المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌47 - قول الإمام أبي سليمان الخطابي (المتوفى: 388): - المعنى في صفات الله تعالى معلوم والكيف مجهول

[محمد بن عبد الله المقشي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - قول الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي (المتوفى: 136):

- ‌2 - قول الإمام حماد بن أبي حنيفة (المتوفى: 176):

- ‌3 - قول الإمام مالك بن أنس (المتوفى: 179):

- ‌4 - قول الحافظ حماد بن زيد بن درهم (المتوفى: 179):

- ‌5 - قول عبد الله بن المبارك (المتوفى: 181):

- ‌6 - قول الإمام الفضيل بن عياض (المتوفى: 187):

- ‌7 - قول الإمام وكيع بن الجراح بن مليح (المتوفى: 197):

- ‌8 - قول الحافظ يزيد بن هارون (المتوفى: 206):

- ‌9 - قول الحافظ بشر بن عمر الزهراني (المتوفى: 207):

- ‌10 - قول الإمام أبي عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: 209):

- ‌11 - قول الإمام عبد الله بن مسلمة القعنبي (المتوفى: 221):

- ‌12 - قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام (المتوفى: 224):

- ‌13 - قول الإمام محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (المتوفى: 231):

- ‌14 - قول الإمام يحيى بن معين (المتوفى: 233):

- ‌15 - قول الإمام إسحاق بن راهويه (المتوفى: 238):

- ‌16 - قول الإمام قتيبة بن سعيد (المتوفى: 240):

- ‌17 - قول الإمام أحمد بن حنبل (المتوفى: 241):

- ‌18 - قول الإمام الحارث بن أسد المحاسبي (المتوفى: 243):

- ‌19 - قول الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى: 256):

- ‌20 - قول يحيى بن إبراهيم بن مزين (المتوفى: 259):

- ‌21 - قول الإمام أبي محمد ابن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276):

- ‌22 - قول الإمام محمد بن عيسى الترمذي (المتوفى: 279):

- ‌23 - قول الإمام حرب الكرماني (المتوفى: 280):

- ‌24 - قول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (المتوفى: 280)

- ‌25 - قول الإمام الحسين بن الفضل البجلي (المتوفى: 282):

- ‌26 - قول الحافظ أبي بكر بن أبي عاصم (المتوفى: 287):

- ‌27 - قول الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى، المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة

- ‌28 - قول الإمام أبي جعفر الترمذي محمد بن أحمد بن نصر (المتوفى: 295):

- ‌29 - قول الحافظ زكريا بن يحيى الساجي (المتوفى: 307)

- ‌30 - قول شيخ المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى:310):

- ‌31 - قول إمام الأئمة محمد ابن خزيمة (المتوفى: 311):

- ‌32 - قول الإمام أبي عبد الله الزبيري الشافعي (المتوفى: 317):

- ‌33 - قول الإمام أبي الحسن الأشعري (المتوفى: 324):

- ‌34 - قول الإمام أبي بكر ابن الأنباري (المتوفى: 328):

- ‌35 - قول الإمام البربهاري الحسن بن علي بن خلف شيخ الحنابلة ببغداد (المتوفى: 329):

- ‌36 - قول الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (المتوفى: 354):

- ‌37 - قول الحافظ أبي أحمد القصاب (المتوفى: 360):

- ‌38 - قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (المتوفى: 360):

- ‌39 - قول الإمام أبي إسحاق بن شاقلا (المتوفى: 369):

- ‌40 - قول الإمام أبي منصور الأزهري (المتوفى: 370):

- ‌41 - قول الحافظ أبي بكر الإسماعيلي (المتوفى: 371):

- ‌42 - قول الإمام محمد بن خفيف الشيرازي (المتوفى: 371):

- ‌43 - قول الإمام أبي الحسين الملَطي: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن (المتوفى: 377):

- ‌44 - قول الإمام محمد بن إبراهيم الكلاباذي (المتوفى: 380):

- ‌45 - قول الإمام ابن أبي زيد القيرواني (المتوفى: 386):

- ‌46 - قول الإمام عبيد الله بن محمد العُكْبَري المعروف بابن بَطَّة (المتوفى: 387):

- ‌47 - قول الإمام أبي سليمان الخطابي (المتوفى: 388):

- ‌48 - قول الإمام أبي عبد الله ابن منده (المتوفى: 395):

- ‌49 - قول الإمام أبي عبد الله محمد ابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399):

- ‌50 - قول الإمام أبي بكر محمد بن موهب التجيبي المالكي (المتوفى: 406):

- ‌51 - قول الإمام العارف شيخ الصوفية معمر بن زياد الأصبهاني (المتوفى: 418):

- ‌52 - قول الخليفة القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر (المتوفى: 422):

- ‌53 - قول الحافظ أبي عمر الطلمنكي المالكي (المتوفى: 429):

- ‌54 - قول الحافظ أبي نعيم الأصبهاني (المتوفى: 430):

- ‌55 - قول الإمام علي بن عمر الحربي (المتوفى: 442):

- ‌56 - قول الحافظ أبي نصر السجزي (المتوفى: 444):

- ‌57 - قول الإمام أبي عمرو الداني عثمان بن سعيد (المتوفى: 444):

- ‌58 - قول شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني (المتوفى: 449):

- ‌59 - قول الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (المتوفى: 458):

- ‌60 - قول القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء (المتوفى: 458):

- ‌61 - قول الحافظ ابن عبد البر (المتوفى: 463):

- ‌62 - قول الحافظ الخطيب البغدادي (المتوفى: 364):

- ‌63 - قول الإمام أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني إمام الشافعية في وقته (المتوفى: 471):

- ‌64 - قول شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (المتوفى: 481):

- ‌65 - قول فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي الحنفي (المتوفى: 482):

- ‌66 - قول شمس الأئمة السرخسي الحنفي (المتوفى: 483):

- ‌67 - قول الإمام أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي (المتوفى: 486):

- ‌68 - قول محيي السنة البغوي (المتوفى: 516، أو 510):

- ‌69 - قول أبي الحسين محمد ابن أبي يعلى (المتوفى: 526):

- ‌70 - قول الإمام أبي الحسن علي ابن الزاغوني (المتوفى: 527):

- ‌71 - قول شيخ الحرمين أبي الحسن الكرجي الشافعي (المتوفى: 532)

- ‌72 - قول قوام السنة أبي القاسم التيمي الأصبهاني (المتوفى: 535):

- ‌73 - قول الإمام يحيى ابن أبي الخير العِمراني شيخ الشافعيين باليمن (المتوفى: 558):

- ‌74 - قول شيخ الإسلام عبد القادر الجيلاني (المتوفى: 561):

- ‌75 - قول الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى: 600):

- ‌76 - قول الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620):

- ‌77 - قول الحافظ أبي العباس القرطبي (المتوفى: 656):

- ‌78 - قول الإمام أبي طاهر القرشي (المتوفى: 669):

- ‌79 - قول المفسر أبي عبد الله القرطبي (المتوفى: 671):

- ‌80 - قول الإمام أحمد بن حمدان بن شبيب الحنبلي (المتوفى: 695):

- ‌81 - قول الإمام علي بن محمد المشهور بابن المنيّر (المتوفى: 699):

- ‌82 - قول العلامة أحمد بن إبراهيم، عماد الدين الواسطي الشافعي الصوفي، المعروف بابن شيخ الحزامية (المتوفى: 711 هـ):

- ‌83 - قول الإمام سليمان بن عبد القوي، نجم الدين الطوفي (المتوفى: 716):

- ‌84 - قول شيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى: 728):

- ‌85 - قول الحافظ محمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744):

- ‌86 - قول الحافظ أبي عبد الله الذهبي مؤرخ الإسلام (المتوفى: 748):

- ‌87 - قول الحافظ ابن القيم (المتوفى: 751):

- ‌88 - قول الحافظ إسماعيل ابن كثير (المتوفى: 774):

- ‌89 - قول العلامة ابن أبي العز الحنفي (المتوفى: 792):

- ‌90 - قول الحافظ ابن رجب (المتوفى: 795):

- ‌91 - قول العلامة تقي الدين المقريزي الشافعي (المتوفى: 845):

- ‌92 - قول العلامة مرعي الكرمي المقدسي (المتوفى: 1033):

- ‌93 - قول العلامة عبد الباقي المواهبي (المتوفى: 1071):

- ‌94 - قول العلامة عثمان بن أحمد النجدي (المتوفى: 1097):

- ‌95 - قول العلامة صالح بن مهدي المقبلي (المتوفى: 1108):

- ‌96 - قول العلامة محمد السفاريني (المتوفى: 1188):

- ‌97 - قول الإمام محمد بن علي الشوكاني (المتوفى: 1250):

- ‌98 - قول العلامة محمود الألوسي مفتي الحنفية ببغداد (المتوفى: 1270):

- ‌99 - قول العلامة محمد صديق خان القنَّوجي (المتوفى: 1307):

- ‌100 - قول العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى (المتوفى: 1327):

- ‌101 - قول العلامة جمال الدين القاسمي (المتوفى: 1332):

- ‌102 - قول العلامة محمد أنور شاه الكشميري الهندي (المتوفى: 1353):

- ‌103 - قول العلامة محمد رشيد رضا (المتوفى: 1354):

- ‌104 - قول العلامة عبد الحميد بن باديس (المتوفى: 1359):

- ‌105 - قول العلامة عبد الله بن محمد الخزرجي (المتوفى: 1362):

- ‌106 - قول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى: 1376):

- ‌107 - قول العلامة المحدث أحمد محمد شاكر (المتوفى: 1377):

- ‌108 - قول العلامة محمد حامد الفقي (المتوفى: 1378):

- ‌109 - قول العلامة عبد الرحمن المعلمي (المتوفى: 1386):

- ‌110 - قول العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ (المتوفى: 1389):

- ‌111 - قول العلامة محمد الأمين الشنقيطي (المتوفى: 1393):

- ‌112 - قول العلامة محمد خليل هراس (المتوفى: 1395):

- ‌113 - قول العلامة محمد بهجة البيطار (المتوفى: 1396):

- ‌114 - قول العلامة عبد العزيز بن باز (المتوفى: 1420):

- ‌115 - قول العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420):

- ‌116 - قول العلامة محمد بن صالح بن عثيمين (المتوفى: 1421):

- ‌117 - قول العلامة بداه بن البصير الشنقيطي المفتي العام بموريتانيا (المتوفى: 1430):

الفصل: ‌47 - قول الإمام أبي سليمان الخطابي (المتوفى: 388):

‌47 - قول الإمام أبي سليمان الخطابي (المتوفى: 388):

قال الخطابي في كتابه الغنية عن الكلام وأهله كما في الأربعين في صفات رب العالمين للذهبي (ص: 93): "فأما ما سألت عنه من الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة، فإن مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها

(1)

،

ونفي الكيفية والتشبيه عنها

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: يد وسمع وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل.

ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات".

(1)

ذكر بعضهم أن الإمام الخطابي يقصد ظاهر اللفظ لا المعنى، وهذا غير صحيح لعدة أوجه:

الأول: أن الإمام الخطابي حكى عن السلف إثبات صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، وهو – قطعاً – لم يقصد إثبات ألفاظ نصوص الصفات فقط؛ إذ لا مخالف في إثبات ألفاظ الصفات الواردة في القرآن الكريم، بل مَن جحد كلمةً من القرآن متفقًا عليها فهو كافر بإجماع المسلمين وليس مبتدعًا فقط، فدل ذلك على أن المراد إثبات ما دلّت عليه نصوص الصفات.

الثاني: أن الإمام الخطابي - بعد أن حكى عن السلف إجراء الصفات على ظواهرها - نَفى الكيفية والتشبيه عنها، ولا يُحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يُفهم عن اللفظ معنى، وإنما يُحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات، فنفي الكيفية والتشبيه عما ليس بثابت لغو من القول.

الثالث: أن الإمام الخطابي جعل إثبات الصفات كإثبات الذات، ومعلوم أن إثبات الذات ليس المقصود منه إثبات لفظ "الذات" فقط، فكذلك الصفات، قال رحمه الله: "والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.

الرابع: أن كلام الإمام الخطابي عام في جميع صفات الله تعالى، وليس خاصًا بما عدا الصفات السبع، ولذلك قال: "فأما ما سألت عنه من الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة

إلخ".

ويؤيد ذلك أيضًا أنه قرن بين اليد والسمع والبصر، حيث قال:"فإذا قلنا: يد وسمع وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم".

ولم يقل أحد من مثبتي الصفات بأن السمع والبصر وبقية الصفات السبع تُجرى على ظاهر لفظها من دون إثبات معانيها. بل الجميع يقول بإثبات معانيها، فكذلك بقية الصفات.

وأما ما ذكره بعضهم من أنّ المراد إجراء نصوص الصفات على ظواهر ألفاظها من دون إثبات معانيها، واستدل على ذلك بقول الخطابي في أعلام السنن في شرح صحيح البخاري (3/ 1930) بعد أن ذكر حديث «يكشف ربنا عن ساقه»:" قلت: وهذا الحديث مما قد تهيب القول فيه شيوخنا، فأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه".

فهذا إنما ذكره مَن لم يحط علمًا بمذهب الإمام الخطابي فيما يتعلق بصفات الله تعالى، فالإمام الخطابي لم يجرِ على مذهب السلف في جميع الصفات، بل قسمها إلى قسمين:

الأول: ما كان من الصفات مذكورا في القرآن أو في السنة المتواترة، أو في الآحاد مع وجود أصل له في القرآن، أو له تعلق ببعض معاني ما في القرآن، فإنه يُثبته على ظاهره من دون تكييف، ويرى أنّ إثباته على الظاهر لا يفضي إلى التشبيه، وذلك مثل الوجه واليد والعين.

الثاني: ما كان من الصفات ثابتًا بطريق الآحاد، وليس له أصل في الكتاب ولا في السنة المتواترة، فإنه يجريه على ظاهر لفظه، ويرى أن هذه الأسماء لا يراد بها إثبات المعاني الحقيقية، ويرى أنّ القول فيها بالظاهر يُفضي إلى التشبيه، وذلك مثل حديث الساق وحديث القدم.

وهذا التقسيم ليس مأخوذًا باستقراء وتتبع أقوال الإمام الخطابي من مؤلفاته، بل صرح هو بذلك، حيث قال في أعلام السنن في شرح صحيح البخاري (3/ 1911) بعد أن ذكر حديث «فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها» قال: "وذِكْرُ القدم ههنا يحتمل أن يكون المراد به: من قدمهم الله للنار من أهلها، فيقع بهم استيفاء عدد أهل النار. وكل شيء قدمته فهو قدم

قد تأول بعضهم الرِّجْل على نحو من هذا

وفيه وجه آخر: وهو أن هذه الأسماء أمثال يراد بها إثبات معان لا حظّ لظاهر الأسماء فيها من طريق الحقيقة، وإنما أُريد بوضع الرِّجْل عليها نوع من الزجر لها والتسكين من غربها كما يقول القائل للشيء يريد محوه وإبطاله: جعلته تحت رجلي، ووضعته تحت قدمي

فإن قيل: فهلا تأولت اليد والوجه على هذا النوع من التأويل، وجعلت الأسماء فيهما أمثالا كذلك؟

قيل: إن هذه الصفات مذكورة في كتاب الله عز وجل بأسمائها، وهي صفات مدح، والأصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو صحت بأخبار التواتر، أو رويت من طريق الآحاد وكان لها أصل في الكتاب، أو خُرِّجت على بعض معانيه، فإنا نقول بها ونجريها على ظاهرها من غير تكييف.

وما لم يكن له منها في الكتاب ذكر، ولا في التواتر أصل، ولا له بمعاني الكتاب تعلق، وكان مجيئه من طريق الآحاد وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى التشبيه، فإنا نتأوله على معنى يحتمله الكلام ويزول معه معنى التشبيه، وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذكر القدم والرجل والساق، وبين اليد والوجه والعين، وبالله العصمة".

فقول الإمام الخطابي هذا صريح في أن القدم والساق من القسم الثاني، أي: مما يُثبت لفظه فقط دون معناه الحقيقي، ويرى أن تلك الأسماء إنما هي أمثال، لا حظّ لظاهر الأسماء فيها من طريق الحقيقة، وهذا ظاهر أنّ ما كان من القسم الأول كاليد والوجه والعين ليست أمثالاً، بل لظاهر الأسماء فيها حظٌّ من طريق الحقيقة، ولذلك قال بأنه يُجريها على ظاهرها- أي: ظاهر معناها- من غير تكييف.

أما القسم الثاني فذكر أن إجرائه على ظاهره يفضي إلى التشبيه، وهذا ظاهرٌ جدًا في أنّ المراد ظاهر معناها؛ إذ مجرد إمرار لفظها فقط لا يُخشى منه محذور اتفاقًا.

ومن القسم الثاني عند الإمام الخطابي حديث الساق، ولذلك حكى عن شيوخه أنهم أجروه على ظاهر لفظه، كما هو مذهب المفوّضة، وليس هذا مذهب السلف، ولم يحكه الإمام الخطابي عنهم، وإنما حكاه عن شيوخه.

مع أن الإمام الخطابي لم يقتنع بالتفويض فيما كان من هذا القسم؛ لأنه لا يتضمن إثبات معاني لتلك النصوص، فاختار لنفسه مذهب التأويل، وقد سبق تأويله لحديث القدم، وأوّل حديث الساق أيضًا كما في الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 186 - 187) حيث قال:"قال أبو سليمان رحمه الله: "فإنما جاء ذكر الكشف عن الساق على معنى الشدة، فيحتمل والله أعلم أن يكون معنى الحديث أنه يبرز من أمر القيامة وشدتها ما ترتفع معه سواتر الامتحان، فيميز عند ذلك أهل اليقين والإخلاص، فيؤذن لهم في السجود، وينكشف الغطاء عن أهل النفاق فتعود ظهورهم طبقا لا يستطيعون السجود

إلخ".

وهذا مما يؤخذ على الإمام الخطابي حيث جرى في هذه الصفات – القدم والساق- على مذهب التأويل، وليس هذا قطعًا مذهب السلف، وليس مذهبهم أيضًا تقسيم الصفات إلى القسمين السابقين اللذين ذكرهما، بل ذلك التقسيم لم يُعرف عن أحدٍ من الأئمة ممن سبقه، ومذهب السلف عدم التفريق بين صفات الله تعالى، وإثبات كل ما صح من الصفات على الوجه اللائق بجلال الله تعالى من دون مشابهة المخلوقات.

ص: 47