المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌77 - باب مخارج الحروف - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ابن عقيل]

الفصل: ‌77 - باب مخارج الحروف

‌77 - باب مخارج الحروف

والمراد حروف الهجاء، ويقال لها أيضاً: حروف التهجي؛ ويسميها الخليل وسيبويه: حروف العربية، أي اللغة العربية، ويقال لها أيضاً: حروف المعجم؛ لأنها مقطعة لا تفهم إلا بإضافة بعضها إلى بعض، وحروف أبي جاد. واختلف في كلمات أبي جاد، هل لها معنى؟ أم لا؛ فقيل: هي أسماء لأشخاص بأعيانهم، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من هذا، ومنهم من كره تعلمها، وإطباق الناس، شرقاً وغرباً، على تعلمها من غير نكير، يظهر عدم الكراهة؛ وجاء أنها كانت تعلَّم في زمن عمر بن الخطاب في المكتب؛ ومخرج الحرف: الموضع الذي ينشأ الحرف منه؛ وطريق معرفته، أن تسكن الحرف، وتدخل عليه همزة الوصل، وتنطق به، فما استقر فيه فهو مخرجه؛ وهذه الحروف تسعة وعشرون، جمعها كلها قوله تعالى: "ثم أنزل عليكم من بعد الغم

إلى: بذات الصدور".

ص: 239

(أقصى الحلق للهمزة والهاء والألف) - وهي على رتبة واحدة عند الأكثرين؛ وقال الأخفش: الهمزة أول، والهاء والألف في مرتبة واحدة، وقيل: الهمزة أول، ثم الألف، ثم الهاء، وقيل: الهاء قبل الهمزة.

(ووسطه للعين والحاء) - وكلام سيبويه على أن الحاء بعد العين، وبه صرح بعضهم؛ وبعضهم جعل العين بعد الحاء؛ ولا توجد الحاء في غير كلام العرب، وأما العين، فانفردت العرب بكثرة استعمالها، وغير العرب منهم من لا ينطق بها، ومنهم من قلَّت في كلامهم.

(وأدناه للغين والخاء) - أي أدناه إلى الفم؛ وكلام سيبويه على أن الغين قبل الخاء، وهو قول أبي الحسن؛ وقيل: الخاء قبل الغين؛ وهذه السبعة، هي حروف الحلق؛ وقيل: الألف هوائية، لا مخرج لها، وحروف الحلق ستة، ويروى عن الخليل.

(وما يليه للقاف) - أي وما يلي أدنى الحلق إلى الفم، وهو أول أقصى اللسان.

(وما يليه للكاف) - وهو ثاني أقصى اللسان؛ فلأقصى اللسان حرفان: القاف من أول المخرج، مما يلي الحلق من أقصى اللسان، وما فوقه من الحنك؛ والكاف من المخرج الثاني بعد القاف، وهو من أسفل مخرج القاف من اللسان قليلاً، وما يليه من الحنك؛ ويسميهما الخليل: لهويين، لأنهما يخرجان من اللهاة، وهي ما بين الفم والحلق.

ص: 240

(وما يليه للجيم والشين والياء) - وهي من وسط اللسان، بينه وبين وسط الحنك؛ وهذا هو الثالث من مخارج اللسان؛ ومذهب الخليل أن الياء هوائية كالألف لا مخرج لها.

(وأول حافة اللسان وما يليه من الأضراس، للضاد) - وهذا هو الرابع من مخارج اللسان؛ والمراد بما يليها من الأضراس، ما يشمل الأيمن والأيسر، وكثير يقولون: هي من الأيمن أكثر، وبعضهم يعكس؛ وعن عمر، رضي الله عنه، أنه كان يخرجها من الجانبين معاً؛ والضاد من الحروف التي انفردت العرب بكثرة استعمالها؛ وهي قليلة في لغة بعض العجم، ومفقودة في لغة الكثير منهم، ولا يخرج من مخرجها غيرها.

(وما دون حافته، إلى منتهى طرفه، ومحاذى ذلك من الحنك الأعلى، للام) - وهذا هو الخامس من مخارج اللسان؛ قال ابن أبي الأحوص: ويتأتى إخراجها من حافتي اللسان، اليمنى واليسرى، وهي من اليمنى أمكن؛ قال: بخلاف الضاد، فإنها من اليسرى أمكن.

(وما بين طرفه، وفوق الثنايا، للنون والراء) - وهذا هو السادس من مخارج اللسان، وسيأتي ما تتميز به الراء عن النون.

(وهي) - أي الراء.

(أدخل في ظهر اللسان قليلاً) - وهذا هو السابع من مخارج

ص: 241

اللسان؛ قال سيبويه في الراء: وهي من مخرج النون، من طرف اللسان، بينه وبين ما فوق الثنايا العليا، غير أنها أدخل من النون في ظهر اللسان قليلاً، لانحرافها إلى اللام؛ ومذهب الجرمي وغيره، أن اللام والراء والنون من مخرج واحد، وهو طرف اللسان، وهو ظاهر قول الخليل؛ قال ابن أبي الأحوص: وقول سيبويه: إنها ثلاثة مخارج، هو الصواب، لتباين مخارجها، عند اختبار المخرج في النطق بإسكانها، وإدخال همزة الوصل عليها.

(وما بين طرفه وأصول الثنايا، للطاء والدال والتاء) - وهذا هو الثامن من مخارج اللسان، والمراد الثنايا العليا، فثلاثتها تخرج من هذا مصعداً إلى جهة الحنك.

(وما بينه وبين الثنايا، للزاي والسين والصاد) - وهذا هو التاسع من مخارج اللسان، فثلاثتها تخرج من بين طرف اللسان، وفويق الثنايا.

(وهي أحرف الصفير) - وتسمى أسلية، لأنها من طرف اللسان، وهو أسلته؛ قال ابن أبي الأحوص: والصاد مما انفردت العرب بكثرة استعمالها وهي قليلة في لغة بعض العجم، مفقودة في لغة كثير منهم.

(وما بينه وبين أطراف الثنايا، للظاء والذال والثاء) - وهذا هو

ص: 242

العاشر من مخارج اللسان، وبه تمَّت؛ فثلاثتها تخرج من بين طرف اللسان، وأطراف الثنايا العليا؛ والظاء مما انفردت به العرب، والذال ليست في الفارسية، والثاء ليست فيها ولا في الرومية.

(وباطن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا، للفاء) - وهذا المخرج الحادي عشر، بعد مخارج اللسان، والفاء ليست في لسان الترك.

(وما بين الشفتين، للباء والواو والميم) - وهذا هو الثاني عشر، فثلاثتها مما بين الشفتين؛ غير أن الشفتين تنطبقان في الباء والميم، ولا تنطبقان في الواو؛ وقد كملت المخارج المذكورة خمسة عشر؛ بالثلاثة التي للحلق، وهي المذكورة أولاً.

(فصل): (لهذه الحروف فروع تستحسن؛ وهي الهمزة المسهلة) - فالهمزة من جملة حروف المعجم، خلافاً للمبرد؛ ودليله أن أقل أصول الكلمة المعربة ثلاثة أحرف؛ فلو لم تكن حرفاً، لكان مثل أخذ وأجل، على حرفين؛ وقوله: هي من قبيل الضبط، ولو كانت حرفاً، لكان لها شكل تثبت عليه، فاسد؛ لأنها لم تشكل لمراعاة التسهيل؛ ولذا، إذا وقعت في موضع لا تسهيل فيه، كتبت ألفاً؛ ولو قال: لبعض هذه الحروف لكان أولى، لأن

ص: 243

الفرعية ليست لكل حرف منها؛ ومعنى تستحسن: توجد في كلام الفصحاء؛ والهمزة المسهلة فرع عن الهمزة المخففة؛ وهي حرف واحد عند سيبويه، وعند السيرافي ثلاثة، ويقال لها: همزة بين بين، أي بين الهمزة وحرف من حروف اللين.

(والغنة، ومخرجها الخيشوم) - وهي فرع النون، ولا عمل للسان في الغنة؛ والخيشوم خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم، وليس بالمنخر.

(وألفا الإمالة والتفخيم) - وأصلهما: الألف المنتصبة التي ليس فيها تفخيم ولا ترقيق؛ وألف الإمالة هي القريبة من الألف الأصلية، وذلك في الإمالة اليسيرة، وألف التفخيم هي التي بين الألف والواو؛ قال سيبويه: كقول أهل الحجاز: الصلوة والزكوة والحيوة؛ ولذا كتبت بالواو.

(والشين كالجيم) - وهي فرع عن الجيم الخالصة، كقولهم في أشدق: أجدق، بين الشين والجيم.

(والصاد كالزاي) - وأصلها: الزاي الخالصة، وهي التي يقل همسها قليلاً، فيحدث فيها لذلك جهر ما، كقولك في مصدر: مزدر؛ ومنه: لم يحرم من قزد له، أي قصد له.

(وفروع تستقبح) - أي لا توجد في لغة من ترتضي عربيته، ولا تستحسن في قراءة ولا شعر.

(وهي كاف كجيم) - فيقولون في مثل كمل: جمل؛

ص: 244

قال ابن دريد: وهي لغة في اليمن، كثيرة في أهل بغداد.

(وبالعكس) - وهي جيم ككاف؛ فيقولون في رجل: ركل، فيقرِّبون الجيم من الكاف.

(وجيم كشين) - وأكثر ذلك إذا سكنت، وبعدها دال أو تاء، كقولهم في الأجدر: الأشدر، وفي اجتمعوا: اشتمعوا.

(وصاد كسين) - نحو: سابر في صابر.

(وطاء كتاء) - نحو: تال في طال؛ وهي تسمع من عجم أهل المشرق كثيراً، لفقد الطاء في لسانهم.

(وظاء كثاء) - نحو: ثالم في ظالم.

(وباء كفاء) - نحو: بلخ وأصبهان؛ وهي كثيرة في لغة الفرس وغيرهم.

(وضاد ضعيفة) - قال أبو علي: الضاد الضعيفة، إذا قلت: ضرب، ولم تشبع مخرجها، ولا اعتمدت عليه، ولكن يخفف ويختلس، فيضعف إطباقها؛ وقال ابن خروف: هي المنحرفة عن مخرجها.

(فصل): (من الحروف: مهموسة، يجمعها: سكت فحثه شخص) - والهمس لغة: الصوت الخفي؛ والمهموس في الاصطلاح: حرف أضعف الاعتماد في موضعه، حتى جرى معه

ص: 245

النفس، قاله سيبويه؛ وسمي بذلك لخفاء النطق به.

(وما عداها مجهورة) - وهي تسعة عشر حرفاً؛ والمجهور حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه، حتى ينقضي الاعتماد، ويجري الصوت؛ قاله سيبويه.

(ومنها شديدة) - يجمعها: أجدك تطبق؛ ومعنى الشدة، على ما ذكر سيبويه: امتناع الصوت أن يجري في الحرف، فلو رمت مد الصوت في القاف والجيم مثلاً، نحو: الحق والحج، لامتنع عليك، ويجمعها: أجدك تطبق، وجمعها من قبله في: أجدك قطبت.

(ومتوسطة) - أي بين الشدة والرخاوة.

(يجمعها: لم يروعنا؟ ) - وجمعها بعضهم في: لم يرو عنا؛ وما فعله المصنف أحسن، لعدم تضعيف النون؛ وكذا جمعه في الشديدة، لعدم تضعيف الطاء؛ وجمع بعضهم المتوسطة في: ولينا عمر؛ وهو حسن.

(وما عداها رخوة) - أي ما عدا الحروف الشديدة، وحروف: لم يروعنا؟ والحروف الرخوة ثلاثة عشر؛ والرخاوة: جريُ الصوت في الحرف، فإذا قلت: إذ، مثلاً، أجريت فيه الصوت؛ فالرخوة حروف ضعف الاعتماد عليها في مواضعها، فجرى معها الصوت؛ والفرق بين الهمس والرخاوة، أن الجاري في الهمس: النفس، والجاري في الرخاوة: الصوت.

(والصاد والضاد والطاء والظاء مطبقة) - وذلك لانطباق اللسان فيها على الحنك.

ص: 246

(وما عداها منفتحة) - لأنها لا ينطبق اللسان بشيء منها على الحنك؛ والانفتاح ضد الانطباق.

(والمطبقة مع الغين والخاء والقاف، مستعلية) - وذلك لأن اللسان يعلو بها إلى الحنك؛ ولذا تمنع من الإمالة؛ وهذه الثلاثة يعلو بها اللسان، ولا ينطبق؛ والمطبقة يعلو بها وينطبق.

(وما عداها منخفضة) - وبعضهم يقول: منسفلة؛ وذلك لأن اللسان لا يستعلى بها، بل ينسفل بها إلى قاع الفم.

(وأحرف القلقلة: قطب جد) - وذلك لأنها تنضغط عن مواضعها، فلا نستطيع الوقف عليها إلا بصوت، نحو: الحق؛ وعد بعضهم التاء من حروف القلقلة.

(واللينة: واي) - وذلك لأنها تخرج في لين، من غير كلفة على اللسان؛ وإذا كان ما قبل الياء والواو محركاً بمجانس، كانتا حرفي مد كالألف.

(والمعتلة: هن والهمزة) - لأن الإعلال والانقلاب يكون فيها؛ وممن عد الهمزة من حروف العلة: الفارسي ومكي؛ وزاد بعضهم الهاء؛ لأنها قد تقلب همزة؛ وكثيرون لم يعدوهما؛ وبعضهم يقول في الهمزة: إنها حرف شبيه بحرف العلة.

(والمنحرف: اللام) - قيل: سميت بذلك لأنها شاركت أكثر

ص: 247

الحروف في مخارجها؛ وقيل: لأنها من الرخوة، فانحرف اللسان بها مع الصوت إلى الشدة.

(والمكرر: الراء) - لأنها تتكرر على اللسان، فكأنك نطقت بأكثر من حرف؛ قال سيبويه: والراء إذا تكلمت بها، خرجت كأنها مضاعفة.

(والهاوي: الألف) - قيل: لاتساع مخرجها؛ وقيل: لأنها تهوى في الفم، فلا يعتمد اللسان على شيء منها.

(والمهتوت: الهمزة) - يقال: هت في صوته: عصره، وهت أيضاً: كسر؛ فسميت الهمزة بها، لأنها معتصرة، كالتهوع، ولكثرة عروض الإبدال بها، فتنكسر.

(وأحرف الذلاقة: مر بنفل) - وذلك لأنها من طرف اللسان والفم؛ وطرف كل شيء: ذلقه؛ وجمعها بعض الأندلسيين في قوله: ملف نبر؛ والملف عندهم: الجوج؛ ونبر: قرية عندهم؛

ص: 248

والكثير كون الرباعي مشتملاً على بعضها، نحو: جعفر؛ ويقل جداً خلاف ذلك، نحو: عسجد.

(والمصمتة: ما عداها) - أي ما عدا أحرف الذلاقة؛ وهذا يقتضي دخول الهمزة والألف والواو والياء فيها، وهذه طريقه؛ وأسقط هذه من المصمتة الخليل؛ وسميت مصمتة، لأنها أصمتت، فلم تدخل في الأبنية كلها؛ أي بخلاف حروف الذلاقة؛ فلا تنفرد المصمتة بكلمة خماسية ولا رباعية، إلا قليلاً جداً، كما تقدم.

(وما سوى هذه من ألقاب الحروف، فنسب إلى مخارجها، أو ما جاورها) - نحو: حرف حلقي، وحرف هوائي؛ فالحلقي منسوب إلى المخرج؛ والهوائي منسوب إلى ما جاور المخرج؛ لأن الهواء ليس بمخرج، بل مجاوره.

وأهمل المصنف مما ذكر الناس في الصفات: الصفير والاستطالة والتفشي، وقد نظم شيخنا أبو حيان، رحمه الله، في صفات الحروف أبياتاً، تضمنها شرحه لهذا الكتاب، قرأتها عليه، حين قرأت عليه هذا الباب منه، وهي:

ص: 249

(75)

أنا هاو لمستطيل أغن

كلما اشتد صارت النفس رخوه

أهمس القول، وهو يجهر سبي

وإذا ما انخفضت، أظهر علوه

فتح الوصل، ثم أطبق هجراً

بصفير، والقلب قلقل شجوه

لان دهراً، ثم اغتدى ذا انحراف

وفشا السر، مذ تكررت نحوه

فالهاوي: الألف، والمستطيل: الضاد، والأغن: حرفا الغنة: النون والميم، والشديدة: أجدك تطبق، والرخوة: ما سواها، والمهموسة: سكت فحثه شخص، والمجهورة ما عداها، والمنخفضة: ما سوى المستعلية، والمستعلية: ما تقدم، والمنفتحة: غير المطبقة، والمطبقة: ما تقدم، وحروف الصفير: الصاد والسين والزاي، والقلقلة ما تقدم واللين تقدم أيضاً، والمنحرف: اللام، كما سبق؛ وعد الكوفيون الراء أيضاً، والتفشي: السين باتفاق، والصاد باختلاف، والمكرر: الراء؛ ولم يذكر المعتلة؛ لأن المراد: الأوصاف التي ينبني عليها الإدغام؛ وقد اعترض، رحمه الله تعالى، على المصنف في ذكرها، وإسقاط ما يتعلق بالإدغام، من الصفير والتفشي والاستطالة؛ مع أن المصنف إنما ذكر الفصل لما بعده من الإدغام.

(فصل في الإدغام): وعبارة سيبويه: الادّغام، على افتعال؛ وعبارة الكوفيين: إدغام، على إفعال؛ ولا يكون إلا في المثلين والمتقاربين، مع أن الإدغام في المتقاربين، يرجع إلى المثلين، لأن المقارب، يقلب من جنس الحرف الآخر.

ص: 250

(يدغم أول المثلين وجوباً، إن سكن) - نحو: اضرب بكراً.

(ولم يكن هاء سكت) - قالوا: لأن الوقف عليها منوي؛ فمن وصل "ماليه" من القراء، لم يدغم الهاء في هاء "هلك"، وجاء عن ورش، الإظهار والإدغام؛ قيل: والإدغام ضعيف من جهة القياس.

(ولا همزة منفصلة عن الفاء) - نحو: اكلأ أحمد، وذلك لثقل الهمزة، فإذا انضم إليها أخرى، ازداد الثقل، فالتزم في إحداهما البدل، على ما مر في تسهيل الهمز، فزال اجتماع المثلين، فلا يدغم؛ وقد يجوز الإدغام في الهمزتين، على ما حكى من تحقيقهما، وهي لغة رديئة؛ فإن اتصلت الهمزة بالفاء، وجب الإدغام، نحو: سأال ولأال.

(ولا مدة في آخر) - نحو: يعطي ياسر، ويغزو واقد؛ فلا يدغم هذا، فإن كان حرف لين، وجب الإدغام، نحو: اخشى ياسراً، واخشوا واقداً؛ وكذا إن كانت المدة ليست في آخر، فإنه يجب الإدغام، نحو: مغزو.

ص: 251

(أو مبدلة من غيرها، دون لزوم) - أي مدة مبدلة؛ وذلك إذا بنيت قاول للمفعول، قلت: قوول، ولا تدغم، لأن المدة المبدلة من الألف غير لازمة، لزوالها إذا لم تبن للمفعول، ويجب الإظهار، لئلا يلتبس بفعل، وفي قوله تعالى:"ورئياً"، إذا وقفت لحمزة، تبدل الهمزة ياء، وهو بدل غير لازم، لأنه إنما يكون في الوقف، فيجوز في قراءته أن تدغم لعدم لزوم البدل، وأن تدغم لعدم اللبس.

والحاصل أنه إذا كانت المدة مبدلة، لا يجب الإدغام، ولكن قد يمتنع، كالمسألة الأولى، وقد يجوز كالثانية؛ وخرج المدة المبدلة لزوماً فإنها تدغم؛ كأن تبنى من الأوب، اسماً كأبلم، فتقول: أوُّب، بالإدغام؛ والأصل: أأوب، بهمزتين، الثانية ساكنة، فأبدلت بمجانس حركة السابقة، كآدم وإيمان، وهو بدل لازم، فوجب الإدغام.

(وكذلك إن تحركا في كلمة) - أي وكذلك يدغم أول المثلين وجوباً، إن تحركا، على ما سيذكر، نحو: رد، وأصله: ردد، وحب، وأصله: حبب.

(لم تشذ) - نحو: ضبب البلد: كثرت ضبابه، وحكى

ص: 252

أبو زيد: طعام قضض: إذا كان فيه يبس.

(ولم يضطر إلى فكهما) - كقول العجاج:

(76)

الحمد لله العلي الأجلل

(ولم يصدَّرا) - نحو: ددن، فلا يجوز إدغام هذا؛ وإن كان أول المثلين المصدرين تاء المضارعة، فقد تدغم بعد مدة، نحو:"ولا تيمموا"، أو حركة نحو:"تكاد تميز".

ص: 253

ولم يسبقهما مزيد للإلحاق) - نحو: ألندد، والنجج، فلا يجوز الإدغام، لئلا يزول الإلحاق بسفرجل، فلو صغرت، ففي الإدغام خلاف، لزوال ما سبقهما من حرف الإلحاق، وهو النون.

(ولا مدغم في أولهما) - نحو: ردد يردد، فهو مردد؛ فلا يجوز إدغامه؛ لأن فيه إبطالاً للإدغام الذي قبله، فيحصل الإخلال بالكلمة.

(ولم يكن أحدهما ملحقاً) - نحو: قردد، وهو ملحق بجعفر، واسحنكك، وهو ملحق باحرنجم، فلا يجوز الإدغام؛ لأن فيه إبطال الإلحاق، بتحريك ما سكن في الملحق به، وتسكين ما تحرك فيه.

(ولا عارضاً تحريك ثانيهما) - نحو: لن يحيي ويحييه، واردد القوم.

(ولا موازناً ما هما فيه بجملته أو صدره: فَعَلاً أو فِعَلاً أو فُعَلاً

ص: 254

أو فُعُلاً أو فِعِلاً- بالموازن بجملته كطلل ولمم وصفف وذلل؛ فمتى كان الاسم على وزن من هذه لم يدغم، وذلك لخفة فعل، واختصاص غيره بالأسماء؛ والموازن بصدره نحو: الدججان وحممة وقررة للازق بأسفل القدر، وحببة: جمع حب، وهو الخابية.

وفي نسخة الرقي بعد: (أو فُعُلاً): (أو فِعِلاً) - أسقط من غيرها، لأن فِعِلاً كإبل، مفقود في المضاعف، وعلى هذا لو بنيت من الرد كإبل، لقلت: ردد، بالفك، لأنه بناء لا يكون إلا في الاسم كصفف وما بعده.

(وتنقل حركة المدغم إلى ما قبله إن سكن) - نحو: يرد

ص: 255

ويقر ومفر، والأصل: يردد ويقرر ومفرر؛ فنقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله، ثم أدغمت؛ وإنما نقلت ولم تحذف، لئلا يجتمع ساكنان على غير الحد؛ وفهم أنه إن تحرك ما قبل المدغم، بقي على حركته.

(ولم يكن حرف مد) - فإن كان، لم تنقل الحركة إليه، لأن الألف لا تقبلها، والواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، يشبهان الألف، وذلك نحو: راد، أصله: رادد، وتمود، أصله: تمودد؛ وقياس من يقول في تفاعل: تفيعل، أن يقول في تماد: تميد، وأصله: تميدد.

(أو ياء تصغير) - فلا تنقل إليها الحركة؛ لأن حرف المد إذا كان لمعنى، وضعه على السكون، كألف فاعل، وواو مفعول، وياء فعيل، وذلك نحو: دويبة وأصيم، تصغير دابة وأصم؛ فإن كان حرف اللين غير ياء التصغير، نقلت إليه الحركة، نحو: يود ومودة والأصل: يودد وموددة.

(ويجوز كسره، إن كان المدغم تاء الافتعال) - فإذا نقلت حركة التاء من اقتتل إلى القاف، ذهبت همزة الوصل، فتقول: قتل، بفتح القاف؛ ويجوز كسرها؛ ووجهه أنهم لما أسكنوا التاء،

ص: 256

لإدغامها في التاء، وكانت القاف ساكنة، التقى ساكنان، فكسرت على أصل التقاء الساكنين، وتقول في مضارع قتل يقتل: بكسر القاف والتاء، وكذا تكسرهما في اسم الفاعل، نحو: مقتل؛ ومنهم من يتبع الفاء الميم، فيقول: مقتل، بضمها، ويقول في اسم المفعول: مقتل، بكسر القاف وفتح التاء، ومنهم من يضم القاف لضم الميم، ومن العرب من يكسر حرف المضارعة، إتباعاً لحركة القاف.

(فإن سكن ثانيهما، لاتصاله بضمير مرفوع، أو لكون ما هما فيه أفعل، تعجباً، تعيَّن الفك) - نحو: رددت ورددن، وارددن، فلا يدغم هذا ونحوه، عند جمهور العرب من أهل الحجاز وغيرهم، ونحو: أحبب بزيد! . قال الشاعر:

(77)

وأحبب إلينا: أن تكون المقدما

ص: 257

وقال علي، رضي الله عنه: أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعاً مجدَّلا؛ وذهب الكسائي إلى أنه يدغم، فيقال: أحبَّ بزيد! .

(والإدغام قبل الضمير، لغية) - وهي لغة ناس من بكر ابن وائل، فيقولون: ردن وردت، وهي لغة ضعيفة؛ وحكى بعض الكوفيين: ردن، بزيادة نون ساكنة قبل نون الإناث مدغمة فيها؛ وحكى في ردت؛ ردات، بزيادة ألف، وهي في غاية الشذوذ.

(فإن سكن الثاني جزماً) - نحو: لم يردد.

(أو بناء) - نحو: اردد.

(في غير أفعل المذكور) - وهو المراد به التعجب، فإنه يتعين فيه الفك، نحو: أحبب بزيد، خلافاً للكسائي.

(أو كان ياء لازماً تحريكها) - نحو: حيي، وخرجت الياء العارض تحريكها نحو: لن يحيي، ورأيت محيياً، فإنه لا يجوز إلا إظهارها؛ وأجاز الفراء: لن يعيَّ زيد، بالإدغام.

(أو ولى المثلان فاء افتعال) - نحو: اقتتال.

ص: 258

(أو افعلال) - كقولهم في مصدر احووى، مبنياً من الحوة مثل احمرار: احوواء.

(أو كان أولهما بدل غير مدة) - نحو: "أثاثاً ورياًّ في وقف حمزة، فإنه يبدل الهمزة ياء؛ واحترز بغير مدة، من بدل المدة، فإنه يجب فيه الإظهار، فتقول في قاول: قوول، ولا تدغم.

(دون لزوم) - احترز من بدل غير المدة اللازم، نحو أن تبنى من الأوب اسماً على ابلم، فإنك تدغم، كما تقدَّم.

(جاز الفك والإدغام) - وهذا جواب قوله: فإن سكن الثاني جزماً، فيجوز في جميع ما سبق الإدغام والإظهار؛ فتقول: لم يرد، ولم يردد، ورد، واردد، ولغة الحجاز الفك، ولغة تميم الإدغام، وبعضهم يقول: هي لغة غير أهل الحجاز، ويقول: حي بالإدغام، وحيي بالفك؛ وقرئ بهما:"ويحيا من حي عن بينة"؛ وقال الخضراوي: الإظهار في عي، أكثر

ص: 259

في كلامهم، والإدغام جائز؛ وتقول: اقتتلوا اقتتالاً بالفك، وقتَّالاً بالإدغام؛ وكذا يجوز الفك والإدغام في احوواء، وإذا أدغمت قلت، عند الأخفش: حواء، وعند غيره: حياء، فتقلب الواو الساكنة ياء، لانكسار ما قبلها، ثم تقلب الثانية ياء، وتدغم؛ وكذا تقول في قراءة حمزة:"وريًّا" بالفك والإدغام.

(وقد يرد الإدغام في ياءين، غير لازم تحريك ثانيهما) - كقوله:

(78)

وكأنها بين النساء سبيكة

تمشي بسدة بيتها فتعي

يريد فتعيي، فأدغم؛ وليس تحريك الثانية بلازم، لأنها تسكن في الرفع، وتحرك في النصب.

(فلا يقاس عليه) - لشذوذ ذلك.

وقيل: إنه طعن على قائله؛ وقد سبق أن الفراء أجاز الإدغام

ص: 260

في لن تعيي؛ وقال النحاس: أجاز الفراء الإدغام في المستقبل؛ واحتج بأن الياء قد تتحرك نحو: "أن يحيي الموتى"؛ ولا وجه لقوله عند البصريين؛ لأن التحريك عارض.

(ويعل ثاني اللامين في افعل وافعال، من ذوات الواو والياء، فلا يلتقي مثلان، فيحتاج إلى الإدغام) - فإذا بنيت من الرمي: افعل، قلت: ارميا، وافعال، قلت: ارمايا؛ وأصل: ارميا: ارميي، تحركت الياء الثانية، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً؛ وذلك لأن اللام المعتلة إذا ضوعفت، صحت اللامالأولى، وجرت في ذلك مجرى العين، وتعتل الثانية، ويصير نظير هوى، وتقول في المضارع: يرميي كيحيي؛ وأصل ارمايا: ارمايي، تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، وتقول في المضارع: يرمايي؛ وتقول فيهما من ذوات الواو: اغزوى واغزاوى؛ والعمل كما تقدم.

(خلافاً للكوفيين في المثالين) - فيدغمون في افعل وافعال،

ص: 261

من ذوات الياء وذوات الواو، فيقولون: ارمي واغزو، وارماي واغزاو؛ والسماع يرده؛ قالوا: ارعوى، وهو افعل كاحمر، مطاوع رعوته؛ واقتوى: افتعل من القتو، وهو الخدمة؛ فلم يدغموا، فيقولوا: ارعو واقتو.

وفي نسخة البهاء الرقي وغيره، بدل المثالين: المسألتين؛ وهو قريب؛ والمراد: مسألتا ذوات الياء وذوات الواو؛ أو مسألتا افعل وافعال.

(وفي مثل سبعان من القوة، ثلاثة أوجه؛ أقيسها إبدال الضمة كسرة، وتاليها ياء) - فتقول: قويان؛ وهذا قول الأخفش والمازني والمبرد وأكثر أهل العلم، تشبيها للألف والنون بهاء التأنيث؛ قالوا: وقد نص سيبويه على القلب في فعلوة من الغزو، فيقول: غزوية؛ والثاني مذهب سيبويه، أنك تقول: قووان، بتصحيح الواوين، من غير إدغام ولا قلب؛ لاختصاص ما فيه من زيادة بالأسماء؛ فصحح، كما في الجولان؛ وهذا هو الفارق بين بناء مثل سبعان من قوة، ومثل مقدرة من غزو؛ فإنما يعل ويدغم ما أشبه الفعل؛ والتاء تدخل في الاسم والفعل، وزيادة سبعان تخص الاسم.

ص: 262

(والإدغام أسهل ن القلب) - وهو قول ابن جني، قال: لأنهما مثلان متحركان في مثال يوجد في الأفعال، لأن قوو من قووان، كظرف؛ والإظهار مستثقل، ولا نظير له؛ وهذا هو القول الثالث.

وقوله: أسهل من القلب، إشارة إلى القول الآخر، وهو الثاني؛ وقد سبقت المسألة في الفصل المفتتح بقوله: تبدل الألف ياء، لوقوعها إثر كسرة، وهو الفصل الثامن.

(ولا يجوز إدغام في مثل جحمرش من الرمي، لعدم وزن الفعل) - فإذا قلت: رمييي كجحمرش، قلبت الياء المتوسطة واواً، كراهة اجتماع الأمثال، فتقول: رميوي، ويصير من المنقوص؛ أو قلبتها ألفاً، لأنها ياء تحركت وانفتح ما قبلها؛ وتسلم الثالثة، كما سلمت ياء آي وزاي.

(خلافاً لأبي الحسن) - في قوله: إنك تنقل حركة الياء الأولى، إلى الساكن قبلها، وتدغم في الياء، فتتطرف الياء الثالثة بعد ياء مكسورة مدغمة فيها أخرى، فتحذفها، كما في أخي؛ وقد سبقت المسألة في آخر الفصل التاسع من فصول البدل، ولم يرجح هناك شيئاً من الثلاثة.

ص: 263

(فصل): (إذا تحرك المثلان من كلمتين، ولم يكونا همزتين، جاز الإدغام) - نحو: فعل لبيد، ويد داود؛ والإظهار لغة أهل الحجاز؛ وخرج نحو: قرأ أبوك؛ والإدغام في هذا ونحوه رديء.

(ما لم يليا ساكناً) - فإن ولياه، امتنع الإدغام؛ وهذا هو قول البصريين؛ وقد قرأ أبو عمرو بالإدغام في:"الرعب بما"، "والشمس سراجاً"، "شهر رمضان"، وغير ذلك، مما قبل المدغم فيه ساكن صحيح؛ وتأوله من منع ذلك على الإخفاء؛ والذين نقلوا عنه الإدغام من أهل القراءة، لا يخفى عليهم الأمر، حتى يجعلوا الإخفاء إدغاماً؛ فالصواب عدم المنع؛ وقد أجاز الفراء الإدغام بعد الساكن الصحيح على وجهين، أحدهما: الجمع بين الساكنين، كما روى أهل القراءة؛ والثاني: إلقاء حركة الأول على الساكن قبله؛ واستضعف هذا، وخرج عليه قولهم: عبشمس، فقال: أصله: عبد شمس، فأدغموا الدال في الشين، ونقلوا حركتها إلى الباء؛ وإذا فعلوه في المتقاربين، ففي المثلين أحرى؛ ولا يجيز سيبويه والبصريون شيئاً من الوجهين؛ والحق جواز الأول.

ص: 264

(غير لين) - فإن كان الساكن حرف لين، جاز الإدغام، نحو: المال لك، وثوب بنت، وجيب بكر؛ وهذا إذا لم يكن حرف اللين قد أدغم نحو: عدو واقد، وولي يزيد؛ وهذا القيد يفهم من قوله فيما تقدم: ولا يدغم في أولهما.

(ويبدل الحرف التالي متحركاً، أو ساكناً ليناً، بمثل مقاربه الذي يليه، ويدغم جوازاً) - نحو: "يعذب من يشاء"، وهذا سحاب مطر؛ وخرج الساكن الذي ليس بلين، نحو: ضرب مالك؛ وقد أدغم الفراء شيئاً منه، نحو:"والحرث ذلك"؛ وكان الجاري على الاستعمال العربي أن يقول: (ويبدل بالحرف مثل مقاربه .. ) - فإن الباء في مثله تدخل على المتروك، نحو:"وبدلناهم بجنتيهم جنتين".

(ما لم يكن ليناً) - فإن كان الذي يقارب لينا، لم يبدل ولم يدغم، نحو: قضو ياسر، وحيي واقد.

ص: 265

(أو همزة) - نحو: قرأ هارون؛ ولا التفات إلى من جوَّز الإدغام في الهمزتين، لرداءته.

(أو ضاداً) - فلا تدغم الضاد في شيء، لأن فيها استطالة وإطباقاً واستعلاء؛ وليس لها مقارب يشركها في ذلك؛ وشذ إدغامها فيما سيأتي.

(أو شيناً) - فلا تدغم إلا فيما سيأتي؛ لأن في إدغامها إخلالاً بصفتها.

(أو فاء) - لما سبق في الشين؛ ويأتي ما تدغم فيه.

(أو ميماً) - فلا تدغم في مقاربها، وهو الفاء والباء والواو؛ وسيأتي ما تدغم فيه.

(أو صفيرياً قبل غير صفيري) - فلا يدغم صفيري فيما يقاربه، مما ليس صفيرياً، لأن في إدغامه فيه إخلالاً بالصفير؛ وسيأتي ما يدغم فيه.

(أو يلتق الحرفان في كلمة، يوهم الإدغام فيها التضعيف) - نحو: أنملة، فلا تدغم؛ لأنه لا يدرى، إذا أدغمت، أن الأصل أنملة او أمملة، لأن كليهما وزنه: أفعلة، فيلتبس بإدغام المثلين؛ ولذا بينت العرب النون الساكنة، إذا وقعت قبل الميم، نحو: زنماء،

ص: 266

ولم تخفها، لأن الإخفاء يقربها من الإدغام، فخافوا التباس الإخفاء بالإدغام؛ فإن كان لا يوهم التضعيف، جاز الإدغام، نحو: انفعل من المحو، فلك أن تقول: انمحى، فلا تدغم، ولك أن تدغم، فتقول: امَّحَى؛ لأن التضعيف لا يمكن فيه، لأن افَّعلَ مفقود في كلامهم.

(وإدغام اللام في الراء جائز، خلافاً لأكثرهم) - وفي نسخة قرئت عليه، وعليها خطه:

(وإدغام الراء في اللام محفوظ) - والذي ذهب إليه الخليل وسيبويه وأصحابه، أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام، ولا في النون؛ لأجل التكرير؛ وأجاز ذلك الكسائي والفراء، وحكياه سماعاً؛ وأجازه أيضاً وسمعه من العرب أبو جعفر الرؤاسي، وهو إمام من أئمة العربية واللغة، من الكوفيين؛ وبه قرأ أبو عمرو؛ فتدغم الراء الساكنة في اللام، نحو:"يغفر لكم"؛ وله في المتحركة تفصيل؛ وحمل ما ذكر القراء من الإدغام على الإخفاء، ضعيف جداً، ولم يجعل الله لغة العرب محصورة فيما حفظه البصريون؛ ثم الاعتماد على التكرار ضعيف، فقد نوزع في أن التكرار صفة ذاتية للراء؛ وقد كان بعض العلماء ينطق بها بما لا يبقى فيها شيئاً من التكرار، مع أن في الإدغام إزالة لثقل التكرار؛ لو كان ذاتياً.

ص: 267

(وربما أدغم الفاء في الباء) - كقراءة الكسائي: "إن نشأ نخسف بهم"؛ قيل: وإدغامها ضعيف في القياس، ولا يحفظ من كلامهم؛ لما فيه من إذهاب التفشي.

(والضاد في الطاء) - نحو: مضطجع؛ الأوجه البيان؛ وإن أدغم، قلب الثاني للأول، نحو: مضجع، كمصبر في مصطبر؛ قال سيبويه: وقد قال بعضهم مطجع، ومضجع أكثر؛ وروى اليزيدي عن أبي عمرو، إدغام الضاد في الذال، نحو:"الأرض ذلولاً"؛ وأدغمت أيضاً في الشين، نحو:"لبعض شأنهم".

(والسين في الشين) - نحو: "واشتعل الرأس شيباً"؛ واختلف فيه، عن أبي عمرو؛ فمنهم من روى عنه الإدغام، ومنهم من روى المنع؛ وروى عن أبي عمرو أيضاً الإدغام في عكسه، نحو:"إلى ذي العرش سبيلاً"؛ ولا يجيز البصريون شيئاً من هذا.

(وتدغم في الفاء والميم، الباء) - نحو: اضرب فاجراً، واصحب مطراً.

(وفي الحاء، الهاء) - نحو: اجبه حاتماً، يجوز إدغامه، والأحسن البيان، لاختلاف المخرجين؛ وقيل: تدغم الهاء

ص: 268

في الحاء، والحاء في الهاء، نحو: امدح هلالاً؛ وتقلب في الوجهين الهاء إلى الحاء؛ ونص سيبويه على أنه لا تدغم الحاء في الهاء.

(وفي الشين والتاء، الجيم) - نحو: "أخرج شطأه"؛ والإدغام والبيان حسنان؛ ولا تدغم الشين في الجيم، لأجل تفشي الشين، كرهوا إذهابه؛ وفي اللباب لأبي البقاء، أن الشين تدغم في الجيم، نحو: أعطش جحدراً؛ وجاء عن أبي عمرو، أنه أدغم الجيم في التاء، في قوله تعالى:"ذي المعارج. تعرج"، ولم يذكر سيبويه إلا إدغام الجيم في الشين فقط، وقد حملت قراءة:"المعارج. تعرج" على الإخفاء، وفيه ما عرفت.

(وفيها) - أي في الجيم.

(وفي الشين والضاد، الطاء والظاء، وشركاؤهما في المخرج) - أي شركاء الطاء والظاء؛ فتشارك الطاء الدال والتاء، وتشارك الظاء الذال والثاء؛ فهذه الستة، يدغم كل واحد منها في الجيم وفي الشين وفي الضاد؛ فالطاء في الثلاثة: اضبط جعفرا، أو سالماً، أو ضمرة؛ والدال في الثلاثة: ابعد جعفرا، أو سالما، أو ضمرة؛ والتاء في الثلاثة: اسكت مع الثلاثة؛ والظاء في الثلاثة: عظ مع الثلاثة؛ والذال فيها: خذ معها؛ والتاء فيها: ليت معها؛ ولم يحفظ سيبويه إدغام الستة في الجيم؛ وذكره السيرافي وغيره.

ص: 269

(والأولى، إبقاء إطباق المطبق) - أي من هذه الستة، وهو الطاء والظاء؛ فمن العرب من يبقى الإطباق، كما يبقى الغنة في إدغام النون؛ وبعضهم يذهبه، كما يذهب الغنة؛ وقال سيبويه: كل عربي؛ أي إبقاء الإطباق، وتركه؛ وليس في كلامه تعرض لأولوية.

(فصل): (وقع التكافؤ في الإدغام) - أي أدغم هذا الحرف في ذاك، وذاك في هذا.

(بين الحاء والعين) - فالحاء والعين، كما جاء عن أبي عمرو، من طريق أبي الزعراء:"فمن زحزح عن النار" بالإدغام؛ وحمله على الإخفاء ضعيف؛ وقد جاء عن أبي عمرو، أنه قال: من العرب من يدغم الحاء في العين، كقوله تعالى:"فمن زحزح عن النار"، ومنع سيبويه ذلك، لأن الحاء أدخل في الفم، يرده السماع الصحيح؛ والعين في الحاء نحو: اقطع حبلك؛ قال سيبويه: الإدغام والبيان حسنان؛ والفرق بين هذا وما قبله، أن في ذلك قلب الأخرج إلى الفم، إلى الأدخل.

(وبين الخاء والغين) - نحو: اسلخ غنمك، وادمغ خلفا؛ قيل: والإدغام والبيان فيهما حسنان؛ والذي نص عليه سيبويه، أن إدغام الغين في الخاء، نحو: اسلخ غنمك، أحسن من العكس.

(وبين القاف والكاف) - نحو: الحق كندة، وأمسك قطبا؛

ص: 270

والبيان والإدغام حسنان؛ وقيل: الإدغام أحسن؛ وقيل إدغام القاف في الكاف أحسن من العكس.

(وبين الصفيرية) - فتدغم الصاد في السين والزاي؛ والسين في الصاد والزاي؛ والزاي في الصاد والسين؛ وذلك لتقاربهن في المخرج، واجتماعهن في الصفير؛ والإدغام إذا كان الأول ساكناً أحسن منه إذا كان متحركاً؛ وقيل: إن الإدغام فيهن أحسن من الإظهار؛ وذلك نحو: محص سالم أو زاهر، وحبس صابر أو زاهر، وأوجز صابر أو سالم.

(وبين الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء) - فكل من هذه الستة، يجوز إدغامه في الخمسة الباقية؛ فالطاء نحو: اربط دارما، أو تميما، أو ظالما، أو ذيبا، أو ثابتا؛ والدال نحو: قد طوى، أو تلا، أو ظلم، أو ذرا، أو ثبت؛ والتاء:"قالت طائفة"، جاءت دنيا، رأت ظالما، قتلت ذيبا، أخذت ثعلبا؛ والظاء: عظ تميما أو داود أو طالوت أو ذا النون، أو ثابتا؛ والذال: إذ طال، أو تلا، أو ظلم، أو دنا، أو ثبت؛ والثاء: ابعث تميما أو طاهرا، أو داود، أو ظافرا، أو ذا النون.

(وتدغم الستة في الصفيرية) - فتدغم الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء، في الصاد والسين والزاي؛ فالطاء؛ ضبط

ص: 271

صابر، أو سالم، أو زاهر؛ والدال: وجد مع الثلاثة؛ والتاء: ثبت معها؛ والظاء: حفظ معها؛ والثاء: بعث معها؛ والذال: إذ صبر أو سلم أو زار.

(وتدغم في التسعة وفي الشين والضاد والنون والراء، اللام وجوباً إن كانت للتعريف) - فالتسعة ما سبق من الطاء إلى الزاي؛ وإنما لزم الإدغام، لكثرة استعمال حرف التعريف، فآثروا لذلك التخفيف؛ قال سيبويه: لزم التخفيف، كما لزم تخفيف يرى؛ وهذا اللزوم هو الذي حفظه البصريون؛ وقال الكسائي: سمعت العرب تظهر لام التعريف عند هذه الأحرف، إلا عند اللام والراء والنون فقط، فيقولون: الصامت.

(أو شبيهتها) - وهي التي للمح الأصل والزائدة، نحو: النعمان واليزيد.

(وإلا فجوازاً) - أي وإلا تكن اللام للتعريف أو شبيهة بها، يكن الإدغام جائزاً لا واجباً.

(بقوة في الراء) - نحو: هل رأيت، وذلك لأن الراء أقرب الحروف إلى اللام؛ قال سيبويه: والإظهار لغة لأهل الحجاز عربية. انتهى.

ص: 272

ولكون الإدغام أحسن، قرأ معظم القراء به، وقرأ حفص:"بل ران" بالإظهار، بسكتة لطيفة على اللام، تحقيقاً للإظهار، وعن قالون موافقته، لكن لا يسكت، وعنه أيضاً الإظهار في:"بل ربكم" و"بل ران" وغيرهما.

(وبضعف في النون) - ولهذا رجع السبعة، غير الكسائي، إلى الإظهار في:"هل ندلكم"؟

(وبتوسط فيما بقي) - وهو أحد عشر حرفاً، نحو: هل طلب؟ أو دنا، أو تكلم، أو ظلم، أو ذهب، أو ثأر، أو صبر، أو سمع، أو زال، أو شهد، أو ضرب؟ ولكن ليس التوسط فيها متساوياً، بل متقارب؛ ذكره سيبويه وغيره.

(فصل): (تدغم النون الساكنة، دون غنة، في الراء واللام) - نحو: "من ربهم"، و"من لدنه"، ويدخل في قوله: النون الساكنة: التنوين؛ وترك الغنة هو المشهور عند أهل الأداء؛ وذكر بعضهم الإجماع عليه، لكن قال سيبويه: إن شئت

ص: 273

كان إدغامها بلا غنة، وإن شئت أدغمت بغنة. انتهى. وقال أبو جعفر بن الباذش: الآخذون بالغنة في الراء واللام كثيراً جداً، عن جميع القرَّاء؛ وهو مذهب سيبويه، صحيح مشهور في العربية؛ وبعضهم يرجحه على إذهابها. انتهى. وروى إبقاء الغنة، عن أهل الحجاز وابن عامر وعاصم.

(وبها في مثلها) - أي وبالغنة في النون، نحو: من نايب؛ وهذا من إدغام المثلين، لا المتقاربين.

(والميم) - نحو: من مالك، والمعروف ما ذكر من الغنة؛ وجاء عن عاصم وحمزة، أن إدغام النون الساكنة والتنوين في الميم بغير غنة، وغلط ناقله، وحمل إن لم يغلط، على أن المعنى بغير غنة للنون والتنوين، وإنما الغنة للميم التي أبدلا إليها بحق الإدغام؛ ولامحققون على أن الغنة للميم المبدلة، وهو إدغام تام؛ وذهب ابن كيسان وابن مجاهد في أحد قوليه، إلى أن الغنة للنون أو التنوين؛ وهو إدغام غير مستكمل، والتشديد غير بالغ.

(والواو) - وتدغم بغنة، وبغير غنة، نحو:"من والٍ".

(والياء) - نحو: "من يوم"، ويكون بغنة، وبغيرها؛

ص: 274

وما ذكر من أن النون الساكنة تدغم في الميم والواو والياء هو في الكلمتين؛ فأما في الكلمة، فالإظهار، نحو: زنماء وصنوان ودنيا؛ لئلا يلتبس بالمضاعف؛ قال سيبويه: وقالوا: امَّحَى، حيث لم يلتبس.

(وتظهر عند الحلقية) - من كلمة ومن كلمتين؛ وذكر سيبويه وغيره من النحويين وأهل الأداء، أنه يجوز إخفاؤها عند الغين والخاء، وذكره سيبويه عن قوم من العرب؛ وروى عن قالون، أنه قرأ بذلك.

(وتقلب ميما عند الباء) - وسبق هذا عند قوله في البدل: وأبدلت الميم من النون الساكنة قبل باء.

(وتخفى مع البواقي) - وهي خمسة عشر حرفاً: التاء والثاء والجيم والدال والذال والزاي، والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والفاء والقاف والكاف؛ والإخفاء حال بين الإظهار والإدغام، وإظهار النون الساكنة وبيانها عند هذه الحروف لحن.

(وكذا يفعل قاصد التخفيف، بكل حرف امتنع إدغامه لوصف فيه) - كالضاد مع الشين مثلاً، نحو:"لبعض شأنهم"، فيحمل ما روى فيه من الإدغام على الإخفاء، وأخفى حركة الضاد، فيوهم الإدغام؛ هكذا قالوا؛ فإذا استثقلت حركة

ص: 275

الحرف، وأريد تخفيفه، ولم يمكن تخفيفه بالإدغام، خفف بإخفاء الحركة، وهو المعبر عنه بالاختلاس؛ وهو أن لا تشبع الحركة، بل ينطق بها مختطفة بسرعة، بحيث لا يكون لها تمكين ولا إشباع، بل ينطق بها بينهما.

(أو لتقدم ساكن صحيح) - نحو: "الرعب بما"، فالباء مما يدغم، لكن منعها ساكن صحيح؛ فالإدغام يؤدي إلى الجمع بين الساكنين، على غير الحد، فيمنع؛ فإذا أريد التخفيف، سلك الإخفاء؛ فلو كان الساكن غير صحيح، نحو: ثوب بكر، أو كان المتقدم متحركاً، نحو:"لذهب بسمعهم"، جاز ذلك.

(وقد يجري المنفصل، مجرى المتصل، في نقل حركة المدغم إلى الساكن) - فيفعل في المنفصل، ما يفعل في يرد ونحوه من المتصل؛ فأصله: يردد، نقلت حركة الدال الأولى إلى الراء، ثم أدغمت؛ وذلك لئلا يتوالى ساكنان على غير الحد؛ وعلى هذا النحو خرّج من المنفصل قولهم في عبد شمس: عبشمس؛ نقلوا حركة الدال إلى الباء، وأدغموا الدال في الشين؛ وقول البصريين: إن هذا ليس أصله: عبد شمس، وإنما أصله: عبء شمس، أي ضوؤها، فنقل حركة

ص: 276

الهمزة إلى الباء مردود؛ فقد نقله الفراء في عبد شمس العلم؛ وعلى ذلك جرى الفارسي في الإفصاح.

(فصل) - (تدغم تاء تفعل وشبهه في مثلها) - فتدغم التاء في التاء، فتقول: اتبع؛ وشبه تفعل: تفاعل فتقول في تتابع: اتابع؛ قال:

(79)

تولى الضجيع إذا ما اشتافها خضرا

عذب المذاق، إذا ما اتابع القبل

(ومقاربها) - وهو أحد عشر حرفاً: الثاء والجيم والدال والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء، نحو:"اثاقلتم" أصله: تثاقلتم، "الذين يظاهرون منكم من نسائهم" أصله: يتظاهرون.

(تالية لهمزة الوصل) - أي في غير المضارع؛ وثبت في نسخة قرئت على المصنف، وعليها خطه:

ص: 277

(تالية لهمزة الوصل، في الماضي والأمر) - وذلك نحو: "اثاقلتم"، "فادارأتم"، و"ازينت"، "فاطهروا"، وإنما جيء بهمزة الوصل لتسكين التاء للإدغام، ولا يبتدأ بساكن، ولهذا لم يحتج للهمزة في المضارع، لأنه مفتتح بحرف متحرك؛ وإنما قلت: في غير المضارع، ليدخل المصدر، فإنه يكون بالهمزة، نحو: اطاهر، الطاهراً؛ وادارأ، ادارؤاً؛ ويضم ما قبل آخر المصدر، كما يفعل ذلك مع التاء، نحو: تطهراً وتدارؤاً.

(وقد يحذف تخفيفاً، المتعذر إدغامه، لسكون الثاني) - نحو: أحست في أحسست، وظلت في ظللت، وهي لغة سليم. وقد ذكر المصنف المسألة في آخر الفصل الثاني من باب التقاء الساكنين، وفي وسط الفصل السابع من فصول البدل.

(كاستخذ في الأظهر) - والأصل: استتخذ، على استفعل، فحذفت التاء لتعذر الإدغام، بسبب السكون؛ وقيل: أصله: اتخذ، على افتعل، والسين بدل من التاء.

(أو للاستثقاله، بتصدّر الأول، كتنزَّل) - أصله:

ص: 278

تتنزَّل، فاستثقل اجتماع مثلين، فخفف بحذف أحدهما، لتعذر الإدغام؛ فلو أدغموا، لأتوا بهمزة الوصل، والمضارع لا تدخل عليه همزة الوصل؛ فإن لم يحتج في المضارع إلى همزة الوصل، جاز الإدغام، كقراءة:"ولا تناجوا" بالإدغام، لمكان المد.

"ونُزِّلُ الملائكة"- أصله: نُنَزِّلُ الملائكة؛ فكرهوا اجتماع المثلين، فحذفوا؛ وثبت في نسخة قرئت عليه، وعليها خطه:(أو لاستثقاله) بتصدر المدغم، كتزل.

(والمحذوفة هي الثانية، لا الأولى، خلافاً لهشام) - ويعني بتصدر المدغم: تصدر الحرف الذي كان يدغم؛ وما نقله عن هشام، نقله غيره عن الكوفيين؛ فالمحذوف في هذه المقالة، حرف المضارعة؛ ومذهب سيبويه وغيره من البصريين أن المحذوف الثانية؛ قال سيبويه: وكانت الثانية أولى بالحذف، لأنها هي التي تسكن وتدغم في نحو "فادارأتم"، "وازينت" أي فكما وقع إدغام التي لغير المضارعة، يكون الحذف أيضاً لها؛ فكلاهما تخفيف.

ص: 279