المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رواية الآخرين: - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - ٥ أ

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ رواية الآخرين:

وأما خلَّاد؛ فرواه عنه معاذ بن نجدة القرشي عند الحاكم في "المستدرك" أيضًا.

ولفظ محمد بن بشار

عن أبي وائل: أن عليًّا قال لأبي الهيَّاج: "أبعثك على ما بعثني عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم [ص 56]: أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته، ولا تمثالًا إلا طمَسْتَه".

وهكذا الباقون، إلا أنهم قالوا:"على ما بعثني عليه (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم".

وفي "المستدرك" عن أبي (هيَّاج).

وقد رواه عن عبد الرحمن أيضًا عُبيد الله (أظنه القواريري) عند أبي يعلى في "مسنده"

(1)

، ولكن فيه:"عن حبيب بن أبي ثابت أن عليًّا قال لأبي الهياج".

هكذا لم يذكر "عن أبي وائل"، وأظنه من إسقاط النساخ؛ لأن النسخة خطية غير مصححة

(2)

، وباقي الحديث كحديث الإمام أحمد.

*‌

‌ رواية الآخرين:

- القطان: رواه عنه أبو بكر بن خلاد الباهلي عند مسلم

(3)

، ذكر مسلم

(1)

رقم (338).

(2)

وهكذا ذكر محقق مسند أبي يعلى أن ذكر "عن أبي وائل" سقط من النسختين، فلعله سقط قديم. أو من أخطاء المسعودي، فإنه ضعيف الحفظ. وسيأتي كلام المصنف في ذلك.

(3)

رقم (969)(2/ 667).

ص: 51

رواية وكيع، وفيها:

عن حبيب

عن أبي وائل عن أبي الهياج قال: قال لي عليّ: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ص 56]: أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مُشْرفًا إلا سويته".

ثم ذكر رواية القطان

أخبرني حبيب بهذا الإسناد وقال: "ولا صورةً إلا طمستها".

فدلّ هذا أن لفظ القطان: "ألا أبعثك

أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها".

- وكيع: رواه عنه جماعة، منهم يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، ومحمد بن سعيد الأصبهاني، والإمام أحمد.

فعن الثلاثة الأولين: مسلم في "صحيحه"، وقد مر لفظه.

وعن الثاني أيضًا: إسماعيل بن قتيبة، وعن الرابع: علي بن عبد العزيز، كلاهما عند الحاكم في "المستدرك"، ولم يصرِّح باللفظ، بل قال: بنحوه، أي: بنحو لفظ عبد الرحمن وخلّاد.

وروى عن الثالث أيضًا: أبو يعلى في "مسنده"، ولفظه كلفظ الثلاثة عند مسلم، إلا أنه أسقط "ألا" وقال:"أن لا أدع"، وفي النسخة تحريف من النساخ.

وأما الإمام أحمد ففي "مسنده" قرن وكيعًا بعبد الرحمن مرةً، وأفرده أخرى

(1)

أسقط "لا" فيهما، وقدَّم في الأولى ذكر القبر، وقد مرت الأولى.

(1)

رقم (741).

ص: 52

- محمد بن يوسف: رواه عنه أحمد بن يوسف السلمي عند البيهقي في "السنن"

(1)

، ولفظه: "

عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألَّا تترك قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته، ولا تمثالًا في بيت إلا طمسته".

فأسقط "لا" وزاد "في بيت"، وقدَّم ذِكْر القبر، وقال:"تترك" بدل "تدع".

- محمد بن كثير: رواه عنه أبو داود

(2)

ولفظه:

عن أبي الهياج الأسدي قال: بعثني عليٌّ قال: أبعثك على

أن لا أدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا تمثالًا إلا طمسته".

فزاد "بعثني عليٌّ"، وأسقط "ألا"، وقدَّم ذِكْر القبر، وجعل الفعل للمتكلم.

[ص 57] الحكم في الاختلاف:

الأصل الثابت المقرَّر: أنه إذا وقع اختلاف مع الاشتراك في عدم الضعف يُفْزَع إلى الجمع، فإن أمكن الجمع فالكلُّ صحيحٌ، وإن لم يمكن التُجِئ إلى الترجيح، فإن أمكن، فالأرجح هو الصحيح، وإلا ثبت الاضطراب.

فلنعتبر الاختلاف في هذا الحديث بهذا الأصل.

(1)

(4/ 3).

(2)

رقم (3218).

ص: 53

* الاختلاف في السند:

يمكن الجمع بأحد وجهين:

الأول: بالحكم لرواية القطان ومن معه، لاحتمال رواية عبد الرحمن وخلَّاد التدليس من بعض الرواة.

الثاني: بتصحيح كلا

(1)

الروايتين.

ويشبه أن يكون مسلم رحمه الله مال إلى الوجه الأول، وإلا لَمَا عَدَل عن رواية عبد الرحمن مع ما فيها من الفوائد: كجلالة عبد الرحمن، وعلوّ طريقه، وتسلسلها بالأئمة، ويبعد أن يكون مال إلى الترجيح، أعني بالحكم على طريق عبد الرحمن بالخطأ، فإنه عالمٌ أنه لا يُصَار إلى الترجيح إلا إذا لم يمكن الجمع.

وقد يُستأنس للتدليس باختيار القطان الرواية التي فيها "عن أبي الهياج"، والقطان يتحرَّز عن تدليس سفيان، بل وعن تدليس بعض شيوخ شيوخه، انظر "فتح المغيث"

(2)

(ص 77).

وعندي أنه لا وجه للتدليس هنا؛ لأن أبا وائل لم يوصف بالتدليس، بل وُصِفَ بعدمه، وحبيبًا لو دلَّس هنا بإسقاط شيخ شيخه كما هو صورة البحث لكان تدليس التسوية، ولم يوصف به، وإنما وُصِفَ بمطلق التدليس، فيُحْمَل على أخفّ أنواعه، أعني التدليس عن شيوخه.

(1)

كذا في الأصل، والوجه:"كلتا".

(2)

(1/ 219).

ص: 54

ولهذا تراهم يعمدون إلى السند الذي فيه من وُصِف بمطلق التدليس، ولكنه صرح بالتحديث عن شيخه، فيحكمون له بالصحة، وإن كان شيخه أو شيخ شيخه لم يصرِّح بالسماع، إلا أن يوصَفَ بالتسوية، فلابد من التصريح بالسماع منه إلى آخر السند.

ووجهه أن تدليس التسوية أقبح وأشنع من مطلق التدليس، إذ لا يخلو عن الكذب، فالظاهر سلامة الثقة منه، وإن وُصِف بمطلق التدليس.

انظر كتب الفن في تدليس التسوية.

أما سفيان: فقد قيل: إنه كان يدلس التسوية، ولكن في "فتح المغيث"

(1)

(ص 77) قال البخاري: لا يُعْرَف لسفيان الثوري عن حبيب ابن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كُهَيل، ولا عن منصور، ولا عن كثير من مشايخه تدليس، ما أقل تدليسه! اهـ.

[ص 58] وظاهر هذا يتناول تدليس التسوية، وإلا لقال البخاري: ولكنه كان يسوِّي فيما رواه عن حبيب، أو نحو ذلك. مع أن سفيان أثبت إن شاء الله من أن يسوّي فيما رواه عن شيخ قد تنزه عن التدليس عنه، فإن ذلك أشدّ غررًا من التسوية مع عدم التنزه عن التدليس؛ لأن العلم بتنزّهه عن التدليس عن شيخه، يَحْمِل على الظن بأنه لم يسوّ فيما رواه عنه.

على أن ههنا مانعًا آخر من الحمل على التدليس، وهو سقوط "ألا" في رواية عبد الرحمن وخلاد أصلًا، وثبوتها في رواية الآخرين غالبًا، وهذا يدل أنهما روايتان من الأصل.

(1)

المصدر نفسه.

ص: 55

ويؤيده أن الحاكم حكم بصحة رواية عبد الرحمن وخلاد على شرط الشيخين، كما يأتي، وأقره الذهبي.

وأيضًا فالحمل على التدليس نوع من الترجيح، والجمع المحض أولى منه.

وبمجموع ما ذكرنا ينتهض الوجه الثاني، وهو تصحيح الروايتين معًا، إن شاء الله.

فأقول: قد حكم بصحتهما معًا الحاكم في "المستدرك"، فإنه ذكر رواية عبد الرحمن وخلاد، ثم قال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأظنه لخلاف فيه عن الثوري، فإنه قال مرة: عن أبي وائل عن أبي الهياج، وقد صح سماع أبي وائل عن علي رضي الله عنه". اهـ.

ثم ذكر رواية وكيع، وتوجيهه: أن أبا وائل سمع الحديث مرةً من علي، ومرةً: من أبي الهيَّاج، فكان يحدث بهذا تارةً، وبهذا أخرى، وتَبِعه حبيب، فتبعه سفيان.

وقد علمت أن رواية عبد الرحمن وخلّاد اطَّرَد فيها سقوطُ "ألا"، وسيأتي أن الأصل في رواية الآخرين ثبوتها، فيظهر من هذا: أن عليًّا رضي الله عنه عرض على أبي الهياج البعث بقوله: "ألا أبعثك

" إلخ ولم يعزم عليه، فخرج فلقي أبا وائل فأخبره، ثم اتفق اجتماعهما عند علي رضي الله عنه، فعزم على البعث، فقال لأبي الهياج: "أبعثك

" إلخ.

أما ما في "مسند أبي يعلى" عن عُبيد الله عن عبد الرحمن، وفيه:"عن حبيب بن أبي ثابت أن عليًّا .. " كما تقدم، فهو من خطأ النساخ جزمًا، فإن

ص: 56

الكاتب إذا كتب "أبي ثابت" ثم نظر في الكتاب الذي نسخ منه فرأى "أبي وائل" ظن أنه قد كتبها لاشتباه الكُنيتين [ص 59] والنسخة الخطية غير مصحَّحة

(1)

.

* الاختلاف في المتن:

أما رواية عبد الرحمن وخلاد فلم يقع فيها خلاف يُغيِّر المعنى، فلا كلام عليها، وقد ترجَّح أنها رواية مستقلة، فلا يضرّها الخلاف الواقع في الرواية الأخرى.

وأما الخلاف في الرواية الأخرى؛ فمنه ما لا يغير المعنى، كالتقديم والتأخير، وإبدال "تمثال" بـ"صورة"، و"تدع" بـ"تترك"

(2)

، وجَعْل الضمائر التي للمخاطب للمتكلم وغيره، فهذا من الرواية بالمعنى، وكانت شائعة بينهم، فلا تضر.

ومنه ما لا يخلو عن تغيير للمعنى، وهو الاختلاف في ثبوت "ألا" مع زيادة ابن كثير

(3)

"بعثني عليّ"، وزيادة ابن يوسف

(4)

"في بيت".

فإن الكلام مع ثبوت "ألا" عَرْض، ومع سقوطها جزمٌ، ولاسيما زيادة "بعثني عليّ"، وكذلك قول ابن يوسف "في بيت" قيدٌ، ينافي إطلاق بقية الروايات.

(1)

انظر ما سبق (ص 51) وسيأتي (ص 58).

(2)

رسمها في الأصل: "بترك".

(3)

في رواية أبي داود، وقد تقدمت.

(4)

في رواية البيهقي، وتقدمت أيضًا.

ص: 57

والجواب: بالجمع، بأنَّ الأصل في هذه الرواية ثبوت "ألا" ولكن كأنَّ سفيان رحمه الله أسقَطَها مرةً بناءً على أن إسقاطها لا يغيِّر معنى المرفوع، مع أنَّ دلالة الكلام بعد إسقاطها على الجزم لا يضر، بعد صحة الجزم بالرواية الأخرى. وأثبتها مرة على الأصل، أو لأنه تنبَّه أن لإثباتها فائدة في الجمع بين الروايتين، فسمع منه أصحابه الإثبات والإسقاط، فروى بعضهم هذا، وبعضهم هذا، وروى وكيعٌ الأمرين.

لكن نسبة إسقاط "ألا" إلى سفيان، يردُّه ما في "مسند أبي يعلى" قال: "حدثنا عبد الله نا يزيد بن هارون أنا المسعودي عن حبيب بن أبي ثابت

(1)

عن أبي الهياج قال: قال عليًّا (كذا) أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تدع قبرًا إلا سوَّيته، ولا تمثالًا إلا طمحته (كذا) ".

[ص 60] هكذا في النسخة ليس فيه: "عن أبي وائل" ويظهر أنه من إسقاط النساخ، كما مر

(2)

.

وهذه النسخة لا يوثق بها، لكن إذا وُجِد في نسخة صحيحة وليس فيه "ألا"، فالظاهر أن الإسقاط جاء من حبيب، أسقط مرة، وأثبت أخرى، فسمع المسعودي الإسقاط، وسمع سفيان الأمرين، فحدَّث بهذا مرة، وهذا أخرى كما مر.

فأما زيادة محمد بن كثير "بعثني علي" فمِن عِنْده، وذلك أنه سمع

(1)

بعدها رمز (7).

(2)

(ص 51، 57).

ص: 58

الرواية بإسقاط "ألا" ففهم الجزم، فزاد هذه الكلمة ظانًّا أنها إيضاحٌ للمعنى لا تغيير له، مع أن محمد بن كثير غمزه ابنُ معين، وأظنه من جهة الضبط

(1)

.

وأما زيادة ابن يوسف "في بيت" فعلى الخلاف في زيادة الثقة قيدًا لما أطلقه غيره، انظر "فتح المغيث"

(2)

(ص 90).

ومما يقوي طرحها، قول ابن عدي في محمد بن يوسف هذا: له إفرادات عن الثوري

(3)

.

تنبيه:

حديث أبي يعلى عن عبيد الله عن يزيد عن المسعودي صحيحٌ إن ثبت في نسخة صحيحة وصله عن أبي وائل، كما هو المظنون، بل وإن لم يثبت فقد عُلِم برواية سفيان أن أبا وائل هو الساقط، ولا أدري لعل حبيبًا أدرك أبا الهياج، فلينظر.

فأما ما ثبت أن المسعودي اختلط وخلّط فلا يضر؛ لأن سماع يزيد عنه كان قبل ذلك، انظر "فتح المغيث"

(4)

(ص 493).

تنبيه آخر:

ذكر الحافظ رحمه الله هذا الحديث في كتابه "إتحاف المهرة"

(5)

فقال:

(1)

كما في رواية ابن الجنيد رقم (343، 344).

(2)

(1/ 250 - 251).

(3)

"الكامل": (6/ 232).

(4)

(4/ 388). وانظر "الكواكب النيرات": (ص 282).

(5)

رقم (14194).

ص: 59

حصين بن حيان الأسدي أبو الهياج عن علي، حديث: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته

ثم ذكر رواية الحاكم الثانية، أعني التي فيها "عن أبي الهياج" إلى أن قال:"عن أبي وائل عنه به". ثم ذكر رواية الحاكم الأولى، أعني رواية خلاد وعبد الرحمن، ثم قال: وقال "صحيح على شرطهما"، وقال: أظنهما ....

قلت: قد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده. ثم ذكر رواية أحمد عن يونس بن محمد، وسيأتي.

[ص 61] ثم قال: وعن وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج به. اهـ .

وفي عبارته ثلاثة مواضع موهمة لخلاف الواقع:

[الأول]: قوله بعد ذكر أكثر لفظ الحديث، وسوقه رواية الحاكم الثانية:"عن أبي وائل عنه به".

هذا يوهم أن الحاكم صَرَّح بلفظ الحديث، وأنه باللفظ الذي تقدم أكثره، وليس الأمر كذلك، فإنما قال الحاكم:"فذكر الحديث بنحوه" أي بنحو لفظ عبد الرحمن وخلَّاد المذكور في الرواية الأولى.

وقد اختلفت ألفاظ الرواة عن وكيع، فلا يُدْرى اللفظ الذي ثبت عند الحاكم ولم يصرح به، أهو كلفظ مسلم الذي صَدَّر به الحافظ، وحكم بأنه هو، أم لا؟ .

فإن قيل: إن أبا بكر بن أبي شيبة أحد الراويين عن وكيع عند الحاكم،

ص: 60

هو أحد رواة لفظ مسلم، والظاهر الاتفاق.

قلت: فما نصنع بالراوي الآخر وهو الأصبهاني، وعلى كلِّ حال فلا يخلو المقام من مسامحة.

الموضع الثاني: أنه بعد ذِكْر عبارة الحاكم: "صحيح على شرطهما

" إلخ. قال: "قلت: قد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده".

وهذا صريحٌ في أنَّ قولَ الحاكم: "ولم يخرجاه" يعني الحديث من أصله، فاحتيج إلى تعقُّبه بأن مسلمًا قد أخرجه بسنده، وإنما قال الحافظ: "قد أخرجه مسلم عن أبي بكر

" إلخ. مع أن مسلمًا أخرجه عنه، وعن غيره مقرونين؛ لأن الحاكم رواه من طريق أبي بكر أيضًا.

وقوله: "بسنده" أي: بنفس السند الذي ذكره الحاكم، وبهذا يتم الحكم على الحاكم بالوهم.

وقد علمت أن الحاكم إنما أورد تلك العبارة عقب الرواية الأولى، أعني رواية عبد الرحمن وخلَّاد، فقوله:"هذا الحديث" متوجِّه إليها، وكذا قوله:"ولم يخرجاه" كما هو ظاهر، وهو المُطَّرِد في اصطلاحه في "المستدرك"، يذكر الحديث ثم يتكلم عليه. وأصرح من هذا قوله في آخر العبارة:"وقد صحَّ سماع أبي وائل من علي".

وبهذا يعلم أن حكم الحاكم صحيح، فإنَّ حديثَ عبد الرحمن وخلاد

(1)

لم يخرجه أحدٌ من الشيخين بسنده، بل ولا متنه.

الموضع الثالث: قوله في ذكر رواية أحمد عن وكيع وعبد الرحمن

(1)

الأصل: "خالد" سهو.

ص: 61

عن أبي الهياج به، وقد علمت لفظ الإمام أحمد حيث قال بعد "عن أبي الهياج": "وقال عبد الرحمن

" إلخ، فدل أن العبارة [ص 62] الأولى هي عبارة وكيع فقط، كما لا يخفى، وقد قابلنا حديث الإمام أحمد بنسخة خطية، ولم نكتف بالمطبوعة، مع أن رواية الحاكم من طريقه صريحة في ذلك.

رجوع:

قد اندفع ما زعمه بعضُ الجُهَّال

(1)

: أن الحديث مضطرب سندًا ومتنًا، فإن شرط الاضطراب التقاوم، أي: أن لا يمكن الجمع ولا الترجيح، وقد أمكن الجمع ههنا كما أشار له الحاكم، وقررناه أحسن تقرير، والحمد لله.

وهذا الجمع أولى وأقرب مما جمعوا به بين حديثي فاطمة بنت قيس مرفوعًا:

1 -

"إن في المال لحقًّا سوى الزكاة"

(2)

.

2 -

"ليس في المال حق سوى الزكاة"

(3)

.

فدفعوا الاضطراب بأن قالوا: يُجْمَع بأنها سمعت اللفظين، والحق الأول المستحب، والثاني الواجب.

(1)

يشير المؤلف إلى حسن صدر الدين الكاظمي الرافضي في رسالته "الرد على فتاوى الوهابية"(ص 73) حيث زعم أن الحديث مضطرب المتن والسند!

(2)

أخرجه الترمذي رقم (659، 660) والدارقطني: (2/ 125)، والبيهقي:(4/ 84). قال الترمذي: "هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزه ميمون الأعور يضعّف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح".

(3)

أخرجه ابن ماجه رقم (1789).

ص: 62

والغريب أن ذلك الجاهل خَبَط في تقرير الاضطراب بما يُضْحَك منه.

قال: "فتارة يذكر "عن أبي وائل أن عليًّا قال لأبي الهياج"، كما في رواية أحمد عن وكيع ()

(1)

، ورواية أبي داود عن محمد بن كثير ()، ورواية الترمذي عن محمد بن بشار، وتارة يذكر "عن أبي الهياج أنه قال: قال لي علي"، كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن ()، ورواية مسلم عن وكيع".

ويعرف خبطه بما قدمناه.

وزعم أن في سند الحديث أبا وائل القاصّ، وذلك أنه نظر باب الكنى في "الميزان"

(2)

، فلم يجد أبا وائل إلا واحدًا هو القاصّ، ولم يدر أن أبا وائل الذي في سند الحديث ليس مِن بَراذين

(3)

"الميزان"، وهو شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، أحد سادة التابعين، مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وطائفة.

ولم يتنبه ذلك الجاهل إلى أن القاصّ لم يرو عن علي، ولا روى عنه حبيب، ولا أخرج له مسلم.

نعم، في الحديث عنعنة حبيب، وهو مدلس، وليس بأيدينا شيءٌ من المستخرجات لعلنا نجد في شيءٍ منها تصريحه بالتحديث، وليس في "إتحاف المهرة" شيءٌ عن أبي عوانة في هذا الحديث.

(1)

هكذا كتب المؤلف هذه الأقواس، ولا ندري ما مقصوده منها، إلا إن أراد أن يكتب مواضعها من الكتب، وقد سبقت.

(2)

(6/ 258).

(3)

جمع بِرْذون، وهو البغل. يعني ليس من جملة الضعفاء المذكورين في "الميزان".

ص: 63

لكن ههنا عدة أمور ينجبر بها هذا الوهن:

الأول والثاني: أن الحديث في الصحيح، وهو أصل في الهدم، فلا يقال: إنه متابعة لحديث فَضَالة، وممن رواه القطان، كما مر.

وقال في "فتح المغيث"

(1)

(ص 77) في الكلام على ما في "الصحيحين" من عنعنة المدلسين: "قال ابن الصلاح ــ وتبعه النووي وغيره ــ: محمولٌ على ثبوت السماع عندهم فيه من جهةٍ أخرى، إذا كان في أحاديث الأصول لا المتابعات، تحسينًا للظن بمصنفيهما. يعني: ولو لم نقف نحن على ذلك

[ص 63] وأشار ابن دقيق العيد إلى التوقف في ذلك

وأحسن من هذا كله قول القطب الحلبي في "القدح المعلى": أكثر العلماء أن المعنعنات التي في "الصحيحين" مُنَزَّلةٌ منزِلة السماع، يعني: إما لمجيئها من وجهٍ آخر بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة، أو عن بعض شيوخه، أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها، ولذا استثنى من هذا الخلاف

وأبو إسحاق فقط بالنسبة لحديث القطان عن زهير عنه،

والثوري بالنسبة لحديث القطان عنه"ا?.

1 -

والذي عندي: أن صاحب الصحيح لا يصحّح عنعنة من عَرف أنه يدلس إلا بعد الوثوق بثبوت السماع، وإنما لم يثبت السند المصرَّح فيه؛ لأنه نازلٌ، أو نحو ذلك.

(1)

(1/ 218 - 219). وتمام اسم كتاب القطب الحلبي (ت 735): "القِدح المعلى في الرد على أحاديث المحلى". ذكره ابن الملقن في "البدر المنير": (1/ 291) وقال: "في جزء جيد، وما أكثر فوائده".

ص: 64

فإن قيل: قد يثبت عنده السماع من طريق فيها من لا يوافق على توثيقه.

قلت: هذا خلاف الظاهر، بل الغالب على الظن أنه قد ثبت لديه من طريق متفق على تصحيحها، وإلا لأبرزها.

نظير ما قالوه في سفيان بن عيينة: أنه لا يدلس إلا عن ثقة، مثل الثقة الذي صرح به، ولكن مع هذا كله لا يزال في النفس شيءٌ، خشية أن يكون خَفِي على صاحب الصحيح كون ذلك المعنعن يدلِّس، أو خَفِي عليه جرح في بعض رجال الطريق التي ثبت لديه فيها التصريح بالتحديث، أو نحو ذلك.

إلا أنه على كل حال إذا كانت عنعنة المدلس في الصحيح يكون الظن بثبوت السماع أقوى مما لو كانت في غير الصحيح.

[64]

2 - وأما ما نقلناه عن "الفتح" في شأن القطان، فهو لا يتناول هذا الحديث؛ لأنه إنما التزم عدم رواية ما عنعنه مدلس، ولم يثبت له سماعه في روايته عن زهير عن أبي إسحاق، والمدلِّس أبو إسحاق، وفيما رواه عن سفيان، والمدلِّس سفيان، وحديث الباب من روايته عن سفيان عن حبيب، والمدلس حبيب.

لكن قد ثبت عن القطان التحرز عن أن يقع منه ما فيه رائحة من تدليس، وثبت بما هنا احتياطه أن لا يروي عن شيخه سفيان إلا ما صح سماع سفيان له، وأن لا يروي عن شيخه زهير عن أبي إسحاق إلا ما صح سماع أبي إسحاق له، فكان في هذا ما يدلّ على احتياط الرجل في الجملة، فيقوى ظن السماع فيما رواه عن سفيان عن حبيب.

ص: 65

3 -

قد صحَّح الحاكم رواية عبد الرحمن وخلاد، وأقر صحة الرواية الأخرى، وتبعه الذهبي، فلعله ثبت لديهما ما يدفع احتمال التدليس.

4 -

إن دلس حبيب فهو ثقة لا يدلس إلا عن ثقة متفق على توثيقه، أو ثقة عنده على الأقل.

5 -

الإمام أحمد في "مسنده"

(1)

(جزء 1/ص 145): يزيد أنبأنا أشْعَثُ بن سوَّار عن ابن أشْوَع عن حنش بن

(2)

المعتمر، أن عليًّا رضي الله عنه بعث صاحب شرطة فقال:"أبعثك لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تدع قبرًا إلا سوَّيته، ولا تمثالًا إلا وضعته".

عبد الله في "زوائد المسند"

(3)

(جزء 1/ ص 150): حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ثنا السَّكَن بن إبراهيم ثنا الأشعث .. فذكره بسنده، ونحو متنه.

أبو يعلى في "مسنده"

(4)

بمثل سنده ومتنه.

[ص 65] أبو يعلى في "مسنده"

(5)

أيضًا: حدثنا عبد الغفار بن عبد الله حدثنا علي بن مُسْهِر عن أشعث، فذكره بسنده، ونحو متنه.

أقول: في أشعث كلام، حاصله أنه صدوق يخطئ.

(1)

رقم (1239).

(2)

في "المسند": "أبي" وكلاهما صحيح، لأنه ابن المعتمر وأبو المعتمر.

(3)

رقم (1284).

(4)

رقم (559).

(5)

رقم (503).

ص: 66

وقال ابن عدي

(1)

: لم أجد لأشعث متنًا منكرًا، إنما يغلط في الأحايين في الأسانيد، ويخالف. اهـ . "ميزان"

(2)

.

وقد أخرج له مسلم في "صحيحه" متابعة.

وأما ابن أشْوَع فثقة، من رجال "الصحيحين"، غمزه الجُوزَجاني بالتشيّع، والجُوزجاني متشدِّد على الكوفيين.

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"

(3)

في ترجمة أبان بن تغلب الربعي: "الجُوزجاني لا عبرة بحَطِّه على الكوفيين".

وحَنَش وثَّقه أبو داود، وقال أبو حاتم:"صالح، لا أراهم يحتجون به". ولينه غيرهما بما لا يسقطه عن الاعتبار.

فأقلّ ما يقال في هذا السند: إنه صالح للاعتبار.

6 -

الإمام أحمد في "المسند"

(4)

من طرق عن الحكم بن عُتَيبة عن أبي محمد الهُذَلي عن علي رضي الله عنه، ذكر قصة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له، ولفظه في بعض الروايات:"أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثَ رجلًا من الأنصار: أن يسوِّي كلَّ قبر، وأن يُلَطِّخ كلَّ صنم، فقال: يا رسول الله، إني أكره أن أدخل بيوت قومي، قال: فأرسلني .. ".

(1)

"الكامل": (1/ 374).

(2)

(1/ 265).

(3)

(1/ 93).

(4)

رقم (1176).

ص: 67

وفي أخرى

(1)

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة، فقال: "أيكم ينطلق إلى المدينة، فلا يدع بها وثنًا إلا كسره، ولا قبرًا إلا سوَّاه، ولا صورةً إلا لَطَّخَها

" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عاد لصَنْعَة شيءٍ من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم".

أقول: أبو محمد الهذلي مجهول، لم يرو عنه إلا الحكم بن عُتَيبة، ولم يوثَّق ولم يجرّح، لكنه تابعي، روى عن علي رضي الله عنه، وروى عنه التابعي العَلَم الثبت الجليل: الحكم بن عُتيبة، فهو ثقة على مذهب ابن حبان، وصالحٌ للاعتبار عند الجمهور.

فكلُّ واحدٍ من هذين السندين صالح أن يبلغ درجة الحسن لغيره، إذا اعتضد. انظر "فتح المغيث"

(2)

(ص 24).

7 -

قد روى هذا الحديث عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"

(3)

، من طريق يونس بن خباب عن جرير بن أبي الهيَّاج

(4)

، عن أبيه.

وفيما مر كفاية.

يونس شيعي، كان يطعن في عثمان، قال مرةً: قتل بنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: قتل الأولى، فلِمَ زوَّجه الثانية؟ فلم يدر ما يقول!

(1)

رقم (657).

(2)

(1/ 75).

(3)

رقم (889)، ومضى في "المسند" رقم (683).

(4)

كذا في الأصل "جرير بن أبي الهيَّاج"! خطأ، وصوابه كما في المسند:"جرير بن حيَّان".

ص: 68

وبمجموع هذه الوجوه يندفع احتمال التدليس، وينتهض الحديث للحُجِّية، كما لا يخفى. والله تعالى أعلم.

[ص 67] الباجي في "شرح الموطأ"

(1)

: قال ابن حبيب: وروى جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تُرْفع القبور، أو يُبنى عليها، وأمر بهدمها، وتسويتها بالأرض. وفَعَله ــ يعني الهدم والتسوية ــ عمر بن الخطاب. اهـ .

في "كنز العمال"

(2)

: عن عثمان: أنه كان يأمر بتسوية القبور". (ابن جرير).

أقول: ذكرت هذين استئناسًا.

(1)

(2/ 494).

(2)

رقم (42927).

ص: 69

[حديث جابر]

[ص 68] الإمام أحمد "مسند"

(1)

(جزء 3/ ص 339): ثنا حجاج ثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يقعد الرجل على القبر، أو يجصَّص، أو يُبنى عليه".

تابع الإمام أحمد عن الحجاج:

1 -

يوسف بن سعيد عند النسائي

(2)

، وعند أبي عوانة في "صحيحه"، وعند ابن حبان

(3)

، كما في "إتحاف المهرة"

(4)

.

2 -

ومحمد بن إسحاق الصغاني عند البيهقي

(5)

.

3 -

وهارون بن عبد الله عند مسلم في "الصحيح"

(6)

.

4 -

وهلال بن العلاء عند أبي عوانة.

وتابع حجَّاجًا عن ابن جُرَيج جماعة، منهم:

1 -

عبد الرزاق، رواه عنه الإمام أحمد "مسند"

(7)

(جزء 3/ ص 295)،

(1)

رقم (14647).

(2)

رقم (2028).

(3)

رقم (3165).

(4)

رقم (3400).

(5)

(4/ 4).

(6)

رقم (970).

(7)

رقم (14148).

ص: 70

وعن الإمام رواه أبو داود في "سننه"

(1)

.

2 -

ومحمد بن رافع عند مسلم في "الصحيح"

(2)

.

3 -

(3)

عند أبي عوانة.

ومنهم أبو معاوية، روى عنه سعيد بن منصور في "المستدرك"

(4)

، وإسحاق بن إبراهيم عند ابن حبان

(5)

.

ومنهم محمد بن خازم روى عنه أسد عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"

(6)

.

ومنهم محمد بن ربيعة، روى عنه عبد الرحمن بن الأسود أبو عَمْرو البصري، عند الترمذي في "سننه"

(7)

، ومحمد بن إسكاب (كذا) عند أبي عوانة.

ومنهم حفص بن غياث، روى عنه:

1 -

أبو بكر بن أبي شيبة، عند مسلم في "الصحيح"

(8)

.

(1)

رقم (3225).

(2)

رقم (970).

(3)

كذا تركه المؤلف.

(4)

(1/ 370).

(5)

رقم (3164).

(6)

(1/ 515). ومحمد بن خازم هو أبو معاوية المتقدم في رواية الحاكم.

(7)

رقم (1052).

(8)

رقم (970).

ص: 71

2 -

عثمان بن أبي شيبة، عند ابن حبان

(1)

.

3 -

وسَلْم بن جُنادة بن مسلم القرشي، في "المستدرك"

(2)

.

4 -

ومسدَّد، في "شرح معاني الآثار"

(3)

.

وفي صِيَغ الرواية وألفاظ الحديث بعض اختلاف عن حديث أحمد، لم نبين ذلك؛ لأنه لا يتعلق به بحث.

[ص 69] أبو داود في "سننه"

(4)

: حدثنا مُسدَّد وعثمان بن أبي شيبة قالا ثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى، وعن أبي الزبير عن جابر، بهذا الحديث (أي المتقدم).

قال أبو داود: وقال عثمان: "أو يزاد عليه"، وزاد سليمان بن موسى:"أو يكتب عليه"، ولم يذكر مسدد في حديثه:"أو يزاد عليه".

قال أبو داود: وخفي عليّ من حديث مسدد حرف "وإن".

أقول: رواه أبو عوانة عن أبي داود، ورواه البيهقي في "السنن"

(5)

بسنده إلى أبي داود عن عثمان، فذكر رواية عثمان.

وقد رواه النسائي

(6)

عن هارون بن إسحاق عن حفص بسنده ومتنه، إلا

(1)

رقم (3163).

(2)

(1/ 370).

(3)

(1/ 516).

(4)

رقم (3226).

(5)

(4/ 4).

(6)

رقم (2027).

ص: 72

أنه لم يذكر القعود، وقدّم وأخَّر.

[سيأتي في حديث جابر في بعض طرقه النهي عن الزيادة على القبر.

ويُعْتَرض بأنها لم ترد إلا في رواية حفص بن غياث، وحفصٌ ساء حفظه بعد ما اسْتُقْضي، وصرحوا أنه لا يحتج من حديثه إلا بما كان في كتابه، وقد روى الحديث عن ابن جريج جماعةٌ كما سيأتي، وليست هذه الزيادة عن أحدٍ منهم غير حفص، بل حفص نفسه لم تثبت عنه هذه الزيادة في رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص.

وقد قيل: إن صاحبي الصحيح إنما يخرجان لحفص ما ثبت أنه حدث به من كتابه.

فزيادة النهي عن الزيادة شاذة، مع أنها لم ترد إلا فيما عنعنه ابنُ جُريج، وهو مدلِّس.

لكن قد يقال: إن لها شاهدًا ضعيفًا ذكره البيهقي في "سننه"

(1)

عَقِب ذكره رواية حفص، قال: ورواه أبان بن أبي عياش عن الحسن وأبي نضرة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ولا يزاد على حفرته التراب".

ثم قال: "وفي الحديث الأول كفاية، أبان ضعيف". اهـ.

وفي "كنز العمال"

(2)

: عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه

(1)

(3/ 410).

(2)

رقم (42919).

ص: 73

وآله وسلم أن تُجَصّص القبور، وأن يُجْعَل عليها من غير حُفْرتها". ابن النجار.

[ص 24] وأما عنعنة ابن جريج؛ فإنها وإن كانت قادحةً في الصحة، فإنها لا تقتضي شدة الضعف؛ لأنها تحتمل الوصل وعدمه، فإن كان الأول؛ فالحديث صحيح، وإن كان الثاني؛ فالحديث على الأقل حسن عند ابن جريج؛ لأنه لا يدلس إلا عن ثقة عنده على الأقل، ولذلك جعلوا ما عنعنه المدلس مما يصلح أن يبلغ درجة الحسن لغيره إذا اعتضد، بل نصوا على أن من الضعيف الذي يبلغ درجة الحسن لغيره إذا اعتضد ما كان فيه انقطاعٌ بين ثقتين حافظين، فما عنعنه المدلِّس من باب أولى؛ لاحتماله الوصل. انظر "فتح المغيث"

(1)

(ص 24).

فأما ما ورد من مشروعية زيادة مخصوصة، كوضع شيءٍ من الحصى، وكوضع الحجر؛ فإنه يكون تخصيصًا لعموم النهي عن الزيادة، فلا يدلّ على عدم النهي مطلقًا]

(2)

.

الإمام أحمد في "مسنده"

(3)

(جزء 3/ ص 295): ثنا محمد بن بكر ثنا ابن جُرَيج قال: قال سليمان بن موسى قال: قال جابر: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يُقْعَد على القبر، وأن يُجَصَّص، وأن يُبْنى

(1)

(1/ 75).

(2)

من قوله: "سيأتي في حديث جابر

" إلى هنا ذكره المؤلف في الفصل الأول، ثم كتب فوقه:(ينقل إلى الفصل الثاني شرح حديث جابر) ولم يحدد مكانه، فلعل هذا مكانه المناسب.

(3)

رقم (14144).

ص: 74

عليه".

وروى منه النهيَ عن الكتابة فقط ابنُ ماجه

(1)

عن عبد الله بن سعيد عن حفص بسنده.

[ص 70]"صحيح مسلم"

(2)

: وحدثنا يحيى بن يحيى أنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال: "نهى عن تقصيص القبور".

النسائي في "سننه"

(3)

: أخبرنا عمران بن موسى قال حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور".

ابن ماجه

(4)

: حدثنا أزهر بن مروان ومحمد بن زياد قالا: ثنا عبد الوارث عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تقصيص القبور".

الإمام أحمد مسند

(5)

(جزء 3/ ص 399): ثنا عفان ثنا المبارك حدثني نصر بن راشد سنة مائة عمن حدثه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تُجَصَّص القبور، أو تُبنى عليها". اهـ .

(1)

رقم (1563).

(2)

رقم (970).

(3)

رقم (2029).

(4)

رقم (1562).

(5)

رقم (15286).

ص: 75

الباجي: قال ابن حبيب: وروى جابر: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تُرْفَع القبور، أو يبنى عليها، وأمر بهدمها وتسويتها بالأرض

" إلخ كما تقدم

(1)

.

يظهر أنه ليس من طريق أبي الزبير ولا سليمان؛ لأن فيه زيادة ليست عندهما. والله أعلم.

* * * *

(1)

(ص 69) وسبقت الإحالة على كتاب الباجي.

ص: 76