المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأحكام المستنبطة من هذه الأدلة - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - ٥ أ

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ الأحكام المستنبطة من هذه الأدلة

[ص 94]

‌ الأحكام المستنبطة من هذه الأدلة

ــ مُعلَّق البخاري في القصة المروية عن زوجة الحسن بن الحسن:

قد علمت مما تقدم أن القصة لم تصح عندنا، ولا نظنها تصح، ولو صحَّت لكان فيها ما يُستأنس به لمنع ذلك الفعل، وهو ما فيها عن الهاتِفَيْن.

وعلى كل حال، فهذه القصة لا ينبغي أن يقام لها وزنٌ أصلًا، فلو صحت ولم يرد فيها ما يدل على المنع لما كانت دليلًا على الجواز، إذ ليست من الأدلة الشرعية في شيء.

ــ معلق البخاري عن خارجة:

قد سبق الطعن في صحته من خمسة أوجه

(1)

، وعلى فرض صحته، فيجاب عنه بوجوه:

الأول: أنه إذا ثبت أن عُمُرَ خارجةَ حين قُتِل عثمان كان نحو خمس سنين، وحُمِل قوله:"شبَّان" على المجاز، بقرينة تقدُّم قوله:"غلمان" عليها، أطلق الشباب على ما يقابل الصغر المُفْرِط، فلا دلالة في الأثر على ارتفاع القبر؛ لأن الغلام الذي عمره نحو خمس سنين مهما كانت قوته يشق عليه وَثْب نحو ثلاثة أذرع على وجه الأرض، وهذا تقريبًا هو عرض القبر، فإذا لاحظنا أن القبر كان مُسنَّمًا نحو شبر ازداد الأمر وضوحًا.

ووهم من قال: إن البخاري فهم منه الرفع، وأنه لذلك ساقه في باب الجريد على القبر؛ لأن الرفع يستلزم زيادة تراب أو حَجَر على القبر، وذلك

(1)

(ص 48 - 49).

ص: 104

يدلّ على جواز وضع الجريد في الجملة

(1)

.

وهذا وهمٌ ظاهرٌ، ما كان على صاحبه إلا أن ينظر ما في ذِكْر البخاري بعد هذا الأثر، وهذه عبارته بعد قوله:"حتى يجاوزه": "وقال عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجةُ، فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمّه يزيد بن ثابت قال: إنما كُرِه ذلك لمن أحدث عليه.

وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يجلس على القبور". اهـ .

فواضح جدًّا أنَّ البخاري إنما ذكر هذه الآثار لدلالتها، [ص 95] وفهم من هذا الأثر أن خارجة ذكره ــ كالذي بعده ــ مستدلًّا على جواز الجلوس على القبر: أنهم كانوا يتواثبون على قبر عثمان بن مظعون، أي: ولم ينههم من رآهم من الصحابة، مع أنهم غلمان شُبَّان، أي: مميزون بحيث ينبغي زجرهم عما يخالف الآداب الشرعية.

وهذا تقريرٌ للاستدلال، أي: لأنهم لو كانوا صغارًا جدًّا، يحتمل أن من يراهم من الصحابة يعرض عنهم، لأنهم لم يبلغوا حدَّ التمييز، فأما بعد بلوغ حدّ التمييز فإنه يبعد أن يراهم أحدٌ، ويسكت عنهم.

فأما إيراد البخاري هذه الآثار في باب الجريد على القبر، فلأنه ــ والله أعلم ــ لم يصحَّ على شرطه حديثٌ

(2)

في الجلوس على القبر، فرأى أن وضع الجريد على القبر يدل على جواز الجلوس؛ لأن الجلوس هو عبارة

(1)

لعل المؤلف قصد الحافظ في "فتح الباري": (3/ 265) إذ قال: "ومناسبته من وجه أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض" اهـ .

(2)

تحتمل في الأصل: "حديثها"، والمثبت أصح.

ص: 105

عن وضع شيءٍ على القبر، وذكر هذه الآثار في هذا الباب استئناسًا بها، وليشير بها إلى الاستدلال بوضع الجريد على الجلوس.

الثاني: إذا فرض صحة الأثر، وعدم صحة ما ذكره ابن سعد وابن عساكر، وحمل قوله:"غلمان شبان" على أنهم مقاربون الشباب، فليس في الأثر أنهم كانوا يثبون القبر عرضًا، فهو محتمل لأن يكون الوثب طولًا، ووثب القبر طولًا يشق على ابن الثماني سنين ونحوها، ولو لم يكن مرتفعًا عن وجه الأرض.

فإذا لاحظنا أنه كان مرفوعًا نحو شبر ازداد هذا الوجه قوةً.

الثالث: لو فُرض ــ زيادةً على ما مر ــ دلالة الأثر على أن القبر كان مرفوعًا، فلا يُدْرَى من رفعه، مع أنه قد ورد في قبر عثمان بن مظعون نفسه ما يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله بحيث خيف انطماسه في مدة قليلة، حتى احتاج إلى وضع حجر عند رأسه، وقال:"أُعَلِّم بها قبر أخي"

(1)

.

بل الظاهر من ذلك أنه جعله مساويًا للأرض، كما مر في الفصل الأول

(2)

.

وقد روي عن الصحابة النهي عن الرفع، والأمر بالهدم، فيبعد أن يفعله أحدٌ منهم.

[ص 96] الرابع: لو فُرِض مع ما مر أن الرافع رجلٌ من الصحابة، فليس في فعل الصحابي حجةٌ، ولم يكن القبر ظاهرًا لجميع الناس حتى يدَّعَى

(1)

تقدم تخريجه (ص 23 - 24).

(2)

(ص 28 وما بعدها).

ص: 106

الإجماع.

الخامس: لو فُرض مع ما مر أنه كان ظاهرًا، فالصحابة رضي الله عنهم في مدة عثمان وبعده كانوا متفرقين في البلاد، مشغولين بالفتن والمحن والإحن.

السادس: لو فُرض مع ما مر أنهم كانوا مجتمعين، فقد صحّ عن كثير منهم رواية النهي عن ذلك، وصح عنهم العمل بموجبه كما مر، وهذا كافٍ في نفي الإجماع.

السابع: لو فُرض مع ما مرَّ أنه لم يرد ما ينفي الإجماع، ففي حُجّيته خلافٌ مشهور.

الثامن: لو فُرض مع ما مر تسليم حجية الإجماع، فبشرط أن يعلم، ولا سبيل إلى ذلك كما هو مقررٌ في الأصول.

التاسع: لو فُرض مع ما مر أنه لا يشترط العلم به، بل يُكتفى بأنه لم يُنْقل ما يخالفه، فإنما يكون حجة إذا لم يَرِد في كتاب الله عز وجل، أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما يخالفه.

وهذا هو الثابت عن عمر وعبد الله وغيرهما، وعن الشافعي وأحمد وغيرهما، انظر باب [

]

(1)

في "الأم".

وذلك أن احتمال وجود مخالف لقول من قبلنا لم ينقل قوله، أقوى من احتمال كون النص على خلاف ظاهره، فضلًا عن احتمال النسخ، فضلًا عن احتمال كون الحديث الثابت بالإسناد كذبًا.

(1)

كذا تركه المؤلف بياضًا.

ص: 107

فهذه أربعة عشر وجهًا في سقوط الاحتجاج بهذا الأثر، فمن لم يكتف بها فإنه لا يكتفي إلا بالسوط، فإلا يكن فعذاب الآخرة أشد وأبقى.

قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].

خلاصة حديث فضالة

(1)

:

أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرهم أن يجعلوا القبور على الهيئة المشروعة التي قررها لهم، وأن هذه الهيئة منافية لتكثير التراب.

(1)

هذه الخلاصة ذكرها المؤلف في الفصل الأول وقال: "تنقل الخلاصة إلى الفصل الثاني".

ص: 108