الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل -26
-
192-
وَمِنْهَا: 19- مَا يُقْتَرَنُ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي يُعْلَمْ بِهَا أَنَّهُ بَاطِلٌ.
193-
مِثْلُ حَدِيثِ "وَضْعُ الْجِزْيَةِ عن أَهْلِ خَيْبَرَ" وَهَذَا كَذِبٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أحدها: أنه فِيهِ شِهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدُ قَدْ تَوَفَّى قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ.
ثَانِيهَا: أَنَّ فِيهِ وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ هَكَذَا وَمُعَاوِيَةُ إِنَّمَا أَسْلَمَ زَمَنَ الْفَتْحِ وَكَانَ مِنَ الطُّلَقَاءِ.
ثَالِثِهَا: أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ حِينَئِذٍ وَلا يَعْرِفُهَا الصَّحَابَةُ وَلا الْعَرَبُ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ عَامِ تَبُوكَ وَحِينَئِذٍ وَضَعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ وَيَهُودِ الْيَمَنِ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لأَنَّهُمْ وادعوه قبل نزولها ثم
قتل من قتل مِنْهُمْ وَأَجْلَى بَقِيَّتَهُمْ إِلَى خَيْبَرَ وَإِلَى الشَّامِ وَصَالَحَهُ أَهْلُ خَيْبَرَ قَبْلَ فَرْضِ الْجِزْيَةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَابْتَدَأَ ضَرْبُهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَعَهُ صلح فمن هاهنا وَقَعَتِ الشُّبْهَةُ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ.
رَابِعِهَا: أَنَّ فِيهِ وَضَعَ عَنْهُمُ الْكَلَفَ وَالسُّخْرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ كَلَفٌ وَلا سَخَرٌ وَلا مُكُوسٌ.
خَامِسِهَا: أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَهْدًا لازِمًا بَلْ قَالَ نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا فَكَيْفَ يَضَعُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ الَّتِي يَصِيرُ لأَهْلِ الذِّمَّةِ بِهَا عَهْدٌ لازِمٌ مُؤَبَّدٌ ثُمَّ لا يُثْبَتُ لَهُمْ أَمَانًا لازما مؤبدا.
سادسها: أن مثل هذا مما تتوفر الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ وَقَعَ وَلا يَكُونُ علمه عند حَمَلَةِ السُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَيَنْفَرِدُ بِعِلْمِهِ وَنَقْلِهِ اليهود؟
سابعها: أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمْ مِنَ الإِحْسَانِ مَا يُوجِبُ وَضْعَ الْجِزْيَةَ
عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وقاتلوه وَقَاتَلُوا أَصْحَابَهُ وَسَلُّوا السُّيُوفَ فِي وُجُوهَهُمْ وَسَمُّوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَآوُوا أَعْدَاءَهُ الْمُحَارِبِينَ لَهُ الْمُحَرِّضِينَ عَلَى قِتَالِهِ فَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ هَذَا الاعْتِنَاءُ بِهِمْ وَإِسْقَاطُ هَذَا الْفَرْضِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عُقُوبَةً لِمَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهُمْ بِدِينِ الإِسْلامِ؟
ثَامِنِهَا: أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُسْقِطْهَا عَنِ الأَبْعَدَيْنِ مَعَ عدم معاداتهم لَهُ كَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ فَكَيْفَ يَضِعُهَا عن جيرانه الأدنين مَعَ شِدَّةِ مُعَادَاتِهِمْ لَهُ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ كُفْرُ الطَّائِفَةِ وَتَغَلَّظَتْ عَدَاوَتُهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ لا بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ.
تَاسِعِهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ كَمَا ذَكَرُوا لَكَانُوا مِنْ أَحْسَنَ الْكُفَّارِ حَالا وَلَمْ يَحْسُنْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَبِلادِهِمْ مَتَى شَاءَ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ لا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَدِيَارِهِمْ مَا دَامُوا مُلْتَزِمِينَ لأَحْكَامِ الذِّمَّةِ فَكَيْفَ إِذَا رُوعِيَ جَانِبُهُمْ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ وَأُعْفُوا مِنَ الصِّغَارِ الَّذِي يُلْحِقُهُمْ بِأَدَائِهَا فَأَيُّ صِغَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ نَفْيِهِمْ مِنْ بِلادِهِمْ وَتَشْتِيتِهِمْ فِي أَرْضِ الْغُرْبَةِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا وَهَذَا؟
عاشرها: أن هذا لَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعُونَ وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلافِهِ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ لا تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْخَيْبَرِيَّةِ لا فِي التَّابِعِينَ وَلا فِي الْفُقَهَاءِ بَلْ قَالُوا أَهْلُ خَيْبَرَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ وَعَرَضُوا بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَكْذُوبِ وَقَدْ
صرحوا بأنه كذب كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ هَذَا الْكِتَابَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ من عدة وجوه. وأحضر هَذَا الْكِتَابَ بَيْنَ يَدِيِّ شَيْخِ الإِسْلامِ وَحَوْلَهُ الْيَهُودِ يَزُفُّونَهُ وَيَجْلُونَهُ وَقَدْ غُشِيَ بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فَلَمَّا فَتَحَهُ وَتَأَمَّلَهُ بَزِقَ عَلَيْهِ وَقَالَ هذا كَذِبٌ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَذَكَرَهَا فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ.