المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بعد حجتي هذه" (1) . فالمعلم المحب لتلاميذه يبين لهم أسباب - أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين

[حصة بنت عبد الكريم]

الفصل: بعد حجتي هذه" (1) . فالمعلم المحب لتلاميذه يبين لهم أسباب

بعد حجتي هذه" (1) .

فالمعلم المحب لتلاميذه يبين لهم أسباب الفوز بالجنة والنجاة من النار فيبين لهم فضل الحج المبرور الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "والحج المبرور (2) ليس له جزاء إلا الجنة"(3) . كما يحثهم على المتابعة ما بين الحج والعمرة لنفي الفقر والذنوب فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خَبَثَ الحديد"(4) .

قال الشيخ أبو الحسن السندي مبيناً المراد بالمتابعة بين الحج والعمرة: "اجعلوا أحدهم تابعاً للآخر واقعاً على عقبه، أي: إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا فإنهما متتابعان"(5) .

(1) صحيح مسلم، كتاب الحج باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً رقمه (1297) جـ2 ص943.

(2)

الحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق.

(3)

صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة وجوب العمرة وفضلها رقمه (1773) جـ2، ص240،.صحيح مسلم، كتاب الحج باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقمه (1349) جـ2/983 واللفظ لهما.

(4)

صحيح سنن ابن ماجه كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة حديث رقمه (2887) جـ2ص148.

(5)

حاشية الإمام السندي على سنن النسائي 5/115.

(6)

انظر: تاريخ التشريع، ص 52.

ص: 29

‌ثالثاً: الأخلاق:

بعد تأصيل مبادئ الإيمان والعقيدة في النفوس ووضع القواعد الأساسية لأمور العبادات، يأتي دور محاسن الأخلاق التي تزكو بها النفوس، ويستقيم عوجها (6) واتخذ لذلك وسيلتين: إمَّا التدرجَ، وإما القطعَ الحاسم. وكان

ص: 29

التدرج في تربية الأمة وفق ما يمر بها من أحداث. وأوضح مثال لذلك التدرج في تشريع تحريم الخمر.

فقد نزل قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل:67] .

ثم نزل قوله تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] فقارنت الآية بين منافع الخمر فيما يصدر عن شربها من طرب ونشوة أو يترتب على الاتِّجار بها من ربح، ومضارها من إثم تعاطيها، وما ينشأ عنه من ضرر في الجسم وفساد في العقل، وضياع للمال وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ونَفَّرت الآية منها بترجيح المضارِّ على المنافع.

ثم نزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] فاقتضى هذا الامتناع عن شرب الخمر من الأوقات التي يستمر تأثيرها إلى وقت الصلاة، حيث جاء النهي عن قربان الصلاة في حالة السكر حتى يزول عنهم أثره، ويعلموا ما يقولونه في صلاتهم.

ثم نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91] . فكان هذا تحريماً قاطعاً للخمر في كل الأوقات (1) .

(1) انظر: تاريخ التشريع ص 54-55.

ص: 30

وهناك بعض الأخلاق التي واجهها صلى الله عليه وسلم مواجهة حاسمة دون تدرج أو إبطاء عند تعليمه لأصحابه، لما يترتب عليها من أضرار. منها:

* الغيبة:

وهي من الصفات المذمومة والتي يتم فيها ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب (1) فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه ما هي الغيبة، وما الفرق بينها وبين البهتان. فعن أبي هريرة رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه"(2)(3) .

والله تعالى ذكر مثلاً منفراً عن الغيبة فقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] قال الشيخ السعدي: "شَبَّهَ أكل لحمه ميتاً المكروه للنفوس غاية الكراهة، باغتيابه فكما أنكم تكرهون أكل لحمه ولاسيما إذا كان ميتاً، فاقد الروح، فكذلك فلتكرهوا غيبته، وأكل لحمه حياً"(4) .

وحذَّرهم من الغيبة، وبيَّن لهم العقاب الشديد لمن أطلق عنان لسانه ليتحدث بما يشاء كيفما شاء.

(1) انظر فتح الباري جـ10/484.

(2)

بهته: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل.

(3)

صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم الغيبة رقمه (2589) جـ4/2001.

(4)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان جـ7/138.

ص: 31

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم"(1)، قال الشيخ السعدي تعليقاً على قوله تعالى:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات: 12] وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأنها من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر" (2) . وبين صلى الله عليه وسلم أن التعريض بالغيبة كالتصريح، سواء كان إشارة أو إيماء أو غمزاً أو لمزاً أو حركة أو إشارة أو محاكاة.

وعن عائشة رضي الله عنها – قالت: فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". قالت وحكيت له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا" (3) .

قال ابن حجر رحمه الله: "هي ذكر امرئ بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو ماله"(4) .

والرسول صلى الله عليه وسلم قد حثَّ المسلم على دفع كلام السوء عن أخيه المسلم وأن من فعل ذلك أبعد الله عن وجهه النار فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن

(1) أخرجه أحمد في المسند (3/224) ، انظر صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب باب في الغيبة رقمه (4878) جـ3/923 واللفظ له.

(2)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جـ7/138.

(3)

صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب باب الغيبة رقمه (4875) ،جـ3 ص923.

(4)

فتح الباري جـ10/484.

ص: 32

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عِرْض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"(1) .

فعلى المعلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويحث طلابه على مدافعة بعضهم عن بعض، وعدم تتبع عورات بعضهم بعضاً، فعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم"(2) .

وقال عمر رضي الله عنه في ذلك: "وإياكم وذِكْرَ الناس، فإنه داء"(3) .

* النميمة:

هي نَقْلُ كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد، ولذلك حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أنها طريق موصل إلى النار، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه".

كما أن النمَّام ينال عقاب الله في قبره، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما – أنه قال:"مرّ النبي على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، - ثم قال-: بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله"، قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال: "لعله يُخَفف عنهما، مالم ييبسا" (4) .

(1) صحيح سنن الترمذي أبواب البر والصلة باب ما جاء في الذب عن المسلم رقمه (2013) ، جـ2 ص181.

(2)

صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب، باب في النهي عن التجسس رقمه (4888) ، جـ3،ص924.

(3)

إحياء علوم الدين (جـ3/152) .

(4)

صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب عذاب القبر من الغيبة والبول، رقمه (1378) ،جـ2/125 صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه رقمه (292) ، جـ1 ص240. واللفظ له.

ص: 33

قال الحافظ ابن حجر: "قال الزين بن المنير: المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهم "(1) .

قال قتادة رحمه الله: "ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول"(2) .

فالمعلم يبين أن النميمة تؤذي وتضر، وتؤلم، وتجلب الخصام والنفور وتذكي نار العداوة بين المتآلفين، ولم ينقل جواز إباحتها أحد (3) . فقد روي عن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً فقال له عمر:" إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] . وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] . وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً "(4) .

فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول للبشرية يبين الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة وعلومها، ويبين الأخلاق الذميمة والأعمال السيئة ويحذر منها.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "فالأخلاق التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها هي أسباب سعادة الأمة ورقيها، وبقاء حكمها ودولتها، فعلى كل مسلم ومسلمة التخلق بهذه الأخلاق العظيمة"(5) .

(1) فتح الباري جـ3/242.

(2)

إحياء علوم الدين جـ3/166.

(3)

انظر: نضرة النعيم، جـ11/5671.

(4)

انظر: إحياء علوم الدين جـ3/166.

(5)

انظر: الأخلاق الإسلامية ص 32-33.

ص: 34