المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌روى جدنا عن جبرئيل عن الباري - المنتقى من منهاج الاعتدال

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

‌روى جدنا عَن جبرئيل عَن الْبَارِي

قيل نعم وَهَؤُلَاء أعلم مِنْكُم بِمَا روى جدكم عَن جِبْرَائِيل وَأَنْتُم ترجعون فِي ذَلِك إِلَيْهِم

وَإِذا كَانَ كل من الْأَوَّلين والآخرين من بني هَاشم قد يتَعَلَّم بعض مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا كعلم أمثالهم فبمن يأتم النَّاس وَعَمن يَأْخُذُونَ أيأخذون عَمَّن يعرف مَا جَاءَ بِهِ جدهم أَو عَمَّن لَا يعرف ذَلِك وَالْعُلَمَاء هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَإِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا درهما وَلَا دِينَارا وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم فَمن أَخذه أَخذ بِخَط وافر

ص: 190

وَإِن قَالَ مرادي بهؤلاء الْأَئِمَّة الإثنا عشر قيل لَهُ مَا رَوَاهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَأَبُو جَعْفَر وأمثالهما من حَدِيث جدهم فمقبول مِنْهُم كَمَا يرويهِ أمثالهم وَلَوْلَا أَن النَّاس وجدوا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَكثر مِمَّا وجدوه عِنْد مُوسَى بن جَعْفَر وَعلي بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عَليّ لما عدلوا عَن هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَّا فَأَي غَرَض لأهل الْعلم وَالدّين أَن يعدلُوا عَن مُوسَى بن جَعْفَر إِلَى مَالك بن أنس وَكِلَاهُمَا من بلد وَاحِد فِي عصر وَاحِد وجدوا عِنْد مُوسَى بن جَعْفَر من علم الرَّسُول مَا وجدوه عِنْد مَالك مَعَ كَمَال رَغْبَة الْمُسلمين فِي معرفَة علم الرَّسُول

وَنَفس بني هَاشم كَانُوا يستفيدون علم الرَّسُول من مَالك بن أنس أَكثر مِمَّا يستفيدونه من ابْن عمهم مُوسَى بن جَعْفَر

ثمَّ الشَّافِعِي جَاءَ بعد مَالك وَقد خَالفه فِي أَشْيَاء وردهَا عَلَيْهِ حَتَّى وَقع بَينه وَبَين أَصْحَاب مَالك مَا وَقع وَهُوَ أقرب نسبا من بني هَاشم من مَالك وَمن أحرص النَّاس على مَا يستفيده من علم الرَّسُول من بني عَمه وَغير بني عَمه وَلَو وجد عِنْد أحد من بني هَاشم أعظم من الْعلم الَّذِي وجده عِنْد مَالك لَكَانَ أَشد النَّاس مسارعة إِلَى ذَلِك فَلَمَّا كَانَ يعْتَرف بِأَنَّهُ لم يَأْخُذ عَن أحد أعلم من مَالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَكَانَت كتبه مشحونة بِالْأَخْذِ عَن هذَيْن الْإِثْنَيْنِ وَغَيرهمَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء عَن مُوسَى بن جَعْفَر وَأَمْثَاله من بني هَاشم علم أَن مَطْلُوبه من علم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْد مَالك أَكثر مِمَّا هُوَ عِنْد هَؤُلَاءِ

وَكَذَلِكَ أَحْمد بن جنبل قد علم كَمَال محبته لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولحديثه ومعرفته بأقواله وأفعاله وموالاته لمن يُوَافقهُ ومعاداته لمن يُخَالِفهُ ومحبته لبني هَاشم

وتصنيفه فِي فضائلهم حَتَّى صنف فَضَائِل عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن كَمَا صنف فَضَائِل الصَّحَابَة وَمَعَ هَذَا فَكَتبهُ مَمْلُوءَة عَن مثل مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد ووكيع بن الْجراح وَيحيى

ص: 191

ابْن سعيد الْقطَّان وهشيم بن بشير وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وأمثالهم دون مُوسَى بن جَعْفَر وَعلي بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عَليّ وأمثالهم فَلَو وجد مَطْلُوبه عِنْد مثل هَؤُلَاءِ لَكَانَ أَشد النَّاس رَغْبَة فِي ذَلِك

فَإِن زعم زاعم أَنه كَانَ عِنْدهم من الْعلم المخزون مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ لَكِن كَانُوا يكتمونه فَأَي فَائِدَة للنَّاس من علم مَكْتُوم فَعلم لَا يُقَال بِهِ ككنز لَا ينْفق مِنْهُ فَكيف يأتم النَّاس بِمن لَا يبين لَهُم وَالْعلم المكتوم كَالْإِمَامِ الْمَعْدُوم وَكِلَاهُمَا لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يحصل بِهِ لطف وَلَا مصلحَة

وَإِن قَالُوا بل كَانُوا يثبتون ذَلِك لخواصهم دون هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة قيل أَولا هَذَا كذب عَلَيْهِم فَإِن جَعْفَر بن مُحَمَّد لم يَجِيء بعده مثله وَقد أَخذ الْعلم عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة كمالك وَابْن عُيَيْنَة وَشعْبَة وَالثَّوْري وَابْن جريج وَيحيى بن سعيد وأمثالهم من الْعلمَاء والمشاهير الْأَعْيَان

ثمَّ من ظن بهؤلاء السَّادة أَنهم يكتمون الْعلم عَن مثل هَؤُلَاءِ ويخصون بِهِ قوما مجهولين لَيْسَ لَهُم فِي الْأمة لِسَان صدق فقد أَسَاءَ الظَّن بهم فَإِن فِي هَؤُلَاءِ من الْمحبَّة لله وَلِرَسُولِهِ وَالطَّاعَة لَهُ وَالرَّغْبَة فِي حفظ دينه وتبليغه وموالاة من وَالَاهُ ومعاداة من عَادَاهُ وصيانته عَن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَالا يُوجد قريب مِنْهُ لأحد من شُيُوخ الشِّيعَة وَهَذَا أَمر مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ لمن عرف وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ

وَاعْتبر هَذَا مِمَّا

ص: 192

تَجدهُ فِي كل زمَان من شُيُوخ السّنة وشيوخ الرافضة كمصنف هَذَا الْكتاب فَإِنَّهُ عِنْد الإمامية أفضلهم فِي زَمَانه بل يَقُول بعض النَّاس لَيْسَ فِي بِلَاد الْمشرق أفضل مِنْهُ فِي جنس الْعُلُوم مُطلقًا وَمَعَ هَذَا فَكَلَامه يدل على أَنه من اجهل خلق الله تَعَالَى بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 193

وأقواله وأعماله فيروى الْكَذِب الَّذِي يظْهر أَنه كذب من وُجُوه كَثِيرَة فَإِن كَانَ عَالما بِأَنَّهُ كذب فقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين وَإِن كَانَ جَاهِلا بذلك دلّ على أَنه من أَجْهَل النَّاس بأحوال النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا قيل

(فَإِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك مُصِيبَة

وَإِن كنت تَدْرِي فالمصيبة أعظم)

وَأما الأبيات الَّتِي أنشدها فقد قيل فِي معارضتها

(إِذا شِئْت أَن ترْضى لنَفسك مذهبا

تنَال بِهِ الزلفى وتنجو من النَّار)

(فدن بِكِتَاب الله وَالسّنة الَّتِي

أَنْت عَن رَسُول الله من نقل أخيار)

(ودع عَنْك دَاعِي الرَّفْض والبدع الَّتِي

يقودك داعيها إِلَى النَّار والعار)

(وسر خلف أَصْحَاب الرَّسُول فَإِنَّهُم

نُجُوم هدى فِي ضوئها يَهْتَدِي الساري)

(وعج عَن طَرِيق الرَّفْض فَهُوَ مؤسس

على الْكفْر تأسيسا على جرف هار)

(هما خطتان إِمَّا هدى وسعادة

وَإِمَّا شقاء مَعَ ضَلَالَة كفار)

(فَأَي فريقينا أَحَق بأمنه

وَأهْدى سَبِيلا عِنْدَمَا يحكم الْبَارِي)

(أَمن سبّ أَصْحَاب الرَّسُول وَخَالف الْكتاب

وَلم يعبأ بِثَابِت الْأَخْبَار)

(أم الْمُقْتَدِي بِالْوَحْي يسْلك مَنْهَج الصَّحَابَة

مَعَ حب الْقَرَابَة الْأَطْهَار)

ص: 194

إِلَى أَن قَالَ وَمنع أَبُو بكر فَاطِمَة إرثها والتجأ إِلَى رِوَايَة إنفرد بهَا وَكَانَ هُوَ الْغَرِيم لَهَا لِأَن الصَّدَقَة تحل لَهُ لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة على مَا رَوَوْهُ عَنهُ وَالْقُرْآن يُخَالف ذَلِك لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم) وَهَذَا عَام وَكذب روايتهم فَقَالَ (وَورث سُلَيْمَان دَاوُد) وَقَالَ (فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي)

وَالْجَوَاب عَن قَوْله رِوَايَة إنفرد بهَا بِأَنَّهُ كذب رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالْعَبَّاس وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنهم وأرضاهم أَجْمَعِينَ

وَقَوله كَانَ الْغَرِيم لَهَا كذب فَإِن أَبَا بكر لم يدع التَّرِكَة لنَفسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَة لمستحقها

وَأَيْضًا فتيقن الصَّحَابَة وأولهم عَليّ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُورث وَلِهَذَا لما ولي عَليّ الْخلَافَة لم يقسم تَرِكَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا غَيرهَا عَن مصرفها

ص: 195

وَعُمُوم آيَة الْمِيرَاث قد خص مِنْهُ هَذَا وَأَنه لَا يَرث الْكَافِر وَلَا الْقَاتِل عمدا وَلَا العَبْد وَغير ذَلِك

ثمَّ إِن أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما قد أعطيا عليا وبنيه رضي الله عنهم من المَال أَضْعَاف مَا خَلفه النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَمَا خَلفه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فقد سلمه عمر إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس رضي الله عنهم يليانه ويفعلان فِيهِ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَفْعَله

وَهَذَا مِمَّا يَنْفِي التُّهْمَة عَن أبي بكر وَعمر

ثمَّ لَو قدر أَن أَبَا بكر وَعمر متغلبان موثبان على الْأَمر لكَانَتْ الْعَادة تقضي بِأَن لَا يزاحما الْوَرَثَة الْمُسْتَحقّين للولاية والتركة فِي ذَلِك المَال بل يعطيانهم ذَلِك وأضعافه ليكفوا عَن الْمُنَازعَة فِي الْولَايَة

ثمَّ قَوْله تَعَالَى (وَورث سُلَيْمَان دَاوُد) لَا يدل إِذْ الْإِرْث اسْم جنس تَحْتَهُ أَنْوَاع وَالدَّال على مَا بِهِ الإشتراك لَا يدل على مَا بِهِ الإمتياز

فَإِذا قيل هُنَا حَيَوَان لم يدل على إِنْسَان أَو فرس فَإِن لفظ الْإِرْث يسْتَعْمل فِي لفظ إِرْث الْعلم وَالْملك وَغير ذَلِك

قَالَ تَعَالَى (ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا) وَقَالَ تَعَالَى (وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها)(وأورثكم أَرضهم)(إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء)(وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون)

وَأخرج أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَارا وَلَا ودرهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم

ثمَّ يُقَال بل المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة لَا المَال

إِذْ مَعْلُوم أَنه كَانَ لداود أَوْلَاد كَثِيرَة غير سُلَيْمَان فَلَا يخْتَص سُلَيْمَان بِمَالِه وَلَيْسَ فِي كَونه ورث مَاله صفة مدح لَهما فَإِن الْبر والفاجر يَرث أَبَاهُ وَالْآيَة سيقت فِي بَيَان مدح سُلَيْمَان وَمَا خص بِهِ وإرث المَال من الْأُمُور العادية الْمُشْتَركَة بَين النَّاس

وَمثل ذَلِك لَا يقص علينا لعدم فَائِدَته

وَكَذَلِكَ قَوْله

ص: 196

(يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب) لِأَنَّهُ لَا يَرث من آل يَعْقُوب أَمْوَالهم إِنَّمَا يرثهم أَوْلَادهم وذريتهم

ثمَّ زَكَرِيَّا لم يكن ذَا مَال إِنَّمَا كَانَ نجارا وَيحيى كَانَ من أزهد النَّاس

قَالَ وَلما ذكرت أَن أَبَاهَا وَهبهَا فدك قَالَ هَاتِي شَاهدا فَجَاءَت بِأم أَيمن فَقَالَ امْرَأَة لَا يقبل قَوْلهَا وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أم أَيمن امْرَأَة من أهل الْجنَّة

فَجَاءَت بعلي فَشهد لَهَا فَقَالَ هَذَا بعلك يجره إِلَى نَفسه

وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ عَليّ مَعَ الْحق وَالْحق مَعَه يَدُور حَيْثُمَا دَار لن يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض

فَغضِبت فَاطِمَة وانصرفت وَحلفت أَن لَا تكَلمه حَتَّى تلقى أَبَاهَا وتشكو إِلَيْهِ

وَقد رووا جَمِيعًا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا فَاطِمَة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك

وَرووا إِن فَاطِمَة بضعَة مني الحَدِيث

وَلَو كَانَ حَدِيث لَا نورث صَحِيحا لما جَازَ لَهُ ترك البغلة الَّتِي خلفهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وسيفه وعمامته عِنْد عَليّ وَلما حكم لَهُ بهَا

ص: 197

إِذا ادَّعَاهَا الْعَبَّاس

وَبعد ذَلِك جَاءَ مَال الْبَحْرين وَعِنْده جَابر فَأعْطَاهُ بقوله عدَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِلَا بَيِّنَة

وَالْجَوَاب أَن مَا هَذَا بِأول إفتراء الرافضة وَلَا بهتهم

ثمَّ إِن فَاطِمَة إِن كَانَت طلبت فدك بِالْإِرْثِ بطلت الْهِبَة وَإِن كَانَت هبة بَطل الْإِرْث

ثمَّ إِذا كَانَت هَذِه هبة فِي مرض الْمَوْت فَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم منزه إِن كَانَ يُورث كَمَا يُورث غَيره أَن يُوصي لوَارث أَو يَخُصُّهُ فِي مرض مَوته بِأَكْثَرَ من حَقه

وَإِن كَانَ فِي صِحَّته فَلَا بُد أَن تكون هَذِه هبة مَقْبُوضَة وَإِلَّا فَإِذا وهب الْوَاهِب بِكَلَام وَلم يقبض الْمَوْهُوب إِلَيْهِ شَيْئا حَتَّى مَاتَ كَانَ ذَلِك بَاطِلا عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء

فَكيف يهب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة وَلَا يكون ذَلِك أمرا مَشْهُورا عِنْد أهل بَيته وَالْمُسْلِمين حَتَّى تخْتَص بمعرفته أم أَيمن أَو عَليّ رضي الله عنهما بل ذَلِك كذب على فَاطِمَة فِي إدعائها ذَلِك

وَإِن كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُورث فالخصم فِي ذَلِك أَزوَاجه وَعَمه وَلَا تقبل عَلَيْهِم شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة وَلَا رجل وَاحِد بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وإتفاق الْمُسلمين

وَإِن كَانَ لَا يُورث فالخصم فِي ذَلِك الْمُسلمُونَ فَكَذَلِك لَا تقبل عَلَيْهِم شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة وَلَا رجل وَاحِد بإتفاق الْمُسلمين وَلَا رجل وَامْرَأَة

نعم يحكم فِي مثل ذَلِك بِشَهَادَة وَيَمِين الطَّالِب عِنْد فُقَهَاء الْحجاز وفقهاء أهل الحَدِيث

وَشَهَادَة الزَّوْج لزوجته فِيهَا قَولَانِ مشهوران أَن للْعُلَمَاء هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد إِحْدَاهمَا لَا تقبل وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَغَيرهم رضي الله عنهم وَالثَّانيَِة تقبل وَهِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر وَابْن الْمُنْذر

فعلى هَذَا لَو قدر صِحَة هَذِه الْقَضِيَّة لما جَازَ للْإِمَام أَن يحكم بِشَهَادَة رجل وَاحِد اَوْ امْرَأَة بالإتفاق لَا سِيمَا وَأَكْثَرهم لَا يجيزون شَهَادَة الزَّوْج

وَقَوله وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أم أَيمن امْرَأَة من أهل الْجنَّة

ص: 198

فَهَذَا إحتجاج جَاهِل يُرِيد أَن يحْتَج لنَفسِهِ فيحتج عَلَيْهَا فَإِن هَذَا القَوْل لَو قَالَه الْحجَّاج ابْن يُوسُف أَو الْمُخْتَار بن أبي عبيد وأمثالهما لَكَانَ قد قَالَ حَقًا فَإِن امْرَأَة وَاحِدَة لَا يقبل قَوْلهَا فِي الحكم بِالْمَالِ لمدع يُرِيد أَن يَأْخُذ مَا هُوَ فِي الظَّاهِر لغيره فَكيف إِذا حُكيَ مثل هَذَا عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

وَأما الحَدِيث الَّذِي ذكره وَزعم أَنهم رَوَوْهُ جَمِيعًا فَهَذَا الْخَبَر لَا يعرف فِي شَيْء من دواوين الْإِسْلَام وَلَا نَعْرِف عَالما من الْعلمَاء رَوَاهُ

وَأما أَيمن هِيَ أم أُسَامَة بن زيد وَهِي حاضنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي من الْمُهَاجِرَات وَلها حق حُرْمَة لَكِن الرِّوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا تكون بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ وعَلى أهل الْعلم وَقَول الْقَائِل رووا جَمِيعًا لَا يكون إِلَّا فِي خبر متواتر فَمن يُنكر حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لَا يُورث وَقد رَوَاهُ أكَابِر الصَّحَابَة ثمَّ يَقُول إِنَّهُم جَمِيعًا رووا هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يكون من أَجْهَل النَّاس وأعظمهم جحدا للحق

وَبِتَقْدِير أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أَنَّهَا من أهل الْجنَّة فَهُوَ كإخباره عَن غَيرهَا أَنه من أهل الْجنَّة وَقد أخبر عَن كل وَاحِد من الْعشْرَة أَنه فِي الْجنَّة وَقَالَ لَا يدْخل أحد النَّار مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة وَهَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيح ثَابت عَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَحَدِيث الشَّهَادَة لَهُم بِالْجنَّةِ رَوَاهُ أهل السّنَن من غير وَجه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسَعِيد بن زيد

فَهَذِهِ الْأَحَادِيث هِيَ الْمَعْرُوفَة عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ

ثمَّ هَؤُلَاءِ يكذبُون من علم أَن الرَّسُول شهد لَهُم بِالْجنَّةِ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِم كَونهم لم يقبلُوا شَهَادَة امْرَأَة زَعَمُوا أَنه شهد لَهَا بِالْجنَّةِ فَهَل يكون أعظم من جهل هَؤُلَاءِ وعنادهم ثمَّ يُقَال كَون الرجل من أهل الْجنَّة لَا يُوجب قبُول شَهَادَته لجَوَاز أَن يغلط فِي الشَّهَادَة وَلِهَذَا لَو شهِدت خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَعَائِشَة ونحوهن مِمَّن يعلم أَنَّهُنَّ من أهل الْجنَّة لكَانَتْ شَهَادَة إِحْدَاهُنَّ نصف شَهَادَة رجل كَمَا حكم بذلك الْقُرْآن

كَمَا أَن مِيرَاث إِحْدَاهُنَّ نصف مِيرَاث رجل وديتها نصف دِيَة رجل وَهَذَا كُله بإتفاق الْمُسلمين

فكون الْمَرْأَة من أهل الْجنَّة لَا يُوجب قبُول شهادتها لجَوَاز الْغَلَط عَلَيْهَا فَكيف وَقد يكون الْإِنْسَان مِمَّن يكذب

ص: 199