المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في نسب كهلان - المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب

[المغيري]

الفصل: ‌في نسب كهلان

الصدف بطن وهم بنو أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت، الذي فتح مصر مع عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال القضاعي اختطوا بمصر، ومنهم جشعم الخليل الصحابي رضي الله عنه، من الذين بايعوا تحت الشجرة، وكساه النبي صلى الله عليه وسلم. قال في الاستيعاب بنو بكال بطن من حضرموت، وقيل من حمير، ومنهم منوف البكاء صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. قال الجوهري: وقد ذهب أكثرهم ودخلوا كندة، وقال الجرجاني النسابة: كان فيهم ملوك تقارب التبابعة في علو الصيت، ونباهة الذكر. وأولهم ملكا عمر وبن الأشنب بن ربيعة ابن إيرام بن حضرموت، ثم ابنه نمر الأزج ملك مائة سنة وقاتل العمالقة، ثم كريب بن الأزج ملك مائة وثلاثين سنة، ثم ملك مرفد ومروان ولدا كريب مائة وأربعين سنة، ثم ملك علقمة ذو قيعان ثلاثين سنة، ثم ملك ابنه ذو عيل بن ذوعيل عشرين سنة، وسكن صنعاء وغزا بلاد الصين، وقتل ملكها وأخذ سيفه، ولما رام سنان غزو الصين تحول ذو عيل إلى صنعاء، واشتدت وطأته وكان أول من غزا الروم من ملوك اليمن، وأول من أدخل الحرير والديباج اليمن، ثم ملك ابنه بدعات بحضرموت أربعين سنة ثم ملك ابنه بدعيل وبنى حصونا، وخلف آثاراً، ثم ملك من بعده حماد بن بدعيل بحضرموت، وبنى حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف، ودام الملك له ثمانين سنة وقال أول ما اتخذ الحجاب من ملوكهم، ثم ملك يشرح بن ذي دب بن ذي حماد بن عاد مائة سنة وكان أول من رتب الرواتب، وأقام الجسور، ثم ملك منعم بن الملك دثار بن جذيمة، ثم يشرح بن جذيمة بن منعم، ثم نمر بن يشرح، ثم ابنه ساجن، وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن، ومن حضرموت وائل بن حجر الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نسله ابن خلدون صاحب التاريخ واسمه عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي، يتصل نسبه بوائل بن حجر، وقد تفرقت حضرموت في سائر الأقطار، وفي بلادهم حضرموت أحياء كثيرة، كما في الحجاز وغيرة. انتهى ما اختصرناه من نسبهم.

‌‌

‌فصل

‌في جرهم بن قحطان

وكانت جرهم في الحجاز وكانوا بطونا وقبائل ومنهم ملوك، وكانوا سكان مكة المشرفة، وكانوا باليمن. فلما ملك يعرب بن قحطان ولى أخاه جرهم على الحجاز، وملكه، ثم ملك بعده ابنه عبد ياليل بن يليل، ثم ملك بعده المدان، ثم ابنه بديلة بن المدان، ثم ابنه عبد المسيح، ثم ابنه مضان، ثم ابنه عبد المسيح، ثم ابنه الحارث بن مضان، ثم ابنه عمرو، ثم أخوه ليث بن الحارث. ثم لم يزالوا ملوكا حتى نزل إسماعيل عليه السلام مكة فنزلوا عليه وتزوج منهم، وتعلم العربية وقدم عليه الخليل، وبنوا البيت، وكانت ولايته بيده وبعض بنيه، ثم استولت جرهم على البيت، ثم تغرقت قبائل العرب بسيل العرم، ونزلت عليهم خزاعة وأخرجت جرهم من مكة، ولهم في ذلك أشعار في سبب إخراجهم من مكة، منهم وصية قصي بن الحارثة بن عمرو بن غامر لبنيه:

بلد لأهل الخوف فيها مأمن

والطير فيها والأوابد تسلم

فيها المشاعر والعلامات التي

وصف الخليل بها النبي المكرم

والبيت بيت الله والحرم الذي

من دونها تلك القليب الزمزم

ولسوف تسفك منهم فئة ومن

أحياء جرهم يا بني أقصى الدم

وقيل: هذه الوصية سبب إخراج خزاعة جرهما من مكة، حرسها الله تعالى، وحفظت خزاعة الوصية وبها استولوا على البيت وأخرجت جرهما إلى اليمن، ويقال: بقاياهم بها إلى الآن، ولهم في ذلك أشعار وأخبار ليس لنا فيها حاجة.

فصل

‌في نسب كهلان

ص: 23

وهو كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام قال في العبر: وكان العدد في كهلان أكثر من حمير؛ وكانوا يتناوبون الملك مع حمير، قال في وصايا الملوك: إن حمير وكهلان لما قسم أبوهما سبأ بينهما؛ جعل السياسة لحمير وجعل أعنة الخيل وملك الأطراف والثغور لكهلان. وقد تقدم ذكرهما في أول الكتاب، وإن حمير وكهلان لم يزالا على ذلك، وكذلك أولادهما، وأولاد أولادهما، لحمير على كهلان الطاعة وكفاية ما تقلده. ولكهلان على حمير المال والنجدة. والملوك الراتبة في دار المملكة من حمير. والملوك في الأطراف والثغور من كهلان. ومقر ملوك حمير صنعاء، ومقر ملوك كهلان مأرب الذي سده سبأ أبو حمير وكهلان. ثم إن كهلان لما ولى الأطراف والثغور وأعمالها، واستقام أمره على ذلك قال لأخيه حمير: إني قد عزمت أن أبعث العساكر إلى الأطراف والثغور فمر بالمصالح لذلك، فأمر حمير بالمال والخيل والإبل والطعام والروايا وألزم على أهل مملكته أن يمتثلوا ما يوميء إليه كهلان، ثم جرد كهلان إلى أرض الحجاز جرهم، وولي عليهم رجلا يقال له هيّ بن أبيّ ابن جرهم بن الغوث بن شداد بن أَسعد بن جرهم بن قحطان، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه وقسم عليهم الخيل والعدد والسلاح. وأعطاهم الأدلاء. وكتب مع هيّ بن أبي إلى ساكني الخجاز من العمالقة بالسمع والطاعة، ورفع الإتاوه إليه. وذكروا أن هي بن ابي، خرج إلى الحجاز في قومه جرهم وأتباعهم، وأقام بها واليا عليها، وغلب العمالقة.

قال فلما توسط إليهم من نجد هو وأتباعه ملكها وأخذ إتاوتها من أهلها، وأنفذها إلى كهلان. ثم إن كهلان دعا عمرو ابن جحدر وهو رجل من ثمود ويقال: إنه جد النبي صالح صلى الله عليه وسلم، فجرده إلى الوادي الذي ذكره الله تبارك وتعالى:(وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) أمر قومه ثمود بالمسير معه، والسمع والطاعة، وكتب له كتاباً إلى ساكني الوادي وكانو قوما يقال لهم بنو زهرة بن عملاق. قال فسار عمرو بن جحدر إلى الوادي في قومه وعشيرته: ثمود بالإبل والخيل والعدد، وأخرج ساكني الوادي منه إلى أن يسمعوا له ويطيعوا.

ثم إن كهلان أقبل على ابنه زيد بعد موت أخيه حمير، فقال له: يا بني، العم قد ولى، والأب في آخر العمر، وذكروا أن زيدا بن كهلان حفظ وصية أبيه وثبت عليها، وتقلد الهميسع ما كان يتقلد أبوه كهلان لأخيه حمير. ثم إن زيدا أرسل إلى عمال أبيه في الأطراف والثغور بتجديد العهد معهم له، فسمعوا له، وأطاعوا، ودفعوا إليه الإتاوة التي كانوا يدفعونها لأبيه، ثم إن زيدا جرد ابنه عمرا وهو أبو جذام ولخم، إلى مدين وما حولها، وعقد له الأولوية، وأعطاه الخيل والعدد والرجال، وأمرهم بالسمع له والطاعة، ودفع الإتاوات إليه.

ثم إن عمرو بن زيد بن كهلان سار إلى مدين والياً عليها حتى نزل بها وملكها، وأطاعه أهلها؛ وأخذ إتاوتها، ويقال إن شعيبا النبي عليه السلام من نسله، ثم إن زيد بن كهلان لما مات الهميسع بن حمير، أقبل على ابنه مالك يوصيه شعرا. ثم إن مالك بن زيد بن كهلان حفظ وصية أبيه، وتولى ما كان يتولاه أبوه من الثغور والأطراف، وتدبير العساكر، في طاعة الملك، أيمن ابن الهميسع. وكتب مالك إلى عمال أبيه فأجابوه بالسمع والطاعة، ورفع الإتاوة إليه. ثم إن مالك بن زيد جرد ابنه ربيعة وهو جد همدان؛ فأعطاه الخيل والعدد والرجال وعقد له الألوية على من معه، وكتب له كتابا إلى ساكني الأجواف: أهل سهولها وجبالها من بقايا عاد الصغرى التي تعرف قبورها وآثارها في الجبال والسهول، وكتابه شعرا. ثم جرد ابنه أدد بن زيد بن كهلان، وهو أبو طيء ومذحج إلى الأغراض والأسرار، من نجران، وتشلب، وبشة، والخوا، وما حولها، من البلاد المسكونة. وأعطاه الخيل والعدد والرايات. وكتب إلى ساكنيها وهم بقايا إرم بن سام بن نوح، وآثارهم بينة وقبورهم تعرف بالأرميات؛ أنها على هيئة الآكام والقباب. ثم سار أدد بن زيد بن كهلان حتى نزل ما بينهم والياً عليهم. فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا له الإتاوة ويأتي ذكر نسب من يتعلق بأدد في وسط هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.

ص: 24

ثم إن مالكا توفي وولي الملك ابنه نبتا في طاعة الملك أيمن بن الهميسع ابن حمير، قال ثم إن نبتا أوصى ابنه ثور، أبو كندة، والغوث أبو الأزد، وذكروا أن الغوث بن نبت حفظ وصية أبيه، وعمل بها وثبت عليها، وتقلد أعمال أبيه من الأطراف والثغور في طاعة زهر بن أيمن، وكتب إلى العمال فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا الإتاوات إليه.

ثم إن الغوث جرد ابنه الأزد إلى الأحياء من مأرب وما حولها وأمرهم، بالسمع والطاعة له، وذكروا أن مأرب سمعت للأزد، وأطاعت له بعد أبيه الغوث، وولى ما كان يتولاه أبوه زهير بن أيمن من الأطراف والثغور، ورفعت إليه الإتاوة وجبيت لوالى بيت الملك. وكان لكل ملك الإطراف والثغور عامل من عمالها يقلد عمله الأرشد فالأرشد من ولده، واخوته، وبنى عمه، يرفع الإتاوة، ويسمع، ويطيع، ويجبي الرسوم كشأن من مضى قبله في طاعة من تقلد الأطراف، من كهلان.

ثم مأرب بن الأزد ولى الأطراف والثغور بعد أبيه الأزد، وكان عريب بن زهير قد مات، وولى الملك بعد ابنه قطن، ثم مأرب بن الأزد ولى عريبا بن زهير حين توفي، في أبيات قالها.

ثم إن مأرب بن الأزد جرد أخاه نصر بن الأزد، إلى الشحر في الخيل والعدد، وذكروا أن نصر بن الأزد سار إلى الشحر حتى نزلها، ودفعوا إليه الخراج، ومن عقبه الجلند بن كركر بن السعبر بن مسعود ملك عمان، الذي كان يأخذ كل سفينة غضبا. وظل الملك ثابتا في آل جلند يجبي إليهم في دار مملكتهم ما كان يجبي إلى الجلند.

وذكروا أن مأرب بن الأزد وصى ابنه ثعلبة بن مأرب بن الأزد في أبيات شعر. ثم إن ثعلبة بن مأرب بن الأزد حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وأطاع الملك قطن بن عريب، وتقلد الأعمال التي كان يتقلدها أبوه مأرب، وكتب إلى عماله في الثغور والأطراف فسمعوا له، وأطاعوا، ودفعوا الإتاوات إليه، ثم إن ثعلبة بن مأرب جرد أحمس بن عوف بن أنمار بن أراش بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان إلى الطور، وهي البلاد التي يقال لها السراة بين بواء والطائف وجرش، ثم إن أحمس ومن تبعه من حمير وكهلان نزل السراة وملكها، قال في وصايا الملوك: فسأل أبا على الحجري، عمن خرج من أنمار بن أراش، فقال أقيل بن أنمار وبقاياهم، شهران وكوف وناهس والأوس ومعد بن بجيلة بن أنمار بن أراش.

وهذه القبائل تعرف: ببجيلة وخثعم. وقحافة بطن من شهران. ثم إن ثعلبة ابن مأرب حفظ وصية أبيه وثبت عليها، ثم إن ثعلبة وصى أبنه امرأ القيس، ثم إن امرأالقيس ب ثعلبة بن مأرب بن الأزد حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وولى الأطراف والثغور بعد أبيه، في طاعة الملك الغوث بن قطن بن عريب، ثم قلد ابنه حارثة ذا الأحساب ويقال إن القطريف بن امريء القيس قلده الثغور والأطراف، التي كان يتقلدها في طاعة الملوك من حمير، ثم إن حارثه ولى الأطراف والثغور في حياة أبيه، وبعد وفاته في طاعة الملك عمرو بن جشم بن عبد شمس، وفي طاعة الملك القطاط بن عمرو. وعمر حارثة زاد على نيف وثلاثمائة سنة. ثم إنه وصى ابنه عامر بن حارثة، وذكروا أن عامر بن حارثة ثبت على وصية أبيه وعمل بها بنوه وبنو قومه، وتولى ما كان يتولاه أبوه حارثة من الأطراف والثغور، وذكروا أن عامرا هو الذي تسميه العرب ماء السماء، وماء السماء هذا الذي جرد إلى الشام زيدا وأحياء قضاعة وعقد له الأولوية، وقد سبق خبر زيد في أول هذا الكتاب في نسبة في قضاعة، وذكروا أن ماء السماء عامر بن حارثة ذا الأحساب عمر ثلاثمائة ونيف وستين سنة، وولى الأطراف والثغور لبعض ملوك حمير: القطاط ثم أبرهة بن شداد، ثم إفريقيس بن أبرهة.

وذكروا أنه وصى ابنه المزيقان ابن ماء السماء، وهو عمر بن عامر، ثم إن عمرو بن عامر حفظ وصية أبيه وثبت عليها، وولى الملك بعده، للملوك من حمير من الأطراف والثغور وكتب لعمال أبيه في كل بلد فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا له الإتاوات التي كانوا يدفعونها لأبيه.وذكروا أن عمرو بن عامر كان أيسر أهل زمانه وأكثرهم مالاً وعدداً، وضياع، وكان له ثلثا جنة مأرب، وعمّر عمراً طويلاً، ورزق جماعة من الأولاد، وعاش حتى رأى من نسله، ونسل بنيه، وبني بنيه، سبعة آباء. وذكروا أنه تولى الأطراف والثغور لملوك حمير: لعمرو بن أبرهة، وشرحبيل بن عمرو، والهدهاد بن شرحبيل، مصاهر الجن، أبو بلقيس.

ص: 25

وذكروا أن عمرو بن عامر عند ذلك أخبره كاهن بخراب مأرب، وحذره ذلك وقال له إحذر في تخليصك من ضررها، فإنك في أوان ذهاب هاتين الجنتين، ثم إن عمرو بن عامر احتال على قومه فأولم وليمة جمع فيها أهل بيته وعشيرته، وتقدم إلى ابنه ثعلبة، وقيل إلى وداعة، وهو أصغر ولده، وقال له يا بني: قد علمت ما أشرفنا عليه من خراب هذا السد، وذهاب هاتين الجنتين، وعزمت على بيع الذي لي فيهما، وليس أحد يشتريه مني إلا بحيلة أحتالها، وإني سأبادلك الكلام بحضرة وجوه العشيرة من حمير وكهلان، فكلما كلمتك بكلمة شكسة، رد على مثلها، أو أشكس منها، وإذا رأيتني أهم برفع يدي لأضربك فارفع يدك حتى يرى الناس أنك أردت ضربي، حتى أحلف على بيع ملكي من مأرب وخروجي منها، ويرى الناس أني أريد بذلك خيرا، فلما اجتمع الناس عنده للوليمة من حمير وكهلان، وفرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم، وقرب الشراب أقبل عمرو بن عامر على ابنه وداعة، وكلمه بكلام شكس، ورد عليه وداعة بكلام مثل كلامة وأشرس، فرفع عمرو يده على ابنه وداعة ليلطمه، فرد عليه يده وقال: وأيم الله لئن لطمتني لألطمك، فعند ذلك آل عمرو بن عامر يمينا لا كفارة لها على بيع جميع ملكه في أرض مأرب من الجنتين وغيرها، وخروجه منها، ونادى هل من مشتر؟ فلما رأى الناس أنه مجد في البيع أقبلوا عليه وقالوا أتأذن أن نساومك في أموالك؟ فقال لهم قد أذنت لكم، فسوموا فقالوا قد أخذنا النصف الذي لك بمائة حمل من كل شيء، فقال هو لكم بما طلبتم، فدفعوا إليه مائة حمل من كل شيء، وسلم له النصف الثاني ولم يجد له مشتر فتركه وحرج من مأرب بجميع ولده وأهله وعشيرته كافة.

فأقبل فيما لا يعلمه إلا الله من العدد والخيل والإبل وغيرهما من أجناس المال والسوائم، فلم يرد قومه وكافة من معه ماء إلا نزحوه، ولا قصدوا بلدا إلا أجدبوه، وأرسلوا الرواة في البلاد تلتمس لهم الماء، وكان من روادهم رجل من بني عمرو بن الغوث، خرج لهم مرشدا إلى إخوتهم همدان، فرأى بلدا ضيقة لا تقوم مراعيها ومياهها بماشيتهم، وكان من روادهم أيضا عائذ بن عبد الله بن نصر الأزدي، فخرج رائدا فرأى بلدا تحملهم ولا تقوم مياهها ومراعيها بماشيتهم، مع ما فيها من كثرة أهلها، فأقاموا في أزل وبريدة وما حولها، ترعى خيلهم ونعمهم وماشيتهم وصلح لهم الطلوع إلى الجبال، وهبطوا منها في تهامة، وغلبوا غافقا عليها، فأقاموا بتهامة ما أقاموا، ثم ساروا إلى الحجاز، وتفرقوا من الحجاز فرقا فرقا، فسار كل فخذ إلى بلد.

فمنهم من نزل بالسراة، ومنهم من أقام بمكة وما حولها، ومنهم من سار إلى مضر ثم إلى العراق والشام، ومنهم من سار إلى عمان.

قال فأما من سكن عمان من الأزد: فيحمد والحداب ومالك، وأما من سكن العراق: فجزيمة بن الوضاح، وولد عبد الله بن الأزد، وأما من سكن الشام: فجفنة، وأما من سكن المدينة: فأوس والخزرج، وأما من سكن مكة ونواحيها فخزاعة، وأما من سكن السراة فبجيلة بن أنمار بن أرش بن خثعم بن أنمار بن أراش.

ومن الأزد الحجر ولهب ونارة وعائذ وبارق ةالسوام وحارثة وسنجار وعلي وعمان ودوس والنمر وحوالة والبقوم وبرقاء وشهران وعمرو والمع، فكل هؤلاء من قبائل الأزد وسائر كهلان.

ثم إن عمرو بن عامر لما خرج بكلية قومه الأزد من أرض مأرب اشتغلت كندة بالأعمال التي كان يتولاها عمرو بن عامر من الأطراف والثغور، وكذلك اشتغلت مذحج وهمدان بما في أيديهم من البلاد والأعمال، وقعدت لخم وجذام، واشتغلت بلادهما بما فيها من مقاسات الأطراف والثغور، وصار أولاد نصر بن الأزد في أرض فارس وجوا بن شجر، وهي عشيرة الجلندي بن كركر وانتشرت قضاعة في الشام، وأكتاف الحجاز، ونجد، ونزلت الحجاز منها عذرة، ونزلت جهينة في رضوى، وأقبل أولاد عمرو بن عامر على البلاد فلا يدخلون بلدا إلا غلبوا أهل ذلك البلد.

أما خزاعة فغلبت جرهم على مكة، وأما الأوس والخزرج فغلبوا اليهود على المدينة، وأما المنذر فغلبوا أهل العراق عليها، وأما آل جفنة فغلبوا أهل الشام عليها، وأما ولد عمرو بن عامر بن حارثة لما حضرته الوفاة جمع بنيه، وبنى بنيه، وبني قومه، فخاطبهم وأوصاهم وكان له ثمانمائة ولد، منهم أربعمائة سيد شريف، وأربعمائة منهم ملوك.

ص: 26

وفي كتاب وصايا الملوك قال لهم في وصيته لما حضروا: قد أسمعكم الداعي، ولزمتكم الحجة، وأنهى فيكم الأمر جده الرجي فليس أحد أعظم رزية، ولا في أمره بلية ممن ضيع اليقين، وغره الأمل، وإنما البقاء بعد الفناء، وقد ورثنا من كان قبلنا، وسيرثنا من كان بعدنا، وقد حان الرحيل من محل زائل، وظل مائل، وقد أظلنا زمن فاحش، وخطب جليل، فأصلحوا ما تقدمون عليه، وارضوا بالباقي خلفا عن الفاني، وأجملوا في طلب الرزق، واحتملوا المصائب فبالاحتساب تستجلبوا النعماء، واستديموا الكرامة بالشكر، قبل النقلة وانتقال النعم، والأيام دول، وإنما أنتم فيها نهب للمصائب، والمعاطب. فانتهوا ودعوا عنكم المذاهب في هذه الدنيا الغرورة المنقطعة عن أهلها. ففي كل جرعاء شرف، ومع كل كلمة غصص، ولا تنالوا نعمة إلا بفراق أخرى. فأنتم الخلف بعد السلف، تفنيكم الدهور والأيام، وأنتم الحتوف على أنفسكم. في معايشكم أسباب مناياكم.لا يمنعكم شيء منها، ولا يغنيكم شيء فيها، في كل سبب منكم صريع.

وهذان الليل والنهار لا يرفعان شيئا إلا وضعاه، وهما بتفريق ما جمعتم جديران.

أيها الناس: اطلبوا الخير ووليه، واحذروا الشر ووليه، واعلموا أن خيرا من الخير فاعله، وأن شرا من الشر فاعله. فلما مات عمرو بن عامر لم تزل العرب تحفظ وصيته الذي أوصى بها في قصيدة شعر لم نذكرها وتعمل بها وتجري أمورها عليها، وتوصي بها في الجاهلية والإسلام، ولها في ذلك أشعار تتناشدها العرب في مجالسها ومحافلها، وفي ملاقاة الأعداء وإكرام الضيف، وحياطة المستجير، ودفع المعتدي.

وذكر في وصايا الملوك أن قصي بن عامر وهو أبو خزاعة وصى بنيه فقال لهم: يا بني: إن الرائد لا يكذب أهله، والعالم لا يستحسن جعله، يا بني إن الحكم زرع في القلوب، ومثلها كمثل الحب في الأرض مهما زرعت في أرض كريمة نما نباتها، وزكا حصادها، ومهما زرعت في الأرض الكذابة السبخة خبث نباتها، ولم يزك حصادها. هذا لتعلموا أن الطيب لا يقبل إلا طيبا، ولا ينمو الطيب إلا عند مثله.

يا بني: اجهدوا في خمسة أشياء بها تعزوا وتستقروا: اجتهدوا في إماطة العدو ونصرة الصديق، وإكرام الضيف، واصطناع العشيرة، وحماية المستجير، وبلوغ ما أمل. فبذلك آمركم، وعما يخالفه أنهاكم، وذكروا أن خبر إخراج خزاعة جرها من مكة حرسها الله تعالى حفظا لوصية أبيهم قصي، عملوا بها حتى استولوا على البيت دون جرهم، ونفوا جرهما عن مكة إلى الأصدار، ويقال إن بقايا جرهم إلى اليوم. وذكروا إن عمرو بن عامر الخزاعي وصى بنيه: كعبا وعديا ومسعدا فقال شعرا. وذكروا أن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن عامر وهو أبو الأوس والخزرج أقبل على بنيه وهو يقول شعرا. وذكر في وصايا الملوك أن الأوس والخزرج خفضا جميع ما أوصاهما به أبوهما ثعلبة، وثبتا عليه، وكذلك أولادهما من بعدهما، ولم يزل طلبهم العز والأمر الذي يسودون به غيرهم من العرب إلى ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكان منهم ما كان من النصرة والجهاد دونه، والوقوف في وجه كافة العرب.

ثم ذكر أن جفنة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أقبل على بنيه فقال لهم: يا بني تنافسوا في المكارم، وتجنبوا ما يعدو بكم عنها، فإني أخالكم دون الناس ملوكا، ولا يكون الملك ملكا حتى يكون منصفا عادلا، وللأموال باذلا، ويكون شجاعا حكيما، عالما لبيبا، حليما غشوما ولا ظلوما، ولقد رأيتكم يا بني وفيكم هذه الخصال التي عددتها لكم، ثم وأيم الله أعرفكم بها دون الناس، ولقد بشرت بملككم قبل أن تولدوا، فياليت من شهدني من أعمامي يومئذ وأخوالي كائنا إلى يومي هذا.

وجفنة أول من ملك الشام من غسان وإليه تنسب ملوك بني غسان الذين ذكرهم حسان بن ثابت بقوله:

لله عصبة نادمتهم

يوما بجّلق في الزمان الأول

ص: 27

إلى آخر القصيدة التي ذكر فيها مارية جدتهم امرأة ثعلبة بن عمر، وهي بنت شمر بن غش ملك حمير، وهي أم الحارث الأكبر. وذكروا أن ابنه عمرو بن الحارث الأكبر وصى ابنه فقال شعرا. وذكر أن عمر حفظ وصية أبيه الحارث وثبت عليها، وملك ما ملك أبوه من أرض الشام، وقبائل العرب، وذكروا أنه رسم لنفسه في كل ليلة جارية بكرا لا بد له منها من السبايا، التي تصيبها خيله المغيرة على العصاة، فلم يزل ذلك دأبه حتى وقعت عنده في السبي أخت عمر بن الصعق العدواني، قال فلم يشعر عمرو بن الحارث وقد أمر أن يؤتى بها، إلا وفتى يقرع باب مجلسه الذي هو فيه، ففتح عمرو الباب وأشرف، وإذ هو بفارس يقول شعرا:

يا أيها الملك الجسور ألا ترى

صبحا وليلا كيف يجتمعان

وأعلم وأيقن أن ملكك زائل

وأعلم بأن كما تدين تدان

قال فنادى عمرو بن الحارث، وقال له قد آمنك الله فيمن كان لك عندي، أو من كافة الناس فيمن وقع لهم من السبايا، ثم أمر ألا تبقى سبية إلا وحملت وردت إلى أهلها، وأطلق لها ما كان في الأسرى من أهلها.

ثم إن عمرو بن الحارث وصى ابنه الحارث الذي تسميه العرب الحارث الأعرج ويقال: إنه كان لعمر كاهن يخبره بالكوائن، وينذره ويحذره، ثم إن الحارث الأعرج حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وملك بعده ابنه عمرو بن الحارث ما كان يملكه من البلاد، وقبائل العرب، ثم إن الحارث الأعرج وصى ابنه أبا منذر عمرو بن هند المحرق في أبيات شعر. ثم إن عمرو بن هند، ابن عوف الشيباني حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وملك ما ملك أبوه من بلاد العرب وغيرها، وسمى محرقا وذلك أن خاله وكان مسترضعا في بني تميم قتله رجل من البراجم، والبراجم بطن من تميم فخرج إليهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم أخذ منهم مائة رجل أحياء فأحرقهم في النار؛ فلذا سمي محرقا. ذكره الفرزدق التميمي في شعره، والطرماح الطائي في شعره. وذكر أن عمرا وصى ابنه الأهيم في أبيات لم نذكرها، ثم إن الأهيم حفظ وصية أبيه وثبت عليها، وعمل بها، وملك ما كان يملك أبوه.

ثم إن الأهيم وصى ابنه جبلة فقال: يا بني إنك لمالك الشام بعدي، وصاحب أمري دون ولدي، وإنك لفي أوان تملك هذا الأمر الذي أوتيناه دون غيرنا، فإذا رأيت ذلك فانظر لنفسك ما يزينها، ولقومك وما يصونهم.

وكان جبلة لك يزل ملكا مطاعا في قومه غسان، يجيء غليه خراج الشام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبلة ملك الشام، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبلة ملك الشام، وجلس أبو بكر رضي الله عنه وأقام في الخلافة ما أقام، وجبلة ملك الشام، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه أسلم جبلة وأقبل إلى المدينة في خمسمائة فارس من ملوك قومه، وهم أصحاب التيجان، وسار حاجا حتى دخل مكة المشرفة، وكان يطوف بالبيت ذات يوم من أيام الحج، وعليه إزار ورداء، فوطأ إزاره رجل من فزارة، فلطمه جبلة لطمة هشم بها أنف الفزاري. فأقبل ودمه يسيل على صدره حتى وقف على باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، انصفني من هذا الجبار؛ فإنه لطمني وتركني على هذه الحالة؛ فقال عمر ما تلطم الرجل؟ فقال له جبلة: إنه وطأ إزاري، فقال له عمر: أما أنت فقد أقررت، إما أن تفدى عنه، أو تعطيه اللطمة. فقال جبلة لا أفعل شيئا مما قلت، وهم أن يثير الفتنة بينه وبين عمر، فدخلوا عليه فكلموه فسكن بعض ما كان به، وسأله الناس ألا يجعلها فتنة، فأجابهم إلى ذلك، فلما كان في بعض الأيام خرج ومضى إلى الشام، ثم ارتحل إلى بلاد الروم هو ومن تبعه من غسان ثم دخل على هرقل ملك الروم وهو مغضب وتنصر هو ومن تبعه، ثم ندم على ذلك من تركه الإسلام ودخوله في النصرانية:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكلفني منها لجاج ونخوة

نبعت لها العين الصحيحة بالعور

ويا ليت أمي لم تلدني وليتني

رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفزة

وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر

وبنو غسان بطون، وإنما سموا غسان باسم ماء بالمشل يقال له غسان فمن شرب منه من الأزد فهو غساني، ومن لم يشرب منه فليس بغساني.

ص: 28

وغسان من بني عمرو بن مازن، وفيهم صريم وبني نفيل وهم الصبر، سموا بذلك لصبرهم في الحروب، ومن بين صريم بنو شقران بطن، ونمران بطن من غسان، وبني نمير بطن من عمرو بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن. منهم الحارث بن أبي شمر الأعرج الغساني الجفني، وليس هو بجفني، ولكن أمه من جفنة، ومن بني عمرو بن مازن، عبد المسيح بن عمر صاحب خالد بن الوليد. ومنهم عبد المسيح الجهيد، ومنهم سطيح الكاهن، واسمه ربيعة، ومن بني غسان بنو جفنة المتقدم ذكرهم، وهم من بني مازن بن الأزد. ومنهم ملوك غسان بالشام، قال في العقد الفريد: وهم سبعة وثلاثون ملكا وملكوا ستمائة وست عشرة سنة، إلى أن جاء الإسلام، ومن قبائل الأزد الأنصار وهم الأوس والخزرج أبناء حارثة بن ثعلبة بن عمر بن عامر، وأمهما قيلة، فمن بطون الأوس والخزرج بنو عمرو بطن، وهو عمر بن عوف بن مالك بن أوس، وهم بنو السمعية يعرفون من عوف بطن، ومن ثعلبة بطن، ولوزان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بطن.

ومن بطون الأوس ضبيعة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ومنهم زيد بن عاصم، والأحوس بن عبد الله الشاعر، وحنظلة غسيل الملائكة، وأبو سفيان الحارث، وأبو مليل الأعز.

ومن بطون الأوس بنو جيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ومنهم سويد بن الصامت قتله المختار بن زياد في الجاهلية، ومن بطون الأوس عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمر بن مالك بن الأوس، ومنهم سعد ابن معاذ الذي اهتز لموته العرش، وعمر وأخوه سعد، والحارث بن أنس، وعمار ابن زياد، وأسيد بن الحضير بن سماك، وربيعة بن زيد ومن بطون عبد الأشهل ربيعة، ومنهم رفاعة بن قيس، وسلمه بن سلامة بن وقش، وأخوه عمر، ورافع ابن زيد، ومن بطون جشم زمجور بن جشم بن الحارث بن خزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن مالك بن التيهان، وأخوه عتبة بن التيهان.

ومن بطون الأوس: بنو خطمة، وهو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس، ومنهم عدي بن خرشة، وعمر بن خرشة، وأوس بن خالد، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وعبد الله بن زيد القاري ولى الكوفة لابن الزبير، ومن بطون الأوس واقف بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، ومنهم هلال ابن أمية، وهرم بن عبد الله السلمى، ومنهم سعد بن خيثمة.

ومن بطون الأوس: بنو عامرة وهم أهل رابخ بن مرة بن مالك بن الأوس، ومنهم وائل بن زيد، وأبو قيس بن الأسلت.

ومن بطون الخزرج: ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ومن بطون بنو النجار: غنم بن مالك بن النجار، ومنهم أبو أيوب خالد بن زيد، وثابت بن النعمان، وسراقة بن كعب، وعمارة بن حمزة، وزيد بن ثابت بن النعمان.

ومن بطون النجار: بنو مندل واسمه عامر بن مالك بن النجار، ومنهم حبيب بن عمرو، وأبو عولة، وهو أبو بشير بن عمر، والحارث بن الصعد وسهل ابن عتيك.

ص: 29