوا عليه، أثبتوا الألف.

(والمفتوح المنون) - نحو: رأيت زيداً، لأن الوقف

ص: 347

عليه بإبدال التنوين ألفاً، ولم تعتبر لغة من حذف تنوينه، لشذوذها.

(وإذاً) - فتكتب بألف، على أن الوقف عليها بالألف، وهو قول المازني؛ وذهب المبرد والأكثرون، إلى كتبها بالنون، وهو اختيار ابن عصفور؛ وقال علي بن سليمان: سمعت أبا العباس محمد ابن يزيد يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن، بالألف، لأنها مثل أن ولن، ولا مدخل للتنوين في الحرف. انتهى. وقال الفراء: إن ألغيت، كتبت بالألف لضعفها، وإن عملت، فبالنون، لقوتها.

(ونحو: "لنسفعاً") - لأن الوقف بالألف.

(إن أمن اللبس) - فلا يكتب نحو: اضربن زيداً، ولا تضربن زيداً، بالألف، لئلا يلتبس بفعل الاثنين خطاًّ؛ وإنما لم ينظر إلى هذا في الوقف، لعروضه، والخط لازم.

(وبهاء نحو: رحمة) - وهو كل اسم لحقته تاء التأنيث المنقلبة هاء في الوقف، وإنما رسم بالهاء، اعتباراً بحال الوقف.

(وره ذلك) - وهو ما لحقته هاء السكت في الوقف، مما

ص: 348

بقي على حرف من المعتل، جزماً أو وقفاً، نحو: قه ولم يقه، وره ولم يره، وهذه الهاء تسقط في الدرج، لكن أثبتوها خطاًّ، نظراً إلى حال الوقف.

(ومجيء مه جئت؟ ) - وأثبتوها خطا، وهي هاء السكت الساقطة وصلاً لثبوتها وقفاً.

(وشذ كأين) - وذلك لأن قول الجمهور فيها أنها مركبة من كاف التشبيه وأي، فرسمهم لها بالنون، إثبات لصورة التنوين خطا في المجرور، وهو خلاف ما قرروه، فكان هذا شاذاً، قيل: ولثبوت تنوينها خطا، وقف عليها بعض القراء من السبعة بالنون، ويجوز أن يكون الواقف منهم بالنون، اعتقد فيها ما اعتقد يونس، من أنها اسم فاعل من كان يكون، وعلى هذا أيضاً، لا شذوذ في كتبها بالنون.

(ونحو: بنعمت الله) - كتبوا هذه، وألفاظاً أُخَر، والمؤنث بالهاء، في القرآن، بالتاء، ولم يراع فيها حالة الوقف، والرسم السلفي متبع.

(وإما في غير وقف) - وهذا القسم الثاني، كما سبق بيانه.

(ولذا نابت الياء عن كل ألف، مختوم بها فعل أو اسم) - أي ولاعتبار المطابقة بالمآل، في غير الوقف؛ وخرج بالفعل والاسم، الحرف، نحو: ما ولا، وسيأتي ما كتب من الحروف بياء.

ص: 349

(متمكن) - خرج الاسم الذي لا يتمكن، نحو: ما الاسمية، وذا وتا، فلا تكتب إلا بالألف؛ وسيأتي ما كتب بياء، من غير المتمكن.

(ثالثة) - خرجت الثانية، نحو: باع، فلا تكتب إلا ألفاً.

(مبدلة من ياء) - نحو: رمى ورحى؛ واحترز من المبدلة من واو نحو: غزا وعصا، والمجهولة نحو: خسا، فلا يكتبان إلا ألفاً؛ والتفرقة في الكتابة، بما ذكر، بين كون الألف عن ياء، وكونها عن واو، وهو مذهب البصريين؛ وقال الكسائي: ما كان من الفعل عينه همزة نحو شأى، يجوز كتب ما ألفه عن الواو منه، بالياء؛ ومنع ذلك البصريون، لئلا يلتبس باليائي؛ وقال الكوفيون: ما كان من الفعل، عينه همزة، على فعل، كعلا، أو فعل كرضا، كتب بالياء أبداً كالائي نحو: هدى، مستدلين برواية الكسائي، تثنية جميع ذلك بالياء؛ ورد بأن الكسائي قد روى تثنيتها بالواو، ولم يحفظ البصريون ما روى الكسائي من تثنية الواوي بالياء؛ وشذوذ تثنيته بالياء، كشذوذ الإمالة؛ ويعرف انقلاب الألف عن الياء، باعتلال الوسط أو الأول بالواو، نحو: دوى وهوى، ونحو: وفى ووعى، وبالانقلاب ياء في التثنية نحو: رحيان، أو الجمع بالألف والتاء، نحو: حصيات، وببناء فعل، نحو: رمى.

ص: 350

(أو رابعة) - نحو: أعطى وملهى ومغزى، وكذلك المضارع، نحو: يعطى؛ ولو كانت ثالثة بنقل نحو: يشيى في يشأى، ويدل لذلك قولهم: يشيان، بالياء، كما يقولون: يشأيان.

(فصاعداً) - نحو: اعترى والخوزلى، واستدعى والمستدعى، واسترعى والمسترعى.

(مطلقاً) - أي كان أصلها الواو أو الياء؛ أو كانت زائدة للإلحاق أو للتأنيث أو للتكثير، نحو: فبعثرى.

(ما لم تل ياء) - فإن وليتها، كتبت ألفاً نحو: أحيا والحيا والدنيا والمحيَّا واستحيا وخطايا وزوايا.

(في غير يحيى علماً) - فكتبوه بالياء، فرقاً بينه وبين يحيا

ص: 351

الفعل؛ وكانت الياء في الاسم، لأنه أخف من الفعل، فكان أحمل لاحتمال المثلين؛ وعن يحيا فعلاً، احترز بقوله: علماً؛ وعبارة غيره: يحيى اسماً، قيل: ويظهر أثرالعبارتين في يحيى، إذا نكر بعد التسميةح فعلى اعتبار العلمية، يكتب بالألف، وعلى الاسمية، يكتب بالياء.

(ولا يقاس عليه علمٌ مثله، خلافاً للمبرد) - إن حمل كلامه على المماثلة الخاصة، لم يتناول كلامه، إلا ما كان منقولاً من فعل، نحو: أعيا، وقد سمت العرب به، وهو أبو بطن من أسد، وهو أعيا، أخو فقعس، أبوهما طريف بن عمرو بن الحارث؛ قال حريث بن عناب النبهاني:

(102)

تعالوا أفاخركم، أأعيا وفقعس

إلى المجد أدنى، أم عشيرة حاتم

فيكتب على رأي الجمهور بالألف، وعلى ما نقل المصنف عن المبرد، يكتب بالياء؛ وإنما كتبه الناس بالألف، وإن حمل على المماثلة في العلمية فقط، اقتضى أن زوايا مثلاً، لو سمي به، كتب عند الجمهور بالألف، وعند المبرد بالياء؛ وهذا منقول عن النحاس، زعم أن زوايا وأمثاله، إذا كان علماً، كتب بالياء،

ص: 352

فرقاً بينه وبين زوايا الجمع، كما فرق بين يحيى العلم والفعل؛ والصحيح كتبه بالألف، لاتحادهما في الاسمية.

(وفي التزام هذه النيابة خلاف) - فنقل ابن عصفور، عن الفارسي، أنه زعم أنه لا يكتب جميع ما سبق ذكره إلا بالألف أبداً؛ وقال ابن الضائع: هذه الحكاية بعيدة عن الفارسي، بل مراده أنه القياس. انتهى.

وحاصل النقل في المسألة، ثلاثة مذاهب:

أحدها: ما سبق من التفصيل.

والثاني: التزام الألف، نظراً إلى اللفظ.

الثالث: يختار الياء، ويجوز الألف، وهو قليل. واختار بعضهم هذا المذهب، وجعله الصحيح، فأجاز في كل شيء يكتب بالياء، أن يكتب بالألف؛ وقال الزجاجي: إذا أشكل عليك شيء من هذا، أي مما آخره ألف، فاكتبه بالألف، لأنه الأصل، أي الملفوظ به، فيكون الخط كاللفظ.

(وكذا امتناعها عند مباشرة ضمير متصل) - ففي امتناع الياء الخلاف؛ فمنهم من يرى بقاء نياية الياء عن الألف، ومنهم من لا يراه، وهو اختيار المغاربة، فيكتب بالألف، نحو: رماه ورحاي وفتاك وملهاك ومستدعاه؛ واستثنوا إحدى خاصة، فكتبوها مع

ص: 353

الضمير بالياء نحو: إحديهما، كحالها دون اتصال؛ وأما نحو: حصاه، مما لحقه هاء التأنيث، فالبصريون يكتبونه بالألف، وأجاز الكوفيون كتبه بالياء، نحو: حصيه.

(واستعملت في حتى، و"ما زكى" شذوذاً) - حق حتى أن يكتب بالألف، كغيره من الحروف التي آخرها ألف؛ ووجه هذا الشذوذ، أنه رويت الإمالة في حتى عن بعض العرب؛ وحق زكي أيضاً، أن يكتب بالألف، لأنه من ذوات الواو، كغزا، ووجهه أنهم يميلون الأفعال ذوات الواو.

(وفي متى وبلى لإمالتهما) - وحقهما الألف، لعدم تمكن متى، ولحرفية بلى، فسهلت إمالتها كتبهما بالياء.

(وفي الضحى ونحوه، لمشاكلة المجاور) - وقياسه الألف، لأنه من ذوات الواو، إلا على مذهب الكوفيين، وقد سبق؛ لكن جاور سجى، ورسموه بالياء، وحقه الألف، لأنه واوي، لمجاورة قلى الذي حقه الياء، لأنه يائي؛ فسجى مجاور، والضحى مجاور المجاور.

ص: 354

(فإن وليت ما الاستفهامية حتى أو إلى أو على، كتبن بالألف) - وذلك لشدة الاتصال، فكأن الألف وقعت وسطا؛ وينبغي أن يجيء في هذا، ما سبق من الخلاف في رحاك ومستدعاك ونحوهما؛ ويجوز أن يفرق بين اتصال الحرف، واتصال الاسم.

(وشذت الألف في كلتا) - وذلك أنها ألف تأنيث رابعة، فحقها الياء، كحبلى ونحوها؛ وأما كلا، فالصحيح أن ألفه عن واو، فيكتب بالألف؛ وقال العبدي: هي عن ياء، فتكتب ياء؛ وإجازة الكوفيين كتبها بالياء خطأ على مذهبهم، لأن الألف عندهم علامة تثنية، والمثنى في الرفع لا يكتب بالياء، دفعاً للبس.

(وتترا) - فألفه إذا لم ينون للتأنيث، فحقه أن يكتب بالياء كحبلى، فكتبه بالألف شاذ، وإذا نُوِّن، فألفه للإلحاق، وحقها أن تكتب بالياء كألف التأنيث، ووزنها في الحالين فعلى؛ وقيل: ليس كتبه بالألف شاذاً، لأنه فعل، والألف بدل من التنوين؛ ونقل أبو الحسن بن الباذش أن تترى في الخط بالياء.

("ونخشا أن تصيبنا") - فرسموه بالألف، وحقه الياء، لأن ألفه رابعة.

(والواو في الصلوة والزكوة والحيوة والنجوة ومشكوة ومنوة والربوا) - وإنما رسموها بالواو، لأن من العرب من يقرب اللفظ

ص: 355

بالألف، إلى اللفظ بالواو، وهو المسمى تفخيماً عند القراء، ومن كتبها بالألف على القياس، قال: كتبها بالواو من رسم المصحف، وهو متبع في القرآن خاصة؛ وإذا اتصلت هذه الكلمات بضمير، كتبت على القياس، وكتبوا الربوا خاصة، بالواو والألف، فجمعوا بين العوض، والمعوض منه.

(فصل): (من اعتبار المطابقة بالمآل، تصوير الهمزة غير الكائنة أولاً) - وهي الكائنة حشواً، نحو: رأس، أو طرفاً نحو: يقرأ.

(بالحرف الذي تؤول إليه في التخفيف، إبدالاً) - فإن أبدلت ألفاً، كتبت ألفاً، نحو: رأس، ولن يقرأ، أو واواً، فواواً، نحو: بؤس، ويوضؤ، أو ياء فياء، نحو: بئر، ولم يقرئ؛ وكذا المتحركة، نحو: مئر وجؤر.

(وتسهيلاً) - فتكتب على حسب الحرف الذي يصير بين الحركة وبينه، فإن كانت حركة الهمزة كسرة، سهلت بينها وبين الياء، فتكتب ياء، نحو: سايل، وإن كانت ضمة، سهلت بينها وبين الواو، فتكتب واواً، نحو: التساول، وإن كانت فتحة، سهلت بينها وبين الألف، إن كان ما قبلها مفتوحاً، فتكون صورتها ألفاً،

ص: 356

نحو: سال، فإن كان قبلها ألف نحو ساءل، لم تثبت لها صورة، وكذا إن كان بعدها ألف نحو: سآل؛ وقد سبق الكلام في تسهيل الهمزة، وبما مضى، يعتبر ما هنا، فلا يطول ذكره.

(وإن كان تخفيفها بالنقل، حذفت) - نحو: جيئل وسموءل وجوءب، فتخفيف هذه الهمزة بحذفها، ونقل حركتها إلى الساكن قبلها، ولا صورة للهمزة، لا في تخفيفها، ولا في حذفها؛ ونحو: جزء، وخبء، ودفء، فلا تكتب للهمزة صورة في الخط، لا في الرفع، ولا في غيره، إلا أن المنصوب المنون من هذا، يكتب بألف واحدة، هي البدل من التنوين.

(وقد تصور المتوسطة الصالحة للنقل، بمجانس حركتها) - فتصور نحو: يسأم بالألف، ونحو: يلؤم بالواو، ويشئم بالياء.

(وغلب في الآخرة) - أي في الهمزة الأخيرة.

(كتبها ألفاً بعد فتحة) - نحو: النبأ، ويقرأ، ولم يقرإ الرجل. واستظهر بقوله: وغلب، على كتبهم قوله تعالى: (أو من

ص: 357

ينشؤا"، و"قل ما يعبؤا"، و"يبدؤا الخلق"، و"نبؤا الخصم" بواو وألف، وكتبهم "من نبإي" بألف وياء.

(وحذفها بعد ألف) - نحو: ماء، والماء فلا تثبت للهمزة صورة في الخط، في هذين ونحوهما، باتفاق من البصريين والكوفيين، فإن نصبت نحو: شربت ماء، فالبصريون يكتبونه بألفين: إحداهما الألف التي قبل الهمزة، والثانية بدل من التنوين؛ والكوفيون يكتبونه بألف واحدة، وهي التي قبل الهمزة.

(ما لم يلها ضمير متصل، فتعطى ما للمتوسطة) - نحو: ماؤك وماءك وبمائه، ونبؤك ونبأك ونبئه، فلما اتصل بها الضمير، صارت كغير المتطرفة، ولذا لا يوقف عليها، ولا يخفى مما تقدم، كيف ترسم هذه.

ص: 358

ويفهم كلامه، أن يقرؤها ونحوه، يكتب بالألف، لأن الهمزة فيه قد تخفف بإبدالها ألفاً؛ وبالواو، لأنها قد تخفف بتسهيلها، بينها وبين الحرف الذي منه حركتها؛ وقيل: إذا كان قبل الهمزة مفتوحاً، واتصل بها الضمير، فكما لو لم يتصل، فتكتب بالألف.

(وتصور ألفاً، الكائنة أولاً مطلقاً) - أي بأي حركة تحركت، من فتحة كأحمد، أو ضمة كأكرم، أو كسرة كإثمد؛ وكذا حكمها إن تقدمها شيء، إلا ما شذ، وهو لئن ولئلا وحينئذ.

(إلا أنها إن كانت همزة وصل، حذفت بين الفاء أو الواو، وبين همزة هي فاء) - نحو: فأت وأت، وعليه كتبوا:"إن امرؤا هلك".

وفهم من كلامه، أنها تثبت في غير ما ذكر، فتثبت في نحو: ثم أتوا، ثم اضرب، كما تثبت إذا كانت مبتدأ، والهمزة فاء نحو:"ائذن لي"، اؤتمن فلان، وكذا إن تقدما، والهمزة ليست فاء، نحو: فأضرب، وأضرب.

ص: 359

(وبعد همزة الاستفهام مطلقاً) - أي كانت همزة الوصل مكسورة، نحو: أسمك زيد، أم عمرو؟ أم مضمومة نحو: أختير زيد؟ أم مفتوحة، نحو:"آلله أذن"؟ فتحذف همزة الوصل خطاً في هذا كله؛ وخالف المغاربة في المفتوحة، فقالوا: لا تحذف، بل يكتب:"قل: آالذكرين"، و"آالله أذن" بألفين؛ وما ذهب إليه المصنف فيها، هو قول ثعلب، وحكاه عن العرب، قال: وكأنهم اكتفوا بصورة عن صورة، لأن صورة ألف الاستفهام كصورة الألف بعدها.

(وفي نحو: جاء فلان بن فلان، وفلانة بنة فلان) - فتحذف ألف ابن وابنة، إذا وقعا بين علمين، وهما صفتان؛ وشرط ابن عصفور، تذكير ابن، يخالف ما ذكر المصنف؛ ولا فرق في العلمين، بين الاسمين، كزيد بن عمرو، والكنيتين، نحو: أبي

ص: 360

عبد الله بن أبي محمد، واللقبين نحو: ببة بن بطة، أو المختلفين من هذه، نحو: زيد بن أبي عبد الله؛ ولا فرق أيضاً بين اسم الأب والأم؛ هذا قول أصحاب الكسائي، وشرط الكسائي الأب، وشرط الفراء، كون الكنية معروفاً بها، وذكر ابن جني عن متأخري الكتاب، أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية، تقدمت أو تأخرت؛ قال: وهو مردود عند العلماء، على قياس مذهبهم، لأن حذف التنوين مع الكني، كحذفه مع الأسماء الأعلام.

(ونحو: لَلدّار ولِلدّار) - فإذا دخلت لام الابتداء، أو لام الجر على ما فيه ال، لم يكتبوا لهمزة ال صورة، قيل: خوفاً من الالتباس بلا النافية؛ وفهم من تمثيله أنها لا تحذف- أعني همزة الوصل- مع لام الابتداء، ولام الجر، في غير ذلك، فيكتب: جئت لالتقاء زيد؛ ولا التقاء زيد، خير من غيره؛ هكذا بإثبات الألف؛ وزعم بعضهم أن الهمزة لا تحذف مع ال مع لام الابتداء، فرقاً بينها وبين لام الجر.

(وفي بسم الله الرحمن الرحيم) - فلم يثبتوا همزة الوصل في اسم، في هذا اللفظ؛ وظاهر كلامه، اختصاص الحذف، بما وقع في هذا المذكور؛ وقضيته أنها لا تحذف في بسم الله، لو نطقت به وحده، وقال الفراء في قوله تعالى:(بسم الله مجراها ومرساها): إن شئت أثبت، وإن شئت حذفت؛ من أثبت، فلأنها غير مبتدأ

ص: 361

بها، وليس معها: الرحمن الرحيم؛ ومن حذف، قال: كأن معها: الرحمن الرحيم، فحذف للاستعمال؛ وقال قوم: تحذف الألف من اسم، مجروراً بالباء، مضافاً إلى لفظ الجلالة، إذا لم يكن للباء متعلق في اللفظ؛ فإن قلت: باسم ربك، أو خذ هذا على اسم الله، أو تبركت باسم الله، أثبت الألف؛ وأجاز الكسائي حذفها في: بسم الرحمن، وبسم القاهر؛ ولم يلتزم الإضافة إلى الجلالة؛ وأبطل ذلك الفراء؛ وقال ثعلب: إذا قلت: أبدأ باسم الله، أثبت الألف، وقد يجوز حذفها، إذا نويت الابتداء؛ وعلة الحذف، كثرة الاستعمال، وإلا فحقها أن تثبت، كما في: مررت بابنك؛ على أن بعضهم زعم أنه لا حذف في بسم الله، وإنما هو على لغة من يقول في اسم: سم، بلا همزة، ثم دخلت الباء، فخفف، كقولهم في إبِل: إبْل، والتزم التخفيف؛ وهو ضعيف.

(وتثبت ألفاً، فيما سوى ذلك) - فكل موضع وجدت فيه همزة وصل، فيما عدا ما تقدم، تثبت فيه بصورة الألف، نحو: مررت بامرإ وامرأة، وهكذا الباقي؛ وقد عرفت فيما مضى، المختلف فيه من ذلك نحو: باسم القاهر.

(ويكتب ما ولي الثانية، بحسب حالها، إذا ابتدئ بها) - فما ولى الهمزة الثانية، يكتب واواً في نحو: أؤتمن فلان، وقلت له: أؤمر

ص: 362

فلاناً بكذا، وكذا في "الذي اؤتمن" ونحوه، لأن الثانية لو ابتدئ بها، كانت مضمومة في هذا كله؛ ويكتب ياء في نحو: ائذن يا زيد لعمرو، ونحو: ائت القوم، وكذا:"ومنهم من يقول: ائذن لي"، لأن الثانية مبتدأ بها، مكسورة في الجميع.

(إلا فاء أفعل، من نحو: يوجل، فإنه يكتب واواً بعد الواو والفاء خاصة) - نحو: فاوجل واوجل، فيكتبان هكذا، بإثبات ألف الوصل، وبالواو بعدها، ولم يكتبا على ابتداء الهمزة، لأن الواو والفاء كالجزء؛ ونبه بقوله: خاصة، على أن نحو: ثم ايجل، وقلت لهم: ايجلوا، يكتب ياء على حسب الابتداء، للانفصال، وإن كان اللفظ بالواو؛ فإن تقدمت كسرة، كانت ياء لفظاً وخطا، نحو: قلت لك: ايجلى، كما إذا ابتدئ [بها] نحو: ايجلى يا هند.

(وتصور، بعد همزة الاستفهام، همزة القطع، بمجانس حركتها) - وذلك أنها إذا خففت بالبدل، كانت المفتوحة ألفا، نحو: أأسجد"؟ والمضمومة واواً، نحو: "أؤنزل"، والمكسورة ياء، نحو: أئنك"؛ وكذا إذا خففت بالتسهيل،

ص: 363

كان كل من هذه، بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها؛ ومبني الخط في الهمز، في الأكثر، على التخفيف.

(وقد تحذف المفتوحة) - وحذفها في الخط، هو رسم المصحف، قال ثعلب: إن كانت همزة القطع مفتوحة، فبألف واحدة؛ وإن كانت مكسورة أو مضمومة، فبمجانس الحركة، وإذا رسمت في المفتوحة بألف واحدة، فقال الكسائي: الساقطة ألف الاستفهام؛ وقال ثعلب: الساقطة الثانية؛ وعليه كلام المصنف؛ ويدخل في كلامه، ما إذا كانت المفتوحة مع ألفين أخريين؛ وقال ثعلب فيه: يكتب بواحدة، وكتبه بعضهم بألفين، وإنما أثبت في المصحف بواحدة، نحو:"آلهتنا خير"؟ ثم قال الفراء وثعلب وابن كيسان: الباقي ألف الاستفهام؛ ونقل الفراء عن الكسائي أن الباقي الأصلية.

(ويكتب غيرها ألفاً) - أي وقد يكتب، فهو عطف على: وقد تحذف، وذلك نحو: أأنزل، أإنك؛ والأكثر أن تكتب في الأول واواً، وفي الثاني ياء؛ ولو قال في أول المسألة: وتصور متصلة بهمزة الاستفهام، لكان حسناً، لتخرج المفصولة، فإنها لا تكتب بصورة المجانس لحركتها، بل تكتب ألفاً، نحو: أو إنك، أفأنزل.

(وألحقت بالمتوسطة، همزة هؤلاء وابنؤم ولئلا ولئن ويومئذ وحينئذ) - فكتبوا الأولين بالواو، مع أن الهمزة في الحقيقة مبتدأة،

ص: 364

لأن هاء التنبيه منفصلة عن اسم الإشارة؛ وكذا ابن مع أم، ولكنهم شبهوهما بما الهمزة فيه متوسطة، نحو: لؤم، لكثرة استعمال أولاء مع ها، واتصال ابن بأم، وكتبوا الثالث والرابع بالياء، وحقهما أن تكتبا هكذا: لِأَلَّا، ولإن، كما تكتب: لأن إقراء، و"لإلى الله"، لكن جعلوا اللام، وما اتصل بها في ذينك، كالشيء الواحد، فكتبوا الهمزة ياء، كما في بئس، وكذلك كتبوا الأخيرين بالياء، بجعل الكلمتين ككلمة واحدة، وكان القياس فصل الظرف المضاف، وكتب إذ بألف، لأنهما كلمتان.

(فصل): (إذا أدى القياس في المهموز وغيره، إلى توالي لينين متماثلين، أو ثلاثة، في كلمة، أو كلمتين ككلمة، حذف واحد) - نحو: طاوس ورؤس ويستون ويلون وآدم وآمن، حذفوا أحد المثلين خطًّا، كراهة اجتماع المثلين؛ والقياس كون المحذوف هو الساكن، لقوة المتحرك بالحركة؛ قال ابن عصفور: وقد كتب بعضهم بواوين، على الأصل؛ ويستثنى من هذا ما يلبس بالحذف؛ فلا تحذف الواو من قؤول وصؤول ونحوهما، لئلا يلتبس بقول وصول؛ نص على عدم الحذف ثعلب، وتبعه ابن عصفور.

ص: 365

ومثال الثلاثة في كلمة: النبيين ومسوؤون وبراآت ومساآت، وينبغي أن يكون المحذوف صورة الهمزة، لأنها المحذوفة في نبئ وسوء وبراءة ومساءة؛ ومن هذا يخرج توقف، في كون المثل المذكورة، اجتمع فيها ثلاثة؛ وأما الثلاثة في كلمتين ككلمة، فمثل بنحو:"يا آدم" و"ليسوؤوا" ويسوؤون وتجيئين.

(إن لم تفتح الأولى، كقرأا وقارئين) - فيكتبان بألفين وياءين، لئلا يلتبس فعل الاثنين بفعل الواحد، والتثنية بالجمع؛ وقال: بعض المغاربة كانوا يكتبون: قرأا وبرأا، مسندين إلى التثنية، بألف واحدة، قال: واختار المتأخرون كتبه بألفين، للفرق.

(و"لووا") - وكذا: اكتووا واحتووا، كتبوا الجميع بواوين، خوفاً من كثرة الحذف، لو لم يثبتوا إحداهما، لأن الأصل: لوى واكتوى واحتوى، فحذفت اللام؛ وكتبوا يستون ويلون، بواحدة كما سبق؛ وفرق ثعلب، فقال: حذفوا مع اجتماع واوين

ص: 366

وضمة، وأثبتوا لما انفتح ما قبل الواو، أي في لووا، وهو حسن؛ وقد كتب بعضهم لووا وشبهه بواحدة، كما كتب يستون.

(وفي آلله وجهان، أجودهما الحذف) - فإذا دخلت همزة الاستفهام على الجلالة، جاز أن تثبت صورة لهمزة الوصل، فتكتب هكذا: آلله، بألفين، لأن ال فيه لازمة عوضاً، فنزلت منزلة جزء من نفس الكلمة؛ والأجود الحذف، لأنها همزة وصل، صحبت همزة الاستفهام، نحو:"آلذكرين"؟ وقد سبق أنه أجاب بالحذف، وهذا كالمستثنى مما تقدم، بالنسبة إلى جزم صاحب الكتاب بالجواب؛ وإلا فقد سبق ذكر الخلاف في:"آلذكرين" ونحوه.

(وما سوى ما ذكر، شاذ، لا يقاس عليه، أو مخالف للرسم، فلا يلتفت إليه) - فالشاذ نحو كتب: اقرآ، مسنداً إلى اثنين، بألف واحدة، والمخالف نحو كتب: رؤوس وطاووس، بواوين.

(فصل): (حذفت الألف من الله) - والقياس إثبات الألف، كما أثبتت في اللام، لكن حذفوها، لكثرة الاستعمال مع أمن اللبس.

(والرحمن) - وعلة الحذف ما سبق، وقول ابن قتيبة: لم يحذفوها من شيطان ودهقان، مع ال، إجماعاً، والقياس الحذف، مردود؛ فليس في كل منهما، ما في الرحمن، لأنه لم يكثر استعمالهما، كثرة استعمال الرحمن.

ص: 367

(والحارث، علماً) - فإن كان صفة، لم يجز حذف الألف.

(ما لم يخل من الألف واللام) - فإن خلت الثلاثة من ال، لم تحذف الألف، نحو: لاه أبوك، أي لله أبوك، ونحو: رحمان الدنيا والآخرة، وقوله:

(103)

وأنت غيث الورى، لا زلت رحمانا

وقوله:

(104)

يا حار، لا أرمين منكم بداهية

لم يلقها سوقة قبلى ولا ملك

(ومن: السلام عليكم) - وذلك-، لكثرة الاستعمال.

(وعبد السلام 9 - لحذفها من السلام في: السلام عليكم.

(وذلك وأولئك) - فلو تجردا، ثبتت الألف، نحو: ذا وأولاء؛ وكذا مع ها التي للتنبيه، نحو: هذا وهذاك، وهؤلاء وهؤلائك.

ص: 368

(وثمنية وثمني، ثابت الياء) - فتكتب ثمنية رجال، وثمنية عشر، بلا ألف، وكذا ثمني نساء، وثمني عشرة، فإن حذفت ياء ثمني، أثبتت الألف، نحو: ثمان عشرة، وعندي من النساء ثمان، لئلا يكثر الحذف.

(وفي ثمانين وجهان) - وكذا إذا كتبت ثمانون رفعاً، ووجه الحذف أن الحرف الدال على الجمع، كأنه عوض عن الياء المحذوفة منه، فكأنها ثابتة، فتحذف الألف، كما في ثمنية؛ ووجه الإثبات، وهو اختيار ابن عصفور، أن ياءه حذفت، فصار نحو: ثمان عشرة.

(وحذفت أيضاً من ثلث وثلثين) - نحو: عندي ثلث من البط، وثلث نساء، وثلث عشرة امرأة، وثلث وثلثون جارية، وكذا ثلثة، وحكم ثلثين، رفعاً ونصباً وجراً، واحد، فتحذف الألف فيه مع الياء والواو.

(ومن يا متصلة بهمزة ليست لهمزة آدم) نحو: يأحمد، بإسحق، يإبراهيم، يابن زيد، يأبا بكر؛ وما ذكر المصنف من أن المحذوف ألف يا، كلام ثعلب في هذا الموضع يخالفه، إذ قال: إن المحذوف، الألف الثانية. وأما يا آدم ونحوه، فلا يحذفون فيه ألف يا، لأنهم قد حذفوا من آدم، ألفاً؛ وفهم من كلامه، أن مثل: يا زيد، يا جعفر، لا يحذف فيه ألف يا، وقال ثعلب: إنهم يكتبونه بألف،

ص: 369

وبغير ألف، قال: والألف الأصل؛ وقال في توجيه الحذف: كأنهم جعلوا يا مع ما بعدها، شيئاً واحداً، لأن يا، أقاموها مقام ال، بدليل امتناع: يا الرجل.

(ومن ها متصلة بذا، خالية من كاف) - نحو: هذا، فإن اتصلت الكاف، فالإثبات، نحو: ها ذاك؛ وحذفت الألف أيضاً منها في ثلاثة مواضع في القرآن: "أيه المؤمنون"، "يأيه الساحر"، "أيه الثقلان".

(وبجميع فروعها) - نحو: هذه وهذي وهذان وهؤلاء.

(إلا تا وتي) - فلا تحذف ألف ها معها، نحو: هاتا وهاتى، وكذا هاتان؛ وقالوا: هأنت وهأنتم وهأنا، وكتبوها بألف واحدة، قال ثعلب: والقياس أن تكتب بألفين، إلا أنهم جعلوا ها مع المكني كالشيء الواحد؛ وزعم ثعلب أن المحذوف ألف أنت وما ذكر معه؛ ونقل عن الكسائي، أن المحذوف ألف ها، ورد بقولهم:

ص: 370

ها نحن، نقول ذلك بإثبات ألفها؛ وقالوا: ها لله، فحذفوا ألفاً، لجعلهم ها مع الاسم كشيء واحد.

(وحذفت أيضاً، مما كثر استعماله، من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف) - نحو: مالك وصالح وخالد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهارون وسليمان؛ وقال ثعلب: إنه يجوز في صالح وخالد، علمين، الإثبات أيضاً، وكذا قال بعض المغاربة: إن إثباتها في صالح وخالد ومالك جيد.

وخرج ما لم يكثر، كحامد وجابر وحاتم وطالوت وجالوت وياجوج وماجوج، وقد حذفت في بعض المصاحف من هاروت وماروت وهامان وقارون، وهي لم تكثر؛ وخرج بالأعلام، الصفات، كرجل صالح، ورجل مالك؛ وبالزائدة: شامة وهالة وأوس بن لام، فلا تحذف الألف في شيء من هذه.

(ما لم يحذف منها شيء، كإسرائل وداود) - فحذفوا من إسرائل، صورة الهمزة التي بعد الألف، وبعضهم يقول: الياء، وهو المعنيُّ بصورة الهمزة، وحذفوا من داود، إحدى واويه؛ وقد سبق في مسألة طاوس، ما المحذوف، على ما يقتضيه النظر.

(أو يخف التباسه، كعامر) - وكذا عباس؛ فلو حذفت الألف، لا التبس بعمر وعبس.

ص: 371

(وحذفت أيضاً من نحو: مفاعل ومفاعيل، غير ملتبسين بواحده، لكونه على غير صورته) - فيكتب خوتم ودونيق، بغير ألف، لعدم اللبس، فالمفرد خاتم، ودانق؛ وتكتب مساكين ودراهم بألف، للبس، فالمفرد مسكين ودرهم.

(أو في غير موضعه) - فيكتب ثلثة درهم، بلا ألف، لأن الموضع لا يصلح للمفرد، وكذا عندي درهم جياداً، أو معدودة؛ ويجوز إثبات الألف حيث جاز حذفها، والإثبات أجود؛ وشرط بعضهم للحذف أن لا يلتقي به مثلان؛ فإن التقيا، نحو: دنانير ودكاكين، لم تحذف الألف.

(ومن ملائكة) - لأنه لفظ لا يلابسه لفظ مثله، ولكثرة الاستعمال.

(وسموات) - وتوجيهه ما ذكر في ملئكة؛ والمراد الألف التي بعد الميم، وقد كتبوا في مصحف: السموت، بحذف الألفين معاً؛ وقال بعض المغاربة: جمع المؤنث السالم، إن كان فيه مع ألف

ص: 372

الجمع، ألف أخرى كالسموات والصالحات، اختير حذف ألف الجمع، وإبقاء الأخرى، وثبت في المصحف بحذف الألفين.

(وصالحات وصالحين، ونحوهما) - فنحو: صالحات، كل جمع مؤنث سالم فيه ألفان، كالعابدات والذاكرات، فتحذف من هذا كله، الألف الأولى، وقد عرفت ما ذكره بعض المغاربة؛ ونحو: صالحين، كل جمع مذكر سالم من الصفات، كالقانتين والصائمين، فتحذف من هذا كله وما أشبهه، الألف؛ وإن لم يكن في الجمع ألفان، حملاً على المؤنث.

واشترط بعضهم في الصفات، في جمع المذكر السالم، كون الصفات مستعملة كثيراً، وقال: إن الحذف والإثبات حسنان كثيران؛ ولا فرق في المذكور، من ملئكة إلى صالحين، بين المعرفة والنكرة، لكن قال ثعلب: أسقطوا من الظالمين والخاسرين والكافرين، إذا أدخلوا الألف واللام.

(غير ملتبس) - فلا يحذف من صالحات، لئلا يلتبس بطلحات جمع طلحة، ولا من حاذرين وفارحين، لئلا يلتبس بحذرين وفرحين.

(ولا مضعَّف) - نحو: شابان، و"العادين"،

ص: 373

فلا تحذف الألف منهما، ولا من شبههما؛ لأن الإدغام جعل الاسم كالناقص حرفاً، وكذا رسموا في المصحف، فكتبوا "الضالين" و"العادين" بالألف.

(ولا معتل اللام) - نحو: الرامين، فلا تحذف الألف، لأنه قد حذف من الاسم اللام، وكذا لا تحذف من الراميات، حملاً على الرامين، كما حمل الصالحون في الحذف، على الصالحات؛ وأما المهموز، نحو:"الخاسئين"، فأثبتوا الألف فيه، حملاً على المضعف، لأن الهمزة مغيَّرة عن صورتها إلى الياء، كأنها سقطت، فأشبهت حرف التضعيف، حيث لم توجد صورته مفردة، فأثبتوا الألف في المهموز، كما ثبتت في المضاعف؛ وقد رسم في بعض

ص: 374

المصاحف بحذفها، نظراً إلى أن الهمزة حرف صحيح، فيجرى مجرى غيره من الحروف الصحيحة.

ومما يحذف منه الألف: سفيان وعثمان ومروان، وشبهها، مما فيه ألف ونون، وكثر استعماله، والإثبات حسن، إلا أنهم لم يحذفوا في عمران.

(ويكتب بلام واحدة: الذي) - وذلك للزومها، فكأنها غير منفصلة.

(وجمعه) - لأن لفظ الواحد كأنه باق فيه؛ وفهم من كلامه أن التثنية تكتب بلامين، وهو كذلك، نحو: اللذان واللذين، وقصدوا التفرقة بين التثنية والجمع، وكان الثبوت في التثنية، لأنها أسبق من الجمع، فاللبس عند الجمع حصل.

(والتي وفروعه) - وهي التثنية، نحو: التان، والتين، [والجمع نحو: ] اللاتي واللائي؛ ولم يثبتوها في التثنية، لعدم التباسها بالجمع هنا؛ وقال ثعلب: كتبوا اللائي واللاتي: الئي والتي، فحذفوا لاماً من أولهما، وألفاً من آخرهما، قال: ولو كتب على لفظه كان أوفق. انتهى. وفي حذف الألف من اللاتي إلباس بالمفرد؛ والمعهود عدم حذفها.

ص: 375

(والَّيل والَّيلة، في الأجود) - وذلك لأن فيه اتباع خط المصحف، لكن القياس كتبهما بلامين، وأجاز ذلك قوم؛ وزاد ثعلب، فيما كتب بواحدة: الطيف، قال: لأنه عرف، فاستخف؛ قال: واللحم واللهو واللعب، بلامين، ولو كتب بواحدة جاز.

(وبلامين: لله ونحوه، مما فيه ثلاث لامات لفظاً) - وذلك لكراهة اجتماع ثلاث لامات؛ فإن قيل: فهلا كتب الله، بلام واحدة كالذي؟ قيل: لحذف ألفه، فكرهوا كثرة الحذف، ولئلا يلتبس بإله، لأن ألفه تحذف.

(فصل): (زيدت ألف في مائة) - قيل: تفرقة بينها وبين منه؛ وكانت التفرقة في مائة، لأنها اسم، والاسم أحمل للزيادة، وكانت بالألف، لأنها تشبه الهمزة؛ وحكى صاحب البديع، أن منهم من يحذف ألف مائة في الخط، وبعض النحويين يكتب مائة هكذا: ماه، فيسقط الياء، وهو جار على ما حكى عن الفراء وغيره من الحذاق، أنه يجوز كتب الهمزة المفتوحة ألفاً، في كل موضع؛ وقال ابن كيسان: منهم من يكتب الهمزة ألفاً، على حركتها في نفسها، وإن كان ما قبلها مكسوراً.

(ومائتين) - وهذا أحد الرأيين فيها، لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه؛ والرأي الآخر، عدم زيادة الألف، كما لا تزاد في الجمع، لأن موجب الزيادة قد زال؛ واتفق على أن الألف لا تزاد في مئات ومئون ومئين.

ص: 376

(وبعد واو الجمع المتطرفة، المتصلة بفعل ماض أو أمر) - نحو: ضربوا واضربوا؛ وخرج بواو الجمع، واو يغزو ويدعو؛ وأجاز الفراء إلحاق الألف في هذين ونحوهما، في الرفع خاصة؛ وأجاز الكسائي إلحاقها في النصب مع الظاهر، نحو: لن يغزوا زيد، دون لن يغزوك، فرقاً بين الاتصال والانفصال.

واحترز بالمتطرفة، من نحو: يضربون وبماض وأمر، من المتصلة باسم نحو: ضاربوهم، وقاتلو زيد، وهمو؛ وأجاز الكوفيون لحاقها، فيكتبون ضاربو زيد، وهمو، بالألف؛ وأما المضارع نحو: لن يضربوا؛ فالأخفش يجعله كالماضي والأمر، فيلحق الألف؛ وبعض البصريين لا يلحقها، وقيل في زيادة الألف في ضربوا ونحوه: إنهم قصدوا التفرقة بين الضمير المنفصل، والضمير المتصل، نحو: ضربوهم؛ فإذا قصد كون الضمير مفعولاً، لم تثبت الألف، وإن قصد كونه توكيداً، ثبتت.

وبترك الألف في خط المصحف في قوله تعالى: "وإذا كالوهم أو وزنوهم" استدل على أن الضمير مفعول، وليس ضميراً منفصلاً؛ ثم طردوا زيادة هذه الألف، في كل واو جمع، بالشرط المذكور، وإن لم يلحقها ضمير نصب.

(وربما زيدت في نحو: يدعو، وهم ضاربو زيد) - وقد سبق

ص: 377

النقل عن الفراء والكسائي في يدعو، وعن الكوفيين في: ضاربو زيد.

(وشذت زيادتها في "الرِّبَوا"، و"إن ارمؤا") - وكان حقها أن لا تثبت، بل يكتب الربا- هكذا- لأن ألفه عن واو، ولكن زادوا الألف، إذ كتبوه بالواو، لما سبق، تنبيهاً على أن الأصل أن تكتب ألفاً؛ وكان حق "امرؤ"، أن لا يعتد بما عرض له من ضم عينه للإتباع، بل يعتبر ما لعينه بطريق الأصالة، وهو الفتح، فيكتب بالألف، نحو: يقرأ، لكن اعتدوا بما عرض فيه من الإتباع، فكتبوا على حسبه: هذا امرؤ بالواو، ومررت بامرئ بالياء، وكذا رأيت امرأ بالألف، نظراً إلى الإتباع، عند من يتبع؛ قيل: فزادوا بعد الواو ألفاً، تنبيهاً على أن حقه، أن يكتب بالألف مطلقاً، ولا يعتد بالعارض من الضمة والكسرة.

(وزيدت واو في أولئك وأولو وأولات ويأوخي وعمرو، غير منصوب) - فزيدت في أولئك، فرقا بينه وبين إليك، وكانت الزيادة واواً، لمناسبة ضمة الهمزة، ولم تكن الزيادة في إليك، لأن الزيادة في الأسماء أكثر، بل لا توجد الزيادة في حرف، إلا قليلاً، نحو: لعل؛ وقال شيخنا- رحمه الله: يمكن كون الزيادة في أولى، نصباً وجراً، للفرق بينه وبين إلى الحرف، ثم حُمل الرفع على النصب والجر، والتأنيث على التذكير؛ وأما يأوخيّ، فزاد بعض أهل الخط فيه الواو، فرقاً بينه وبين المكبَّر، وكانت الزيادة في المصغَّر، لأن الفرع أحملُ

ص: 378

للزيادة، ولأن التغيير يأنس بالتغيير، وكانت واواً لمناسبة الضمة، وأكثر أهل الخط لا يزيدونها؛ وزيدت الواو في عمرو، رفعاً وجراً، فرقاً بينه وبين عمر، وكانت الزيادة واواً، لأنها لا يقع بها لبس، فالياء يلتبس بها، بالمضاف إلى ياء المتكلم، والألف يلتبس بها المرفوع بالمنصوب، وكانت في عمرو، لأنه أخف ببنائه وصرفه، ولم يحتج في النصب للفرق بالواو، لظهوره بالألف في عمرو.

(وزيدت ياء في "بأييد"، و"من نبإي المرسلين"، و"ملإيه"، و"ملإيهم") - وهذا كله من مرسوم المصحف؛ ولما كانت همزة "بأييد تحقق وتسهَّل، كتبوها بالألف، نظراً إلى التحقيق، وزيدت الياء، نظراً إلى التسهيل؛ وكذا زيدت الياء في "نبإي"، إشعاراً بجواز إبدال الهمزة ياء

ص: 379

في الوقف، فتكتب بالألف، على التحقيق، وبالياء، على التخفيف، ليعلم جواز القراءة بهما؛ وقد وقف بالياء جماعة، في قراءة حمزة، وإن كان الوجه أن تبدل في الوقف ألفاً؛ وكذا الألف في "ملإيه" و"ملإيهم" صورة التحقيق، والياء صورة تخفيف الهمزة، إذ تُسهَّل بين الهمزة والحرف الذي حركتها من جنسه، وهي الياء.

(وهذا مما ينقاد إليه، ولا يقاس عليه) - فالانقياد إليه في رسم المصحف، اتباعاً للسلف، رضي الله عنهم، وعدم اقتياسه، أن لا يتعدى به موضعه؛ فإذا كتبت هذه وما أشبهها في غير المصحف، لم تكتب بالياء، بل تكتب بأيد- هكذا- كما تكتب بأصلٍ، وتكتب من نبأ- هكذا- كما تكتب من أجأ، وكذا من ملأه وملأهم، مثل: من خطأه، وخطأهم، بالألف، كما إذا لم تضف لضمير؛ وقيل: تكتب ياء، على حسب مناسب حركتها، أضيفت، نحو: من خطئه، أم لم تضف، نحو: من الكلي.

وهذا آخر الكتاب

ص: 380

تم بحول الله وقوته، الجزء الرابع والأخير من شرح التسهيل لابن عقيل:

المساعد على تسهيل الفوائد

وتكميل المقاصد، لابن مالك

وكان تمام طبعه ومراجعته في العاشر من شهر صفر عام 1405 هـ، الموافق 3 من نوفمبر عام 1984 م.

بمطابع دار المدني- للطباعة والنشر والتوزيع

والحمد لله أولاً وآخراً.

وتليه خواتيم النسخ المخطوطة والمصورة التي استخدمت في التحقيق، تليها الفهارس الخاصة والعامة.

ص: 381