الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِن لم نقل تتَعَيَّن الْفَاتِحَة اعْتبرنَا أَن يقْرَأ سبع آيَات وَهل يعْتَبر أَن يكون فِي عدد حروفها على وَجْهَيْن وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجب فِي رَكْعَتَيْنِ من الْأَوليين ويسبح فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَن الْقِرَاءَة لَو وَجَبت فِي بَقِيَّة الرَّكْعَات لسن الْجَهْر بهَا
وَحكى ابْن هُبَيْرَة الِاتِّفَاق على أَن الْقِرَاءَة فرض فِي رَكْعَتَيْنِ من الرّبَاعِيّة والثلاثية وركعتي الْفجْر وَعند أبي حنيفَة لَا تجب الْقِرَاءَة فِي غير ذَلِك وَذكر الشريف وَأَبُو الْخطاب هَذَا رِوَايَة عَن أَحْمد وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يعْتَبر أَن يكون الْأَوليين
فصل
يُؤْخَذ من كَلَامه وَكَلَام غَيره أَن الْإِعَادَة على الْمَأْمُوم لجهله قِرَاءَة إِمَامه وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن جهل مَا قَرَأَ بِهِ إِمَامه لم يضر وَقيل تبطل صلَاته وَهُوَ بعيد وَقيل يُتمهَا وَحده انْتهى كَلَامه
وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير فرع فِي رِوَايَة أَحْمد بن أَصْرَم فِي رجل صلى خلف إِمَام فَقيل لَهُ مَا قَرَأَ فَقَالَ لَا أَدْرِي عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي تَعْلِيقه بَيَانهَا عِنْدِي وَالله أعلم إِذا لم يدر هَل قَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب أَو غَيرهَا لَا يجْهر فِيمَا يجْهر فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ يمنعهُ مَانع من السماع لِأَن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة انْتهى كَلَامه
وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن هَذَا النَّص مُعَلل بِأَن الْمَأْمُوم يجب عَلَيْهِ الْإِنْصَات لقِرَاءَة إِمَامه وَلم يفعل فقد ترك وَاجِبا وَأما علمه بِقِرَاءَة الإِمَام الْفَاتِحَة فَلَا يعْتَبر لِأَنَّهُ لَا يجب على الْمَأْمُوم تَحْصِيل الْعلم بِأَن الإِمَام قد أَتَى بِمَا يعْتَبر للصَّلَاة بل
يَكْفِي الظَّاهِر حملا للأمور على الصِّحَّة والسلامة إِلَى أَن يقوم دَلِيل الْفساد عملا بِحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها فِي شكهم فِي التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سموا الله أَنْتُم وكلوا وَلما فِي ذَلِك من الْحَرج وَالْمَشَقَّة
قَوْله فَهَذِهِ وَاجِبَات تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا
لَو أدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع فَكبر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام خَاصَّة صحت صلَاته وَلم يضر تَركه لتكبيرة الرُّكُوع قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَقطع بِهِ الْكَافِي وَغَيره وَقدمه غير وَاحِد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد فِي مَوَاضِع أَنَّهَا لَا تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك الشَّافِعِي وَحكى المُصَنّف عَن بعض الْأَصْحَاب عدم الصِّحَّة إِذا تَركهَا عمدا بِنَاء على أصلنَا وَحَكَاهُ غَيره رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد وصححها ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ وَابْن حمدَان وَهُوَ ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص وَغَيرهمَا
قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا إِذا أدْرك الرجل الْقَوْم رُكُوعًا فَإِنَّهُ تُجزئه تَكْبِيرَة وَاحِدَة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الْأَعْلَى وَقَالَ أذهب إِلَى حَدِيث ابْن عمر وَزيد بن ثَابت انْتهى كَلَامه
وَقد روى غير وَاحِد فعلهمَا وَاحْتج بِهِ الإِمَام أَحْمد فِي غير مَوضِع وَقَالَ ابْن مَنْصُور قلت للامام أَحْمد قَالَ سُفْيَان تُجزئه تَكْبِيرَة إِذا نوى بهَا افْتِتَاح الصَّلَاة قَالَ الإِمَام أَحْمد إِي وَالله إِذا نوى ابْن عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا ذَلِك وَلِأَنَّهُ يخَاف من اشْتِغَاله بتكبيرة الرُّكُوع فِي محلهَا وَهُوَ الْخَفْض فَوَات الرَّكْعَة
فَكَانَ عذرا فِي سُقُوطهَا وَلِأَن التَّكْبِيرَة شرعت للفصل فِي محَال مُخْتَلفَة فَلَمَّا تعاقب هَهُنَا المحلان من غير فصل حصل الْمَقْصُود بأعلاهما كَمَا لَو طَاف للزيارة عِنْد خُرُوجه فَإِنَّهُ يُجزئهُ عَنهُ وَعَن طواف الْوَدَاع وَلَو قَامَ الإِمَام عَن التَّشَهُّد الأول فَذكر بعد شُرُوعه فِي الْقِرَاءَة أَو قبلهَا وَقُلْنَا لَا يرجع وَالْمَأْمُوم جَالس قَامَ وَتَبعهُ فِي صَحِيح الْمَذْهَب
قَوْله وَمن تكلم فِي صلَاته عمدا أَو سَهوا بطلت وَعنهُ لَا تبطل إِلَّا بالعمد
ظَاهر هَذَا أَنه إِذا تكلم جَاهِلا بطلت وَإِن قُلْنَا لَا تبطل صَلَاة الْمُتَكَلّم سَاهِيا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْجَاهِل هُنَا إِمَّا كالناسي أَو لَا تبطل صلَاته وَإِن بطلت صَلَاة الساهي كَمَا اخْتَارَهُ القَاضِي وَالشَّيْخ مجد الدّين وَكَذَا حكم كل كَلَام من تكلم بإيماء أَو غَلَبَة سعال أَو عطاس وَنَحْوه فَبَان حرفان أَو سبق على لِسَانه كلمة لَا من الْقُرْآن أَو نَحْو ذَلِك وَهَذَا بِخِلَاف كَلَام الْمُكْره على الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَإِن الْأَصْحَاب اخْتلفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ حكمه حكم كَلَام النَّاسِي وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي التَّلْخِيص وَغَيره وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَقَالَ القَاضِي لَا تبطل بِخِلَاف النَّاسِي لِأَن أَقْوَاله ملغاة وَصحح الشَّيْخ موفق الدّين الْإِبْطَال بِهِ وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو عَليّ بن الشهَاب العكبري فِي عُيُون الْمسَائِل كَمَا لَو أكره على زِيَادَة فعل وَالنِّسْيَان يكثر فَهَذِهِ ثَلَاث طرق اخْتَار فِي الْمُحَرر أَحدهَا
قَوْله فِي الْمُحَرر واللحن لَا يبطل الصَّلَاة إِذا لم يحل الْمَعْنى فَإِن أَحَالهُ كَانَ عمده كَالْكَلَامِ وسهوه كالسهو عَن كلمة وجهله كجهلها وَالْعجز عَن إِصْلَاحه كالعجز عَنْهَا
اللّحن الَّذِي لَا يحِيل الْمَعْنى تصح مَعَه الصَّلَاة عندنَا قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِنَّه سمع أَحْمد يَقُول إِذا كَانَ الإِمَام يلحن لحنا كثيرا لَا يُعجبنِي أَن يصلى خَلفه إِلَّا أَن يكون قَلِيلا فَإِن النَّاس لَا يسلمُونَ من اللّحن يُصَلِّي خَلفه إِذا كَانَ لحنة أَو لحنتين وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْل الْحَرْف على وَجه يُؤَدِّي معنى الْكَلِمَة وَقد يكون من الْإِعْرَاب بِدَلِيل سُقُوطه فِي الْوَقْت ثمَّ هَل يجوز تعمد الْإِتْيَان بِهَذَا اللّحن ظَاهر قَول أَصْحَابنَا هَذَا أَنه لَا يحرم تَعَمّده بل يكره لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون أَتَى بِقِرَاءَة مَأْمُور بهَا وَإِن كَانَ صحت صلَاته مَعَ نقص فِيهَا لقَوْله عليه الصلاة والسلام من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات وَمن قَرَأَهُ ولحن فِيهِ فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ حَسَنَة
وَفِي كَلَام الشَّيْخ وَغَيره من الْأَصْحَاب أَنه يلْزمه الْإِتْيَان بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة غير ملحون فِيهَا لحنا يحِيل الْمَعْنى وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يلْزمه الْإِتْيَان بِقِرَاءَة خَالِيَة من لحن لَا يحِيل الْمَعْنى وَصرح ابْن عقيل فِي صفة الصَّلَاة من الْفُصُول على قَوْلنَا تتَعَيَّن الْفَاتِحَة أَنه إِذا لحن مَعَ الْقُدْرَة على أَن لَا يلحن إِن كَانَ لحنا يحِيل الْمَعْنى لم تُجزئه قِرَاءَته وَوَجَب إِعَادَتهَا وَإِن لم تحل الْمَعْنى لم تبطل الْقِرَاءَة وَقَالَ فِي الْفُنُون سُئِلَ حَنْبَل عَن الْقِرَاءَة بتلحين فَقَالَ مَكْرُوه إِن لم أبلغ بِهِ التَّحْرِيم وَذكر معنى مليحا فَقَالَ إِن لِلْقُرْآنِ كِتَابَة وتلاوة ثمَّ إِن هَذَا التلحين والترجيع لَو سطر كَانَ خَارِجا عَن كَون هَذَا الْمَكْتُوب مُصحفا لِأَن الترجيع يُعْطي فِي الهجاء حروفا تخرج عَن خطّ الْمَصَاحِف
وَمَا أفْضى إِلَى ذَلِك كَانَ أَكثر من اللّحن الْخَارِج عَن الْعَرَبيَّة انْتهى كَلَامه
وَمرَاده اللّحن الَّذِي لَا يحِيل الْمَعْنى لِأَن الْمُحِيل الْمَعْنى يحرم بِلَا خلاف فعلى هَذَا الْقِرَاءَة بتلحين لَا يحِيل الْمَعْنى مَكْرُوهَة وَأَحَدهمَا أَشد كَرَاهَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب إِذا لحن لحنا يحِيل الْمَعْنى وَكَانَ قَادِرًا على الصَّوَاب بطلت وَظَاهر هَذَا أَنه لَو لم يحل الْمَعْنى مَعَ قدرته على الصَّوَاب لم تبطل وَاخْتَارَ الشَّيْخ زين الدّين بن منجي أَنه يحرم تعمد الْإِتْيَان بلحن لَا يحِيل الْمَعْنى فَإِن فعل لم تصح صلَاته لاستهزائه وتعديه وَهُوَ قَول حسن وَذكر إِبْنِ عقيل فِي الْإِمَامَة من الْفُصُول أَنه إِن كَانَ اللّحن فِي غير الْفَاتِحَة لم يُؤثر فِي صِحَة إِمَامَته وَإِذا كَانَ عَجزا أَو سَهوا وَتبطل إِذا كَانَ عمدا لِأَنَّهُ يكون مستهزئا بِالْقُرْآنِ وَإِن كَانَ يلحن فِي الْفَاتِحَة فَإِن كَانَ لحنا يحِيل الْمَعْنى لم تصح صَلَاة من لَا يلحن بِمن يلحن وَيصِح الائتمام بِهِ إِذا كَانَ مُسَاوِيا لَهُ وَلم يزدْ على ذَلِك وَعند الشَّافِعِيَّة يحرم فعل ذَلِك فَإِن فعل صحت صلَاته على الصَّحِيح عِنْدهم
واللحن الَّذِي يحِيل الْمَعْنى عمده كَالْكَلَامِ أَي إِن الْمُتَكَلّم بكلمته إِن كَانَ عَامِدًا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا جَاهِلا فَهُوَ على الْخلاف الْمَشْهُور فِيمَن تكلم فِي صلَاته بِكَلِمَة من غَيرهَا سَاهِيا أَو جَاهِلا لِأَنَّهُ بإحالة الْمَعْنى صَار كَغَيْرِهِ من الْكَلَام فَيكون لَهُ حِكْمَة وَالْعجز عَن إِصْلَاحه كالعجز عَن تِلْكَ الْكَلِمَة وَلم يفرق فِي الْمُحَرر بَين الْفَاتِحَة وَغَيرهَا وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَن لَهُ قِرَاءَة مَا عجز عَن إِصْلَاحه فِي فرض الْقِرَاءَة وَعند أبي إِسْحَاق ابْن شاقلا لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَإِن قدر على إِصْلَاحه وَالْوَقْت متسع لم تصح صلَاته وَأما مَا زَاد على فرض الْقِرَاءَة فَتبْطل صلَاته إِن تَعَمّده وَيكفر إِن اعْتقد إِبَاحَته وَإِن كَانَ لجهل أَو نِسْيَان أَو آفَة أَو عجمة لم
تبطل فِي اخْتِيَار ابْن حَامِد وَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَأكْثر الْأَصْحَاب وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وللحنفية قَولَانِ وعَلى هَذَا تكون إِحَالَة الْمَعْنى فِي غير الْفَاتِحَة مَانِعا من صِحَة إِمَامَته إِذا لم يتعمده وَقطع بِهِ فِي الشَّرْح وَالْقَوْل بِالْبُطْلَانِ قَول أبي إِسْحَاق بن شاقلا ككلام النَّاس إِذا أَتَى سَهوا أَو جهلا وَاسْتدلَّ فِي شرح الْهِدَايَة على عدم الْبطلَان قَالَ لِأَن قصارى لحنه أَن يَجْعَل مَا قَرَأَهُ كَالْعدمِ وَذَلِكَ لَا يضر لِأَن مازاد على المجزئ سنة انْتهى كَلَامه وَتَقْدِير هَذَا الْمَوْجُود مَعْدُوما مَمْنُوع وَهِي دَعْوَى مُجَرّدَة
وَهَذِه الْمَسْأَلَة تشبه مَسْأَلَة مَا إِذا سبق لِسَانه بتغيير نظم الْقُرْآن بِمَا هُوَ مِنْهُ على وَجه يحِيل مَعْنَاهُ مثل أَن يقْرَأ إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ إِن الْمُتَّقِينَ فِي ضلال وسعر أَلا إِن حزب الله هم الخاسرون وَنَحْو ذَلِك وَهل تبطل فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تبطل لِأَنَّهُ لم يبْق قُرْآنًا لتغيير نظمه وَمَعْنَاهُ وَالثَّانيَِة لَا تبطل وَلَا يسْجد لسَهْوه لِأَنَّهُ قصد الْمَشْرُوع فِي الصَّلَاة فَلم تبطل بتغيير نظمه سَهوا كالأركان وَلِأَنَّهُ قصد إتْمَام الأول بِمَا يَلِيق بِهِ وَبِنَاء الثَّانِي على مَا يَلِيق بِهِ فَقَدمهَا بترك مَا بَينهمَا فَأشبه مَا إِذا كنى فِيهَا عَن آيَة أَو عَن خبر مُبْتَدأ وَلذَلِك لم يسْجد للسَّهْو لِأَن الْبلوى بِهِ تعم لَا سِيمَا فِي التَّرَاوِيح والأوراد بِخِلَاف كَلَام الْآدَمِيّين وعَلى هَذَا لَا يبْقى قُرْآنًا فِي الاحتساب والاعتداد بِهِ لَا فِي الْإِبْطَال بِهِ وَهَذَا قَول الْحَنَفِيَّة مَعَ قَوْلهم إِن النَّاسِي تبطل صلَاته
وَقطع الشَّيْخ مجد الدّين بِأَنَّهُ لَا يسْجد للسَّهْو وَفِيه نظر لِأَن عمده مُبْطل فَوَجَبَ السُّجُود لسَهْوه كَغَيْرِهِ وَقد قَالَ بَعضهم هُوَ كالناسي وَالنَّاسِي على
قَوْلنَا تصح صلَاته وَيسْجد للسَّهْو
وَقَوله على الرِّوَايَة الأولى تبطل صلَاته يَنْبَغِي أَن يكون على قَوْلنَا تبطل صَلَاة كل مُتَكَلم فَأَما على قَوْلنَا إِن الْمَعْذُور لَا تبطل صلَاته فَهَذَا أَيْضا لَا تبطل صلَاته وَيسْجد للسَّهْو لِأَن غَايَة المأتي بِهِ أَن يكون كلَاما غير سَائِغ على سَبِيل الْعذر
قَوْله فِي الْكَلْب الْأسود البهيم إِنَّه يقطع صلَاته
الْأسود البهيم هُوَ الَّذِي لَا لون فِيهِ سوى السوَاد قطع بِهِ جمَاعَة وَقطع غير وَاحِد بِأَنَّهُ إِذا كَانَ بَين عَيْنَيْهِ نكتتان مخالفتان لَونه فَلَا يخرج بهما عَن كَونه بهيما وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه إِذا كَانَ بَين عَيْنَيْهِ بَيَاض أَن حكمه حكم البهيم فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانيَِة لَا وَإِن كَانَ الْبيَاض مِنْهُ فِي غير هَذَا الْموضع فَلَيْسَ ببهيم رِوَايَة وَاحِدَة
قَوْله وَفِي الْمَرْأَة وَالْحمار رِوَايَتَانِ
قَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل أَهلِي وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَن الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يصدق أَنَّهَا امْرَأَة لَا تبطل الصَّلَاة بمرورها وَهُوَ ظَاهر الْأَخْبَار وعَلى هَذَا يحمل مُرُور زَيْنَب بنت أم سَلمَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِتَقْدِير صِحَّته وَبِتَقْدِير صغرها وَهُوَ الظَّاهِر وَإِلَّا امْتنعت من الْمُرُور لَا سِيمَا مَعَ إِشَارَته وَالْأَصْل الصغر وَلِأَن الأَصْل أَن لَا تبطل الصَّلَاة بمرور شئ خُولِفَ فِيمَا نَص الشَّارِع عَلَيْهِ يبْقى مَا عداهُ على عُمُوم الدَّلِيل واستدلال غير وَاحِد من الْأَصْحَاب بِخَبَر زَيْنَب لرِوَايَة عدم بطلَان الصَّلَاة بمرور الْمَرْأَة يدل على اشتراكهما
فِي هَذَا الحكم كَمَا اشْتَركَا فِي تنقيص الصَّلَاة وَلَا يجيبوا عَنهُ فَصَارَت الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَقد يُقَال هَذِه تشبه خلْوَة الصَّغِيرَة بِالْمَاءِ هَل تلْحق بخلوة الْمَرْأَة على وَجْهَيْن
وَاسم الْحمار إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْمَعْهُود المألوف فِي الِاسْتِعْمَال وَهُوَ الأهلي هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَمن صرح بِهِ من الْأَصْحَاب فَالظَّاهِر أَنه صرح بِمُرَاد غَيره فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ كَمَا يُوهم كَلَامه فِي الرِّعَايَة
قَوْله وَيكرهُ أَن يتخصر أَو يتروح
التخصر وضع يَده على خاصرته وَمرَاده بالتروح التروح على وَجهه بشئ فَإِن كَانَ لحَاجَة كغم شَدِيد لم يكره فَأَما المراوحة بَين رجلَيْهِ فِي الْفَرْض وَالنَّفْل حَال قِيَامه فَقطع جمَاعَة بِأَنَّهُ يسْتَحبّ زَاد بَعضهم إِذا طَال قِيَامه وَلَا يسْتَحبّ الْإِكْثَار مِنْهُ فَأَما التَّطَوُّع فَإِنَّهُ يطول وَذكر فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه يكره كَثْرَة التمايل لِأَن فِيهِ تشبها باليهود
قَوْله وَيكرهُ أَن يُصَلِّي حاقنا أَو تائقا إِلَى طَعَام بِحَضْرَتِهِ
تبع جمَاعَة على هَذِه الْعبارَة وَعبارَة جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب وَتَبعهُ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي الْخُلَاصَة وَيكرهُ أَن يدْخل فِي الصَّلَاة وَهُوَ يدافع الأخبثين أَو حِين تنازعه نَفسه إِلَى طَعَام وَقد صَحَّ عَنهُ عليه الصلاة والسلام إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَحضر الْعشَاء فابدءوا بالعشاء وَصَحَّ عَنهُ أَيْضا إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد
أحدكُم الْخَلَاء فليبدأ بالخلاء وَهَذَا تَقْيِيد يقْضِي على إِطْلَاق قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا هُوَ يدافعه الأخبثان وَلم أجد أحدا صرح بِكَرَاهَة صَلَاة من طَرَأَ لَهُ ذَلِك فِي أَثْنَائِهَا وَلَعَلَّ من أطلق الْعبارَة رأى أَن اسْتِدَامَة الصَّلَاة لَيست صَلَاة لَكِن قد احْتَجُّوا أَو بَعضهم على أَن الطَّائِف يقطع طَوَافه لإِقَامَة الصَّلَاة بقوله صلى الله عليه وسلم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة وَالطّواف صَلَاة فَيدْخل فِي عُمُوم النَّهْي قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مشيش وَسُئِلَ عَن الرجل يتَطَوَّع فِي الْمَسْجِد فتقام الصَّلَاة هَل يدْخل مَعَ الإِمَام فَقَالَ يتم ثمَّ يدْخل مَعَ الإِمَام فَقيل لَهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِك أَن لَا يَبْتَدِئ بِصَلَاة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة انْتهى كَلَامه
فَجعلُوا اسْتِدَامَة الصَّلَاة صَلَاة وَيَنْبَنِي على هَذَا مالو حلف وَعقد الْيَمين وَهُوَ مصل أَن لَا يُصَلِّي وَنسي أَنه فِي صَلَاة وَقُلْنَا لَا تبطل صلَاته فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فاستدام أَو حلف لَا يُصَلِّي فابتدأ الصَّلَاة نَاسِيا وَقُلْنَا لَا يَحْنَث ثمَّ ذكر فِيهَا واستدام وَقد قطع ابْن عقيل بِأَنَّهُ إِذا حلف لاصلى وَلَا صَامَ فاستدام لم يَحْنَث ولأصحابنا وَجْهَان فِي مَسْأَلَة الصَّوْم وَلَعَلَّ مَا أخذهما أَن الصَّوْم هَل يَقع على الاستدامه وَلَعَلَّ مَسْأَلَة الصَّلَاة كَذَلِك لهَذَا سوى ابْن عقيل بَينهمَا
قَوْله وَله رد من مر أَمَامه يَعْنِي بَينه وَبَين سترته وبالقرب مِنْهُ إِذا لم تكن ستْرَة والقرب ثَلَاثَة أَذْرع وَمَا زَاد عَلَيْهَا بعيد نَص عَلَيْهِ
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي لِأَن ذَلِك مُنْتَهى الْمسنون فِي وضع الستْرَة وَعنهُ مَاله الْمَشْي إِلَيْهِ لحَاجَة كَقَتل حَيَّة أَو فتح بَاب وَحَكَاهُ بَعضهم وَجها لِأَنَّهُ صلى عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يدْفع الْمَار أَمَامه مُطلقًا فَخرج مِنْهُ بِالْإِجْمَاع من كَانَ على بعد تبطل صلَاته بمشيه إِلَيْهِ فَيبقى مَا عداهُ على الظَّاهِر وَقيل مُقَيّد بِالْعرْفِ فَإِن كَانَ الْمَكَان ضيقا أَو يتَعَيَّن طَرِيقا أَو يمشي النَّاس فِيهِ وَنَحْو ذَلِك لم يردهُ قطع بِهِ بَعضهم وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِيمَا إِذا لم يجد الْمَار مساغا غَيره قَالَ وَيكون الْمُصَلِّي مسيئا إِن كَانَ تعمد الصَّلَاة فِي مجازات النَّاس وَجعله قِيَاسا على مَا ذكره من نَص أَحْمد فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب يكره أَن يُصَلِّي فِي مَوضِع يكثر الاجتياز فِيهِ فَإِن فعل لم يجز لأحد أَن يمر بَين يَدَيْهِ وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي هَذَا وَفِيه نظر وإطلاقه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه لَا فرق بَين الْمَسْجِد الْحَرَام وَغَيره وَقدمه غير وَاحِد للْعُمُوم وَعنهُ لَا كَرَاهَة وَلَا منع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقطع بِهِ
المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقَالَ نَص عَلَيْهِ لفعله عليه الصلاة والسلام الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ الْمطلب بن أبي ودَاعَة وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَلِأَن الطّواف صَلَاة فَصَارَ هَذَا الْمُصَلِّي كمصل بَين يَدَيْهِ صف يصلونَ وَلِأَن النَّاس يكثرون هُنَاكَ ويضيق الاجتياز فِي جِهَة بِعَينهَا وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين أَن حكم الْحرم حكم الْمَسْجِد الْحَرَام وَلم أجد أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِهِ
وَقد احْتج على أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه بمرور ابْن عَبَّاس رَاكِبًا على حمَار بَين يَدي بعض الصَّفّ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بمنى وَهَذَا الِاحْتِجَاج مِنْهُ على اخْتِيَار الْأَصْحَاب لَا على اخْتِيَاره وَظَاهر كَلَامه فِي جَوَاز رد الْمَار فَقَط لقَوْله وَله رد الْمَار وَكَذَا عبارَة جمَاعَة وَصرح الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره باستحباب الرَّد وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رسَالَته فِي الصَّلَاة رِوَايَة مهنا وَمَا يتهاون النَّاس بِهِ فِي صلَاتهم بتركهم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي وَقد جَاءَ الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ للْمُصَلِّي أدأره فَإِن أَبى فَلَطَمَهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان فَلَو كَانَ للمار بَين يَدي الصَّلَاة رخصَة مَا أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بلطمه وَإِنَّمَا ذَلِك لعظم الْمعْصِيَة من الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي وَالْمَعْصِيَة من الْمُصَلِّي إِذا لم يدرأه وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم سَأَلت أَبَا عبد الله
قلت أيدفع الرجل من يمر بَين يَدَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ شَدِيدا ورأيته دفع غير وَاحِد مروا بَين يَدَيْهِ فَلم يدعهم
وَهَذَا معنى كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي للمصلى ترك الرَّد إِن أمكنه لِأَنَّهُ مَأْمُور بِهِ وَهُوَ يُنْهِي عَن مُنكر وَقد جَاءَ أَن الْمُرُور ينقص الصَّلَاة فروى البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ ممر الرجل يضع نصف الصَّلَاة
قَالَ الإِمَام أَحْمد هُوَ يضع من صلَاته وَلَا يقطعهَا وَقَالَ القَاضِي هَذَا مَحْمُول على من أمكنه الرَّد فَلم يرد فَأَما من غلب عَلَيْهِ فَأَجره تَامّ لَا ينقص أجره بذنب غَيره انْتهى كَلَامه
وَظَاهر مَا قدم فِي الرِّعَايَة أَن الْمُرُور إِذا لم تكن ستْرَة محرم كَمَا سبق قطع بِهِ جمَاعَة وَقَالَ القَاضِي يكره وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَقيل النَّهْي عَن ذَلِك مُخْتَصّ بِمَا بَينه وَبَين سترته وَحكى ابْن حزم الِاتِّفَاق على إثمه فِي هَذِه الصُّورَة
وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر رد الْمَار فِي الْفَرْض وَالنَّفْل آدَمِيًّا كَانَ أَو غَيره وَصرح بِهِ جمَاعَة وَعَن الإِمَام أَحْمد يردهُ فِي الْفَرْض فَقَط
قَوْله وَيجب سُجُود السَّهْو لكل مَا تصح بِهِ الصَّلَاة مَعَ سَهْوه دون عمده
سُجُود السَّهْو نَفسه تصح الصَّلَاة مَعَ سَهْوه على الْمَذْهَب دون عمده
الَّذِي قبله بِالسَّلَامِ على الْمَذْهَب وَالَّذِي بعده أَيْضا على قَول وَلَا يجب لسَهْوه سجودا آخر وَكَذَا أَيْضا لَا يسْجد لسَهْوه فِي سُجُود السَّهْو نَص عَلَيْهِ الامام أَحْمد وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلم أجد فِيهِ خلافًا فِي الْمَذْهَب لِأَنَّهُ مَظَنَّة التسلسل وَلِأَنَّهُ جَابر غَيره وَنَفسه كَمَا تجزي الشَّاة عَن أَرْبَعِينَ هِيَ أَحدهَا وَكَذَا الحكم إِذا سَهَا بعد سَجْدَتي السَّهْو قبل سلامهما فِي السُّجُود بعد السَّلَام لِأَنَّهُ فِي الْجَائِز فَأَما السُّجُود قبل السَّلَام فَلَا يسْجد لَهُ أَيْضا فِي أقوى الْوَجْهَيْنِ لِأَن سُجُود السَّهْو لَو لم يجْبر كل نقص قبل السَّلَام لأجزأ عَنهُ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَلِأَن السَّهْو بذلك فِي غَايَة الندرة فَلم يفرد بِحكم وَلِأَنَّهُ لَو سجد لَهُ لسجد للسَّهْو بعد الجابر وتسلسل
وَوجه الْوَجْه الثَّانِي أَنه نقص لم يقارنه وَلم يسْبقهُ جَابر فَأشبه الْمَسْبُوق إِذا سجد مَعَ إِمَامه ثمَّ سجد فِيمَا يقْضِي وَذكر فِي الرِّعَايَة أَنه إِذا سَهَا بعْدهَا قبل السَّلَام هَل يسْجد لَهُ على وَجْهَيْن وَلم يفرق وَكَذَا الْوَجْهَيْنِ فِيمَن سجد لسَهْوه ثمَّ ذكر أَنه لم يسه وَذكر غير وَاحِد أَن الْكسَائي كَانَ يتقوى بِالْعَرَبِيَّةِ على كل علم فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُف عِنْد ذَلِك بِحَضْرَة الرشيد عَن هَذِه الْمَسْأَلَة هَل يسْجد للسَّهْو فِي سُجُود السَّهْو فَقَالَ لَا يسْجد لِأَن المصغر لَا يصغر
قَوْله فِيمَن نسي ركنا من رَكْعَة فَإِن لم يعلم حَتَّى سلم فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَة فيبني مالم يطلّ الْفَصْل إِلَّا أَنه يسْجد قبل السَّلَام نَقله عَنهُ حَرْب
كَذَا قطع بِهِ هُنَا وَفِي شرح الْهِدَايَة وَلم يحْتَج لَهُ بِشَيْء
وَلَفظ الإِمَام أَحْمد قَالَ حَرْب سمعته يَقُول السَّهْو على خَمْسَة أوجه السَّهْو فِي التَّحَرِّي على حَدِيث ابْن مَسْعُود وَيسْجد بعد السَّلَام وَالتَّشَهُّد وَفِي حَدِيث زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد سجدهما قبل السَّلَام وَلَا يتَشَهَّد
وَفِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة سجدها قبل السَّلَام وَلَا يتَشَهَّد وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن فِي التَّسْلِيم من ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاث سجد بعد التَّسْلِيم ويتشهد فيهمَا وَقَالَ كل سَهْو يدْخل عَلَيْهِ سوى هَذَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ قبل السَّلَام لِأَنَّهُ أصح فِي الْمَعْنى فَإِنَّهُ ترك سَجْدَة أَو فَاتِحَة الْكتاب انْتهى كَلَامه
وَقد ثَبت أَن سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام عُمُوما واقتصرنا على مورد النَّص فِيمَن سلم من ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاث وَظَاهر كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب أَنه يسْجد فِي كل نقص قبل السَّلَام وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَة قولا إِلْحَاقًا لمحل النزاع بِمحل الْوِفَاق كالعلة الجامعة وَهِي النَّقْض فسوينا بَينهمَا فِي عدم الْبطلَان فِي الْمَنْصُوص من الرِّوَايَتَيْنِ لعِلَّة النَّقْض فَإِن اقْتصر على مورد النَّص هُنَا فليقتصر عَلَيْهِ فِي عدم الْبطلَان وَيُقَال فيبطلان صَلَاة من سلم عَن ترك ركن وَقَالَ الإِمَام أَحْمد
فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خمس رَكْعَات فَسجدَ بعد التَّسْلِيم قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا سجدها بعد التَّسْلِيم قَالَ حَرْب فَذهب أَبُو عبد الله إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما إِلَّا بعد مَا تكلم انْتهى كَلَامه
وَظَاهر هَذَا أَنه اعْترض على حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا سجد بعد التَّسْلِيم لِأَنَّهُ لم يذكرهُ وَإِلَّا لسجد قبل السَّلَام فعلى هَذَا كل سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام إِلَّا إِذا سلم عَن نقص وَهَكَذَا قَالَ القَاضِي فِي مَوضِع قَالَ وَظَاهر كَلَامه أَن مَا عدا السَّلَام عَن نقص يسْجد لَهُ قبل السَّلَام وَفِي الْمَسْأَلَة رِوَايَات مَشْهُورَة
قَوْله وَلَا يسْجد الْمُؤْتَم لسَهْوه كَذَا ذكر الْأَصْحَاب وَظَاهره مُطلقًا وَزَاد فِي الرِّعَايَة وَلَو أَتَى بِمَا تَركه بعد سَلام إِمَامه وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كَانَ الإِمَام يُصَلِّي بمأموم وَاحِد لَا غير فَشك الْمَأْمُوم فَلم أجد فِيهَا نصا عَن أَصْحَابنَا وَقِيَاس الْمَذْهَب لَا يُقَلّد إِمَامه لِأَن قَول الْوَاحِد لَا يَكْفِي فِي مثل ذَلِك بِدَلِيل مَا لَو كَانَ الإِمَام هُوَ الشاك فسبح بِهِ الْمَأْمُوم الْوَاحِد فَإِذا ثَبت أَنه لَا يُقَلّد إِمَامه فَإِنَّهُ يَبْنِي على الْيَقِين كالمنفرد لَكِن لَا يُفَارِقهُ قبل سَلَامه
لِأَنَّهُ لم يتقين خطأه فَلَا يتْرك مُتَابَعَته بِالشَّكِّ فَإِذا سلم أَتَى بالركعة الْمَشْكُوك فِيهَا وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ أدّى آخر رَكْعَة من صلَاته على الشَّك مُنْفَردا وَسجد لسهو إِمَامه إِن سجد فَإِن نسي إِمَامه أَن يسْجد لم يسْجد وَعنهُ يسْجد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا إِذا لم يسه الْمَأْمُوم فَإِن سَهوا مَعًا وَلم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم رِوَايَة وَاحِدَة لِئَلَّا تَخْلُو الصَّلَاة عَن جَابر فِي حَقه مَعَ نَقصهَا مِنْهُ حسيا وَأطلق صَاحب الْمُحَرر الْعبارَة وَمرَاده غير الْمَسْبُوق فَأَما الْمَسْبُوق إِذا سَهَا إِمَامه فِيمَا أدْركهُ الْمَسْبُوق مَعَه كَذَا قَيده ابْن عقيل وَلَا عمل عَلَيْهِ فَيلْزمهُ السُّجُود بعد فعل مَا فَاتَهُ رِوَايَة وَاحِدَة وَذكره غير وَاحِد إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لم يُوجد جَابر من إِمَامه وَسُجُوده لَا يخل بمتابعة إِمَامه وَفِي مَعْنَاهُ إِذا انْفَرد لعذر فَإِنَّهُ يسْجد وَإِن لم يسْجد إِمَامه مَعَه قطع بِهِ غير وَاحِد مِنْهُم صَاحب الرِّعَايَة وَإِن سجد إِمَام الْمَسْبُوق فَهَل يلْحقهُ حكم سَهْو إِمَامه فَيسْجد مَعَه كَمَا هُوَ الْمَذْهَب أَو لَا يلْحقهُ فَيسْجد إِذا قضى فِيهِ رِوَايَتَانِ فعلى الْمَذْهَب هَل يُعِيد السُّجُود إِذا قضى فِيهِ رِوَايَتَانِ أصَحهمَا لَا يُعِيد وَإِن أدْرك الْمَأْمُوم الإِمَام بعد سُجُود السَّهْو وَقبل
السَّلَام لم يسْجد قطع ابْن الْجَوْزِيّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص إِذا تمت صَلَاة الْمَأْمُوم قبل الإِمَام وَكَانَ الإِمَام سَهَا فَهَل يسْجد الْمَأْمُوم يتَخَرَّج على رِوَايَتَيْنِ قَالَ وأصلهما هَل سُجُود الْمَأْمُوم تبعا أَو لسهو الإِمَام فِيهِ رِوَايَتَانِ
قَوْله وَيجوز التَّطَوُّع جَالِسا
وَظَاهره أَنه لَا يجوز مُضْطَجعا قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ ظَاهر قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة لعُمُوم الْأَدِلَّة على افتراض الرُّكُوع وَالسُّجُود والاعتدال عَنْهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَاز وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ مَذْهَب حسن لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَمن صلى نَائِما فَلهُ مثل نصف أجر الْقَاعِد وَلَا يَصح حمله على الْمَرِيض وَغَيره مِمَّن لَهُ عذر لِأَن أجره مثل أجر الصَّحِيح الْمُصَلِّي قَائِما انْتهى كَلَامه
وَالْخَبَر الْمَذْكُور رَوَاهُ البُخَارِيّ والخمسة وَقَالَ غير وَاحِد فِي صِحَة التَّطَوُّع
مُضْطَجعا وَجْهَان فَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل لَهُ الْإِيمَاء فِيهِ وَجْهَان وَقَالَ إِسْحَق ابْن إِبْرَاهِيم فِي مسَائِله وَسُئِلَ يَعْنِي الإِمَام أَحْمد عَن رجل يُصَلِّي مُحْتَبِيًا أَو مُتكئا تَطَوّعا قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَمعنى هَذَا الحَدِيث يَعْنِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ حَدِيث عمرَان عِنْد بعض أهل الْعلم فِي صَلَاة التَّطَوُّع حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن قَالَ إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما وجالسا ومضطجعا
وَقَالَ الْخطابِيّ لَا أحفظ عَن أحد من أهل الْعلم أَنه رخص فِي صَلَاة التَّطَوُّع نَائِما كَمَا رخصوا فِيهَا قَاعِدا فَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة فَإِن التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر على الْقعُود جَائِز كَمَا يجوز للْمُسَافِر أَن يتَطَوَّع على رَاحِلَته
وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَالأَصَح عندنَا جَوَاز النَّفْل مُضْطَجعا للقادر على الْقيام وَالْقعُود للْحَدِيث الصَّحِيح وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية التَّطَوُّع مُضْطَجعا لغير عذر لم يجوزه إِلَّا طَائِفَة قَليلَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد وَهُوَ قَول شَاذ لَا أعرف لَهُ أصلا فِي السّلف وَلم يبلغنَا عَن أحد مِنْهُم أَنه صلى مُضْطَجعا بِلَا عذر وَلَو كَانَ هَذَا مَشْرُوعا لفعلوه كَمَا كَانُوا يتطوعون قعُودا والْحَدِيث الَّذِي ذَكرُوهُ بَين فِيهِ أَن المضطجع لَهُ نصف أجر الْقَاعِد وَهَذَا حق وَذَلِكَ لَا يمْنَع أَن يكون مَعْذُورًا فَإِن الْمَعْذُور لَيْسَ لَهُ بِالْعَمَلِ إِلَّا على مَا عمله فَلهُ بِهِ نصف الْأجر وَأما مَا يَكْتُبهُ الله تَعَالَى لَهُ من غير عمل ليثيبه إِيَّاه فَذَلِك شَيْء آخر كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم كتب لَهُ من الْعَمَل مَا كَانَ يعْمل وَهُوَ صَحِيح مُقيم فَلَو لم يصل النَّافِلَة الَّتِي كَانَ يُصليهَا لكتبت لَهُ وَلَا يُقَال إِنَّه صلى
قَوْله وَالسّنة أَن يتربع نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَقطع بِهِ جماعات
وَقَالَ فِي رِوَايَة إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة جَالِسا قَالَ متربعا أحب إِلَيّ وَمَا خف عَلَيْهِ فعله قَالَ وَرَأَيْت أَيْضا إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي قَاعِدا يجلس ينصب الْيُمْنَى ويفترش الْيُسْرَى وَيكبر كَمَا هُوَ قَاعد أَو يسْجد كَمَا هُوَ وَذكر فِي الْوَسِيلَة رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد أَنه يتربع إِلَّا أَن يكثر رُكُوعه وَسُجُوده فَلَا يتربع فَهَذِهِ أَربع رِوَايَات
قَوْله وَيرْفَع يَدَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَقَالَ ابْن عقيل وَقَالَ شَيخنَا نَخْتَار رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الانحطاط عَن هَذَا الدُّعَاء وَعلل بِأَنَّهُ حكم يطول فَهُوَ كالقراءة انْتهى كَلَامه
فعلى الأولى يرفعهما إِلَى صَدره لِأَن ابْن مَسْعُود فعله ذكره فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص فِي بَاب صفة الصَّلَاة هَل يرفعهما كرفع الرُّكُوع أَو ليمسح بهما وَجهه على رِوَايَتَيْنِ
قَوْله اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت الخ
ظَاهره أَن كل مصل يَقُول هَكَذَا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الإِمَام إِذا قنت أَتَى بنُون الْجمع فَيَقُول اللَّهُمَّ اهدنا الخ لِئَلَّا يخص نَفسه دونهم ومجموع هَذَا الدُّعَاء ذكر الْأَصْحَاب أَنه يَقُوله كَمَا ذكر المُصَنّف وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْفُصُول وَالْمُسْتَحب عندنَا مَا رَوَاهُ الْحسن بن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اهدني الحَدِيث مَشْهُور قَالَ فَإِن ضم إِلَيْهِ مَا روى عَن عمر رضي الله عنه اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك الخ فَلَا بَأْس
قَوْله وَالْمَأْمُوم يُؤمن وَعنهُ يَدْعُو زَاد بَعضهم فِي حِكَايَة هَذِه الرِّوَايَة يجْهر بِهِ وَعنهُ يُتَابِعه فِي الثَّنَاء ويؤمن على الدُّعَاء وَعنهُ يُخَيّر فِي الدُّعَاء بَين الْمُوَافقَة والتأمين وَمن الْأَصْحَاب من حكى رِوَايَة التَّخْيِير مُطلقًا
وَظَاهر كَلَام صَاحب الْمُحَرر أَن الْخلاف سَوَاء جهر الإِمَام أم لَا وَكَذَا ظَاهر كَلَام غَيره وَقطع بعض الْأَصْحَاب أَن الْخلاف إِن كَانَ يسمع دُعَاء الإِمَام وَأَنه إِن لم يسمع دُعَاء نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد
ثمَّ الْخلاف قيل هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّة وَقيل بل فِي الْكَرَاهَة
قَوْله وَمن ائتم بِمن يقنت فِي الْفجْر تَابعه فأمن أَو دَعَا
مُرَاده أَن حكمه حكم الْمَأْمُوم فِي الْوتر على الْخلاف السَّابِق وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يُتَابِعه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَهِي الصَّحِيحَة عِنْدِي لقَوْل ابْن عمر أَرَأَيْتكُم قيامكم بعد فرَاغ الإِمَام من الْقِرَاءَة هَذَا الْقُنُوت إِنَّه وَالله لبدعة مَا فعله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا شهرا ثمَّ تَركه رَوَاهُ أَبُو حَفْص العكبري بِإِسْنَادِهِ
قَوْله وَسنة التَّرَاوِيح عشرُون رَكْعَة
مُرَاده وَالله أعلم أَن هَذَا هُوَ الْأَفْضَل لَا أَن غَيره من الْأَعْدَاد مَكْرُوه وعَلى هَذَا كَلَام الإِمَام أَحْمد فانه قَالَ لَا بَأْس بِالزِّيَادَةِ على عشْرين رَكْعَة
وَكَذَا ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه لَا يكره شَيْء من ذَلِك وَأَنه قد نَص على ذَلِك غير وَاحِد من الْأَئِمَّة كأحمد وَغَيره قَالَ وَالْأَفْضَل يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال الْمُصَلِّين فَإِن كَانَ فيهم احْتِمَال لطول الْقيام وَالْقِيَام بِعشر رَكْعَات وَثَلَاث بعْدهَا هُوَ الْأَفْضَل وَإِن كَانُوا لَا يحْتَملُونَ فالقيام بِعشْرين هُوَ الْأَفْضَل وَقد روى الإِمَام أَحْمد مَا يدل على التَّخْيِير فِي الْأَعْدَاد المروية وَقد يدل لما اخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِنَّهُ قَالَ روى فِي هَذَا ألوان وَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء وَقَالَ عبد الله رَأَيْت أبي يُصَلِّي فِي رَمَضَان مَالا أحصي
قَوْله وَيسن لَهَا وللوتر بعْدهَا الْجَمَاعَة
وَظَاهره اسْتِحْبَاب الْجَمَاعَة خَاصَّة وَكَذَا كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب إِلَّا أَن كَلَام جمَاعَة مِنْهُم فِي أَدِلَّة الْمَسْأَلَة يدل على اسْتِحْبَاب الْمَسْجِد أَيْضا وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب فَقَالَ وَمن السّنة المأثورة فعلهَا جمَاعَة فِي الْمَسَاجِد وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين تنَازع الْعلمَاء فِي قيام رَمَضَان هَل فعله فِي الْمَسْجِد جمَاعَة أفضل أم فعله فِي الْبَيْت أفضل على قَوْلَيْنِ مشهورين هما قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَأحمد ثمَّ بحث الْمَسْأَلَة
قَوْله وَتجب الْجَمَاعَة على الرِّجَال للمكتوبة
ظَاهره الْقطع بِوُجُوبِهَا على العَبْد وَفِيه نظر بل يُقَال لَا تجب عَلَيْهِ وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ الْجُمُعَة لتكررها بِخِلَافِهَا أَو يكون فِيهَا رِوَايَتَانِ كَالْجُمُعَةِ كَمَا حكاهطائفة كَابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا على العَبْد إِذا لم نوجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَأولى من قبل أَنَّهَا تَتَكَرَّر فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
وَظَاهر قَوْله للمكتوبة وُجُوبهَا للفائتة وَإِن لم تجب للمنظورة وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَلَيْسَ بِبَعِيد وَلم أَجِدهُ صَرِيحًا فِي كَلَام الْأَصْحَاب بل ذكر غير وَاحِد فِي وُجُوبهَا لَهما وَجْهَيْن وَلَعَلَّ هَذَا أوجه على الْمَذْهَب كَمَا سوينا بَينهمَا فِي فعلهَا وَقت نهي فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَقد قطع بِهِ فِي الْمُحَرر لوجوبهما جَمِيعًا وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْفرق وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة لتأكد الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع وَقطع غير وَاحِد مِنْهُم الشَّيْخ مجد الدّين بِعَدَمِ وُجُوبهَا لَهما
فعلى هَذَا ظَاهر كَلَامه وُجُوبهَا حضرا وسفرا وَقد صرح بِهِ غَيره وَظَاهر كَلَامه وُجُوبهَا فِي حَالَة شدَّة الْخَوْف وَيُؤَيِّدهُ أَن المُصَنّف احْتج فِي هَذِه الصُّورَة بعمومات النُّصُوص فِي صَلَاة الْجَمَاعَة
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فِي بَاب جمل من الْفَرَائِض وَصَلَاة الْخَوْف وَاجِبَة أَمر الله بهَا وَهُوَ فعل يستدركون بِهِ فضل الْجَمَاعَة
قَوْله وفعلها فِي الْمَسْجِد فرض كِفَايَة وَعنهُ فرض عين
لم أجد أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِفَرْض الْكِفَايَة قبل الشَّيْخ مجد الدّين وَكَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة يدل على أَنه هُوَ لم يجد احدا مِنْهُم قَالَ بِهِ وَزَاد غير وَاحِد على أَنَّهَا فرض عين على الْقَرِيب مِنْهُ وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة وَدَلِيل هَذَا وَاضح وَذكر الشَّيْخ مجد الدّين أَنه إِذا صلى فِي بَيته صحت فِي ظَاهر الْمَذْهَب قَالَ وَيتَخَرَّج أَن لَا تصح بِنَاء على أَن الْجَمَاعَة شَرط لِأَنَّهُ ارْتكب النَّهْي قَالَ وَالْأولَى اخْتِيَار الْأَصْحَاب يَعْنِي أَن لَهُ فعلهَا فِي بَيته فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي عِنْدِي بعيدَة جدا إِن حملت على ظَاهرهَا
ثمَّ شرع يسْتَدلّ لاختياره أَنَّهَا فرض كِفَايَة بِأَنَّهَا من أكبر شَعَائِر الدّين وَقَول ابْن مَسْعُود لَو صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ
وَيَنْبَغِي أَن يعرف أَن اشْتِرَاط الْجَمَاعَة رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد حَكَاهُ ابْن الزَّاغُونِيّ قَالَ بِنَاء على أَن الْوَاجِب هُوَ الْفَرْض وتغليبها على الْجُمُعَة
وَحَاصِل هَذَا أَن ابْن الزَّاغُونِيّ خرج رِوَايَة بالاشتراط من مَسْأَلَة الْفَرْض وَالْوَاجِب وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ كَيفَ يخرج من قَاعِدَة عَامَّة شَيْء بِخِلَاف نَص
الإِمَام وَلِهَذَا لم أجد أحدا ساعد على هَذَا التَّخْرِيج وَوَافَقَ عَلَيْهِ وَقد قَالَ الشريف أَبُو جَعْفَر وَغَيره من الْأَصْحَاب لَا نَص عَن صاحبنا فِي كَونهَا شرطا
وَقَالَ ابْن عقيل وَعِنْدِي أَنه إِذا تعمد تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة لم تصح بِنَاء على أصلنَا الْمَعْمُول عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْغَصْب وَهُوَ نهي لَا يخْتَص الصَّلَاة فَكيف هَهُنَا وَهُوَ نهي يخْتَص الصَّلَاة وَترك مَأْمُور يخْتَص الصَّلَاة
وَقَالَ أَيْضا فِي الْفُصُول وَهل تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا اخْتلف أَصْحَابنَا على وَجْهَيْن أصَحهمَا عِنْدِي تبطل لِأَنَّهُ وَاجِب فبطلت الصَّلَاة بِتَرْكِهِ عمدا كَسَائِر وَاجِبَات الصَّلَاة ثمَّ ذكر معنى كَلَامه الْمُتَقَدّم وَقد قَالَ صَالح فِي مسَائِله قَالَ أبي الصَّلَاة جمَاعَة أخْشَى أَن تكون فَرِيضَة وَلَو ذهب النَّاس يَجْلِسُونَ عَنْهَا لتعطلت الْمَسَاجِد رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الِاشْتِرَاط وَاحْتج الْأَصْحَاب بتفضيل الشَّارِع عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة الْمُنْفَرد وَلَا يَصح حمل ذَلِك على الْمَعْذُور لِأَنَّهُ يكْتب لَهُ أجر مَا كَانَ يَفْعَله لَوْلَا الْعذر كَمَا دلّت عَلَيْهِ نُصُوص صَحِيحَة وَلِأَنَّهَا لَا يشْتَرط لَهَا بَقَاء الْوَقْت فَكَذَا الْجَمَاعَة كالفائتة بعكس الْجُمُعَة وَوُجُوب الْجَمَاعَة لَهَا لَا يُوجب أَن لَا تصح عِنْد عدمهَا كواجبات الْحَج وكترك وَقتهَا عمدا فَإِنَّهَا تصح بعده وَإِن كَانَت قَضَاء
وَأجَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن قَوْلهم لَا يَصح حمله على الْمَعْذُور بِأَن الْمَعْذُور يَنْقَسِم على قسمَيْنِ مَعْذُور من عَادَته فِي حَال صِحَّته الصَّلَاة جمَاعَة ومعذور عَكسه فَالْأول هُوَ الَّذِي لَا ينقص أجره عَن حَال صِحَّته وَهُوَ مُرَاد الشَّارِع
وَلِهَذَا قَالَ إِلَّا كتب لَهُ مَا كَانَ يعْمل مُقيما صَحِيحا وَهَذَا من التَّفْضِيل وَالْخَيْر لِأَنَّهُ لما كمل الْخدمَة فِي حَال الصِّحَّة ناسب أَن يكمل لَهُ الْأجر فِي حَال الْعَجز
وَهَذَا بِخِلَاف الْقسم الثَّانِي من الْمَعْذُور وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّارِع بالتفضيل
وَأما قياسها على الْفَائِتَة فَإِن لم نقل بِوُجُوب الْجَمَاعَة لَهَا فَلَا إِشْكَال كالنافلة وَإِن قُلْنَا بِهِ فَلَا أَظن الْمُخَالف يُسَلِّمهَا وَلِهَذَا لم أجد أحدا قَاس عَلَيْهَا إِلَّا من قطع بِعَدَمِ وجوب الْجَمَاعَة لَهَا أَو رَجحه وَهَذَا القائس أوهم بالفائتة وَإِلَّا لَو قَاس على النَّافِلَة كَانَ أوضح للحق وَلِهَذَا لما احْتج ابْن عقيل على عدم الِاشْتِرَاط قَالَ لِأَنَّهَا صَلَاة لم يشْتَرط لَهَا الْوَقْت فَلم يشْتَرط لَهَا الْعدَد كالنوافل وَعَكسه الْجُمُعَة وَلما كَانَ دَلِيل الِاشْتِرَاط عِنْد ابْن عقيل قَائِما وَفَسَاد هَذَا الْقيَاس وَاضحا اسْتغنى عَن إفساده وَأما اعْتِبَار وَاجِبَات الصَّلَاة فِيهَا بواجبات الْحَج ففساده أوضح لِأَنَّهُ لَا صِحَة للصَّلَاة مَعَ ترك الْوَاجِب فِيهَا عمدا من غير نزاع لنا غير مَحل النزاع وَعَكسه وَاجِبَات الْحَج لقِيَام الدَّلِيل على جبرانها وَأما إيقاعها بعد وَقتهَا عمدا فَلم يخل بترك وَاجِب فِيهَا إِنَّمَا أوقع الْعِبَادَة بعد فعل محرم خَارج عَنْهَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ من الْمُحرمَات بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا على أَنه لَو ترك الْجَمَاعَة مَعَ الْقُدْرَة ثمَّ عجز عَن إيقاعها جمَاعَة صحت مِنْهُ مُنْفَردا وَإِن كَانَ قد فعل محرما
وَقد اعْترف الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن هَذِه الأقيسة لِلْقَوْلِ بِعَدَمِهِ لَيست مَانِعَة من عمل الدَّلِيل الْمُقْتَضِي للقائل بِهِ أَن يعْمل عمله لِضعْفِهَا قَالَ وَكَونهَا شرطا أَقيس وَعَدَمه أشبه بِدلَالَة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَقد تقدم ذَلِك قَالَ وَهُوَ مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَهَذَا صَحِيح وَالله أعلم
وَقد يُجَاب عَمَّا تقدم من جَوَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِأَن فِيمَا ذكره قصر اللَّفْظ الْعَام على صُورَة قَليلَة نادرة فِي حَال زمن الْمُتَكَلّم لِأَن الْمَعْذُور الْمُنْفَرد الَّذِي
لَيْسَ من عَادَته فِي حَال صِحَّته إِيقَاع الصَّلَاة جمَاعَة قَلِيل ونادر فِي ذَلِك الزَّمَان بِلَا إِشْكَال وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود رضي الله عنه لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق قد علم نفَاقه أَو مَرِيض وَإِن كَانَ الْمَرِيض ليهادى بَين الرجلَيْن حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ فَهَذَا هُوَ الْمَعْهُود الْمَعْرُوف بَينهم فِي ذَلِك الزَّمَان بل كَلَام ابْن مَسْعُود يدل على أَنه لم يكن يتَخَلَّف عَنْهَا صَحِيح لَكِن مَعْذُور أَو مُنَافِق وَهَذَا إِن كَانَ وَاقعا فِي ذَلِك الزَّمَان فَلَا ريب فِي قلته وندرته وَلَا يخفى بعد قصر الْعَام على الْأُمُور النادرة والوقائع الْبَعِيدَة وَقد صرح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره بِعَدَمِ جَوَازه وَقد كتبت كَلَامه فِي شَهَادَة الشُّرُوطِي وَغَيره وَلَا يمْتَنع مُسَاوَاة هَذَا الْمَعْذُور بعادم الْعذر فِي أَن صلاتهما مفضولة للصَّلَاة جمَاعَة بِقدر معِين وَاخْتلف فِي سُقُوط الْإِثْم بالعذر
قَوْله وَمن أم فِي مَسْجِد قبل إِمَامه لم يجز
كَذَا عبر جمَاعَة وَبَعْضهمْ أطلق النَّهْي فعلى الأولى لَو صلى يَنْبَغِي أَن لَا تصح وَقَالَ فِي الرِّعَايَة فَإِن اتَّسع الْوَقْت وَصلى بِلَا إِذْنه وَلَا عذر لَهُ فِي تَأْخِيره صحت مَعَ الْكَرَاهَة وَيحْتَمل الْبطلَان بِالنَّهْي وَعبارَته كعبارة من أطلق النَّهْي فَقَالَ وَلَا يؤم فَإِن كَانَ أَرَادَ بِالنَّهْي الْكَرَاهَة أَو التَّحْرِيم فَيَنْبَغِي أَن يفرع عَلَيْهِ وَأما هَذِه الْعبارَة فَفِيهَا نظر على كل حَال فَلَا بطلَان مَعَ الْكَرَاهَة وَكَانَ فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَان حرج عَلَيْهِمَا الصِّحَّة وَعدمهَا
وَقَوله أَو يخْشَى فَوَات الْوَقْت
يَعْنِي الْوَقْت الشَّرْعِيّ الَّذِي يحرم التَّأْخِير عَنهُ
قَوْله وَمن أدْرك الإِمَام رَاكِعا كبر للْإِحْرَام وَسَقَطت تَكْبِيرَة الرُّكُوع نَص عَلَيْهِ
قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة لِأَن حَال الرُّكُوع يضيق عَن الْجمع بَين تكبيرتين فِي الْغَالِب فَإِن وجد أماما يُطِيل الرُّكُوع لم يجب اعْتِبَاره وَحمل الْأَمر على الْغَالِب وَأَنه مَتى تشاغل بتكبيرتين رفع الإِمَام فَسَقَطت الثَّانِيَة كَمَا قَالَ من أوجب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فِي الْجَهْر والإخفات أَنَّهَا تسْقط إِذا أدْركهُ رَاكِعا لِأَن تِلْكَ حَالَة تضيق عَن الْقِرَاءَة فَلَو وجد إِمَامًا يُطِيل الرُّكُوع حَتَّى تمكنه الْقِرَاءَة لم يجب اعْتِبَاره وَسَقَطت وَكَذَلِكَ من قَالَ يقْرَأ فِي سكتاته قَالَ لما كَانَت السكتات لَا تتسع للْقِرَاءَة لم يُوجِبهَا فِيهَا كَذَلِك هُنَا انْتهى كَلَامه