الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْد الزحام فِي الْجُمُعَة والتسوية بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ صرح بهَا جمَاعَة مِنْهُم ابْن عقيل وَصَاحب التَّلْخِيص وَهُوَ قَول مَالك وَالْمَنْقُول عَن أَحْمد السُّجُود عِنْد الزحام بِخِلَاف مَسْأَلَة الجذب لَكِن هَل السُّجُود وجوبا كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة كَمَا هُوَ ظَاهر قَول عمر فليسجد على ظهر أَخِيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور أَو السُّجُود أولى فَقَط كَمَا رُوِيَ عَن أَحْمد وَهَذِه التَّفْرِقَة اخْتِيَار جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ وجيه الدّين لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِي مَسْأَلَة الزحام وَمَسْأَلَة الجذب فَلَا يُؤثر الِانْتِقَال من الصَّفّ الأول فيفوته فضيلته وَإِن كَانَ لَهُ أجر فِي وُقُوفه مَعَ الْفَذ وعَلى قَول ابْن عقيل يومي غَايَة الْإِمْكَان فِي مَسْأَلَة الزحام فَإِن احْتَاجَ إِلَى وضع يَدَيْهِ أَو رُكْبَتَيْهِ وَقُلْنَا يجوز فِي الْجَبْهَة فَوَجْهَانِ
فصل
فَإِن خرج مَعَه وَإِلَّا تَركه قَالَ مَالك لَا يتبعهُ لقَوْله عليه الصلاة والسلام من قطع صفا قطعه الله رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَيُصلي فَذا وَلنَا أَنه لمصحة كتأخيره عَن يَمِين الإِمَام إِذا جَاءَ آخر وَيجْبر مَا يفوتهُ بسبقه إِلَى تَصْحِيح صَلَاة أَخِيه الْمُسلم وروى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن الْحسن بن عَليّ عَن يزِيد بن هَارُون عَن الْحجَّاج بن حسان عَن مقَاتل بن حَيَّان رَفعه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن جَاءَ رجل فَلم يجد أحدا فليختلج إِلَيْهِ رجلا من الصَّفّ فَليقمْ مَعَه فَمَا أعطم أجر المختلج كلهم ثِقَات وَذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره
فصل
إِذا وقف الصَّبِي فِي الصَّفّ الأول أَو قرب الإِمَام فَهَل يُؤَخر قَالَ الشَّيْخ
مجد الدّين فَإِن وضعت جَنَازَة الْمَفْضُول بَين يَدي الإِمَام ثمَّ جِيءَ بالأفضل تَأَخّر الإِمَام إِن أمكنه ليلِي الْأَفْضَل وَإِن لم يُمكن أخرت السَّابِقَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَا يُؤَخر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِن كَانَ السَّابِق صَبيا والمسبوق رجلا مُرَاعَاة للسبق كَمَا لَا يُؤَخر السَّابِق إِلَى الصَّفّ الأول وَإِلَى قرب الإِمَام وَإِن كَانَ مفضولا قَالَ ابْن عبد الْقوي وَقد تقدم فِي صفة الصَّلَاة أَن بعض الصَّحَابَة أخر صَبيا من الصَّفّ الأول
قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين وتؤخر هُنَا الْمَرْأَة لمجيء الرجل على المذهبين مَعًا لمَكَان الذكورية وَكَون الْمَرْأَة لَا تقف فِي صف الرِّجَال بِخِلَاف الصَّبِي انْتهى كَلَامه
وَالْوَجْه الثَّانِي اخْتِيَار القَاضِي وَالْأول اخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة لَو حضرت جَنَازَة امْرَأَة ثمَّ جَنَازَة رجل قدم الرجل إِلَى الْأَمَام وأخرت الْمَرْأَة لقَوْل عليه الصلاة والسلام أخروهن من حَيْثُ أخرهن الله وَلَو حضرت جَنَازَة صبي ثمَّ حضرت جَنَازَة رجل قدم الرجل لقَوْله ليليني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُؤَخر الصَّبِي لِأَنَّهُ يجوز أَن يقف فِي صف الرِّجَال بِخِلَاف الْمَرْأَة
قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فَإِن كَانَت من جنس وَاحِد وتفاوتوا فِي الْفَضَائِل وتعاقبوا فِي الْحُضُور فَمن سبق إِلَى قرب الإِمَام فَهُوَ أَحَق بِهِ كَمَا فِي الصَّفّ الأول فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر عَنهُ بِحُضُور من هُوَ أفضل مِنْهُ انْتهى كَلَامه
وَظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق بَين الْجِنْس والأجناس خلاف مَا ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين كَمَا أَن ظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين مَسْأَلَة الْجَنَائِز وَمَسْأَلَة الصَّلَاة خلاف مَا ذكره الشَّيْخ مجد الدّين
فَظهر من ذَلِك أَنه هَل يُؤَخر الْمَفْضُول بِحُضُور الْفَاضِل أَولا يُؤَخر أَو يفرق بَين الْجِنْس والأجناس أَو يفرق بَين مَسْأَلَة الْجَنَائِز وَمَسْأَلَة الصَّلَاة أَقْوَال وَالْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن عبد الْقوي رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن قيس بن عباد قَالَ أتيت الْمَدِينَة للقاء أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصَّلَاة وَخرج أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقُمْت فِي الصَّفّ الأول فجَاء رجل فَنظر فِي وُجُوه الْقَوْم فعرفهم غَيْرِي فنحاني وَقَامَ فِي مَكَاني فَمَا عقلت صَلَاتي فَلَمَّا صلى قَالَ يَا بني لَا يسؤك الله فَإِنِّي لم آتٍ الَّذِي أتيت بِجَهَالَة وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لنا كونُوا فِي الصَّفّ الأول الَّذِي يليني وَإِنِّي نظرت فِي وُجُوه الْقَوْم فعرفتهم غَيْرك وَكَانَ الرجل أبي بن كَعْب
وَهَذَا الْخَبَر إِن صَحَّ فَهُوَ رَأْي صَحَابِيّ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من سبق إِلَى مَا سبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ أَحَق بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر وَابْن عمر رضي الله عنهم أَن النَّبِي ي صلى الله عليه وسلم نهى أَن يُقَام الرجل من مَجْلِسه وَيجْلس فِيهِ وَلَكِن تَفَسَّحُوا أَو توسعوا
قَوْله وَمن سمع التَّكْبِير وَلم ير الإِمَام وَلَا من وَرَاءه لم يَصح أَن يأتم بِهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَعنهُ لَا يَصح بِحَال وَعنهُ تصح بِكُل حَال
أطلق عدم الرُّؤْيَة وَنقض غير وَاحِد بالأعمى وَنقض المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَقَالَ لَو كَانَ الْحَائِل ظلمَة أَو اقْتدى ضَرِير بضرير صَحَّ مَعَ سَماع التَّكْبِير والرؤية ممتنعة وَنقض الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِسوَارِي الْمَسْجِد وَفِيه نظر
وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن الْخلاف الَّذِي ذكره سَوَاء اتَّصَلت الصُّفُوف أم لَا وَأَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف مُطلقًا أما فِي غير الْمَسْجِد فَسَيَأْتِي
الْكَلَام فِيهِ فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا وَأما فِي الْمَسْجِد فَلَا يعْتَبر حَكَاهُ فِي شرح الْهِدَايَة إِجْمَاعًا وَكَذَا قطع بِهِ الْأَصْحَاب
وَظَاهر هَذَا أَنه سَوَاء كَانَ بَينهمَا حَائِل أم لَا قطع فِي شرح الْهِدَايَة أَبُو الْمَعَالِي ابْن المنجي بِأَنَّهُ إِذا حَال بَينهمَا فِي الْمَسْجِد نهر يُمكن فِيهِ السباحة والخوض مُتَعَذر غير متيسر وَلَا جسر يُمكن العبور عَلَيْهِ أَنه يجوز وَلَا يمْنَع الِاقْتِدَاء لِأَن الْمَسْجِد معد للاجتماع كَمَا لَو صلى فِي سطح الْمَسْجِد وَلَا دَرَجَة هُنَاكَ وَأَنه على روايتي الِاكْتِفَاء بِسَمَاع التَّكْبِير فِي الْمَسْجِد يشْتَرط الِاتِّصَال الْعرفِيّ الَّذِي يعد أَن يجتمعن عرفا كالاتصال فِي الصَّحرَاء انْتهى كَلَامه
وَقَالَ الْآمِدِيّ لَا خلاف فِي الْمَذْهَب أَنه إِذا كَانَ فِي اقصى الْمَسْجِد وَلَيْسَ بَينه وَبَين الإِمَام مَا يمْنَع الاستطراق والمشاهدة أَنه يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِن لم تتصل الصُّفُوف فَظَاهر هَذَا أَن مَا يمْنَع الْمُشَاهدَة يمْنَع صِحَة الِاقْتِدَاء وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق مَا رَوَاهُ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز عَن عمر فِي أَن النَّهر مَانع من صِحَة الِاقْتِدَاء
فقد ظهر من هَذَا أَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف فِي الْمَسْجِد وعَلى قَول الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي يشْتَرط إِن كَانَ يمْنَع الرُّؤْيَة وَأَنه لَا يضر حَائِل غير مَانع من الرُّؤْيَة فِي الْمَسْجِد خلافًا للآمدي وَأطلق فِي الْمُحَرر الْحَائِل الْمَانِع من الرُّؤْيَة فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَكَذَا ذكر غير وَاحِد وَقد نَص الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي وَأبي طَالب فِي الْمِنْبَر إِذا قطع الصَّفّ لَا يضر
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذَا على عدم اعْتِبَار الْمُشَاهدَة فِي الْمَسْجِد فَأَما على رِوَايَة اعْتِبَارهَا فَيقطع قَالَ وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا يجوز على كلتا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجُمُعَة وَنَحْوهَا للْحَاجة انْتهى كَلَامه
وَالرِّوَايَة الْخَاصَّة بِالْجمعَةِ عَامَّة سَوَاء كَانَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد أَولا وَعنهُ رِوَايَة رَابِعَة أَن ذَلِك يمْنَع مِنْهُمَا فِي الْفَرْض دون النَّفْل قَالَ بعض أَصْحَابنَا فِيمَا إِذا كَانَا فِي الْمَسْجِد وَقيل إِن كَانَ الْمَانِع لمصْلحَة الْمَسْجِد صَحَّ وَإِلَّا لم يَصح وَقَالَ فِيمَا إِذا كَانَ الْمَأْمُوم فِي غير الْمَسْجِد وَعنهُ إِن كَانَ الْحَائِل حَائِط الْمَسْجِد لم يمْنَع وَغَيره يمْنَع
قَوْله فَإِذا ائتم بِهِ خَارج الْمَسْجِد وَهُوَ يرَاهُ أَو يرى من خَلفه جَازَ
وَظَاهره أَنه سَوَاء رَآهُ فِي كل الصَّلَاة أَو فِي بَعْضهَا وَهُوَ صَحِيح وَقد صرح بِهِ غير وَاحِد وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَإِن كَانَت الْمُشَاهدَة تحصل فِي بعض أَحْوَال الصَّلَاة فَالظَّاهِر صِحَة الصَّلَاة لحَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من اللَّيْل وجدار الْمَسْجِد قصير الحَدِيث
وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف وَقد قطع بِهِ غير وَاحِد مِنْهُم القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَأَنه قَول جُمْهُور الْعلمَاء كَمَا لَو كَانَا فِي الْمَسْجِد وَأَن ظَاهر قَول الْخرقِيّ أَنه يشْتَرط لظَاهِر أمره عليه الصلاة والسلام بالدنو من الإِمَام وَقطع بِهِ الشَّيْخ فِي الْكَافِي وَقطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين أَيْضا فِي شرح الْهِدَايَة
فعلى هَذَا يرجع فِي اتِّصَال الصُّفُوف إِلَى الْعرف قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين فَقَالَ مضبوط بِالْعرْفِ عندنَا وَقطع بِهِ أَيْضا فِي الْكَافِي فَقَالَ لَا يكون بَينهمَا بعد كثير لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ وَهُوَ قَول الْخرقِيّ على مَا ذكره المُصَنّف وَذكر فِي التَّلْخِيص وَالرِّعَايَة أَنه يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف أَو ثَلَاثَة أَذْرع وَقيل مَتى كَانَ بَين الصفين مَا يقوم صف آخر فَلَا اتِّصَال اخْتَارَهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة حَيْثُ اعْتبر اتِّصَال الصُّفُوف وَهُوَ فِي الطَّرِيق على
مَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْمُغنِي معنى اتِّصَال الصُّفُوف أَن لَا يكون بَينهمَا بعد لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ فَلَو اقْتصر فِي الْمُغنِي على هَذَا كَانَ مثل قَوْله فِي الْكَافِي وَكَانَ وَاضحا لَكِن زَاد يمْنَع إِمْكَان الِاقْتِدَاء وَهَذِه الزِّيَادَة فِيهَا إِشْكَال
وَفهم الشَّيْخ شمس الدّين من هَذِه الزِّيَادَة أَنَّهَا تَفْسِير وَقيد الْكَلَام قبلهَا فَقَالَ فِي شَرحه معنى اتِّصَال الصُّفُوف أَن لَا يكون بَينهمَا بعد لم تجر الْعَادة بِهِ بِحَيْثُ يمْنَع إِمْكَان الِاقْتِدَاء وَتَفْسِير اتِّصَال الصُّفُوف بِهَذَا التَّفْسِير غَرِيب وَإِمْكَان الِاقْتِدَاء لَا خلاف فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي مَتى بَعدت بَينه وَبَين من وَرَاء الإِمَام لم تصح قدوته بِهِ وقدرها بِمَا زَاد على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَجعل مَا دون ذَلِك قَرِيبا أخذا من مدى الغرضين فِي المفاضلة
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَضَبطه الشَّافِعِي بضابط حسن بِمِائَتي ذِرَاع أَو ثَلَاثمِائَة ذِرَاع
وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه إِن كَانَ بَينهمَا حَائِل غير مَانع من الرُّؤْيَة لَا يضر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ على مَا سَيَأْتِي وَقيل إِن كَانَ بَينهمَا شباك وَنَحْوه لم يمْنَع فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقيل بل فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَالْقَوْل بِأَنَّهُ يمْنَع حَكَاهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة عَن بعض الشَّافِعِيَّة لانْقِطَاع بعد المكانين عَن الآخر
قَوْله إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا نهر تجْرِي فِيهِ السفن أَو طَرِيق لم تتصل فِيهِ الصُّفُوف فَهَل يجوز على رِوَايَتَيْنِ
اتِّصَال الصُّفُوف فِي الطَّرِيق فِيهِ الْخلاف السَّابِق إِذْ لَا أثر للطريق فِيهِ هَذَا فِيمَا اذا كَانَ لحَاجَة لعُمُوم الْبلوى بذلك فِي الْجُمُعَة والأعياد وَنَحْوهَا أَو قُلْنَا بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الطَّرِيق مُطلقًا فَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّة وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة
على مَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَحكم من وَرَاء الْوَاقِف فِي الطَّرِيق حكم من اقْتدى بِالْإِمَامِ وَبَينهمَا طَرِيق خَال
وَقَوله فَهَل يجوز على رِوَايَتَيْنِ رِوَايَة الْجَوَاز اخْتَارَهَا الشَّيْخ موفق الدّين وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْقيَاس لكنه ترك للأثر وَرِوَايَة الْمَنْع اخْتِيَار الْأَصْحَاب لما رُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ من صلى وَبَينه وَبَين الامام نهر أَو جِدَار أَو طَرِيق فَلم يصل مَعَ الامام وَعَن عَليّ أَنه رأى قوما فِي الرحبة فَقَالَ من هَؤُلَاءِ فَقَالُوا ضعفاء النَّاس فَقَالَ لَا صَلَاة إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَعَن أبي هُرَيْرَة وَحَكَاهُ عَنهُ ابْن الْمُنْذر لَا جُمُعَة لمن صلى فِي رحبة الْمَسْجِد وَعَن أبي بكر أَنه رأى قوما يصلونَ فِي رحبة الْمَسْجِد فَقَالَ لَا جُمُعَة لَهُم روى هَذِه الْآثَار أَبُو بكر عبد العزيز بِإِسْنَادِهِ
وَهَذِه الْآثَار فِي صِحَّتهَا نظر وَالْأَصْل عدمهَا وَبِتَقْدِير صِحَّتهَا لَا دلَالَة لأكثرها على مَحل النزاع بل فِي أصح وَعَن الإِمَام أَحْمد يمْنَع فِي الْفَرْض خَاصَّة
وَألْحق الْآمِدِيّ بالنهر النَّار والبئر وَألْحق صَاحب الْمُبْهِج الشَّيْخ أَبُو الْفرج بذلك السَّبع وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِرِوَايَة الْمَنْع كَمَا اخْتَارَهُ الْأَصْحَاب قَالَ لعدم الِاتِّصَال الْعرفِيّ وَهَذَا بناه على اخْتِيَاره فِي اعْتِبَار اتِّصَال الصُّفُوف عرفا وَالْأَصْحَاب من اعْتبر مِنْهُم وَلَا يلْزم اختلاله وَمن لم يعتبره فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ عِنْده قَالَ وَأما الطَّرِيق المختصة بعبور الرجل والساقية الَّتِي يُمكن خوضها فَلَيْسَ بمانع وَلَا قَاطع عرفا
قَوْله وَلَا بَأْس باليسير من ذَلِك
كَذَا ذكر جمَاعَة وَأطلق فِي الْمُسْتَوْعب وَالْمذهب وَغَيرهمَا كَرَاهَة الْعُلُوّ الْيَسِير قطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالشَّيْخ موفق الدّين بِأَنَّهُ كدرجة الْمِنْبَر وَنَحْوهَا وَذكر القَاضِي أَنه يكره بِذِرَاع أَو أَزِيد وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة وَلَعَلَّه يُقَارب معنى القَوْل الَّذِي قبله وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن قدر الِارْتفَاع الْمَكْرُوه قدر قامة الْمَأْمُوم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى رفع رَأسه ليعلم انتقالات إِمَامه وَرفع رَأسه مَكْرُوه وَمَا دون ذَلِك فَلَا يكره لعدم الْحَاجة إِلَى رفع رَأسه الْمُوجب للكراهة
قَوْله وَلَا يكره الْوُقُوف بَين السَّوَارِي إِلَّا لصف تقطعه
وَلم يتَعَرَّض لمقدار مَا يقطع الصَّفّ وَكَأَنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَشرط بعض أَصْحَابنَا أَن يكون عرض السارية الَّتِي تقطع الصَّفّ ثَلَاثَة أَذْرع وَإِلَّا فَلَا يثبت لَهَا حكم الْقطع وَلَا حكم الْخلَل ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين وَهَذَا القَوْل هُوَ معنى قَول من قَالَ من الْأَصْحَاب إِن من وقف عَن يسَار الامام وَكَانَ بَينه وَبَينه مَا يقوم فِيهِ ثَلَاثَة رجال لَا تصح صلَاته لِأَن الرجل يقوم فِي مقاربة ذِرَاع والتحديد بَابه التَّوْقِيف وَلَا تَوْقِيف هُنَا وَمَتى دعت الْحَاجة إِلَى الْوُقُوف بَين السَّوَارِي فَلَا كَرَاهَة قطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة كَالصَّلَاةِ فِي طاق الْقبْلَة وَاسْتثنى فِي الْمُحَرر الْحَاجة فِيهِ دون هَذِه
وَالظَّاهِر أَنه غير مُرَاد وَكَأَنَّهُ تبع غَيره على الْعبارَة
قَوْله وَإِذا عجز الْمَرِيض عَن الْقيام صلى جَالِسا
لَيْسَ الحكم مُخْتَصًّا بِالْعَجزِ فَلَو قدر على الْقيام لَكِن خشِي زِيَادَة مرض أَو ضعف أَو تباطؤ برْء وَنَحْو ذَلِك صلى جَالِسا كَمَا قُلْنَا فِي الصّيام وطهارة المَاء على الصَّحِيح قَالَ الْغَمَام أَحْمد إِذا كَانَ قِيَامه مِمَّا يوهنه ويضعفه صلى قَاعِدا وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَت صلَاته قَائِما توهنه وتضعفه فَأحب إِلَى أَن يُصَلِّي قَاعِدا وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجلس إِلَّا إِن عجز أَن يقوم لدنياه
وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي أَنه لَو قدر على الْقيام باعتماده على شَيْء أَنه يلْزمه وَصرح بِهِ جمَاعَة وَقَالَ ابْن عقيل لَا يلْزمه أَن يكتري من يقيمه ويعتمد عَلَيْهِ وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه إِن أمكنه الصَّلَاة قَائِما مُنْفَردا وَفِي الْجَمَاعَة جَالِسا أَنه يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا وَقدمه الشَّيْخ وجيه الدّين لِأَنَّهُ ركن مُتَّفق عَلَيْهِ وَالْجَمَاعَة مُخْتَلف فِي وُجُوبهَا وَقيل بل يُصَلِّي قَاعِدا جمَاعَة لِأَن الصَّحِيح يُصَلِّي قَاعِدا خلف إِمَام الْحَيّ الْمَرِيض لأجل الْمُتَابَعَة وَالْجَمَاعَة وَالْمَرِيض أولى وَقيل بل يُخَيّر بَين الْأَمريْنِ قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَقدمه غير وَاحِد لِأَنَّهُ يفعل فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاجِبا وَيتْرك وَاجِبا وَلِأَن الْقيام إِنَّمَا يجب حَالَة الْأَدَاء فَإِذا أَدَّاهَا فِي الْجَمَاعَة فقد عجز عَنهُ حَالَة الْأَدَاء قطع المُصَنّف بِهَذَا فِي شرح الْهِدَايَة وَذكره عَن الشَّافِعِي وَظَاهر قَول الْحَنَفِيَّة وَاحْتج بِأَن مصلحَة الْجَمَاعَة أَكثر أجرا ومصلحة من الْقيام لِأَن صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم وتفضل صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة الْفَذ بِخمْس وَعشْرين ضعفا
وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه إِذا أمكنه الْقيام فِي صُورَة الرَّاكِع أَنه لَا يلْزمه وَلَيْسَ كَذَلِك بل يلْزمه لِأَنَّهُ قيام مثله بِخِلَاف مَا لَو كَانَ لغير آفَة بِهِ كمن فِي بَيت قصير سقفه أَو خَائِف من عَدو يعلم بِهِ إِذا انتصب ويمكنه أَن يستوى جَالِسا فَإِنَّهُ يُصَلِّي جَالِسا على مَنْصُوص الامام أَحْمد لعدم
الِاسْتِطَاعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن وَيُفَارق الَّذِي قبله لِأَنَّهُ إِن جلس جلس منحنيا فَإِذا لم يكن بُد من الانحناء فقيامه أولى لِأَنَّهُ الأَصْل
وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يقتضى أَنه لَو صَامَ فِي رَمَضَان صلى قَاعِدا وَإِن أفطر صلى قَائِما أَنه يُصَلِّي قَائِما وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ يَصُوم وَيُصلي قَاعِدا لما فِيهِ من الْجمع بَينهمَا
وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه لَو صلى قَائِما امْتنعت عَلَيْهِ الْقِرَاءَة أَو لحقه سَلس الْبَوْل وَلَو صلى قَاعِدا امْتنع السلس أَنه يُصَلِّي قَائِما وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدا لسُقُوط الْقيام فِي النَّفْل وَلَا صِحَة مَعَ ترك الْقِرَاءَة وَالْحَدَث
والنادر وَإِن دخل فِي كَلَام الْمُكَلف فَالظَّاهِر عدم إِرَادَته لَهُ وَهَذِه الصُّورَة أَو بَعْضهَا من النَّوَادِر
قَوْله فَإِن عجز أَوْمَأ بطرفه واستحضر الْأَفْعَال بِقَلْبِه
وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعَن أَحْمد تسْقط وضعفها الْخلال وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وللقول الأول أَدِلَّة ضَعِيفَة يطول ذكرهَا وَبَيَان ضعفها وَلَا يخفى ضعفها عِنْد المتأمل وَقد اعْتبر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة هَذِه الْمَسْأَلَة بالأسير إِذا خافهم على نَفسه فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ التَّحْرِيم خوفًا مِنْهُم وَجعلهَا أصلا لَهَا فِي عدم سُقُوط الصَّلَاة لعَجزه عَن الْأَفْعَال فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَلِكَ عندنَا وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ إِن عجز أَن يومىء بطرفه وَأمكنهُ أَن يَنْوِي ويستحضر أَفعَال الصَّلَاة بِقَلْبِه لزمَه ذَلِك ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة
وَمرَاده بِأَفْعَال الصَّلَاة القولية والفعلية إِن عجز عَن القولية بِلِسَانِهِ وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين قَالَ ابْن عقيل إِذا كَانَ الرجل أحدب يجدد من قلبه عِنْد قصد الرُّكُوع إِنَّمَا يقْصد بِهِ الرُّكُوع لِأَنَّهُ لَا يقدر على فعله كَمَا يفعل الْمَرِيض الَّذِي
لَا يُطيق الْحَرَكَة يجدد لكل فعل وركن قصدا بِقَلْبِه أنْتَهى كَلَامه
وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُ إِذا عجز عَن الصَّلَاة مُسْتَلْقِيا أَنه يومىء بطرفه وَيَنْوِي بِقَلْبِه
فَلَعَلَّ مُرَاده أَن يَنْوِي الصَّلَاة بِقَلْبِه ويستحضرها فِي ذهنه إِلَى آخرهَا كَمَا ذكره غَيره واقتصاره على هَذَا يُوهم أَنه إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه تسْقط الصَّلَاة مَعَ ثبات عقله وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ وَيَنْوِي بِقَلْبِه وَمن عجز عَن بعض الْمَطْلُوب أَتَى بِالْبَعْضِ الآخر
وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب أَنه يومىء بطرفه أَو بِقَلْبِه وَظَاهره الِاكْتِفَاء بِعَمَل الْقلب وَلَا يجب الْإِيمَاء بالطرف وَلَيْسَ بِبَعِيد وَلَعَلَّ مُرَاده أَو بِقَلْبِه أَن عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه
وَقَالَ فِي الْمقنع فَإِن عجز أَوْمَأ بطرفه وَلَا تسْقط الصَّلَاة وَكَذَا فِي الْكَافِي وَزَاد مَا دَامَ عقله ثَابتا فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه سَقَطت الصَّلَاة وَيكون قَوْله وَلَا تسْقط الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا يَعْنِي على الْوَجْه الْمَذْكُور وَهُوَ قدرته على الْإِيمَاء بطرفه وَهَذَا قَول الْحسن بن زِيَاد الْحَنَفِيّ
وَيدل على هَذَا أَن الظَّاهِر أَنه يَنْوِي بِقَلْبِه مَعَ الْإِيمَاء بطرفه وَلم يذكرهَا وَقد يدل على هَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي وَهُوَ أَنه إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه نوى بِقَلْبِه كَمَا ذكره غَيره واستحضر أَفعَال الصَّلَاة بِقَلْبِه
قَوْله وَلَا يُؤَخر الصَّلَاة مَا لم يغم عَلَيْهِ
يَعْنِي وَيَقْضِي على أصلنَا وَقَالَ جمَاعَة وَلَا تسْقط الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا ومرادهم بالسقوط التَّأْخِير
قَوْله وَيجوز لمن بِهِ رمد أَن يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا إِذا قَالَ ثِقَات الطِّبّ إِنَّه يَنْفَعهُ
لَيْسَ حكم الْمَسْأَلَة مُخْتَصًّا بِمن بِهِ رمد بل من فِي مَعْنَاهُ حكمه حكمه فَإِذا قيل لَهُ إِن صليت مُسْتَلْقِيا زَالَ مرضك أَو أمكن مداواتك فَلهُ ذَلِك وَاحْتج على هَذَا بِأَنَّهُ فرض للصَّلَاة فَإِذا خَافَ الضَّرَر مِنْهُ أَو رجى الْبُرْء بِتَرْكِهِ سقط كالطهارة بِالْمَاءِ فِي حق الْمَرِيض وَلِأَنَّهُ يُبَاح لَهُ الْفطر فِي رَمَضَان لأجل ذَلِك إِذا خشى الضَّرَر بِالصَّوْمِ فَفِي ركن الصَّلَاة أولى وَلِأَنَّهُ يجوز ترك الْجُمُعَة وَالصَّلَاة على الرَّاحِلَة لخوف تأذيه بالمطر والطين فِي بدنه أَو ثِيَابه فَترك الْقيام لدفع ضَرَر يَنْفَعهُ الْبَصَر أَو غَيره أولى
وَيعرف من أصُول هَذِه الأقيسة أَن الْمَسْأَلَة يخرج فِيهَا خلاف فِي الْمَذْهَب وفَاقا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي عدم الْجَوَاز لِأَن أُصُولهَا أَو أَكْثَرهَا فِيهِ خلاف مَرْجُوح فِي الْمَذْهَب فَوَقع الْكَلَام فِيهَا على الرَّاجِح الْمَقْطُوع بِهِ عِنْد غير وَاحِد
وَذكر فِي الْكَافِي الْمَسْأَلَة فِي الرمد كَا ذكرهَا هُنَا وَاحْتج بِمَا ذكره غَيره من أَنه روى أَن أم سَلمَة تركت السُّجُود لرمد بهَا وَلِأَنَّهُ يخَاف مِنْهُ الضَّرَر أشبه الْمَرَض كَذَا قَالَ
وَقَوله إِذا قَالَ ثِقَات الطِّبّ لَا يعْتَبر قَول ثِقَات الطِّبّ كلهم وَلم أجد تَصْرِيحًا بِاعْتِبَار قَول ثَلَاثَة بل هُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة قَالَ الشَّيْخ زين الدّين بن منجا وَلَيْسَ بِمُرَاد لِأَن قَول الِاثْنَيْنِ كَاف صرح بِهِ المُصَنّف وَغَيره يَعْنِي بالمصنف الشَّيْخ موفق الدّين وَقدم فِي الرِّعَايَة أَنه يقبل قَول وَاحِد وَقد قَالَ أَبُو الْخطاب
فِي الِانْتِصَار فِي بحث مَسْأَلَة التَّيَمُّم لخوف زِيَادَة الْمَرَض قَالَ الْمُعْتَبر بِالظَّاهِرِ وَغَلَبَة الظَّن إِذا اتّفق جمَاعَة من الْأَطِبَّاء على أَنه بترك المَاء يَأْمَن زِيَادَة الْمَرَض والشين المقبح صَار ذَلِك عذرا فِي التّرْك كالمتيقن انْتهى كَلَامه
وثقات الطِّبّ يُعْطي اعْتِبَار إسْلَامهمْ وَهُوَ مُصَرح بِهِ وَيُعْطى الْعلم بِهِ وَيُعْطى أَيْضا الْعَدَالَة لِأَن الْفَاسِق لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مؤتمن وَيَنْبَغِي أَن يَكْتَفِي بمستور الْحَال
وَقد احْتج من قَالَ بِالْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَة بِمَا ذكره ابْن الْمُنْذر وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما كف بَصَره أَتَاهُ رجل فَقَالَ لَو صبرت على سَبْعَة أَيَّام لم تصل إِلَّا مُسْتَلْقِيا رَجَوْت أَن تَبرأ فَأرْسل إِلَى عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فكلهم قَالَ أَرَأَيْت إِن مت فِي هَذِه السَّبْعَة مَا الَّذِي تصنع بِالصَّلَاةِ فَترك معالجة عَيْنَيْهِ
وَأجَاب فِي الْمُغنِي بِأَنَّهُ إِن صَحَّ فَيحْتَمل أَن الْمخبر لم يخبر بِخَبَر عَن يَقِين وَإِنَّمَا قَالَ أَرْجُو وَأَنه لم يقبل خَبره لكَونه وَاحِدًا أَو مَجْهُول الْحَال بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَهَذَا يدل على أَنه لَا يَكْفِي قَول وَاحِد وَلَا مَجْهُول الْحَال وَظَاهره سَوَاء جهلت عَدَالَته أَو علم وَأَنه لَا بُد من جزم الطَّبِيب بذلك
وَقَالَ المُصَنّف الظَّاهِر أَنهم يئسوا من عود بَصَره بعد ذَهَابه وَلم يثقوا بقول الْمخبر لقصوره أَو للْجَهْل بِحَالهِ أَو لغير ذَلِك
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَأما ابْن عَبَّاس فَكَانَ الْمخبر وَاحِدًا وَالْبَصَر مكفوف فَطلب عودته لم يخف زِيَادَة مرض وَلَا تباطؤ برْء
قَوْله خير بَين قصر الرّبَاعِيّة
لَو قَالَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ بَعضهم كَانَ أولى لِأَنَّهُ مَمْنُوع من صَلَاة الرّبَاعِيّة ثَلَاثًا قَالَ ابْن عقيل وَغَيره وَإِذا صلى الْمُسَافِر الرّبَاعِيّة ثَلَاثًا ثمَّ سلم مُتَعَمدا بطلت صلَاته كَمَا لَو مسح على أحد خفيه ثمَّ غسل الرجل الْأُخْرَى
قَوْله أَو أخر الْمُسَافِر صلَاته عمدا حَتَّى خرج وَقتهَا أَو ضَاقَ عَنْهَا لزمَه أَن يتم
كَذَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم أجد أحدا ذكرهَا قبله وَكَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة يدل على أَنه لم يجد أحدا من الْأَصْحَاب ذكرهَا فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ كالناسي لذَلِك فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَظَاهر تَقْيِيد أَصْحَابنَا بِذكر النَّاسِي فِي ذَلِك يَعْنِي وَإِن نسي صَلَاة سفر فَذكرهَا فِيهِ أَو فِي سفر آخر الْمَسْأَلَة قَالَ وَفِي مَسْأَلَة تغلب الْإِتْمَام فِيمَن نسي صَلَاة فِي سفر فَذكرهَا فِي الْحَضَر يدلان على أَن الْقصر لَا يجوز هَهُنَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام بن أبي مُوسَى فَإِنَّهُ قَالَ إِذا دخل وَقت صَلَاة على مُقيم يُرِيد السّفر فارتحل قبل أَدَائِهَا ثمَّ أَدَّاهَا فِي السّفر ووقتها بَاقٍ فَلهُ الْقصر وَإِن لم يصلها حَتَّى خرج وَقتهَا أتمهَا لَا يُجزئهُ غير ذَلِك
وَوجه ذَلِك أَن الْقصر رخصَة يخْتَص بصلوات السّفر مَعُونَة عَلَيْهَا وعَلى مشاقه فَوَجَبَ أَن تخْتَص بِمن فعلهَا الْفِعْل الْمَأْذُون فِيهِ وَلم يؤخرها تَأْخِيرا محرما كَمَا اخْتصّت بِالسَّفرِ غير الْمحرم وعَلى هَذِه الْمَسْأَلَة يحمل قَول القَاضِي فِي الْخِصَال فَإِن كَانَ قَاضِيا لَهَا أَو لبعضها لم يجز لَهُ الْقصر تَوْفِيقًا بَينه وَبَين الْجَوَاز للناسي فِي سَائِر صِفَاته
وَيحْتَمل أَن يحمل كَلَام القَاضِي فِي الْخِصَال على ظَاهره فَلَا يجوز قصر فَائِتَة بِحَال كَأحد قولي الشَّافِعِي فقد نقل الْمروزِي مَا يدل عَلَيْهِ فَقَالَ سَأَلت أَبَا عبد الله عَمَّن نسي صَلَاة فِي السّفر فَذكرهَا فِي الْحَضَر قَالَ يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر ذكرهَا أَو فِي الْحَضَر انْتهى كَلَامه
وَعُمُوم كَلَام الْأَصْحَاب يدل على جَوَاز الْقصر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَصرح بِهِ بَعضهم ذكره فِي الرِّعَايَة وَجها وَهُوَ ظَاهر اخْتِيَاره فِي الْمُغنِي فَإِنَّهُ ذكر عَن بعض الْأَصْحَاب أَن من شَرط الْقصر كَون الصَّلَاة مُؤَدَّاة لِأَنَّهَا صَلَاة مَقْصُورَة فَاشْترط لَهَا الْوَقْت كَالْجُمُعَةِ وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ اشْتِرَاط بِالرَّأْيِ والتحكم وَالْجُمُعَة اشْترط لَهَا شُرُوط فَجَاز أَن يشْتَرط لَهَا الْوَقْت بِخِلَاف هَذِه وَإِطْلَاق كَلَامه يَقْتَضِي أَنه لَا فرق بَين التعمد وَالنِّسْيَان وَلَو فرق الحكم لبينه هُوَ وَغَيره من الْأَصْحَاب وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ وَأما التَّقْيِيد بالناسي فَإِنَّهُ وَقع على الْغَالِب لِأَن الْغَالِب فِي الْمُسلم الْمُصَلِّي عدم تَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا لَا لِأَن حَالَة الْعمد تحالف حَالَة النسْيَان فِي ذَلِك وَلِهَذَا وَقع التَّقْيِيد بِالنِّسْيَانِ فِي كتب عَن الْأَصْحَاب من أهل الْمذَاهب وَلما صَرَّحُوا بِحَالَة الْعمد صَرَّحُوا بِأَنَّهَا كحالة النسْيَان فِي هَذَا الحكم وَإِن افْتَرقَا فِي الْإِثْم وَعَدَمه وَأما كَلَام ابْن أبي مُوسَى فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَن سَافر بعد دُخُول وَقت صَلَاة فسافر قبل فعلهَا فَإِن فعلهَا مَعَ بَقَاء وَقتهَا قصرهَا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الرِّوَايَة الثَّالِثَة عَن إمامنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم يذكرهَا المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بل حكى عَن بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لَا يقصرها مُطلقًا وَهُوَ الْمَشْهُور وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى يقصرها مُطلقًا حَكَاهَا ابْن عقيل وَهِي قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَمن سَافر بعد دُخُول الْوَقْت لم يجز لَهُ قصرهَا سَوَاء سَافر فِي أول وَقتهَا أَو فِي
آخِره وَسَوَاء صلاهَا فِي وَقتهَا أَو بعد خُرُوجه وَعنهُ إِن صلاهَا فِي السّفر فِي وَقتهَا جَازَ لَهَا قصرهَا وَإِن لم يصلها حَتَّى خرج وَقتهَا لزمَه إِتْمَامهَا واختارها ابْن أبي مُوسَى فَمَتَى لم يبْق من الْوَقْت مَا يَتَّسِع لفعل جَمِيعهَا أَربع رَكْعَات لم يجز لَهُ الْقصر قولا وَاحِدًا وَهُوَ معنى قَول القَاضِي فِي الْخِصَال لَا يكون قَاضِيا لَهَا وَلَا لبعضها وَكَذَا إِذا سَافر بعد مَا بقى من وَقتهَا مَا يَتَّسِع لفعل جَمِيعهَا لم يجز لَهُ الْقصر انْتهى كَلَامه
وَأما أعتبار هَذِه الْمَسْأَلَة بِالسَّفرِ الْمحرم فِيهِ نظر ظَاهر لِأَن السّفر الْمحرم سَبَب للترخص وَلَا تُبَاح الرُّخص بالأسباب الْمُحرمَة لما فِيهِ من الْإِعَانَة على فعل الْمحرم وَأما هُنَا فَلَيْسَ تَأْخِيره الْمحرم سَببا لرخصة الْقصر حَتَّى يُقَال يلْزم من القَوْل بِهِ ثُبُوت الرُّخْصَة مَعَ تَحْرِيم سَببهَا وَأكْثر مَا فِيهِ أَنه أَتَى بهَا على وَجه محرم وَهَذَا لَا يمْنَع رخصَة الْقصر الَّتِي وجد سَببهَا كَمَا لَو أَتَى بهَا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة أَو مُنْفَردا مَعَ قدرته على الْجَمَاعَة أَو غير ذَلِك من الْأُمُور الْمُحرمَة
قَوْله وَمن نوى الْإِقَامَة فِي بلد
يَعْنِي يشْتَرط فِي الْإِقَامَة الَّتِي تقطع السّفر إِذا نَوَاهَا الامكان بِأَن يكون مَوضِع لبث وقرار فِي الْعَادة فعلى هَذَا لَو نوى الاقامة بِموضع لَا يُمكن لم يضر لِأَن الْمَانِع نِيَّة الْإِقَامَة فِي بَلَده وَلم تُوجد وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين من أَصْحَابنَا فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كَانَ لَا تتَصَوَّر الاقامة فِيهَا أصلا كالمفازة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يقصر لِأَنَّهُ نوى الاقامة وَتعرض للهلاك بِقطع السّفر وَالثَّانِي يقصر لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْوَفَاء بِهَذِهِ النِّيَّة للتعذر فلغت وَبَقِي حكم السّفر الأول مستداما
قَوْله والفيج
قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين هُوَ السَّاعِي وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته الفيج هُوَ المسرع فِي مَشْيه الَّذِي يحمل الْأَخْبَار من بلد إِلَى بلد وَالْجمع فيوج وَهُوَ فَارسي مُعرب وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَهُوَ الرَّاعِي المتنقل وَقيل الْبَرِيد
قَوْله المسافرون بأهليهم دهرهم
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي بن منجا شَرط أَبُو الْخطاب أَن يكون مَعَهم أَهْليهمْ وَلَا نِيَّة لَهُم فِي الْمقَام فِي مقَام يقصدونه وَقَالَ القَاضِي لَيْسَ ذَلِك بِشَرْط بل الْمُعْتَبر أَن لَا يكون لَهُ وَطن يأوي إِلَيْهِ ويقصده وَهَذَا مِنْهُ يُوهم أَن الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَقد يُقَال لَيْسَ كَذَلِك لِأَن مُرَاد من ذكر الْأَهْل إِذا كَانَ لَهُ أهل لِأَنَّهُ لَا فرق بَين السائحين المجردين الَّذين يتسمون بالفقراء العزاب الَّذين دأبهم السّير فِي الأَرْض غير ناوين إِقَامَة بِبَلَد وَبَين الملاح وَنَحْوه الَّذين مَعَهم أهلهم وَقَالَ ابْن عبد الْقوي أطلق القَاضِي الحكم وَلَا بُد من تَقْيِيده بكونهم يستصحبون أهلهم ومصالحهم وَفِي كَلَام الإِمَام أَحْمد الْإِشَارَة إِلَيْهِ قَالَ ذكر ذَلِك ابْن عقيل فِي عمد الْأَدِلَّة
وَقَوله إِذا لم ينووا إِقَامَة بِبَلَد لَا يقصرون هَذَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد الْمَنْصُوص عَنهُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابه لِأَنَّهُ غير ظاعن عَن وَطنه وَأَهله أشبه الْمُقِيم وَلِأَنَّهُ فِي حكم الْمُقِيم بِدَلِيل أَن امْرَأَته تَعْتَد عدَّة الطَّلَاق مَعَه وَلِأَن السّفر لَا يسْقط الصَّوْم وَإِنَّمَا يجوز تَأْخِيره عَنهُ وقضاؤه فِي غَيره لمَشَقَّة أَدَائِهِ فَإِذا كَانَ الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي ذَلِك سَوَاء كَانَ جَوَاز التَّأْخِير عَن الْوَقْت الْمعِين عَبَثا فَلَا يجوز
وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز لهَؤُلَاء الْقصر وَالْفطر للعمومات وَهِي إِنَّمَا تتَنَاوَل من لَهُ إِقَامَة وسفر فَإِنَّهُ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام هَذَا جَوَاب بَعضهم كالمصنف وَجَوَاب بَعضهم المُرَاد بهَا الظاعن عَن منزله وَهَذَا كَأَنَّهُ يسلم تنَاولهَا ويخصصها بِمَا تقدم وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين منع الملاح وَالْجَوَاز لغيره لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُم اسْتِصْحَاب الْأَهْل ومصالح الْمنزل فِي السّفر وَإِن أمكن فَفِيهِ زِيَادَة مشقة فهم فِي هَذِه الْحَال أبلغ فِي اسْتِحْقَاق التَّرَخُّص بِخِلَاف الملاح وَأما أَن كَانَ للملاح وَنَحْوه وَطن أَو منزل يأوون إِلَيْهِ فِي وَقت ترخصوا بِلَا إِشْكَال
قَوْله وَهُوَ فِي وَقت الثَّانِيَة أفضل
ظَاهره الْعُمُوم فِي حق كل من جَازَ لَهُ الْجمع وَلَا يَخْلُو من نظر وَفِي مَسْأَلته خلاف وتفصيل ذكره
قَوْله وَيشْتَرط لَهُ فِي وَقت الأولى أَن ينويه عِنْد افتتاحها ويقدمها على الثَّانِيَة
لم أجد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلافًا مَعَ أَن بعض الْأَصْحَاب لم يذكر هَذَا الشَّرْط مَعَ ذكره شُرُوط الْجمع وَكَأَنَّهُ اكْتفى بِعُمُوم اشْتِرَاطه فِي بَاب الْأَوْقَات يُؤَيّد هَذَا أَن بَعضهم لم يذكرهُ هُنَا مَعَ أَنه جعله أصلا فِي وجوب تَرْتِيب الْفَوَائِت وَلَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا نعلم فِيهِ مُخَالفا لِأَن الثَّانِيَة لم يدْخل وَقت وُجُوبهَا وَإِنَّمَا جوز فعلهَا تبعا للأولى
فَإِذا لم تُوجد الأولى لم يكن وجود تابعها وَهَذَا بِخِلَاف تَرْتِيب الْفَوَائِت حَيْثُ نسقطه بِالنِّسْيَانِ لِأَن الصَّلَاتَيْنِ هُنَاكَ قد وجبتا واستقرتا وَلَيْسَ إِحْدَاهمَا تبعا لِلْأُخْرَى
قَوْله وَأَن لَا يفرق بَينهمَا إِلَّا بِقدر الْإِقَامَة وَالْوُضُوء
تعْتَبر الْمُوَالَاة بَينهمَا لِأَن حَقِيقَته ضم الشَّيْء وَلَا يحصل مَعَ التَّفْرِيق الْكثير واليسير لَا يُمكن التَّحَرُّز مِنْهُ أَو يعسر جدا فَلم يمْنَع وَحكى القَاضِي أَنه يمْنَع وَقد نقل أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار على جَوَاز التَّفْرِيق فِي الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء قَالَ كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ والمرجع فِي الْيَسِير وَالْكثير إِلَى الْعرف اخْتَارَهُ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين لِأَن هَذَا شَأْن مَا لم يرد الشَّرْع بتقديره وَقدره بَعضهم بِقدر الْإِقَامَة وَالْوُضُوء
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة مرد كَثْرَة التَّفْرِيق الْعرف وَالْعَادَة وَإِنَّمَا قرب تحديده بِالْإِقَامَةِ وَالْوُضُوء لِأَن الْإِقَامَة هَذَا محلهَا وَالْوُضُوء قد يحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ وهما من مصَالح الصَّلَاة وَلَا تَدْعُو الْحَاجة غَالِبا إِلَى غير ذَلِك وَلَا إِلَى تَفْرِيق أَكثر مِنْهُ وَهَذَا إِذا كَانَ الْوضُوء خَفِيفا فَأَما من طَال وضوءه بِأَن يكون المَاء مِنْهُ على بعد بِحَيْثُ يطول الزَّمَان فَإِنَّهُ يبطل جمعه
قَوْله وَالتَّرْتِيب ظَاهره أَن التَّرْتِيب هُنَا كالترتيب إِذا جمع فِي وَقت الأولى وَجعل فِي الْكَافِي التَّرْتِيب بَين المجموعتين أصلا لمن قَالَ بِعَدَمِ سُقُوط التَّرْتِيب فِي قَضَاء الْفَوَائِت وَكَذَلِكَ فِي الْمُغنِي وَكَذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شرح الْهِدَايَة
وَهَذَا ظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَهَذَا يدل على أَن الْمَذْهَب أَنه لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَفِي الرِّعَايَة قَالَ لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ فِي الْأَصَح لِأَن النسْيَان هُنَا لَا يتَحَقَّق لِأَنَّهُ لَا بُد من نِيَّة الْجمع بَينهمَا فَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ نِسْيَان أَحدهمَا وَلِأَن اجْتِمَاع الْجَمَاعَة يمْنَع النسْيَان إِذْ لَا يكَاد الْجَمَاعَة ينسون الأولى
وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالتَّرْتِيب مُعْتَبر هُنَا لَكِن بِشَرْط الذّكر كترتيب الْفَوَائِت لِأَن الصَّلَاتَيْنِ قد استقرتا فِي الذِّمَّة واجبتين فَلذَلِك سقط بَينهمَا بِالنِّسْيَانِ كالفائتتين بِخِلَاف الْجمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى ووافقنا على ذَلِك أَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَمذهب الشَّافِعِي أَن التَّرْتِيب هُنَا لَا يجب كمذهبه فِي الْفَوَائِت ولأصحابه وأصحابنا وَجه بِاعْتِبَار هَذَا مُطلقًا وَفَائِدَته أَنه مَتى أخل بِهِ بَطل حكم الْجمع وَوَقعت الظّهْر قَضَاء عِنْدهم وَكَذَلِكَ عندنَا إِذا كَانَ نَاسِيا حَتَّى لَو كَانَ نَاسِيا خرج فِي صِحَّتهَا الْخلاف فِي قصر الْفَائِتَة وَكَذَا ذكر غَيره هَذَا التَّفْرِيع عَن الشَّافِعِي وينشأ عَلَيْهِ اشْتِرَاط نِيَّة الْقَضَاء وَالْأَدَاء قَالَه ابْن عبد الْقوي
قَالَ المُصَنّف وَهل يشْتَرط التَّرْتِيب هُنَا بِضيق وَقت الثَّانِيَة بِأَن يبْقى من وَقت الثَّانِيَة مَالا يَتَّسِع إِلَّا لوَاحِدَة مِنْهُمَا قَالَ القَاضِي فِي الْمُجَرّد يسْقط كسقوطه فِي الْفَائِتَة مَعَ المؤداة وَذكر فِي تَعْلِيقه أَنه لَا يسْقط
قَالَ المُصَنّف فِي الصَّحِيح عِنْدِي لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد بِتَرْكِهِ فائده لِأَن وَقت الثَّانِيَة وَقت للمجموعتين أَدَاء لَا قَضَاء فأيتهما بَدَأَ بهَا وَقعت أَدَاء وَالْأُخْرَى قَضَاء
وَعَكسه الْحَاضِرَة مَعَ الْفَائِتَة فَإِنَّهُ لَو رتب لصارتا قَضَاء وَيُمكن الِاعْتِذَار عَنهُ بِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَتَا فِيهِ أَدَاء إِلَّا أَن الثَّانِيَة أخص بوقتها من الأولى
قَوْله وَلَا تشرط الْمُوَالَاة على الْأَصَح
وَكَذَا صَححهُ غَيره كالفائتتين فعلى هَذَا إِذا فرق صلاهما بأذانين وَإِقَامَتَيْنِ كالفائتتين إِذا فرقهما قطع بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَجَمَاعَة لم يفرقُوا كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي مَوْضِعه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه فِي صَلَاتي مُزْدَلِفَة بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ لِأَن الْأَذَان للْوَقْت وَالْإِقَامَة للإعلام بِالْفِعْلِ وَهُوَ وَقت وَاحِد وفعلان وينتقض هَذَا عِنْدهم بصلاتي عَرَفَة إِذا فرقهما
وَوجه اشْتِرَاط الْمُوَالَاة مَقْصُود الْجمع بِالتَّفْرِيقِ الْفَاحِش وَلم يحصل إِلَّا بعزيمة فَوَجَبَ الْمَنْع مِنْهُ كَمَا يمْتَنع الْمُسَافِر أَن يَصُوم فِي رَمَضَان عَن غَيره فعلى هَذَا إِن فرق عمدا أَثم وَكَانَت الأولى قَضَاء وَإِن لم يتَعَمَّد لم يُؤثر ذَلِك فِي فَسَادهَا وَلَا فِي فَسَاد الثَّانِيَة كَمَا لَو صلى الأولى فِي وَقتهَا مَعَ نِيَّة الْجمع ثمَّ تَركه فَإِنَّهُ تصح لَكِن لَو كَانَت مَقْصُورَة خرج فِيهَا الْخلاف فِي قصر الْفَائِتَة صلى الله عليه وسلم َ - بَاب صَلَاة الْخَوْف
قَوْله إِلَّا أَن الصَّفّ الأول فِي أول رَكْعَة لَا يَسْجُدُونَ مَعَ الإِمَام بل يقفون حرسا
كَذَا ذكر جمَاعَة كَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَابْن عقيل وَغَيرهم لِأَن حراسته فِي الأولى أحوط وَالصَّوَاب مَا اخْتَارَهُ جمَاعَة كالشيخ موفق الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيرهمَا أَن الصَّفّ الأول يسْجد فِي الأولى ويحرس فِي الثَّانِيَة اقْتِدَاء بِمَا صَحَّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
- صلى الله عليه وسلم َ - بَاب اللبَاس والتحلي
قَوْله وَيُبَاح للرجل حلي من الْفضة الْخَاتم
ظَاهره تَحْرِيم لِبَاس الْفضة والتحلي بهَا إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ وعَلى هَذَا كَلَام غَيره صَرِيحًا وظاهرا وَلم أجد أحدا احْتج لتَحْرِيم لِبَاس الْفضة على الرِّجَال فِي الْجُمْلَة وَدَلِيل ذَلِك فِيهِ إِشْكَال وَحكى عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه كَانَ يسْتَشْكل هَذِه الْمَسْأَلَة وَرُبمَا توقف فِيهَا وَكَلَامه فِي مَوضِع يدل على إِبَاحَة لبس الْفضة للرِّجَال إِلَّا مَا دلّ دَلِيل شَرْعِي على تَحْرِيمه
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لِبَاس الذَّهَب وَالْفِضَّة يُبَاح للنِّسَاء بالِاتِّفَاقِ إِلَى أَن قَالَ فَلَمَّا كَانَت أَلْفَاظه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ تَامَّة عَامَّة فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَفِي لِبَاس الذَّهَب وَالْحَرِير اسْتثْنى من ذَلِك مَا خصصته الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة كيسير الْحَرِير ويسير الْفضة فِي الْآنِية للْحَاجة وَنَحْو ذَلِك فَأَما لبس الْفضة إِذا لم يكن
فِيهِ لفظ عَام بِالتَّحْرِيمِ لم يكن لأحد أَن يحرم مِنْهُ إِلَّا مقَام الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على تَحْرِيمه فَإِذا جَاءَت السّنة بِإِبَاحَة خَاتم الْفضة كَانَ هَذَا دَلِيلا على إِبَاحَة ذَلِك
وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَمَا هُوَ أولى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لم يكن كَذَلِك فَيحْتَاج إِلَى نظر فِي تَحْلِيله وتحريمه انْتهى كَلَامه
وَذَلِكَ لِأَن النَّص ورد فِي الْمَذْهَب وَالْحَرِير وآنية الذَّهَب وَالْفِضَّة فليقتصر على مورد النَّص وَقد قَالَ تَعَالَى {خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا}
وَوجه تَحْرِيم ذَلِك أَن الْفضة أحد النَّقْدَيْنِ اللَّذين تقوم بهما الْجِنَايَات والمتلفات وَغير ذَلِك وفيهَا السَّرف والمباهاة وَالْخُيَلَاء وَلَا تخْتَص مَعْرفَتهَا بخواص النَّاس فَكَانَت مُحرمَة على الرِّجَال كالذهب وَلِأَنَّهَا جنس يحرم فِيهَا اسْتِعْمَال الْإِنَاء فَحرم مِنْهَا غَيره كالذهب وَهَذَا صَحِيح فَإِن التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي غَيره وَلِأَن كل جنس حرم اسْتِعْمَال إِنَاء مِنْهُ حرم اسْتِعْمَاله مُطلقًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا استقراء صَحِيح وَهُوَ أحد الْأَدِلَّة وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رخص للنِّسَاء فِي الْفضة وحضهن عَلَيْهَا ورغبهن فِيهَا وَلَو كَانَت إباحتها عَامَّة للرِّجَال وَالنِّسَاء لما خصهن بِالذكر ولأثبت عليه الصلاة والسلام الْإِبَاحَة عَامَّة لعُمُوم الْفَائِدَة بل يُصَرح بِذكر الرِّجَال لما فِيهِ من كشف اللّبْس وإيضاح الْحق وَذَلِكَ فِيهَا قَالَ الْأَمَام أَحْمد حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن ربعي عَن امْرَأَته عَن أُخْت حُذَيْفَة قَالَت خَطَبنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا معشر النِّسَاء مَا مِنْكُن امْرَأَة تتحلى ذَهَبا تظهره إِلَّا عذبت بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن
أبي عوَانَة عَن مَنْصُور حَدِيث حسن ورِبْعِي هُوَ ابْن حِرَاش الإِمَام وَقَالَ أَحْمد أَيْضا حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار حَدثنِي أسيد بن أبي أسيد عَن ابْن أبي مُوسَى عَن أَبِيه أَو عَن ابْن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من سره أَن يحلق حبيبته حَلقَة من نَار فليحلقها حَلقَة من ذهب وَلَكِن الْفضة فالعبوا بهَا لعبا وَقَوله فالعبوا بهَا لعبا يَعْنِي النِّسَاء لِأَن السِّيَاق فيهم فَقَوله حلوا معاشر الرِّجَال نساءكم بِالْفِضَّةِ مُطلقًا من غير حَاجَة وَلَا يحوج من كره وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَت امْرَأَة يَا رَسُول الله طوق من ذهب قَالَ طوق من نَار إِلَى أَن قَالَ مَا يمْنَع أحداكن أَن تصنع قرطين من فضَّة ثمَّ تصغرهما بالزعفران رَوَاهُ أَحْمد لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَن الْخَاتم من أَي شَيْء أتخذه قَالَ من ورق وَلَا تتمه مِثْقَالا رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
وَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا ممنوعين من اسْتِعْمَال الْوَرق وَإِلَّا لما تَوَجَّهت الْإِبَاحَة إِلَيْهِ وأباح الْيَسِير لِأَنَّهُ نهى عَن تتمته مِثْقَالا وَلِأَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم نقلوا عَنهُ عليه الصلاة والسلام اسْتِعْمَال يسير الْفضة ليَكُون ذَلِك حجَّة فِي اخْتِصَاصه بِالْإِبَاحَةِ وَلَو كَانَت الْفضة مُبَاحَة مُطلقًا لم يكن فِي نقلهم اسْتِعْمَال الْيَسِير من ذَلِك كَبِير فَائِدَة فَقَالَ أنس رضي الله عنه كَانَت قبيعة سيف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فضَّة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ
حسن غَرِيب وَقَالَ مزيدة العصري دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيب وَهَذَا كَقَوْل أنس إِن قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ فَاتخذ مَكَان الشّعب سلسلة من فضَّة لتَكون حجَّة إِبَاحَة الْيَسِير فِي الْآنِية وَقد ثَبت فِي الصِّحَاح وَالسّنَن من حَدِيث أنس أَنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خَاتمًا من الْفضة
وَفِي هَذَا الْبَاب مسَائِل حَسَنَة وفوائد مهمة وَمَا تيَسّر مِنْهَا مَذْكُور فِيمَا علقته فِي الْآدَاب الشَّرْعِيَّة فليطلب هُنَاكَ وَالله سبحانه وتعالى أعلم صلى الله عليه وسلم َ - صَلَاة الْجُمُعَة
قَوْله وَهل تجوز فِي موضِعين للْحَاجة على رِوَايَتَيْنِ
أطلق الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمذهب عِنْد الْأَصْحَاب الْجَوَاز وَهُوَ الْمَنْصُور فِي كتب الْخلاف وَنَصره أَيْضا المُصَنّف
وَقَوله فِي موضِعين لَيْسَ الحكم مُخْتَصًّا بموضعين بل تجوز إِقَامَتهَا فِي مَوَاضِع للْحَاجة وَصرح بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقد عرف من هَذَا أَن المُصَنّف لَو قَالَ وَتجوز فِي موضِعين فَأكْثر للْحَاجة وَعنهُ لأولى وَقد قَالَ القَاضِي فِي الْخلاف إِن من قَالَ لَا تجوز فِي موضِعين للْحَاجة احْتج بِأَنَّهُ لَا تجوز فِي موضِعين قِيَاسا على الثَّلَاثَة قَالَ وَالْجَوَاب أَن الْخرقِيّ أجَاز ذَلِك من غير أَن يخْتَص ذَلِك بموضعين وَلم يمْتَنع أَن يجوز فِي موضِعين وَلَا تجوز فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع كَصَلَاة الْعِيد وَقد قيل إِن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن لَا تجوز إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد لِأَنَّهَا لَو جَازَت فِي موضِعين لجازت فِي سَائِر الْمَسَاجِد كَسَائِر الصَّلَوَات ولجازت فِي سَائِر المواطن من السّفر والحضر كَسَائِر الصَّلَوَات إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس فِي موضِعين لما ذكرنَا من حَدِيث عَليّ رضي الله عنه وَأَنه أَقَامَ الْعِيد فِي موضِعين وَحكمه حكم الْجُمُعَة من الْوَجْه الَّذِي بَينا انْتهى كَلَامه
وَمَا حَكَاهُ عَن الْخرقِيّ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ كَلَام الْأَصْحَاب وَلَا فرق بَين الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي ذَلِك فَكيف يَجْعَل الْعِيد أصلا فِي الْمَنْع وَمَا حَكَاهُ القَاضِي من إجازتها فِي موضِعين للْحَاجة وَالْمَنْع عَن ثَلَاث يرْوى عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَظَاهر كَلَام المُصَنّف الْقطع بمنعها فِي موضِعين لغير حَاجَة وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب وَعَن عَطاء أَنه يجوز وَهُوَ قَول الظَّاهِرِيَّة وَعَن أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي وَقد سُئِلَ عَن صَلَاة الْجُمُعَة فِي مسجدين فَقَالَ صل فَقيل لَهُ إِلَى أَي شَيْء تذْهب فَقَالَ إِلَى قَول عَليّ رضي الله عنه فِي الْعِيد إِنَّه أَمر رجلا يُصَلِّي بضعفه النَّاس وَكَذَلِكَ نقل أَبُو دَاوُد وَعنهُ أَنه سُئِلَ عَن المسجدين اللَّذين جمع فيهمَا بِبَغْدَاد هَل فِيهِ شَيْء مُتَقَدم فَقَالَ أَكثر مَا فِيهِ أَمر عَليّ رضي الله عنه أَن يُصَلِّي بالضعفة
قَالَ القَاضِي بعد أَن ذكر هذَيْن النصين فقد أجَاز الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك على الاطلاق وَقَالَ وَهُوَ مَحْمُول على الْحَاجة قَالَ وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ لِأَنَّهُ قَالَ إِذا كَانَ الْبَلَد يحْتَاج إِلَى جَوَامِع فَصَلَاة الْجُمُعَة فِي جَمِيعهَا جَائِزَة فَاعْتبر الْحَاجة قَالَ وَكَذَلِكَ ذكره شَيخنَا يَعْنِي أَبَا عبد الله بن حَامِد
قَوْله ويبكر إِلَيْهَا مَاشِيا للْخَبَر فِي ذَلِك
وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِي بحث هَذِه الْمَسْأَلَة أَن فِيهِ انْتِظَار فَرِيضَة بعد أُخْرَى يَعْنِي أَن هَذَا مُسْتَحبّ قَالَ وَفِي ذَلِك ترغيب مَشْهُور فِي الْأَخْبَار وَقطع الشَّيْخ موفق الدّين فِي مَسْأَلَة وَإِن جلس فِي مَسْجِد أَو طَرِيق وَاسع فعثر بِهِ حَيَوَان أَن انْتِظَار الصَّلَاة قربَة فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي منهاج القاصدين أَن من أفضل الْأَعْمَال انْتِظَار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة للْخَبَر
وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره أَنه يسْتَحبّ الْجُلُوس بعد صَلَاة الْجُمُعَة إِلَى الْعَصْر وَفِيه خبر فِيهِ ضعف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَلَا يزَال فِي صَلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة وَهُوَ عَام فِي الصَّلَوَات كلهَا وروى ابْن مَاجَه وَإِسْنَاده ثِقَات عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمغرب فَرجع من رَجَعَ وعقب من عقب فجَاء رَسُول الله مسرعا قد حفزه النَّفس قد حسر عَن رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرُوا هَذَا ربكُم قد فتح بَابا من أَبْوَاب السَّمَاء يباهي بكم الْمَلَائِكَة يَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي قد أَدّوا فَرِيضَة وهم ينتظرون أُخْرَى وَقد ذكر ابْن تَمِيم وَصَاحب الرِّعَايَة أَنه يسن الْجُلُوس بعد الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَبعد الْفجْر إِلَى طُلُوعهَا وَلَا يسْتَحبّ ذَلِك بعد بَقِيَّة الصَّلَوَات نَص عَلَيْهِ وَقد ورد فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ خبر خَاص يدل على اسْتِحْبَاب الْجُلُوس بعدهمَا وَلَكِن لَا يَنْفِي اسْتِحْبَاب الْجُلُوس بعد غَيرهمَا
قَوْله وَلَا يتخطى أحدا إِلَّا لفرجة
يَعْنِي يكره لقَوْله وَعنهُ يكره ذَلِك أَيْضا وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْأَصْحَاب مَعَ أَن دليلهم على الْكَرَاهَة يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَقد رَأَيْت الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا فِي شرح الْهِدَايَة صرح بِأَنَّهُ لَا يجوز وَفِي كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين فِي مَسْأَلَة التبكير إِلَى الْجُمُعَة أَن التخطي مَذْمُوم وَالظَّاهِر أَن الذَّم إِنَّمَا يتَوَجَّه على فعل يحرم وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَيْسَ لأحد أَن يتخطى النَّاس ليدْخل فِي الصَّفّ إِذا لم تكن بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يَوْم الْجُمُعَة وَلَا غير يَوْم الْجُمُعَة بل هَذَا من الظُّلم والتعدي لحدود الله ثمَّ اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِك
وللشافعية فِي تَحْرِيمه وكراهته وَجْهَان وَفِي تَعْلِيق أبي حَامِد التَّصْرِيح بِتَحْرِيمِهِ عَن نَص الشَّافِعِي وَذكر فِي مَوضِع آخر من الْبَاب عَن الشَّافِعِي أَنه مَكْرُوه
قَوْله فِي الْخطْبَتَيْنِ يحتوي كل مِنْهُمَا على حمد الله
ظَاهره أَنه لَا يعْتَبر لفظ مَخْصُوص وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه يعْتَبر قَول الْحَمد لله لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه أخل بِهِ فِي خطْبَة مَا بِحَال وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين وَابْن تَمِيم وَابْن حمدَان وَغَيرهم وَلم أجد فِيهِ خلافًا
ثمَّ ذكر فِي الْمُحَرر مَا تحتوي كل وَاحِدَة عَلَيْهِ قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بعد ذكر اشْتِرَاط الْعدَد يرفع صَوته بِقدر مَا يسمعهم فَإِن منع السماع نوم أَو ضجة أَو غَفلَة أَو وَقع مطر وَنَحْوه لم يُؤثر ذَلِك لِأَن اعْتِبَار حَقِيقَة السماع تشق فتضبط بمظنته وَإِن لم يسمعوه لبعدهم مِنْهُ أَو لكَونه خفض صَوته جدا فَهُوَ كَمَا لَو خطب وَحده وَإِن لم يسمعوا لصمم بهم ووراءه من لَا يسمعهُ لبعد وَلَا صمم بِهِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يُجزئهُ اعْتِبَار المظنة كَمَا لَو كَانَ من بِقُرْبِهِ أعجميا أَو كَانَ الْجَمِيع صمًّا وَالثَّانِي لَا يجزىء لِأَن السماع لم يحصل وَإِنَّمَا أسقطنا حَقِيقَة السماع حَيْثُ يسْقط اعْتِبَارهَا وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُم إِن كَانُوا صمًّا لم تصح وَإِن كَانُوا طرشا أَو عجما لَا يفهمون صحت
وَقَالَ ابْن تَمِيم وَإِن كَانَ لطرش وَلَيْسَ من يسمع صحت وَإِن كَانَ من يسمع بَعيدا فَوَجْهَانِ
وَلم يذكر فِي الْمُحَرر الْوَقْت للخطبة وَلم أجد فِي اشْتِرَاطه خلافًا وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة قَالَ لِأَنَّهَا كبعض الصَّلَاة وَهَذَا قَول الْجَمَاعَة
وتشترط أَيْضا الْمُوَالَاة إِلَى آخر الْخطْبَة وَبَين الْخطْبَتَيْنِ وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة
فِي الْأَصَح وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لِأَنَّهُمَا مَعَ الصَّلَاة كمجموعتين وَلِأَنَّهُمَا ذكر يشْتَرط لصِحَّة الْجُمُعَة فَأشبه أَرْكَان صلاتهما
فعلى هَذَا لَو طَال الْفَصْل اسْتَأْنف إِلَّا أَن يقْرَأ سَجْدَة فَينزل لسجودها وَيطول الْفَصْل فَوَجْهَانِ الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّهُ من غير جنس الْخطْبَة كالسكوت وَالْبناء لِأَنَّهُ من مسنونات الْقِرَاءَة الْمَشْرُوعَة فِي الْخطْبَة فَأشبه سَائِر سننها إِذا طولت
وَظَاهر كَلَامه فِي التَّلْخِيص وَالرِّعَايَة أَنه لَا يضر كثير بِدُعَاء لسلطان وَنَحْوه وَيَنْبَغِي أَن يخرج على هَذَا وَجه اسْتِحْبَابه والمرجع فِي طول الْفَصْل إِلَى الْعرف
وَيشْتَرط أَيْضا تَقْدِيم الْخطْبَة على الصَّلَاة وَلم أجد فِيهِ خلافًا لفعله عليه الصلاة والسلام وَهُوَ بَيَان مُجمل فَيجب الرُّجُوع إِلَيْهِ
وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا تشْتَرط الطَّهَارَة بل قد صرح بِهِ بعد ذَلِك فَقَالَ فَالْأَفْضَل أَن يخْطب طَاهِرا وَفِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة لصِحَّة الْخطْبَة رِوَايَتَانِ الِاشْتِرَاط كتكبيرة الْإِحْرَام وَعَدَمه كالأذان والأصلان فيهمَا إِشْكَال لَكِن الأَصْل عدم اشْتِرَاط شَيْء وَالنَّقْل عَنهُ يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَوجه ابْن عقيل عدم الِاشْتِرَاط بِعَدَمِ اشْتِرَاط طَهَارَة الْبقْعَة وَفِيه نظر وَقد تبعه طَائِفَة كَأبي الْمَعَالِي بن المنجا على هَذَا وَلم يتبعهُ آخَرُونَ نظرا إِلَى التَّسْوِيَة بَينهمَا وَهُوَ أولى ثمَّ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَمَتى قُلْنَا بِاشْتِرَاط الطَّهَارَة اشْترط طَهَارَة الستارة والبقعة لِأَنَّهُمَا أقيما مقَام الرَّكْعَتَيْنِ انْتهى كَلَامه
وَقَالَ القَاضِي يشْتَرط لَهما ستر الْعَوْرَة وَلَعَلَّه على الْخلاف
وَقد ذكر الْخرقِيّ وَالثنَاء عَلَيْهِ تَعَالَى وَتَبعهُ بَعضهم على هَذِه الْعبارَة كَابْن عقيل وَظَاهره اعْتِبَار الثَّنَاء مَعَ اعْتِبَار الْحَمد بل صَرِيحه
وَقد ذكر الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا كَلَام الْخرقِيّ وَقَالَ فَيكون الثَّنَاء قسما خَامِسًا انْتهى كَلَامه
وَأكْثر الْأَصْحَاب لم يذكر الثَّنَاء مَعَ الْحَمد وَبَعض من شرح الْخرقِيّ لم يتَكَلَّم على هَذَا وَلَعَلَّه حمل الثَّنَاء على الْحَمد
قَوْله فِي الْمُحَرر وَتَصِح خطْبَة الْجنب نَص عَلَيْهِ وَهُوَ عَاص بِقِرَاءَة الْآيَة إِلَّا أَن يغْتَسل قبل قرَاءَتهَا ثمَّ يتَيَمَّم وَيتَخَرَّج أَن لَا تصح ذكر هَذَا مَعَ أَنه ذكر أَن قِرَاءَة الْآيَة شَرط فِي صِحَة الْخطْبَة كَمَا هُوَ مَعْرُوف أَنه الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب وَأَن الْجنب يحرم عَلَيْهِ قرَاءَتهَا مَعَ أَنه قدم مَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب من أَن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة لَا تصح وَتَصْحِيح خطْبَة الْجنب مَعَ ذَلِك مُشكل وَفِيه نظر ظَاهر وَلم أجد أحدا ذكره غير صَاحب الْمُحَرر وَالْإِمَام أَحْمد إِنَّمَا نَص على صِحَة خطْبَة الْجنب نصا مُطلقًا لم يتَعَرَّض فِيهِ لشَيْء مِمَّا تقدم فَمن الْأَصْحَاب كَابْن عقيل من قَالَ هَذَا من الإِمَام أَحْمد يعْطى أحد أَمريْن إِمَّا أَن تكون الْآيَة لَيست شرطا أَو جَوَاز قِرَاءَة الْآيَة للْجنب فَأَما أَن تكون الْآيَة شرطا أَو لَا يجوز قرَاءَتهَا للْجنب ثمَّ يجمع بَينهمَا فَلَا وَجه لذَلِك وَالْأَشْبَه أَن يخرج أَنه لَا يشْتَرط الْآيَة هَذَا كَلَامه
وَذكر ابْن عقيل أَيْضا فِي عمد الْأَدِلَّة أَن صِحَة خطْبَة الْجنب تلْحق بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة قَالَ وَيحْتَمل أَن نقُول يجوز للْجنب قِرَاءَة آيَة أخذا من تَصْحِيحه خطْبَة الْجنب
وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي وجيه الدّين بن المنجي فِي شرح الْهِدَايَة نَص الإِمَام على إِجْزَاء خطْبَة الْجنب ثمَّ قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا خطب فِي غير الْمَسْجِد أَو خطب فِي الْمَسْجِد غير عَالم بِحَال نَفسه ثمَّ علم بعد ذَلِك ثمَّ قَالَ
وَالْأَشْبَه بِالْمذهبِ اشْتِرَاط الطَّهَارَة من الْجَنَابَة فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا تشْتَرط قِرَاءَة آيَة فَصَاعِدا وَلَيْسَ ذَلِك للْجنب وَلِأَن الْخرقِيّ اشْترط للأذان الطَّهَارَة من الْجَنَابَة فالخطبة أولى وَصحح فِي التَّلْخِيص مَا صَححهُ فِي الْمُغنِي من اشْتِرَاط الطَّهَارَة الْكُبْرَى وَقَالَ هُوَ أليق بِالْمذهبِ
وَذكر فِي الْمُغنِي أَيْضا أَن ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد أَنه لَا تشْتَرط لصِحَّة الْخطْبَة الْقِرَاءَة وَاحْتج بِنَصّ أَحْمد على إِجْزَاء خطْبَة الْجنب وَقَالَ غير وَاحِد من الْأَصْحَاب فَإِن جَازَ للْجنب قِرَاءَة آيَة أَو لم تجب الْقِرَاءَة فِي الْخطْبَة خرج فِي خطبَته وَجْهَان قِيَاسا على أَذَانه
وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة خطْبَة الْجنب تصح نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة صَالح فَقَالَ إِذا خطب بهم جنبا ثمَّ اغْتسل وَصلى بهم أَرْجُو أَن تُجزئه قَالَ وَمن أَصْحَابنَا من شَرط أَن يكون خَارج الْمَسْجِد لِأَن لبثه فِيهِ مَعْصِيّة تنَافِي الْعِبَادَة وَمِنْهُم من قَالَ يُجزئهُ بِنَاء على الصَّحِيح فِي اعْتِبَار الْآيَة للخطبة وَمنع الْجنب مِنْهَا وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ قد يكون متوضئا فَيُبَاح لَهُ اللّّبْث وَقد يغْتَسل فِي أَثْنَائِهَا قبل الْقِرَاءَة ثمَّ يتَيَمَّم وَقد ينسى جنابته وَلَا يكون عَاصِيا بلبث وَلَا قِرَاءَة ثمَّ على تَقْدِير عدم ذَلِك نقُول تَحْرِيم اللّّبْث لَا أثر لَهُ فِي الْفساد لِأَنَّهُ لَا تعلق لَهُ بِشَيْء من وَاجِبَات الصَّلَاة فَأشبه من أذن فِي الْمَسْجِد جنبا أَو صلى وَفِي كمه ثوب غصب وَأما تَحْرِيم الْقِرَاءَة فَإِنَّهُ أَيْضا لَا يخْتَص هَذِه الْعِبَادَة لكنه مُتَعَلق بِفَرْض لَهَا فالتحقيق فِيهِ أَن يلْحق حكم الْخطْبَة مَعَه بِالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة انْتهى كَلَامه
وَقِيَاس هَذِه الْمَسْأَلَة على مَسْأَلَة الْأَذَان للْجنب فِي الْمَسْجِد فِي الْحَالة الْمُحرمَة فِيهِ نظر لِأَن الْأَذَان فِي هَذِه الْحَالة كالأذان وَالزَّكَاة فِي أَرض مَغْصُوبَة وَفِي
الصِّحَّة مَعَ التَّحْرِيم قَولَانِ وَذكر بعض الْأَصْحَاب رِوَايَتَيْنِ فَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّة فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح من الْمَذْهَب فَالْفرق مَا ذكره بعض الْأَصْحَاب أَن الْبقْعَة لَيست من شَرَائِط ذَلِك فَلم يُؤثر تَحْرِيمهَا فِي صِحَّته بِخِلَاف الْخَاتم وَحمل شَيْء مَغْصُوب لِأَنَّهُمَا لم يتعلقا بِشَرْط الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا وَهَذَا ظَاهر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين ويعصي الْجنب بِدُخُول الْمَسْجِد بِلَا أَذَان وَيجْزِي أَذَانه وَكَذَا لَو كَانَ مكشوفا عَن عَوْرَته لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرَائِط الصَّلَاة بِخِلَاف الْخطْبَة فَإِنَّهَا من شَرَائِط الصَّلَاة وفيهَا للشَّافِعِيَّة وَجْهَان مَعَ صِحَة الْأَذَان عِنْدهم
قَوْله فِي الْمُحَرر إِلَّا أَن يغْتَسل قبل قرَاءَتهَا ثمَّ يتَيَمَّم
عِبَارَته تَقْتَضِي وَلَو طَال الْفَصْل وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِأَن الْمُوَالَاة شَرط هُنَا عِنْده وَهُوَ الْمَذْهَب وَهنا اسْتثِْنَاء آخر فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ استنابة من يقْرَأ ذكره جمَاعَة مِنْهُم ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ لِأَن مَقْصُود الْخطْبَة حَاصِل مَعَ ذَلِك
فَهُوَ كخطبة الْوَاحِد أَو كأذان شخص وَإِقَامَة آخر وَهَذَا بِخِلَاف الْأَذَان الْوَاحِد فَإِنَّهُ لَا يَصح من اثْنَيْنِ لقَوْله عليه الصلاة والسلام فليؤذن لكم أحدكُم وَلِأَن مَقْصُوده وَهُوَ الْإِعْلَام يحصل بذلك غَالِبا لاخْتِلَاف الْأَصْوَات وقاسه فِي الْمُغنِي على الصَّلَاة وَالْأول هُوَ معنى كَلَام القَاضِي وَجَمَاعَة
قَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير وَيُفَارق هَذَا الصَّلَاة لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَخْلف فِيهَا إِذا أحدث على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَتكون صَلَاة وَاحِدَة بإمامين وَأما الْخطْبَة إِذا أحدث فِيهَا فَهَل يجوز أَن يسْتَخْلف فِيهَا فَحكمهَا حكم
الصَّلَاة يخرج على الرِّوَايَتَيْنِ وَقد نَص على الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوضِع وَهل تصح أَن تكون الْخطْبَة من رجل وَالصَّلَاة من آخر على رِوَايَتَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَت الْخطْبَة كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا شَرط فِي صِحَّتهَا انْتهى كَلَامه
وَظَاهره الْقطع بِأَن الْخطْبَة لَا تصح من اثْنَيْنِ فِي غير حَال الْحَدث كَالصَّلَاةِ وَقد قَالَ القَاضِي وَالْأَصْحَاب بِأَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة يتولاهما وَاحِد فَإِنَّهُمَا فصلان من الذّكر من جنس وَاحِد كَصَلَاة وَاحِدَة فَالْأَفْضَل أَن يتولاهما وَاحِد أَصله الخطبتان
قَالَ القَاضِي وَفِيه احْتِرَاز من الْأَذَان وَالْخطْبَة الأولى كالإمامة وَالْخطْبَة الثَّانِيَة أَنه يتولاهما اثْنَان لِأَنَّهُمَا من جِنْسَيْنِ
وَقَالَ ابْن عقيل وَهل يجوز أَن يتَوَلَّى الْخطْبَتَيْنِ اثْنَان يخْطب كل وَاحِد خطْبَة فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا يجوز كالأذان وَالْإِقَامَة وَالثَّانِي لَا يجوز وَقَالَ لما بَينا من الْوُجُوه الْمَانِعَة أَن يتولاهما غير من يتَوَلَّى الصَّلَاة وَكَذَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة
وَظَاهره أَن الْخطْبَة الْوَاحِدَة لَا تصح من اثْنَيْنِ قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين أَيْضا فِي بَاب الْأَذَان وَإِن قيل هَل يجوز الِاسْتِخْلَاف فِي الْخطْبَة قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يجوز كالأذان انْتهى كَلَامه
وَقطع ابْن عقيل فِي بَاب الْأَذَان بِالْوَجْهِ الأول وَقطع بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة فَلَا يُقَال إِنَّه لم يذكر الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ لَعَلَّه لم يره
وَهَذِه الْمَسْأَلَة يعايى بهَا فَيُقَال عبَادَة وَاحِدَة بدنية مَحْضَة تصح من اثْنَيْنِ
قَوْله وَمن دخل وَالْإِمَام يخْطب لم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ خفيفتين
لَو كَانَ فِي آخر الْخطْبَة بِحَيْثُ إِذا اشْتغل بهَا فَاتَهُ مَعَه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لَا نستحبها فِي مثل ذَلِك وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ فِي الْمُغنِي إِذا تشاغل بِالرُّكُوعِ فَاتَهُ أول الصَّلَاة لم يسْتَحبّ لَهُ التشاغل بِالرُّكُوعِ
حكى القَاضِي عِيَاض عَن دَاوُد وَأَصْحَابه وجوب تَحِيَّة الْمَسْجِد وَمذهب الشَّافِعِيَّة لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي التَّحِيَّة بل تكفيه رَكْعَتَانِ من فرض أَو سنة راتبة أَو غَيرهَا وَلَو نوى بِصَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَة والتحية انْعَقَدت صلَاته وحصلتا لَهُ
قَوْله وَيحرم الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب إِلَّا على الْخَاطِب وَله لمصْلحَة وَعنهُ يكره من غير تَحْرِيم
يُبَاح من الْكَلَام مَا يجوز قطع الصَّلَاة لَهُ كتحذير ضَرِير أَو غافل عَن بِئْر أَو حفيرة لِأَنَّهُ إِذا لم تمنع مِنْهُ الصَّلَاة مَعَ فَسَادهَا بِهِ فالخطبة أولى
وَيجوز للمستمع إِذا عطس أَن يحمد الله خُفْيَة لِأَنَّهُ ذكر وجد سَببه وَلَا يخْتل بِهِ مَقْصُود وَله أَن يُؤمن على دُعَاء الْخَاطِب كَمَا يُؤمن على دُعَاء الْقُنُوت وَله أَن يصلى على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ذكر فِي الْخطْبَة نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سنة فِي الْخطْبَة فَأشبه التَّأْمِين بل أولى لِأَن الصَّلَاة عَلَيْهِ آكِد من التَّأْمِين على الدُّعَاء
وَلَيْسَ للأخرس الْإِشَارَة بِمَا يمْنَع مِنْهُ الْكَلَام لِأَن الشَّارِع جعل إِشَارَته كنطق الْقَادِر قطع بِهَذَا كُله المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَلم أجد مَا يُخَالف ذَلِك صَرِيحًا بل إطلاقا وظاهرا وَقَالَ إِسْحَاق بن ابراهيم وسمعته يَقُول فِي
رجل يَأْتِي وَالْإِمَام فِي الْخطْبَة وَهُوَ يتَكَلَّم قَالَ لَا بَأْس بالْكلَام مَا لم يجلس
وَكَلَامه فِي الْمُحَرر ظَاهر فِي تَحْرِيم ابْتِدَاء نَافِلَة بعد الشُّرُوع فِي الْخطْبَة وَأَنه على الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيم الْكَلَام وَكَذَا ظَاهر كَلَام غَيره
وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين المنجا بِأَنَّهُ يحرم ابْتِدَاء نَافِلَة من حِين خُرُوج الإِمَام وَأَنه يُخَفف مَا كَانَ فِيهِ لِأَن الْكَلَام لَا ضَرَر فِي قطفه بِالْحَال بِخِلَاف الصَّلَاة وَمرَاده على ظَاهر الْمَذْهَب فِي تَحْرِيم الْكَلَام وَتَحْرِيم إِبَاحَة الِاشْتِغَال عَن اسْتِمَاع الْخطْبَة بِكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ مَعَ تَحْرِيم الِاشْتِغَال عَنْهَا بِالصَّلَاةِ وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَلْيتَأَمَّل فِي عدَّة مسَائِل
وَقد جعل المُصَنّف ابْتِدَاء نَافِلَة فِي حَال الْخطْبَة أصلا كَمَسْأَلَة تَحْرِيم الْكَلَام
وَمرَاده على الشَّافِعِي من تَأمل كَلَامه فِي مسَائِل لِأَن أَكثر الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ بذلك وَإِن لم يجب الانصات وَقد نقل صَاحب الْحَاوِي من الشَّافِعِيَّة الْإِجْمَاع على تَحْرِيم ابْتِدَاء النَّافِلَة
وَقد عرف من مَسْأَلَة إِكْمَال النَّفْل أَن كَلَامه صَادِق عَلَيْهَا وَأَنه غير مُرَاد
وَقد حكى الشَّيْخ موفق الدّين عَن أبي حنيفَة وَمَالك كَرَاهَة فعل تَحِيَّة الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب وَقَالَ لِأَن الرُّكُوع يشْغلهُ عَن اسْتِمَاع الْخطْبَة فكره كركوع غير الدَّاخِل وَلم يجب عَن ذَلِك وَكَذَا ذكر الشَّيْخ مجد الدّين وبحثهما مَعَ ابْن عقيل فِي أَن من لَا يستمع الْخطْبَة لَهُ أَن يبتدىء نَافِلَة يدل على التَّحْرِيم وَذكر أَن التَّنَفُّل يَنْقَطِع بجلوس الإِمَام على الْمِنْبَر ومرادهما بِخُرُوجِهِ بِدَلِيل مَا استدلوا بِهِ وَقد صرح بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين وَلم يتَعَرَّض الشَّيْخ موفق الدّين لتَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة
صَرِيحَة إِلَّا أَنه قَالَ بعد كَلَامه الْمَذْكُور فَلَا يُصَلِّي أحد غير الدَّاخِل يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد ويتجوز فِيهَا وَلَعَلَّ ظَاهره التَّحْرِيم لِأَنَّهُ ظَاهر النَّهْي فِي لِسَان الشَّرْع وَحكمه وَهَذَا معنى عِبَارَته فِي الْمُسْتَوْعب مَعَ أَنه قطع بِأَنَّهُ لَا يكره الْكَلَام فِي هَذِه الْحَال
وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي بحث الْمَسْأَلَة وَلِأَن النَّفْل فِي هَذِه الْحَال قد يُفْضِي إِلَى الْمَنْع من سَماع الْخطْبَة فَإِن قطعه مَكْرُوه أَو محرم بِخِلَاف الْكَلَام فَإِن قطعه عِنْد الْأَخْذ فِي الْخطْبَة لَا مَحْذُور فِيهِ فَلذَلِك لم يكره قبلهَا وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي ابْتِدَاء النَّفْل بعد خُرُوج الإِمَام وَقد سبق أَن الشَّيْخ وجيه الدّين ذكر التَّحْرِيم
وَقَالَ المُصَنّف فِي بحث مَسْأَلَة تَحِيَّة الْمَسْجِد لِأَنَّهَا صَلَاة لَهَا سَبَب فَلم تمنع الْخطْبَة مِنْهَا كالفائتة وإكمال النَّفْل الْمُبْتَدَأ إِذا خرج الإِمَام وَهُوَ فِيهِ وَذكر أَيْضا فِيهَا أَن الْقيَاس على النَّفْل الْمُطلق لَا يَصح لِأَنَّهُمَا أوكد مِنْهُ وَلِهَذَا لَو شرع فِي تطوع مُطلق بِأَرْبَع ثمَّ جلس الإِمَام على الْمِنْبَر وَهُوَ فِي أَولهَا تعين عَلَيْهِ أَن يقْتَصر على رَكْعَتَيْنِ وَلَو كَانَت الْأَرْبَع الرَّاتِبَة قبل الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يُتمهَا عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهَا سنة مُؤَكدَة عِنْده فَكَذَلِك هُنَا وَلَعَلَّ ظَاهر هَذَا مُوَافقَة كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين وَفِيه نظر لِأَنَّهُ تَحِيَّة من قَالَ بِكَرَاهَة التَّحِيَّة وَغَيرهَا وَلم يحل التَّحْرِيم
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَلَا يُصَلِّي بعد صعُود الإِمَام الْمِنْبَر إِلَّا من دخل الْمَسْجِد يوجز فيهمَا
وَالَّذِي يظْهر مِمَّا تقدم أَن النَّفْل الْمُبْتَدَأ يحرم بعد الشُّرُوع فِي الْخطْبَة وَهل يحرم بعد خُرُوج الإِمَام على وَجْهَيْن
وَقَالَ فِي الْمُحِيط للحنفية وَيكرهُ التَّطَوُّع من حِين يخرج الامام للخطبة إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة قَالَ وَكَذَلِكَ الْكَلَام عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا بَأْس بِهِ قبل الْخطْبَة وَبعدهَا مالم يدْخل الامام فِي الصَّلَاة وَاحْتج صَاحب الْمُحِيط بقوله عليه الصلاة والسلام إِذا خرج الامام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام حَتَّى يفرغ وَهَذَا لَا تعرف صِحَّته فيعتمد عَلَيْهِ
وَرِوَايَة عدم تَحْرِيم الْكَلَام على ظَاهرهَا عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا وَهَذَا مَحْمُول على الْكَلِمَة والكلمتين لِأَنَّهُ لَا يخل بِسَمَاع الْخطْبَة وَلِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ التَّحَرُّز من ذَلِك غَالِبا لَا سِيمَا إِذا لم يفته سَماع أَرْكَانهَا
وَذكر أَيْضا مَا ذكر غير وَاحِد أَنه هَل يجب الانصات لخطبة الْعِيد إِذا وَجب الانصات لخطبة الْجُمُعَة على رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ عَن رِوَايَة عدم الْوُجُوب وَهَذَا مَحْمُول على كَمَال الانصات وَإِلَّا فَتَركه بِالْكُلِّيَّةِ والتشاغل بِاللَّغْوِ غير جَائِز وفَاقا
قَوْله وَمن أدركهم بعد الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة فقد فَاتَتْهُ الْجُمُعَة
فَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ لما روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى وَمن أدركهم جُلُوسًا صلى الظّهْر أَرْبعا رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقل أَن تسلم طَرِيق لهَذَا الحَدِيث عَن الْقدح إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَعبد الله لَوْلَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى فِي الْجُمُعَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا أدركهم جُلُوسًا وَهَذَا يدل على
أَنه قد صَحَّ لَهُ طَرِيق عِنْده وَهُوَ كَمَا قَالَ المُصَنّف لِأَن كَلَام الإِمَام يعْطى أَنه ترك قِيَاسا وأصلا لهَذَا الحَدِيث فَلَا بُد وَأَن يكون النَّاقِل لَهُ عَن الأَصْل صَالحا للحجة وَقد روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك هَذَا الحَدِيث من طرق ثَلَاثَة وَقَالَ أسانيدها صَحِيحَة وروى غير وَاحِد من الْأَئِمَّة هَذَا الْمَعْنى عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أنس وَلم يعرف لَهُم مُخَالف وَقد ذكر أَبُو بكر فِي التنبية أَن ذَلِك إِجْمَاع الصَّحَابَة وَقَالَ مهنى قلت لِأَحْمَد إِذا أدْركْت التَّشَهُّد مَعَ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة كم أُصَلِّي قَالَ أَرْبعا كَذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود وَكَذَلِكَ فعل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَن أَحْمد يُصَلِّي جُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَدَاوُد لقَوْله صلى الله عليه وسلم مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا أَو فاقضوا
وَأجِيب بِأَن هَذَا لَا يتَنَاوَل إِلَّا من أدْرك شَيْئا يعْتد بِهِ بِدَلِيل قَوْله فَأتمُّوا وَلَا يُقَال أدْرك تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَهِي مُعْتَد بهَا لأَنا نقُول لم يُدْرِكهَا مَعَه وَإِنَّمَا يَأْتِي بهَا ليدْخل بهَا مَعَه على أَنه عَام فَيخْتَص بِمَا تقدم فَإِن أدْرك دون الرَّكْعَة إدراكا يعْتد بِهِ كَمثل المرجوم وَنَحْوهَا فقد ذكر المُصَنّف قبل هَذِه وفيهَا رِوَايَات إِحْدَاهَا يُتمهَا جُمُعَة كَقَوْل أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَالثَّانيَِة ظهرا كَقَوْل الشَّافِعِي وَالثَّالِثَة يسْتَأْنف ظهرا كَقَوْل مَالك فَأَما بَاقِي الصَّلَوَات الْخمس فَمن أدْرك الإِمَام فِيهَا قبل سَلَامه فقد أدْرك الْجَمَاعَة نَص عَلَيْهِ أَحْمد وَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهَذَا إِجْمَاع من أهل الْعلم لَا نعلم فِيهِ خلافًا لعُمُوم الْأَدِلَّة فِي دُخُوله مَعَه على أَي حَال كَانَ وَعَن كثير بن شنظير عَن عَطاء
ابْن أبي رَبَاح عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة وَمن أدْرك الامام قبل أَن يسلم فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي فِي الْكَامِل قَالَ حَدثنَا حَاجِب بن مَالك أخبرنَا عباد بن الْوَلِيد أخبرنَا صَالح بن رزين الْمعلم مُحَمَّد بن جَابر عَن أبان بن طَارق عَن كثير فَذكره
وَكثير بن شنطير من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَتكلم فِيهِ بَعضهم وَاخْتلف قَول ابْن معِين فِيهِ وَقَالَ أَحْمد صَالح الحَدِيث وَذكر ابْن عدي هَذَا الْخَبَر فِي تَرْجَمَة كثير وَقَالَ ولكثير بن شنطير من الحَدِيث غير مَا ذكرت وَلَيْسَ فِي حَدِيثه شَيْء مُنكر وَأَحَادِيثه أَرْجُو أَن تكون مُسْتَقِيمَة انْتهى كَلَامه
وَهَذَا يدل على أَن الحَدِيث قد صَحَّ إِلَى كثير وَأَن الحَدِيث حَدِيثه وَأَنه يعرف بِهِ وَأَنه لَيْسَ بمنكر عِنْد ابْن عدي مَعَ أَن فِي الاسناد إِلَى كثير ضعفا وَلِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من صَلَاة الإِمَام أشبه مَا لَو أدْرك رَكْعَة لِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من الصَّلَاة فَأشبه مَا لَو أدْركهُ فِي تشهد صَلَاة الْعِيد وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الأَصْل
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْمقنع وَلِأَنَّهُ إِذْ أدْرك جُزْءا من صَلَاة الإِمَام فَأحْرم مَعَه لزمَه أَن يَنْوِي الصّفة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ كَونه مَأْمُوما فَيَنْبَغِي أَن يدْرك فضل الْجَمَاعَة
وَظَاهر كَلَام ابْن أبي مُوسَى أَن الْجَمَاعَة لَا تدْرك إِلَّا بِرَكْعَة قَالَه بَعضهم وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَة قولا وَهَذَا اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ وَهُوَ مَذْهَب مَالك
وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ اخْتَارَهَا جمَاعَة من أَصْحَابه قَالَ وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَاخْتَارَهُ أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَغَيره
وَجه هَذَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ وَزَاد مَعَ الإِمَام وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَيُونُس وَعبيد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ فِي حَدِيث أحد مِنْهُم مَعَ الإِمَام وَفِي حَدِيث عبيد الله قَالَ فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا
وَلمن اخْتَار الأول أَن يَقُول هَذَا الحَدِيث يدل بِالْمَفْهُومِ وَلَيْسَ بِحجَّة وَلَو كَانَ فَهَذَا الْمَفْهُوم لَيْسَ بِحجَّة لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ فِي مُسلم أَنه خرج على الْغَالِب فَإِن غَالب مَا يُمكن معرفَة إِدْرَاكه رَكْعَة وَنَحْوهَا وَأما التَّكْبِيرَة فَلَا يكَاد يحس بهَا
الثَّانِي أَن التَّقْيِيد بِرَكْعَة إِنَّمَا كَانَ لكَمَال ثَوَاب الصَّلَاة بإدراكها عملا بِرِوَايَة عبيد الله الْمَذْكُورَة إِذْ هُوَ أولى من إلغائها وَلَا يُمكن حملهَا على أَن من أدْرك من الصَّلَاة مَا يعْتد بِهِ لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء شَيْء
وَمَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِي بحث مَسْأَلَة وَمن أدْرك مَعَ الإِمَام مِنْهَا رَكْعَة أتمهَا جُمُعَة لِأَنَّهُ يفوت الثَّوَاب الْكَامِل بِفَوَات الْخطْبَة فَلَا يُنَافِي ذَلِك فَإِنَّهُ قد يكون ثَوابًا كَامِلا وأكمل مِنْهُ
وَقد ذكر فِي الْمُغنِي فِي بحث مَسْأَلَة صِحَة الصَّوْم بنية من النَّهَار أَنه يحكم لَهُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيّ المثاب عَلَيْهِ وَقت النِّيَّة فِي الْمَنْصُوص وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة
وَقَالَ أَبُو الْخطاب يحكم لَهُ بذلك من أول النَّهَار وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة لِأَنَّهُ لَو أدْرك بعض الرَّكْعَة أَو بعض الْجَمَاعَة كَانَ مدْركا لجميعها
وَقَالَ الشَّيْخ مجيبا عَن هَذَا وَأما إِدْرَاك الرَّكْعَة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه لَا يحْتَاج إِلَى قَضَاء رَكْعَة وَيَنْوِي أَنه مَأْمُوم وَلَيْسَ هَذَا مستحيلا أما أَن يكون مَا صلى الْأَمَام قبله من الرَّكْعَات محسوبا لَهُ بِحَيْثُ يُجزئهُ عَن فعله فكلا وَلِأَن مدرك الرُّكُوع مدرك لجَمِيع أَرْكَان الرَّكْعَة لِأَن الْقيام وجد حِين كبر وَفعل سَائِر الْأَركان مَعَ الإِمَام وَأما الصَّوْم فَلِأَن النِّيَّة شَرط لَهُ أَو ركن فِيهِ فَلَا يتَصَوَّر وجوده بِدُونِ شَرطه أَو رُكْنه انْتهى كَلَامه
وَلَو سلم أَن هَذَا الْمَفْهُوم حجَّة فَهَل يخص عُمُوم الْأَمر بِالدُّخُولِ مَعَ الامام على أَي حَال كَانَ وللعلماء فِيهِ خلاف مَشْهُور
وَمن جملَة الْأَدِلَّة حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَنهُ عليه الصلاة والسلام إِذا جئْتُمْ وَنحن سُجُود فاسجدوا وَلَا تعدوها شَيْئا وَمن أدْرك الرَّكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَإِسْنَاده حسن وَفِيه يحيى بن أبي سُلَيْمَان الْمدنِي روى لَهُ النَّسَائِيّ وَلم يتَكَلَّم فِيهِ مَعَ أَنه شَرطه فِي الرِّجَال وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث
وَلَو سلم أَنه يخص الْعُمُوم فَلَا نسلم أَن الْمَفْهُوم عُمُوما وَفِيه لنا خلاف
وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي بحث مَسْأَلَة المَاء الْجَارِي هَل ينجس بِمُجَرَّد الملاقاة أَنه لَا عُمُوم لَهُ وَأَنه تَكْفِي الْمُخَالفَة فِي صُورَة وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
وَمَفْهُوم قَوْله وَمن أدْرك الرَّكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة أَن من لم يدْرك الرَّكْعَة لم يدْرك الصَّلَاة وَنحن نقُول بِهِ فِي بعض الصُّور
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كبر وَالْإِمَام فِي التسليمة الأولى أَو لم يفرغ مِنْهَا حَتَّى أَخذ فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يكون مدْركا لِأَنَّهُ كبر وَالْإِمَام فِي الصَّلَاة لم يُتمهَا لِأَن السَّلَام عندنَا مِنْهَا
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح لَا يكون مدْركا لَهُ وَبِه قَالَت الْحَنَفِيَّة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَه مَا يجوز مُتَابَعَته فِيهِ بل صادفه فِي نفس الْخُرُوج والتحلل وَلِأَنَّهُ أحد طرفِي الصَّلَاة فَلم ينْعَقد إِحْرَام الْمُؤْتَم وَالْإِمَام فِيهِ كالتحريمة
وَكَذَا الْوَجْهَانِ عندنَا إِذا كبر بعد التسليمة الأولى وَقبل الثَّانِيَة وَقُلْنَا بِوُجُوبِهَا فَأَما أَن قُلْنَا إِنَّهَا سنة لم يدْرك الْجَمَاعَة وَجها وَاحِدًا انْتهى كَلَامه
وَإِن أدْركهُ فِي سُجُود سَهْو بعد السَّلَام فَهَل يدْخل مَعَه وَتَصِح صلَاته فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَو سلم عُمُوم الْمَفْهُوم خص بِمَا تقدم من الْأَثر وَالْقِيَاس وَالْفرق بَين الْجُمُعَة وَغَيرهَا من أوجه
أَحدهَا مَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ أَن الْجَمَاعَة لَو زَالَت فِي أول رَكْعَة لسَبَب كَانَ مدْركا لفضلها وَلَو نقص الْعدَد فِي أول رَكْعَة من الْجُمُعَة لم يدْرك الْجُمُعَة
الثَّانِي أَن الْجُمُعَة عِنْد أبي حنيفَة وصاحبيه وَالشَّافِعِيّ وَرِوَايَة لنا يشْتَرط وُقُوع جَمِيعهَا فِي الْوَقْت فبعضها خَارج الْوَقْت لما نقلنا حكمهَا توقف مدركها على رَكْعَة بِخِلَاف غَيرهَا فَإِنَّهُ يجوز وُقُوع بَعْضهَا فِي الْوَقْت وَبَعضهَا خَارجه وفَاقا فَكَانَ حكمهَا أخف
الثَّالِث أَن الْإِدْرَاك نَوْعَانِ إِدْرَاك إِلْزَام يحصل بتكبيرة الاحرام كإحرام الْمُسَافِر خلف الْمُقِيم يلْزمه الْإِتْمَام وَإِدْرَاك إِسْقَاط لَا يحصل
إِلَّا بِرَكْعَة كمن أدْرك الإِمَام سَاجِدا لم تسْقط عَنهُ الرَّكْعَة إِلَّا بِإِدْرَاك جَمِيعهَا وَإِدْرَاك الْجُمُعَة كَذَلِك فَإِن الأَصْل إِقَامَة الصَّلَاة أَربع رَكْعَات وَالْجُمُعَة أُقِيمَت مقَامهَا بشرائط فَفِي إِدْرَاكهَا إِسْقَاط لأَرْبَع بِخِلَاف إِدْرَاك الْإِلْزَام
الرَّابِع أَن صَلَاة الْجُمُعَة مدركة بِالْفِعْلِ وَهَذَا يسْقط بِفَوَات الْفِعْل فَلم يصر مدْركا إِلَّا بِمَا يعْتد بِهِ من أفعالها وَسَائِر الصَّلَوَات تدْرك بِالزَّمَانِ فَلذَلِك تسْقط بِفَوَات الزَّمَان فَصَارَ مدْركا لَهَا بِقَلِيل الزَّمَان وَكَثِيره
الْخَامِس أَن الْجُمُعَة آكِد فِي نظر الشَّرْع وَلذَلِك اخْتصّت بأَشْيَاء وَأجْمع النَّاس على تعْيين الْجَمَاعَة لَهَا بِخِلَاف غَيرهَا فَجَاز أَن تخْتَص بِخِلَاف غَيرهَا
السَّادِس أَن الْجَمَاعَة فِيهَا لَا تَتَكَرَّر كثيرا فَفِي القَوْل بِأَنَّهَا لَا تدْرك إِلَّا بِرَكْعَة حرج صلى الله عليه وسلم َ - صَلَاة الْعِيدَيْنِ
قَوْله وَأَن يبكر الْمَأْمُوم إِلَيْهَا مَاشِيا
احْتج لَهُ جمَاعَة بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَقِيَاسًا على الْجُمُعَة وَغَيرهَا وَقَالَ ابْن عقيل وَالْمَشْي إِلَى صَلَاة الْعِيد أفضل من الرّكُوب لِأَن الْمَشَقَّة أَكثر وثواب الْعِبَادَة على قدر الْمَشَقَّة
وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِن ركب لم يكره لَكِن ترك الْمُسْتَحبّ وَمَتى كَانَ عذر من بعد أَو غَيره فَلَا بَأْس قَالَ بَعضهم نَص عَلَيْهِ
وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِن شَاءَ ركب فِي الرُّجُوع وَإِن شَاءَ لم يركب وَصرح بِهِ ابْن عقيل فَقَالَ فَإِذا رَجَعَ فالمشي وَالرُّكُوب سَوَاء لِأَن رُجُوعه إِلَى بَيته لَيْسَ بِعبَادة
وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَأَما الْعود مِنْهَا فَيُسْتَحَب الْمَشْي فِيهِ لَكِن إِن ركب لم يكره نَص عَلَيْهِ لِأَن السَّعْي إِلَى الْعِبَادَة قد انْقَضى وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه ركب فِي عوده من الْجِنَازَة وَمَا نَحن فِيهِ بِمَعْنَاهُ انْتهى كَلَامه
وَظَاهره كَرَاهَة الْمَشْي فِي ذَهَابه فَظهر أَن فِي كَرَاهَة الْمَشْي فِي ذَهَابه وَجْهَيْن وَأَن فِي اسْتِحْبَاب الْمَشْي من عودته مِنْهُ وَجْهَيْن
وَأطلق هُنَا اسْتِحْبَاب التبكير كَمَا أطلقهُ فِي الْجُمُعَة وَظَاهره اسْتِحْبَابه من أول الْيَوْم وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَذكره جمَاعَة فِي التبكير إِلَى الْجُمُعَة مِنْهُم المُصَنّف وَالشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَذكروا فِي التبكير إِلَى الْعِيد بعد صَلَاة الصُّبْح وَظَاهره أَنه لَا يسْتَحبّ التبكير من طُلُوع الْفجْر وَفِيه نظر وَلم يستدلوا لَهُ وَلَعَلَّ مُرَادهم أَن صَلَاة الْعِيد تفعل فِي الصَّحرَاء وَلَيْسَت محلا لِاجْتِمَاع الْجَمَاعَة كَصَلَاة الْفَرْض غَالِبا وَإِلَّا فَلَا إلجاء لذَلِك وَكَلَامهم فِي دَلِيل الْمَسْأَلَتَيْنِ يَقْتَضِي اسْتِحْبَاب التبكير إِلَى الصَّلَاتَيْنِ من طُلُوع الْفجْر وَقَالَ ابْن عقيل وَيسْتَحب للْمَأْمُوم أَن يدْخل الْمصلى بعد صَلَاة الْفجْر فَإِن صلى فِيهِ صَلَاة الْفجْر فَلَا بَأْس
قَوْله وَلَا سنة لصَلَاة الْعِيد قبلهَا وَلَا بعْدهَا
لَا يدل كَلَامه على كَرَاهَة الصَّلَاة قبلهَا وَبعدهَا بل قد يُقَال ظَاهر كَلَامه عدم الْكَرَاهَة لمَذْهَب جمَاعَة من أهل الْعلم وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَنه كرهه للْإِمَام خَاصَّة وَالْمذهب كَرَاهَة الصَّلَاة قبلهَا وَبعدهَا فِي موضعهَا حَتَّى تَحِيَّة الْمَسْجِد نَص عَلَيْهِ وَهَذَا معنى كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب وَهَذَا الْكَلَام يُعْطي أَنه لَا سنة قبلهَا وَلَا بعْدهَا لَكِن مُرَادهم بِكَرَاهَة التَّطَوُّع بعْدهَا إِذا لم يُفَارق مَوضِع صلَاته لِأَنَّهُ لَو فَارقه ثمَّ عَاد إِلَيْهِ لم يكره التَّنَفُّل نَص عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضح
وَظَاهر كَلَامهم هَذَا أَنه لَا يكره غير التَّطَوُّع فِي مَوضِع صَلَاة الْعِيد
وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد يكره قَضَاء الْفَوَائِت فِي الْمصلى إِن خَافَ أَن يَقْتَدِي بِهِ بعض من يرَاهُ
وَوجه كَرَاهَة التَّطَوُّع قبلهَا وَبعدهَا مَا هُوَ صَحِيح مَشْهُور أَنه عليه الصلاة والسلام صلى رَكْعَتَيْنِ لم يصل قبلهمَا وَلَا بعدهمَا وَفِيه نظر لِأَن عدم الْفِعْل لَا يدل على الْكَرَاهَة وَترك الْمُسْتَحبّ لمستحب أولى مِنْهُ لَا يدل على أَن الْمَتْرُوك لَيْسَ بمستحب إِنَّمَا غَايَته أَن يدل على أَن يفعل هَذَا اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِن يدل على أَنه لَيْسَ لَهَا سنة راتبة قبلهَا وَلَا بعْدهَا كَمَا ذكره فِي الْمُحَرر
وَقد اخْتَار ابْن عقيل أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يتَطَوَّع فِي غير مَوضِع الْمَكْتُوبَة
وَأَنه لَا يكره بِنَاء مِنْهُ على أَنه لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ يتَطَوَّع فِي غير موضعهَا فَنَهَضَ هَذَا للاستحباب وَلم ينْهض للكراهة فَقَالَ بذلك
وَصرح القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَابْن عقيل وَجَمَاعَة بِكَرَاهَة فعل صَلَاة الْعِيد فِي الْجَامِع لغير عذر وَعدل فِي الْكَافِي وَالْمُحَرر عَن هَذَا الْعبارَة فَذكر أَنه يسن فعلهَا فِي الصَّحرَاء نظرا مِنْهُمَا إِلَى أَنه لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا الِاقْتِدَاء بِهِ عليه الصلاة والسلام وبالخلفاء الرَّاشِدين رضي الله عنهم فِي فعلهَا فِي الصَّحرَاء وَهَذَا ينْهض للاستحباب وَكَرَاهَة الأولى فَقَالَا بِهِ فَصَارَت الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَالْأَكْثَر على كَرَاهَة التَّنْزِيه وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول لَا صَلَاة قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَعَن جرير قَالَ حفظت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا صَلَاة فِي الْعِيدَيْنِ قبل الإِمَام رَوَاهُمَا أَبُو عبد الله ابْن بطة من أَصْحَابنَا وَلم أَقف على كَلَام لأحد فِي سندهما وَيبعد صحتهما وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه أخبرنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور أخبرنَا عبد الرَّحْمَن عَن الْأَشْعَث عَن الْأسود بن هِلَال عَن ثَعْلَبَة بن زَهْدَم أَن عليا اسْتخْلف أَبَا مَسْعُود على النَّاس فَخرج يَوْم عيد فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ من السّنة أَن يُصَلِّي قبل الإِمَام الْأَشْعَث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَكَذَا الْأسود وَهُوَ قديم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَرُوِيَ عَن عمر ومعاذ وَغَيرهمَا وثعلبة مُخْتَلف فِي صحبته وَلم أجد أحدا تكلم فِيهِ وللمخالف أَن يمْنَع ثُبُوت صِحَّته وَيَقُول لم يرو عَنهُ غير الْأسود وَقد عرف أَن الْجَهَالَة لَا تَزُول بِهِ أَو بِوَاحِد هَذَا الْمَشْهُور وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْمُتَأَخِّرين فَأَما المتقدمون فَكَلَام الْمُحدثين فيهم على قَوْلَيْنِ وَيعرف ذَلِك بِكَلَام الْأَئِمَّة فِي حَدِيث أبي ذَر إِذا وجدت المَاء فأمسه بشرتك فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ عَمْرو بن بجدان وَانْفَرَدَ عَنهُ أَبُو قلَابَة فِي حَدِيث عبَادَة خمس صلوَات
كتبهن الله على العَبْد فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ الْمذْحِجِي وَانْفَرَدَ ابْن محيريز وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث
وَبِتَقْدِير صِحَة هَذَا الْخَبَر وَأَن قَول الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ من السّنة ينْصَرف إِلَى سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ الظَّاهِر فالصحابي لم ينْقل لفظا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا إِنَّمَا قَالَ إِنَّه من السّنة فَيحْتَمل أَن يكون أَخذه من كَونه عليه الصلاة والسلام لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا بل هَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن هَذَا هُوَ الشَّائِع الْمَشْهُور الصَّحِيح أما صِيغَة نهي فَلَيْسَ بِمَشْهُور وَلَا تعرف صِحَّته وَإِذا احْتمل وَتردد توقف الحكم والمتحقق أَنه رَأْي صَحَابِيّ واجتهاد وَلَيْسَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِجْمَاع الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَالْخلاف عَنْهُم فِيهَا مَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث وَقد نقل الإمامان الشَّافِعِي وَأحمد الْخلاف عَنْهُم فِيهَا وَأكْثر مَا يقدر أَن يكون فِيهَا قَول بَعضهم وَلم ينْقل عَن غَيره خِلَافه وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات دَعْوَى انتشاره
وَبِتَقْدِير الثُّبُوت فَهَل هُوَ حجَّة أَو إِجْمَاع أَو لَا وَاحِد مِنْهُمَا أَو غيرذلك من الْأَقْوَال فِيهَا الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة فِي الْأُصُول وَالْأَصْل اسْتِحْبَاب الصَّلَاة وَالْكَرَاهَة تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه وعَلى تَقْدِير ثُبُوت الْكَرَاهَة فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي احْتِمَالا أَن تَحِيَّة الْمَسْجِد تصلى وَذكره بعض الْمُتَأَخِّرين قولا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي قَتَادَة أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا الدَّلِيل بِفعل تَحِيَّة الْمَسْجِد بَينه وَبَين دَلِيل كَرَاهَة الصَّلَاة قبل الْعِيد وَبعدهَا عُمُوم وخصوص لَكِن هَذَا أصح وَهِي صِيغَة نهي فرجح لَو تساقطا
فالأدلة الْمُطلقَة على اسْتِحْبَاب الصَّلَاة مُطلقًا تتَنَاوَل هَذَا الْفَرد الْخَاص لَا معَارض لَهَا فِيهِ فَيعْمل بهَا
قَوْله وَمن فَاتَتْهُ صَلَاة مَعَ الإِمَام صلاهَا على صفتهَا كَمَا لَو أدْركهُ فِي التَّشَهُّد
ظَاهره أَنه لَو أدْركهُ فِي التَّشَهُّد لَا خلاف فِيهِ وَلَعَلَّ مُرَاده عَن أَحْمد فقد خرج القَاضِي وَجها أَنه يُصَلِّي أَرْبعا إِذا قُلْنَا يَقْضِيهَا الْمُنْفَرد أَرْبعا قِيَاسا على الْجُمُعَة وَقد صرح أَحْمد بالتفرقة فِي رِوَايَة حَنْبَل قَالَ فِي المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَمَعَ تَصْرِيح الامام بالتفرقة يمْنَع التَّخْرِيج وَالْفرق بَينهمَا من وُجُوه أَحدهَا أَن الْجُمُعَة تسْقط بِخُرُوج وَقتهَا بِخِلَاف الْعِيد الثَّانِي أَن مدرك التَّشَهُّد فِي الْجُمُعَة قد انْضَمَّ إِلَى فَوَات مَا فَاتَهُ من الْخطْبَتَيْنِ القائمتين مقَام رَكْعَتَيْنِ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ الثَّالِث أَن الْقيَاس أَن يقْضى كل صَلَاة على حسب مَا فَاتَت لَكِن تَرَكْنَاهُ فِي الْجُمُعَة للنَّص الْوَارِد فِيهَا وَلم يرد فِي الْعِيد مثله فبقينا فِيهِ على الْقيَاس وَقد أَوْمَأ أَحْمد إِلَى هَذَا التَّعْلِيل فَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَعبد الله لَوْلَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى فِي الْجُمُعَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يصلى رَكْعَتَيْنِ إِذا أدركهم جُلُوسًا انْتهى كَلَامه
قَوْله وَإِن لم يعلم بالعيد إِلَّا بعد الزَّوَال من يَوْمه صلاه من الْغَد
وَكَذَا الحكم إِن لم يصلوا الْعِيد حَتَّى زَالَت الشَّمْس عَالمين بِهِ لعذر أَو لغير عذر وَلَو تركوها من الْغَد أَيْضا صلوا بعده قبل الزَّوَال وَكَذَا لَو مضى عَلَيْهِ أَيَّام قطع بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب قَالَ ابْن حمدَان وَفِيه نظر وَذكر القَاضِي أَن
الْخلاف إِذا علمُوا بالعيد قبل الزَّوَال وَلم يصلوا فِي الْيَوْم الثَّانِي لم يصلوا بعد ذَلِك وَوجه الأول أَنَّهَا صَلَاة لم يسْقط وُجُوبهَا بل تقضى بعد فَوَاتهَا بِيَوْم بِالنَّصِّ الصَّحِيح فَكَذَلِك بأيام كَسَائِر الصَّلَوَات المقضيات وَفَارق من فَاتَتْهُ مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَتى شَاءَ بِأَنَّهَا نَافِلَة وَلَا يشرع لَهَا الِاجْتِمَاع وَقد سقط شعار الْيَوْم بِدُونِهَا وَعند ابْن عقيل لَا يَقْضِيهَا إِلَّا من الْغَد كالمسألة قبلهَا
قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين إِذا فعلت من الْغَد هَل تكون قَضَاء تفْتَقر إِلَى نِيَّة الْقَضَاء أم تكون أَدَاء فَإِن كَانَ مَعَ عدم الْعلم أَو الْعذر فِي تَركهَا باشتغالهم بِأَمْر عَظِيم من فتْنَة أَو جِهَاد وَنَحْوه كَانَت أَدَاء لِأَن هَذَا الْوَقْت يصلح أَن تكون فِيهِ أَدَاء عِنْد إِكْمَال الْعدة وَعند تَجْوِيز الْغَلَط فِي حق الشُّهُور وَإِن كَانَ مَعَ الْعلم وَعدم الْعذر كَانَت قَضَاء لفَوَات وَقتهَا كَسَائِر الصَّلَوَات انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام غَيره أَنَّهَا قَضَاء مُطلقًا
قَوْله وَفِي الْأَضْحَى للمحل من الْفجْر يَوْم عَرَفَة إِلَى آخِره
لَو أَتَى بِعِبَارَة صَرِيحَة فِي أَن ابْتِدَاء تَكْبِيرَة الْحَلَال عقب صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة وتكبير الْمحرم عقب صَلَاة الظّهْر ويمتد حَتَّى يكبران عقب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَيَنْتَهِي كَانَ أَجود وَكَلَامه يصدق على الصَّلَوَات الْخمس سَوَاء وَقعت فرضا أَو نفلا كَالصَّلَاةِ الْمُعْتَادَة وَصَلَاة الصَّبِي وَهَذَا كَمَا نقُول تكبر الْمَرْأَة إِذا صلت مَعَ رجال تبعا فِي الْمَشْهُور وَإِن قُلْنَا لَا تكبر إِذا صلت بنساء أَو وَحدهَا على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقد يُقَال كَلَامه ينْصَرف إِلَى الصَّلَاة الْمَعْهُودَة الْمَعْرُوفَة فَتخرج الصَّلَاة
الْمُعَادَة وَتدْخل صَلَاة الصَّبِي وَقد قطع ابْن عقيل وَغَيره بِأَن الصَّبِي يكبر عقب صلَاته لِأَنَّهَا فِي صُورَة الْفَرْض ويدخلها بنية الطُّهْر وَيضْرب عَلَيْهَا بِخِلَاف نفل الْبَالِغ وَلِأَنَّهُ إِذا شرع لَهُ الْإِتْيَان فِيهَا على صُورَة الْفَرِيضَة فِي سننها وفرائضها كَذَلِك يشرع التَّكْبِير بعْدهَا على الصُّورَة وَإِن لم تكن وَاجِبَة
وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي أَن كل أحد يكبر عقب كل صَلَاة هَذِه الْمدَّة وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا أَن الإِمَام إِذا كَانَ لَا يرى التَّكْبِير فِي تِلْكَ الصَّلَاة وَالْمَأْمُوم يرَاهُ أَو بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن الْمَأْمُوم يتبع إِمَامه فعلا وتركا لِأَن التَّكْبِير من تَوَابِع الصَّلَاة فَأشبه مَا هُوَ جَار فِي نفس الصَّلَاة إِلَّا أَن يتَيَقَّن خطأ الإِمَام فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعه كَمَا قُلْنَا فِيمَا زَاد على سبع تَكْبِيرَات فِي صَلَاة الْجِنَازَة والعيد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي يجْرِي على مُوجب اعْتِقَاده لِأَن الِاقْتِدَاء لَا أثر لَهُ فِي هَذَا فَإِن الإِمَام إِذا تحلل من صلَاته فقد انْقَطع أثر الْقدْوَة
قَوْله وَفِي صَلَاة الْعِيد وَجْهَان
سِيَاق كَلَامه فِي عيد الْأَضْحَى وَهُوَ صَحِيح لِأَن عيد الْفطر لَيْسَ فِيهِ تَكْبِير مُقَيّد وَكَذَا قطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة
وَلنَا وَجْهَان هَل فِي عيد الْفطر تَكْبِير مُقَيّد وعَلى القَوْل بِهِ يخرج فِي التَّكْبِير عقب عيد الْفطر وَجْهَان كَمَا نقُول فِي عيد الْأَضْحَى وَذكر فِي الْكَافِي فِي التَّكْبِير عقب عيد الْفطر رِوَايَتَيْنِ وَحكى جمَاعَة كَابْن عقيل وَصَاحب التَّلْخِيص فِي التَّكْبِير عقب صَلَاة الْعِيد رِوَايَتَيْنِ وَذكر ابْن عقيل أَن