الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
عروة بن الزبير:
هو الرجل الثاني من رجال الطبقة الأولى من كتَّاب المغازي والسير، وأبوه الزبير بن العوام بن خويلد، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد المبشرين بالجنة، وهو حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها عمته، أي عمة الزبير بن العوام، أما أم عروة فهي ذات النطاقين السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وخالته عائشة أم المؤمنين، وأحب أزواج النبي إليه، وقد ولد عروة في المدينة المنورة، حوالي سنة 26هـ، على أرجح الأقوال، لأنه كان صغير السن عندما حدثت موقعة الجمل سنة 36هـ، ولم يشهدها فقد قال هو في نفسه:"رُددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يوم الجمل، استصغرونا".
فالبيت الذي نشأ فيه عروة ركناه: أبوه الزبير بن العوام، حواري الرسول، وأمه ذات النطاقين، أسماء بنت الصديق، أما أستاذته الكبرى ومعلمته فهي خالته، السيدة عائشة أم المؤمنين، التي كان كثير التردد عليها، والمداومة على زيارتها والتعلم منها والحديث إليها.
وإذا كان عروة قد شهد -وهو صبي في العاشرة من عمره تقريبًا- الفتنة الكبرى التي حلت بالمسلمين وزلزلت كيانهم، في الشطر الثاني من خلافة عثمان بن عفان سنة 30- 35هـ -والتي استغرقت عهد علي بن أبي طالب كله 35-40هـ، فإن الله سبحانه وتعالى قد تدارك الأمة الإسلامية برحمته، ووحد كلمتها في عام 41هـ وهو العام الذي سماه المسلمون عام الجماعة -بعد الفتنة والفرقة- حينما تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما إيثارًا لمصلحة الأمة، وحقنًا لدماء المسلمين، مصدقًا بذلك نبوءة جده عليه الصلاة والسلام حيث قال عنه:"ابني هذا سيد -يقصد الحسن- ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"1.
ولقد استفتح معاوية رضي الله عنه عهده بالإحسان إلى أهل المدينة بصفة عامة، وإلى الصحابة وأبنائهم بصفة خاصة، وأغدق عليهم من الأموال ما أتاح لهم التفرغ للعلم والتعليم، فزخر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بأعداد هائلة من الفقهاء والمحدثين والمفسرين وأصحاب السير والمغازي، وكان عروة بن الزبير، فارسًا من فرسان هذه الحلقات وأبرز رجالها.
1 صحيح البخاري جـ4 ص216.
فتروي المصادر وكتب الطبقات، أنه كان يجتمع كل ليلة، بطريقة تكاد تكون منتظمة في المسجد النبوي، بمجموعة من كبار التابعين ومن رجال الطبقة الأولى منهم، كانت تضم أخاه مصعب بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن مروان، وعبد الرحمن بن مسور، وإبراهيم بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي، ولم تكن هذه الاجتماعات سوى حلقات علمية، يدور الحديث فيها عن العلوم الإسلامية؛ من فقه وتفسير وحديث وسير ومغازٍ، وكما اشتهر عروة بن الزبير بأنه أحد فقهاء المدينة السبعة الكبار -كما هو الحال بالنسبة لأبان بن عثمان -فقد اشتهر بأنه من أكابر علماء السيرة والمغازي، وكان الناس -حتى زملاؤه في الدراسة- يتجهون إليه، ليسألوه ويتعلموا منه السيرة النبوية بصفة خاصة، لقربه من بيت النبي، ولمعرفته أكثر من غيره بما كان يدور في ذلك البيت الكريم عن طريق خالته السيدة عائشة رضي الله عنها فعبد الملك بن مروان -الخليفة الأموي المشهور 65- 86هـ مع أنه كان أحد تلاميذ مدرسة المدينة المشهورين ومن فقهائها، وقد لقب بحمامة المسجد؛ لشدة ملازمته مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وانكبابه على حلقات العلم، وهو من زملاء عروة وأصدقائه، إلا أنه كان كثير الرجوع إليه في كل ما يتعلق بأحداث السيرة النبوية، وذلك
عندما شغلته السياسة عن طلب العلم بعد أن أصبح خليفة، ويبدو أن عروة قد ألف كتبًا كثيرة في السيرة وغيرها، فهناك خبر جدير بالتنويه، يرويه ابن سعد1، عن هشام بن عروة أن أباه أَحرقَ يوم الحرة -يقصد يوم وقعة الحرة المشهورة بين ثوار المدينة وجيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة 63هـ- عدة كتب، وقد حزن كثيرًا على فقدها فيما بعد، فهذا الخبر يدل على انتشار الكتابة والتأليف في ذلك الوقت المبكر من عهد المسلمين بالتأليف والتدوين العلمي.
وإذا كانت مؤلفات عروة بن الزبير لم تصل إلينا، فقد حفظت لنا المصادر الباقية لدينا، الكثير من المادة العلمية والروايات التي كان مصدرها عروة، ففي سيرة ابن إسحاق ومغازي الواقدي وطبقات ابن سعد وتاريخ الطبري روايات كثيرة عن أحداث سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومغازيه عن عروة بن الزبير، وقد توفي رحمه الله تعالى سنة 94هـ2.
1 الطبقات الكبرى جـ5 ص133.
2 انظر ترجمة عروة في المصدر السابق جـ5 ص 178- 182.