الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجْه الثَّالِث أَن الْعَادَات تنْتَقض إِذا قربت السَّاعَة فَتَطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَكَذَلِكَ كسوفها وخسوفها انْتهى كَلَامه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي فِي مذيله فِي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة قَالَ فِيهَا فِي لَيْلَة السَّادِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر أول اللَّيْل وَكَانَ شَدِيد الْحمرَة ثمَّ انجلى وكسفت الشَّمْس فِي غده احْمَرَّتْ وَقت طُلُوعهَا وَقَرِيب غُرُوبهَا وَبقيت كَذَلِك أَيَّامًا مغبرة اللَّوْن ضَعِيفَة النُّور وَالله تَعَالَى على كل شئ قدير
واتضح بذلك مَا صوره الشَّافِعِي رضي الله عنه من اجْتِمَاع الْكُسُوف والعيد واستبعده أهل النجامة انْتهى كَلَامه
وَمَا يحْكى عَن المنجمين فِي هَذَا هُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وبحثه فِي غير مَوضِع من كَلَامه
صَلَاة الاسْتِسْقَاء
قَوْله وَإِذا أجدبت الأَرْض وَاحْتبسَ الْقطر
ظَاهره أَنَّهَا لَا تسن لخوف الجدب وَدَلِيله ظَاهر وَقيل تسن
وَقَوله وعظ الإِمَام النَّاس إِلَى آخِره
اطلاق كَلَامه يدل على أَنَّهَا لَا تخص بِأَهْل الجدب وَقطع بِهِ جمَاعَة كَابْن عقيل وَابْن تَمِيم
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن استسقى مخصب لمجدب جَازَ وَقيل يسْتَحبّ وَلَعَلَّ الظَّاهِر اسْتِحْبَابه بِالدُّعَاءِ لَا بِالصَّلَاةِ
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا يخْتَص بِأَهْل الجدب بل يسْتَحبّ أَن يستسقى لَهُم أهل الخصب أَيْضا فَإِن دُعَاء الْمُؤمن أقرب إِجَابَة وَيعرف من كَلَامه إِن نذر الإِمَام أَو آحَاد النَّاس الاسْتِسْقَاء لزمَه لِأَنَّهُ قربَة وَطَاعَة ذكره جمَاعَة وَلَا يلْزم عَن النَّاذِر وَلَا يتَعَيَّن زمَان وَلَا مَكَان فَإِن عين صَلَاة أَن خطْبَة لزمَه وَإِن عين بِغَيْر صَلَاة وَلَا خطْبَة لم يلْزمه وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ
وَيعرف من كَلَام صَاحب الْمُحَرر أَيْضا أَنه لَو نذر فِي زمَان الخصب أَن يُصَلِّي للاستسقاء لم ينْعَقد نَذره
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينْعَقد وَالثَّانِي ينْعَقد لِأَنَّهُ قربَة فِي الْجُمْلَة فَيصَلي وَيسْأل الله دوَام النِّعْمَة وَالْخصب عَلَيْهِم وشمول بَقِيَّة الْخلق بِهَذِهِ النِّعْمَة انْتهى كَلَامه
وَالْأول أولى
وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يسْتَحبّ الاسْتِسْقَاء لغور مَاء عين أَو نهر لقَوْله احْتبسَ الْقطر وَلَو قَالَ وَاحْتبسَ المَاء دخلت الْمَسْأَلَة تَحت كَلَامه
وَذكر فِي شرح الْهِدَايَة وَجْهَيْن فِي الِاسْتِحْبَاب وَذكر فِي التَّلْخِيص وَغَيره رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ ابْن عقيل الِاسْتِحْبَاب وَقَالَ إِن الْأَصْحَاب اخْتَارُوا عَدمه
وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن الِاسْتِحْبَاب أَقيس وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَقيد جمَاعَة الْمَسْأَلَة بلحوق الضَّرَر بذلك وَهُوَ صَحِيح
وَقَالَ فِي الشَّرْح قَالَ القَاضِي وَابْن عقيل إِذا نقصت مياه الْعُيُون أَو غارت وتضرر النَّاس اسْتحبَّ الاسْتِسْقَاء كَمَا يسْتَحبّ لانْقِطَاع الْمَطَر وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يسْتَحبّ لِأَنَّهُ لم ينْقل انْتهى كَلَامه
قَوْله وَمَعَهُ الشُّيُوخ والعجائز وَأهل الصّلاح
يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَنه يسْتَحبّ خُرُوج هَؤُلَاءِ خَاصَّة وعَلى هَذَا يكون
قَوْله وعظ الإِمَام النَّاس وَوَعدهمْ يَوْمًا لخروجهم يَعْنِي من يسْتَحبّ خُرُوجه مِنْهُم وَيكون الْوَعْد الْمَعْطُوف خَاصّا والوعد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عَاما وَهَذَا ظَاهر كَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ أما الْمُسْتَحبّ فخروج الشُّيُوخ وَمن كَانَ من أهل الصّلاح لِأَن دعاءهم أَرْجَى للإجابة وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن يكون خُرُوج هَؤُلَاءِ أَشد اسْتِحْبَابا وَهَذَا أقوى لَكِن يرد عَلَيْهِ الشَّبَاب من النِّسَاء فَإِنَّهُ لم يستثنهن وخروجهن غير مُسْتَحبّ لم أجد فِيهِ خلافًا صَرِيحًا وَفِي اسْتِحْبَاب خُرُوج الْعَجَائِز وَمن لاهيئة لَهَا وَجْهَان الِاسْتِحْبَاب مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ كالشيوخ وَعَدَمه ذكر القَاضِي أَنه ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد وَهُوَ قَول مَالك لِأَن الْمَرْأَة فِي الْجُمْلَة عَورَة وَكَذَا حكى بَعضهم عَن ابْن عقيل أَنه ذكر هَذَا ظَاهر كَلَام أَحْمد
وَالَّذِي رَأَيْت فِي فُصُول ابْن عقيل وَلَا يجوز إِخْرَاج الْعَجَائِز على ظَاهر كَلَام أَحْمد وعَلى قَول ابْن حَامِد يسْتَحبّ ذَلِك على مَا قدمنَا فِي صَلَاة الْعِيد
وَوجه الْمَنْع أَن النَّص ورد فِي الْمَسَاجِد فَأَما فِي الصَّحرَاء فَلَا وَوجه الْجَوَاز أَن الْفِتْنَة امْتنعت فِي حقهن وَالدُّعَاء مِنْهُنَّ مرجو إجَابَته انْتهى كَلَامه
وَكَأَنَّهُ يَقُول فِي تَوْجِيه الْمَنْع إِن الأَصْل عدم خُرُوج الْمَرْأَة لِأَنَّهَا إِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان وَخيف مِنْهَا الافتتان وَالنَّص الْوَارِد فِي الْمَسَاجِد يخْتَص بهَا هَذَا وَجهه إِن كَانَ مَحْفُوظًا وَفِيه نظر لَا يخفى
واعتباره الْمَسْأَلَة على قَول ابْن حَامِد بِصَلَاة الْعِيد يدل على أَن حكمهَا حكمهَا وَخُرُوج النِّسَاء فِي صَلَاة الْعِيد فِيهِ أَقْوَال الْإِبَاحَة والاستحباب اخْتَارَهُ ابْن حَامِد وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقَالَ فِي رِوَايَة اسحق بن ابراهيم وَقيل لَهُ هَل على النِّسَاء صَلَاة الْعِيد قَالَ ماسمعنا فِيهِ شَيْئا وَأرى أَن يفعلنه يصلين وَقَالَ مرّة أُخْرَى مَا سمعنَا أَن على الْمَرْأَة صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَإِن صلت فَحسن وَهُوَ
أحب إِلَيّ وَالْكَرَاهَة فَأَنَّهُ روى عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ لَا يُعجبنِي خُرُوج النِّسَاء فِي وقتنا هَذَا لِأَنَّهُ فتْنَة قَالَه فِي رِوَايَة صَالح فِي خروجهن إِلَى الْعِيد وَاخْتَارَ القَاضِي أَنه لَا يسْتَحبّ لِأَنَّهُنَّ فتْنَة وَيخرج من هَذَا قَول رَابِع بِالتَّحْرِيمِ بِنَاء على اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي قَول الامام لَا يُعجبنِي هَل هُوَ للتَّحْرِيم أَو للكراهة على وَجْهَيْن
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر رُوِيَ عَن الإِمَام أَحْمد يكره للشابة وَلَا بَأْس بِهِ للعجوز وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَأما شواب النِّسَاء وَذَوَات الهيئات فَلَا يسن حضورهن بل يكره عِنْد الْجَمِيع بِخِلَاف الْعِيد لوُرُود الْأَثر بِهِ هُنَاكَ وَلَيْسَ هَذَا مثله لِأَنَّهُ لايخشى بحضورهن مفْسدَة هَكَذَا فِي مجمع الْبَحْرين الْعَكْس مَقْصُود الْحُضُور وَهُوَ إِجَابَة الدُّعَاء ومقصود الْعِيد لَا يخْتل بذلك وَلِأَنَّهُ بِحُضُور الْعِيد يعرفن كثيرا من شَعَائِر الدّين وَأَحْكَامه بِمَا يسمعنه فِي الْخطْبَة وَهنا جلّ الْمَقْصُود الدُّعَاء وَهُوَ مُمكن مِنْهُنَّ فِي بُيُوتهنَّ انْتهى كَلَامه وَلَا يَخْلُو من مناقشة وَنظر
قَوْله وَيجوز خُرُوج الصّبيان وَقَالَ ابْن حَامِد يسْتَحبّ
ظَاهره سَوَاء كَانُوا مميزين أم لَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَقد احْتج الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا بالاستحباب بِمَا روى من قَوْله عليه الصلاة والسلام لَوْلَا شُيُوخ ركع وَأَطْفَال رضع وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا
وَلم يزدْ على ذَلِك وَهَذَا يُؤَيّد عدم الْفرق
وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِنَّمَا يخرج مِنْهُم المميزون قَالَ وَإِن قُلْنَا لَا اسْتِحْبَاب فلعدم التَّكْلِيف كَمَا فِي الطِّفْل وَالْمَجْنُون وَإِن قُلْنَا يسْتَحبّ وَهُوَ أصح فلأنهم من أهل الْعِبَادَة ويمتازون عَن البلغ بِرَفْع الآثام عَنْهُم وكونهم أقرب لِأَن يرحموا ويجابوا وَلَعَلَّ هَذَا أقوى فَإِن من لَيْسَ أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا فرق بَينه فِي هَذَا وَبَين الْبَهِيمَة وَلَا يسْتَحبّ إخْرَاجهَا عندنَا لَكِن يجوز قطع بِهِ جمَاعَة وَحكى غير وَاحِد وَجها بكراهته
قَوْله وَإِن خرج أهل الذِّمَّة لم يمنعوا وأفردوا عَن الْمُسلمين
ظَاهر هَذَا أَنه يكره إخراجهم وَإِن كُنَّا لَا نمنعهم إِن خَرجُوا وَكَذَا ذكر غير وَاحِد أَنه يكره إخراجهم وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ لبعد إجابتهم لأَنهم أَعدَاء لله وَإِن أغيث الْمُسلمُونَ فَرُبمَا قَالُوا هَذَا حصل بدعائنا
وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن ظَاهر كَلَام أبي بكر أَنه لَا بَأْس بإخراجهم وَأما كَونهم لَا يمْنَعُونَ إِذا خَرجُوا فلأنهم يطْلبُونَ أَرْزَاقهم وَالله قد تكفل برزق الْمُسلم وَالْكَافِر
وَقَوله وأفردوا عَن الْمُسلمين يَعْنِي إِذا خَرجُوا يَوْم خُرُوج الْمُسلمين يفردون عَنْهُم لِئَلَّا يحصل عَذَاب فَيعم الْجَمِيع وَلِهَذَا أفردوا عَن مَقَابِر الْمُسلمين وَالْأولَى أَن لَا يفردوا بِيَوْم على ظَاهر ماقطع بِهِ فِي الْمُغنِي وَغَيره وَاخْتَارَهُ المُصَنّف لعدم نَقله فِي الْأَعْصَار السَّابِقَة وَلما فِيهِ من استقلالهم بِهِ وَرُبمَا نزل غيث فَيكون أعظم لفتنتهم وَرُبمَا اغْترَّ بهم غَيرهم وَقَالَ ابْن أبي مُوسَى الأولى إفرادهم بِيَوْم وَقطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص لِئَلَّا يظنون أَن مَا حصل من الْغَيْث بدعائهم
قَوْله وَإِن سقوا قبل الْخُرُوج صلوا شكرا
يَعْنِي فِيمَا إِذا عزموا على الْخُرُوج وتأهبوا لَهُ وَإِلَّا فَلَو سقوا قبل الْعَزْم على الْخُرُوج والتأهل لَهُ لم يصلوا على ظَاهر كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالْأَصْحَاب وَذَلِكَ لأَنهم قد شرعوا فِي أَمر الاسْتِسْقَاء فَهُوَ كَمَا لَو خَرجُوا فسقوا قبل أَن يصلوا فَإِنَّهُم يصلونَ وَقد علل بَعضهم بِأَن الصَّلَاة شرعت لإِزَالَة الْعَارِض من الجدب وَذَلِكَ لَا يحصل بِمُجَرَّد النُّزُول وَمُقْتَضى هَذَا أَنهم يصلونَ مُطلقًا فعلى هَذَا هَل يخرجُون فِيهِ وَجْهَان وَالْقَوْل باستحباب الْخُرُوج قَول القَاضِي وَابْن عقيل وَقطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص وَقيل لَا يخرجُون وَلَا يصلونَ اخْتَارَهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لِأَن الصَّلَاة ترَاد لإنزال الْمَطَر وَقد وجد وَلِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ أثر وَفِيه كلفة
قَالَ المُصَنّف وَيُفَارق مَا لَو خَرجُوا فسقوا قبل الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّكْمِيل كَبِير مشقة بل قد شرعوا وَأتوا بِأَكْثَرَ الْمَقْصُود من الِاجْتِمَاع وَالدُّعَاء وَلذَلِك كَانَ تكميله بِالصَّلَاةِ أولى انْتهى كَلَامه
وَظَاهر كَلَام الْآمِدِيّ أَنهم يخرجُون فَيدعونَ وَلَا يصلونَ وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة
- صلى الله عليه وسلم َ - كتاب الْجَنَائِز
قَوْله يُوَجه المحتضر إِلَى آخِره
هَذَا الْمَذْهَب وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم وَخَالف فِيهِ سعيد بن الْمسيب وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك كَرَاهَته وَقَالَ الْخرقِيّ إِذا تَيَقّن الْمَوْت وَجه إِلَى الْقبْلَة قَالَ فِي الْمُغنِي وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ حُضُور الْمَوْت وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ تَيَقّن وجود الْمَوْت لِأَن سَائِر مَا ذكر إِنَّمَا يفعل بعد الْمَوْت وَهُوَ تغميض الْعين وَغَيره وَكَلَام ابْن عقيل وَغَيره مثل كَلَام الْخرقِيّ
وَهَذَا التَّوْجِيه قبل الدّفن مُسْتَحبّ صرح بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَلم أجد خِلَافه صَرِيحًا وَهُوَ المحكي عَن مَذَاهِب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة
وَقَوله على جنبه الْأَيْمن أَو مُسْتَلْقِيا على ظَهره يَعْنِي يجوز هَذَا وَيجوز هَذَا فَيكون تعرض لجَوَاز الْأَمريْنِ وَلم يتَعَرَّض للأفضلية وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده التَّخْيِير وَأَنه الأولى ومنصوص الإِمَام أَن تَوْجِيهه على جنبه الْأَيْمن أفضل وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْمَشْهُور عَنهُ وَأَنه قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ وَهُوَ أصح وَهَذَا اخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره وَعَن الإِمَام أَحْمد مُسْتَلْقِيا على ظَهره أفضل وَهُوَ الَّذِي فعله عِنْد مَوته وَاخْتَارَهُ أَكثر الْأَصْحَاب وَحَكَاهُ الشَّيْخ وجيه الدّين عَن اخْتِيَار الْأَصْحَاب وَعنهُ التَّسْوِيَة بَينهمَا وَلم أجد أحدا اخْتَارَهَا
قَوْله ويبل حلقه إِلَى قَوْله وسورع فِي تَجْهِيزه كل ذَلِك مُسْتَحبّ
قَوْله وَصِيّه إِلَى آخِره
أطلق وَلَا بُد من إِسْلَامه فِي الْمَشْهُور بِنَاء على اعْتِبَار النِّيَّة لِأَنَّهَا عبَادَة مفترضة وَلَيْسَ الْكَافِر من أَهلهَا كالتيمم
وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه يحْتَمل عِنْده أَن الْمُسلم إِذا حضر وَأمر الْكَافِر بمباشرته وَفعله فِي الْحَال لن يَصح كالحي إِذا نوى رفع الْحَدث وَأمر كَافِرًا بِغسْل أَعْضَائِهِ وكالأضحية إِذا بَاشر ذَبحهَا ذمِّي على الْمَشْهُور اعْتِمَادًا على نِيَّة الْمُسلم
وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون مُمَيّزا وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ لصِحَّة طَهَارَته وكأذانه وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون فَاسِقًا
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالْأَفْضَل أَن يكون ثِقَة أَمينا عَارِفًا بِأَحْكَام الْغسْل وَكَذَا قَالَ غَيره وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب لَا يغسل الْمَيِّت إِلَّا عَالم بِالْغسْلِ وَيسْتَحب أَن يكون من أهل الدّين وَالْفضل
وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين يجب أَن يكون مَأْمُونا موثوقا بِدِينِهِ ومعرفته للْغسْل ونظافته
فَصَارَ فِي اعْتِبَار عَدَالَته ومعرفته بِأَحْكَام الْغسْل ثَلَاثَة أوجه الثَّالِث يعْتَبر علمه بِأَحْكَام الْغسْل فَقَط وَقطع فِي الرِّعَايَة بِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون غير فَاسق وَهَذَا فِيهِ نظر بِخِلَاف شَرْطِيَّة عَدَالَته فِي الصَّلَاة على أصلنَا
وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون جنبا أَو حَائِضًا أَو نفسَاء أَو حَدثا وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد مَعَ أَن الْأَفْضَل تَركه وَعنهُ يكره وكراهته التغميض مِنْهُم لكراهية السّلف لذَلِك
قَالَ المُصَنّف وَلَعَلَّ ذَلِك لأجل حُضُور مَلَائِكَة الْقَبْض وَالْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ جنب وَلم يثبت حُضُورهَا وَقت الْغسْل وَقطع غير وَاحِد بِأَن الْحر الْبعيد أولى من العَبْد الْقَرِيب لِأَن العَبْد لَا ولَايَة لَهُ فِي المَال وَالنِّكَاح وَقطع المُصَنّف وَغَيره بِأَن سيد الرَّقِيق أولى بِغسْلِهِ وَدَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ لِأَن علقَة الْملك أقوى من علقَة النّسَب
قَوْله وَيجوز أَن يغسل الرجل زَوجته وَأم وَلَده وَأَن يغسلاه
ظَاهره جَوَاز نظر كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جَمِيع بدن الآخر حَتَّى الفرجين وَذكره الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ ابْن تَمِيم وَلكُل وَاحِد مِنْهُم النّظر إِلَى الآخر بعد الْمَوْت مَا عدا الْفرج قَالَه أَصْحَابنَا وَسُئِلَ الإِمَام عَن ذَلِك فَقَالَ اخْتلف فِي نظر الرجل إِلَى امْرَأَته انْتهى كَلَامه أَي وَقطع بِهَذَا فِي الرِّعَايَة أَن أَي الزَّوْجَيْنِ مَاتَ فللآخر نظر غير فرجيه إِن جَازَ أَن يغسلهُ
وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة أَن الْقَاتِل لَا حق لَهُ فِي غسل الْمَقْتُول عمدا أَو خطأ وَلَا فِي الصَّلَاة والدفن لِأَنَّهُ بَالغ فِي قطيعة الرَّحِم فَلَا يُرَاعى حَقه بعد الْمَوْت كَمَا فِي الْمِيرَاث فَأَما الْقَاتِل قصاصا بِحَق فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْمِيرَاث انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب خِلَافه
قَوْله وَله دَفنه إِن لم يجد من يدفنه
ظَاهره أَنه لَا يجب دَفنه فِي هَذِه الْحَال وعَلى هَذَا لَا تجب مواراته مُطلقًا وَقطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين وَهُوَ ظَاهر كَلَام غير وَاحِد وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ يجب ذِمِّيا كَانَ أَو حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا وَقَالَ هَذَا ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا اقْتِدَاء بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حق كفار أهل بدر حَيْثُ واراهم فِي القليب وَلِأَن فِي تَركه سَببا للمثلة بِهِ وَهِي مَمْنُوع مِنْهَا فِي حَقه بِدَلِيل عمومات النَّهْي عَنْهَا وَفِي هَذَا نظر لِأَن فعله هَذَا لَا يدل على الْوُجُوب وَاحْتِمَال وُقُوع الْمَحْذُور لَا ينْهض سَببا لتَحْرِيم شَيْء وَلَا وُجُوبه بِهِ
قَوْله وَيمْسَح بِالْمَاءِ بَاطِن شَفَتَيْه وَمنْخرَيْهِ
الأولى أَن يكون بِخرقَة نَص عَلَيْهِ وَهِي خرقَة سَائِر الْبدن وَهِي غير خرقَة الِاسْتِنْجَاء ذكره المُصَنّف وَغَيره وَيسْتَحب قبل ذَلِك غسل كفي الْمَيِّت كالحي نَص عَلَيْهِ وَمسح بَاطِن شَفَتَيْه وَمنْخرَيْهِ مُسْتَحبّ عِنْد الإِمَام وَأكْثر الْأَصْحَاب وأوجبه أَبُو خطاب فِي الِانْتِصَار فِي بحث مَسْأَلَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق
وَعند أبي حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك وَحكى فِي الْمُغنِي عَن الشَّافِعِي أَنه يمضمضه وينشقه كَمَا يفعل بالحي وَحكى المُصَنّف سُقُوط الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِالْإِجْمَاع
قَوْله يفعل ذَلِك كُله ثَلَاثًا إِلَّا الْوضُوء فَإِنَّهُ يحصل بِأول مرّة
كَذَا ذكر هُوَ وَغَيره أَنه يَكْتَفِي بوضوئه أول مرّة وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد لِأَنَّهُ وضوء شَرْعِي حصل فِيهِ التّكْرَار الشَّرْعِيّ فِي الْمرة الْوَاحِدَة فَلَا وَجه لإعادته من غير خَارج وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يحصل غسله بِأول مرّة وَمرَاده الْغسْل الْمُسْتَحبّ لِأَنَّهُ يسْتَحبّ غسله ثَلَاثًا مَعَ إِجْزَاء مرّة كَغسْل الْجَنَابَة وَحكى هَذَا عَن مَذَاهِب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على كَرَاهَة غسله مرّة وَاحِدَة قَالَ لَا يُعجبنِي وللأصحاب فِي قَوْله لَا يُعجبنِي كَذَا هَل هُوَ للتَّحْرِيم أَو للكراهة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أم عَطِيَّة قَالَت دخل علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين توفيت ابْنَته فَقَالَ اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن وَقد قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي ذكر ابْن أبي مُوسَى أَنه إِذا شرع فِي غسله التعبدي وإفاضة المَاء لِأَنَّهُ يعود لإنجائه ثَلَاثًا ولوضوئه وَالَّذِي حَكَاهُ القَاضِي عَن أَحْمد الْوضُوء فِي الْمرة الأولى وَلَا يُعِيدهُ ثَانِيًا انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى مَا ذكره فِي الْمُسْتَوْعب
وَقَوله يفعل ذَلِك ثَلَاثًا يَعْنِي لَا يزِيد عَلَيْهَا من غير حَاجَة وعَلى هَذَا الْأَصْحَاب قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين الثَّلَاث أدنى الْكَمَال والمتوسط خمس والأعلى سبع وَهُوَ حد اغلظ النَّجَاسَات من الولوغ وَالزِّيَادَة حِينَئِذٍ سرف
قَوْله فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد حَتَّى ينقى وَيقطع على وتر
ظَاهره وَلَو زَاد على سبع لما تقدم من حَدِيث أم عَطِيَّة وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة قَالَ وَإِنَّمَا لم يذكر أَصْحَابنَا ذَلِك لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلذَلِك لم يسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَوْقهَا عددا بِعَيْنِه وَقَول الإِمَام أَحْمد وَلَا يُزَاد على سبع مَحْمُول على ذَلِك أَو على مَا غسل غسلا منقيا إِلَى سبع ثمَّ خرجت مِنْهُ نَجَاسَة انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي الْمُغنِي بعد أَن ذكر كَلَام أَحْمد هَذَا وَإِن لم ينق بِسبع فَالْأولى غسله حَتَّى ينقى وَلَا يقطع إِلَّا على وتر قَالَ وَلم يذكر أَصْحَابنَا أَنه يزِيد على سبع وَقدم ابْن تَمِيم مَا هُوَ ظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر ثمَّ قَالَ وَحكى عَن أَحْمد لَا يُزَاد على سبع وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد إِلَى سبع وَلَا يزِيد عَلَيْهَا وَلَا يقطع إِلَّا على وتر وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد إِلَى سبع وَالْأَفْضَل أَن لَا يقطع إِلَّا على وتر وَلَا يجب إِلَّا مرّة وَاحِدَة انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى كَلَام كثير من الْأَصْحَاب أَو أَكْثَرهم وَقد قَالَ ابْن عبد الْبر لَا أعلم أحدا من الْعلمَاء قَالَ يجوز سبع غسلات فِي غسل الْمَيِّت ذكره فِي التَّمْهِيد
قَوْله وَالْمَنْصُوص عَنهُ أَنه يُعَاد غسله
يَعْنِي يجب وَظَاهره أَنه يَكْتَفِي بذلك وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَنه يغسل مَوضِع النَّجَاسَة ويوضأ فِي إِعَادَة غسله إِلَى سبع مَرَّات وَجْهَان
فعلى هَذَا الِاخْتِلَاف فِي غسل مَوضِع النَّجَاسَة وَالْوُضُوء لَكِن الْخلاف فِي الِاكْتِفَاء بِهِ دون الْغسْل وَلَعَلَّ هَذَا ظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر لقَوْله إِلَّا أَن يُجَاوز سبعا فيوضأ وَعنهُ لَا يجب الْوضُوء بعد السَّبع لِأَن فِيهِ مشقة وخوفا على الْمَيِّت وَلَا يُؤمن من عود مثله وَلذَلِك غسل الْغسْل وَالْأول أشهر قَالَ المُصَنّف لِأَنَّهُ حدث يُوجِبهُ تنحية السَّبِيل فَأوجب الْوضُوء انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَنه إِذا غسل الْمَيِّت فَخرج مِنْهُ شَيْء قبل تكفينه أَنه يُعَاد عَلَيْهِ الْغسْل وَلم يجده بِسبع وَحده بهَا فِي مَوضِع آخر وَإِبْطَال غسل الْمَيِّت وإعادة غسله بِخُرُوج النَّجَاسَة مَسْأَلَة معاياة فَيُقَال حدث أَصْغَر يُوجب غسلا وَيبْطل غسلا
قَوْله حشى بالقطن أَو الطين الْحر
يَعْنِي لَا بَأْس بذلك وَظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح بِهِ طَائِفَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخرقِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وَعنهُ يكره حشوه حَكَاهُ ابْن أبي مُوسَى وَيجب التلجم بذلك فِي ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح بِهِ طَائِفَة كَابْن عقيل قَالُوا لِأَنَّهُ يُرَاد للصَّلَاة فَوَجَبَ أَن يحْتَاط لَهُ بسد مَحل الْحَدث كَمَا قُلْنَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة فَإِنَّهَا تتلجم وتحتاط لذَلِك
فَأَما قَوْله لم يعد إِلَى الْغسْل وَحمل يَعْنِي لَا غسله وَلَا غسل النَّجَاسَة وَلَا الْوضُوء لقَوْله وَحمل وَذكر ابْن عقيل رِوَايَة مُطلقَة أَنه يُعَاد غسله وَذكر أَن القَاضِي حملهَا على الْكثير
قَوْله وَفِي الْكثير رِوَايَتَانِ
يَعْنِي قبل السَّبع وَقطع بِهِ المُصَنّف وَغَيره فَأَما بعْدهَا فَلَا يُعَاد وَذكر بَعضهم رِوَايَة أَنه يُعَاد وَذكر بَعضهم رِوَايَة أَنه يُعَاد غسله ويطهر كَفنه لِأَنَّهُ لَا يُؤمن مثله فِي الثَّانِي وَعلله ابْن عقيل وَغَيره بِأَن ذَلِك فَاحش وَلَا يعفي عَن مثله فِي حق الْحَيّ فَلَا يُعْفَى عَنهُ فِي حق الْمَيِّت كبعض الْأَعْضَاء إِذا نسي غسله وَعنهُ يفعل ذَلِك إِن خرج قبل السَّبع إِلَى سبع فَقَط وَهَذَا فِيهِ نظر وَإِطْلَاق الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ بمتوجه لِأَن الْمَذْهَب أَنه لَا يُعَاد غسله وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْمَشْهُور عَن الإِمَام أَحْمد وَأَنه أصح قَالَ هُوَ وَغَيره لِأَن فِي إِعَادَته مشقة تَطْهِيره وتطهير أَكْفَانه وانتظار جفافها أَو إبدالهما وَلَا يُؤمن ذَلِك ثَانِيَة وثالثة وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيمَا إِذا وضع على أَكْفَانه وَلم يلف فِيهَا وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن حكم هَذِه الْمَسْأَلَة حكم مَا لم يوضع على أَكْفَانه على الْخلاف الْمَذْكُور لقَوْله وَهُوَ فِي أَكْفَانه وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام غَيره وَصرح بِهِ بَعضهم قَالَ ابْن تَمِيم وَإِن وضع على الْكَفَن وَلم يلف فِيهِ ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء أُعِيد غسله يَعْنِي على الْمَنْصُوص
قَوْله وَلَا يغسل شَهِيد المعركة إِلَى آخِره
لم يُصَرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْغسْل لكنه احْتج بأَمْره عليه الصلاة والسلام بدفنهم بدمائهم وَظَاهره يدل على تَحْرِيم غسله وَكَذَا الشَّيْخ موفق الدّين فِي أثْنَاء كَلَامه وَكَلَام غَيره عدم وجوب الْغسْل وَالْعَفو عَنهُ وَظَاهره أَنه لَا يحرم وَأَن قَوْلهم لَا يغسل أَي لَا يجب غسله كَمَا يجب غسل غَيره وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ لَا يجوز غسله بل يجب تَركه لِأَنَّهُ أثر الشَّهَادَة وَالْعِبَادَة وَأما الصَّلَاة عَلَيْهِ فبعض الْأَصْحَاب يذكر فِي وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من لم يذكر الرِّوَايَتَيْنِ فِي اسْتِحْبَاب الصَّلَاة وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يصلى عَلَيْهِ وَالثَّانيَِة لَا قَالَ وَرِوَايَة يُخَيّر وَالْفِعْل أفضل وَرِوَايَة وَالتّرْك أفضل وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين إِلَّا أَنه لم يذكر الرِّوَايَة الثَّالِثَة وَقَالَ وروى عَنهُ أَنه إِن صلى فَلَا بَأْس وَاحْتج غير وَاحِد بِأَنَّهُ حَيّ والحي لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَحكى الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ الشَّافِعِي فِي شرح الْمُهَذّب أَن مَذْهَب الشَّافِعِيَّة تَحْرِيم غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحَكَاهُ عَن جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام أَحْمد وَأَن أَبَا حنيفَة وافقهم على تَحْرِيم غسله وَمَا تقدم من كَلَام أَصْحَابنَا يُعْطي ثَلَاثَة أوجه الثَّالِث يحرم غسله فَقَط وَقَالَ ابْن عبد الْقوي لم أقع بتصريح لِأَصْحَابِنَا هَل غسل الشَّهِيد حرَام أَو مَكْرُوه فَيحْتَمل الْحُرْمَة لمُخَالفَته الْأَمر انْتهى كَلَامه
قَوْله وعَلى الْغَاسِل إِن رأى سوءا ستره
ظَاهره الْوُجُوب وَقد أضَاف المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِلَى أبي الْخطاب اخْتِيَار الْوُجُوب لقَوْله وعَلى الْغَاسِل وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقطع بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَقدمه فِي الرِّعَايَة قَالَ المُصَنّف وَعَن الشَّافِعِيَّة كالوجهين وَكَلَام الإِمَام أَحْمد يحتملهما فَإِنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي للغاسل أَن يستر مَا يرَاهُ من الْمَيِّت وَلَا يحدث بِهِ أحد قَالَ وَالصَّحِيح أَنه وَاجِب وَأَن التحدث بِهِ حرَام لِأَنَّهُ نوع من الْغَيْبَة وإشاعة الْفَاحِشَة وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قيل مَا الْغَيْبَة قَالَ ذكرك أَخَاك بِمَا يكره الحَدِيث قَالَ وَهَذَا يَشْمَل الْحَيّ وَالْمَيِّت قَالَ جمَاعَة كَابْن عقيل وَالْمُصَنّف وَأبي الْمَعَالِي وَلِأَن الطَّبِيب والجراح وَالْجَار يحرم عَلَيْهِم التحدث بِمَا اطلعوا عَلَيْهِ مِمَّا يكره الْإِنْسَان تحدثهم بِهِ فَلذَلِك قَالَ هُنَا قَالَ ابْن عقيل وَلِهَذَا يمْنَع من جَمِيع مَا يُؤْذِي الْحَيّ أَن ينَال بِهِ الْمَيِّت كتفريق الْأَجْزَاء وتقرب النَّجَاسَة مِنْهُ وَسَوَاء فِي ذَلِك عيب جِسْمه وَمَا يحدث فِيهِ من تغير أَو عَلامَة سوء صرح بِهِ جمَاعَة وَيسْتَحب إِظْهَار الْخَيْر وَلَا يجب وَإِن وَجب كتم الشَّرّ فِي أشهر الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يجب وَقد روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر مَرْفُوعا اذْكروا محَاسِن مَوْتَاكُم وَكفوا عَن مساوئهم
قَوْله إِلَّا على مَشْهُور ببدعة أَو فجور
أَكثر الْأَصْحَاب لم يذكر هَذَا الِاسْتِثْنَاء وَذكره ابْن عقيل وَالشَّيْخ فِي الْكَافِي وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَابْن تَمِيم
قاطعين بِهِ كَمَا قطع بِهِ فِي الْمُحَرر ثمَّ هَل هُوَ مُسْتَحبّ أَو مُبَاح فِيهِ خلاف قَالَ ابْن عقيل لَا بَأْس عِنْدِي بِإِظْهَار الشَّرّ عَلَيْهِ ليحذر النَّاس طَرِيقه
وَكَلَام ابْن عقيل هَذَا يدل على أَنه لم يجد أحدا من الْأَصْحَاب سبقه إِلَى هَذَا وَتَبعهُ على هَذِه الْعبارَة فِي الْكَافِي وَكَذَلِكَ المُصَنّف ثمَّ قَالَ وَنَظِيره الْفَاسِق الْمُعْلن فَإِنَّهُ لَا غيبَة لَهُ فِيمَا أعلن بِهِ بل ذكره لقصد التحذير مِنْهُ مُسْتَحبّ فَكَذَلِك هَذَا وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين أَنه مُسْتَحبّ وَقَالَ ذكره ابْن عقيل ثمَّ على هَذَا الِاسْتِثْنَاء هَل يسْتَحبّ كتم مَا يرَاهُ عَلَيْهِ من الْخَيْر أم لَا ظَاهر كَلَام ابْن عقيل وَمن اتبعهُ أَن الحكم يخْتَص بِإِظْهَار الشَّرّ عَلَيْهِ وَأَن الْخَيْر يسْتَحبّ إِظْهَاره مُطلقًا وَقطع ابْن تَمِيم بِأَنَّهُ يسْتَحبّ كتمه صلى الله عليه وسلم َ - بَاب الْكَفَن
قَوْله وَيجب تكفين الْمَيِّت إِلَى آخِره
ظَاهر كَلَامه وَكَلَام غَيره أَنه يقدم على دين الرَّهْن وَأرش الْجِنَايَة وَهُوَ مُتَوَجّه وَقيل يقدم دين الرَّهْن وَأرش الْجِنَايَة سَوَاء قُلْنَا الْوَاجِب ثوب يستره أَو أَكثر وَكَذَلِكَ مُؤنَة دَفنه وَمَا لَا بُد مِنْهُ
قَوْله وَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة فعلى من تلْزمهُ مُؤْنَته فَإِن لم يكن فَفِي بَيت المَال
فَإِن تعذر فعلى الْمُسلمين الْعَالمين بِحَالهِ إِلَّا أَن الْمُرْتَد وَالْحَرْبِيّ لَا يجب تكفينه بِالْإِجْمَاع وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ عندنَا لَا تجب نَفَقَته فِي حَيَاته من بَيت المَال عندنَا لَكِن يجوز للْإِمَام أَن يُعْطِيهِ مَا ينْفق عَلَيْهِ وَزَاد فِي الرِّعَايَة لمصْلحَة الْمُسلمين لِأَن الذِّمَّة تعصمهم وَلَا تؤذيهم هَذَا معنى كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره
وَذكر فِي الرِّعَايَة فِي زَوْجَة الذِّمِّيّ أَنَّهَا فِي بَيت المَال عِنْد الْعَجز وَعَلِيهِ نَفَقَتهَا حَال الْحَيَاة عِنْد الْعَجز وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة إِذا مَاتَ الذِّمِّيّ وَلَا مَال لَهُ وَلَا قرَابَة تلْزمهُ نَفَقَته فَهَل يُكفن من بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُكفن كَمَا يطعم إِذا جَاع للمخمصة وَالثَّانِي يدْفن من غير كفن لِأَن حرمته بِالْعقدِ وَقد ارْتَفع بِالْمَوْتِ قَالَ وَالْملك فِي الْكَفَن بَاقٍ على ملك الْمَيِّت لِحَاجَتِهِ وَقيل الْملك للْوَرَثَة لعدم أَهْلِيَّة الْمَيِّت للْملك ابْتِدَاء فَكَذَلِك دواما لكنه يقدم عَلَيْهِم لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَقيل لما لم يكن الْمَيِّت أَهلا للْملك وَالْوَارِث لَا ينفذ تصرفه فِيهِ والإبدال لَهُ تعين أَن يكون حَقًا لله تَعَالَى انْتهى كَلَامه
قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَلَو جمعت لَهُ دَرَاهِم ليكفنه ففضلت مِنْهَا
فضلَة ردَّتْ على أَصْحَابهَا إِن عرفُوا وَإِن اخْتلطت أَو لم يعرف معطيها بِحَال صرفت فِي كفن آخر نَص عَلَيْهِ فَإِن تعذر ذَلِك تصدق بهَا انْتهى كَلَامه وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَذكر ابْن تَمِيم مثله إِلَّا أَنه لم يذكر اختلاطها وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَمن جِيءَ لَهُ بكفن ففضل عَنهُ بعضه أَو كَفنه أَهله بِغَيْرِهِ يصرف ذَلِك أَو مَا فضل مِنْهُ فِي كفن ميت آخر نَص عَلَيْهِ فَإِن تعذر تصدق بِهِ وَقيل إِن علم ربه أَخذه وَإِن دَفعه لَهُ جمَاعَة أَخَذُوهُ بِقدر مَا دفعوه وَإِن جهلوا صرف فِي ثمن كفن آخر نَص عَلَيْهِ وَلَا تَأْخُذهُ ورثته وَقيل بلَى وَهُوَ بعيد بل يتَصَدَّق بِهِ انْتهى كَلَامه
وَذكر ابْن عبد الْقوي مَا ذكره فِي شرح الْهِدَايَة ثمَّ قَالَ أما إِذا لم يعرف معطوها فَظَاهر لأَنهم خَرجُوا عَنْهَا لله وَالظَّاهِر أَنهم لَا يعودون فِيهَا ولاضمان على من تصدق بهَا بِخِلَاف الودائع والغصوبات المجهولة الأرباب لأَنهم لم يخرجُوا عَنْهَا هُنَاكَ وَالْقِيَاس دفع الْجَمِيع إِلَى ولي الْأَمر لِأَنَّهُ وَكيل الغياب وَمَوْضِع أمانات الْمُسلمين وَأما إِذا اخْتلطت هُنَا مَعَ معرفَة قوم لَا تعدوهم فَهُوَ كَمَا لَو انهارت أَمْوَالهم بَعْضهَا على بعض أَو اخْتلطت ثَمَرَة المُشْتَرِي وَرب الأَصْل يصطلحون عَلَيْهَا أَو تقسم هُنَا بِالْحِصَصِ إِن عرف مِقْدَار مَا بذل كل وَاحِد لَا سِيمَا إِذا قُلْنَا إِن النَّقْدَيْنِ لَا يتعينان بِالتَّعْيِينِ هَذَا كَلَامه
قَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن أكله سبع أَو أَخذه سيل فَكَفنهُ تَرِكَة وَقيل إِن تبرع بكفنه أَجْنَبِي فَأكل الْمَيِّت سبع أَو نَحوه وَبَقِي كَفنه فَهِيَ إِبَاحَة لَا تمْلِيك بِخِلَاف مَا لَو وهبه أَو ثمنه لوَرثَته أَولا وكفنوه بِهِ ثمَّ وجدوه فَإِنَّهُ يكون لَهُم
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شرح الْهِدَايَة إِذا افترسه سبع بعد التَّكْفِين فَإِن كَانَ الْكَفَن من مَاله فَهُوَ للْوَرَثَة وَإِن كَانَ من بَيت المَال فَوَجْهَانِ أظهرهمَا أَنه لوَرثَته لِأَن الْمَيِّت صَار أَحَق بِهِ فَإِذا عدمت الْحَاجة فَهُوَ لوَرثَته كَمَا لَو كَانَ من مَاله انْتهى كَلَامه
وَالْأولَى أَن يُقَال هَل يَزُول ملك الدَّافِع عَن الْمَدْفُوع نظرا إِلَى ظَاهر الْحَال أم لَا يَزُول لتردد الدّفع بَين الْإِبَاحَة وَالْخُرُوج عَنهُ وَالْأَصْل أَن لَا يخرج من ملكه إِلَّا مَا اعْترف بِخُرُوجِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن قُلْنَا يَزُول ملكه عَنهُ صرف ذَلِك أَو الْفَاضِل مِنْهُ فِي كفن ميت آخر قَالَ ابْن عقيل وَغَيره لأَنهم عينوه للأكفان وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَنه يجوز دفع فَاضل مغل وقف مَسْجِد وَغَيره إِلَى ذَلِك النَّوْع وَغَيره وَإِن كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال الأولى ذَلِك النَّوْع وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ إِن أكل الْمَيِّت السَّبع وَنَحْوه لِأَن الْمَيِّت لم يملكهُ وَإِنَّمَا صَار أَحَق بِهِ مَعَ حَاجته فَإِذا زَالَت فَهُوَ كَمَا لَو كفن بِغَيْرِهِ وَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه عَنهُ رد إِلَى صَاحبه فَإِن لم يكن فلورثته كإباحة غَيره فَإِن جهل فَحكمه حكم اللّقطَة والوديعة الْمَجْهُول رَبهَا لَكِن هَذَا إِذا تصرف فِيهِ دفع فِي كفن آخر على الْمَنْصُوص واختلاطه وَنَحْوهمَا على هَذَا لَا أثر لَهُ فيفرد بِحكم هَذَا ظَاهر كَلَام ابْن تَمِيم وَابْن حمدَان وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْقوي