المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌78 - باب الإمالة - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ابن عقيل]

الفصل: ‌78 - باب الإمالة

‌78 - باب الإمالة

وإنما ذكره بعد الإدغام، لأن الإمالة تقريب حرف من حرف، كما أن الإدغام كذلك.

(وهي أن ينحى جوازاً) - فالإمالة بالنظر إلى لسان العرب غير واجبة؛ فتميم وأسد وقيس وعامة أهل نجد يميلون، وأهل الحجاز لا يميلون إلا في مواضع قليلة، وسيأتي بيان هذا.

(في فعل أو اسم) - فكل منهما توجد فيه الإمالة قياساً، بالشرط الذي سيذكره؛ وأما الحرف، فإن أميل منه شيء، اقتصر على مورد السماع، وسيأتي ذكره.

(متمكن) - فغير المتمكن من الأسماء، نحو: متى، يقتصر في إمالته على السماع.

(بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء) - والغرض بذلك، المناسبة، كما سيأتي بيانه؛ ولما أرادوا مناسبة الألف الياء، تعين أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة، فلا يمكن أن ينحى بالألف نحو الياء إلا بذلك.

(لتطرفها وانقلابها عنها) - وهذا شروع في بيان أسباب الإمالة؛ فالألف المتطرفة المنقلبة عن الياء، تمال في الفعل، نحو:

ص: 281

رمى؛ وفي الاسم، نحو: فتى؛ ولا فرق بين الياء الأصلية، كما مثل، والمنقلبة عن الواو نحو: أعطى وملهى؛ قال سيبويه: ومن العرب من لا يميل ألف رمى ونحوه؛ قال: يكرهون أن ينحوا نحو الياء، وهم قد فروا منها، وقلبوها ألفاً؛ وأما غير المتطرفة فستأتي.

(أو مآلها إليها، باتفاق، دون ممازجة زائد) - نحو: غزا ودعا؛ قال سيبويه: أمالوا هذه الألف، لغلبة الياء عليها؛ لأنها تصير ياء في أغزيت، وإذا بنى الفعل للمفعول نحو: غزى ودعي. انتهى. وكذلك ألف التأنيث المقصورة نحو: حبلى، تمال، لأنها تصير إلى الياء في قولك: حبليان وحبليات؛ وقوله: باتفاق، معناه أن العرب تتفق على ردها إلى الياء، دون ما ذكر، وذلك كما مثل.

وخرج نحو: قفا وعصا، مما هو على ثلاثة أحرف من الأسماء، وألفه عن واو؛ فإن مآل ألفه إلى الياء، عند أكثر العرب، إنما هو بممازجة حرف التصغير نحو: قفي وعصي، أو التكسير نحو: قفي وعصي؛ ولا تصير ياء بدون الممازجة إلا في لغة هذيل، حيث يقولون: قفيَّ وعصيَّ؛ فيقلبون مع ياء المتكلم، وغيرهم من العرب يقر الألف، فيقول: عصايَ وقفايَ؛ وهذا الكلام يقتضي أن المصنف يختار في المسألة، الفرق بين الاسم والفعل، فيقول في الفعل، أعني الثلاثة الذي لامه ألف منقلبة عن واو بالإمالة، ولا يقول في الاسم الذي هو كذلك بها، وهو قول الفارسي وغيره، يطردون الإمالة في الفعل، ويجعلونها شاذة في الاسم؛ وظاهر كلام سيبويه، أن الإمالة لا تنكسر في الفعل، وأنها توجد في الاسم دون

ص: 282

ذلك؛ وقال الخضراوي: أهل الكوفة يميلون كل ألف ثالثة عن واو، في اسم مكسور الأول، ويثنونه بالياء، والبصريون لا يرون ذلك، ولا يميلون ذوات الواو في الثلاثية، إلا ما سمع، وإنما شبهوها بها في الفعل.

(أو لكونها مبدلة من عين ما يقال فيه: فلت) - نحو: خاف، إذ تقول في الماضي مسنداً إلى التاء: خفت، ووزنه: فلت، بحذف عينه؛ وبعضهم يعبر عن هذا السبب، بأن الألف تمال لكسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو بسط لما ذكره المصنف.

ودخل في قول المصنف: فلت: طاب ونحوه، إذ تقول: طبت، وألفه عن ياء، فإمالته إما لكونها بدلاً عن الياء، وإما لما يعرض من الكسرة في فلت؛ وعلى الثاني كلام سيبويه وغيره، وهو مقتضى كلام المصنف.

قال سيبويه: ومما يميلون ألفه، كل شيء كان من بنات الياء والواو، مما هما فيه عين، إذا كان أول فعلت مكسوراً، قال: وهي لغة لبعض الحجاز؛ وقال الخضراوي: الأولى في طاب، أن تمال؛ لن الألف عن ياء، وفي خاف، لأن العين مكسورة؛ كأنهم أرادوا الدلالة على الياء والكسرة. انتهى.

والإمالة في طاب ونحوه، أقوى منها في خاف ونحوه، وعامة العرب لا يميلون نحو: خاف، ويميلون نحو: طاب.

واحترز المصنف من أن يقال فيه: فُلْتُ، نحو: قُلْتُ، فلا يمال، قال: لأنه لا ياء فيه ولا كسرة تعرض.

ص: 283

(أو متقدمة على ياء تليها) - نحو: بايع وراية؛ ولم يذكر سيبويه إمالة الألف قبل الياء، وذكره غيره، ومنهم ابن الدهان.

(أو متأخرة عنها متصلة) - أي الألف، نحو: بيان، والسيال، وهو بفتح السين: ضرب من الشجر، له شوك، ونحو: بيّاع وكيّال؛ والإمالة في هذين أقوى للتضعيف؛ قال سيبويه: وسمعنا بعض من يوثق بعربيته يقول: كيال، فيميل، لأن قبلها ياء، فصارت بمنزلة الكسرة التي تكون قبلها نحو: جِمال.

(أو منفصلة بحرف) - نحو: شيبان وحيوان؛ والإمالة مع الياء الساكنة، أقوى منها مع المتحركة، لأن الانخفاض في الساكنة أظهر، لقربها من حرف المد.

(أو حرفين، ثانيهما هاء) - نحو: مررت ببيتها، وضربت يدها، وذلك لأن الهاء خفية، كأن الفاصل حرف واحد، وشرط هذا أن لا يكون بين الهاء والياء ضمير؛ فإن كان ذلك، فلا إمالة، كما لو كان أحد الحرفين غير هاء نحو: بيننا.

(أو لكونها متقدمة على كسرة تليها) - نحو: مساجد.

ص: 284

(أو متأخرة عنها، منفصلة بحرف) - نحو: عماد واسوداد.

(أو حرفين، أولهما ساكن) - نحو: شملال؛ فإن تحركا، فإن كان أحدهما هاء، جازت الإمالة، ما لم تكن إحدى الحركتين ضمة؛ فيمال نحو: يريد أن ينزعها، دون أن يضربها، وهو يضربها؛ وإن فصل ثلاثة، فلا إمالة، نحو: فتلت قنباً، ومن أمال أن ينزعها، أمال عندها؛ لأن الهاء كالمطَّرحة عندهم.

(فإن تأخر عن الألف مستعل) - وهو أحد حروف: ضغط خص قظ.

(متصل) - نحو: باخل.

(أو منفصل بحرف) - ناهض.

(أو حرفين) - نحو: مناشيط.

(غلب) - أي حروف الاستعلاء، فلا تمال الألف المذكورة معه، وإن كان مقتضى الإمالة، لولا حرف الاستعلاء، موجوداً، وهو الكسرة فيما مثل.

(في غير شذوذ) - فلم يمنع ذلك شذوذاً؛ والذي ذكره سيبويه أن مثل ناقد وناهض، مما ولى حرف الاستعلاء فيه الألف، أو فصل بحرف واحد، لا يميله أحد، إلا من لا يؤخذ بلغته، وأن مثل مناشيط ودوانيق، إمالة قوم، لتراخي المستعلى، قال: وهي قليلة.

وذهب المبرد إلى منع الإمالة في هذا كالأول؛ وحكاية سيبويه حجة عليه.

(الياء والكسرة الموجودتين، لا المنويتين) - فالكسرة الموجودة، قد سبق تمثيلها، والياء الموجودة نحو: عايط، والياء المنوية

ص: 285

نحو: قاض، والكسرة المنوية نحو: ماص، أصله: ماصص.

وثبت في نسخة عليها خطه، بعد قوله: لا المنويتين:

(خلافاً لمدَّعى المنع مطلقاً) - وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: خلافاً لمدّعي منع الإمالة، بكثرة وبشذوذ. والثاني: أن يكون معناه: خلافاً لمدَّعى منع الإمالة، مع الموجود والمنويّ من الكسرة والياء، وهكذا شرحه شيخنا، وهو الأقرب.

(وكذا إن تقدم عليها) - أي تقدم حرف الاستعلاء على الألف التي تُمال؛ وكلامه يقتضي أنه في التقدم كالتأخر، فشمل نحو: غانم وغنايم وخزعال؛ والذي ذكره سيبويه وغيره، هو فيما كان الألف فيه متصلاً بحرف الاستعلاء، نحو: قاعد وغايب؛ ولم يمثله سيبويه إلا هكذا، وقال: إن أحداً لا يميل هذه الألف، إلا من لا يؤخذ بلغته. ومثال الكسرة المنوية: خاف، والياء المنوية: ضاع.

وثبت في نسخة، قرئت عليه، وعليها خطه:

(وكذا إن تقدم عليها المستعلى، لا مكسوراً، ولا ساكناً بعد مكسور؛ وربما منع قبلها مطلقاً) - فالمكسور نحو: غلاف،

ص: 286

والساكن نحو: مصباح؛ فلا يمنع حرف الاستعلاء، فيما نحن فيه، الإمالة، إلا إذا كان مكسوراً أو ساكناً بعد مكسور. قال سيبويه: وبعض من يميل قباب، ينصب هذه، يعني نحو: مصباح؛ قال: وكلاهما عربي، يعني الإمالة وتركها، والإمالة أرجح؛ وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وربما

الخ، وفيه ما ستعرفه.

وفي نسخة الرقي:

(وكذا إن تقدم عليها، غير مكسور؛ فإن تقدم ساكناً بعد كسرة، فوجهان، وربما غلب المتأخر رابعاً، وقد لا يعتد به تالياً من غير كلمتها، وتالياً من كلمتها، وشذ عدم الاعتداد به وبالحركة في قول بعضهم: رأيت عذقاً وعنبا) - فقوله: فإن تقدم

إلى: فوجهان، مثاله: مصباح، وهذا أولى من قوله في النسخة الأخرى: وربما

إلى آخره؛ وهو الموافق لكلام سيبويه؛ فإن مثل: غلاب، لم يذكر سيبويه فيه أنه يمنع الإمالة، وإنما ذكر في مصباح ونحوه، والفرق ظاهر.

وقوله: وربما غلب المتأخر رابعاً

، مثاله: يريد أن يضربها بسوط؛ ولما كان قوله فيما تقدم، ويقتضي أن حرف الاستعلاء لا يغلب في مثله؛ لن الفصل بأكثر من حرفين، نبه على قلة غلبته حينئذ؛ وإنما لم يغلب لضعفه بالتراخي؛ وبعض العرب لا ينظر إلى هذا التراخي، فلا يميل، والكثير الأول.

ص: 287

وقوله: وقد لا يعتد

إلى آخره، معناه أن حرف الاستعلاء قد لا يمنع وهو تالي الألف، إذا كان من غير كلمتها، نحو: أريد أن أضربها. قيل: فقد لا يمنع حرف الاستعلاء الإمالة في هذا ونحوه، لانفصاله، بكونه في كلمة أخرى، ولكن الأكثر الاعتداد به، إجراءً للمنفصل المشارك في المعنى للمتصل، مجرى المتصل.

وأشار بقوله: وتالياً من كلمتها، إلى إمالة باخل ونحوه؛ لكن قال سيبويه: إنه لا يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بعربيته.

وقوله: وشذ

إلى آخره؛ فأما عذقاً، فوجه شذوذ إمالته، أن حرف الاستعلاء فيه بمنزلته في غانم، فكما لا يمال غانم، لا يمال هذا؛ وأما عنباً، فوجه شذوذه أنه توسط بين الكسرة والألف حرفان متحركان، وليس أحدهما هاء؛ وإنما يغتفر الفصل بالحرفين المتحركين، إذا كان أحدهما هاء، بشرطه السابق، نحو: لن يضربها.

(وإن فتحت الراء متصلة بالألف) - نحو: راشد، وفراشن ورأيت حماراً.

(أو ضمت) - نحو: هذا حمارك.

(فحكمها حكم المستعلى) - وذلك لأن الراء فيها تكرير، فكأنها عند الفتح أو الضم، حرفان مفتوحان أو مضمومان، فتنزلت لذلك منزلة المستعلى في منع الإمالة، للتناسب.

ص: 288

(غالباً) - فلا يلتفت بعضهم إلى صفة الراء، فإنما هي حرف واحد، فلا يترك مقتضى الإمالة المحقق الوجود لغيره.

(وإن كسرت كفت المانع) - نحو: قارب وغارب، لتنزل الراء المكسورة منزلة حرفين مكسورين، وهذا عند تقدم حرف الاستعلاء مثلاً، لأن في الإمالة حينئذ، انحداراً بعد إصعاد، وهو سهل؛ فلو تأخر لم تغلب الراء، نحو: بارق، لأنه لو أميل هذا، لكان في إمالته إصعاد بعد انحدار، وهو صعب؛ وشمل قوله: المانع، حرف الاستعلاء والراء المفتوحة مثلاً، فيمال من فرارك، كما يمال قارب.

(ورمبا أثرت منفصلة، تأثيرها متصلة) - فعلم بهذا أن كلامه أولاً، فيما إذا كانت الراء المكسورة متصلة بالألف، كما سبق تمثيله، وأما المنفصلة عنها، فلا تغلب المانع، نحو:"أليس ذلك بقادر"؟

وربما أثرت؛ قال سيبويه: واعلم أن من يقول: قارب، أي بالإمالة، ينصب مررت، بقارب من حيث بعدت، أي الراء المكسورة من الألف؛ قال: وقد أمال قوم ترتضى عربيتهم: سمعنا من نثق به من العرب، يقول:

ص: 289

(81)

عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب

(ولا يؤثر سبب الإمالة، إلا وهو بعض ما الألف بعضه) - فلا يكون سبب الإمالة من كلمة، والألف الممالة من كلمة أخرى؛ فلو قلت: ضربت يدي سابور، أو مررت بسابور، لم تمل ألف سابور، لأن الياء من كلمة أخرى، والباء كلمة أخرى؛ وكذا لا تمال.

(82)

ألف ها، في نحو: ها إن ذي عذرة

لأن الكسرة من كلمة أخرى. وتستثنى مسألة بينها، وعندها، ولن يضربها، لأن الهاء لخفائها، كأنها مفقودة.

ص: 290

على أن كلام المصنف معترض، بنصهم على إمالة ألف مال، في قولك: من مال، وإن كانت الإمالة فيه، دون الإمالة في سربال؛ وقد نقل ذلك سيبويه، قال: سمعناهم يقولون: لزيد مال، فأمالوا، للكسرة، وشبهوه بالكلمة الواحدة؛ لكن عذر المصنف، أنه قصد ما هو الكثير المستمر، وهذا ليس كذلك؛ ولهذا قد لا يميل: من مال، من يميل سربالا.

وثبت بعد هذا في نسخة الرقي، ونسخة عليها خطه:

(ويؤثر مانعها مطلقاً) - أي يؤثر مانع الإمالة، سواء أكان من كلمة الممال، أم من كلمة أخرى؛ فلا تمال الألف في يريد أن يضربها، قيل: كما لا تمال في غانم وراشد.

(وربما أثرت الكسرة منوية في مدغم) - نحو: هؤلاء حواج، وجاد، والأكثر عدم الإمالة، نقل ذلك سيبويه؛ وذلك لفقد الكسرة؛ قال سيبويه: وقد أماله قوم، على كل حال. يعني رفعاً ونصباً وجرّاً.

(أو موقوف عليه) - أي أو منوية في موقوف عليه،

ص: 291

نحو: هذا ماش، بالإمالة، لمكان الكسرة الزائلة، لما عرض من الوقف.

واعلم أنه لا فرق في الإمالة للكسرة، بين كونها إعراباً أو بناء، أو ظاهرة أو مقدرة، أو متصلة أو منفصلة؛ إلا أن الإمالة مع كسرة البناء نحو: نزال، أقوى منها مع كسرة الإعراب، نحو: بابك، جرّاً، والظاهرة أقوى من المقدرة، نحو: جاد، وكذا المتصلة مع المنفصلة، نحو: ثلثا درهم.

(أو زائداً تباعدها بالهاء) - فقد تؤثر الكسرة، وإن زاد تباعدها بالهاء، فإذا كان الفاصل بين الكسرة والألف، غير الساكن، حرفين متحركين، أحدهما الهاء، نحو: عندها، لم يمنع الإمالة، كما لو كان الفاصل حرفين متحركين، أحدهما الهاء، نحو: لن ينزعها، إلا إذا كان قد فصل بين الكسرة والألف ضمة، فلا إمالة، نحو: هو يضربها، وهذا شعبها.

وثبت بعد هذا، في نسخة الرقي، ونسخة عليها خطه.

(لخفائها) - أي لخفاء الهاء، يشير إلى وجه ذلك مع الهاء؛ والمعنى: إنما أثرت الكسرة، وإن زاد تباعدها عن الألف، بالهاء؛ لأن الهاء لخفائها، كأنها مفقودة، فصارت صورة التباعد بحرفين متحركين،

ص: 292

أحدهما الهاء، مع الساكن، نحو: عندها، كصورة التباعد بحرفين، أحدها ساكن: نحو: شملال؛ ولهذا جازت إمالة: لن يضربها، لأن الهاء لخفائها كالعدم، فأشبه الفصل بحرف واحد متحرك كعماد.

(وقد يمال عار من سبب الإمالة، لمجاورة الممال) - أي سبب غير المجاورة، وإلا فالمجاورة معدودة في أسباب الإمالة؛ وممن عدها أبو جعفر بن الباذش؛ قال سيبويه: قالوا: رأينا عمادا، فأمالوا للإمالة، كما أمالوا للكسرة، وقالوا: مغزانا، في قول من قال: عمادا، فأمالهما جميعا؛ وذا قياس. انتهى.

ومن الإمالة للإمالة، صاد النصارى، وتاء اليتامى، في قراءة الإمالة؛ وكلام المصنف يتناول هذا أيضاً، لتحقق المجاورة في هذا كالأول.

(أو لكونه آخر مجاور ما أميل آخره) - نحو:

ص: 293

"والضحى" أميل لمجاورة الممال، وهو "سجى" وما بعده؛ وهذا بناءً على أن الإمالة في الألف الثالثة المنقلبة عن واو في الاسم، ليست مقيسة؛ ومن يرى اقتياس ذلك، فلا يجعل الإمالة في "الضحى" للمجاورة، بل للسبب الحاصل فيها نفسها، وهو مآلها إلى الياء في حال ما، ومن يرى أن الفعل الذي ألفه ثالثة عن واو، كالاسم، في اقتصار إمالته على السماع؛ وهي طريقة الفراء، يجعل إمالة "سجى"، للمجاورة، ثم الأكثرون يقولون لمجاورة "قلى"، وابن بابشاذ، لمجاورة الأولى.

(وأميل من غير المتمكن) - أي من الأسماء؛ وإلا فالماضي غير متمكن؛ ويمال نحو: رمى، ونحو هذا، قول بعضهم: المتوغل في البناء؛ والمقصود: إخراج ما عرض له البناء نحو: يا فتى ويا حبلى؛ فهذان ونحوهما مبنيان، لكن ليسا من غير المتمكن ولا من المتوغل.

(ذا) - فقالوا: ذا قائم، بالإمالة، وهو خارج عن القياس، لكنهم لما صغّروه خروجاً عن القياس، حصل فيه نوع تصرف، فتصرفوا فيه بالإمالة.

ص: 294

(ومتى) - وأمالوها في حالتيها: الشرط والاستفهام.

(وأنَّى) - وأميلت أيضاً في حالتيها: الاستفهام والشرط.

ووجه الإمالة، تشبيه الألف بالمنقلبة؛ ووزنها: فعلى عند بعض، وأفعل عند بعض، لأن زيادة الهمزة أولاً، عند سيبويه، أكثر من زيادة الألف آخراً، ولذا قال في أروى: إنها أفعل، واختار هذا أبو الحسن ابن الباذش؛ واختار الأول ابن مجاهد؛ وأمالوا من غير المتمكن، قياساً مطرداً، ألفي ناوها، نحو: مرَّ بنا، ونظر إلينا، ومر بها، ونظر إليها، ويريد أن يضربها وبنيها.

(ومن الحروف: بلى) - ووجه إمالته، أنه لما ناب عن الجملة، صار له بذلك مزية. وألف بلى زائدة على بل، عند الفراء وابن مقسم، وأصل عند الأكثرين. وثبت في نسخة عليها خطه:

(ويا) - وهو الصحيح؛ فأمالوا يا في النداء، ووجه ذلك بأن يا عاملة في المنادى، على قول، ونائبة عن العامل، على قول؛ فصار لها مزية على غيرها من الحروف.

(ولا، في إما، لا) - نحو: افعل ذلك، إما، لا؛ وأميلت فيه لنيابتها مناب الفعل، أي إن كنت لا تفعل غيره. واقتضى كلامه أنها لا تمال مفردة عن أمَّا؛ وحكى ابن جني عن قطرب، إمالة لا في الجواب.

ص: 295

(ومن الفتحات، ما تلته هاء تأنيث، موقوفاً عليها) - وإنما أميل، تشبيهاً لهاء التأنيث بألفه؛ قال سيبويه: سمعت العرب يقولون: ضربت ضربه، وأخذت أخذه؛ شبه الهاء بالألف، فأمال؛ ويدخل في كلامه، ما كانت هاء التأنيث فيه للمبالغة، نحو: علامة ونسابة؛ والأمر على ما يقتضيه كلامه؛ وتخرج هاء السكت، نحو:"ماليه"؛ لكن ذهب ثعلب وابن الأنباري إلى جواز الإمالة معها، وروى عن قراءة الكسائي، قال أبو الحسن بن الباذش: وفيه جهة الشبه اللفظي بهاء التأنيث، وإمالة الفتحة قبل هاء التأنيث في الوقف مطردة.

(أو راء مكسورة) - وهذا أيضاً يطرد؛ فتمال الفتحة قبل راء مكسورة، نحو:"بشرر" و"غير أولى الضرر"، "ومن البقر"، ورأيت خبط رياح؛ وشرطه أن لا يكون بعد الراء

ص: 296

المكسورة حرف استعلاء؛ فإن كان، لم تمل الفتحة، نحو: من الشرق؛ وأن لا تكون الفتحة في ياء، نحو: من الغير؛ ولا مفصولاً بينها وبين الراء بساكن هو ياء، نحو: بغير. وثبت في نسخة عليها خطه، بعد هذا:

(هي لام متصلة أو منفصلة بساكن، ما لم يكن المفتوح ياء، أو قبل ياء) - فقوله: هي لام، نحو:"بشرر"، لكن ليس ذلك بشرط، قال سيبويه: قالوا: رأيت خبط رياح، كما قالوا: من المطر؛ وقالوا: رأيت خبط فرند، كما قالوا: من الكافرين؛ أي فأمالوا الفتحة، لأجل الراء؛ وهذا، كما ترى، ليست الراء المكسورة فيه لاماً في الموضعين.

وقوله: أو منفصلة بساكن، نحو: من عمرو؛ وكذا إذا كانت منفصلة بمكسور، نحو: ياسر، ورأيت خبط فرند.

وقوله: ما لم يكن المفتوح

إلى آخره، قد سبق ذكره، ونص عليه سيبويه؛ وثبت أيضاً في نسخة عليها خطه، بعد هذا الذي شرحناه:

ص: 297

(ومن الضمات، ضمة مذعور وسمر ونحوهما) - والمراد بضمة مذعور، أن تكون الضمة قبل واو، بعدها راء مكسورة؛ قال سيبويه: هذا ابن مذعور، كأنك تروم الكسر، لأن الراء كأنها حرفان مكسوران، فلا تميل الراء، لأنها لا تشبه الياء، ولو أملتها أملت ما قبلها؛ ولكنك تروم الكسرة، كما تقول: ركبوا؛ قال الأخفش: أقول في مذعور وابن ثور: أميل ما قبل الواو، وأما الواو، فلا أميلها. انتهى. وهذا قاله الأخفش، إثر كلام سيبويه، وظاهر هذا أنه فهم عن سيبويه، أنه أراد بقوله: ولكنك تروم الكسرة، رومها في الواو؛ ويوضح هذا، أنه ثبت ملحقاً بكلام الأخفش هذا، ما نصه: وسيبويه يقول: أروم الكسرة والواو؛ فحصل من هذا خلاف بين سيبويه والأخفش، فسيبويه يقول هذا، والأخفش يقول ذاك؛ ونقل عن الأخفش، أنه يميل الواو وما قبلها؛ ونقل ابن جني مثله عن سيبويه؛ ونقل ابن خروف عن سيبويه، أنه يروم الكسرة فيما قبل الواو؛ وذهب ابن خروف والشلوبين، إلى أن مذهب سيبويه والأخفش واحد؛ قال ابن خروف: وهو روم الكسرة فيما قبل الواو؛ غير أن

ص: 298

الأخفش يسميه إمالة، وسيبويه يسميه روماً؛ وكلام الشلوبين مثله.

والمراد بسمر، كون الضمة تليها راء مكسورة، فيجرون الضمة في ذلك مجرى الفتحة، نحو: شربت من المنقر، وهذا خبط رياح، فيشمونها الكسرة؛ والمتصلة في ذلك أقوى من المنفصلة. والمنقر، بضم الميم والقاف: بئر صغيرة ضيقة الرأس.

(ومستند الإمالة في غير ما ذكر، النقل، علماً كان كالحجاج) - أي في غير الجر؛ فأما في الجر، فيمال لأجل الكسرة؛ وليس في الرفع والنصب ما يقتضي الإمالة؛ فإنما أمالوه حينئذ لكثرة الاستعمال؛ وقد ارتكبوا في الأعلام من التغيير، ما لم يرتكبوه في غيرها، نحو: محبب وموهب؛ ومثل الحجاج في ذلك، العجاج، اسم الراجز، أمالوه في الأحوال الثلاثة؛ وعلة ذلك رفعاً ونصباً، ما سبق. وخرج بعلم: كونه صفة للمبالغة كضراب.

(أو غير علم، كالناس، في غير الجر) - فأما في الجر، فإمالته للكسرة، وفي غيره لكثرة ما ينطق به؛ وجاء عن أبي عمرو ابن العلاء، إمالة الناس، حيث وقع، منصوباً كان أو مرفوعاً أو مجروراً؛ وكذا جاء عن الكسائي. ومما أميل شذوذاً قولهم: هذا باب، وهذا مال، وهذا غاب، وهذا ناب؛ ذكر ذلك سيبويه.

ص: 299