الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلَاة على الْمَيِّت
قَوْله وَإِن كَانَ صَغِيرا قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَلَدَيْهِ فرطا إِلَى آخر الدُّعَاء
يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن يَأْتِي بِهَذَا الدُّعَاء فَقَط وَيحْتَمل أَن مُرَاده أَن الدُّعَاء لحَال الصَّغِير وَأَن الدُّعَاء الْمُشْتَرك السَّابِق يَأْتِي بِهِ وَكَلَام الْأَصْحَاب ظَاهره مُخْتَلف وَالثَّانِي ذكره السامري قَالَ إِلَّا قَوْله إِن كَانَ محسنا أَو مسيئا لعدم ذَلِك فِيهِ وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَإِن كَانَ الْمَيِّت طفْلا جعل مَكَان الاسْتِغْفَار لَهُ وَذكر الدُّعَاء
قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فَإِن كَانَ الصَّغِير مَمْلُوكا دَعَا لمواليه إِذا لم يعرف إِسْلَام أَبَوَيْهِ لأَنهم أولياؤه وَقَالَ هُوَ وَابْن عقيل وَغَيرهمَا وَإِن كَانَ خُنْثَى سَمَّاهُ بِالِاسْمِ الْعَام فَيَقُول هَذَا الْمَيِّت أَو الشَّخْص
قَوْله وَالْغَرَض من ذَلِك الْقيام والتكبيرات
تبع أَكثر الْأَصْحَاب وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب وَصَاحب التَّلْخِيص فِيهِ الْأَركان وَلم يذكرُوا فِيهَا الْقيام وَقَالَ الْحَنَفِيَّة وَالْقِيَاس جَوَازهَا بِدُونِهِ
كسجود التِّلَاوَة وَإِنَّمَا يمْنَع مِنْهُ اسْتِحْسَانًا
ولأصحابنا على وُجُوبه قَوْله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حُصَيْن صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِن أَخَاكُم النَّجَاشِيّ مَاتَ فَقومُوا فصلوا عَلَيْهِ وَالْقِيَاس على الْمَكْتُوبَة والمنذورة وَفِي ذَلِك نظر
وَذكر صَاحب التَّلْخِيص وَجَمَاعَة أَنه يشْتَرط حُضُور الْمَيِّت بَين يَدي الْمُصَلِّي
وَذكره أَيْضا الشَّيْخ وجيه الدّين فَقَالَ لَو صلى على الْجِنَازَة وَهِي مَحْمُولَة على أَعْنَاق الرِّجَال أَو على دَابَّة أَو صَغِير على رجل لم يجز لِأَن الْجِنَازَة يمنزلة الإِمَام وَلِهَذَا لَا تجوز الصَّلَاة بِدُونِ الْمَيِّت وَيجب تَقْدِيمه إِلَى الْمُصَلِّين عَلَيْهِ وَمَتى كَانَ الإِمَام على الدَّابَّة وَالْقَوْم على الأَرْض لم يجز فَكَذَلِك هُنَا وَلم يذكر فِي الْمُحَرر هَذَا الشَّرْط وَكَذَا لم يذكرهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن الْجَوْزِيّ وَالشَّيْخ موفق الدّين
قَوْله وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
كَذَا ذكره الْأَصْحَاب مَعَ اخْتلَافهمْ هَل هِيَ وَاجِبَة فِي الصَّلَاة أوركن أَو سنة وَهَذَا يدل على توقف صَلَاة الْجِنَازَة عَلَيْهَا وَإِن لم تتَوَقَّف سَائِر الصَّلَاة عَلَيْهَا وَقد جعل فِي الْمُغنِي رِوَايَة الْوُجُوب وسقوطها بالسهو فِي سَائِر الصَّلَاة اخْتِيَار الْخرقِيّ فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلم يحك فِي صَلَاة الْجِنَازَة خلافًا فِي توقف صِحَّتهَا عَلَيْهَا كالنية وَالتَّكْبِير
وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بافتراض الصَّلَاة عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِي وأصل ذَلِك وُجُوبهَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَإِذا قُلْنَا لَا تجب هُنَاكَ لم تجب هُنَا وَقَالَ أَيْضا أَجمعُوا أَنه إِذا خَافَ رفع الْجِنَازَة سقط الدُّعَاء وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجَاز قَضَاء التَّكْبِير مُتَتَابِعًا كَذَا قَالَ وَفِيه نظر يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا
قَالَ ابْن عبد الْقوي جعلهَا الشَّيْخ هُنَا ركنا وَقِيَاس مَا ذكر فِي صفة الصَّلَاة أَن تكون وَاجِبَة أَو سنة قَالَ وَلقَائِل أَن يَقُول لَا يلْزم من قَوْلنَا هِيَ هُنَاكَ سنة أَو وَاجِبَة على الْمُخْتَار أَن تكون هُنَا كَذَلِك لِأَن تِلْكَ الصَّلَاة فِيهَا من غَيرهَا لمتلوها مَا هُوَ ركن وَهُوَ التَّشَهُّد بِخِلَاف هَذِه فَمَا الْمَانِع أَن تجْعَل الصَّلَاة عَلَيْهِ ركنا لِأَنَّهَا سَبَب الْإِجَابَة انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر
قَوْله لِأَن تِلْكَ الصَّلَاة فِيهَا من غَيره لمتلوها مَا هُوَ ركن وَهُوَ التَّشَهُّد
قُلْنَا وَإِذا كَانَ فَأَي شَيْء يلْزمه وماذا يكون
وَقَوله بِخِلَاف هَذِه قُلْنَا وَهَذِه الصَّلَاة كَذَلِك وَهُوَ أدنى دُعَاء للْمَيت
وَقَوله فَمَا الْمَانِع أَن تجْعَل الصَّلَاة عَلَيْهِ هُنَا ركنا قُلْنَا وَمَا الْمُقْتَضِي وَالشَّيْء لَا يثبت بِعَدَمِ الْمَانِع بل لوُجُود الْمُقْتَضى
قَوْله لِأَنَّهَا سَبَب للإجابة قُلْنَا وَفِي سَائِر الصَّلَوَات كَذَلِك
وَلَو كبر على جَنَازَة فجيء بثانية فَكبر الثَّانِيَة ونواها لَهما جَازَ نَص عَلَيْهِ وَعلله الإِمَام أَحْمد بِجَوَاز التَّكْبِير إِلَى سبع وَكَذَلِكَ الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فَإِن جِيءَ بِجنَازَة بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة لم يجز إدخالها فِي الصَّلَاة وَهل يُعِيد الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم للَّتِي حضرت بعدهمَا يحْتَمل وَجْهَيْن ذكرهمَا ابْن عقيل
أَحدهمَا يُعِيد اخْتَارَهَا الشَّيْخ موفق الدّين ليكمل أَنْوَاع الْأَذْكَار لكل جَنَازَة وَالثَّانِي لَا يُعِيد بل يَدْعُو عقب كل تَكْبِيرَة
قَالَ المُصَنّف وَهُوَ أصح وَاخْتَارَهُ القَاضِي فِي الْخلاف لِأَن هَذَا مَحل للدُّعَاء للسابقة وَمحل غَيره للمسبوقة فغلب حكم من امتاز بِالسَّبقِ وَيُمكن أَن يسْقط عِنْد الِاجْتِمَاع تبعا مَا لَا يسْقط مُنْفَردا كَمَا تسْقط أَفعَال الْعمرَة أَو بَعْضهَا فِي
الْقرَان تبعا لِلْحَجِّ وكما يسْقط ترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من الْمِيقَات إِذا أدخلهُ على الْعمرَة فَكَذَلِك هُنَا وَالَّذِي وجدت ابْن عقيل ذكره الْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ مُتَتَابِعًا نسقا كَمَا يفعل الْمَسْبُوق إِذا رفع الْمَيِّت وَكَذَا نَقله الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَقَالَ اخْتَارَهُ ابْن عقيل
قَوْله وَمن فَاتَهُ التَّكْبِير قَضَاهُ مُتَتَابِعًا وَقيل يَقْضِيه على صفته مالم ترفع الْجِنَازَة
ظَاهره أَنه يَقْضِيه مُتَتَابِعًا مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَحَكَاهُ غير وَاحِد عَن الْخرقِيّ وَقَالَ بَعضهم إِنَّه روى عَن أَحْمد لِأَن ابْن عمر قَالَ لَا يقْضِي فَإِن كبر مُتَتَابِعًا فَلَا بَأْس احْتج بِهِ وَلم يعرف لَهُ مُخَالف من الصَّحَابَة وَقدم غير وَاحِد أَنه يَقْضِيه على صفته من غير تَفْصِيل لِأَن الْقَضَاء على صفة الْإِدْرَاك كَسَائِر الصَّلَوَات وَلِأَن الصَّلَاة على الْمَيِّت تجوز مَعَ غيبته للْعُذْر وَهُوَ الصَّلَاة على الْغَائِب فيقضيها للْعُذْر أولى
وَقَالَ القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَقطع بِهِ فِي الْمَذْهَب وَالتَّلْخِيص إِن رفعت الْجِنَازَة قبل إتْمَام التَّكْبِير قَضَاهُ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهَا إِذا رفعت زَالَ شَرط الصَّلَاة فَيَقْتَضِي ذَلِك قطعهَا لَكِن التَّكْبِير فِي نَفسه يسير فَأتى بِهِ مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَمَا لم ترفع فَالشَّرْط مُسْتَمر وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن جُمْهُور الْعلمَاء
وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِذا خشِي رفع الْجِنَازَة قَضَاهُ مُتَتَابِعًا رفعت الْجِنَازَة أَو لم ترفع على مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَحَكَاهُ عَن مَالك وَأحد قولي الشَّافِعِي لِئَلَّا ترفع الْجِنَازَة من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ شَرط للصَّلَاة فَكَانَ التَّتَابُع أحوط
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي فِيمَا حَكَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَنْهُم يَقْضِيه مُتَتَابِعًا مالم ترفع فَإِن رفعت قطع التَّكْبِير وَهُوَ قَول ابْن الْمُنْذر وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب لِأَن مَا كَانَ شرطا فِي الِابْتِدَاء فهر شَرط فِي الدَّوَام كَسَائِر الشُّرُوط
ثمَّ حكى المُصَنّف القَوْل الثَّانِي عَن الشَّافِعِي أَنه يَقْضِيه على صفته وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن أبي حنيفَة وَوَجهه ثمَّ كَمَا تقدم ثمَّ حكى قَول القَاضِي وَأبي الْخطاب وَقَالَ فِي آخر تَوْجِيهه فَالشَّرْط مُسْتَمر فَكَانَ بذكرها أولى قَالَ فَأَما إِذا علم بعادة أَو قرينَة أَنَّهَا تتْرك حَتَّى يقْضِي فَلَا تردد أَنه يقْضِي التَّكْبِيرَات بذكرها هَذَا مُقْتَضى تَعْلِيل أَصْحَابنَا وَغَيرهم من الْقَائِلين بالتتابع وَقد صرح بِهِ الْمَالِكِيَّة انْتهى كَلَامه
قَوْله وَيصلى على الْغَائِب بِالنِّيَّةِ إِلَى شهر
هَذَا هُوَ الْمَذْهَب كَقَوْل الشَّافِعِيَّة عملا بِصَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَصْحَابِهِ على النَّجَاشِيّ وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجوز كَقَوْل أبي حنيفَة وَمَالك لِأَن من شَرط جَوَاز الصَّلَاة حُضُور الْمَيِّت بِدَلِيل مَا لَو كَانَ مَوْجُودا وَظَاهر هَذَا عدم جَوَاز الصَّلَاة وَلَو لم يكن عِنْده من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة
وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ شمس الدّين بن عبد القوى أَنه إِن لم يحضر الْغَائِب من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَجَبت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَأطلق الْغَيْبَة وَظَاهره أَنه من كَانَ خَارج الْبَلَد سَوَاء كَانَ مَسَافَة قصر أَو دونهَا نَص عَلَيْهِ وَصرح بِهِ جمَاعَة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُقْتَضى اللَّفْظ أَن من كَانَ خَارج السُّور أَو خَارج مَا يقدر سورا يصلى عَلَيْهِ بِخِلَاف من كَانَ دَاخله لَكِن هَذَا لَا أصل لَهُ فِي
الشَّرِيعَة فِي المذهبين إِذْ الْحُدُود الشَّرْعِيَّة فِي مثل هَذَا إِمَّا أَن تكون الْعِبَادَات الَّتِي تجوز فِي السّفر الطَّوِيل والقصير كالتطوع على الرَّاحِلَة وَالتَّيَمُّم وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على قَول فَلَا بُد أَن يكون مُنْفَصِلا عَن الْبَلَد بِمَا يعد الذّهاب إِلَيْهِ نوع سفر وَقد قَالَ طَائِفَة كَالْقَاضِي أبي يعلى إِنَّه يَكْفِي خَمْسُونَ خطْوَة وَإِمَّا أَن يكون الْحَد مَا تجب فِيهِ الْجُمُعَة وَهُوَ مَسَافَة فَرسَخ وَمَا سمع مِنْهُ النداء وَهَذَا أقرب الْحُدُود فَإِنَّهُ إِذا كَانَ دون فَرسَخ حَيْثُ يسمع النداء وَيجب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة كَانَ من أهل الصَّلَاة فِي الْبَلَد فَلَا يعد غَائِبا عَنْهَا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ فَوق ذَلِك فَإِنَّهُ بالغائب أشبه وَإِمَّا أَن يكون الْحَد مَا لَا يُمكن الذَّاهِب إِلَيْهِ الْعود فِي يَوْمه وَهَذَا يُنَاسب قَول من جعل الْغَائِب عَن الْبَلَد كالغائب عَن مجْلِس الحكم وإلحاق الصَّلَاة بِالصَّلَاةِ أولى من إِلْحَاق الصَّلَاة بالحكم
فَهَذِهِ هِيَ المآخذ الَّتِي تبنى عَلَيْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة
وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر وَكَلَام غَيره يَقْتَضِي الصَّلَاة على كل غَائِب مُسلم وَفِيه نظر وَيُوَافِقهُ قَول صَاحب الْبَحْر من الشَّافِعِيَّة لَو صلى على الْأَمْوَات الَّذين مَاتُوا فِي يَوْمه وغسلوا فِي الْبَلَد الْفُلَانِيّ وَلَا يعرف عَددهمْ جَازَ
قَالَ الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ لَا حَاجَة إِلَى التَّخْصِيص بِبَلَد يعرف بل لَو صلى على أموات الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض الَّذين مَاتُوا فِي يَوْمه مِمَّن يجوز الصَّلَاة عَلَيْهِم جَازَ وَكَانَ حسنا مستحسنا لِأَن الصَّلَاة على الْغَائِب صَحِيحَة عندنَا وَمَعْرِفَة بِلَاد الْمَوْتَى وأعدادهم لَيست شرطا
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية مَا يَفْعَله بعض النَّاس أَنه كل لَيْلَة يصلى على جَمِيع من مَاتَ من الْمُسلمين فَلَا ريب أَنه بِدعَة لم يَفْعَله أحد من السّلف
قَوْله جَانِبي الْبَلَد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ من الشَّافِعِيَّة والحنابلة قيد محققوهم الْبَلَد بالكبير وَمِنْهُم من أطلق وَلم يُقيد
قَوْله وَلَا يُصَلِّي الإِمَام على من قتل نَفسه أَو غل من غنيمَة
كَذَا أطلق أَبُو الْخطاب قَاتل نَفسه
قَالَ المُصَنّف يَعْنِي مُتَعَمدا وَهل ذَلِك وَاجِب أَو مُسْتَحبّ كَلَام الإِمَام أَحْمد مُحْتَمل وَظَاهر نَهْيه التَّحْرِيم وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن عقيل وَصرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بالاستحباب وَصرح أَيْضا أَنه يجب التأسي بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَركه الصَّلَاة عَلَيْهِمَا
وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين الِاسْتِحْبَاب
وَقَالَ ابْن تَمِيم امْتنَاع الإِمَام من الصَّلَاة على من تقدم مُسْتَحبّ فَلَو صلى جَازَ وَفِيه وَجه يجب ذَلِك وَحكى فِي الرِّعَايَة رِوَايَتَيْنِ
قَوْله من السّنة الْإِسْرَاع بالجنازة
قَالَ المُصَنّف وَصفَة الْإِسْرَاع بالجنازة الخبب بِأَن يمشي بهَا أَعلَى دَرَجَات الْمَشْي الْمُعْتَاد وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخب ويرمل وَكَذَا قَالَ القَاضِي يسْتَحبّ إسراع لَا يخرج عَن الْمَشْي الْمُعْتَاد وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب يسْرع فَوق السَّعْي وَدون الخبب فَإِن خيف على الْمَيِّت من ذَلِك تأنى وَإِن خيف عَلَيْهِ التَّغْيِير أسْرع
وَقَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يفرط فِي الْإِسْرَاع فيمخضها ويؤذي متبعيها وَقَالَ فِي الرِّعَايَة يسن الْإِسْرَاع بهَا يَسِيرا وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين قَول القَاضِي الْمَذْكُور وَقَالَ فَإِن خيف انفجارها أَو كَانَ فِي التَّابِعين ضعف رفق بِهِ وبهم
قَوْله وَالسّنة أَن يتَوَلَّى دفن الْمَيِّت غاسله
كَذَا قَالَ غير وَاحِد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِنَّه مَتى كَانَ الأحق بِالْغسْلِ كَانَ هُوَ الأحق بالدفن فَالْأولى أَن يتولاهما جَمِيعًا بِنَفسِهِ أَو يَسْتَنِيب فيهمَا وَاحِدًا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى ستر أَحْوَاله وَقلة الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَأَما الأحق بالدفن فَهُوَ من أوصى إِلَيْهِ الْمَيِّت بذلك كَمَا قُلْنَا لَو أوصى إِلَيْهِ بِغسْلِهِ ثمَّ الْأَقَارِب الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب كَمَا فِي غسله فَأَما الْمَرْأَة فمحارمها الرِّجَال أَحَق بدفنها من النِّسَاء وَهل يقدم الزَّوْج على سَائِر الْمَحَارِم كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ أَو الْعَكْس كَقَوْل أبي حنيفَة فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن لم يكن محرم فَهَل النِّسَاء أولى بدفنها أم الرِّجَال فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا الرِّجَال أَحَق فعلى هَذَا لَا مدْخل النِّسَاء فِي الدّفن
إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّانيَِة النِّسَاء أولى اخْتَارَهُ الْخرقِيّ
قَالَ المُصَنّف وَهَذِه الرِّوَايَة مَحْمُولَة عِنْدِي على مَا إِذا لم يكن فِي دفنهن مَحْذُور من اتِّبَاع الْجِنَازَة أَو الْكَشْف بِحَضْرَة الْأَجَانِب أَو غَيره لِأَنَّهُ الْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد فِي مثل ذَلِك وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لكِنهمْ لم يذكرُوا حمل الرِّوَايَة على هَذَا وَاخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره كاختيار الْخرقِيّ وَكَذَلِكَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَزَاد وَإِن كَانَ لَهَا زوج فَهُوَ أولى بدفنها كَمَا هُوَ أولى بغسلها فَإِن لم يكن فأمهاتهم يلينها على التَّرْتِيب الْمَذْكُور فِي الْغسْل
وَلَعَلَّ مُرَاده أَن الزَّوْج يقدم بعد محارمها من الرِّجَال ثمَّ بعده محارمها من النِّسَاء
قَوْله ويعمق قَبره قامة وبسطة
يَعْنِي أَن هَذَا هُوَ الْمُسْتَحبّ وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف مَشْهُور قَالَ فِي التَّلْخِيص وَغَيره وَأَدْنَاهُ حُفْرَة تستر رَائِحَته وتمنع جثته من السبَاع وَنَحْوهَا زَاد فِي الرِّعَايَة نَص عَلَيْهِ
قَوْله ويضعه فِي اللَّحْد على جنبه الْأَيْمن مُتَوَجها
كَذَا ذكر جمَاعَة وَلم يبينوا حكم ذَلِك وَقَالَ ابْن عقيل فِيمَا إِذا دفن إِلَى غير الْقبْلَة قَالَ أَصْحَابنَا أينبش لِأَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة مَشْرُوع يُمكن فعله فَلَا يتْرك كَمَا ذكر الْمَسْأَلَة وَمثله الدّفن من قبل الْغسْل أَنه ينبش وَيغسل وَيُوجه إِلَّا أَن يخَاف عَلَيْهِ أَن يتفسخ فَيتْرك وَنصب الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ
وَاجِب فَلَا يسْقطهُ بذلك كإخراج مَاله قيمَة
وَقَوْلهمْ إِن النبش مثلَة قُلْنَا إِنَّمَا هُوَ فِي حق من تغير وَهُوَ لَا ينبش
وَنصب المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الدّفن قبل الْغسْل لِأَنَّهُ وَاجِب مَقْدُور عَلَيْهِ من غير مَانع
وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الدّفن إِلَى غير الْقبْلَة عَن قَول أبي حنيفَة قَوْله هَهُنَا أوجه لِأَن تَوْجِيهه سنة وَلَيْسَ بِفَرْض فَلَا يلْزم لتحصيله مَنْهِيّ عَنهُ وَلنَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه قد نبشوا لما هُوَ دون هَذَا فَهَذَا أولى والنبش الْمنْهِي عَنهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ لغَرَض صَحِيح ثمَّ يبطل تَعْلِيلهم بالختان عِنْدهم فَإِنَّهُ سنة يلْزم لَهُ كشف الْعَوْرَة الْمحرم فِي الأَصْل انْتهى كَلَامه
وَعلل الشَّيْخ وجيه الدّين مَسْأَلَة الدّفن إِلَى غير الْقبْلَة بِأَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة سنة مَشْرُوعَة وشعار من شعار الْمُسلمين أمكن فعله فَلَا يتْرك كَمَا لَو ذكر قبل تَسْوِيَة اللَّبن قَالَ وَذكر الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي فِي كِتَابه أَن أول من وَجه إِلَى الْقبْلَة الْبَراء فَإِنَّهُ أوصى بذلك فَصَارَت سنة انْتهى كَلَامه
وَقطع الْآمِدِيّ والشريف أَبُو جَعْفَر وَغَيرهمَا بِوُجُوب التَّوْجِيه إِلَى الْقبْلَة
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي مَجْمُوعه إِذا دفن من غير غسل نبش وَغسل سَوَاء أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب أَو لم يهل عَلَيْهِ هَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَهَكَذَا الحكم إِذا دفن غير موجه هَذَا كُله إِذا لم يتَغَيَّر الْمَيِّت وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب لم ينبش
دليلنا أَنه فَرِيضَة مَقْدُور عَلَيْهِ فَوَجَبَ فعله كَمَا لَو لم يهل عَلَيْهِ التُّرَاب
فَظهر من هَذَا أَن فِي وجوب التَّوْجِيه إِلَى الْقبْلَة وَجْهَيْن فَأن قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَجب نبشه لأَجله فِي الْأَظْهر وَإِلَّا فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ لَا يجب التَّوَصُّل إِلَى فعل مُسْتَحبّ
وَلَو دفن موجها على يسَاره أَو مُسْتَلْقِيا على ظَهره هَل ينبش على وَجْهَيْن
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَإِن حفر الْقَبْر ممتدا من الْقبْلَة إِلَى الشمَال فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى ذَلِك لضيق الْمَكَان لم يكره وَإِن كَانَ مَعَ السعَة وَالْقُدْرَة كره وَلم ينبش بعد دَفنه ليدفن على الصّفة المستحبة وَكَانَ دَفنه على الْحَالة الَّتِي يوضع عَلَيْهَا على المغتسل وَعند الْمَوْت وَقَالَ فَإِن خَالف وأضجعه على جنبه الْأَيْسَر واستقبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا للأفضل وَإِن علمُوا بذلك بعد الدّفن وَإِن كَانَ قبل أَن يهال عَلَيْهِ التُّرَاب وَجه وَوضع على جنبه الْأَيْمن ليحصل شعار السّنة انْتهى كَلَامه
وَفِي وجوب نبشه فِيمَا إِذا دفن قبل الْغسْل وَجه أَنه لَا يجب وَقدم ابْن تَمِيم أَنه يسْتَحبّ نبشه فِيمَا إِذا دفن لغير الْقبْلَة
فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
وَقطع المُصَنّف فِي مَسْأَلَة الْغسْل لَا ينبش إِذا خيف تفسخه وَلم يَتَبَعَّض هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مَسْأَلَة التَّوْجِيه وَيصلى عَلَيْهِ كَمَسْأَلَة من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا
وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه ينبش فيهمَا وَلَو خيف تفسخه بِخِلَاف نبشه للصَّلَاة عَلَيْهِ وَقَالَ غير وَاحِد لَا ينبش إِذا خيف تفسخه فِي الْمسَائِل الثَّلَاث وَظَاهر كَلَام غير وَاحِد عَكسه
قَوْله وَلَا يدْفن فِيهِ اثْنَان إِلَّا لضَرُورَة
قد يُقَال اسْتثِْنَاء حَالَة الضَّرُورَة تدل على التَّحْرِيم عِنْد انتفائها لِأَنَّهُ
لَا يحسن اسْتثِْنَاء الضَّرُورَة مَعَ الْكَرَاهَة وَظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب يحْتَمل التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد أما فِي الْمصر فَلَا وَلَا دَلِيل على التَّحْرِيم وَفِي الْكَرَاهَة نظر لِأَنَّهُ أَكثر مَا قيل إِن إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر هُوَ الدّفن الْمُعْتَاد حَالَة الِاعْتِبَار وَهَذَا يدل على أَن هَذَا هُوَ الْمُسْتَحبّ وَالْأولَى
وَقَالَ المُصَنّف فِي أثْنَاء بحث الْمَسْأَلَة من غير تَصْرِيح بِتَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة قَالَ وَنقل أَبُو طَالب عَن أَحْمد إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَقد ولدت ولدا مَيتا فَدفن مَعهَا جعل بَينهمَا حاجز من تُرَاب أَو يحْفر لَهُ فِي نَاحيَة مِنْهَا وَإِن دفن مَعهَا فَلَا بَأْس وَظَاهر هَذَا أَن دفن الِاثْنَيْنِ فِي الْقَبْر من غير ضَرُورَة جَائِز لَا يكره وَيحْتَمل ذَلِك أَن يخْتَص ذَلِك بِمَا إِذا كَانَا أَو أَحدهمَا مِمَّن لَا حكم لعورته لصغره
وَقَالَ فِي أثْنَاء بحث مَسْأَلَة ينبش الْمَيِّت إِذا دفن قبل الْغسْل ونبشت الصَّحَابَة موتاهم للافراد فِي الْقَبْر ولإحسان الْكَفَن والتحويل إِلَى خير من الْبقْعَة الأولى وَنَحْو ذَلِك من الْمَقَاصِد الصَّحِيحَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فعل فرض وَلَا سنة مُؤَكدَة فَلِأَن يجوز ذَلِك للْغسْل الْوَاجِب أولى انْتهى كَلَامه
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين الْجمع بَين الِاثْنَيْنِ فِي الْقَبْر وَالثَّلَاثَة لغير ضَرُورَة وحاجة غير جَائِز لِأَن السّنة أَن يفرد كل وَاحِد بِقَبْر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَأَما مَعَ الضَّرُورَة أَو الْحَاجة فَإِنَّهُ جَائِز فِي الْمصر وَغَيره وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَرُوِيَ عَن إمامنا أَنه لَا بَأْس أَن يدْفن الإثنان وَالثَّلَاثَة فِي الْقَبْر الْوَاحِد
قَالَ ابْن عقيل إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر مُسْتَحبّ انْتهى كَلَامه
وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ ابْن عقيل فِي الْفُصُول
وَالَّذِي وجدت فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقطع بِالْكَرَاهَةِ وَحكى بَعضهم احْتِمَالا أَنه يخْتَص الْجَوَاز بالمحارم وَقطع فِي الرِّعَايَة بِالْخِلَافِ فِي الْجَوَاز وَعَدَمه
قَوْله من مَاتَت وَفِي بَطنهَا ولد يَتَحَرَّك أخرجته القوابل فَإِن عجزن تركنه
قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح فِي الْمَرْأَة تَمُوت وَفِي بَطنهَا صبي حَيّ يشق عَنْهَا قَالَ لَا يشق عَنْهَا إِذا أَرَادَ أَن يُخرجهُ أخرجه وَقيل يشق بَطنهَا إِذا ظن خُرُوجه حَيا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
فعلى الأول يدْخل النِّسَاء أَيْدِيهنَّ فيخرجنه إِذا طمعن فِي حَيَاته فَإِن عجزن أَو عدمن فَاخْتَارَ ابْن هُبَيْرَة أَنه يشق بَطنهَا وَيخرج الْوَلَد وَقَالَ صَالح فِي مسَائِله وَسَأَلته عَن الْمَرْأَة تَمُوت وَفِي بَطنهَا ولد قَالَ إِذا لم يقدر النِّسَاء فليسنوا عَلَيْهَا رجلا يُخرجهُ وَقَالَ بَعضهم هَل يفعل الرِّجَال ذَلِك على رِوَايَتَيْنِ قَالَ ابْن تَمِيم وَيَنْبَغِي وَظَاهر كَلَام غَيره أَنه يجب أَن يكون من ذَوي أرحامها فَإِن لم يخرج لم يدْفن مَا دَامَ حَيا وَلَو خرج بعض الْوَلَد وَمَات أخرج إِن أمكن وَغسل وَإِلَّا غسل على حَاله وَلَا يحْتَاج إِلَى تيَمّم لما بَقِي لِأَنَّهُ فِي حكم الْبَاطِن قطع بِهِ بَعضهم وَفِيه احْتِمَال
قَوْله وَتسن التَّعْزِيَة قبل الدّفن وَبعده
أطلق الِاسْتِحْبَاب بعده وَلَيْسَ هُوَ على ظَاهره وَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِن عِنْده لايسن بعد الدّفن لِأَنَّهُ خَاتِمَة أمره
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَإِلَى مَتى يَمْتَد وَقت التَّعْزِيَة لم أجد فِيهِ كلَاما لِأَصْحَابِنَا وَذكر أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن وَقتهَا يَمْتَد إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا تَعْزِيَة بعْدهَا لِأَنَّهَا فِي حد الْقلَّة وَقد أذن الشَّارِع فِي الْإِحْدَاد فِيهَا ثمَّ ذكر
أَحَادِيث ذَلِك ثمَّ قَالَ وَهَذَا يدل على أَن مَا يهجره الْمُصَاب من حسن الثِّيَاب والزينة لابأس بِهِ مُدَّة الثَّلَاث وَقَالَ فِي مَسْأَلَة كَرَاهَة الْجُلُوس للتعزية وَعِنْدِي أَن جُلُوس أهل الْمُصِيبَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء بِالنَّهَارِ فِي مَكَان مَعْلُوم ليأتيهم من يعزيهم مُدَّة الثَّلَاث لَا بَأْس بِهِ انْتهى كَلَامه
وَقد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب أَنه تسْتَحب التَّعْزِيَة إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي وَيكرهُ فِيمَا زَاد عَلَيْهَا لِأَنَّهُ تَجْدِيد للمصيبة وَقطع بِهِ الْآمِدِيّ وَابْن شهَاب العكبرى وَابْن تَمِيم وَغَيرهم
وَقَول المُصَنّف أهل الْمُصِيبَة أَعم من أهل الْمَيِّت فيعزى الْإِنْسَان فِي رَفِيقه وَصديقه وَنَحْوهمَا كَمَا يعزى فِي قَرِيبه وَهَذَا مُتَوَجّه وَقطع بِهِ ابْن عبد الْقوي فِي كِتَابَة مجمع الْبَحْرين مذهبا لِأَحْمَد لاتفقها من عِنْده
وَقَول الْأَصْحَاب أهل الْمَيِّت خرج مخرج الْغَالِب وَلَعَلَّ مُرَادهم أهل الْمُصِيبَة وَلم يحد جمَاعَة من الْأَصْحَاب مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين اسْتِحْبَاب التَّعْزِيَة بِثَلَاث وَإِطْلَاق كَلَامهم يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَاب بعد الثَّلَاث وَهُوَ ظَاهر الْأَخْبَار وَلِأَن الْقَصْد تَسْلِيَة أهل الْمُصِيبَة وَالدُّعَاء لَهُم ولميتهم وَهَذَا الْمَعْنى تستوي فِيهِ الثَّلَاث وَغَيرهَا وَالتَّعْلِيل بتحديد الْمُصِيبَة مُنَاسبَة مُرْسلَة لَيْسَ لَهَا أصل فَلَا تقبل على أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الثَّلَاث وَقد حَده بعض الْأَصْحَاب بِيَوْم الدّفن وَفِيه أَيْضا ضعف وَقَالَ ابْن عبد الْقوي فَإِن كَانَ المعزى غَائِبا فَلَا بَأْس بهَا وَلَو بعد الثَّلَاث مالم تنس الْمُصِيبَة لِأَن فِيهِ جبر قلب الْأَخ الْمُسلم وتسليته عَمَّا لم ينسه من مَعْذُور فِي تَأَخره وَلَا بَأْس بالتعزية بالمكاتبة للبعيد لذَلِك انْتهى كَلَامه
قَوْله وَمن تطوع بقربة وَأهْدى ثَوَابهَا للْمَيت الْمُسلم نَفعه ذَلِك
ظَاهره أَنه لَو أهْدى ثَوَاب فرض أَو أهْدى إِلَى حَيّ لَا يَنْفَعهُ ذَلِك
وَذكر القَاضِي وَغَيره فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خلافًا وَتَبعهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره
وَلَو نوى بالقربة الْمَيِّت ابْتِدَاء فَهَل يَكْفِي ذَلِك فِي حُصُول ثَوَابهَا أم لَا بُد من إهدائه فِي كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِشْعَار بالأمرين وَيُؤْخَذ ذَلِك من كَلَام غَيره أَيْضا وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب ظَاهرهَا مُخْتَلف أَيْضا وَقد قَالَ ابْن عقيل فِيمَا يَفْعَله النَّائِب عَن المستنيب فِي الْحَج وَاجِبا كَانَ أَو تَطَوّعا مِمَّا لم يُؤمر بِهِ مثل أَن يُؤمر بِحَجّ فَيَعْتَمِر أَو بِعُمْرَة فيحج يَقع عَن الْمَيِّت لِأَنَّهُ يَصح عَنهُ من غير إِذْنه قَالَ وَذَلِكَ أَن الْمَيِّت عزى إِلَيْهِ الْعِبَادَة عِنْدَمَا وَقعت عَنهُ وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن والحي بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ لِأَن الْحَيّ قَادر على الِاكْتِسَاب وَالْمَيِّت بِخِلَافِهِ وَيصير كَأَنَّهُ مهدى إِلَى الْمَيِّت ثَوَابهَا انْتهى كَلَامه
وَفِي كَلَام القَاضِي إِذا جَازَ أَن تقع أَفعاله الَّتِي فعلهَا بِنَفسِهِ عَن غَيره وَهُوَ الْحَج وَالصَّدَََقَة جَازَ أَن يَقع الثَّوَاب لغيره لِأَن الثَّوَاب تبع للْفِعْل فَإِذا جَازَ أَن يَقع الْمَتْبُوع لغيره جَازَ أَن يَقع التبع قَالَ وَاحْتج بَعضهم بِأَن الصَّلَاة وَالصِّيَام وَقِرَاءَة الْقُرْآن مِمَّا لَا مدْخل لِلْمَالِ فِيهِ فَلَا يَصح أَن يَفْعَله عَن غَيره كَصَلَاة الْفَرْض وَصَوْم الْفَرْض قَالَ وَالْجَوَاب أَنا نقُول بِمُوجبِه وَأَنه لَا يَفْعَله عَن غَيره وَإِنَّمَا يَقع ثَوَابه عَن غَيره وَهَذَا ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي إِذا دَخَلْتُم الْمَقَابِر فاقرءوا آيَة الْكُرْسِيّ وَقل هُوَ الله أحد ثمَّ قُولُوا اللَّهُمَّ إِن فَضله لأهل الْمَقَابِر يَعْنِي ثَوَابه
وَإِذا ثَبت هَذَا لم يكن فرق بَين الأَصْل وَالْفَرْض بل نقُول لَو صلى صَلَاة مَفْرُوضَة وَأهْدى ثَوَابهَا لِأَبَوَيْهِ صحت الْهَدِيَّة
فَإِن قيل هَذَا خلاف الْأُصُول لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَن يعرى عمله عَن ثَوَاب وَأَنه يحصل لمن لم يعْمل ثَوَاب عمل لم يعمله
قيل قَوْلك إِنَّه يُفْضِي إِلَى أَن يعرى عمله عَن ثَوَاب غير مُمْتَنع كَمَا قُلْتُمْ إِذا صلى فِي دَار غصب أَو امْتنع من أَدَاء الزَّكَاة وَأَخذهَا الإِمَام قهرا وقولك إِنَّه يحصل للْغَيْر ثَوَاب مَا لم يعْمل فَغير مُمْتَنع كثواب الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ يحصل للمستغفر لَهُ وَإِن لم يُوجد مِنْهُ عمل وَإِنَّمَا وجد الْعَمَل من المستغفر وَمَعْلُوم أَن المستغفر يسْتَحق الثَّوَاب على ذَلِك لِأَنَّهُ مَنْدُوب إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا}
وَقد قيل فِيهِ جَوَاب آخر وَهُوَ أَن الثَّوَاب يحصل لَهما لِلْعَامِلِ وللمهدى إِلَيْهِ فيضاعف الله لِلْعَامِلِ الثَّوَاب عِنْد وجود الْهَدِيَّة كَمَا يُضَاعف ثَوَاب من يُصَلِّي فِي جمَاعَة على من يُصَلِّي فُرَادَى فينقسم بَينهمَا ويؤكده قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم من فطر صَائِما فَلهُ مثل أجره فَجعل الْأجر لَهما انْتهى كَلَامه
وَالْأولَى أَن يُقَال الْمهْدي ينْقل ثَوَاب عمله إِلَى الْمهْدي اليه وللمهدي الْأجر على هَذَا الْإِحْسَان وَالصَّدَََقَة والهدية وَلَا يلْزم أَن يكون مثل ثَوَاب عمله إِلَّا أَن يَصح مَا رَوَاهُ حَرْب فِي مسَائِله بِإِسْنَادِهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب
عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا على أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِصَدقَة تَطَوّعا أَن يَجْعَلهَا عَن وَالِديهِ إِذا كَانَا مُسلمين فَيكون لوَالِديهِ أجرهَا وَله مثل أجورهما من غير أَن ينقص من أجورهما شَيْئا
وَقَوله فِي الْمُحَرر وَأهْدى ثَوَابهَا
وَكَذَا لَو أهْدى بعضه كنصفه وَثلثه وَنَحْو ذَلِك وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد يعايى بهَا فَيُقَال ايْنَ لنا مَوضِع تصح فِيهِ الْهَدِيَّة مَعَ جَهَالَة الْمهْدي
قَالَ القَاضِي أما دَعْوَى جهالته فلاتتم إِذا كَانَت مَعْلُومَة عِنْد الله تَعَالَى كمن وكل رجلا فِي أَن يهدي شَيْئا من مَاله لَا يعرفهُ الْمهْدي ويعرفه الْوَكِيل صَحَّ
وَهل يسْتَحبّ إهداء الْقرب أم لَا قَالَ القَاضِي فَإِن قيل فَإِذا كَانَ الثَّوَاب يصل وَالْإِحْسَان مَنْدُوب إِلَيْهِ فَلم كره أَحْمد أَن يخرج من الصَّفّ الأول ليؤثر أَبَاهُ بِهِ وَهِي فَضِيلَة آثر أَبَاهُ بهَا وَقد نقل أَبُو الْفرج بن الصَّباح البرزاطي قَالَ قلت لِأَحْمَد يخرج الرجل من الصَّفّ الأول وَيقدم أَبَاهُ فِي مَوْضِعه فَقَالَ مَا يُعجبنِي هُوَ يقدر أَن يبر أَبَاهُ بِغَيْر هَذَا
قيل وَقد نقل عَن أَحْمد مَا يدل على نفي الْكَرَاهَة فَقَالَ أَبُو بكر بن حَمَّاد الْمقري إِن الرجل يَأْمُرهُ وَالِده بِأَن يُؤَخر الصَّلَاة ليُصَلِّي بِهِ قَالَ يؤخرها فقد أمره بِطَاعَة أَبِيه بِتَأْخِير الصَّلَاة وَترك فَضِيلَة أول الْوَقْت
الْوَجْه فِيهِ أَنه قد ندب إِلَى طَاعَة أَبِيه فِي ترك صَوْم النَّفْل وَصلَاته وَإِن كَانَ ذَلِك قربَة وَطَاعَة وَقد قَالَ فِي رِوَايَة هَارُون بن عبد الله فِي غُلَام يَصُوم إِذا نهياه
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي بن المنجي فِي بحث الْمَسْأَلَة فَإِن قيل الإيثار بالفضائل وَالدّين غير جَائِز عنْدكُمْ كالإيثار بِالْقيامِ فِي الصَّفّ الأول ثمَّ ذكر نَحْو كَلَام القَاضِي
وَهَذَا مِنْهُمَا تَسْوِيَة بَين نقل الثَّوَاب بعد ثُبُوته واستحقاقه وَبَين نقل سَبَب الثَّوَاب قبل فعله وَلَا يَخْلُو من نظر
وَالْمَشْهُور كَرَاهَة إِيثَار الْإِنْسَان بِالْمَكَانِ الْفَاضِل إِذا لم ينْتَقل إِلَى مثل ثَوَابه مَكَانَهُ بالسواء لِأَنَّهُ يُؤثر على نَفسه فِي الدّين
وَذكر ابْن عقيل فِي الْفُصُول أَنه لَا يجوز وَقيل لَا يكره وَإِلَّا كره
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي فَتَاوِيهِ أَنه لم يكن من عادات السّلف إهداء ثَوَاب ذَلِك إِلَى موتى الْمُسلمين بل كَانَ عَادَتهم أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ الله بأنواع الْعِبَادَات الْمَشْرُوعَة فَرضهَا ونفلها وَكَانُوا يدعونَ للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات كَمَا أَمر الله بذلك يدعونَ لأحيائهم وأمواتهم فَلَا يَنْبَغِي للنَّاس أَن يعدلُوا عَن طَرِيق السّلف فَإِنَّهُ أفضل وأكمل انْتهى
قَوْله وَيكرهُ الْمَشْي فِي الْمقْبرَة بنعلين إِلَّا من عذر
نَص على ذَلِك وَعنهُ لَا يكره وَلَا يسْتَحبّ الْخلْع كَقَوْلِه الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة
وَظَاهر كَلَامه بالتمشك وَنَحْوه وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا يكره كالنعل لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا يشق خلعه بِخِلَاف الْخُف وَالثَّانِي لَا يكره اخْتَارَهُ القَاضِي وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب قصرا للْحكم على مورد النَّص وَهُوَ حَدِيث بشير بن الخصاصية ورد فِي النِّعَال السبتية وَهُوَ عُمْدَة الْمَسْأَلَة وَعَلِيهِ اعْتمد الْأَصْحَاب وَالْإِمَام وَقطع ابْن تَمِيم وَابْن حمدَان بِأَنَّهُ لَا يكره بالنعال وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف وَهُوَ مُخَالف للخير وَالْمذهب
قَوْله وَيكرهُ الْجُلُوس والاتكاء على الْقُبُور
قطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِالتَّحْرِيمِ إِن كَانَ لقَضَاء حَاجَة
وَظَاهر كَلَامه هُنَا أَنه لَا فرق وَترْجم القَاضِي فِي الْخلاف الْمَسْأَلَة
بِالْكَرَاهَةِ كَمَا ذكر غَيره وَقَالَ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل فَقَالَ الْقعُود على الْقُبُور والْحَدِيث عِنْدهَا والتغوط بَين الْقُبُور كل ذَلِك مَكْرُوه قَالَ وَكَذَلِكَ نقل أَبُو طَالب وَقَالَ فِي بحث الْمَسْأَلَة وَلِأَن فِي الْجُلُوس عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِحقِّهِ واستهانة بِهِ وَهَذَا لَا يجوز
وَقد عرف أَن لِأَصْحَابِنَا وَجْهَيْن فِي الْكَرَاهَة فِي كَلَام الإِمَام أَحْمد التَّحْرِيم وَكَرَاهَة التَّنْزِيه وَقَالَ الشريف فِي بحث الْمَسْأَلَة بعد أَن ذكر الْكَرَاهَة لِأَن فِي ذَلِك اسْتِخْفَافًا بِصَاحِبِهِ واستهانة بِهِ أشبه مَا إِذا قعد عَلَيْهِ للبول
قَوْله وتستحب زِيَارَة الْقُبُور للرِّجَال
ذكره بَعضهم إِجْمَاعًا وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَحكى بَعضهم عَن طَائِفَة كَرَاهَته
قَالَ المُصَنّف وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ أَنَّهَا جَائِزَة لَا اسْتِحْبَاب فِيهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا بَأْس أَن يزور الرِّجَال الْمَقَابِر وَكَذَا حكى أَبُو الْمَعَالِي عَن الْخرقِيّ أَنه مُبَاح لَا بَأْس بِهِ وَكَذَا عبارَة الْحلْوانِي وَفِي الْعُمْدَة لِأَن الْأَمر بهَا أَمر بعد حظر وَالْمَشْهُور عندنَا أَنه للاباحة وَمن حمله على النّدب فلقرينة تذكر الْمَوْت أَو الْأَمر فِيهِ
وَحكى أَبُو الْمَعَالِي عَن مَالك أَنه يكره وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يكره الْإِكْثَار من زِيَارَة الْمَوْتَى
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَيكرهُ الْإِكْثَار من زِيَارَة قُبُور الْمَوْتَى والاجتماع عِنْدهَا وَالسّفر إِلَيْهَا وَحُضُور الْقَاص لَهَا
- صلى الله عليه وسلم َ - كتاب الْبيُوع
قَوْله ينْعَقد البيع بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول
فَيَقُول البَائِع بِعْتُك أَو مَلكتك وَنَحْوهمَا وَيَقُول المُشْتَرِي ابتعت أَو قبلت وَنَحْوهمَا وَذكر القَاضِي فِي التَّعْلِيق رِوَايَة أَنه عبارَة عَن بِعْت واشتريت وحكاها فَخر الدّين وللشافعية وَجْهَان فَإِن كَانَ الْقبُول بِلَفْظ الْمُضَارع مثل أَن يَقُول بِعْتُك فَيَقُول أَنا آخذه بذلك لم يَصح نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنى فِي رجل قَالَ لرجل قد بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ الآخر أَنا آخذه قَالَ لَا يكون بيعا حَتَّى يَقُول قد أَخَذته وسيأتى ذَلِك فِي قَوْله وَلَو تقدم عَلَيْهِ فِي النِّكَاح مَا يتَعَلَّق بِهَذَا
وَنَصّ فِي رِوَايَة أَحْمد بن الْقَاسِم فِيمَن قيل لَهُ بكم هَذَا الثَّوْب قَالَ بِعشْرَة دَرَاهِم فَيَقُول المُشْتَرِي قد قبلت أَنه يَكْفِي وَلَا يحْتَاج بعد هَذَا إِلَى كَلَام آخر
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد نَص على أَن قَوْله هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة دَرَاهِم
إِيجَاب وَإِن لم يلفظ بِمَا اشتق من الْمَبِيع وَلَا بِصِيغَة انْتِقَال إِلَى المُشْتَرِي وَقَوله هَذَا بِعشْرَة دَرَاهِم جملَة اسمية لَا فعلية مَعَ احْتِمَاله لِمَعْنى السّوم وَقد نَص على أَن الْقبُول بِصِيغَة الْمُضَارع لَا يَصح انْتهى كَلَامه
وَقد ذكر الْجوزجَاني إِذا قَالَ بكم قَالَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ الآخر قد أَخَذته فَهُوَ بيع تَامّ لحَدِيث بكر بن عَمْرو
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفرج فَإِن قَالَ لَهُ بكم تبيع هَذَا فَقَالَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ شل يدك واتزن الثّمن لم يكن ذَلِك إِيجَابا وَلَا قبولا وَقَالَ مَالك يكون إِيجَابا وقبولا وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يكون ذَلِك إِيجَابا وقبولا فِيمَا قرب من البضائع كالشيء الْيَسِير وَيسْقط اعْتِبَار الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي هَذِه الْأَشْيَاء للْمَشَقَّة انْتهى كَلَامه
وَقَالَ حَرْب سَأَلت أَحْمد عَن بيع عيدَان الْمَعَادِن قَالَ إِذا كَانَ شَيْئا ظَاهرا يرى يَقُول أبيعك هَذَا فَلَا بَأْس قيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ جَوْهَر غَائِب فِي الأَرْض فَلم يرخص فِيهِ
وَظَاهر هَذَا أَنه إِيجَاب بِلَفْظ الْمُضَارع وَنَصّ أَحْمد فِي مسَائِل مثل هَذَا
فَإِن عقد البيع بلغته صَحَّ إِذا عرف مقتضاها ذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَظَاهره أَنه لَا يَصح إِذا لم يعرف مقتضاها وبنبغي أَن تكون كنظيرتها فِي الطَّلَاق إِن لم ينْو مقتضاها لم يَصح وَإِن نوى خرج على الْوَجْهَيْنِ
قَوْله وَإِن تقدم عَلَيْهِ فعلى رِوَايَتَيْنِ
يَعْنِي إِن تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه أَنه لَا يَصح قَالَ وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة وَاخْتَارَهُ أَبُو بكر وَغَيره
وَذكر ابْن هيبرة أَنَّهَا أشهرهما عَن الإِمَام أَحْمد وَمِمَّا احْتج بِهِ أَبُو الْحُسَيْن
بِأَن الْقبُول تقدم الْإِيجَاب فِي عقد يلْحقهُ الْفَسْخ لم يَصح دَلِيله لَو تَأَخّر الْإِيجَاب عَن الْقبُول سَاعَة وهما فِي الْمجْلس وَهُوَ معنى كَلَام أبي الْفرج وَقطع فِي المغنى وَالْكَافِي بِالصِّحَّةِ فِيمَا إِذا تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي كَقَوْل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقدم الصِّحَّة فِيمَا إِذا تقدم بِلَفْظ الْأَمر خلافًا لأبي حنيفَة وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصِّحَّة
وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَو قَالَ بِعني عَبدك على أَن على ألفا أَن فِيهِ الْخلاف وَذكر القَاضِي فِي الْجَامِع أَنه لَا يَصح وَقَالَ ابْن عقيل إِذا قَالَ يَعْنِي عَبدك هَذَا وَلَك ألف فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله يَعْنِي عَبدك بِأَلف فَإِذا قَالَ بِعْتُك صَحَّ فيهمَا وَلزِمَ الْعِوَض إِذا قُلْنَا بِتَقْدِيم الْقبُول على الْإِيجَاب
وَذكر القَاضِي فِي ضمن جعل الدّين صَدَاقا فِي قَوْله بِعْتُك بِكَذَا أَو على كَذَا وزوجتك بِكَذَا أَو على كَذَا قَالَ القَاضِي على بعض الْبَدَل كَمَا إِذا قَالَ أجرتك على عشرَة دَرَاهِم اقْتضى أَن يكون بَدَلا ذكره مَحل وفَاق فَأَما إِن كَانَ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه أبعتني هَذَا بِكَذَا أَو أتبيعني هَذَا بِكَذَا أَو أتبيعني هَذَا بِهِ لم يَصح نَص عَلَيْهِ حَتَّى يَقُول بعده اشْتريت أَو شبهه وَهَذَا قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلم أجد فِيهِ خلافًا فَإِن قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي اشتره بِكَذَا أَو ابتعه بِكَذَا فَقَالَ هُوَ اشْتَرَيْته أَو أبتعته لم يَصح حَتَّى يَقُول البَائِع بعده بِعْتُك أَو نَحوه قطع بِهِ فِي الرِّعَايَة لِأَن طلب المُشْتَرِي قد يقوم مقَام قبُوله لدلالته على رِضَاهُ وَأمر البَائِع بِالشِّرَاءِ لم يوضع للْإِيجَاب وَلَا للبدل
وَهَذَا فِيهِ نظر ظَاهر وَالْأولَى أَن يكون كتقدم الطّلب على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ دَال على الْإِيجَاب وَالْبدل وللشافعية وَجْهَان
وَلَو تَأَخّر الطّلب من المُشْتَرِي لم يَصح قولا وَاحِدًا
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا كَانَ الْمَبِيع عينا من الطَّرفَيْنِ فكلاهما مُوجب
قَابل فَيَنْبَغِي أَن يقدم أَحدهمَا على الآخر كالعكس لَكِن لَو قَالَ أَحدهمَا ابتعت هَذَا العَبْد بِهَذَا أَو قَالَ بِعني كَانَ تقدما على ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا مَعَ أَن الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا عَن أَحْمد لَيْسَ فِيهَا إِلَّا إِذا تقدم بِلَفْظ الطّلب والاستدعاء وَلَا يلْزم من الْمَنْع هُنَا الْمَنْع إِذا كَانَ بِلَفْظ الْخَبَر مثل قَوْله اشْتريت وابتعت قَالَ وَأما إِذا كَانَ دينا بِعَين وَهُوَ السّلم فَهُنَا الْمَعْرُوف أَن يَقُول أسلمت إِلَيْك هَذِه الْمِائَة فِي وسق حِنْطَة أَو أسلمت إِلَيْك مائَة فِي وسق حِنْطَة فَيَقُول قبلت فيقدمون لفظ المسلف ويجعلونه بِمَنْزِلَة الْمُوجب والمستسلف بِمَنْزِلَة الْقَابِل لِأَن المسلف هُوَ الَّذِي يقدم الْعين فَصَارَ بِمَنْزِلَة البَائِع وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى المستسلف هُوَ البَائِع فَلَو تقدم قَول المستسلف بِصِيغَة البيع مثل أَن يَقُول بِعْتُك وسق حِنْطَة بِعشْرَة دَرَاهِم فَهَذَا جَار على التَّرْتِيب لكنه بِلَفْظ البيع
وَلَو قَالَ الْمُسلم اشْتريت مِنْك وسق حِنْطَة بِعشْرَة دَرَاهِم فَقَالَ بِعْت فقد اسْتَويَا من جِهَة أَن السّلف تقدم قبُوله لَكِن هُنَاكَ جَاءَ بِلَفْظ الْقبُول وَهُوَ اشْتريت وَهنا جَاءَ بِلَفْظ إِيجَاب وَهُوَ أسلمت فَهُنَا يَجِيء أَربع مسَائِل لِأَن التَّرْتِيب بِلَفْظ السّلم غير التَّرْتِيب بِلَفْظ البيع
وَيجوز أَن يقارن الْقبُول الْإِيجَاب إِذا تولاهما وَاحِد فِي مثل قَوْله جعلت عتقك صداقك وَقَول الْوَلِيّ تزوجت فُلَانَة وَنَحْو ذَلِك ذكره غير وَاحِد من الْأَصْحَاب لِأَن الْجُمْلَة الْوَاحِدَة تَضَمَّنت جملتي الْقبُول والإيجاب فَيكون اشْتِرَاط تقدم الْإِيجَاب على الْقبُول حَيْثُ افْتقر إِلَى جملتين
وَلَو قَالَ إِن بعتني عَبدك هَذَا فلك عَليّ ألف فَقَالَ بِعْتُك لم يَصح البيع بِخِلَاف الْخلْع لِأَن البيع يفْتَقر إِلَى استدعاء تمْلِيك وَالْخلْع لَا يفْتَقر إِلَى استدعاء تمْلِيك لِأَن ملكه يَزُول عَنْهَا بِغَيْر رِضَاهَا ذكره القَاضِي فِي الْجَامِع والمجرد
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ومضمونه أَن تقدم الْقبُول بِصِيغَة الشَّرْط لَا يَصح الْبَتَّةَ
قَوْله وَلَو تقدم عَلَيْهِ فِي النِّكَاح لم يَصح رِوَايَة وَاحِدَة
سَوَاء كَانَ بِلَفْظ الْمَاضِي مثل تزوجت ابْنَتك فَيَقُول زوجتكها
وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي وَغَيره وَنَصّ أَحْمد فِي رِوَايَة عَليّ بن سعيد على التَّفْرِقَة بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين البيع فَقَالَ النِّكَاح أَشد
وَحكى الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه احْتِمَالا أَنه يَصح سَوَاء تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَاحْتج لعدم الصِّحَّة هُوَ وَغَيره بِأَنَّهُ لَو أَتَى بالصيغة الْمَشْرُوعَة مُتَقَدّمَة فَقَالَ قبلت هَذَا النِّكَاح فَقَالَ الْوَلِيّ زَوجتك ابْنَتي لم يَصح فَلِأَن لَا يَصح إِذا أَتَى بغَيْرهَا أولى
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَذكر أَبُو الْخطاب أَن تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب لَا يضر فِي النِّكَاح مثل أَن يَقُول تزوجت فَيَقُول زَوجتك صرح بِهِ فِي مَسْأَلَة النِّكَاح الْمَوْقُوف قَالَ وَكَذَا ذكر أَبُو حَفْص العكبري يَعْنِي فِي كتاب الْخلاف لَهُ بَين مَالك وَأحمد وَقَالَ أَيْضا وَاشْترط تقدم الْإِيجَاب على الْقبُول فِيمَا إِذا كَانَ أحد الْمُتَعَاقدين مُوجبا وَالْآخر قَابلا سَوَاء أوجب فِي امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ فَأَما إِن كَانَ كل مِنْهُمَا مُوجبا قَابلا مثل مَسْأَلَة الشّغَار إِذا صححناه إِذا قَالَ أَحدهمَا زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك فقد أَتَى بِالْقبُولِ بِصِيغَة الْمُضَارع المقترن بِأَن وَقد ذكر هَذَا القَاضِي وَغَيره وَإِن تقدم لفظ الْقبُول فيهمَا بِأَن يَقُول زَوجنِي ابْنَتك على أَن أزَوجك ابْنَتي أَو زَوجنِي بنتك
وأزوجك بِنْتي فَهَذَا قد ذكره الإِمَام أَحْمد لَكِن كَلَامه مُحْتَمل للخطبة وَالْعقد فَقِيَاس قَوْلنَا أَن لَا يَصح هُنَا حَتَّى يَقُول ذَلِك قد زَوجتك ثمَّ يَقُول الأول قبلت لِأَنَّهُ جعل الْقبُول أصلا والإيجاب تبعا وَجعل الْإِيجَاب بِلَفْظَة المضارعة الْمُسْتَقْبلَة وَمن جوز تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب صَححهُ
قَوْله وَإِن ترَاخى عَنهُ صَحَّ مَا داما فِي الْمجْلس وَلم يتشاغلا بِمَا يقطعهُ وَإِلَّا فَلَا يَصح
قَالَ فِي الرِّعَايَة مِمَّا يقطعهُ عرفا يَعْنِي وَالله أعلم بِكَلَام أَجْنَبِي أَو سكُوت طَوِيل عرفا وَنَحْو ذَلِك
قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لِأَن العقد إِذا تمّ بِالْقبُولِ فَلم يتم مَعَ تباعده عَنهُ كالاستثناء وَالشّرط وَخبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَا يتم الْكَلَام إِلَّا بِهِ وقاسه القَاضِي على خِيَار الْمُجبرَة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي أثْنَاء كَلَامه فِي اشْتِرَاط الِاتِّصَال قَالَ وَأما فِي الْمُوَالَاة وَهُوَ الِاتِّصَال فإمَّا فِي كَلَام وَاحِد كالأيمان وَالنُّذُور وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وفيهَا الرِّوَايَتَانِ فِي الْأَيْمَان وَالطَّلَاق وهما فِي الْعُقُود أولى هَذَا كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع آخر وَالظَّاهِر أَنه من كَلَام أبي حَفْص العكبري لِأَنَّهُ يعلم لَهُ ك وَفِي الْموضع علم لَهُ ك إِذا قَالَ بِعْت أَو زوجت وَنَحْوهمَا وَطَالَ الْفَصْل قبل الْقبُول ثمَّ قَالَ البَائِع أَلا تقبل مني هَذَا البيع اقبله مني فَقَالَ قبلت فأفتيت بانعقاد البيع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن أبرأتني هَذِه السَّاعَة من صداقك فَأَنت طَالِق فَقَالَت مَا أبريك ثمَّ سكتوا زَمَانا ثمَّ قَالَ بل ابريني فَقَالَت أَبْرَأتك أَفْتيت بِوُقُوع الطَّلَاق لِأَن هَذِه الصِّيَغ متضمنة
الطّلب لِأَن كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين طَالب من الآخر مَقْصُوده فَمَتَى تكلم بِصِيغَة العقد وَطَالَ الْفَصْل ثمَّ طلب مَقْصُوده الَّذِي طلبه أَولا طلبا ثَانِيًا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة ابْتِدَائه الطّلب حِينَئِذٍ وَكَانَ ترك ذكره للعوض الآخر من بَاب الْمَحْذُوف الْمَدْلُول عَلَيْهِ وَيُمكن أَن تبنى هَذِه الْمَسْأَلَة على الشَّرْط الْمُتَقَدّم على العقد هَل هُوَ بِمَنْزِلَة الْمُقَارن وَهَذَا بِنَاء صَحِيح
قَوْله وَعنهُ يَصح فِي النِّكَاح وَلَو بعد الْمجْلس
قَالَ القَاضِي قد علق القَوْل فِي رِوَايَة أبي طَالب فِي رجل مَشى إِلَيْهِ قوم فَقَالُوا زوج فلَانا فَقَالَ قد زَوجته على ألف فَرَجَعُوا إِلَى الزَّوْج فأخبروه فَقَالَ قد قبلت هَل يكون هَذَا نِكَاحا قَالَ نعم قَالَ وَظَاهر هَذَا أَنه حكم بِصِحَّتِهِ بعد التَّفَرُّق عَن مجْلِس العقد قَالَ وَهَذَا مَحْمُول على أَنه قد كَانَ وكل من قبل العقد عَنهُ ثمَّ أخبر بذلك فأمضاه
وَقَالَ أَبُو بكر فِي كتاب الْمقنع مَسْأَلَة أبي طَالب متوجهة على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا لَا يجوز بِاتِّفَاق الْوَلِيّ وَالزَّوْج وَالشُّهُود فِي مجْلِس وَاحِد قَالَ وعَلى ظَاهر مَسْأَلَة أبي طَالب يجوز وبالأول أَقُول وَقَالَ ابْن عقيل وَهَذَا يعْطى أَن النِّكَاح الْمَوْقُوف صَحِيح وَشَيخنَا حمل الْمَسْأَلَة على أَنه وكل ذَلِك فِي قبُوله وَلَا وَجه لترك ظَاهر كَلَام الرجل وَالرِّوَايَة ظَاهِرَة وَلَا يتْرك ظَاهرهَا بِغَيْر دلَالَة من كَلَامه فِيهَا لَا فِي غَيرهَا لأَنا لَو صرفنَا رِوَايَة عَن ظَاهرهَا بِرِوَايَة لم يبْق لنا فِي الْمَذْهَب رِوَايَتَانِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد أحسن ابْن عقيل وَهُوَ طَريقَة أبي بكر فَإِن هَذَا لَيْسَ تراخيا للقبول عَن الْمجْلس وَإِنَّمَا هُوَ تراخ للاجازة وَالْعقد انْعَقَد بقوله زوجت فلَانا فَيكون قد تولى وَاحِد طرفِي العقد وَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا
فضوليا لَا سِيمَا إِن جعل قَول أُولَئِكَ لَهُ زوج فلَانا قبولا مِنْهُم مُتَقَدما هم فِيهِ فضوليون قَالَ وَيجوز أَن يُقَال إِن الْعَاقِد الآخر إِن كَانَ حَاضرا اعْتبر قبُوله وَإِن كَانَ غَائِبا جَازَ تراخي الْقبُول عَن الْمجْلس كَمَا قُلْنَا فِي ولَايَة الْقَضَاء مَعَ أَن أَصْحَابنَا قد قَالُوا فِي الْوكَالَة إِنَّه يجوز قبُولهَا على الْفَوْر والتراخي وَفِي ولَايَة الْقَضَاء فرقوا بَين حُضُور الْمولى وغيبته وَإِنَّمَا الْولَايَة نوع من جنس الْوكَالَة
وَقَالَ أَيْضا مَسْأَلَة أبي طَالب وَكَلَام أبي بكر فِيمَا إِذا لم يكن الزَّوْج حَاضرا فِي مجْلِس الْإِيجَاب وَهَذَا أحسن أما إِذا تفَرقا عَن مجْلِس الْإِيجَاب فَلَيْسَ فِي كَلَام أَحْمد وَأبي بكر مَا يدل على ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُجَرّد انْتهى كَلَامه
وَهَذَا مُوَافق لما ذكره الشريف أَبُو جَعْفَر فَإِنَّهُ قَالَ إِذا قَالَ الْوَلِيّ اشْهَدُوا أَنِّي قد زوجت ابْنَتي من فلَان فَبلغ ذَلِك فلَانا لم يَصح وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح وَعَن أَحْمد مثله
دليلنا أَن الْقبُول وجد فِي غير مجْلِس الْإِيجَاب فَلَا يَصح كَمَا لَو كَانَ فِي مجْلِس فَلم يقبل حَتَّى تفَرقا
وَوجه الشَّيْخ زين الدّين بن المنجا فِي شَرحه رِوَايَة عدم بطلَان الْإِيجَاب إِذا تفَرقا عَن مجْلِس العقد بِأَنَّهُ قد وَجه مِنْهُ الْقبُول أشبه مَا لَو وجد فِي الْمجْلس
وَذكر القَاضِي فِي الْمُجَرّد وَابْن عقيل فِي الْفُصُول فِي تَتِمَّة رِوَايَة أبي طَالب الْمَذْكُورَة فَقَالَ قد قبلت صَحَّ إِذا حَضَره شَاهِدَانِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ يَقْتَضِي أَن إجَازَة العقد الْمَوْقُوف إِذا قُلْنَا بانعقاده يفْتَقر إِلَى شَاهِدين كَأَصْلِهِ وَهُوَ مُسْتَقِيم حسن لِأَن العقد إِنَّمَا يتم بهما بِخِلَاف الْإِذْن للْوَلِيّ فَإِنَّهُ شَرط العقد لإتمام العقد وَالشَّهَادَة مُعْتَبرَة فِي نفس النِّكَاح لَا فِي شُرُوطه
قَوْله وَيصِح بيع المعاطاة إِلَى آخِره
طَريقَة الْأَصْحَاب أَن الشَّرْع قد ورد بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فِي الْجُمْلَة وَمَا ورد بِهِ الشَّرْع مُطلقًا رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْعرف
وَالْعَادَة أَن النَّاس يتبايعون بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول وعَلى هَذَا قد يعرى بيع المعاطاة عَن لفظ إِذا كَانَ هُنَاكَ عرف بِوَضْع الثّمن وَأخذ الثّمن كَقطع الْحَلَاوَة وجزر البقل أَو بمناولة بِالْيَدِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وأصوله تَقْتَضِي ثُبُوت الْعُقُود والشروط بِالْعرْفِ فِي مَسْأَلَة الْحمام وَالْغسْل
وَقد نَص أَحْمد على أَن العقد وَالْفَسْخ لَا يكون إِلَّا بِكَلَام فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سعيد قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل قلت أَرَأَيْت لَو أعتق المُشْتَرِي العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ وهما فِي الْمجْلس فَأنْكر البَائِع عتقه وَأَرَادَ أَن يرد بَيْعه هَل لَهُ ذَلِك قَالَ عتق المُشْتَرِي فِيهِ جَائِز بِمَنْزِلَة الْمَوْت مالم يرجع البَائِع فِيهِ قبل عتقه وَلَا يكون الرُّجُوع للْبَائِع فِيهِ إِلَّا بِكَلَام مثل البيع الَّذِي مَا يكون إِلَّا بِكَلَام انْتهى كَلَام الشَّيْخ
وَلَعَلَّ هَذَا من أَحْمد على الرِّوَايَة الَّتِي تمنع بيع المعاطاة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عبارَة أَصْحَابنَا وَغَيرهم تَقْتَضِي أَن المعاطاة وَنَحْوهَا لَيست من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَهَذَا تَخْصِيص عرفي فَالصَّوَاب الِاصْطِلَاح الْمُوَافق للغة وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين أَن لفظ الْإِيجَاب وَالْقَبُول يشْتَمل على صور العقد قولية أَو فعلية قَالَ وَلِهَذَا قَيده القَاضِي فِي آخر كَلَامه حَيْثُ قَالَ لم يُوجد الْإِيجَاب وَالْقَبُول الْمُعْتَاد يَعْنِي الْمُعْتَاد تَسْمِيَته بذلك
قَوْله إِلَى أَن يَتَفَرَّقَا
قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن الْمَسْأَلَة وَلَا يتَعَلَّق لُزُوم العقد بالتفرق وَحده حَتَّى يَنْضَم إِلَيْهِ اخْتِيَار الْعَاقِد فَلَو هرب أَحدهمَا من صَاحبه أَو فسخ فِي الْمجْلس ثمَّ تفَرقا لم يلْزم العقد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَهُوَ خلاف كَلَام الْأَصْحَاب
قَوْله فَإِن أسقطاه فِي الْمجْلس أَو فِي العقد سقط وَعنهُ لَا يسْقط
أَكثر الْأَصْحَاب حكى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْهُم أَبُو الْخطاب فِي الْهِدَايَة وَذكره فِي الِانْتِصَار فِي ضمن مَسْأَلَة الْأَعْيَان الغائبة وَلم أجد فِي شَيْء من كَلَام الإِمَام أَحْمد إِسْقَاط الْخِيَار فِي الْعُقُود وَإِنَّمَا فِيهِ التَّخْيِير بعد العقد
وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق نقل الْمَيْمُونِيّ عَنهُ إِذا تخايرا حَال العقد انْعَقَد الْخِيَار قَالَ أَبُو بكر وَتَابعه حَرْب
قَالَ القَاضِي وَهَذَا تَنْبِيه على مَا بعد العقد لِأَن حَالَة العقد أَضْعَف وَقد قطع الْخِيَار بَينهمَا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كتبت لفظ رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ وَحرب وَلَيْسَ فيهمَا أَكثر مِمَّا فِي حَدِيث ابْن عمر وَلَفظ رِوَايَة الْأَثْرَم نَص فِيمَن ذهب إِلَى حَدِيث ابْن عمر يَقُول إِذا خَيره بعد البيع وَجب البيع قَالَ وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل على أَن إِسْقَاطه فِي العقد لَا يسْقط بِهِ قولا وَاحِدًا
قَالَ القَاضِي إِذا أسقطاه فِي العقد وَقُلْنَا لَا يسْقط فَفِي بطلَان العقد الرِّوَايَتَانِ فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة
وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه ابْنه أَبُو الْحُسَيْن وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم وَقدمه غير وَاحِد أَنه لَا يسْقط مُطلقًا
وَاخْتَارَ ابْن أبي مُوسَى وَالشَّيْخ موفق الدّين أَنه يسْقط وَقدمه المُصَنّف هُنَا وَالْقَوْل بالتفرقة إِلَيْهِ ميل أبي الْخطاب وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين هُنَا وَهُوَ مُتَوَجّه على الْمَذْهَب
قَوْله وَيجوز خِيَار الشَّرْط فَوق ثَلَاث
لَو بَاعَ مَالا يبْقى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام كطعام رطب بِشَرْط الْخِيَار ثَلَاثًا فَقَالَ القَاضِي يَصح الْخِيَار وَيُبَاع ويحفظ ثمنه إِلَى الْمدَّة
وَحكى عَن أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يَصح كَقَوْلِهِم فِي الْإِجَارَة وَعَلِيهِ قاسوها وَكَذَلِكَ يتَوَجَّه على وَجْهي الْإِجَارَة
وعَلى قَوْلنَا إِن تلف بِالْعِتْقِ وَغَيره يبطل الْخِيَار فَإنَّا نمْنَع الشَّرْط لاسترجاع الْقيمَة لَكِنَّهَا هُنَا أَمَانَة وَهُنَاكَ فِي الذِّمَّة
قَوْله وَيتَخَرَّج أَن لَا يَنْفَسِخ إِذا لم يبلغهُ فِي الْمدَّة
هَذَا التَّخْرِيج ذكره أَبُو الْخطاب قَالَ كالموكل هَل يملك عزل وَكيله من غير حُضُوره وَعلمه على رِوَايَتَيْنِ أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس أَن الْوكَالَة إِذا قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ قبل الْعلم أَن نقُول هُنَا لَا يَنْفَسِخ قبل الْعلم فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة فَلم يتَصَرَّف الآخر حَتَّى بلغه الْخَبَر
انْفَسَخ وَإِن تصرف قبل بُلُوغ الْخَبَر لم يَصح كَمَا قُلْنَا مثل ذَلِك فِي الرّجْعَة على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا إِذا تزوجت قبل أَن يبلغهَا خير الرّجْعَة أنعقد النِّكَاح وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِذا كَانَ الْخِيَار لأَحَدهمَا كَانَ لَهُ الْفَسْخ من أَنه لَا يفْسخ إِلَّا بِحُضُورِهِ
وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام غَيره من الْأَصْحَاب أَنه يملك الْفَسْخ من غير إِحْضَار الثّمن
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلَا يملك الْفَسْخ إِلَّا برد الثّمن نَص عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو طَالب لِأَحْمَد يَقُولُونَ إِذا كَانَ لَهُ الْخِيَار فَمَتَى قَالَ اخْتَرْت دَاري أَو أرضي فَالْخِيَار لَهُ وَيُطَالب بِالثّمن قَالَ كَيفَ لَهُ الْخِيَار وَلم يُعْطه مَاله لَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِن أعطَاهُ فَلهُ الْخِيَار وَإِن لم يُعْطه مَاله فَلَيْسَ لَهُ خِيَار
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد نَص على أَن البَائِع لَا يملك إِعَادَتهَا إِلَى ملكه إِلَّا بإحضار الثّمن كَمَا أَن الشَّفِيع لَا يملك أَخذ الشّقص
قَوْله وَإِذا شرطا الْخِيَار وَلم يؤقتاه
الْمَذْهَب عدم الصِّحَّة قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي الرجل يَبِيع البيع بِشَرْط وَلَا يُسمى أَََجَلًا فَلَا يُعجبنِي حَتَّى يُسَمِّي يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ
وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي رجل اشْترى شَيْئا وَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وَلم يسم إِلَى مَتى فَلهُ الْخِيَار أبدا أَو يَأْخُذهُ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَنه إِذا أطلق الْخِيَار ثَبت ثَلَاثًا لخَبر حبَان
قَوْله وَإِن قَالَ لزيد دوني لم يَصح
وَكَذَا قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا
وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي الْمُغنِي وَالْكَافِي أَنه يَصح وَنصب الْخلاف فِيهِ مَعَ القَاضِي لِأَنَّهُ أمكن تَصْحِيحه على هَذَا الْوَجْه فَتعين
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن إِذا ابْتَاعَ شَيْئا وَشرط الْخِيَار لغيره صَحَّ سَوَاء شَرط الْخِيَار لنَفسِهِ أَو جعله وَكيلا لَهُ فِي الْإِمْضَاء وَالرَّدّ أَو شَرطه للْوَكِيل دونه إِلَّا أَنه إِن شَرطه لنَفسِهِ وَجعله وَكيلا كَانَ لَهُ دون الْوَكِيل وَإِن شَرطه للْوَكِيل كَانَ الْخِيَار لَهما على ظَاهر كَلَامه وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يَصح وَيكون لَهما ثمَّ ذكر مَذْهَب الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ على صِحَّته بِأَنَّهُ خِيَار مُسْتَفَاد بِالشّرطِ فَكَانَ لمن شَرطه لَهُ دَلِيله لَو شرطاه لأحد الْمُتَبَايعين وَإِذا ثَبت أَن يكون لمن شَرطه لَهُ وَجب أَن يكون للْوَكِيل أَيْضا لِأَن هَذَا فَرعه وَعنهُ ملك وَاسْتحق أَن يكون لَهُ كَسبه ونماؤه وَإِن فسخ العقد قطع بِهَذَا مَعَ ذكره الْخلاف فِي نَمَاء الْمَبِيع الْمَعِيب وَقد قطع فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره بِأَن حكمه حكم نَمَاء الْمَعِيب الْمَرْدُود
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما النَّمَاء فَإِن كَانَ الْمُشْتَرى هُوَ الفاسخ فَهُوَ كَمَا لَو فسخ بِالْعَيْبِ وَفِي رد النَّمَاء رِوَايَتَانِ وَإِن كَانَ البَائِع هُوَ الفاسخ فَهُوَ كفسخ البَائِع لإفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن وَفِيه أَيْضا خلاف أقوى من الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِن الْمَنْصُوص أَنه يرجع بالنماء الْمُنْفَصِل فَلَا يكون الْخِيَار دون هَذَا انْتهى كَلَامه
وَقد صرح الشَّيْخ موفق بِأَن ظَاهر الْمَذْهَب أَن الزِّيَادَة للْمُفلس وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي هَذَا خلاف لظُهُوره وقاسه على مَسْأَلَة الْعَيْب وَالْخيَار وَهَذَا قَوْله جمَاعَة كَابْن حَامِد وَالْقَاضِي
وَعكس هَذَا وَأَن الزِّيَادَة للْبَائِع لَا للْمُفلس نَقله حَنْبَل وتأوله غير وَاحِد وَهُوَ قَول أبي بكر وَنَصره جمَاعَة كَأبي الْخطاب والشريف وَقدمه جمَاعَة كصاحب الْمُحَرر وَالْخُلَاصَة كَمَا فِي الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة وَالْفرق ظَاهر
فَأَما على رِوَايَة أَن الْملك للْبَائِع وَلم ينْتَقل عَنهُ فالكسب والنماء لَهُ
قَوْله وَمَتى تصرف البَائِع بِعِتْق أَو غَيره لم ينفذ تصرفه
كَذَا ذكره جمَاعَة وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن قُلْنَا الْملك لَهُ وَكَانَ الْخِيَار لَهُ وَحده صَحَّ تصرفه كَمَا ذكره المُصَنّف فِي المُشْتَرِي
وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي بعض كَلَامه أَنا إِذا قُلْنَا الْملك لَهُ وَكَانَ الْخِيَار لَهما أَو للْبَائِع وَحده أَن تصرفه صَحِيح نَافِذ وَله إبِْطَال خِيَاره فَأَما تصرفه بِالْعِتْقِ فَينفذ إِن قُلْنَا الْملك لَهُ
وَقد علل الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عدم جَوَاز عتق البَائِع بِأَنَّهُ غير مَالك لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت إِنَّمَا لَهُ فِيهِ خِيَار
قَوْله وَلم يكن فسخا
تبع القَاضِي وَأَصْحَابه وَمن الْأَصْحَاب من ذكر فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن وَمِنْهُم من ذكر رِوَايَتَيْنِ
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل تصرف البَائِع فِي الْمَبِيع فسخ على الْأَصَح فَلَا يَصح
قَوْله وَأما المُشْتَرِي فَلَا ينفذ تصرفه إِلَّا بِالْعِتْقِ
إِلَّا أَن يتَصَرَّف مَعَ البَائِع أَو يكون الْخِيَار لَهُ وَحده أما تصرفه بِالْعِتْقِ فَينفذ إِن قُلْنَا الْملك لَهُ
وَعند الْجوزجَاني لَا ينفذ عتقه لَكِن إِذا لم يناكره حَتَّى انْقَضى الْخِيَار مضى كَأَنَّهُ يُشبههُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الشّقص الْمَشْفُوع وَيتَخَرَّج مثله فِي الرَّهْن ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
وَذكر القَاضِي فِي ضمن خِيَار الْمجْلس أَنه إِذا اشْترى أَبَاهُ أَو من يعْتق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِنَفس الشِّرَاء بل بعد التَّفَرُّق وَعَلِيهِ حمل ظَاهر قَوْله عليه الصلاة والسلام لَا يَجْزِي ولد وَالِده شَيْئا إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه
وَذكر فِي مَسْأَلَة انْتِقَال الْملك أَن من فَوَائِد الْخلاف إِذا اشْترى أَبَاهُ أَو ابْنه على أَنه بِالْخِيَارِ عتق عَلَيْهِ عندنَا وَعِنْده لَا يعْتق
وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره إِن اشْترى من يعْتق عَلَيْهِ يجْرِي مجْرى إِعْتَاقه بِصَرِيح
قَوْله وَأما تصرفه بِغَيْر الْعتْق فَلَا ينفذ
قطع بِهِ جمَاعَة وَاسْتثنى الشَّيْخ موفق الدّين فِي بعض كَلَامه إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَحده لِأَنَّهُ لَا حق لغيره فِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي على قِيَاس كَلَامه السَّابِق تَصْحِيحه وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما كَمَا صَحَّ تصرف البَائِع وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما وَعَن أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد بن أبي حَرْب قيل لِأَحْمَد رجل اشْترِي سلْعَة بِشَرْط فَبَاعَهُ وَربح الرِّبْح لمن قَالَ الرِّبْح لَهُ لِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ حِين عرضه وَكَذَا نقل يَعْقُوب
وَاسْتثنى فِي الْمُحَرر تصرف المُشْتَرِي مَعَ البَائِع وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن التَّصَرُّف يدل على الرضى وَفِيه الْخلاف الْمَشْهُور وَتَصْحِيح هَذَا التَّصَرُّف مَعَ عدم تَصْحِيح تصرف البَائِع مُطلقًا فِيهِ نظر وَلَيْسَ بِمذهب للْإِمَام أَحْمد
وَظَاهر كَلَام القَاضِي فِي مَوضِع أَن تصرف المُشْتَرِي صَحِيح سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأما المُشْتَرِي فقد أطلق القَاضِي أَن تصرفه ينفذ
وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم يُرِيد إِذا لم يفْسخ البَائِع العقد كَمَا بَينه أَبُو بكر فِي التَّنْبِيه فَإِنَّهُ اسْتشْهد بقول أبي بكر وكما أَوْمَأ إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِيمَن بَاعَ الثَّوْب فَقَالَ يردهُ إِلَى صَاحبه الأول إِن طلبه فمفهومه أَنه إِذا لم يَطْلُبهُ مضى البيع
وَهَذَا هُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ كَلَام الإِمَام أَحْمد وَهُوَ قَول الْجوزجَاني وَعَلِيهِ يدل حَدِيث ابْن عمر
ثمَّ صرح بذلك فِي مَسْأَلَة عتق المُشْتَرِي فَقَالَ وَاحْتج بِأَنَّهُ لَو بَاعه أَو وهبه أَو وَقفه وقف جَمِيع ذَلِك على إِمْضَاء البَائِع كَذَلِك الْعتْق وَالْجَوَاب أَنه لَا يمْنَع أَن لَا ينفذ بَيْعه وهبته وَينفذ عتقه لما فِيهِ من التغليب والسراية كَمَا فِي العَبْد الْمُشْتَرك
وَقد ذكر فِي مَسْأَلَة انْتِقَال الْملك أَن تصرفه بِغَيْر الْعتْق ينفذ انْتهى كَلَامه
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل تصرف المُشْتَرِي فِيهِ رضى فِي الْأَصَح فَيصح إِن ملكه بِالْعقدِ وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ نَحْو سِتَّة أَقْوَال فِي صِحَة تصرف المُشْتَرِي بِغَيْر الْعتْق
قَوْله وَبِكُل حَال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إِمْضَاء
قَالَ إِسْمَاعِيل بن سعيد لِأَحْمَد أَرَأَيْت إِن أعتق المُشْتَرِي العَبْد الَّذِي اشْترى
وهما فِي الْمجْلس فَأنْكر البَائِع عتقه وَأَرَادَ أَن يرد بَيْعه هَل لَهُ ذَلِك قَالَ عتق المُشْتَرِي فِيهِ جَائِز بِمَنْزِلَة الْمَوْت مَا لم يرجع البَائِع فِيهِ قبل عتقه وَلَا يكون للْبَائِع الرُّجُوع فِيهِ إِلَّا بِكَلَام مثل البيع الَّذِي لَا يكون إِلَّا بالْكلَام
قَالَ القَاضِي وَهَذَا يدل على أَن بَيْعه لَا ينفذ وَلَا يكون فسخا
وَيخرج على هَذَا جَمِيع تَصَرُّفَاته بِالْعِتْقِ وَالْوَطْء لَا تنفذ وَلَا تكون دَالَّة على الْفَسْخ وَلَا يثبت الْفَسْخ من جِهَته إِلَّا بِلَفْظ الْفَسْخ لِأَن ملكه قد زَالَ وتصرفاته بَاطِلَة فَلم تكن دَالَّة على ملكه وتصرفه ينفذ فَلهَذَا كَانَ دَالا على الرِّضَا
وَقد قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن ماهان إِذا ابْتَاعَ ثوبا وَشرط الْخِيَار لنَفسِهِ ثَلَاثًا فعرضه على البيع قبل الثَّلَاث لزمَه وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس بن مُحَمَّد إِذا سكن الدَّار وَلبس الثَّوْب لزمَه انْتهى كَلَامه
فَمن الْأَصْحَاب من يَقُول تصرف البَائِع فسخ وَتصرف المُشْتَرِي إِمْضَاء وَمِنْهُم من يَقُول لَا وَمِنْهُم من يَحْكِي فِي ذَلِك رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من يَجْعَل تصرف المُشْتَرِي إِمْضَاء وَلَا يَجْعَل تصرف البَائِع فسخا كَمَا فِي الْمُحَرر وَصَاحب هَذَا القَوْل فرق بانتقاله لملك وَعَدَمه كَمَا ذكره القَاضِي وَقد يُعلل ذَلِك بِأَن تصرف المُشْتَرِي يدل على الرِّضَا وَقد ينتهض الْفِعْل الدَّال على الرضى ملزما للْعقد كَمَا فِي وَطْء الْمُعتقَة تَحت عبد وَوَطْء الْكَافِر الْمُسلم أحد زَوْجَاته وَوَطْء المُشْتَرِي الْجَارِيَة المعيبة بِخِلَاف تصرف البَائِع فَإِنَّهُ رَافع للْعقد
قَوْله وَفِي استخدامه رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يبطل خِيَاره لِأَن تصرف مِنْهُ أشبه الرّكُوب للدابة وَالثَّانيَِة
لَا لِأَنَّهُ لَا يخْتَص الْملك أشبه النّظر
وَقيل إِن قصد تجربته واختياره لم يبطل كركوب الدَّابَّة ليعلم سَيرهَا وَإِلَّا بَطل كركوبها لِحَاجَتِهِ وَقيل إِن قصد تجربه الْمَبِيع لم يبطل وَإِلَّا فروايتان وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي
قَوْله وَلَو قبلته الْمَبِيعَة فَلم يمْنَعهَا فخياره بَاقٍ
نَص عَلَيْهِ كَمَا لَو قبلت البَائِع وَيحْتَمل أَن يبطل إِذا لم يمْنَعهَا كَمَا لَو قبلهَا
وَشرط القَاضِي وَجَمَاعَة حُصُول الشَّهْوَة مِنْهَا وَجَمَاعَة لم يشرطوا فَهَذَا قَول ثَالِث
قَالَ القَاضِي إِن أَحْمد نَص على أَن مَسهَا إِيَّاه لتغيمز رَأسه وَرجلَيْهِ لَا يبطل خِيَاره وأبطل ذَلِك بمسه إِيَّاهَا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين غسل رَأسه وتغيمز رجلَيْهِ هُنَا كَانَ بأَمْره وَلَو قَالَ لَهَا قبليني أَو باشريني فَفعلت بَطل خِيَاره وَإِنَّمَا الْعلَّة أَن ذَلِك فعل مُبَاح مَعَ الْأَجْنَبِيّ بِدَلِيل أَن أَبَا مُوسَى غسل رَأسه امْرَأَة من قومه وتغميز الرجل لعِلَّة من وَرَاء حَائِل ومناط أَحْمد أَنه مَتى نَالَ مَا يحرم على الْأَجْنَبِيّ بَطل خِيَاره
فَيُؤْخَذ من هَذَا أَن قبلتها لَهُ لم يبلغ هُوَ مِنْهَا مَالا يحل لغيره انْتهى كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا فَلَعَلَّهُ يفرق بَين أَن ينْتَفع هُوَ بِالْمَبِيعِ وَبَين أَن يَنْفَعهُ الْمَبِيع بِنَفسِهِ
قَوْله وَلَو أعْتقهَا أَو تلفت عِنْده بَطل خِيَاره وَللْبَائِع الثّمن وَعنهُ لَهُ الْفَسْخ وَأخذ الْقيمَة
هَاتَانِ رِوَايَتَانِ منصوصتان
وَجه الأولى وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأبي بكر وَالْقَاضِي فِي رُءُوس مسَائِله ورجحها أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره أَنه خِيَار فسخ فَبَطل تلف الْمَبِيع كَخِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ إِذا تلف الْمَبِيع وَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن بعد تلف السّلْعَة وتحالفا وفسخا لِأَن الْفَسْخ حصل بِالْيَمِينِ لَا بِالْخِيَارِ
وَلَا معنى لقَولهم إِنَّه يسْتَدرك النَّقْص وَيَأْخُذ الْأَرْش فَلهَذَا لم يملك الْفَسْخ وَهنا لَا يسْتَدرك لِأَنَّهُ يبطل بِخِيَار الرُّجُوع فِي الْهِبَة فانه يسْقط بِهَلَاك الْعين وَأَن يسْتَدرك الْمَقْصُود وَهَذَا فِيهِ نظر
وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة أَن بَعضهم خرج فِي خِيَار الْعَيْب أَنه ملك الْفَسْخ وَيغرم ثمنه وَيَأْخُذ قِيمَته الَّذِي وَزنه وقاس أَبُو الْخطاب وَغَيره على الْإِقَالَة
وَعِنْدنَا تصح الْإِقَالَة مَعَ تلف الثّمن وَأما الْمُثمن فَإِن قُلْنَا هِيَ فسخ فَوَجْهَانِ وَإِن قُلْنَا بيع لم يصلح وَيصِح مَعَ تلف بعضه فِيمَا بَقِي
وَوجه الثَّانِيَة عُمُوم قَوْله عليه الصلاة والسلام البيعان بِالْخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا وَلِأَنَّهَا مُدَّة مُلْحقَة بِالْعقدِ فَلم تبطل بِتَلف الْمَبِيع كَمَا لَو اشْترى ثوبا بِثَوْب فَتلف أَحدهمَا وَوجد الآخر بِالثَّوْبِ عَيْبا فَإِنَّهُ يردهُ وَيرجع بِقِيمَة ثَوْبه كَذَا هَهُنَا
وَفرق أَبُو الْحُسَيْن بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة الأَصْل تلف بعض الْمَبِيع وَفِي مَسْأَلَة الْفَرْع تلف كُله وَفِي نظر وَهَذَا اخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره وقدمها فِي الْكَافِي وَالْخُلَاصَة وَالرِّعَايَة وَغَيرهم
وَذكر القَاضِي فِي الْخلاف أَنَّهَا أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَذكر ابْنه أَبُو الْحُسَيْن أَن القَاضِي اخْتَارَهَا فِي الْخلاف قَدِيما
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن أَحْمد صرح فِي رِوَايَة أبي طَالب بِأَنَّهُ إِذا أعتق العَبْد أَو مَاتَ لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا بِالثّمن وَإِذا بَاعه وَلم يُمكنهُ رده ضمنه بِالْقيمَةِ وَإِن كَانَت أَكثر من الثّمن فَفرق بَين مَا هُوَ تلف حسيا أَو حكميا وَبَين
مَا لَيْسَ بِتَلف وَإِنَّمَا هُوَ جِنَايَة فَوت بهَا يَد المُشْتَرِي فَيضمنهُ ضَمَان الْحَيْلُولَة فَحَيْثُمَا كَانَ العَبْد بَاقِيا فَعَلَيهِ الْقيمَة وحيثما كَانَ تَالِفا فعلى الرِّوَايَتَيْنِ
وَفقه ذَلِك ظَاهر فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَاقِيا أمكن فسخ العقد لبَقَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَإِمْكَان رُجُوعه
وعَلى هَذَا فَجَمِيع الفسوخ من الْفَسْخ بِالْعَيْبِ وَاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَنَحْو ذَلِك مِمَّا اخْتلف فِي جَوَاز فَسخهَا بعد تلف الْمَبِيع قد سووا بَين الْفَوْت والتلف لِأَن التفويت هُنَاكَ كَانَ بِغَيْر تَفْرِيط من الَّذِي هُوَ فِي يَده بِخِلَاف التفويت هُنَا فإمَّا أَن تكون هَذِه رِوَايَة ثَالِثَة أَو يكون الْفرق قولا وَاحِدًا
يُوضح الْفرق أَن هُنَاكَ لم تسْتَحقّ الْفَسْخ إِلَّا بعد الْفَوْت وَهنا كَانَ يملك الْفَسْخ قبل الْفَوْت هَذَا كَلَامه
وَهل تعْتَبر الْقيمَة بِيَوْم العقد أَو بِيَوْم التّلف والاتلاف فِيهِ وَجْهَان أَصلهمَا انْتِقَال الْملك ذكره فِي التَّلْخِيص وَقدم فِي الرِّعَايَة يَوْم التّلف والإتلاف وَإِن كَانَ الْإِتْلَاف عِنْد البَائِع فِيمَا هُوَ من ضَمَانه بَطل خِيَاره
وَأما الْمُشْتَرى فعلى الرِّوَايَة الأولى يبطل خِيَاره وَيلْزمهُ الْمُسَمّى
وعَلى الثَّانِيَة يُخَيّر المُشْتَرِي فَإِن أمضى لزمَه الْمُسَمّى وَإِن فَسخه فَمثله أَو قِيمَته
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن الْأَب إِذا أتلف الْعين الْمَوْهُوبَة فَإِنَّهُ مُخَيّر بَين أَن يضمنهَا إبْقَاء لملك الابْن أَو لَا يضمنهَا لتمكنه من استرجاعها وَكَذَلِكَ مَا أتْلفه الْأَب من مَال ابْنه ذكره أَبُو الْخطاب قَالَ وَلَو جنى المُشْتَرِي عَلَيْهَا أَو جنت هِيَ على نَفسهَا عِنْده مثل شج الرَّأْس فَهَل يمْنَع الرَّد على الرِّوَايَتَيْنِ فِي التّلف ذكره القَاضِي وَضعف رِوَايَة مَنعه الرَّد وَهِي مَذْهَب الْحَنَفِيَّة على مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه
ومضمون كَلَامه أَن فَوَات جُزْء مِنْهَا كفوات جَمِيعهَا وعَلى هَذَا فَكل
نقص فِي الْعين أَو فِي الصّفة يمْنَع الْفَسْخ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى لَهُ الْفَسْخ واسترجاع الْأَرْش لَكِن الرِّوَايَة بِالرَّدِّ هُنَا مأخذها غير مَأْخَذ الْعَيْب انْتهى كَلَامه
قَوْله وَلَا يثبت خِيَار الشَّرْط فِي بيع شَرط الْقَبْض لصِحَّته
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يَعْنِي من الطَّرفَيْنِ أَو أَحدهمَا وَيفْسد العقد باشتراطه ذكره القَاضِي فِي ضمن مَسْأَلَة خِيَار الشَّرْط فِي النِّكَاح انْتهى كَلَامه
وَفَسَاد العقد يخرج على الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة كَمَا لَو شرطا خِيَار الْمجْلس فِي ذَلِك على رِوَايَة لِأَنَّهُ لَا يثبت
قَوْله إِلَّا خِيَار الشَّرْط على إِجَارَة تلِي مدَّتهَا العقد
فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى فَوَات بعض الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا أَو أستيفائها فِي مُدَّة الْخِيَار وَكِلَاهُمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَله فِي الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة قَولَانِ
وَالثَّانِي يثبت وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك لِأَنَّهُ عقد معاونة يَصح فَسخه بالإقالة لم يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض فِي الْمجْلس فَهُوَ كَالْبيع قَالَه القَاضِي وَاحْترز بِالْأولِ عَن النِّكَاح وَبِالثَّانِي عَن الصّرْف وَالسّلم
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما النِّكَاح فقد جعل بعض أَصْحَابنَا الْخلْع فِيهِ كالإقالة وَأما الْقَبْض فِي الْمجْلس فَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي أَن الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة كالسلم فِي الْقَبْض فيمنعون هَذَا الْوَصْف وَالْقَاضِي قد سلمه انْتهى كَلَامه
وَلنَا وَجْهَان فِيمَا إِذا شرطا تَأْجِيل الْأُجْرَة إِذا كَانَ العقد على مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة
أَحدهمَا يجوز لِأَنَّهُ عوض فِي الْإِجَارَة فَجَاز تَأْجِيله كَمَا لَو كَانَ على عين
وَالثَّانِي لَا يجوز أَنه عقد على مَا فِي الذِّمَّة فَلم يجز تَأْجِيل عوضه كالسلم وَقطع فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إِذا آجره مُدَّة تلِي العقد لم يجز شَرط الْخِيَار
وَفِي خِيَار الْمجْلس وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لما تقدم وَالثَّانِي يثبت لِأَنَّهُ يسير
قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد الرجل يسْتَأْجر الْبَيْت إِذا شَاءَ أخرجه وَإِذا شَاءَ خرج قَالَ قد وَجب بَينهمَا إِلَى أَجله إِلَى أَن ينهدم الْبَيْت أَو يَمُوت الْبَعِير فَلَا ينْتَفع الْمُسْتَأْجر بِمَا اسْتَأْجر فَيكون عَلَيْهِ بِحِسَاب مَا سكن
قَالَ القَاضِي ظَاهر هَذَا أَن الشَّرْط الْفَاسِد لَا يبطل الْإِجَازَة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا اشْتِرَاط للخيار لكنه اشْتِرَاط لَهُ فِي جَمِيع الْمدَّة مَعَ الْإِذْن فِي الِانْتِفَاع
وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن مَسْأَلَة الْإِجَارَة احْتج الْمُخَالف بِأَن بعضه تلف إِلَى مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا يُمكن رده سليما
فَقَالَ القَاضِي ينْتَقض بِخِيَار الْعَيْب فَقَالَ الْمُخَالف إِذا رد الْمَنْفَعَة بِالْعَيْبِ ضمن مَنْفَعَة مَا مضى من الْمدَّة وَلَيْسَ كَذَلِك خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ لَا يضمن شَيْئا
قَالَ القَاضِي فَكَانَ يجب أَن يَجْعَل لَهُ وَالضَّمان لقيمة الْمَنْفَعَة لما مضى
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين حَيْثُ جَازَ للْمُسْتَأْجر الِانْتِفَاع فَيَنْبَغِي أَن يكون ضَمَان النَّفَقَة عَلَيْهِ وَحَيْثُ لم يجز لم يضمنهَا مَعَ الرَّد لَكِن إِذا مضى العقد تكون عَلَيْهِ جَمِيع الْأُجْرَة أَو تقسط على مَا بعد مُدَّة الْخِيَار وَهنا يتَوَجَّه أَن يكون للْمُسْتَأْجر الِانْتِفَاع وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما أَو للْبَائِع إِذا لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَاف البيع وَلِئَلَّا تتعطل الْمَنْفَعَة
وَلَو قيل أَيْضا فِي الْمَبِيع إِن المُشْتَرِي يَسْتَوْفِي منفعَته وَلَا يتَصَرَّف فِي عينه لتوجه أَيْضا وَأَظنهُ مَكْتُوبًا فِي مَوضِع آخر انْتهى كَلَامه
قَوْله وَلَا يثبتان فِي بَاقِي الْعُقُود
وَذكر القَاضِي أَن العَبْد الْمكَاتب والموهوب لَهما الْخِيَار على التأييد بِخِلَاف سيد الْمكَاتب والواهب
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا فِيهِ نظر وَقَالَ ابْن عقيل لَا خِيَار للسَّيِّد لِأَنَّهُ دخل على أَنه بَاعَ مَاله بآلته وَأما العَبْد فَلهُ الْخِيَار أبدا مَعَ الْقُدْرَة على الْوَفَاء وَالْعجز فَإِذا امْتنع كَانَ الْخِيَار للسَّيِّد هَذَا ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ
وَقَالَ أَبُو بكر إِن كَانَ قَادِرًا على الْوَفَاء فَلَا خِيَار لَهُ وَإِن عجز عَنهُ فَلهُ الْخِيَار
قَالَ ابْن عقيل والواهب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبض وَإِن شَاءَ منع
وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن الْقِسْمَة إِذا دَخلهَا رد فَفِيهَا الخياران لِأَنَّهَا بيع وَإِلَّا فَلَا
وَقطع القَاضِي فِي الْخلاف وَغَيره بِثُبُوت الخيارين مُطلقًا وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة قَالَ لِأَن وَضعهَا للارتياء وَالنَّظَر وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ هُنَا
وَقَالَ ابْن عقيل إِن كَانَ فِيهَا رد فَهِيَ كَالْبيع يدخلهَا الخياران وَإِن لم يكن فِيهَا رد وتعدلت السِّهَام وَوَقعت الْقرعَة فَلَا خِيَار لِأَنَّهُ حكم وَإِن كَانَ الْقَاسِم المشتركين فَلَا يدخلهَا خِيَار الْمجْلس أَيْضا لِأَنَّهَا إِفْرَاز حق وَلَيْسَت بيعا انْتهى كَلَامه
وَذكر ابْن الزَّاغُونِيّ كَمَا ذكر القَاضِي
وَقَالَ الْأَزجيّ فِي نهايته الْقِسْمَة إِفْرَاز حق على الصَّحِيح فَلَا يدخلهَا خِيَار الْمجْلس وَإِن كَانَ فِيهَا رد احْتمل أَن يدخلهَا خِيَار الْمجْلس
قَوْله إِلَّا خِيَار الْمجْلس فِي الْمُسَاقَاة والمزارعة وَالْحوالَة والسبق وَالشُّفْعَة إِذا أَخذ بهَا فَإِنَّهَا على وَجْهَيْن
الْوَجْهَانِ فِي الْمُسَاقَاة والمزارعة والسبق قيل هما بِنَاء على الْخلاف فِي جَوَاز ذَلِك ولزومه وَقيل هما على لُزُومه وَالْحوالَة وَالشُّفْعَة لَا خِيَار فيهمَا فِي وَجه لِأَن من لَا رضى لَهُ لَا خِيَار لَهُ وَإِن لم يثبت فِي أحد طَرفَيْهِ لَا يثبت فِي الآخر كسائرالعقود
وَالْوَجْه الثَّانِي يثبت الْخِيَار للْمُحِيل وَالشَّفِيع لِأَن الْعِوَض مَقْصُود فَأشبه سَائِر عُقُود الْمُعَارضَة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين خِيَار الشَّرْط فِي هَذِه الْأَشْيَاء أقوى من خِيَار الْمجْلس بِدَلِيل أَن النِّكَاح وَالصَّدَاق وَالضَّمان لنا فِيهَا خلاف فِي خِيَار الشَّرْط دون خِيَار الْمجْلس وَلِأَن خِيَار الْمجْلس ثَابت بِالشَّرْعِ فَلَا يُمكن أَن يلْحق بالمنصوص مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَاف خيارالشرط فَإِنَّهُ تَابع لرضاهما وَالْأَصْل عندنَا أَن الشَّرْط تبع رضَا المتشارطين وَالْأَصْل صِحَّتهَا فِي الْعُقُود وَإِنَّمَا يُنَاسب الْبطلَان من يَقُول إِن خِيَار الشَّرْط ثَابت على خلاف الْقيَاس وَلَيْسَ ذَلِك قَوْلنَا
وَقَوْلهمْ يُنَافِي مُقْتَضى العقد إِنَّمَا يُنَافِي مُقْتَضى العقد الْمُطلق وَكَذَلِكَ جَمِيع الشُّرُوط وَقد أبطل الإِمَام أَحْمد حجَّة من اسْتدلَّ بنهيه عَن بيع وَشرط وَلِأَن خِيَار الشَّرْط يجوز بِغَيْر تَوْقِيت وَلَو كَانَ منافيا لتقدر بِقدر الضَّرُورَة أَو تقدر بِالشَّرْعِ كَمَا ادَّعَاهُ غَيرنَا وَلَا يجوز فِي عُقُود الْعِبَادَات من الْإِحْرَام وَالِاعْتِكَاف مَا يُخَالف مُقْتَضى العقد الْمُطلق فِي الْمُعَامَلَات
وعَلى هَذَا فَلَو اشْترط فِي الْعُقُود اللَّازِمَة الْجَوَاز على وَجه لَا يمْنَع التَّصَرُّف فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ مثل أَن يشْتَرط فِي الرَّهْن أَنِّي مَتى شِئْت فسخته أَو فِي الْكِتَابَة إِذا شِئْت فسختها أَو فِي الْإِجَارَة فَهَذَا اشْتِرَاط خِيَار مؤبد وَهُوَ أبعد عَن الْجَوَاز وللجواز وَجه كَمَا لَو اشْترط فِي الْعُقُود الْجَائِزَة من الْمُضَاربَة وَنَحْوهَا اللُّزُوم
وَالضَّابِط أَن حَقِيقَة الْخِيَار هُوَ الْقُدْرَة على فسخ العقد فَتَارَة يشْتَرط ثُبُوته فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مؤقتا أَو مُطلقًا وَتارَة يشْتَرط نَفْيه فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مؤقتا أَو مُطلقًا إِلَّا أَن اشْتِرَاط نَفْيه مُطلقًا بَاطِل قطعا مثل أَن يشْتَرط أَنِّي مضاربك على أَنه لَا خِيَار لي فِي الْفَسْخ فَهَذَا بَاطِل لما فِيهِ من الْفساد
قَوْله وَخيَار الشَّرْط إِلَى آخِره
لِأَنَّهُ حق فسخ لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ فَلم يُورث كَخِيَار رُجُوع الْوَلَد فِيمَا وهبه لوَلَده
وَقَالَ القَاضِي فِي الْخلاف وَهَذِه الطَّرِيقَة أَجود الطّرق والاعتماد عَلَيْهَا انْتهى كَلَامه
وفيهَا نظر لِأَن ذَلِك لِمَعْنى فِي الْأَب يخْتَص بِهِ وَلِهَذَا لَا يجوز لواهب حَيّ سواهُ الرُّجُوع فَلهَذَا لم يُورث الرُّجُوع فِيهَا
وَقَول الْأَصْحَاب إِن هَذَا ينْتَقض بِمَا لَو وهب الْجد ابْن ابْنه شَيْئا ثمَّ مَاتَ لَا يجوز لِابْنِهِ الرُّجُوع فِيهِ نظر لِأَن الْجد لَا رُجُوع لَهُ ليرثه عَنهُ ابْنه وَأَنه لَيْسَ بواهب فَلَا وَجه لرجوعه
والتخريج بِالْإِرْثِ ذكره أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة وصرحوا بِأَنَّهُ من مَسْأَلَة من مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُؤَجل هَل يحل بِمَوْتِهِ وَفِيه خلاف مَشْهُور عَن الإِمَام أَحْمد والمنصور فِي كتب الْخلاف أَنه لَا يحل وَمذهب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة أَنه يحل
وَذكر غير وَاحِد كَابْن الْجَوْزِيّ هَذَا التَّخْرِيج وَجها فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن الْخِيَار يُورث ووافقنا أَبُو حنيفَة
وَقد جعل الْأَصْحَاب مَسْأَلَة الأَصْل حجَّة فِي مَسْأَلَة الْخِيَار فَقَالُوا مُدَّة مُلْحقَة بِالْعقدِ فَلم تورث كالأجل وَهَذَا لَا يَخْلُو من نظر
وَقد قَالَ الْخرقِيّ يُورث خِيَار الْوَصِيَّة وَهُوَ مَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الرَّد وَالْقَبُول بعد موت الْمُوصي
قَالَ القَاضِي وَلم يتَحَصَّل لي الْفرق بَينهمَا وَبَين خِيَار الشَّرْط
قَالَ ابْن عقيل وَيجوز أَن يكون الْفرق على مَا وَقع لي أَن الْوَصِيَّة فِيهَا معنى المَال فَهِيَ كَخِيَار الْعَيْب وَالصّفة وَخيَار الشَّرْط لَيْسَ فِيهِ معنى المَال وَأَن الْوَصِيَّة لما كَانَ لُزُومهَا يقف على الْمَوْت لم تبطل بِالْمَوْتِ وَخيَار الشَّرْط بِخِلَافِهِ
وَتَخْصِيص صَاحب الْمُحَرر مَسْأَلَة خِيَار الشَّرْط بِالذكر وَكَذَا غَيره من الْأَصْحَاب يدل على أَن خِيَار الْمجْلس لَيْسَ كَذَلِك تَخْصِيصًا لثُبُوته بِمن ثَبت لَهُ فِي الْمجْلس
وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَإِن مَاتَ فِي خِيَار الْمجْلس بَطل خِيَاره وَفِي خِيَار صَاحبه وَجْهَان أَحدهمَا يبطل لِأَن الْمَوْت أعظم من الْفرْقَة وَالثَّانِي لَا يبطل لِأَن فرقه الْأَبدَان لم تُوجد
وَقطع فِي الرِّعَايَة بِأَن حكم خِيَار الْمجْلس حكم خِيَار الشَّرْط فِي الْإِرْث وَعَدَمه لِأَن الْفرْقَة الْمُعْتَبرَة لم تُوجد وَلِهَذَا لم يبطل خِيَار الآخر فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلِأَن الْخِيَار قد ثَبت لغير من هُوَ فِي الْمجْلس كَمَا لَو طَرَأَ جُنُون أَو نَحوه فَإِن الْوَلِيّ يقوم مقَامه كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا لَكِن فِي مَسْأَلَة الأَصْل لم يزل الْملك
وَنَصّ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم على أَن خِيَار الْمجْلس لَا يُورث وَلم يفرق بَين الطّلب وَغَيره وَلَعَلَّ مُرَاده إِذا لم يطْلب كَقَوْلِه فِي خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ قَالَ فِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي غير مَوضِع إِنَّهَا لَا تورث فَإِذا كَانَ قد طلب فللورثة أَو يطلبوا فِي الْحَد وَالشُّفْعَة وَالْخيَار
وَجعل فِي الرِّعَايَة خِيَار الْعَيْب والتحالف كَخِيَار الشَّرْط وَفِيه نظر وَهُوَ خلاف الْمَعْرُوف من مَذْهَبنَا ومذاهب الْعلمَاء
قَوْله وَمن علق عتق عَبده بِبيعِهِ فَبَاعَهُ عتق وانفسخ نَص عَلَيْهِ
وَقيل لَا يعْتق إِلَّا إِذا قُلْنَا لم ينْتَقل الْملك مَعَ الْخِيَار وَقيل يعْتق إِلَّا إِذا نفيا الْخِيَار فِي العقد وصححنا نَفْيه
هَذَا القَوْل وَالَّذِي قبله قطع بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ابْن عقيل فِي موضِعين من هَذَا الْبَاب وعللهما بِالْملكِ وَعَدَمه فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لمدخول بهَا أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق إِن دخلت الدَّار فَدخلت وَقعت طَلْقَة بعد أُخْرَى بِخِلَاف غير الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهُ لم تبْق لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة فقد عرف أَن القَوْل عَلَيْهِمَا وَاحِدَة وَإِن كَانَ الْبناء مُخْتَلفا
وَلَو قَالَ وَقيل يعْتق فِي مَوضِع يحكم لَهُ بِالْملكِ فَقَط حصل الْمَقْصُود
وَقد ذكر ابْن عقيل فِي الْفُصُول فِي غير هَذَا الْبَاب الْمَنْصُوص فَذكر قَول الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة البَائِع قيل لَهُ كَيفَ يعْتق وَقد زَالَ ملكه فَقَالَ كَمَا يملك الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت
قَالَ ابْن عقيل وَهَذَا صَحِيح لِأَن الْوَصِيَّة تستند أَن يلفظ بهَا فِي حَال ملكه
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن الإِمَام أَحْمد نَص على هَذَا فِي رِوَايَة الْأَثْرَم ومثنى
وَقد ذكر القَاضِي قَول الامام أَحْمد فِي رجلَيْنِ قَالَ أَحدهمَا إِن بِعْت مِنْك غلامي فَهُوَ حر وَقَالَ الآخر إِن اشْتَرَيْته فَهُوَ حر فَبَاعَهُ مِنْهُ عتق من مَال البَائِع فَقيل لَهُ كَيفَ وَإِنَّمَا وَجب الْعتْق بعد البيع فَقَالَ لَو وصّى لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَمَات يعطاها وَإِن كَانَت وَجَبت بعد الْمَوْت وَلَا ملك لَهُ فَهَذَا مثله
قَالَ القَاضِي فقد صرح أَن الْعتْق يَقع بعد زَوَال ملكه وَشبهه بِالْوَصِيَّةِ وَقد نَص على أَن الْعتْق الْمُبَاشر لَا يَقع لِأَن الْعتْق الْمُعَلق قد وجد أحد طَرفَيْهِ فِي ملك
وَقد ذكر بَعضهم فِي مَسْأَلَة الْأَثْرَم هَذِه الَّتِي نقلهَا القَاضِي رِوَايَة أَنه يعْتق على المُشْتَرِي وَلم يذكر على هَذِه الرِّوَايَة القَوْل بِصِحَّة تَعْلِيق الْعتْق بِالْملكِ وَفِيه رِوَايَتَانِ مشهورتان فَإِن قُلْنَا لَا يَصح عتق على البَائِع وَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يعْتق على البَائِع أَو على المُشْتَرِي فِيهِ رِوَايَتَانِ
وَوجه الْمَنْصُوص الَّذِي قدمه فِي الْمُحَرر مَا ذكره غير وَاحِد من أَن زمن انْتِقَال الْملك زمن للحرية لِأَن البيع سَبَب لنقل الْملك وَشرط الْحُرِّيَّة فَيجب تَغْلِيب الْحُرِّيَّة كَمَا لَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن مت فَأَنت حر
وَاحْتج بَعضهم وَذكره فِي الْمُغنِي بِأَنَّهُ علق حُرِّيَّته على فعله للْبيع والصادر مِنْهُ فِي البيع إِنَّمَا هُوَ الْإِيجَاب فَمَتَى قَالَ للمشترى بِعْتُك فقد وجد شَرط الْحُرِّيَّة فَيعتق قبل قبُول المُشْتَرِي وَكَذَا صرح بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب فِي كتاب الْعتْق أَنه مَتى أوجب البيع عتق
وَصرح ابْن عقيل وَالشَّيْخ موفق الدّين فِي الْأَيْمَان أَنه لَا يعْتق بِمُجَرَّد الْإِيجَاب بل بِالْقبُولِ وَكَذَا ذكره القَاضِي وَقد ذكرُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَبِيع أَنه لَا يَحْنَث بِمُجَرَّد الْإِيجَاب
وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لَا نعلم فِيهِ خلافًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب قَالَ الشَّيْخ وَعلله القَاضِي بِأَن الْخِيَار ثَابت فِي كل بيع فَلَا يَنْقَطِع تصرفه فِيهِ فعلى هَذَا لَو تخايرا ثمَّ بَاعه لم يعْتق وَلَا يَصح هَذَا التَّعْلِيل على مَذْهَبنَا لأننا قد ذكرنَا أَن البَائِع لَو أعتق فِي مُدَّة الْخِيَار لم ينفذ إِعْتَاقه انْتهى كَلَامه
وَلم أجد أحدا صرح بانفساخ البيع قبل صَاحب الْمُحَرر وَهُوَ حسن لِأَنَّهُ عقد صَحِيح امْتنع استمراره ودوامه
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَول الْجد انْفَسَخ البيع فِيهِ نظر أَو تجوز فَإِن كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يدل على أَن هَذَا عِنْده مثل الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير
وَأَنه كَمَا جَازَ لَهُ أَن يملك وَيعتق بعد انْعِقَاد السَّبَب الْمخْرج لملكه وَهُوَ الْمَوْت فَكَذَلِك لَهُ أَن يعْتق بعد انْعِقَاد السَّبَب الْمخْرج لملكه وَهُوَ البيع وَهُنَاكَ لَا نقُول إِن الْمُدبر ملكه الْوَرَثَة ثمَّ عتق بل نقُول التَّدْبِير منع الْمَوْت أَن يُوجب ملك الْوَرَثَة وَكَذَلِكَ هُنَا التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم منع البيع أَن ينْقل الْملك إِلَى المُشْتَرِي وَكَأن البيع هُنَا لَهُ موجبان عتق وَملك فَقدم الْعتْق لانعقاد سَببه قبل البيع وَعلمنَا بقوله إِذا بِعْتُك أَي إِذا عقدت عَلَيْك عقد بيع من شَأْنه أَن ينْقل الْملك لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيق فَأَنت حر وَإِن قُلْنَا إِن الْملك انْتقل إِلَى المُشْتَرِي لم يخرج عَن ملكه لَكِن يُقَال الِانْفِسَاخ إِنَّمَا يستدعى انعقادا سَوَاء اقْتضى انْعِقَاد الْملك أَو لم يقتضه وَلَا نقُول إِن البيع هُنَا نقل الْملك لِأَنَّهُ لَو نَقله وَعتق العَبْد خرج عَن أَن يكون نَاقِلا وَلزِمَ الدّور فَكَانَ لَا يَصح بَيْعه وَلَا عتقه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ التَّقْدِير إِذا بِعْتُك بيعا ينْتَقل بِهِ الْملك فَأَنت حر فاذا انْتقل الْملك عتق وَإِذا عتق لم يكن البيع نَاقِلا للْملك إِلَّا أَن يُقَال إِن الْملك زَالَ بعد ثُبُوته وَهَذَا غير جَائِز
وعَلى هَذَا فَلَو قَالَ إِذا مَلكتك فَأَنت حر عتق البيع وَنَحْوه وَلَو قَالَ إِذا خرجت عَن ملكي فَأَنت حر أَو إِذا صرت ملكا لغيري فَأَنت حر فَهُنَا يَنْبَغِي أَن لَا يعْتق لِأَنَّهُ أوقع الْعتْق فِي حَال عدم ملكه وَفِي الأولى أوقعه عقب سَبَب زَوَال ملكه إِلَّا أَن يُقَال يَقع هُنَا وَيكون قَوْله خرجت عَن ملكي أَي انْعَقَد سَبَب حريتك أَو يَقُول فِي الْجَمِيع خرج عَن ملكه ثمَّ خرج عَن ملك ذَلِك الْمَالِك وَيكون التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم منع الْملك من الدَّوَام كَمَا منع سَبَب الْملك من الْملك
وعَلى قِيَاس هَذِه الْمَسْأَلَة مَتى علق الطَّلَاق أَو الْعتاق بِسَبَب يزِيل ملكه عَن العَبْد أَو الزَّوْجَة وَقع الطَّلَاق وَالْعتاق وَلم يَتَرَتَّب على ذَلِك السَّبَب حكمه
مثل أَن يُقَال إِذا وَهبتك أَو يَقُول إِذا أصدقتك أَو صالحت بك عَن قصاص
وَكَذَلِكَ لَو علقه بِسَبَب يمنعهُ التَّصَرُّف مثل أَن يَقُول إِذا رهنتك إِن قُلْنَا لَا يجوز عتق الرَّاهِن بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِذا أجرتك فَإِن الْإِجَارَة لَا تمنع صحه الْعتْق
وَأما فِي الطَّلَاق فَلَو قَالَ إِن خلعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَإِنَّهُ على قِيَاس هَذَا يَقع بهَا الثَّلَاث وَلَا يُوجب الْخلْع حكمه لِأَنَّهَا عقب الْخلْع إِن أوقعنا الثَّلَاث لم يَقع بينونة وَإِن أوقعنا بينونة لم تقع الثَّلَاث
لَكِن قد يُقَال إِن الْخلْع لَا يقبل الْفَسْخ وَلَا يَصح وجوده منفكا عَن حكمه وَلَو قَالَ إِن خلعتك فَأَنت طَالِق فَهُنَا الْخلْع يَصح لِأَن التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم لَا يمْنَع نُفُوذ حكمه لَكِن فِي وُقُوع الطَّلَاق هُنَا تردد فَإِنَّهُ يَقع مَعَ الْبَيْنُونَة وَهَذَا مَبْنِيّ على أصلين
أَحدهمَا هُوَ أَن شَرط الحكم إِذا زَالَ قبل حُصُول سَببه لم يثبت الحكم وَإِن زَالَ بعد ثُبُوت الحكم لم يقْدَح فِيهِ مِثَال الأول إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت بعد الْبَيْنُونَة وَمِثَال الثَّانِي إِن تبين بعد الدُّخُول وَإِن مَا زَالَ مَعَ السَّبَب أَو عقب السَّبَب فَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا أَن الحكم لَا يثبت كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ موتِي أَو عقب موتِي وكما لَو قَالَ لزوجته الْأمة إِذا مَلكتك فَأَنت طَالِق فَشرط الطَّلَاق يَزُول عقب السَّبَب قَالُوا لَا تطلق
الثَّانِي أَن السَّبَب إِذا كَانَ من فعله أمكنه أَن يبطل حكمه مثل أَن يَقُول إِذا بِعْتُك فَأَنت حر أَو إِذا خلعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا
أما إِذا كَانَ السَّبَب من فعل غَيره أَو كَانَ يرتب عَلَيْهِ حكما شَرْعِيًّا مثل انْفِسَاخ النِّكَاح عقب الْملك فَهُنَا لَيْسَ مثل الأول انْتهى كَلَامه
وَلَو قَالَ إِن أكلت لَك ثمنا فَأَنت حر فَبَاعَهُ بمكيل أَو مَوْزُون أَو غَيرهمَا أَو بِنَقْد لم يعْتق قَالَه فِي الرِّعَايَة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس الْمَذْهَب أَن يكون الْأكل عبارَة عَن الِاسْتِحْقَاق فَيكون كَقَوْلِه إِن بِعْتُك أَو يكون عبارَة عَن الْأَخْذ فَلَو أَبْرَأ من الثّمن لم يعْتق وَإِن قَبضه عتق وَلَا يضر تَأَخّر الصّفة عَن الْمَبِيع
قَوْله وَلَا يحل لأحد إِلَى آخِره
وَكَذَا عبارَة غير وَاحِد وَعبارَة بَعضهم بشرَاء الْمُسلم على الْمُسلم وَبيع الْمُسلم على الْمُسلم وَالْمَنْقُول عَن إمامنا الْمَعْرُوف فِي مذْهبه أَنه لَا يحرم على مُسلم أَن يخْطب على خطْبَة كَافِر وَهُوَ يُؤَيّد الْعبارَة الثَّانِيَة وَهُوَ ظَاهر الْأَحَادِيث فِي ذَلِك
قَوْله مثل السّلْعَة بِدُونِ الثّمن أَو بِهِ أَو أَجود من السّلْعَة أَو أَكثر
قطع بِهِ غير وَاحِد وَهُوَ صَحِيح وعَلى هَذَا لَو بذل للْمُشْتَرِي أَجْنَبِي من الْمَبِيع سلْعَة بِأَكْثَرَ من ثمن الَّتِي اشْتَرَاهَا كمن اشْترى سلْعَة بِعشْرَة فبذل لَهُ فِي زمن الْخِيَار سلْعَة بِخَمْسَة عشر جَازَ ذَلِك
وَذكر الْأَزجيّ فِي النِّهَايَة فِي جَوَازه احْتِمَالَيْنِ وَإِن رَضِي البَائِع أَن يَبِيع على بتيعه وَأذن لَهُ فِي ذَلِك فإطلاق كَلَام الْأَصْحَاب يَقْتَضِي الْمَنْع وَالتَّعْلِيل يَقْتَضِي الْجَوَاز وَهُوَ أولى لِأَن صُورَة الْإِذْن مُسْتَثْنَاة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو فِي أَحدهمَا من عُمُوم النَّهْي وَقَالَ فِي النِّهَايَة الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنه لَا يجوز
قَوْله فَإِن فعلا ذَلِك فَهَل يَصح البيع الثَّانِي على وَجْهَيْن
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فَالْبيع بَاطِل فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَقدمه الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لظَاهِر النَّهْي وَحَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعب عَن أبي بكر وَحكى عَن القَاضِي وَأبي الْخطاب أَنه يَصح لِأَن الْمحرم سَابق على عقد البيع وَلِأَن الْفَسْخ الَّذِي حصل بِهِ الضَّرَر صَحِيح فَالْبيع المحصل للْمصْلحَة أولى وَلِأَن النهى لحق آدَمِيّ فَأشبه بيع النجش
وَقطع بِالْخِلَافِ فِي الْهِدَايَة وَالْخُلَاصَة
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَفِي صِحَة العقد الثَّانِي رِوَايَتَانِ أشهرهما بُطْلَانه
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا القَوْل يعم مَا إِذا كَانَ أحد الْمُتَبَايعين وَكيلا أَو وليا ليتيم أَو غَيره وَيكون بيع المزايدة جَائِزا فِي الْوَقْت الَّذِي يجوز فِيهِ الاستيام لِأَن الرجل الزَّائِد سائم دون مَا بعد ذَلِك وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيق بَين حَدِيث المزايدة وَحَدِيث النَّهْي عَن السّوم وَيكون ثُبُوت الْخِيَار لَا يُبِيح الْفَسْخ فِي هَذِه الصُّورَة لما فِيهِ من الضَّرَر كَمَا أَنه لَا يجوز التَّفْرِيق خشيَة أَن يستقيله على الرايتين عَنهُ وَإِن كَانَ يملك التَّفَرُّق إِلَّا بِهَذِهِ النِّيَّة وَلَو قيل إِنَّه فِي بُيُوع المزايدة لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يفْسخ لما فِيهِ من الضَّرَر بِالْآخرِ كَانَ مُتَوَجها لِأَنَّهُ لَو لم يقبل أمكنه أَن يَبِيع الَّذِي قبله فَإِذا قبل ثمَّ فسخ كَانَ قد غر البَائِع بل يتَوَجَّه كَقَوْل مَالك إِنَّه فِي بيع المزايدة إِذا زَاد أَحدهمَا شَيْئا لزمَه وَإِن كَانَ المستام الْمُطلق لَا يلْزمه فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فَوت عَلَيْهِ الطَّالِب الأول أَلا ترى أَنه فِي النجش إِذا زَاد قد غر المُشْتَرِي فَكَذَلِك هُنَا إِذا زَاد فقد غر البَائِع وَالْفرق بَين المساومة الَّتِي كَانَت غالبة على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبيع المزايدة ظَاهر وَإِخْرَاج الصُّور القليلة من الْعُمُوم لمعارض أَمر مُسْتَمر فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة وَقد نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أَنْوَاع من الْعُقُود لما فِيهَا من الضَّرَر بِالْغَيْر فعلى قِيَاسه ينْهَى عَن الفسوخ الَّتِي فِيهَا إِضْرَار بِالْغَيْر انْتهى كَلَامه
وَيحرم سومه على سوم أَخِيه وَقيل يكره وَهَذَا فِيمَا إِذا وجد من البَائِع تَصْرِيح بالرضى فَإِن ظهر مَا يدل على عدم الرضى لم يحرم وَكَذَا إِن لم يُوجد مَا يدل على الرضى وَلَا عَدمه قطع بِهِ الشَّيْخ وَغَيره وَقيل يحرم وَإِن ظهر مَا يدل على الرضى من غير تَصْرِيح لم يحرم قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَهُوَ قَول القَاضِي وَإِلَيْهِ ميل الشَّيْخ قَالَ وَالْحكم فِي الْفساد كَالْحكمِ فِي البيع على بيع أَخِيه فِي الْموضع الَّذِي حكمنَا بِالتَّحْرِيمِ فِيهِ وَقطع فِي الرِّعَايَة بِالصِّحَّةِ وَالْقَوْل بِالصِّحَّةِ أشبه بِالْمذهبِ كصحة العقد مَعَ تَحْرِيم الْخطْبَة فِي الْأَصَح
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأما استيامه على سوم أَخِيه فكخطبته على خطْبَة أَخِيه يفرق فِيهِ بَين الركون وَعَدَمه وَلِهَذَا جَازَ بيع المزايدة لِأَن البَائِع طلب المزايدة فَلم يركن بل رده وَلَو لم يجب برد وَلَا قبُول فَفِيهِ وَجْهَان لَكِن بيع المزايدة ظَاهر فِيمَا اذا كَانَت السّلْعَة أَو الْمَنْفَعَة بَين البَائِع أَو الْمُؤَجّر فَأَما الْمُسْتَأْجر لحانوت وَفِي رَأس الْحول إِن لم يزدْ عَلَيْهِ أحد وَإِلَّا أجره الْمَالِك فَهَذَا لَيْسَ مثل بيع المزايدة فَإِن الْمَالِك لم يطْلب وَلم يزدْ وَإِنَّمَا تشبه مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ استئجاره على اسْتِئْجَار أَخِيه واقتراضه على اقتراض أَخِيه واتهابه على اتهاب أَخِيه مثل شِرَائِهِ على شِرَاء أَخِيه وَكَذَا اقتراضه فِي الدِّيوَان وَطَلَبه الْعَمَل فِي الولايات وَنَحْو ذَلِك
قَوْله فِي الْكَلْب لَا يجوز بَيْعه
ظَاهره مُطلقًا وَهُوَ صَحِيح وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على التَّسْوِيَة بَين كلب الصَّيْد وَغَيره فِي رِوَايَة جمَاعَة مِنْهُم الْمَيْمُونِيّ وَأَبُو طَالب وَحرب والأثرم وَلم تصح زِيَادَة اسْتثِْنَاء كلب الصَّيْد من عُمُوم النَّهْي وَكَذَا ضعف هَذِه الرِّوَايَة جمَاعَة كالدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ مَعَ أَن لَهَا طرقا
فَإِن أهْدى رجل لرجل كَلْبا فأثابه مِنْهُ فَلَا بَأْس بِهِ ذكره الْخلال
قَالَ حَنْبَل قَالَ عمي ثمن الْكَلْب حرمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسؤره نجس يغسل مِنْهُ الْإِنَاء قيل لَهُ فِي رجل أهْدى إِلَى رجل كَلْبا يصطاد ترى لَهُ أَن يثيبه عَلَيْهِ قَالَ هَذَا خلاف الثّمن وَهَذَا عوض من شَيْء فَأَما الثّمن فَلَا أرَاهُ لَا يُبَاع الْكَلْب وَلَا يشترى وَلَا يُؤْكَل ثمنه وَإِنَّمَا أحل صَيْده وَيصِح على قَول أَكثر الْعلمَاء
قَوْله وَكَذَا إِجَارَته
تَخْصِيص البيع وَالْإِجَارَة يدل على إِبَاحَة غَيرهمَا وَهُوَ صَحِيح إِلَّا فِي رهن الْمُصحف فَإِنَّهُ كَبَيْعِهِ وَقد ذكره فِي مَوْضِعه
قَالَ غير وَاحِد كَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْن تصح هِبته وَوَقفه رِوَايَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من هَذِه الْأَشْيَاء مَا يعود بنقصه وَكَذَا ذكر القَاضِي أَبُو يعلى
قَوْله وَيجوز شِرَاؤُهُ وإبداله وَعنهُ يكره
ذكره أَكْثَرهم وَقد علل الشَّيْخ موفق الدّين رِوَايَة كَرَاهَة شِرَائِهِ بِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ كَلَام الله فَيجب صيانته عَن الابتذال وَفِي جَوَاز شِرَائِهِ التَّسَبُّب إِلَى ذَلِك والمعونة عَلَيْهِ
وَذكر القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي جَوَاز شِرَاء الْمُصحف وإبداله رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا الْجَوَاز وَالثَّانيَِة لَا يجوز
وَكَذَا ذكر القَاضِي أَبُو يعلى قَالَ إِذا قُلْنَا يَصح بَيْعه فَأولى أَن يجوز شِرَاؤُهُ وَإِن قُلْنَا لَا يجوز بَيْعه فَهَل يجوز شِرَاؤُهُ على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا لَا يجوز أَيْضا نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَحرب فَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل أكره بيع الْمَصَاحِف وشراؤها فَإِذا أَرَادَ الرجل مُصحفا استكتب وَأعْطى الْأُجْرَة
وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب وَقد سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف وشرائها قَالَ لَا وَكَرِهَهُ وَالثَّانيَِة يجوز
قَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي لَا بَأْس بشرَاء الْمُصحف وَيكرهُ بَيْعه
وَقَالَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم وَإِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الشِّرَاء أسهل وَلم نر بِهِ بَأْسا
وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي بيع الْمَصَاحِف لَا أعلم فِيهِ رخصَة وَالشِّرَاء أَهْون
وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث بيع الْمَصَاحِف لَا يُعجبنِي وشراؤها أسهل
وروى ابْن أبي دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَن عبَادَة بن نسى أَن عمر كَانَ يَقُول لَا تَبِيعُوا الْمَصَاحِف وَلَا تشتروها
وبإسناده عَن ابْن مَسْعُود كره بيعهَا وشراءها وَعَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر كره بيعهَا وشراءها وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر ابتعها ولاتبعها
وروى الْأَثْرَم بِإِسْنَادِهِ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس اشْتَرِ الْمُصحف وَلَا تبعه ثمَّ ذكر القَاضِي رِوَايَتَيْنِ فِي جَوَاز استبداله بِمثلِهِ
وتخصيصه الْمُصحف يدل على إِبَاحَة ذَلِك كُله فِي كتب الْعلم وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب وَسَأَلَهُ عَن بيع كتب الْعلم قَالَ لَا يُبَاع الْعلم وَلَكِن يَدعه لوَلَده ينْتَفع بِهِ أَو لغير وَلَده ينْتَفع بِهِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد أَن ذكر الْكَلَام فِي الْمُصحف وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَاوضَة على الْمَنَافِع الدِّينِيَّة من الْعلم وَنَحْوه وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَار هُنَاكَ مثل الابتياع هُنَا وإبدال مَنْفَعَة دينية بِمَنْفَعَة دينية كَمَا هُنَا إِذْ لَا فرق بَين الْأَعْيَان الدِّينِيَّة وَالْمَنَافِع
وَيتَوَجَّهُ فِي هَذَا وَأَمْثَاله أَنه يجوز للْحَاجة كالرواية الْمَذْكُورَة فِي التَّعْلِيم فَيَنْبَغِي أَن يفرق فِي الْأَعْيَان بَين الْمُحْتَاج وَغَيره كَمَا فرق فِي الْمَنَافِع
وَمَا لم يجز بَيْعه فَيَنْبَغِي أَن لَا يجوز أَن يُوهب هبة يتبغي بهَا الثَّوَاب لحَدِيث المكارمة بِالْخمرِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز استنقاذ آدَمِيّ أَو مصحف وَنَحْو ذَلِك بهَا مثل أَن نعطى لكَافِر خمرًا أَو ميتَة أَو دهنا نجسا ليعطينا مُسلما بدله أَو مُصحفا انْتهى كَلَامه
وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي الدّهن النَّجس يجوز أَن يدْفع إِلَى الْكَافِر
فِي فكاك مُسلم وَيعلم الْكَافِر بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ استنقاذ مُسلم انْتهى كَلَامه
وعَلى قِيَاسه مالم يجز بَيْعه كَالْخمرِ وَلحم الْميتَة وَنَحْو ذَلِك
قَوْله وَيجوز بيع النَّحْل فِي كواراته مَعهَا وبدونها إِذا شوهد دَاخِلا إِلَيْهَا
اشْتِرَاط كَونه فِي الكوارات ليَكُون مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَاشْتِرَاط مشاهدته دَاخِلا إِلَيْهَا ليحصل الْعلم بِهِ لِأَن رُؤْيَته فِي الكوارة لَا يأتى على جَمِيعه
وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَيجوز بيع النَّحْل إِذا شَاهدهَا محبوسة بِحَيْثُ لَا يُمكنهَا أَن تمْتَنع قَالَ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي كواراتها فَقَالَ القَاضِي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُمكن مشاهدتها جَمِيعهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من عسل يكون مَبِيعًا مَعهَا وَهُوَ مَجْهُول
وَقَالَ أَبُو الْخطاب يجوز بيعهَا فِي كواراتها ومنفردة عَنْهَا فَإِنَّهُ يُمكن مشاهدتها من كوراتها إِذا فتح رَأسهَا وتعرف كثرته من قلته وخفاء بعضه لَا يمْنَع صِحَة بَيْعه كالصبرة وكما لَو كَانَ فِي وعائها فَإِنَّهُ يكون على بعض فَلَا يُشَاهد إِلَّا ظَاهره وَالْعَسَل حكمه فِي البيع تبعا فَلَا تضر جهالته كأساسات الْحِيطَان
فَإِن لم تمكن مشاهدته لكَونه مَسْتُورا بأقراصه وَلم يعرف لم يجز بَيْعه لجهالته انْتهى كَلَامه
وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيجوز بيع النَّحْل فِي كواراته ومنفردا عَنْهَا إِذا رؤى وَعلم قدره
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَامه فِي الْكَافِي ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَنه اشْتِرَاط الْعلم فَقَط وَأَنه يَصح بَيْعه طائرا كَالْعَبْدِ الْخَارِج من الْمنزل وَهُوَ أصح انْتهى كَلَامه
وعَلى قِيَاسه الَّذِي لَهُ منزل يرجع إِلَيْهِ فِي الْعَادة وَيَنْبَغِي أَن تكون الدَّابَّة الْخَارِجَة عَن الْمنزل كَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَادر على استحضارها
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَيجوز بيع النَّحْل مَعَ الكوارات ومنفردا عَنْهَا وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَب وَغَيره وَلَعَلَّ مُرَادهم وَلَا يُمكنهُ أَن يمْتَنع لاشتراطهم الْقُدْرَة على التَّسْلِيم
فقد ظهر أَن بيع النَّحْل وَحده فِي غير كوارته يَصح إِن لم يُمكنهُ الِامْتِنَاع وَإِن أمكنه وَالْعَادَة أَخذه فَقَوْلَانِ وَفِي كواراته وَحده أَو مَعهَا وَمَعَ الْعَسَل هَل يَصح أَولا وَإِن شَاهده دَاخِلا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ولاتباع كوارة بِمَا فِيهَا من عسل وَنحل فَيصير هَذَا قولا رَابِعا وَقَالَ ابْن حمدَان بلَى بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور وَهَذَا كَلَام غير وَاحِد
قَوْله وَيجوز بيع الْعين الْمُؤجرَة
نَص عَلَيْهِ فِي غير مَوضِع
قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَأحمد بن سعيد وجعفر بن مُحَمَّد وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهَا قبل انْقِضَاء الْمدَّة إِلَّا برضى الْمُسْتَأْجر أَو يكون عَلَيْهِ دين فَيحْبس بِهِ فيبيعه فِي دينه
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا مثل قَوْلنَا وَالثَّانِي قَول أبي حنيفَة
وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن بعض الْأَصْحَاب خرج مِنْهُ البيع وَقد نقل الْمَيْمُونِيّ عَن الإِمَام أَحْمد مَسْأَلَة رجل اكتريت دَارا أَرْبَعَة أشهر فَخرج بعد شهر فَسَمعته يَقُول مَذْهَبنَا أَنه يلْزمه الْكِرَاء
ثمَّ قَالَ أَبُو عبد الله لَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهُ من منزله قلت وَلَا لَهُ أَن يَبِيعهُ قَالَ وَلَا لَهُ أَن يَبِيعهُ إِلَّا أَن يبين شَرطه هَذَا الَّذِي لَهُ فِيهِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ ظَاهرهَا أَنه من بَاعَ الْعين الْمُؤجرَة وَلم يبين للْمُشْتَرِي أَنَّهَا مستأجرة لم يَصح
وَوَجهه أَنه بَاعَ ملكه وَملك الْغَيْر فَهُوَ يشبه مَسْأَلَة تَفْرِيق الصَّفْقَة
وَوجه الأول أَنه عقد على الْمَنْفَعَة فَلم يمْنَع نقل الْملك كَالنِّكَاحِ وَلِأَن للْحَاكِم البيع فَكَذَلِك الْمَالِك ذكره أَبُو الْخطاب وَغَيره
فعلى هَذَا إِن علم مُشْتَرِيه الْأَجْنَبِيّ وَلم يرض بِهِ فَلهُ الْخِيَار بَين الرَّد والإمساك ذكره جمَاعَة كَابْن الْجَوْزِيّ وَالشَّيْخ وَقَالَ لِأَن ذَلِك عيب وَنقص وَهَذَا يدل على أَن لَهُ مَعَ الْإِمْسَاك الْأَرْش وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة
وَقد نقل جَعْفَر بن مُحَمَّد سَمِعت أَبَا عبد الله سُئِلَ عَن رجل آجر من رجل دَارا سنة ثمَّ بَاعهَا وَلم يعلم المُشْتَرِي قَالَ إِن شَاءَ ردهَا بعيبها وَإِن شَاءَ أمْسكهَا وَله كراؤها حَتَّى تتمّ سنة وَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج السَّاكِن
ظَاهر هَذَا أَن الْأُجْرَة للْمُشْتَرِي كَمَا نقُول فِي الشَّفِيع وَمن انْتقل إِلَيْهِ الْوَقْف
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين سَائِر نقل الْملك فِي الْعين الْمُؤجرَة كَالْبيع فَلَو وَهبهَا أَو أعتق العَبْد الْمُؤَجّر أَو وَقفهَا فَيَنْبَغِي أَن يكون كَالْبيع لَا يسْقط حق الْمُسْتَأْجر وَكَذَلِكَ لَو زوج الْحرَّة أَو الْأمة الْمُؤجرَة فَيَنْبَغِي أَن يقدم حق الْمُسْتَأْجر على حق الزَّوْج فَإِن الزَّوْج لَا يكون أقوى من المُشْتَرِي لَا سِيمَا عِنْد من يَقُول إِن السَّيِّد لَا يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْأمة نَهَارا لِأَن السَّيِّد يسْتَحق الِاسْتِخْدَام فَإِذا قدم حق السَّيِّد فَحق الْمُسْتَأْجر أولى لِأَن الْعُقُود الْوَارِدَة إِذا أوردهَا الْمُسْتَحق قطعت
حَقه بِخِلَاف مَا إِذا أوردهَا غير الْمُسْتَحق وَقَالَ إِذا بِيعَتْ الْعين الْمُؤجرَة أَو الْمَرْهُونَة وَنَحْوهَا مِمَّا قد يتَعَلَّق بِهِ حق غير البَائِع وَهُوَ عَالم بِالْبيعِ فَلم يتَكَلَّم فَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَا يملك الْمُطَالبَة بِفساد البيع بعد هَذَا لِأَن إخْبَاره بِالْعَيْبِ وَاجِب عَلَيْهِ بِالسنةِ بقوله وَلَا يحل لمن علم ذَلِك إِلَّا أَن يُبينهُ فكتمانه تغرير والغار ضَامِن
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيمَا إِذا رأى عَبده يَبِيع فَلم يَنْهَهُ وَفِي جَمِيع الْمَوَاضِع فَالْمَذْهَب أَن السُّكُوت لَا يكون إِذْنا فَلَا يَصح التَّصَرُّف لَكِن إِذا لم يَصح يكون تغريرا فَيكون ضَامِنا فَإِن ترك الْوَاجِب عندنَا يُوجب الضَّمَان بِفعل الْمحرم كَمَا نقُول فِي مَسْأَلَة المستضيف وَمن قدر على إنجاء شخص من الهلكة بل الضَّمَان هُنَا أقوى انْتهى كَلَامه
وَقد قَالَ بَعضهم فِيمَا إِذا عتق العَبْد الْمُؤَجّر إِنَّه لَا يرجع على مُعْتقه بِحَق مَا بَقِي فِي الْأَصَح
قَوْله أَو بِصفة تَكْفِي فِي السّلم
تَارَة يصفه بقوله وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَتارَة يَقُول هُوَ مثل هَذَا فَيجْعَل لَهُ مِثَالا يرد إِلَيْهِ فَإِن هَذَا كَمَا لَو وصف وَأولى قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على ذَلِك فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد وَغَيره فَإِن ذَلِك الْقيَاس لَيْسَ مَبِيعًا بل يَقُول أبيعك ثوبا مثل هَذَا فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنه لَا فرق لِأَن معرفَة الْغَائِب بِرُؤْيَة مثله لَا تخْتَلف يكون ذَلِك الْمثل مَبِيعًا أَو غير مَبِيع
وَمَعْرِفَة الشَّيْء بِرُؤْيَة مثله أتم من مَعْرفَته بوصفه بالْقَوْل
لَكِن إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا بُد من رُؤْيَة الْمَبِيع كمذهب الشَّافِعِي فرؤية الْبَعْض تكفى فِي المتماثلات وَنَحْوهَا وَلَو أرَاهُ فِي المتماثلات مَا لَيْسَ من الْمَبِيع وَقَالَ الْمَبِيع مثل هَذَا لم يكف وَهَذَا قِيَاس هَذَا القَوْل انْتهى كَلَامه
وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يجوز تَقْدِيم الْوَصْف على العقد وَذكره القَاضِي مَحل وفَاق
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مِمَّا يجوز السّلم فِيهِ ذكر بَعضهم هَذَا الْقَيْد وَبَعْضهمْ لم يذكرهُ
وَلما احْتج الْحَنَفِيَّة لمذهبهم فِي صِحَة بيع الْغَائِب من غير رُؤْيَة وَلَا صفة بِمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم من بيع الْعقار حمل القَاضِي وَالشَّيْخ موفق الدّين ذَلِك على أَنه يحْتَمل أَن يكون وصف لَهُ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن بيع الْعقار بِالصّفةِ جَائِز وَالْعَقار لَا يجوز فِيهِ السّلم فَعلم أَن هَذَا أوسع من بَاب السّلم
وَقد عرف من هَذِه الْمَسْأَلَة صِحَة بيع الْأَعْمَى وشرائه
قَالَ القَاضِي وَغَيره شِرَاء الْأَعْمَى وَبيعه جَائِز على قِيَاس الْمَذْهَب وَأَن الرُّؤْيَة لَيست بِشَرْط فِي عقد البيع وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِالصّفةِ وَهَذَا يُمكن فِي حق الْأَعْمَى
فقد بنى الْمَسْأَلَة على صِحَة بيع الصّفة وَفِيه رِوَايَتَانِ منصوصتان وَظَاهر الْمَذْهَب صِحَّته
وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن الإِمَام أَحْمد نَص على صِحَة بيع الْأَعْمَى
فَإِن عدمت الصّفة فَعرف الْمَبِيع بذوق أَو لمس أَو شم صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
وَإِن بَاعَ شَيْئا بِثمن معِين احْتمل وَجْهَيْن وَوَافَقَ على صِحَة بَيْعه أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح بِنَاء على الأَصْل الْمَذْكُور
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وعَلى الرِّوَايَة الَّتِي توافقه يُمكن أَن نقُول يَصح
هُنَا للْحَاجة وَلَا يشْتَرط مَعَ الرُّؤْيَة ذوق وَلَا لمس وَلَا شم ذكره القَاضِي بِمَا يَقْتَضِي أَنه مَحل وفَاق وَأَنه لَا يثبت الْخِيَار بِعَدَمِهِ عِنْد أبي حنيفَة
وَذكر أَبُو الْخطاب أَنه يشْتَرط أَيْضا الْمعرفَة فَلَا يجوز أَن يَشْتَرِي غير الْجَوْهَرِي جَوْهَرَة وَلَا غير الْكَاتِب كتابا مثمنا أَو يَشْتَرِي الدّباغ عودا كَبِيرا
قَالَ على مَا نَقله أَبُو طَالب عَن الإِمَام أَحْمد إِذا لم يعرف صفته فَهُوَ بيع فَاسد
وَكَذَلِكَ الْمَيْمُونِيّ فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى يرَاهُ ويعرفه قَالَ فَشرط الْمعرفَة لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُود عين الْمعرفَة وَإِنَّمَا الْمَقْصُود الْمعرفَة بهَا
ثمَّ ذكر وَجها ثَانِيًا أَنه لَا يشْتَرط وَفرق بَينه وَبَين الرِّوَايَة وَذكر فِي مَوضِع آخر فِي الْمَسْأَلَة أَن الْوَجْه الثَّانِي أصح وَأَنه يَكْفِي مُجَرّد الرُّؤْيَة أَو الصّفة فِي جَمِيع المبيعات
وَهَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي مَحل وفَاق مَعَ الشَّافِعِيَّة أَن من اشْترى فصا فَرَآهُ وَهُوَ لَا يعلم أجوهر هُوَ أم زجاج جَازَ العقد وَإِن كَانَت الْجَهَالَة بَاقِيَة مَعَ الرُّؤْيَة
وَذكر بعض الْأَصْحَاب الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ وَأطلق فِي الْمُحَرر وَغَيره صِحَة البيع بِالصّفةِ وَهُوَ يصدق على مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عينا مُعينَة مثل بِعْتُك عَبدِي وَيذكر صِفَاته وَيصدق على مَا إِذا كَانَ غير معِين مثل بِعْتُك عبدا تركيا وَيذكر صِفَات الْمُسلم فَالْأول صَحِيح وَكَذَا الثَّانِي على مَا قطع بِهِ جمَاعَة كصاحب الْمُسْتَوْعب وَالشَّيْخ اعْتِبَارا بِاللَّفْظِ دون الْمَعْنى
وَظَاهر مَا ذكره فِي التَّلْخِيص أَنه لَا يَصح لِأَنَّهُ اقْتصر على الأول وَذكره فِي الرِّعَايَة قولا فَقَالَ صَحَّ البيع فِي الأقيس وَلَعَلَّ هَذَا مَا ذكره فِي الْمُحَرر وَغَيره لِأَنَّهُ سلم حَال وَلِحَدِيث حَكِيم بن حزَام لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك وَحمله فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرَادَ بيع معِين لَيْسَ فِي ملكه فعلى الصِّحَّة قيل يجوز التَّفَرُّق قبل الْقَبْض كَبيع الْعين
فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يشْتَرط التَّعْيِين وَهُوَ ظَاهر مَا فِي الْمُسْتَوْعب لِأَنَّهُ قَالَ كَقَوْلِه اشْتريت مِنْك ثوبا من صفته كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَلَا يكون الْمَبِيع مَوْجُودا وَلَا معينا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالتَّعْيِينِ يخرج عَن أَن يكون بيع دين بدين وَهُوَ عِلّة الْمَنْع صرح بهَا فِي الْكَافِي وَغَيره وَقد قطعُوا بِأَنَّهُ لَا يجوز بيع الدّين المستقر لمن هُوَ فِي ذمَّته بدين وَقيل لَا يجوز التَّفَرُّق عَن مجْلِس العقد قبل قبض الْمَبِيع أَو قبض ثمنه لِأَنَّهُ بيع فِي الذِّمَّة كالسلم وللشافعية خلاف نَحْو هَذَا
قَوْله فَإِن اخْتلفَا فِي التَّعْيِين أَو الصّفة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه
وَكَذَا ذكره الْأَصْحَاب لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته فَلَا يلْزمه مالم يلْتَزم بِهِ وَلم تُوجد بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف وَاسْتشْكل ابْن حمدَان هَذَا فَقَالَ فِيهِ نظر
وَهَذِه الْمَسْأَلَة يتَوَجَّه فِيهَا قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل عدم التَّعْيِين وَعدم اشْتِرَاط الصّفة المدعاة وَالْقَوْل الآخر أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لظُهُور التَّعَارُض كَمَا لَو اخْتلفَا فِي قدر الثّمن أَو صفته وَجعل الْأَصْحَاب الْمَذْهَب هُنَا قَول الْمُشْتَرى مَعَ أَن الْمَذْهَب عِنْدهم فِيمَا إِذا قَالَ بعتني هذَيْن بِمِائَة قَالَ بل أَحدهمَا بِخَمْسِينَ أَو بِمِائَة أَن القَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل عدم بيع الآخر مَعَ أَن الأَصْل السَّابِق مَوْجُود هُنَا مُشكل
قَوْله وَإِذا بَاعَ عبدا مُبْهما فِي أعبد لم يَصح
قَالَ القَاضِي إِذا ابْتَاعَ ثوبا من أحد هذَيْن أَو من أحد ثَلَاثَة أَو من أحد أَرْبَعَة فَالْعقد فَاسد وَلم يذكر عَن أَحْمد وَلَا غَيره نصا وَذكر فِي أثْنَاء
الْمَسْأَلَة أَنه يَصح مثل ذَلِك فِي الْإِجَارَة فِيمَا يتقارب نَفعه وَهَذَا مثل مَذْهَب مَالك فِي البيع
قَالَ الشَّافِعِي تَقِيّ الدّين وَالْفرق بَين البيع وَالْإِجَارَة عسر انْتهى كَلَامه
وَمَا قَالَه صَحِيح وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب التَّسْوِيَة بَين البيع وَالْإِجَارَة وَهُوَ أولى وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا مَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة
وَكَذَا مَسْأَلَة بِعْتُك بِعشْرَة نَقْدا وبعشرين نَسِيئَة فَإِن بَاعَ من الْمَعْدُود الْمُنْفَصِل المتقارب كالبيض مثل أَن يَبِيع مائَة بَيْضَة من ألف بَيْضَة فَيَنْبَغِي أَن يخرج على السّلم فِيهِ عددا فَإِن صَحَّ وَهُوَ الرَّاجِح صَحَّ ذَلِك وَإِلَّا فَلَا
وَذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْمَبِيع الْمُتَعَيّن أَنه يَصح
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ مُقْتَضى قَول الْخرقِيّ إِلَّا أَن جعل قَول الْخرقِيّ معدودا يعم المزروع أَيْضا
قَوْله وَإِن بَاعه ذِرَاعا غير معِين من أَرض أَو ثوب لم يَصح إِلَّا أَن يعلمَا ذرع الْكل فَيصح فِي قدره مشَاعا
قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد قَالَ سُفْيَان فِي خمس نفر بَينهم خَمْسَة أَبْيَات فِي دَار فَبَاعَ أحدهم نصِيبه فِي بَيت لَا أجيزه وَإِن باعوا جَمِيعًا جَازَ هُوَ ضَرَر يضر بِأَصْحَابِهِ هُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ نصِيبه من ذَلِك الْبَيْت فَإِن قَالَ أبيعك بَيْتا من الدَّار لَا يجوز بيع مَا لَيْسَ لَهُ قيل لَهُ فان قَالَ أبيعك خمس الدَّار فَقَالَ إِذا قَالَ نَصِيبي قَالَ أَحْمد جيد قيل للْإِمَام أَحْمد قَالَ سُفْيَان إِذا كَانَ دَار بَين اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا أبيعك نصف هَذِه الدَّار
قَالَ لَا يجوز إِنَّمَا لَهُ الرّبع من النّصْف حَتَّى يَقُول نَصِيبي قَالَ أَحْمد هُوَ كَمَا قَالَ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا الْكَلَام فِيهِ مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا إِذا قَالَ الشَّرِيك بِعْتُك ثلث الدَّار أَو ربعهَا أَو قيراطا مِنْهَا لم يجز حَتَّى يَقُول نَصِيبي لِأَن قَوْله الثُّلُث أَو النّصْف يعم النّصْف من نصِيبه وَنصِيب شَرِيكه وَكَذَلِكَ الْهِبَة وَالْوَقْف وَالرَّهْن
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا بَاعَ نصِيبه من بَيت من دَار لَهُ فِيهَا بيُوت لم يجز بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ نصِيبه من الْبيُوت كلهَا وَلِهَذَا إِذا بَاعَ الْبَيْت جَمِيعه لم يجز بَيْعه فِي نصِيبه أَنه لَا يملك بَيْعه مُفردا لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا بالشركاء لِأَن المُشْتَرِي لَا يُمكنهُ الِانْتِفَاع بِبَعْض الْبَيْت إِلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِغَيْرِهِ من الارض الْمُشْتَركَة وَإِنَّمَا يملك الِانْتِفَاع من كَانَ شَرِيكا فِي الْبيُوت كلهَا
وَهَذَا معنى قَوْله هُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ نصِيبه من ذَلِك يَعْنِي أَن الِانْتِفَاع بِنَصِيبِهِ من ذَلِك الْبَيْت دون غَيره لَا يجوز فَكيف يجوز للْمُشْتَرِي مِنْهُ
وَقَالَ بعد أَن ذكر كَلَام صَاحب الْمُحَرر تقدم كَلَام على بيع الْمشَاع وَكَلَام الإِمَام أَحْمد يُخَالف هَذَا وَإِذا علمنَا عدد العبيد وأوجنبا الْقِسْمَة أعيانا فَالْفرق بَين الْمُتَّصِل والمنفصل بَين ذِرَاع من أَرض وَعبد من أعبد لَيْسَ بِذَاكَ وَقد ذكرُوا احْتِمَالا فِي صِحَة بيع ذِرَاع مُبْهَم وَيكون مشَاعا فَكَذَلِك بيع عبد مُبْهَم انْتهى كَلَامه
قَوْله فَإِنِّي أَبى الْمُشْتَرى أَن يذبح لم يجْبر وَلَزِمَه قيمَة الْمُسْتَثْنى
نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا وَرَوَاهُ عَن عَليّ بِإِسْنَاد جيد وَقَالَ حَنْبَل قَالَ عمى لَهُ مثل مَا شَرط لَهُ وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من رِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ قضى زيد بن ثَابت وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرَضي الله عَنْهُم بذلك وَيحْتَمل أَن يلْزمه الذّبْح وَتَسْلِيم الْمُسْتَثْنى لِأَنَّهُ مَال الْغَيْر الْتزم بِأَدَائِهِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَو أفْضى تَسْلِيمه إِلَى ذهَاب بعض عين الْمَبِيع بل هَذَا أولى لِأَنَّهُ دخل على هَذَا الضَّرَر
وَيحْتَمل أَن يبطل بيع الْحَيَوَان كَمَا لَو قَالَ إِلَّا فخده أَو شحمه وَقد يَجِيء هَذَا الِاحْتِمَال فِي صُورَة الِامْتِنَاع خَاصَّة لتعذر الْأَمريْنِ أما الأول فَلِأَنَّهَا معاوضه لم يرض بهَا وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ ذبح الْحَيَوَان لغير مأكله لتخصيص حَتَّى الْغَيْر
قَوْله أَو الْأمة إِلَّا حملهَا
نقل ابْن الْقَاسِم وسندى وَغَيرهمَا أَنه يَصح وَنقل حَنْبَل والمروزي أَنه لَا يَصح وَهُوَ قَول الثَّلَاثَة وَهُوَ أشهر
وَكَلَامه فِي الْمُحَرر يصدق على استثنائه بِاللَّفْظِ أَو بِالشَّرْعِ وَذكر القَاضِي أَنه إِذا كَانَ الْحمل حرا أَو كَانَ لغيره لم يَصح بيعهَا كَمَا لَا يَصح لَو اسْتَثْنَاهُ ذكره فِي مَسْأَلَة الحربية الْحَامِل بِولد مُسلم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَالْأولَى صِحَّته لِأَن الْمَبِيع مَعْلُوم وجهالة الْحمل لَا تضر لِأَنَّهُ لَيْسَ بمبيع وَلَا مُسْتَثْنى بِاللَّفْظِ وَقد يسْتَثْنى بِالشَّرْعِ مَالا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِاللَّفْظِ صَحَّ وَوَقعت مَنْفَعَة الْبضْع مُسْتَثْنَاة بِالشَّرْعِ وَلَو اسْتَثْنَاهُ بِلَفْظِهِ لم يجز
وَلَو بَاعَ أَرضًا فِيهَا زرع للْبَائِع أَو نَخْلَة مؤبرة وَقعت مَنْفَعَتهَا مُدَّة بَقَاء الزَّرْع وَالثَّمَرَة مُسْتَثْنَاة بِالشَّرْعِ وَلَو استثناها بقوله لم يجز
وَلَو بَاعَ الْحَامِل مُطلقًا دخل الْحمل فِي البيع
قَالَ مَالك الْأَمر الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ عندنَا أَن من بَاعَ وليدة أَو شَيْئا من الْحَيَوَان وَفِي بَطنهَا جَنِين أَن ذَلِك الْجَنِين للْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ أَو لم يَشْتَرِطه قَالَ حَنْبَل قَالَ عمي إِذا اشْتَرَطَهُ كَانَ ذَلِك لَهُ
قَوْله وَإِن بَاعه شَيْئا برقمه
قَالَ الْخلال ذكر البيع بِغَيْر ثمن مُسَمّى ثمَّ ذكر عَن حَرْب سَأَلت الإِمَام أَحْمد قلت الرجل يَقُول لرجل ابْعَثْ لي جريبا من بر واحسبه على بِسعْر مَا تبيع قَالَ لَا يجوز هَذَا حَتَّى يبين لَهُ السّعر
وَعَن إِسْحَق بن مَنْصُور قلت للامام أَحْمد الرجل يَأْخُذ من الرجل سلْعَة فَيَقُول أَخَذتهَا مِنْك على مَا تبيع الْبَاقِي قَالَ لَا يجوز وَعَن حَنْبَل قَالَ عمي أَنا أكرهه لِأَنَّهُ بيع مَجْهُول والسعر يخْتَلف يزِيد وَينْقص وروى حَنْبَل عَن أبي عُبَيْدَة أَنه كره ذَلِك
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مسَائِله بَاب فِي الشِّرَاء وَلَا يُسمى الثّمن سَمِعت أَحْمد سُئِلَ عَن الرجل يبْعَث إِلَى الْبَقَّال فَيَأْخُذ مِنْهُ الشئ بعد الشئ ثمَّ يحاسبه بعد ذَلِك قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بذلك بَأْس قَالَ أَبُو دَاوُد قيل لِأَحْمَد يكون البيع ساعتئذ قَالَ لَا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَظَاهر هَذَا أَنَّهُمَا اتفقَا على الثّمن بعد قبض الْمَبِيع
وَالتَّصَرُّف فِيهِ وَأَن البيع لم يكن وَقت الْقَبْض وَإِنَّمَا كَانَ وَقت التحاسب وَأَن مَعْنَاهُ صِحَة البيع بالسعر
وَقَوله أَيكُون البيع ساعتئذ يَعْنِي وَقت التحاسب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وأصرح من ذَلِك مَا ذكره فِي مَسْأَلَة المعاطاة عَن مثنى بن جَامع عَن أَحْمد فِي الرجل يبْعَث إِلَى معامل لَهُ ليَبْعَث إِلَيْهِ بِثَوْب فيمر بِهِ فيسأله عَن ثمن الثَّوْب فيخبره فَيَقُول لَهُ اكتبه وَالرجل يَأْخُذ التَّمْر فَلَا يقطع ثمنه ثمَّ يمر بِصَاحِب التَّمْر فَيَقُول لَهُ اكْتُبْ ثمنه فَأَجَازَهُ إِذا ثمنه بِسعْر يَوْم أَخذه وَهَذَا صَرِيح فِي جَوَاز الشِّرَاء بِثمن الْمثل وَقت الْقَبْض لَا وَقت المحاسبة سَوَاء ذكر ذَلِك فِي العقد أَو أطلق لفظ الْأَخْذ زمن البيع
وَقد احْتج القَاضِي فِي مَسْأَلَة المعاطاة بِحَدِيث أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما وهما دَلِيل على ذَلِك وَهَذَا يشبه الْإِذْن فِي الْإِتْلَاف بعوض كَمَا إِذا قَالَ ألقه فِي الْبَحْر وعَلى قِيمَته أَو أعتق عَبدك عني وَعلي قِيمَته
وعَلى هَذَا فَلَو اخْتلفَا وَالْعين قَائِمَة ردَّتْ وَإِن فَاتَت فَالْقيمَة
وَسَيَجِيءُ فِي أول السّلم هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْأَوْزَاعِيّ إِذا اتفقَا على تَقْدِير الثّمن ثمَّ أَخذ مِنْهُ بعد ذَلِك ثمَّ حَاسبه فَلَعَلَّ كَلَام الإِمَام أَحْمد على ذَلِك
هَذَا وَيتَوَجَّهُ أَن يكون الثّمن بعد العقد والإتلاف كتقدير الصَدَاق بعد العقد أَو بعد الدُّخُول هَذَا كُله كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
قَالَ القَاضِي وَقد أطلق الإِمَام أَحْمد القَوْل فِي جَوَاز البيع بِالرَّقْمِ فَقَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَقد سُئِلَ عَن بيع الرقم فَكَأَنَّهُ لم ير بِهِ بَأْسا
وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة أبي طَالب لَا بَأْس بِبيع الرقم يَقُول أبيعك برقم كَذَا وَكَذَا وَزِيَادَة على الرقم كَذَا وَكَذَا كل ذَلِك جَائِز ومتاع فَارس إِنَّمَا
هُوَ بيع بِالرَّقْمِ قَالَ وَهَذَا مَحْمُول على أَنَّهُمَا عرفا مبلغ الرقم فأوقعا العقد عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الرقم رَأس المَال وَمَا اشْترى بِهِ فلَان أَحَالهُ على فعل وَاحِد والسعر إِحَالَة فعل الْعَامَّة مَعَ أَنه مُحْتَمل فَإِنَّهُ شبه التَّوْكِيل وَلَو أذن لرجل أَن يَشْتَرِي لَهُ هَذِه السّلْعَة بِمَا رأى جَازَ لَكِن قد يُقَال هُوَ مُقَيّد بِأَن لَا يكون فِيهِ غير خَارج عَن الْعَادة وَهَذَا مُتَوَجّه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَول الإِمَام أَحْمد كل ذَلِك جَائِز دَلِيل على أَنه ذكر صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يعين الرقم فَيَقُول برقم كَذَا وَكَذَا وَالثَّانيَِة أَن يَقُول بِزِيَادَة على الرقم كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعينهُ فَقَالَ كل ذَلِك جَائِز وَلَوْلَا أَن الرقم غير معِين لم يكن لسؤالهم لَهُ وَجه وَلَا يَقُول أَبُو دَاوُد كَأَنَّهُ لم بر بِهِ بَأْسا وَهَذَا كالتوليه وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك
ثمَّ قَالَ بيع الشئ بالسعر أَو بِالْقيمَةِ وَهِي معنى السّعر لَهَا صور
إِحْدَاهَا أَن يَقُول بعنى كَذَا بالسعر وَقد عرفا السّعر فَهَذَا لَا ريب فِيهِ
الثَّانِيَة أَن يكون عرف عَام أَو خَاص أَو قرينَة تَقْتَضِي البيع بالسعر وهما عالمان فَهَذَا قِيَاس ظَاهر الْمَذْهَب صِحَّته هُنَا كَبيع المعاطاة مثل أَن يَقُول زن لي من الْخبز أَو اللَّحْم أَو الْفَاكِهَة كَذَا وَكَذَا وَعرف هَذَا البَائِع أَنه يَبِيع النَّاس كلهم بِثمن وَاحِد وَكَذَا عرف أهل الْبَلَد فَإِن الرُّجُوع إِلَى الْعرف فِي قدر الثّمن كالرجوع فِي وَصفه
الثَّالِثَة أَن يتبايعا بالسعر لفظا أَو عرفا وهما أَو أَحدهمَا لَا يعلم فَكَلَام الإِمَام أَحْمد يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ وَوجه الصِّحَّة إِلْحَاق ذَلِك بِقِيمَة الْمثل فِي الْإِجَارَة إِذا دخل الْحمام أَو قصر الثَّوْب ثمَّ إِن قيل البيع فَاسد وَكَانَت الْعين تالفة فَالْوَاجِب أَن لَا يضمن إِلَّا بِالْقيمَةِ لِأَنَّهُمَا تَرَاضيا بذلك
وَنَظِيره أعتق عَبدك عني وَعلي ثمنه أَو ألق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي ثمنه انْتهى كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا بعد أَن حكى مَا تقدم من الرِّوَايَات قد يُقَال فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ جوزه هُنَاكَ بالسعر كَمَا تقدم وَمنعه هُنَا
وَقد يُقَال هُنَاكَ كَانَ السّعر مَعْلُوما للْبَائِع مُسْتَقرًّا وَهنا لم يكن السّعر مَعْلُوما للْبَائِع لِأَنَّهُ لم يدر بعد مَا يَبِيع بِهِ فَصَارَ البيع بالسعر المستقر الَّذِي يُعلمهُ البَائِع كَالْبيع بِالثّمن الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي بيع التَّوْلِيَة والمرابحة وَأخذ الشَّفِيع الشّقص الْمَشْفُوع بِالثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ قبل علمه بِقدر الثّمن
وَذكر فِي مَوضِع آخر أَن هَذَا أظهر
قَالَ كل من ألزمهُ الشَّارِع بِالْبيعِ فَإِنَّمَا يلْزمه البيع بِثمن الْمثل وَبِذَلِك حكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كمن أعتق شركا لَهُ فِي عبد قَالَ وَلَيْسَ هَذَا من بَاب ضَمَان التّلف بِالْبَدَلِ كَمَا توهم ذَلِك طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم بل هُوَ من بَاب البيع بِقِيمَة الْمثل لِأَن نصيب الشَّرِيك يدْخل فِي ملك الْمُعْتق ثمَّ يعْتق وَيكون وَلَاء العَبْد كُله لَهُ لَيْسَ من قبيل العَبْد الْمُشْتَرك بَينه وَبَين شَرِيكه بل هُوَ كمن ابْتَاعَ نصيب شَرِيكه لَكِن ألزمهما بالتبايع لتكميل حريَّة العَبْد
قَوْله أَو بِأَلف ذَهَبا وَفِضة
قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره إِذا اشْترى جَارِيَة بِأَلف مِثْقَال ذَهَبا وَفِضة لم يجز البيع هَذَا قِيَاس الْمَذْهَب لِأَن الْخرقِيّ قَالَ وَإِذا أسلم فِي شَيْئَيْنِ ثمنا وَاحِدًا لم يجز حَتَّى يبين ثمن كل جنس فالثمن الْوَاحِد هُنَاكَ بِمَثَابَة الْجَارِيَة هُنَا وَالذَّهَب وَالْفِضَّة هُنَا يمثابة الشَّيْئَيْنِ هُنَاكَ
فقد اعتبروا هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَسْأَلَة السّلم وَفِي مَسْأَلَة السّلم خلاف فَالْقَوْل بِهِ هُنَا أولى لِأَن مثل مَسْأَلَة يجوز فِي بيع الْأَعْيَان قولا وَاحِدًا ومسألتنا من بُيُوع الْأَعْيَان فَالْقَوْل بِجَوَاز مَسْأَلَة السّلم أولى أَن يُقَال بِهِ هُنَا
وَقد قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه بِصِحَّة مثله فِي السّلم وَوجه الْبطلَان جَهَالَة الثّمن كَمَا لَو بَاعَ ألفا بَعْضهَا ذَهَبا وَبَعضهَا فضَّة وَفِيه نظر
وَقَوله أَو بِدِينَار إِلَّا درهما
قَالَ حَرْب سَأَلت الإِمَام أَحْمد قلت الرجل يَقُول أبيعك هَذَا بِدِينَار إِلَّا درهما قَالَ لَا يجوز وَلَكِن بِدِينَار إِلَّا قيراطا وَنَحْو ذَلِك لِأَن الِاسْتِثْنَاء يكون فِي شَيْء يعرف وَالدِّرْهَم لَيْسَ يعرف كم هُوَ من الدِّينَار وَيجوز أَن يَقُول أبيعك بِدِينَار وَدِرْهَم
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِقْرَار وَنَحْوه لِأَنَّهُ علل بالجهالة وَذَلِكَ لَا يضر فِي الْإِقْرَار وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء بَاطِلا لصَحَّ بالدينار ولغا قَوْله إِلَّا درهما على قَول من يبطل هَذَا الِاسْتِثْنَاء انْتهى كَلَامه
وَوجه الْبطلَان أَنه قصد اسْتثِْنَاء قيمَة الدِّينَار وَهِي غير مَعْلُومَة واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم يصيره مَجْهُولا كَمَا لَو قَالَ بِمِائَة إِلَّا قَفِيزا وَقيل يَصح لِأَنَّهُ أمكن تَصْحِيح كَلَام الْمُكَلف بِتَقْدِير قيمَة الدِّينَار وَالذَّهَب وَالْفِضَّة كالجنس الْوَاحِد بِخِلَاف غَيرهمَا
وَقَالَ ابْن عقيل فَإِن قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة دَنَانِير إِلَّا قَفِيزا من الْحِنْطَة فَهَذَا اسْتثِْنَاء لَا يَصح فَيحْتَمل أَن يَصح البيع لِأَن الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس فِيمَا عدا الذَّهَب وَالْفِضَّة مُنْقَطع عَن الْجُمْلَة الْمُسْتَثْنى مِنْهَا فَيلْغُو وَيكون الثّمن مَعْلُوم أَلا ترى أَنه فِي الْإِقْرَار لَو اسْتثْنى دَرَاهِم من دَنَانِير أَو دَنَانِير من دَرَاهِم
حذف من الْجُمْلَة بِالْقيمَةِ وَلَو اسْتثْنى حِنْطَة من ذهب أَو فضَّة لَغَا الِاسْتِثْنَاء وَكَانَ الْإِقْرَار بِالْجُمْلَةِ من الثّمن الْمَذْكُور فَلذَلِك كَانَ الثّمن مَعْلُوما وَيحْتَمل أَن لَا يَصح البيع لِأَن الِاسْتِثْنَاء قصد بِهِ رفع شَيْء من الثّمن فَرفع قيمَة ذَلِك وَقِيمَة ذَلِك مَجْهُولَة فِي حَالَة التَّسْمِيَة فَتَصِير الْجُمْلَة مَجْهُولَة وَالِاحْتِمَال الأول أصح انْتهى كَلَامه
قَوْله أَو بِدِينَار مُطلق وَلَيْسَ للبلد نقد غَالب
وَذكره أَجود لِأَن الْجَهَالَة تَزُول بِظُهُور الْمُعَامَلَة بغالب نقد الْبَلَد
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامه فِي رِوَايَة الْأَثْرَم والانطاكي وسندي وَابْن الْقَاسِم إِذا بَاعه أَو أكراه بِكَذَا وَكَذَا درهما صَحَّ وَله نقد النَّاس وَإِن كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة فَلهُ أوسطها فِي رِوَايَة وأقلها فِي رِوَايَة
وَكَلَامه نَص لمن تَأمله أَن البيع بِالنَّقْدِ الْمُطلق يَصح بِكُل حَال وَإِلَّا لأخبر بِفساد العقد وَهَذَا شَبيه بتصحيح الْمُطلق من الْحَيَوَان فِي الصَدَاق وَغَيره لَكِن الْمُطلق فِي النُّقُود أوسع فَلهَذَا صَححهُ فِي البيع انْتهى كَلَامه
قَالَ الْأَثْرَم قلت لأبي عبد الله رجل لَهُ على رجل دَرَاهِم أَي نقد لَهُ قَالَ بَاعه شَيْئا فَقلت بَاعه ثوبا بِكَذَا وَكَذَا درهما أَو اكترى مِنْهُ دَارا بِكَذَا وَكَذَا درهما فاختلفا فِي النَّقْد فَقَالَ إِنَّمَا يكون لَهُ نقد النَّاس الْمُتَعَارف بَينهم قلت نقد النَّاس بَينهم مُخْتَلف فَقَالَ لَهُ أقل ذَلِك
قَالَ ابْن عقيل فَظَاهره جَوَاز البيع بِثمن مُطلق مَعَ كَون الْعُقُود مُخْتَلفَة وَيكون لَهُ أدناها انْتهى كَلَامه
قَالَ ابْن عقيل وَالْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب عدم الصِّحَّة
قَوْله أَو قَالَ بِعْتُك بِعشْرَة نَقْدا أَو بِعشْرين نَسِيئَة
فَإِنَّهُ لَا يَصح يَعْنِي إِن افْتَرقَا قبل تعْيين أحد الثمنين لِأَن هَذَا بيعان فِي بيعَة وَقد نهى عَنهُ الشَّارِع فسره بذلك جمَاعَة مِنْهُم مَالك وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأحمد فِي رِوَايَة أبي الْحَرْث وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء
وَقَالَ مِنْهَا سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن رجل بَاعَ بيعا بدرهم وَاشْترط عَلَيْهِ الدِّينَار بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ هَذَا لَا يحل هَذِه بيعتان فِي بيعَة وَكَذَا فسره فِي رِوَايَة حَرْب وَمُحَمّد بن مُوسَى بن مشيش وَهَارُون الْحمال وَأبي الْحَرْث أَيْضا
وَقَالَ مهنا سَأَلت أَبَا عبد الله عَن الرجل يَقُول للرجل هَذَا الثَّوْب بِثَلَاثِينَ درهما بالمكسرة وبخمسة وَعشْرين بالصحاح قَالَ لَا يَصح هَذَانِ شَرْطَانِ فِي بيع فَقلت يتْرك لَهُ هَذَا الثَّوْب بِثَلَاثِينَ درهما نَسِيئَة وَعشْرين بِالنَّقْدِ قَالَ لَا يَصح هَذِه بيعتان فِي بيعَة
وَقيل للْإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم إِذا قَالَ بِعشْرَة دَرَاهِم بالصحاح وباثني عشر بالغلة هُوَ شَرْطَانِ فِي بيع قَالَ لَا بيعتان فِي بيعَة
وَقيل للْإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي حَرْب إِن قَالَ إِن أتيتني بِالدَّرَاهِمِ إِلَى مشهر فَهُوَ بِكَذَا وَإِن أتيتني إِلَى شَهْرَيْن فَهُوَ بِكَذَا أَكثر من ذَلِك قَالَ لَا يجوز هَذَا
وَقَالَ فِي رِوَايَة صَالح هَذَا مَكْرُوه إِلَّا أَن يُفَارِقهُ على أحد الْبيُوع
وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَيحْتَمل أَن يَصح قِيَاسا على قَول الإِمَام أَحْمد فِي الْإِجَازَة إِن خطته الْيَوْم فلك دِرْهَم وَإِن خطته غَدا فلك نصف دِرْهَم وَفرق غَيره من جِهَة أَن العقد ثمَّ يُمكن أَن يَصح جعَالَة بِخِلَاف البيع
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس مَسْأَلَة الْإِجَارَة أَن يكون فِي هَذِه رِوَايَتَانِ
لَكِن الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة فِي الْإِجَازَة فِيهَا نظر وَهَذِه تشبه شَاة من قطيع وعبدا من أعبد ونظيرها من كل وَجه أحد الْعَبْدَيْنِ أَو الثَّوْبَيْنِ انْتهى كَلَامه
وَيخرج عَلَيْهِ إِذا قيل بِالصِّحَّةِ هُنَا قيل بِالصِّحَّةِ هُنَاكَ
قَوْله لَا يَصح وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار فِي مَسْأَلَة بيع الْأَعْيَان الغائبة وَهُوَ قَول أَكثر الشَّافِعِيَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ صبرَة وَلَا يعرف قدره فَهُوَ مَجْهُول كالسلم
وَالثَّانِي يَصح وَلَعَلَّه قَول أَكثر الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ مشَاهد مَعْلُوم فَهُوَ كالصبرة
وَيُؤْخَذ من كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه يجوز أَن تكون الصُّبْرَة عوضا فِي البيع ثمنا ومثمنا وَهُوَ صَحِيح لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِالرُّؤْيَةِ فَصَارَ كالثياب وَالْحَيَوَان وَلَا يضر عدم مُشَاهدَة الْبَعْض لسده الْبَعْض وَقد صَحَّ قَول ابْن عمر كُنَّا نشتري الطَّعَام جزَافا
وَقدم ابْن عقيل فِي صبرَة فَقَالَ الرِّوَايَة عدم الصِّحَّة لكَونهَا مُخْتَلفَة الْأَجْزَاء
وَحكى الشَّيْخ وَغَيره عَن مَالك أَنه لَا يَصح أَن يكون الثّمن صبرَة وَهُوَ وَجه لنا لِأَن لَهَا خطرا وَلَا مشقة فِي وَزنهَا وعدها والتسوية أشهر وَأَصَح
قَوْله إِذا بَاعه عَبده وَعبد غَيره إِلَى آخِره
هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا رِوَايَتَانِ منصوصتان وَرِوَايَة الصِّحَّة نصرها القَاضِي وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ معلومان لَو أفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْبيعِ صَحَّ فِي أَحدهمَا وَبَطل فِي الآخر فَإِذا جَمعهمَا صَحَّ فِيمَا صَحَّ حَال الِانْفِرَاد كَمَا لَو أفرده وكما لَو بَاعَ عَبده وَعبد غَيره أَو عَبده وَأم وَلَده عِنْد
أبي حنيفَة وَمَالك بِخِلَاف مَسْأَلَة الْحر وَالْعَبْد والخل وَالْخمر عِنْدهمَا وَرِوَايَة الْبطلَان قدمهَا فِي الِانْتِصَار وَذكره الشَّيْخ أَنَّهَا أَولهمَا وَذكر فِي الْخُلَاصَة أَنَّهَا أصَحهمَا
وَاخْتلف فِي تَعْلِيل ذَلِك فَقيل جَهَالَة الثّمن وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِقسْطِهِ من الثّمن لم يَصح فَكَذَا إِذا لم يُصَرح وَقيل لِأَن الصَّفْقَة جمعت حَلَالا وحراما فغلب التَّحْرِيم وَلِأَن الصَّفْقَة إِذا لم يُمكن تصحيحها فِي جَمِيع الْمَعْقُود عَلَيْهِ بطلت فِي الْكل كالجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَبيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا يخرج مَا إِذا عين لكل وَاحِد ثمنا
وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة أَنه إِذا جمع فِي عقد مَعْلُوما ومجهولا وَقَالَ كل وَاحِد كَذَا فَوَجْهَانِ وَقيل إِن قُلْنَا تبطل الصَّفْقَة كلهَا لاتحادها وَتعذر تجزئها لم يَصح
قَوْله هُنَا وَإِن قُلْنَا تبطل بِجَهَالَة ثمن مَا يَصح بَيْعه صَحَّ هُنَا
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة أَيْضا وَقيل الْخلاف فِيمَن جهل أَنه خل وخمر كَذَا فِي النُّسْخَة وَلَعَلَّه وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار وَقيل الْخِيَار فِيمَن جهل أَنه حر وخمر
وَقَوله بِحِصَّتِهِ من الثّمن
قَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع إِذا صححنا البيع فِيمَا يملكهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار إِن كَانَ جَاهِلا بِالْحَال فَإِن أجَاز فَالْوَاجِب عَلَيْهِ حِصَّته من الثّمن فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَيكون التَّوْزِيع عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار قيمتهمَا وجميعه فِي الثَّانِي وَلَا خِيَار للْبَائِع هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَذَا قَالَ وبيض بعده بَيَاضًا وَبعده
وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة مهنا إِذا تزوج امْرَأَة على عبد بِعَيْنِه فَاسْتحقَّ نصف العَبْد فَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي النّصْف الْبَاقِي وَالنِّكَاح جَائِز فَإِن تزَوجهَا على عشرَة
دَرَاهِم وعَلى عبد قِيمَته عشرَة آلَاف فَإِذا هُوَ حر لَهَا قيمَة العَبْد فَإِن تزَوجهَا على عَبْدَيْنِ فَقَالَ تَزَوَّجتك على هذَيْن الْعَبْدَيْنِ فَخرج أَحدهمَا حرا فلهَا قيمَة العَبْد الَّذِي خرج حرا فقد فرق الصَّفْقَة وَأثبت الْخِيَار فِي الْمشَاع دون المفرز
وَكَذَلِكَ فرق القَاضِي بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقرر النَّص قَالَ القَاضِي لِأَن الْمُسْتَحق لِلنِّصْفِ قد صَار شَرِيكا لَهَا فِي نصفه وَالشَّرِكَة نقص فِي الْعَادة فَجرى مجْرى عيب ظهر بِالنِّصْفِ فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ والإمضاء كَذَلِك هُنَا وَأما فِي مَسْأَلَة الْعَبْدَيْنِ فَلم يَجْعَل مَعَ تَفْرِيق الصَّفْقَة إِلَّا قيمَة الْحر وإمساك العَبْد
وَوجدت بِخَط القَاضِي تَقِيّ الدّين الزريراني الْبَغْدَادِيّ وَالظَّاهِر أَنه من نِهَايَة الْأَزجيّ إِجَازَته للْمَبِيع يكون بِقسْطِهِ من الثّمن وَقيل يُخبرهُ بِجَمِيعِهِ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى جَهَالَة الثّمن
قَوْله وَإِذا جمع بعوض وَاحِد بَين بيع وَصرف أَو بيع وإجازة صَحَّ فيهمَا نَص عَلَيْهِ
قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَذكر لَهُ قَول الثَّوْريّ إِذا صرف دِينَارا بِأَرْبَع عشرَة درهما ومدين قَالَ لَا بَأْس بِهِ قَالَ أَحْمد جَائِز
وَأما مَسْأَلَة البيع وَالْإِجَارَة فَأَخذهَا القَاضِي من نَصه على جَوَاز أَن يَشْتَرِي ثوبا على أَن يخيطه وَوجه ذَلِك أَن اخْتِلَاف حكم الْعقْدَيْنِ لَا يمْنَع الصِّحَّة
كَمَا لَو جمع بَين مَا فِيهِ شُفْعَة وَمَا لَيْسَ فِيهِ شُفْعَة وَقيل لَا يَصح لِأَن حكمهمَا مُخْتَلف وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر فَبَطل فيهمَا فَإِن الْمَبِيع فِيهِ خِيَار وَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض فِي الْمجْلس وَلَا يَنْفَسِخ العقد بِتَلف الْمَبِيع وَالصرْف فَشرط
لَهُ التَّقَابُض وينفسخ العقد بِتَلف الْعين فِي الْإِجَارَة وَلَا بُد أَن يكون الثّمن من غير جنس مَا مَعَ الْمَبِيع مثل أَن يَبِيعهُ ثوبا ودراهم بِذَهَب فَإِن كَانَ من جنسه فَهِيَ مَسْأَلَة مد عَجْوَة ذكره القَاضِي فِي الْجَامِع ويقسط الْعِوَض على الْمَبِيع وَالْمَنْفَعَة بِالْقيمَةِ
قَالَ القَاضِي فَإِن قَالَ بِعْتُك دَاري هَذِه وأجرتكها شهرا بِأَلف فَالْكل بَاطِل لِأَن ملك الرَّقَبَة ملك الْمَنَافِع فَلَا يَصح أَن يؤاجره مَنْفَعَة ملكهَا عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وللصحة وَجه بِأَن تكون مُسْتَثْنَاة
قَوْله وَإِن كَانَ الْجمع بَين بيع وَنِكَاح
مثل أَن زوج وَبَاعَ عَبده بِأَلف أَو أصدقهَا عبدا على أَن ترد عَلَيْهِ ألفا صَحَّ النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يفْسد بِفساد الْعِوَض وَفِي البيع وَجْهَان أَحدهمَا يَصح
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي فِي كِتَابيه وَابْن عقيل فِي الصَدَاق فتقسط الْألف على مهر الْمثل وَقِيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ يقسط العَبْد على مهر الْمثل وَالْألف لِأَن جملَة الْعِوَض مَعْلُومَة
وَالثَّانِي لَا يَصح فيهمَا فَإِنَّهُ إِذا انْفَسَخ البيع لزم توزيع الصَّفْقَة
قَالَ وَلَو قَالَ زَوجتك بِنْتي وَلَك هَذِه الْألف بعبدك هَذَا فَالْعَبْد بعضه مَبِيع وَبَعضه مهر فيقسط العَبْد على مهر الْمثل وَالْألف وَلَو كَانَ لبنته مَال فَقَالَ زَوجتك هَذِه وَلَك هَذِه الْألف مَعهَا بِهَذِهِ الْأَلفَيْنِ من عنْدك بَطل البيع وَالْمهْر جَمِيعًا لِأَنَّهُ من بَاب مد عَجْوَة وردهم هَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي وَابْن عقيل وَأَبُو مُحَمَّد من خلاف انْتهى كَلَامه
قَوْله وَإِن كَانَ بَين كِتَابَة وَبيع
مثل قَوْله لعَبْدِهِ بِعْتُك عَبدِي هَذَا وكاتبتك بِمِائَة كل شهر عشرَة بَطل البيع
قَالَ الشَّيْخ وَجها وَاحِدًا لِأَنَّهُ بَاعَ عبد لعَبْدِهِ فَلم يَصح كَبَيْعِهِ إِيَّاه من غير كِتَابَة وَفِي الْكِتَابَة وَجْهَان بِنَاء على تَفْرِيق الصَّفْقَة
وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع العقد صَحِيح فيهمَا على قِيَاس الْإِجَارَة وَهُوَ إِذا ابْتَاعَ ثوبا بِشَرْط الْخياطَة
وَقَالَ فِي الْمُجَرّد فَإِن قَالَت طَلقنِي طَلْقَة بِأَلف على أَن تُعْطِينِي عَبدك هَذَا فقد جمعت بَين شِرَاء وخلع وَجمع الزَّوْج بَين بيع وخلع جَمِيعًا بِأَلف فَيصح فيهمَا وأصل ذَلِك فِي الْبيُوع إِذا جمعت الصَّفْقَة عقدين أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة مثل بيع وَإِجَارَة وَبيع وَنِكَاح وَبيع وَصرف وَبيع وَكِتَابَة فَإِنَّهُمَا يصحان جَمِيعًا كَذَلِك الْخلْع وَالْبيع ويقسط الْمُسَمّى على قيمَة العَبْد والمسمى حَال العقد فَمَتَى أَصَابَت بِالْعَبدِ عَيْبا ردته وَرجعت عَلَيْهِ بِقِيمَتِه وَإِن ردته بِالْعَيْبِ انْفَسَخ العقد فِيهِ وَأما حكم الْبَدَل فِي الْخلْع فَهُوَ مَبْنِيّ على تَفْرِيق الصَّفْقَة
فَإِن قُلْنَا بتفريق الصَّفْقَة بَطل البيع فِي العَبْد بِبَدَلِهِ وَصَحَّ الْخلْع بِبَدَلِهِ وَإِن قُلْنَا لَا تفرق بَطل فِي البيع وَبَطل الْبَدَل فِي الْخلْع فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَته وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عقيل إِلَّا أَنه قَالَ يقسط الْعِوَض على قيمَة العَبْد وَمهر الْمثل صلى الله عليه وسلم َ - فروع تتَعَلَّق بتفريق الصَّفْقَة
قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن الْمَسْأَلَة وَإِذا أوجب فِي عَبْدَيْنِ لم يكن للْمُشْتَرِي أَن يقبل فِي أحداهما ذكره القَاضِي مَحل وفَاق مُسلما لَهُ وَذكر فِي
حجَّة الْمُخَالف أَن امْرَأتَيْنِ لَو قَالَتَا لرجل زَوَّجْنَاك أَنْفُسنَا لَكَانَ لَهُ أَن يقبل إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى وَسلمهُ القَاضِي وبناه الْمُخَالف على أَنه إِذا جمع بَين محللة ومحرمة فِي النِّكَاح فَإِن نِكَاح الْمُحرمَة لَا يصير شرطا فِي نِكَاح المحللة فَإِن تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي النِّكَاح جَائِز وَفِي البيع يصير شرطا
وَقَالَ القَاضِي قبُول البيع فِي أَحدهمَا لَيْسَ شرطا فِي قبُوله فِي الآخر عندنَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ وَأجَاب عَن الحكم جَوَابا فِيهِ نظر وَالتَّحْقِيق أَنه شَرط لَكِن الْمَشْرُوط وجود الْقبُول لَا صِحَة الْقبُول كَمَا لم يشْتَرط لُزُوم الْقبُول فِي أَحدهمَا وَلَو كَانَ الْمَشْرُوط شرطا فَاسِدا لم نسلم أَنه يبطل البيع وَعلله القَاضِي بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح أَن يقبل البيع فِي أحد الْعَبْدَيْنِ لِأَن نصف الثّمن لَا يُقَابل أَحدهمَا لِأَنَّهُ يَنْقَسِم على قدر قيمتهَا فَإِن قبل أَحدهمَا بِنصْف الثّمن لم يكن الْقبُول مُوَافقا للايجاب فَلهَذَا لم يَصح
وَهَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي الْقبُول كَمَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء وَفِيمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلف وَهَذَا بِخَمْسِمِائَة وَهَذَا فِيهِ نظر
وَقِيَاس الْمَذْهَب أَن ذَلِك لَيْسَ بِلَازِم لِأَن لمن تَفَرَّقت عَلَيْهِ الصَّفْقَة الْخِيَار والصفقة تتفرق هُنَا عَلَيْهِ كَمَا فِيمَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء قَالَ وَإِذا جمع بَين
عقدين مُخْتَلفين بعوضين متميزين مثل بِعْتُك عَبدِي بِأَلف وزوجتك بِنْتي بِخَمْسِمِائَة فَهَذَا أولى بِالْجَوَازِ من ذَاك إِذا قُلْنَا بِهِ هُنَاكَ وَإِن قُلْنَا بِالْمَنْعِ وبيض فعلى هَذَا هَل للخاطب أَن يقبل فِي أحد الْعقْدَيْنِ
قِيَاس الْمَذْهَب أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن غَايَة هَذَا أَن يكون كَأَنَّهُ جمع بعوض بَين مَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء وَمَعْلُوم أَنه لَو قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة بِأَلف لم يكن لَهُ أَن يقبل نصفهَا بِنصْف الْألف وَإِن كَانَ نصِيبهَا من الثّمن مَعْلُوما فَكَذَلِك إِذا أوجب فِي عينين مختلفي الحكم أَو متفقين إِذْ لَا فرق فِي الْحَقِيقَة بَين الْأَعْيَان الَّتِي تتفق أَحْكَامهَا أَو تخْتَلف إِلَّا أَن الْعَطف فِي الْمُخْتَلف كالجمع فِي المؤتلف فَقَوله بِعْتُك هَذِه وزوجتك هَذِه كَقَوْلِه بِعْتُك هذَيْن أَو زوجتكهما انْتهى كَلَامه
قَالَ الشَّيْخ فِي الْمُحَرر فِي مَسْأَلَة تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْولادَةِ فَإِن قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة إِن ولدت ذكرا وطلقتين إِن ولدت أُنْثَى فولدتهما مَعًا طلقت ثَلَاثًا
وَإِن سبق أَحدهمَا بِدُونِ سِتَّة أشهر وَقع مَا علق بِهِ انْقَضتْ الْعدة بِالثَّانِي وَلم يَقع بِهِ شَيْء وَقَالَ ابْن حَامِد يَقع الْمُعَلق بِهِ أَيْضا
فعلى الأول إِن أشكل السَّابِق طلقت طَلْقَة لتيقنها ولغا مَا زَاد وَقَالَ القَاضِي قِيَاس الْمَذْهَب تَعْيِينه بِالْقُرْعَةِ وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر فَالْحكم كَمَا فصلنا إِن قُلْنَا الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق وَإِن قُلْنَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وألحقناه بِهِ كملت بِهِ الثَّلَاث انْتهى كَلَامه
الْكَلَام عَلَيْهِ على سَبِيل الِاخْتِصَار
أما وُقُوع الثَّلَاث فِيمَا اذا ولدتهما مَعًا لِأَن الصفتين شَرطهمَا وَقد وجدتا وَأما إِذا سبق أَحدهمَا بِدُونِ سِتَّة أشهر قيد بهَا لِأَنَّهَا أقل مُدَّة الْحمل فَيعلم أَنَّهُمَا حمل وَاحِد وَقد صرح بِهَذَا الْقَيْد جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ فِي المغنى وَالْكَافِي فَيَقَع بالسابق مَا علق بِهِ لوُجُود شَرطه وَأما الثَّانِي فَهَل تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يَقع بِهِ شَيْء أم يَقع مَا علق عَلَيْهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان هُنَا وهما مشهوران
أَحدهمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعد وَلَا يَقع بِهِ شَيْء اخْتَارَهُ أَبُو بكر وَأكْثر الْأَصْحَاب
وَنَصره فِي المغنى وَصَححهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا وَقدمه غير وَاحِد
وَجه هَذَا أَن الْعدة انْقَضتْ بِوَضْعِهِ فصادفها الطَّلَاق بَائِنا فَلم يَقع كَمَا لَو قَالَ لغير مَدْخُول بهَا إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق وَكَذَا إِذا مت فَأَنت طَالِق لَا وُقُوع مَعَ عدم الزَّوْجِيَّة لِأَنَّهَا شَرطه وَلَا صِحَة للمشروط مَعَ عدم شَرطه وَهَذَا من الجليات وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ موتى لم تطلق فَهُنَا كَذَلِك بل أولى لِأَن هُنَاكَ صادفها الطَّلَاق بَائِنا وَهنا حصل التَّصَرُّف فِي ملك لِأَنَّهُ تمّ مَعَ تَمَامه وَالْفرق بَين هَذَا ونظائره يطول مَعَ أَنه لَيْسَ الْغَرَض
وَالْوَجْه الثَّانِي يَقع مَا علق عَلَيْهِ اخْتَارَهُ ابْن حَامِد لِأَن زمن الْبَيْنُونَة زمن الْوُقُوع وَلَا تنَافِي بَينهمَا بِهَذَا علل وَقد بَان فَسَاده مِمَّا سبق
وَظَاهر هَذَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا بعد وضع الثَّانِي وَكَلَام صَاحب الْمُحَرر صَرِيح فِي ذَلِك أَو ظَاهر
وَصرح الشَّيْخ شمس الدّين بن عبد الْقوي فِي نظمه فِي حِكَايَة قَول ابْن حَامِد وَأَنَّهَا بِوَضْع الثَّانِي تطلق وتنقضي بِهِ الْعدة وَهُوَ يدل على ضعفه لِأَن كل طَلَاق لَا بُد لَهُ من عدَّة متعقبة وعَلى هَذَا يعايى بِهَذَا فَيُقَال على أصلنَا أَن الطَّلَاق بعد الدُّخُول وَلَا مَانع والزوجان مكلفان لَا عدَّة فِيهِ وَيُقَال طَلَاق بِلَا عوض دون الثَّلَاث بعد الدُّخُول فِي نِكَاح صَحِيح لَا رَجْعَة فِيهِ وَقد يُقَال على بعد الطَّلَاق يسْبق الْبَيْنُونَة فَلم يخل من عدَّة المتعقبة إِمَّا حَقِيقَة أَو حكما
وَبِهَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حِكَايَة قَول ابْن حَامِد تطلق الثَّانِيَة لقرب زمَان
الْبَيْنُونَة والوقوع فَلم يَجْعَل زمانها زمانها فعلى الأول إِن أشكل طلقت طَلْقَة لِأَنَّهَا الْيَقِين وَالزَّائِد مَشْكُوك فِيهِ وَالْأَصْل عَدمه وَلَا يشبه هَذَا مَا إِذا طلق فَلم يدر طلق وَاحِد أَو ثَلَاثًا على قَول الْخرقِيّ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شَاك فِي إباحتها بالرجعة بِخِلَاف هَذَا وَيُفَارق مالو أعتق أحد عبديه واشتبه حَيْثُ نقُول بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا تعيّنت طَرِيقا إِلَى تعْيين الْعتْق فِي أَحدهمَا لتساويهما وَهنا لم تتَعَيَّن عملا بِالْأَصْلِ فِي نفي الزَّائِد وَلِهَذَا لم تشرع الْقرعَة فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطلقات والمطلقات وإلحاق الشَّيْء بِجِنْسِهِ وَنَظِيره أولى
وَنَظِير مَسْأَلَة الْعتْق مالو طلق إِحْدَى امرأتيه لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ شَاك فِي الْمَحْكُوم فيعين وَفِي مَسْأَلَتنَا الْمَحْكُوم بِهِ معِين وَهُوَ المتيقين وَهُوَ مَعْلُوم فَلم يحْتَج إِلَى تعْيين بل تعْيين الْمعِين محَال وَهُوَ وَاضح إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَالَ القَاضِي قِيَاس الْمَذْهَب أَن يقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته فَإِنَّهُ الأول يحكم بِأَنَّهُ الأول لِأَنَّهُ لَا يُمكن الحكم بِوُقُوع طَلْقَة مُطلقَة لِأَن الْكَلَام معِين وَلَا بِوُقُوع الطَّلقَة المفردة لِأَنَّهُ تعْيين لأحد المشروطين مَعَ مُسَاوَاة احْتِمَال
وجود شَرطهمَا وَهُوَ غير جَائِز لما فِيهِ من التحكم وَالتَّرْجِيح من غير مُرَجّح وَلَا يُمكن الحكم بِوُقُوع طَلْقَة من الطلقتين لما تقدم وَلما فِيهِ من وُقُوع بعض الْمَشْرُوط وَهُوَ غير جَائِز
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيجب أَن تتَعَيَّن الْقرعَة طَرِيقا وبيانا للمحكوم بِهِ كَمَا تعيّنت طَرِيقا وبيانا للمحكوم عَلَيْهِ فِيمَا إِذا أعتق أحد عبديه معينا ثمَّ نَسيَه أَو قَالَ إِن جَاءَ زيد فعبد من عَبِيدِي حر وَإِن جَاءَ عَمْرو فعبدان من عَبِيدِي أَحْرَار وَإِن جَاءَ زيد فسالم حر وَإِن جَاءَ عَمْرو فغانم وَبكر حران فجَاء أَحدهمَا وَلم يعلم من هُوَ وَكَذَلِكَ نظيرتها فِي الطَّلَاق
كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الحكم فِيمَا إِذا طَار طَائِر وَقَالَ إِن كَانَ غرابا فَأَنت طَالِق وَاحِدَة وَإِن لم يكن غرابا فَأَنت طَالِق اثْنَتَيْنِ فطار وَلم يعلم حَاله وعَلى هَذَا إِن رَاجع قبل وضع الثَّانِي وَقع مَا علق بِهِ وَتعْتَد بعد وَضعه وَأما قَوْله وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر إِلَى آخِره لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون حملا وَاحِدًا وَبَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر بل الثَّانِي حمل آخر مُسْتَقل
وَبنى رحمه الله الْمَسْأَلَة على أصلين
أَحدهمَا أَن هَذَا الْحمل هَل يلْحق بالمطلق أم لَا
وَالثَّانِي هَل تَنْقَضِي عدتهَا بِهِ على تَقْدِير أَن لَا يحلق بِهِ أم لَا
أما كَون هَذَا الْحمل هَل يلْحق بالمطلق فمأخوذ من قَوْله فِيمَا يلْحق من النّسَب وَإِذا ولدت الرَّجْعِيَّة بعد أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طَلقهَا ولدون سِتَّة أشهر مُنْذُ أخْبرت بِانْقِضَاء عدتهَا أَو لم تخبر بانقضائها أصلا فَهَل يلْحقهُ نسبه على رِوَايَتَيْنِ
وَحل هَذَا أَن الرَّجْعِيَّة إِذا ولدت بعد أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طَلقهَا فلهَا حالان
أَحدهمَا أَن تخبر بِانْقِضَاء عدتهَا وتلد لدوّنَ سِتَّة أشهر مُنْذُ إخبارها فَيعلم بطلَان الْخَبَر وَأَن الْحمل كَانَ مَوْجُودا فِي مُدَّة الْعدة
وَالثَّانِي أَن لَا تخبر وَلم يحكم بانقضائها وَهَذِه الْعبارَة أَشد وأكمل لِأَن عبارَة بَعضهم وَإِن طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فَولدت لأكْثر من أَربع سِنِين مُنْذُ طَلقهَا وَأَقل من أَربع مُنْذُ انْقَضتْ عدتهَا
وَعبارَة بَعضهم وَإِن وطىء زَوجته ثمَّ طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ
أَتَت بِولد بعد أَكثر مُدَّة الْحمل وَقبل انْقِضَاء عدتهَا
لِأَن الْعبارَة الأولى هِيَ للحالة الأولى ذكرهَا المُصَنّف وحررها لِأَنَّهَا تصدق على مَا لَو أقرَّت بِانْقِضَاء عدتهَا بالقرء ثمَّ أَتَت بِولد بعد سِتَّة أشهر وَقد صرح قَائِلهَا بِهَذِهِ الصُّورَة وَأَنه لَا يلْحق بِهِ وَكَذَا صرح غَيره
ولسنا ننكر الْخلاف فِيهَا فَإِن فِي المغنى ذكر أَن كَلَام الْخرقِيّ يحْتَمل أَن يلْحق بِهِ وَذكره بعض الْمُتَأَخِّرين قولا
والعبارة الثَّانِيَة هِيَ للحالة الثَّانِيَة وَيدخل فِيهَا الأولى لَكِن هَذِه أَجود وأصرح فَتَأمل ذَلِك
ثمَّ إِن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ذكره بَعضهم وَجْهَيْن وَذكره بَعضهم رِوَايَتَيْنِ وَاخْتلف كَلَام الشَّيْخ فِي ذَلِك
وَجه لُحُوق النّسَب وَهُوَ الصَّحِيح وَالرَّاجِح عِنْد جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَن حكمهَا حكم الزَّوْجَات فِي أَكثر الاحكام بِلَا إِشْكَال فَكَذَا فِي مَسْأَلَتنَا لِأَنَّهُ الأَصْل كثبوته بالأكثرية وَالنَّقْل عَنهُ يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه
لَا سِيمَا وَالنّسب يحْتَاط لَهُ فتحقيقه وإثباته أولى من غَيره من الْأَحْكَام وَقِيَاسًا على مَا قبل الطَّلَاق
وَوجه عدم لُحُوقه أَنَّهَا مُطلقَة علقت بِهِ بعد الطَّلَاق يَقِينا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون مَوْجُودا قبل الطَّلَاق مَعَ بَقَائِهِ أَكثر من مُدَّة الْحمل فَأَشْبَهت الْبَائِن وَالْأولَى أولى وَالْفرق ظَاهر
إِذا تقرر هَذَا فمسألتنا الْمَقْصُودَة مُطلقَة رَجْعِيَّة تحقق حملهَا بعد طَلاقهَا بِوَضْع الأول وَلم يحكم بِانْقِضَاء عدتهَا فَعلم بذلك أَن التعليلين السَّابِقين يجريان هُنَا وَأَن مَا ذكره فِي لُحُوق النّسَب أصل لما ذكره فِي الطَّلَاق
وَقد يُقَال يحمل قَوْله وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر على الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي لُحُوق النّسَب لِأَنَّهَا إِذا وضعت بعد أَكثر مُدَّة الْحمل وَقبل الحكم بِانْقِضَاء الْعدة صدق أَنَّهَا وضعت وَبَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر وَدلّ على هَذَا الْحمل تَقْيِيد كَلَامه فِي لُحُوق النّسَب
وَصرح بِسِتَّة أشهر فَأكْثر للْفرق بَين الْحمل الْوَاحِد والحملين وَالْأول هُوَ الصَّوَاب لما فِيهِ من التَّقْيِيد بِغَيْر دَلِيل والتفريق بَين المتماثلين
وَالْمَسْأَلَة الْأُخْرَى وَهِي أَن من أَتَت امْرَأَته بِولد لَا يلْحقهُ نسبه هَل تَنْقَضِي عدتهَا بِهِ أم لَا مَشْهُورَة وَقد صرح بهَا المُصَنّف وَغَيره وَالْكَلَام عَلَيْهَا يطول وَالرَّاجِح فِيهَا وَاضح فَلَا حَاجَة إِلَى بحثها
إِذا تقرر هَذَا فَقَوله فَالْحكم كَمَا فصلنا إِن قُلْنَا الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق أَي الْخلاف السَّابِق جَازَ هُنَا وَالدَّلِيل كَمَا تقدم وَإِن قُلْنَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة كملت بِهِ الثَّلَاث لِأَنَّهَا وجدت صفتهَا كَمَا لَو وجدت دفْعَة وَاحِدَة وَانْتِفَاء عدم الْوُقُوع لانْتِفَاء سَببه لآن هَذَا الْحمل الثَّانِي لَا أثر لَهُ فِي انْقِضَاء الْعدة فوجوده كَعَدَمِهِ كَمَا لَو خرج مِنْهَا نُطْفَة أَو دم وَلِهَذَا لَو كَانَ
قَالَ كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَولدت ثَلَاثَة وَاحِد بعد وَاحِد لدوّنَ سِتَّة أشهر طلقت بِالثَّانِي أَيْضا لانْتِفَاء انْقِضَاء الْعدة بِهِ وَلَا تطلق بالثالث على الرَّاجِح كَمَا تقدم
وَإِن قُلْنَا بِأَنَّهُ يلْحق بِهِ كملت بِهِ الثَّلَاث أَيْضا لِأَن الحكم بلحوقه حكم بِثُبُوت وَطْء الزَّوْج وَالْحكم بِثُبُوت وَطئه حكم بِحُصُول الرّجْعَة لِأَن الرّجْعَة تحصل بِالْوَطْءِ فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلَو رَاجعهَا وَقع مَا علق بِالثَّانِي بِلَا إِشْكَال لانْتِفَاء الْعدة
وعَلى رِوَايَة عدم حُصُول الرّجْعَة بِالْوَطْءِ وَأَنَّهَا لَيست مُبَاحَة لَا يلْحقهُ النّسَب على ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب
وَقد قَالَ فِي المغنى فِي النَّفَقَات فِي الْفَصْل قبل مَسْأَلَة وَيجْبر الرجل على
نَفَقَة وَالِديهِ وَولده فِي الْمَرْأَة الرَّجْعِيَّة قَالَ وَإِن وَطئهَا زَوجهَا فِي الْعدة للرجعة حصلت الرّجْعَة وَإِن قُلْنَا لَا تحصل فالنسب لَاحق بِهِ وَعَلِيهِ النَّفَقَة لمُدَّة حملهَا انْتهى كَلَامه
فَيَنْبَغِي أَن يكون قَوْلنَا لَا تحصل الرّجْعَة بِالْوَطْءِ إِن اعْتقد تَحْرِيمه لم يلْحق وَإِلَّا لحق فَإِن قيل مَا تقدم من الْبناء غير صَحِيح لَا سِيمَا على قَول المُصَنّف إِنَّه لَا يلْزم من الحكم بلحوق النّسَب الحكم بِثُبُوت وَطْء الزَّوْج لكَون ذَلِك مستلزما للرجعة بل قد يحكم بلحوق النّسَب وَإِن لم يحكم بِثُبُوت الْوَطْء وَلَا تترتب عَلَيْهِ ثمراته كَمَا ترتبت على الْوَطْء الْحَقِيقِيّ ومظنته فَيحكم بلحوق النّسَب وَإِن لم يحكم بِالْبُلُوغِ وَلَا باستقرار مهر عَن الْمَدْخُول بهَا وَلَا بِثُبُوت الْعدة عَلَيْهَا وَلَا بِثُبُوت الرّجْعَة عَلَيْهَا فِيمَا اذا طلق كَمَا ذكره المُصَنّف فِي بَاب مَا يلْحق من النّسَب
وَيُؤْخَذ ذَلِك من كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين بعضه صَرِيحًا وَبَعضه إِيمَاء لِأَنَّهُ ذكر فِي مَسْأَلَة قذف الصَّغِيرَة من كتاب اللّعان أَن الزَّوْج إِذا كَانَ ابْن عشر فَأكْثر يلْحقهُ نسبه خلافًا لأبي بكر قَالَ وَلَيْسَ لَهُ نَفْيه فِي الْحَال حَتَّى يتَحَقَّق بُلُوغه بِأحد أَسبَاب فَلهُ نفى الْوَلَد واستلحاقه
فَإِن قيل إِذا ألحقتم الْوَلَد فقد حكم بِبُلُوغِهِ فَهَلا منعتم نَفْيه ولعانه قُلْنَا إِلْحَاق الْوَلَد يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَان وَالْبُلُوغ لَا يثبت إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَلِأَن إِلْحَاق الْوَلَد بِهِ حق عَلَيْهِ وَاللّعان حق لَهُ فَلم يثبت مَعَ الشَّك انْتهى كَلَامه
وَكَذَلِكَ احتطنا للنسب فاكتفينا فِيهِ بالإمكان لوُجُود مقتضية وَهُوَ الْفراش الثَّابِت بِالْعقدِ كَمَا هُوَ مَذْكُور مَوْضِعه ونفينا غَيره من الْأَحْكَام على أَصله وَقد تقرر أَنه لَا ينْتَقل عَن الأَصْل بِالِاحْتِمَالِ وَالوهم وَهَذَا كَمَا نحكم بِدُخُول وَقت الْعِبَادَة فيحتاط لَهَا بِإِيجَاب فعلهَا وَإِن لم تترتب بَاقِي الْأَحْكَام كوجوب صَوْم لَيْلَة النَّعيم مَعَ أَنه لَا يَقع طَلَاق وَلَا عتاق وَلَا يحل دين لَهُ وَلَا عَلَيْهِ على ظَاهر الْمَذْهَب وَإِذا انْتَفَت الرّجْعَة انْتَفَى وُقُوع الثَّلَاث فِي مَسْأَلَتنَا لِأَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَيْهَا قيل يلْزم من ذَلِك حُصُول الرّجْعَة فِي مَسْأَلَتنَا كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب ولظن وَغَيره
وَالظَّاهِر أَن المُصَنّف تبع غَيره من الْأَصْحَاب على ذَلِك لِأَن لُحُوق النّسَب شرعا اعْتِرَاف أَو كاعتراف الزَّوْج بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ دَلِيل عَلَيْهِ ووقوف ثُبُوته على الْبَيِّنَة مُتَعَذر وَلَا يُمكن القَوْل بوقوفه على الِاعْتِرَاف وَلَو اخْتلف فِي الْوَطْء هُنَا كَانَ القَوْل قَول من يَدعِيهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَاف بعد الدُّخُول والتمكين وَهَذَا الْخلاف مَا ذكره المُصَنّف فِي لُحُوق النّسَب لِأَن كَلَامه فِيهِ قبل الدُّخُول
وَلَو اخْتلفَا قبل الدُّخُول فِي الْإِصَابَة كَانَ القَوْل قَول من ينفيها لِأَن الأَصْل مَعَه وَلَا معَارض
فَإِن قيل يلْزم على هَذَا مَا لَو طلق مَدْخُولا بهَا ثمَّ أَتَت بِولد يلْحقهُ نسبه كَمَا لَو أَتَت بِهِ قبل مُجَاوزَة أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طلق فَإِن الرّجْعَة لَا تثبت وَإِن لحقه نسبه مَعَ أَنَّهَا مَدْخُول بهَا قبل الطَّلَاق
قُلْنَا لَا يلْزم لِأَن الْوَطْء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يحْتَمل أَن يكون وجد قبل الطَّلَاق وَيحْتَمل أَن يكون وجد بعده مصادفا زمن الْعدة فَلَا تحصل الرّجْعَة مَعَ الشَّك بِخِلَاف مَا تقدم لأَنا نتحقق مصادفة الْوَطْء زمن الْعدة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون سَبَب الْوَضع الثَّانِي وجد قبل الطَّلَاق مَعَ كَونهمَا حملين كَمَا سبق
وَإِذا كَانَ كَذَلِك لزم حُصُول الرّجْعَة وَمن زعم أَن لفظ المُصَنّف وَإِن قُلْنَا لَا تنقضى بِهِ وألحقناه بِحَذْف الْألف فَلَيْسَ كَمَا زعم بل النّسخ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الْمُعْتَمدَة بِإِثْبَات الْألف وَلم أجد حذفهَا فِي نُسْخَة صَحِيحَة وَقد صَحَّ كَمَا سبق أَن عدم انْقِضَاء الْعدة سَبَب مُسْتَقل فِي وُقُوع الثَّلَاث وعَلى تَقْدِير حذف الْألف يكون عدم انْقِضَاء الْعدة جُزْء السَّبَب فَتعين أَن يثبت الْألف حَتَّى يكون عدم انْقِضَاء الْعدة سَببا كَامِلا لوُقُوع الثَّلَاث فَإِن وجدت الْألف فِي نُسْخَة صَحِيحَة محذوفة تعين أَن تكون مقدرَة وَتَكون الْوَاو بِمَعْنى أَو وَهُوَ سَائِغ
وَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل مَا إِذا أَبَانهَا فَولدت آخر بعد سِتَّة أشهر أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ إِن جعل أصلا للحوق النّسَب لم يستقم لِأَن فِي لُحُوق النّسَب فِي الْفَرْع تعددا وَلَا خلاف فِي الْمَذْهَب فِي عدم لُحُوق النّسَب فِي الأَصْل وَإِن
جعل أصلا لانقضاء الْعدة فَهُوَ فرع محَال على أصل فَذكر الأَصْل الْمحَال عَلَيْهِ أولى مَعَ أَن فِيهِ تَخْصِيص بعض النَّظَائِر بِالذكر
وَذكر القَاضِي رحمه الله الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا دون سِتَّة أشهر وَذكر أَنه إِن كَانَ بَينهمَا سِتَّة أشهر فَصَاعِدا أَنَّهَا تبين بِالثَّانِي وَلَا تطلق بِهِ وَقَالَ فَهَذَا حمل عَادَتْ بعد الْبَيْنُونَة فَلَا يلْحق بِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِهِ طَلَاق
وَقَوله بعد الْبَيْنُونَة أَي بعد سَببهَا لِأَنَّهُ حدث بعد الْحمل الأول الَّذِي وَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِلَّا فمحال بينونتها بِالْحملِ الثَّانِي مَعَ بينونتها بِالْأولِ فقد قطع بِأَن الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق وَمَعَ هَذَا قطع بِعَدَمِ وُقُوع الطَّلَاق بِهِ وَفِيه إِشْعَار بِأَنا لَو قُلْنَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة أَو ألحقناه بالمطلق طلقت بِهِ فَيكون كَمَا ذكره صَاحب الْمُحَرر
وَقطع القَاضِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَن لَا يلْحق بِهِ وَقطع فِي مَسْأَلَة لُحُوق النّسَب الْمَذْكُورَة بلحوقه وَهَذَا أَمر قريب لَا سِيمَا فِي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين فَإِن الْفَقِيه قد يذكر فِي مَوضِع أحد الْقَوْلَيْنِ وَيذكر فِي مَوضِع آخر القَوْل الآخر وَذكر أَبُو الْخطاب الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا دون سِتَّة أشهر وَقَالَ فان كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر
فَهُوَ على مَا تقدم من الْوَجْهَيْنِ وَظَاهر هَذَا ثُبُوت الْوَجْهَيْنِ فِي جَمِيع الصُّور
وَكَأن الشَّيْخ فِي كتاب الْمقنع لما رأى أَبَا الْخطاب حَال الْوَجْهَيْنِ فِيمَا اذا كَانَ فَوق سِتَّة أشهر على الْوَجْهَيْنِ فِيمَا اذا كَانَ بَينهمَا دونهَا لم يتَعَرَّض للتفصيل لعدم فَائِدَته وَكَذَلِكَ قَول الشَّيْخ فِي كتاب زَوَائِد الْهِدَايَة على الْخرقِيّ وَالشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي فِي كتاب الْخُلَاصَة تبع أَبَا الْخطاب فِي التَّفْضِيل من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان إِلَّا أَنه صحّح عدم وُقُوع الطَّلَاق فِي الْحَالين وَكَذَلِكَ فعل غَيرهمَا وَذَلِكَ من إقرارهم وَعدم تغييرهم ظَاهر فِي فهمهم ظَاهره
فَإِن قيل كَلَام أبي الْخطاب مَحْمُول على القَوْل بِأَن الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق كَمَا قَيده صَاحب الْمُحَرر
قيل كَلَام شخص لَا يُقيد كَلَام شخص آخر بل يحمل من أطلق على عُمُومه اللَّهُمَّ إِلَّا أَن ينْدَرج تَحت الْإِطْلَاق صُورَة لَا يكون لِلْقَوْلِ بهَا مساغ فَحِينَئِذٍ تخرج تِلْكَ الصُّورَة من الْإِلْحَاق لتعذر حمل الْمُطلق عَلَيْهَا لَا سِيمَا هُنَا لِأَن أَبَا الْخطاب ذكر انْقِضَاء الْعدة بِمَا لَا يلْحق بالمطلق احْتِمَالا فَجعل كَلَامه تَفْرِيعا مِنْهُ على احْتِمَال بعيد من غير إِشَارَة مِنْهُ إِلَى ذَلِك بعيد بل قد يُقَال فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْخلَافَة لِأَنَّهُ أحَال هَذِه الْمَسْأَلَة على الَّتِي قبلهَا فَدلَّ على اشتراكهما فِي الْمدْرك وَالْحكم
يُؤَيّد هَذَا أَن صَاحب الْوَجِيز من متأخري الْأَصْحَاب ذكر فِيهِ أَنَّهَا تطلق بِالْأولِ وَتبين بِالثَّانِي وَلَا تطلق بِالثَّانِي وَقطع بِهَذَا وَلم يفصل بَين سِتَّة أشهر وَغَيرهَا وَقطع فِي مَسْأَلَة لُحُوق النّسَب بِأَنَّهُ يلْحقهُ وَقطع فِي الْعدة بِأَن مَالا يلْحقهُ نسبه لَا تنقضى بِهِ الْعدة وَهُوَ كتاب حسن وَقد اطلع عَلَيْهِ القَاضِي تَقِيّ الدّين الزريراني الْبَغْدَادِيّ وَأَجَازَ الْفتيا بِهِ وَأَنه الْمَذْهَب
فقد ظهر من هَذَا أَن الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى فِي الْحَال الرَّابِع وَهُوَ فِيمَا إِذا ألحقناه بِهِ هَل تكمل بِهِ الثَّلَاث على وَجْهَيْن وَقِيَاس القَوْل
بالتسوية بَين الْأَحْكَام فِي مَسْأَلَة الْغَيْم أَنه يلْزم من الحكم بلحوق النّسَب الحكم بِجَمِيعِ الْأَحْكَام لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِوَطْئِهِ شرعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض الْأَحْكَام فَكَذَلِك إِلَى الْبَعْض الآخر تَسْوِيَة بَين جَمِيعهَا
وَقد قَالَ صَالح قَالَ أبي إِذا أغلق الْبَاب وأرخى السّتْر لزمَه الصَدَاق قلت وَإِن لم يطَأ قَالَ وَإِن لم يطَأ أَرَأَيْت لَو جَاءَت بِولد أَلَيْسَ تلْزمهُ إِيَّاه الْعَجز جاءمن قبله قلت فَإِنَّهُ قَالَ لم أَطَأ وَقَالَت لم يطأني قَالَ هَذَا فار من الصَدَاق وَهَذِه فارة من الْعدة
فقد احْتج الإِمَام أَحْمد على لُزُوم الصَدَاق بِلُزُوم الْوَلَد لَو جَاءَت بِهِ فَدلَّ على تلازمهما عِنْده ظَاهرا وَشرعا
وَالْمَشْهُور من قَول الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق فِي الْوَصِيَّة للْحَمْل بَين أَن تكون الْمَرْأَة فراشا لزوج أَو سيد يَطَؤُهَا أَو لَا يَطَؤُهَا لأَنهم لم يفرقُوا فِي لُحُوق النّسَب بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّد فِي حكم من يَطَؤُهَا فقد جعلُوا الْحَالين سَوَاء فِي الْوَصِيَّة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي لُحُوق النّسَب
وَلَو كَانَ لرجل ولد من امْرَأَة فَقَالَ مَا وطئتها لم يثبت إحْصَانه وَلَا
يرْجم إِذا زنا عندنَا وَعند الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ أَصْحَابنَا عَنهُ يرْجم لِأَن الْوَلَد لَا يكون إِلَّا من وَطْء فقد حكم بِالْوَطْءِ ضَرُورَة الحكم بِالْوَلَدِ
وأصحابنا يَقُولُونَ الْوَلَد يلْحق بالإمكان والإحصان لَا يثبت بالإمكان وَلَا يكون أَحدهمَا دَالا على الآخر
وَبَيَانه أَنَّهَا يجوز أَن تعلق من وَطْء دون الْفرج أَو تستدخل مَاء الرجل فَتعلق وَبِهَذَا لَا يجوز أَن يثبت الْإِحْصَان
وَالْمَقْصُود أَن مَسْأَلَتنَا على أصُول أبي حنيفَة أولى لِأَن الْإِحْصَان لَا يثبت إِلَّا بِحَقِيقَة الْوَطْء وَلَا يثبت بالخلوة بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يستبعد مَا أُشير إِلَيْهِ من جري الْخلاف فِي مَسْأَلَتنَا وَالله أعلم