الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَاهر كَلَام من أوجب الْقِرَاءَة أَنه يقْرَأ مالم يخْش رفع الإِمَام وَقد تقدم فِي قَوْله فَهَذِهِ وَاجِبَات أَنه إِذا ترك تَكْبِيرَة الرُّكُوع عمدا وَجها وَبَعْضهمْ حَكَاهُ رِوَايَة أَن صلَاته لَا تصح وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو خَافَ إِن تشاغل بهَا فَاتَهُ الرُّكُوع فَإِنَّهَا تسْقط للْعُذْر وَقد تقدم هَذَا فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة
قَوْله وَإِذا بطلت صَلَاة الْمَأْمُومين جَمِيعًا أتمهَا الإِمَام مُنْفَردا
وَكَذَا قطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَجعله أصلا لِلْقَوْلِ بِأَن من نوى الْإِمَامَة فَلم يَأْته مَأْمُوم أَو انْصَرف عَنهُ الْمَأْمُوم الْحَاضِر من غير إِحْرَام فَإِنَّهُ يُتمهَا مُنْفَردا وَسَيَأْتِي فِي تَوْجِيه رِوَايَة الْبطلَان فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا إِشَارَة إِلَى وَجه التَّفْرِقَة بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ
قَالَ أَبُو الْخطاب قد بَينا أَن صَلَاة الإِمَام غير مُتَعَلقَة بِصَلَاة الْمَأْمُوم وَلَا تَابِعَة لَهَا وَصَلَاة الْمَأْمُوم تَابِعَة لَهَا صِحَة وَفَسَادًا وَاسْتدلَّ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَأَن صلَاته لَا تبطل خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك كقولهما فِي الْمَأْمُوم بِأَنَّهُ صَار مُنْفَردا لعذر فَأشبه الْمَسْبُوق المتخلف إِذا أكمل من خَلفه صلَاتهم يَعْنِي فَإِنَّهُم يفارقونه ويسلمون منفردين لم يزدْ على ذَلِك
وَهَذَا فِيهِ نظر وَدَعوى أَنه صَار مُنْفَردا مَمْنُوعَة بل بطلت صلَاته بِبُطْلَان صَلَاة مأمومه وصيرورته مُنْفَردا
فرع
بَقَاء صِحَة صلَاته وَهِي مَحل النزاع واستخلاف الْمَسْبُوق فِيهِ منع وَإِن
سلم فسلامهم منفردين إِذا أَتموا صلَاتهم مَمْنُوع وَإِن سلم فَهِيَ مُفَارقَة الْمَأْمُوم إِمَامه لعذر فنظيره أَن يَنْوِي الإِمَام مُفَارقَة مأمومه لعذر كَمَا لَو حدث خوف فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَنحن نقُول بِهِ وَكَذَا لَو انْفَرد الْمَأْمُوم لعذر فَإِن الإِمَام يُتمهَا مُنْفَردا وَذكر بَعضهم تخريجا بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام بِبُطْلَان صَلَاة الْمَأْمُوم لِأَن كِلَاهُمَا شَرط فِي انْعِقَاد الْجَمَاعَة فَإِذا بطلت صَلَاة أَحدهمَا بطلت صَلَاة الآخر أَو أتمهَا مُنْفَردا تَسْوِيَة بَينهمَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي قطع بِهِ فِي الْمُغنِي قَالَ قِيَاس الْمَذْهَب أَن حكمه حكم الإِمَام مَعَه على مَا فصلناه لِأَن ارتباط صَلَاة الإِمَام بالمأموم كارتباط صَلَاة الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ فَمَا فسد ثمَّ فسد هَهُنَا وَمَا صَحَّ ثمَّ صَحَّ هَهُنَا
وَقَالَ المُصَنّف فِي تَوْجِيه رِوَايَة عدم بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام وَلِأَن الْجَمَاعَة تفْتَقر إِلَى إِمَام ومأموم ثمَّ لَو بطلت صَلَاة كل الْمَأْمُومين لم تبطل صَلَاة الإِمَام كَذَلِك بِالْعَكْسِ
وَهَذَا اعْتِرَاف بالمساواة وَهِي مَانِعَة من التَّفْرِقَة بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الحكم وَقد جعل ابْن عبد الْقوي بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام وَهَذَا الْجعل وَالِاعْتِرَاف الَّذِي قبله غير خَافَ حكمه
قَوْله وَإِن بطلت صَلَاة الإِمَام لعذر أَو غَيره بطلت صلَاتهم
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة حَكَاهُمَا جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَوجه الْبطلَان وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة مَا يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِذا فَسدتْ صَلَاة الإِمَام فَسدتْ صَلَاة من خَلفه قَالَ المُصَنّف إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لم أَقف عَلَيْهِ رَوَاهُ القَاضِي أَبُو يعلى وَلِأَن حدث الإِمَام معنى يمْنَع انْعِقَاد صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا تقدمها فأبطلها إِذا طَرَأَ عَلَيْهَا كحدث الْمَأْمُوم وَهَذَا لِأَن صَلَاة الْمَأْمُوم مندرجة فِي ضمن صَلَاة الإِمَام وتابعة لَهَا حَتَّى نقصت بنقصانها بِدَلِيل حَالَة السَّهْو
فَكَذَلِك تبطل ببطلانها تركنَا هَذَا الْقيَاس إِذا كَانَ الإِمَام مُحدثا فَلم يعلمَانِهِ حَتَّى فرغا للأثر على أَن فِيهِ رِوَايَة بِالْبُطْلَانِ أَيْضا اخْتَارَهَا أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار وَهَكَذَا نقُول على الْمَذْهَب فِيمَن سبقه الْحَدث فَلم يعلم بِهِ وَلَا الْمَأْمُوم حَتَّى فرغا لَا يُعِيد الْمَأْمُوم وَأولى لِأَن الطارىء لم يمْنَع الِانْعِقَاد بِخِلَاف الْمُقَارن
وَوجه عدم الْبطلَان وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي عدم اسْتِخْلَاف مُعَاوِيَة لما طعن وَصلى كل إِنْسَان لنَفسِهِ رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مسَائِل صَالح عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ واستخلاف عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما طعن رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَالَ القَاضِي إِن بطلت صلَاته بترك فرض كالقراءة بطلت صلَاتهم رِوَايَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ بِفعل مَنْهِيّ عَنهُ كَالْكَلَامِ وَالْحَدَث وَالْعَمَل الْكثير فعلى رِوَايَتَيْنِ وَهَكَذَا ذكر الشَّيْخ فَخر الدّين فِي التَّلْخِيص وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين أَنه إِذا اخْتَلَّ من الإِمَام غير الْحَدث من الشُّرُوط كستر الْعَوْرَة واستقبال الْقبْلَة لم يعف عَنهُ فِي حق الْمَأْمُوم لِأَن ذَلِك لَا يخفى غَالِبا بِخِلَاف الْحَدث والنجاسة وَكَذَا إِن فَسدتْ صلَاته بترك ركن فَسدتْ صلَاتهم وَإِن فَسدتْ لفعل يبطل فَإِن كَانَ عمدا فَسدتْ صَلَاة الْجَمِيع وَإِن كَانَ عَن غير عمد لم تفْسد صَلَاة الْمَأْمُوم نَص عَلَيْهِ فِي الضحك من الإِمَام
وَعَن الإِمَام أَحْمد فِيمَن سبقه الْحَدث رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن صَلَاة الْمَأْمُومين تفْسد لترك الشَّرْط فِيهِ وَقد ثَبت الحكم فِي الشَّرْط بِأَن عمر ترك الْقِرَاءَة فِي الْمغرب ثمَّ قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة ثمَّ أعَاد وَأعَاد النَّاس قَالَ وَالصَّحِيح الأولى وَاحْتج باستخلاف عمر لعبد الرَّحْمَن وَالشّرط آكِد لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنهُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَاف الْمُبْطل انْتهى كَلَامه
وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين بعد حِكَايَة كَلَام القَاضِي السَّابِق الأول أصح لِأَنَّهُمَا سَوَاء فِي حق الإِمَام فَكَذَلِك فِي حق الْمَأْمُوم وَعند مَالك إِن تعمد
الْمُفْسد فَسدتْ صلَاتهم وَإِن كَانَ لعذر لم تفْسد صلَاتهم كَمَا قُلْنَا فِيمَا إِذا صلى بهم مُحدثا
وَذكر أَبُو بكر عبد الْعَزِيز فِي مَسْأَلَة سبق الْحَدث للْإِمَام أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تبطل رِوَايَة وَاحِدَة
وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن هَذَا اخْتِيَارا أَكثر الْأَصْحَاب
قَوْله وَعنهُ لَا تبطل ويتمونها جمَاعَة
وَإِن اسْتخْلف كل طَائِفَة رجلا وأوقعوها جماعات جَازَ
وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي غير الْجُمُعَة وَأما فِي الْجُمُعَة فَلَا يجوز
قَوْله أَو فُرَادَى هَذَا فِي غير الْجُمُعَة أما فِي الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا بِجَوَاز الِاسْتِخْلَاف فَلم يفعل وَأَتمُّوا فُرَادَى لم تجزئهم جمعتهم
قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة قولا وَاحِدًا لِأَن مَا اشْترط لأوّل رَكْعَة من صَلَاة الْجُمُعَة وَاعْتبر للثَّانِيَة كَسَائِر الشُّرُوط وَإِن قُلْنَا بِمَنْع الِاسْتِخْلَاف فَأتمُّوا فُرَادَى فَقيل لَا تجزئهم جُمُعَة لِأَن الْجَمَاعَة شَرط وَلم يُوجد فِي جَمِيعهَا فَأشبه اختلال الْعدَد وعَلى هَذَا هَل يتمونها ظهرا أَو يستأنفونها يَنْبَغِي أَن تكون كَمَسْأَلَة اختلال الْعدَد لِأَن الْمَسْأَلَة مُعْتَبرَة وَقد صرح بعض الْأَصْحَاب بِأَنَّهُم يتمونها ظهرا
وَقيل تجزئهم جُمُعَة إِذا كَانُوا قد صلوا مَعَه رَكْعَة كالمسبوق
وَقيل تجزئهم جُمُعَة بِكُل حَال لأَنهم لما منعُوا الِاسْتِخْلَاف دلّ على بَقَاء حكم الْجَمَاعَة
قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين وَالْأول أشبه بمذهبنا والمسبوق أدْرك رَكْعَة من جُمُعَة تمت شرائطها وَصحت فَجَاز الْبناء عَلَيْهَا ومسألتنا بِخِلَافِهِ
قَوْله وَفِي قَضَاء المسبوقين مَا فاتهم جمَاعَة وَجْهَان
حكى بَعضهم رِوَايَتَيْنِ وَصرح فِي الْمُغنِي بِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة تخرج على مَسْأَلَة الِاسْتِخْلَاف وعَلى هَذَا يكون كَلَامه فِي الْمقنع عقيب هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَ لغير عذر لم يَصح أَي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الِاسْتِخْلَاف لِأَن الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنى وَاحِدَة وَذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَذكر بَعضهم فِي الِاسْتِخْلَاف لغير عذر رِوَايَتَيْنِ وَحكى الشَّيْخ مجد الدّين أَن الصِّحَّة فِي المسبوقين ظَاهر رِوَايَة مهنى عَن أَحْمد وَعدمهَا مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح وَهَذِه الْمَسْأَلَة فِي غير الْجُمُعَة أما فِي الْجُمُعَة فَلَا يجوز قطع بِهِ المُصَنّف تَابعا فِيهِ من تقدمه من الْأَصْحَاب لِأَن الْجُمُعَة إِذا أُقِيمَت مرّة فِي مَسْجِد لم يجز أَن تُقَام فِيهِ مرّة أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تصلى الْجُمُعَة الْوَاحِدَة جمَاعَة بعد جمَاعَة وَسَائِر الصَّلَوَات بِخِلَافِهِ
قَوْله فِي الْمُحَرر وَمن ائتم فِي فرض بمتنفل أَو مفترض بِغَيْرِهِ لم يَصح وَعنهُ يَصح
قَوْله أَو مفترض بِغَيْرِهِ ظَاهره أَي فرض كَانَ وَلَو اخْتلفَا فِي الْأَفْعَال وَذكره فِي الرِّعَايَة وَصرح بِهِ فِي شرح الْهِدَايَة فَذكر مفرعا على الْجَوَاز فَمَتَى اخْتلف عدد رَكْعَات الصَّلَاتَيْنِ وَصَلَاة الْمَأْمُوم أكثرهما كالظهر وَالْمغْرب خلف مصلي الْفجْر وكالعشاء خلف مصلي التَّرَاوِيح فَإِنَّهُ يَصح نَص عَلَيْهِ وَيتم إِذا سلم إِمَامه كالمسبوق وكالمقيم خلف الْقَاصِر وَإِن كَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أقلهما كالفجر خلف مصلي الظّهْر أَو الْمغرب صَحَّ أَيْضا على مَنْصُوص أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمن أصحابهما من منع الصِّحَّة هُنَا بِخِلَاف عَكسه لتعذر دوَام
الْمُتَابَعَة كَمَا منعنَا من الِاقْتِدَاء بِمن يُصَلِّي الْكُسُوف قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بشئ لأننا قد التزمنا مثله فِي اسْتِخْلَاف الْمَسْبُوق وفيمن صلى رَكْعَة مُنْفَردا ثمَّ صَار مَأْمُوما فعلى هَذَا يُفَارق إِمَامه فِي الْفجْر إِذا نَهَضَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة وَفِي الْمغرب إِذا نَهَضَ إِلَى الرَّابِعَة ثمَّ يتم وَيسلم لِأَنَّهَا مُفَارقَة لعذر وَإِن شَاءَ انتظره حَتَّى يسلم مَعَه كاستخلاف الْمَسْبُوق وَحل كَلَام الرجل بعضه بِبَعْض أولى
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ثمَّ إِذا تمّ فَرْضه قبل فرَاغ إِمَامه هَل ينتظره أَو يسلم قبله أَو يُخَيّر فِيهِ أوجه لَكِن يَنْبَغِي أَن يعرف أَن جمَاعَة من الْأَصْحَاب مُقْتَضى كَلَامهم أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ عِنْدهم فِيمَا إِذا اتّفقت الْأَفْعَال خَاصَّة وَأَن الأئتمام مَعَ اخْتِلَاف الْأَفْعَال مَانع من الصِّحَّة قولا وَاحِدًا بل صَرِيح كَلَامهم
وَالشَّيْخ موفق الدّين يخْتَار أَيْضا أَن الْخلاف فِيمَا إِذا اخْتلفت وَكَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أَكْثَرهَا عددا كالعشاء خلف التَّرَاوِيح وَصَاحب الْمُحَرر عِنْده الْخلاف فِي ذَلِك وَفِيمَا إِذا كَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أقلهما عددا وَمن أَصْحَابنَا من منع الْمغرب خلف الْعشَاء لإفضائه إِلَى جُلُوس فِي غير مَحَله وَإِن أجَاز الْفجْر خلفهَا
قَوْله وَإِذا ركع الإِمَام فأحس براكع اسْتحبَّ انْتِظَاره
ظَاهره اخْتِصَاص الحكم بالراكع وَكَذَا هُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح جمَاعَة بِأَن حَال الْقيام كالركوع فِي هَذَا وَصرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن التَّشَهُّد كالركوع على الْخلاف وَأولى لِئَلَّا يفوتهُ أصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص وَمهما أحس بداخل اسْتحبَّ انْتِظَاره على أحد الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَة بعد ذكر مَسْأَلَة الرُّكُوع فِي حَال تشهده وَقيل وَغَيره وَجْهَان
قَوْله لَا تصح إِمَامَة الصَّبِي فِي الْفَرْض وَفِي النَّفْل رِوَايَتَانِ وَيتَخَرَّج أَن تصح فيهمَا
هَذَا التَّخْرِيج إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض أما النَّفْل فَلَا تَخْرِيج فِيهِ لَكِن فِيهِ رِوَايَتَانِ منصوصتان وَلَو ذكر التَّخْرِيج قبل مَسْأَلَة النَّفْل كَانَ هُوَ الصَّوَاب
والتخريج ذكر جمَاعَة أَنه من مَسْأَلَة المفترض خلف المتنفل وَذكره ابْن عقيل فِي ابْن عشر قَالَ بِنَاء على وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي روضته فِي الصَّبِي الْمُمَيز أَنه يُكَلف يَعْنِي عَن الإِمَام أَحْمد
وَهَذِه الْعبارَة إِن حملت على ظَاهرهَا فَفِيهَا نظر وَلم أجد مَا يعضدها وَجَمَاعَة من الْأَصْحَاب يأبون هَذَا التَّخْرِيج وَهُوَ قَول القَاضِي لِأَنَّهُ نقص يمْنَع قبُول شَهَادَته وَخَبره فَهُوَ غير مؤتمن شرعا فَأشبه الْفَاسِق وَلِأَن بِهِ نقصا يمْنَع قبُول الشَّهَادَة وَالْولَايَة فَأشبه الْمَرْأَة وَعكس ذَلِك مَسْأَلَة الأَصْل
وَأطلق الْمُحَرر فِي الْخلاف فِي صِحَة إِمَامَته وَقطع غير وَاحِد بِصِحَّة إِمَامَته بِمثلِهِ مِنْهُم الشَّيْخ فِي الْكَافِي
قَوْله وَإِن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى رِوَايَتَيْنِ
قَوْله من يعلم فسقه يَعْنِي إِن جهل فسقه صحت وَهُوَ مَرْجُوح فِي الْمَذْهَب بل الْمَذْهَب الْمَنْصُوص الْإِعَادَة علم أَو لم يعلم وَأَوْمَأَ الإِمَام أَحْمد فِي مَوَاضِع إِلَى أَنه يُعِيدهَا خلف المتظاهر فَقَط قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهَذَا أحسن وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين بِأَن الْجُمُعَة تصلى خلف الْفَاسِق وَهل يُعِيدهَا ظهرا على رِوَايَتَيْنِ قَالَ وتوجيههما بِمَا وجهنا بِهِ غَيرهمَا صِحَة وبطلانا وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه أَنَّهَا تُعَاد فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَعَن أَحْمد لَا تُعَاد قَالَ فِي الرِّعَايَة وَهِي أشهر وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَن الدَّلِيل على فعلهَا خَلفه وَإِن كَانَ صَحِيحا اقْتضى صِحَّتهَا لمن تَأمله وَألْحق الشَّيْخ بِالْجمعَةِ الْعِيد وَهُوَ مُتَوَجّه
وَذكر فِي الْكَافِي الرِّوَايَتَيْنِ فِي إِمَامَة الْفَاسِق ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن تصح الْجُمُعَة والعيد دون غَيرهمَا وَأطلق هُنَا الرِّوَايَتَيْنِ كَقَوْل بَعضهم وَقطع فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن يحملهَا فِي الْفَرْض ليرد بذلك الْحجَّة على من أمره عليه الصلاة والسلام بِإِعَادَة الصَّلَاة خلف أَئِمَّة الْجور بِنَاء مِنْهُ أَنهم كَانُوا يؤخرونها حَتَّى يخرج الْوَقْت بِالْكُلِّيَّةِ وَتبع الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره على هَذَا
وَقد قَالَ صَالح فِي مسَائِله وَسَأَلته عَن الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة إِذا أَخّرهَا يُصليهَا لوَقْتهَا ويصليها مَعَ الإِمَام وَهَذَا فِيهِ نظر وَلَا يعرف عَن الْأُمَرَاء فِي ذَلِك الزَّمَان وَهُوَ مَا ذكره غير وَاحِد فِي شرح الحَدِيث وعَلى هَذَا لَا حجَّة فِيهِ وَقطع فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن الْجُمُعَة مَحَله هُنَا
قَوْله وَأولى أهل الْإِمَامَة بهَا أقرؤهم إِذا عرف مَا يعْتَبر للصَّلَاة
هَذَا يُعْطي أَنه إِذا تقدم غير الْمُسْتَحق يجوز مَعَ ترك الأولى وَهَذَا معنى كَلَام ابْن عقيل وَغَيره فَإِنَّهُ قَالَ تصح الْإِمَامَة لَكِن يكون تَارِكًا للفضيلة وَقد تقدم كَلَامه فِي رِوَايَة صَالح هُوَ أولى بِالصَّلَاةِ وَكَلَامه مُطلق فِي إِذن الْمُسْتَحق وَغَيرهَا وَكَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة يَقْتَضِي أَن تَقْدِيم غير الْمُسْتَحق من غير إِذن الْمُسْتَحق لَهُ يكره لِأَنَّهُ قَالَ فِي صُورَة الْإِذْن لَهُ جَازَ وَلم يكره نَص عَلَيْهِ
وَهَذَا يقتضى أَنه يكره من غير إِذن وَكَلَامه فِي الْمُغنِي يحْتَمل بَين كَرَاهَة الأولى وَكَرَاهَة التَّنْزِيه وَأَنه قَالَ وَهَذَا تَقْدِيم اسْتِحْبَاب لَا تَقْدِيم اشْتِرَاط وَلَا إِيجَاب لَا نعلم فِيهِ خلافًا فَلَو قدم الْمَفْضُول كَانَ ذَلِك جَائِزا لِأَن
الْأَمر بِهَذَا أَمر أدب واستحباب وَكَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مهنى يدل على أَنه تَقْدِيم إِيجَاب وَأَن النَّاس لَو أَرَادوا تَقْدِيم غير الْمُسْتَحق لم يجز لَهُم فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال فَأَما مَعَ إِذن الْمُسْتَحق فَيجوز من غير كَرَاهَة نَص عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لقَوْله فِي الْخَبَر إِلَّا بِإِذْنِهِ
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بعد أَن قطع بِهَذَا وَاحْتج بِهَذَا الْخَبَر قَالَ ويعضده عُمُوم مَا روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يحل لرجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يؤم قوما إِلَّا بإذنهم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد انْتهى كَلَامه
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يكره وَهُوَ قَول إِسْحَاق وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رسَالَته فِي الصَّلَاة رِوَايَة مهنى وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث إِذا أم الْقَوْم رجل وَخَلفه من هُوَ أفضل مِنْهُ لم يزَالُوا فِي سفال إِلَى أَن قَالَ فالامام بِالنَّاسِ الْمُقدم بَين أَيْديهم فِي الصَّلَاة على الْفضل لَيْسَ للنَّاس أَن يقدموا بَين أَيْديهم إِلَّا أعلمهم بِاللَّه وأخوفهم لَهُ ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِم ولازم لَهُم فتزكوا صلَاتهم وَإِن تركُوا ذَلِك لم يزَالُوا فِي سفا وإدبار وانتقاص فِي دينهم وَبعد من الله وَمن رضوانه وجنته هَذَا آخر كَلَامه
قَوْله إِذا عرف مَا يعْتَبر للصَّلَاة
أَي من فرض ومسنون وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا معرفَة أَحْكَام سُجُود السَّهْو وَنَحْوه هَذَا معنى كَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ ولأننا إِنَّمَا نقدم القارىء إِذا كَانَ عَارِفًا بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ الصَّلَاة من الْفُرُوض والواجبات فَحِينَئِذٍ قد تَسَاويا فِيمَا تفْتَقر إِلَيْهِ الصَّلَاة لَكِن امتاز بجودة الْقِرَاءَة وَكَثْرَتهَا وَالْقِرَاءَة مِمَّا يُؤْتى بهَا فِي الصَّلَاة لَا محَالة فرضا وَسنة وامتاز الْفَقِيه بِمَا تنطوي عَلَيْهِ من السَّهْو وَهُوَ متوهم الْوُجُود وَالْأَصْل عَدمه
قَالَ الْأَصْحَاب فِي بحث هَذِه الْمَسْأَلَة وَلِأَن فَضِيلَة الْقِرَاءَة والإكثار مِنْهَا مُتَحَقق وَمَا ينوبه فِي الصَّلَاة من الْحَوَادِث غير مُتَحَقق بل الأَصْل عَدمه مَعَ أَنا قد اعْتبرنَا الْعلم بأحكامه
وَقَالَ ابْن عقيل وَإِنَّمَا يكون القارىء أَحَق من الْفَقِيه إِذا كَانَ يحفظ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَأَما إِن كَانَ لَا يحسن ذَلِك قدمنَا الْفَقِيه لحفظ الْأَركان والواجبات وَسُجُود السَّهْو وجبرانات الصَّلَاة انْتهى كَلَامه
وَكَلَامه فِي الْمُحَرر يحْتَملهُ وَلَعَلَّ الْجمع بَين كلاميه أحسن وَفِي اعْتِبَار هَذَا الْقَيْد وَجْهَان وَهُوَ أَن يكون الأقرأ جَاهِلا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ لَا يُمَيّز مفروضها من مسنونها فَفِي تَقْدِيمه على الْفَقِيه وَجْهَان أَحدهمَا يقدم قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد الْمَنْصُوص وَلِأَن الْقِرَاءَة ركن الصَّلَاة بِخِلَاف الْفِقْه وَكَانَ الممتاز بِمَا جنسه ركن للصَّلَاة أولى وَالثَّانِي الْفَقِيه أولى وَإِن لم يحسن غير الْفَاتِحَة اخْتَارَهُ ابْن عقيل لِأَنَّهُ امتاز بِمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَالْجَاهِل قد يتْرك فرضا ظنا مِنْهُ أَنه سنة قَالَ وَهَذَا الْوَجْه أحسن
وَوجدت فِي كتاب ابْن تَمِيم أَن هَذَا الْوَجْه هُوَ الْمَنْصُوص
قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح يَنْبَغِي للَّذي يقْرَأ الْقُرْآن أَن يتَعَلَّم من السّنة مَا يُقيم بِهِ صلَاته فَهُوَ حِينَئِذٍ أولى بِالصَّلَاةِ
وَقد عرف مِمَّا تقدم أَنه مَعَ علمه أفعالها هَل يعْتَبر الْعلم بِمَا يطْرَأ من السَّهْو وَنَحْوه وَيُؤَيّد مَا تقدم أَن القَاضِي قَالَ فِي الْجَامِع فَإِن كَانَ الْمُؤَذّن فَاسِقًا فَهَل يعْتد بأذانه ظَاهر كَلَام أَحْمد أَنه لَا يعْتد بِهِ قَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي الْمُؤَذّن يسكر ينحى وَقَالَ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي الرجل يُؤذن وَهُوَ سَكرَان لعزل الْمُؤَذّن أَهْون من الإِمَام وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن بنت مُعَاوِيَة بن عَمْرو فِي الْمُؤَذّن يصعد المنارة وَهُوَ سَكرَان لَا وَلَا كَرَامَة لَيْسَ مثله من أذن قَالَ
القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَنه لَيْسَ من أَهله لِأَنَّهُ أَمر بصرفه وَعلل بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل قَالَ وَيجب أَن يُقَال فِيهِ مَا فِي إِمَامَة الْفَاسِق وَفِي صِحَّتهَا رِوَايَتَانِ كَذَلِك الْأَذَان
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فِي تَعْلِيق الْمُحَرر وَفِي أَذَان الْفَاسِق رِوَايَتَانِ أَي فِي الْإِجْزَاء فَأَما تَرْتِيب الْفَاسِق مُؤذنًا فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز قولا وَاحِدًا كَمَا قيل فِي نُفُوذ حكم الْفَاسِق إِذا حكم بِالْحَقِّ وَجْهَان وَإِن لم تجز تَوليته قولا وَاحِدًا
وَقد تَضَمَّنت هَذِه الْمَسْأَلَة صِحَة إِمَامَة الْجَاهِل وعَلى هَذَا تصح ولَايَته وَإِن كَانَ غَيره أرجح لَا سِيمَا إِن رجحناه على القارىء
وَقطع القَاضِي فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة أَن من شَرَائِط صِحَة ولَايَة إِمَامَة الصَّلَاة الْعَدَالَة وَالْعلم بِأَحْكَام الصَّلَاة
وَرَأَيْت فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَا يدل على أَن ولَايَة الْفَاسِق مَبْنِيَّة على صِحَة إِمَامَته وَقَالَ لم يتنازعوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوليته لَكِن لَعَلَّ القَاضِي فرع على مَشْهُور الْمَذْهَب وَهُوَ عدم صِحَة إِمَامَة الْفَاسِق وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون حكم ولَايَة الصَّبِي وَنَحْوه
قَوْله ثمَّ أقدمهم هِجْرَة معنى قدم الْهِجْرَة السَّبق إِلَيْنَا بِنَفسِهِ من دَار الْحَرْب فَقَط هَذَا معنى كَلَام جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْفُصُول وَالْمُغني فَلَا يرجح بسبق إِمَامه إِلَى الاسلام على ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَلم أجد فِيهِ
خلافًا وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره بِتَقْدِيم من سبق آباؤه مُهَاجِرين إِلَيْنَا وَعند الْآمِدِيّ يقدم بسبق آبَائِهِ فَقَط لانْقِطَاع الْهِجْرَة بعد الْفَتْح فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكره قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِر من هجر مَا نهى الله عَنهُ قَالَ فَمن سبق إِلَى هجر السَّيِّئَات بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا فَهُوَ أقدم هِجْرَة فَيقدم فِي الأمامة
وَمعنى الْأَشْرَف أَن يكون قرشيا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَذكره فِي الْمُغنِي أَن الشّرف يكون بعلو النّسَب وبكونه أفضلهم فِي نَفسه وَأَعْلَاهُمْ قدرا وَاحْتج بقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها
قَوْله وَيكرهُ أَن يؤم قوما أَكْثَرهم لَهُ كَارِهُون
أطلق الْعبارَة وَمرَاده كَرَاهَة تكون لخلل بِدِينِهِ أَو فَضله
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَعُمُوم كَلَام غَيره يَقْتَضِيهِ أَو لشحناء بَينهم فِي أَمر دُنْيَوِيّ وَنَحْو ذَلِك فَأَما إِن كرهوه لأجل سنته أَو دينه فَلَا كَرَاهَة فِي حَقه
قَالَ المُصَنّف وَإِن كَانَ ميلهم إِلَى مُبْتَدع أَو فَاجر فَالْأولى أَن يصبر وَلَا يلْتَفت إِلَى كراهتهم جهده
قَالَ صَالح لِأَبِيهِ مَا تَقول فِي رجل يؤم قوما وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ويجهر بآمين ويفصل الْوتر والمأمومون لَا يرضون بذلك وَمِنْهُم من يرضى حَتَّى إِن أحدهم يتْرك الْوتر حَال التَّفْصِيل وَيخرج من الْمَسْجِد فترى أَن يرجع إِلَى قَول الْمَأْمُومين أم يثبت على مَا يَأْمُرهُ أهل الْفِقْه فَقَالَ بل يثبت على
صلَاته وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِم وَأطلق اعْتِبَار قَول الْأَكْثَر وَكَذَا غَيره وَمِنْهُم من قَالَ ديانَة
قَالَ القَاضِي وَالْمُسْتَحب أَن لَا يؤمهم صِيَانة لنَفسِهِ فَإِن اسْتَووا فَالْأولى أَن لَا يؤمهم
وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين فِي الشَّرْح قَالَ ابْن عقيل فَإِن اسْتَووا اسْتحبَّ لَهُ إِزَالَة الْخلاف بترك الْإِمَامَة وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب فِيمَا اذا اسْتَويَا وَجْهَيْن
وَاحْتج الْأَصْحَاب حَيْثُ قَالُوا يكره بِمَا يدل على التَّحْرِيم وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب تفْسد صلَاته إِذا تعمد وللشافعية أَيْضا وَجْهَان فِي التَّحْرِيم وَنَصّ الشَّافِعِي على تَحْرِيمه فَقَالَ لَا يحل لرجل أَن يُصَلِّي بِجَمَاعَة وهم لَهُ كَارِهُون
نَقله الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْحَاوِي وَفِي الْأُم مَا يَقْتَضِيهِ وَكَأن الْأَخْبَار لِضعْفِهَا لَا تنهض للتَّحْرِيم وَإِن كَانَت تَقْتَضِيه فيستدل بهَا على الْكَرَاهَة كَمَا يسْتَدلّ بِخَبَر ضَعِيف ظَاهره يَقْتَضِي وجوب أَمر على ندبية ذَلِك الْأَمر وَلَا يُقَال لَعَلَّ هُنَاكَ صارفا عَن مُقْتَضى الدَّلِيل وَلم يذكر لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَأَكْثَرهم يخص الْكَرَاهَة بِالْإِمَامِ كعبارته فِي الْمُحَرر
وَمن كرهت إِمَامَته كره الائتمام بِهِ قَالَ ابْن عقيل تكره لَهُ الْإِمَامَة وَيكرهُ الائتمام بِهِ
قَوْله لَا تصح الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام بِحَال
الِاعْتِبَار بالقدمين فِي الْوُقُوف بِالْأَرْضِ فَإِن شخص الْمَأْمُوم قد يكون أطول فيتقدم رَأسه وَإِن تَأَخّر قدمه فَإِن كَانَ قدم أَحدهمَا أكبر من الآخر فالاعتبار
بمؤخر الْقدَم وَهِي الْعقب وَإِن تقدم رَأس الْقدَم على رَأس الْقدَم كَمَا لَو كَانَ الْقدَم كَذَا ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجى فِي شرع الْهِدَايَة وَأطلق فِي الْمُحَرر عدم صِحَة الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام وَمرَاده غير حول الْكَعْبَة فَإِنَّهُ إِذا اسْتَدَارَ الصَّفّ حول الْكَعْبَة وَالْإِمَام مِنْهَا على ذراعين والمقابلون لَهُ على ذِرَاع صحت صلَاتهم نَص عَلَيْهِ الامام أَحْمد
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا وَحَكَاهُ الشَّيْخ وجيه الدّين إِجْمَاعًا لِأَن الْقدَم إِنَّمَا يعْتَبر حكمه إِذا اتّحدت جِهَة الإِمَام وَالْمَأْمُوم
فَأَما إِذا تعدّدت فَلَا أَلا ترى أَن الصفين المقابلين بَين جِهَة الإِمَام ومقابلته تصح صلَاتهم وَإِن كَانَا فِي الْجِهَة الَّتِي بَين يَدي الإِمَام حَيْثُ لم يستقبلوها بِوُجُوهِهِمْ وَلَعَلَّ السَّبَب فِي تسويغ ذَلِك كَثْرَة الْخلق فِي الْموقف فَلَو كلفوا الْقيام فِي جِهَة وَاحِدَة لشق ذَلِك وَتعذر وَظَاهر هَذَا أَنه لَا فرق لمن يَكُونُوا عِنْد الْمَسْجِد أَو خَارجه وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين أَن هَذَا إِذا كَانُوا عِنْد الْمَسْجِد وَإِن كَانُوا خَارج الْمَسْجِد فَبين الإِمَام وَبَين الْكَعْبَة مَسَافَة فِي تِلْكَ الْجِهَة وَالَّذين فِي بَقِيَّة الْجِهَات بَينهم وَبَين الْكَعْبَة دون تِلْكَ الْمسَافَة فَفِيهِ وَجْهَان
وَظَاهر مَا قدم فِي الرِّعَايَة أَنه لَا يضر قرب الْمَأْمُوم إِلَى الْجِدَار أَكثر من الإِمَام من اتِّحَاد الْجِهَة وَفِيه نظر فَأَما إِذا تقَابل الإِمَام وَالْمَأْمُوم دَاخل الْكَعْبَة فِي صَلَاة تصح فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تصح قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالثَّانِي لَا تصح لِأَنَّهُ مَعَ كَونه قُدَّام إِمَامه مستدبر لبَعض جِهَة الامام فَأشبه مَا لَو كَانَ قفا الْمَأْمُوم فِي وَجه الإِمَام وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا وصلوا حول الْكَعْبَة فَإِنَّهُ لم يستدبر شَيْئا من جِهَة إِمَامه
وَمُرَاد صَاحب الْمُحَرر أَيْضا غير الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف فَإِنَّهَا تَنْعَقِد مَعَ إِمْكَان الْمُتَابَعَة نَص عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْأَصْحَاب وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لعمومات النُّصُوص فِي صَلَاة الْجَمَاعَة ويعفى عَن التَّقَدُّم للْعُذْر كَمَا يُعْفَى عَن الاستدبار وَالْمَشْي فِي صَلَاة الْخَوْف غير الشَّديد وَإِن كَانَ يُمكنهُم أَن يصلوا جماعتين أَو فُرَادَى بِدُونِ ذَلِك مُحَافظَة على تَكْثِير الْأجر بإيقاع جمَاعَة وَاحِدَة والوهن الْحَاصِل فِي قُلُوب الْعَدو بذلك
وَقَالَ ابْن حَامِد لَا تَنْعَقِد الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف وَحَكَاهُ فِي الْمُغنِي احْتِمَالا وَرجحه فَلهَذَا قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين على عدم صِحَة الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام لقَوْل سَمُرَة بن جُنْدُب أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كُنَّا جمَاعَة أَن يتَقَدَّم أَحَدنَا حسنه التِّرْمِذِيّ فَأمره بتقدم الإِمَام ينْهَى عَن تقدمهم عَلَيْهِ ومصافتهم لَهُ ترك ظَاهره فِي المصافة لنصوص يبْقى الْبَاقِي على الظَّاهِر وَلِأَن وُقُوفه عَن يسَاره أَو خلف الصَّفّ فَذا أحسن حَالا وَأقرب إِلَى معنى الِاقْتِدَاء والمتابعة من وُقُوفه قدامه ثمَّ صلَاته تبطل هُنَاكَ على أصلنَا فَهُنَا أولى وَلِأَن الأَصْل إِن كَانَ إِنْسَان يُصَلِّي بِنَفسِهِ ويستقل بتأدية فَرْضه وَلَا يحمل غَيره عَنهُ شَيْئا فَحَث الشَّرْع بِالْجَمَاعَة أوجب فعلهَا على مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص وَلم يرد فِي شَيْء مِنْهَا الْوُقُوف بَين يَدي الإِمَام ثمَّ ذكر قِيَاسا ضَعِيفا وَفِي الْمَسْأَلَة أَدِلَّة ضَعِيفَة وَقيل تصح الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام ضَرُورَة فِي عيد أَو جُمُعَة وجنازة فَقَط وَقيل مُطلقًا
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره قَول أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تصح قُدَّام الإِمَام مَعَ الْعذر دون غَيره قَالَ وَهَذَا أعدل الْأَقْوَال وأرجحها وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْعلمَاء وَذَلِكَ لِأَن ترك الْمُتَقَدّم على الْأَمَام غَايَته أَن يكون
وَاجِبا من وَاجِبَات الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة والواجبات كلهَا تسْقط بالعذر وَإِن كَانَت وَاجِبَة فِي أصل الصَّلَاة وَالْوَاجِب فِي الْجَمَاعَة أولى بالسقوط انْتهى كَلَامه
وَقد يُقَال انْعِقَاد الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف مَعَ الْعَفو عَن التَّقَدُّم للْعُذْر يُقَوي هَذَا القَوْل وَقد تقدم مَا يدل على الْفرق بَينهمَا
وَإِذا بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم قُدَّام الامام فَهَل تبطل صَلَاة الامام فِيهِ وَجْهَان ذكره ابْن تَمِيم وَغَيره وَالْأولَى أَن يُقَال إِن نوى الامامة بِمن يُصَلِّي قدامه مَعَ علمه لم تَنْعَقِد صلَاته كَمَا لَو نَوَت الْمَرْأَة الامامة بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ يشْتَرط أَن يَنْوِي الامامة بِمن يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَإِن نوى الْإِمَامَة ظنا واعتقادا أَنهم يصلونَ خَلفه فصلوا قدامه انْعَقَدت صلَاته عملا بِظَاهِر الْحَال كَمَا لَو نوى الامامة من عَادَته حُضُور جمَاعَة عِنْده ثمَّ هَل تبطل صلَاته ذكر المُصَنّف فِي مَسْأَلَة الأَصْل إِذا لم يَأْته أحد وَأحرم إِمَام بحاضرين فانصرفوا عَنهُ قبل أَن يحرموا احْتِمَالَيْنِ وَهَذَا مثله أَحدهمَا تبطل لأَنا تَبينا أَنه نوى الامامة بِغَيْر مَأْمُوم وَالثَّانِي يُتمهَا مُنْفَردا لِأَن احرامه إِمَامًا انْعَقَد لَكِن تَعَذَّرَتْ الامامة فِي الدَّوَام فَأشبه مَا لَو أَحْدَثُوا وَانْصَرفُوا كلهم بعد دُخُولهمْ مَعَه قَالَ وَالْوَجْه الأول أشبه بِكَلَام أَحْمد لِأَنَّهُ قَالَ فِي رجلَيْنِ نوى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه إِمَام صَاحبه صلاتهما فَاسِدَة وَكَانَ يجب على قِيَاس الثَّانِي أَن تصح صَلَاة الَّذِي أحرم ابْتِدَاء لِأَن الثَّانِي أعرض عَنهُ بَعْدَمَا انْعَقَدت تحريمته إِمَامًا انْتهى كَلَامه
وَالِاسْتِدْلَال بالمنصوص لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِيهِ نظر لِأَن مَسْأَلَة النَّص لَا ظَاهر فِيهَا يعْمل بِهِ فنظيره مَا لَو نوى الامامة وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أحد وَلَكِن يحْتَمل الْحُضُور وَعَدَمه فَإِنَّهَا لَا تصح بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ طَرَأَ الْبطلَان وعَلى صَلَاة الْمَأْمُوم