المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحليل مادة الرسالة التي ننشرها: - الموفي بمعرفة التصوف والصوفي

[كمال الدين الأدفوي]

الفصل: ‌تحليل مادة الرسالة التي ننشرها:

دلق رقيق، بالي الخلقة رقيق، قد تمكن منه الوسخ ونبت فيه ورسخ، قد جمعه من عدة رقاع، له مدفأة يستدفئ بنارها"

(1)

.

‌تحليل مادة الرسالة التي ننشرها:

ناقشت الرسالة، مسألة اقتصادية مهمة، وهي، هل يصح الوقف والوصية للصوفية أم لا؟ ذلك أن عددًا كبيرًا من مصالح البلدان، كالدكاكين والحمامات والأسواق والبساتين والقرى الفلاحية والطواحين والمعاصر وغيرها، كانت توقف على صوفية خانقاه أو يوصي بإنفاق ريعها على جماعة صوفية معينة، وبالتالي فإنه لا يستفيد من هذه المصالح إلا حفنةٌ من المجتمع حظيتْ بخيراتهِ وهباتِهِ، بل وأثرت في مجرى الأحداث السياسية والاجتماعية في الأمة، فغدت هي المتنفذة المقربة من أُولي الأمر، بل إن أُولي الأمر أنفسَهم باتوا يخشونهم، فتزلفوا لهم بالمبالغة في إكرامهم وإغداق الأموال عليهم.

لقد شكل هؤلاء الصوفية عبئًا ثقيلًا على اقتصاد المجتمع، وأُرْهِقَ الأهالي والفلاحون بتوفير احتياجاتهم طمعًا في إرضائهم ونيل دعواتهم، وانعكست الأهداف وغرق الصوفية في المفاسد والإِفساد، وسيروا الحياة الاجتماعية وفق ما يرغبون، وطغي هيلمانهم، واستفحل تأثيرهيم، فقام جماعة من العلماء، وأخذوا على عاتقهم تنبيه المجتمع لحالة التردي التي وصلت إليها حركة الصوفية، وذلك من خلال إيقاظ الأحاسيس بأصول الصوفية الحقة، فأعاد هذا النفر من العلماء، البحث في التصوف، وحقيقة الصوفي من حيث المبادئ والأهداف، والقصد من ذلك إثارة المسألة عند الناس، ليقارنوا بين حال الصوفية في عصرهم، وما يجب أن يكونوا عليه.

وكان مؤلف رسالتنا جعفر بن ثعلب الأدفوي أحد هؤلاء العلماء الذين

(1)

سلام: الأدب في العصر المملوكي، ج 1 ص 203.

ص: 20

صنفوا في باب الصوفية، وعقد أبوابًا في رسالتنا للبحث في مبادئ الصوفية حيث اتكأ على "الرسالة القشيرية" واقتبس منها عشرة آراء لكبار فقهاء الصوفية عرضها بشكل ميسر بسيط.

وحول حقيقة الصوفي والكلام فيه، فقد تناول مؤلفنا، النسبة إلى التصوف، وبيان من تصدق عليه النسبة، وقرَّر بأن البدع واختلاف الفرق الإسلامية بعد سنة 200 هـ، هي التي أخرجت التصوف عن أُصوله ومعناه

(1)

.

وحتَّى ينجح في إقناع قارئ الرسالة أو مسامعها، فقد استشهد بأكثر من عشرين رأيًا لفقهاء من الصوفية من أهل الطريق وأصحاب العلم والتحقيق

(2)

، وملخص ما انتهى إليه، أن الصوفي في العرف العام، هو من اتصف بالصفات المحمودة في الشرع، وتخلق بالأخلاق الممدوحة، وإن بَعُد فيها الطبع، معرض عن الدُّنيا، مقبلٌ على الآخرة، سالك الطريق التي هي أولى بالمرء".

وأما في العرف الخاص، فإن الصوفي من يلبس لبسة مخصوصة من دلق

(3)

أو فرجيه

(4)

، وله عمامة، يرخي منها عذبة قصيرة من قدامه، ويحضر

(1)

انظر الرسالة، 4 ب.

(2)

الرسالة، 6 أ.

(3)

الدلق: نوع من اللباس يجعل تحت العباءة الفوقانية، وقد يكون كالمعطف واسعًا بدون فتحة، سوى فتحة الكتفين، ويُحاك من حرير الطرح الأزرق اللون أو من الصوف الأسود، انظر، محمد عيسى صالحية: من وثائق الحرم القدسي الشريف، ص 27، دوزي: معجم، 183، ماير: الملابس المملوكية، 90.

(4)

فرجية: ثوب فضفاض، له كمان واسعان، يتجاوزان قليلًا أطراف الأصابع، وقد يكون لها ذيل يرخى من فوق الرأس. انظر دوزي: معجم الملابس، 167 (النص المترجم المنشور في مجلة اللسان العربي م 10 ج 3).

ص: 21

في الخانقاه بعد العصر ليحضر القراءة والذكر، وغير متعاط للحرف الدنيئة كالحياكة أو الحجامة أو القمامة، وغير موصوف بالثروة.

وكأن الأُدفوي أراد القول، إن شروط الانتظام في سلك الصوفية في عصره هي:

- التزيّي بأزياء معينة.

- مداومة الحضور إلى الخانقاه بعد العصر للقراءة والذكر.

- عدم تعاطي الحرفة الدنيئة كالحياكة والحجامة والقمامة.

- غير معروفة بالثراء.

وما عداها من الزهد والعبادة والبعد عن زخرف الدُّنيا فغدت شيئًا مهملًا.

لقد مهَّد الأدفوي بالبابين السابقين ليصل إلى الباب الثالث، وهو "من يستحق الوقف والوصية من الصوفية"، وهذا الباب هو جوهر الرسالة، والمقصد الأساسي لتصنيفها، ويدخل هذا الباب في نظريات الإلزام والالتزام من فقه القانون المدني. في حيثيات "العُرف".

والمادة القانونية التي يطرحها هي، أن العرف محكّم وفاصل في النزاع إذا كان منضبطًا، ولا خلاف عليه في بلد معين، فإذا اضطرب العرف في ذلك البلد، وجب البيان حينئذٍ، أي أن الحكم يربط بالأسباب.

فالوقف لا يصح على الصوفية، لعدم ضبط معنى الصوفية ووقوفه عند حدٍ. وقد أفاض مؤلف الرسالة في الاستشهاد بما في المذاهب الأربعة جواز الوقف من عدمه، فالشافعية لا تجيزه، وكذا بعض علماء الحنفية، وأما

ص: 22

الحنابلة، فأجازوا الوقف على المنقطعين للعبادة، وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة

(1)

.

ثم ناقش مؤلفنا رأي الغزالي في الوقف على الصوفية، والذي أورده في كتاب "إحياء علوم الدِّين"

(2)

، حيث ذهب الغزالي إلى أنَّ الصوفي هو من اتصف بما يلي:

- الصلاح.

- الفقر.

- لبس زي الصوفية.

- ألا يكون مشتغلًا بحرفة.

- أن يكون مخالطة للصوفية بطريق المساكنة والخلطة

(3)

.

وقد تناول مؤلف رسالتنا هذه القضايا، وناقشها، وفنَّدها بندًا بندًا، واستشهد بأقوال كبار رجال الزهد والتصوف لإِثبات حجته، وإبطال حجج الغزالي، وقد استند مؤلفنا في ردّه على الغزالي، على الأمور التالية:

- أن الغزالي فيما أورده لم يجرِ على القواعد الفقهية.

- أن الغزالي استند على رسوم الصوفية المحدثة.

- اعتراف الغزالي بأن لا دليلَ لديه عما يقوله إلا العادات والأعراف الخاصة.

- العرف الخاص لا اعتبار له عند أهل الفتوى

(4)

.

- قدم الأُدفوي جملة من الشواهد التاريخية تبطل الادعاء بالزي، وتنفي شرط المساكنة والخِلطة، وحتى الفقر والاشتغال بحرفة دون أخرى، وأما الصلاح،

(1)

الرسالة، 8 أ.

(2)

الغزالي: إحياء علوم الدين، 2/ 153.

(3)

الرسالة، 9 أ.

(4)

الرسالة، 9 ب.

ص: 23

فبيَّن مؤلف رسالتنا، بأن الصلاح محصور في الاقتداء بسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مسالك الصوفية لا بد أن تكون وفق القرآن والسُّنَّة

(1)

، وأتى بشواهد عديدة من أقوال أئمة التصوفة المشهورين بالصلاح والتحقيق.

ويلاحظ بأن مؤلفنا كان ينقم على الغزالي طرح تلك الآراء، بل ويقابلها بالاستهجان، فحين عرض الغزالي لنزول الخانقاه، قال مؤلف رسالتنا "وهذا الذي ذكره الغزالي لا يناسب تحقيقه"

(2)

، وفي موضع آخر قال:". . . وهو لم يبينه قبل، وأحال عليه، فهو عجيب منه"

(3)

، وفي معرض نقده لكتاب "الإِحياء" قال:"لأن كتاب الإِحياء ليس موضوعًا للتحقيق على طريقة الفقه، وأكثره وكثير منه، مبني على كلام صوفي"

(4)

ومجمل ما انتهى إليه مؤلف رسالتنا، أن المنتسبين إلى التصوف ثلاثة أقسام:

- قسم اتبعوا ما جاء في الشرع، ووقفوا مع ما قاله علماء السُّنَّة، فهم يستحقون التعظيم ويستوجبون التبجيل والتكريم

(5)

.

- قسم حصل لهم غلوٌ في التصوف فابتدعوا طرقًا واخترعوا عقائدَ، ووقفوا مع ألفاظ مزخرفة جمعوها، فيدخلون في جملة الكفار، ويستحقون النار.

- قسم غلب عليهم الجهل، ووقفوا مع ما أُحدث من رسوم وتركوا النظر في المعارف والعوارف والعلوم. واحتفلوا بالرقص والسماع والشهوات، وهؤلاء

(1)

الرسالة 12 ب -15 أ.

(2)

الرسالة، 8 ب.

(3)

الرسالة، 8 ب.

(4)

الرسالة، 8 ب.

(5)

لم يذكر الوقف كاستحقاقٍ لهؤلاء، وإنما اكتفى بأستحقاقهم التعظيم والتبجيل والتكريم.

ص: 24