الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِرْثُهُ:
29 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى يَرِثُ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى عَمَلاً بِالشَّبَهَيْنِ، وَهَذَا قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَهْل الْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ، وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَوَرَّثَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَل النَّصِيبَيْنِ احْتِيَاطًا، وَيُعْطِيهِ الشَّافِعِيَّةُ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ الأَْمْرُ أَوْ يَصْطَلِحُوا، وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى قَبْل اتِّضَاحِهِ لَمْ يَبْقَ إِلَاّ الصُّلْحُ فِي الْقَدْرِ الْمَوْقُوفِ (الْمَحْجُوزِ) ، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَابْنُ جَرِيرٍ (1) .
وَفِي كَيْفِيَّةِ إِرْثِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ " إِرْثٌ "
(1) الاختيار 5 / 115، وفتح القدير 8 / 509، وابن عابدين 5 / 466، ومواهب الجليل 6 / 426، 427، ونهاية المحتاج 6 / 31، 32،. ط مصطفى البابي الحلبي، والقليوبي 3 / 150، والمغني 6 / 254، ونيل المآرب 2 / 93.
خِنْزِيرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْخِنْزِيرُ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ. قَال الدَّمِيرِيُّ. الْخِنْزِيرُ يَشْتَرِكُ بَيْنَ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبُعِيَّةِ، فَالَّذِي فِيهِ مِنَ السَّبُعِ النَّابُ وَأَكْل الْجِيَفِ، وَالَّذِي فِيهِ مِنَ الْبَهِيمِيَّةِ الظِّلْفُ وَأَكْل الْعُشْبِ وَالْعَلَفِ.
أَحْكَامُ الْخِنْزِيرِ:
2 -
تَدُورُ أَحْكَامُ الْخِنْزِيرِ عَلَى اعْتِبَارَاتٍ:
الأَْوَّل: تَحْرِيمُ لَحْمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ.
الثَّانِي: اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ.
وَالثَّالِثُ: اعْتِبَارُ مَالِيَّتِهِ. وَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الاِعْتِبَارَاتِ أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
3 -
أَمَّا الاِعْتِبَارُ الأَْوَّل فَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ أَكْل لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ. لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {قُل لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . (1)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى تَقْدِيمِ أَكْل الْكَلْبِ عَلَى الْخِنْزِيرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْل بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ أَكْل الْكَلْبِ.
كَمَا يُقَدَّمُ شَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَكُلْيَتُهُ وَكَبِدُهُ عَلَى لَحْمِهِ، لأَِنَّ اللَّحْمَ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَيْتَةِ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْخِنْزِيرِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، لأَِنَّ الْخِنْزِيرَ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَحُرْمَةَ الْمَيْتَةِ عَارِضَةٌ. (2)
4 -
وَأَمَّا الاِعْتِبَارُ الثَّانِي: وَهُوَ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ:
فَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ نَجَاسَةُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَمَا يَنْفَصِل عَنْهُ كَعَرَقِهِ وَلُعَابِهِ وَمَنِيِّهِ (3) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ
(1) سورة الأنعام / 145.
(2)
حاشية ابن عابدين 5 / 196، حاشية الدسوقي 2 / 116، 117، مطالب أولي النهى 6 / 321، المجموع 9 / 2، و 39.
(3)
فتح القدير 1 / 82، بدائع الصنائع 1 / 63، شرح العناية على الهداية 1 / 82 بهامش فتح القدير، ونهاية المحتاج 1 / 19، وكشاف القناع 1 / 181.
رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) . وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} رَاجِعٌ إِلَى الْخِنْزِيرِ فَيَدُل عَلَى تَحْرِيمِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَجَمِيعِ أَجْزَائِهِ.
وَذَلِكَ لأَِنَّ الضَّمِيرَ إِذَا صَلَحَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمُضَافِ وَهُوَ " اللَّحْمُ " وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ " الْخِنْزِيرُ " جَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمَا.
وَعَوْدُهُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَوْلَى فِي هَذَا الْمَقَامِ لأَِنَّهُ مَقَامُ تَحْرِيمٍ، لأَِنَّهُ لَوْ عَادَ إِلَى الْمُضَافِ وَهُوَ اللَّحْمُ لَمْ يَحْرُمْ غَيْرُهُ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ حَرُمَ اللَّحْمُ وَجَمِيعُ أَجْزَاءُ الْخِنْزِيرِ.
فَغَيْرُ اللَّحْمِ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ وَأَنْ لَا يَحْرُمَ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ طَالَمَا أَنَّهُ صَالِحٌ لِذَلِكَ، وَيُقَوِّي إِرْجَاعَ الضَّمِيرِ إِلَى " الْخِنْزِيرِ " أَنَّ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّذْكِيَةِ فَيَنْجَسُ لَحْمُهُ بِالْمَوْتِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى طَهَارَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ حَال الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْصْل فِي كُل حَيٍّ الطَّهَارَةُ، وَالنَّجَاسَةُ عَارِضَةٌ، فَطَهَارَةُ عَيْنِهِ بِسَبَبِ الْحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ عَرَقِهِ وَلُعَابِهِ وَدَمْعِهِ وَمُخَاطِهِ (2) .
وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ::
(1) سورة الأنعام / 145.
(2)
الشرح الصغير 1 / 43.