الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محبة المعلم ومهابته، وحسن الاستماع إلى ما يأمر به. وهذا هو المطلوب في العملية التعليمية.
ثالثاً: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار
.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المعلم لأصحابه متصفاً بصفات الكمال، ومن كمال منهجه التربوي اهتمامه بتربية الصغار وتعليمهم، وصبره عليهم وأخذه بأيديهم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يكون معلماً ومؤدباً لهم ليتحقق صلاحهم حينما يكبرون.
من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالصغار ما ورد من توجيهه التدريجي في الصلاة حيث قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع"(1) . فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الصلاة هي الأساس، وأمر بحثِّ الأبناء على إقامتها على الوجه المطلوب وإن في ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "قال القاضي: يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويأمره بها، ويؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين"(2) .
لذا ينبغي للمربي أن يأمر الأطفال بالطاعات قبل بلوغهم سن الرشد؛ كي يستأنسوا لها ويعتادوها؛ فالطفل أسلس قياداً، وأسرع مؤاتاة، ولم تغلب عليه عادة تمنعه من اتباع ما يراد منه، ولا له عزيمة تصرفه عما يؤمر به (3) .
(1) سنن أبي داود – كتاب باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ رقمه (495) ، جـ1/97.وقال عنه الشيخ الألباني (حسن صحيح) ، انظر صحيح سنن أبي داود، جـ1/97.
(2)
المغني جـ2/350.
(3)
انظر: جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب، ص39.
فإذا اعتادوا هذه الطاعات سهل عليهم القيام بها إذا ما كبروا. قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي: "ويجب عليه أيضاً أن يعلمه ما يجب عليه علمه، أويقيم له مَنْ يعلمه ذلك"(1) .
كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليمهم بعض مهارات الحياة التي تفيدهم في دنياهم فعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنح حتى أريك" فأدخل يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى، فصلى للناس، ولم يتوضأ"(2) .
والرسول صلى الله عليه وسلم عطوف ورحيم في تعليمه للصغار معالجاً لأخطائهم بدون قسوة ولا تعنيف. ومن ذلك حينما جمعت لدى الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة فأكل منها الحسن رضي الله عنه، فوجَّهه الرسول صلى الله عليه وسلم بلطف، بأنه لا ينبغي له الأكل من الزكاة؛ وذلك لما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كخ كخ" ليطرحها ثم قال: "أما شعرتَ أنَّا لا نأكل الصدقة"(3) .
قال الحافظ ابن حجر: كلمة كخٍ كخٍ كلمة زجر للصبي عما يريد فِعْله (4) .
(1) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، جـ1/232.
(2)
صحيح سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله.. رقمه (185) جـ1/37.
(3)
صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في صدقة النبي (، رقمه (1491) ، جـ2/164.
(4)
فتح الباري- جـ6/185.
لذا يجب على الأولياء إبعاد أطفالهم عن المحرمات، ومنعهم من تعاطيها، ومعاتبتهم عليها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحسن بطرح التمرة ورميها مِنْ فيه مع أنه طفل لا تلزمه الفرائض، ولم تَجْرِ عليه الأقلام.
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي الحديث أن الصبيان يُحَذّرون مما يحذر منه الكبار، وهذا واجب على الولي"(1) .
ولا ينسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن توجيهه للصغار بالقول حينما يكون ذلك كافياً في التوجيه والتعلم. ومن ذلك حينما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وهو لا يحسن الأكل من الإناء، فوجَّهه توجيهاً لطيفاً إلى آداب الأكل. فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يقول:"كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة (2) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سَمِّ الله وكل بيمينك وكُلْ مما يليك" فما زالت طعمتي بعد (3)(4) .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه آداب الأكل بالرغم من صغر سنه. ومما يدل على ذلك مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله: "يا غلام"، والغلام - كما بيَّن العلماء - هو الصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم (5) .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي جـ7/175.
(2)
الصحفة: «ما تشبع خمسة ونحوها، وهي أكبر من القصعة» المرجع السابق، جـ9/522.
(3)
«فما زالت طعمتي بعد - أي صفة أكلي- فلزمت ذلك وصار عادة» والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليه....انظر فتح الباري جـ9/523.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الأطعمة – باب التسمية علىالطعام والأكل باليمين، رقمه (5376) ، جـ6/241.
(5)
فتح الباري، جـ9/521، وانظر عمدة القاري، جـ21/29.
فعلى الأولياء والمعلمين الحرص على تعليم الأطفال ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، على أن يكون التعليم بالرفق واللين، حتى يتقبل الطفل من وليه، ويكون له الأثر العظيم في مستقبل حياته.
كما كان في تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة الأثر العظيم حيث قال رضي الله عنه: "فما زالت تلك طعمتي بعد أي: لزمت ذلك وصار عادة لي"(1) .
ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار: أنه صلى الله عليه وسلم عندما سمع من البنت الأنصارية الصغيرة قولاً مخالفاً للشرع، بأن نَسَبت إليه أنه يعلم ما في الغد علَّمها ما ينبغي لها قوله، ومنعها من إعادة كلامها. فقد روت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني عليّ (2) فجلس على فراشي كمجلسك (3) مني، فجعلت جويريات (4) لنا يضربن بالدف (5) ويندبن (6) من قُتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن:"وفينا نبيّ يعلم ما في غد".
قال: "دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين"(7) .
(1) انظر: فتح الباري، جـ9/523.
(2)
(بُني علي) البناء: الدخول بالزوجة – فتح الباري، جـ9/203.
(3)
(كمجلسك) بكسر اللام أي مكانك، المرجع السابق جـ9/203.
(4)
(جويريات) جمع جويرية، ومصغر جارية، عمدة القاري، جـ20/135.
(5)
(الدف) الأفصح في (الدف) ضم الدال، وقد تُفتح وهو الذي بوجه واحد عمدة القاري، جـ20/2135.
(6)
(يندبن) أي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها (فتح الباري، جـ9/203) .
(7)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، رقمه (5147) ، جـ6/167.