المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الاهتمام بتعليم النساء - أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين

[حصة بنت عبد الكريم]

الفصل: ‌ثانيا: الاهتمام بتعليم النساء

‌ثانياً: الاهتمام بتعليم النساء

.

لم يغفل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاهتمام بتعليم النساء أمور دينهن، بل كان حريصاً على توصيل الأحكام الشرعية إليهن وبخاصة ما يتعلق منها بالمرأة، وله في ذلك شواهد تؤكد اهتمامه وحرصه صلى الله عليه وسلم على الاستجابة لأي سؤال أو استفسار يأتيه من النساء، حتى ولو كان في أدق خصوصياتهن. ومن ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل. ثم قال:"خذي فرصة من مسك، فتطهري بها" قالت: وكيف أتطهر بها. ثم قال: "سبحان الله تطهري بها"، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة وقلت: "تتبعين بها أثر الدم"(1) .

كما كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال النساء، ويطمئن على صحتهن. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على ضباعة بنت الزبير، ويسألها عن الحج، وهل تستطيع ذلك؟ فيشجعها بقوله صلى الله عليه وسلم:"حجي واشترطي". فعن عائشة رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: " لعلك أردت الحج" قالت: والله لا أجدني إلا وجعة (2) فقال لها: "حجي واشترطي، قولي: اللهم محلِّي (3) حيث حبستني (4) " وكانت تحت المقداد بن الأسود (5) .

(1) صحيح سنن النسائي – كتاب الطهارة، باب ذكر العمل في الغسل من الحيض رقمه (245) ، جـ1/53.

(2)

وجعة: ذات مرض.

(3)

محلي: أي مكان تحللي من الإحرام.

(4)

حيث حبستني أي عن النسك بعلة المرض.

(5)

صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقمه (5089) جـ6 ص149، وصحيح مسلم – كتاب الحج، باب اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، رقمه (1207) جـ2/867.

ص: 10

كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أشكل عليها أمراً، وأثار لديها تساؤلاً، حيث عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها، حينما أشكل عليها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر لتعارضها ظاهراً مع نهيه صلى الله عليه وسلم. فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ثم رأيته يصليها حين صلى العصر، ثم دخل عليّ وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه، قولي له:"تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليها". فإن أشار بيده فاستأخري عنه.

ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه. فلما انصرف، قال:"يا ابنة أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني أناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان"(1) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفيه الفحص عن الجمع بين المتعارضين (2) فأم سلمة رضي الله عنها استشكلت ما ظهر لها من خلاف بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأثار لديها تساؤلاً، أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون هناك مجال لظن".

فالطالب إذا أشكل عليه أمر فظهر له الخلاف بين القول والفعل أو الفعل والأمر، ينبغي له المسارعة بسؤال المعلم، فإنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال والأقوال (3) .

(1) صحيح البخاري، كتاب السهو، باب إذا كُلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع. جزء من حديث رقمه (1233) ، جـ2/84.

(2)

فتح الباري، جـ3/106.

(3)

صحيح مسلم بشرح النووي، جـ6/121.

ص: 11

كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم من جهل منهن أمراً من أمور الدين والرفق بهن، وعدم مؤاخذتهن. ومن ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري".

قالت: "إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه". فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك.

فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى "(1) .

قال العلامة العيني رحمه الله: "فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل، وترك مؤاخذة المصاب، وقبول اعتذاره"(2) . وكان لتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم باللطف مع المرأة الأثر الكبير في نفسها. فهذا التعامل بالرفق واللين مع المرأة ولَّد لديها محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومهابة. ومما يؤيد ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم قيل لها: "إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت. فأتت بابه

الحديث" (3) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح قول أنس بن مالك رضي الله عنه "فأخذها مثل الموت" أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلم؛ خجلاً منه ومهابة (4) .

فحسن تعامل المعلم مع طلابه والرفق بهم، والأخذ بأيديهم يُوَلِّد لديهم

(1) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، رقمه (1283) ، جـ2/99.

(2)

انظر: عمدة القاري، جـ8/68.

(3)

صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، رقمه (926) ، باختصار، جـ2/637.

(4)

فتح الباري، جـ3/149.

ص: 12