الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - نكاح أم الزوجة والربيبة
«1»
يقول تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. [النساء: 23]
تتحدث هذه الآية عن حكم نكاح أو الزوجة ونكاح الربيبة وهو من باب التحريم بالمصاهرة وقد اختلف الفقهاء فى نكاح أم الزوجة بمجرد العقد على بنتها إلى فريقين:
الأول: وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية القائل بأن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد على بنتها دون الدخول بها. «2»
(1) الربائب: واحدتها ربيبة، فعيلة بمعنى مفعولة، من قولك: ربها يربها، إذا تولى أمرها وهى محرمة بإجماع الأمة كانت فى حجر الرجل أو فى حجر حاضنتها غير أمها.
وقد ذهب عمر وعلى وقول أبو داود الظاهرى إلى أن الرجل إذا نكح المرأة ودخل بها ثم فارقها يمكنه أن يتزوج ابنتها إذا لم تكن هذه البنت فى حجره وهى رواية عن ابن عباس وقد ضعف أهل النقل حديث خلاس عن على وكذا رواية إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن على وإبراهيم مجهول لا يثبت بمثله ومع ذلك فإن أهل العلم ردوه ولم يتلق أحد هذا الرأى عن على بالقبول (الجصاص 2/ 181 - 184). وقال ابن المنذر: وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف ذلك (القرطبى 5/ 75)، وقد أفتى ابن مسعود بحل التزوج بأم المرأة قبل الدخول بها ثم رجع عن ذلك (الجصاص 2/ 182).
أدلتهم: 1 - وقد احتج عمر ومن وافقه بظاهر الآية- وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ- فقالوا: حرم الله تعالى الربيبة بشرطين أحدهم: أن تكون فى حجر أمها والثانى الدخول بالأم فإذا عدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم.
(القرطبى 5/ 75، ابن العربى 1/ 486، بدائع الصنائع 3/ 418، الجصاص 2/ 182 - 184).
(2)
وحديث (لو لم تكن ربيبتى فى حجرى ما حلت لى إنها ابنة أخى فى الرضاعة) وقد ضعف الحديث ابن المنذر والطحاوى. القرطبى 5/ 75.
وأما الجمهور فقد قالوا: لا يشترط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حجر الزوج وقالوا: يحرم التزوج بها مطلقا كانت فى حجر الزوج أو لا، وإذا تزوج بها كان النكاح فاسدا يجب فسخه مطلقا ما دام قد دخل بأمها.
وذهب الجمهور إلى أن البنت تحرم بالدخول إذا كانت فى الحجر بهذه الآية.
أما إذا لم تكن فى الحجر فهى تحرم عندهم بدليل آخر، وهو كون نكاحها مفضيا إلى قطيعة الرحم. إلا أن الله ذكر الحجر بناء على أن عرف الناس وعاداتهم أن الربيبة تكون فى حجر زوج أمها عادة.
الثانى: وهو قول على رضى الله عنهنّ وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الزبير ومجاهد حيث قالوا: إن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول «2» ، قال القرطبى (وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح بنتها)«3» .
وسبب الخلاف بين الفقهاء هو الوقف الوارد فى الآية حيث يرى الحنفية ومن وافقهم أن الكلام تم عند قوله: «أمهات نسائكم» فهى جملة مستقلة قائمة بذاتها تتعلق بما قبلها ولا تتعلق بما بعدها ثم استأنف بقوله: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ «4» .
وفى ذلك يقول القرطبى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ هذا مستقل بنفسه، ولا يرجع قوله: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ إلى الفريق الأول بل هو راجع إلى الربائب، إذ هو أقرب مذكور كما تقدم «5» .
ويزيد الكاسانى الأمر وضوحا بقوله: ولنا تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ كلام تام
(1) أحكام القرآن للشافعى (1/ 183)، الأم (5/ 21).
(2)
القرطبى 5/ 70، المغنى 9/ 329، بدائع الصنائع 3/ 414 وما بعدها، ابن العربى 1/ 484. وذكر فى البدائع أن مالك قال: إن أم الزوجة لا تحرم على الزوج بنفس العقد ما لم يدخل ببنتها حتى أن من تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها أو ماتت يجوز أن يتزوج أمها. بدائع الصنائع 6/ 413.
قلت: عزو الكاسانى الرأى إلى مالك يبدو أنه غير دقيق لأننى لم أعثر عليه فيما قرأت من كتب المالكية وغيرها فقد تفرد به الكاسانى.
(3)
القرطبى 5/ 75.
واختلف الفقهاء فى معنى الدخول بالأمهات الذى يقع به تحريم الربائب، فروى عن ابن عباس أنه قال: الدخول الجماع وهو قول طاوس وعمر بن دينار وغيرهم واتفق مالك والثورى وأبو حنيفة
والأوزاعى والليث على أنه إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وهو أحد قولى الشافعى.
واختلفوا كذلك فى النظر فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شىء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها.
وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة وقال الثورى: يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لمسها ولم يذكر الشهوة. وقال ابن أبى ليلى: لا يحرم بالنظر حتى يلمس وهو قول الشافعى. القرطبى 5/ 75، بدائع الصنائع 3/ 412 وما بعدها.
(4)
روح المعانى 2/ 64، المغنى لابن قدامة 9/ 330، تفسير القرطبى 5/ 70، بدائع الصنائع 3/ 414.
(5)
القرطبى 5/ 74.
بنفسه منفصل عن المذكور بعده لأنه مبتدأ وخبر إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ، إلى قوله: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ والمعطوف يشارك المعطوف عليه فى خبره، ويكون خبر الأول خبر للثانى كقوله: جاءنى زيد وعمرو «معناه: جاءنى زيد وجاءنى عمرو» فكان معنى قوله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أى:
وحرمت عليكم أمهات نسائكم «1» .
واستدل الحنفية ومن وافقهم على قولهم هذا وإبرازا لدور الوقف فى الفقه بمجموعة من الأدلة منها:
1 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تزوج امرأة حرمت عليه أمها دخل بها أو لم يدخل وحرمت عليه بنتها إذا دخل بها» «2» فهذا نص فى الباب لا يحتمل التأويل، ولأن هذا النكاح- نكاح أم زوجة- يفضى إلى قطع الرحم لأنه إذا طلق بنتها وتزوج بأمها حملها ذلك على الضغينة التى هى سبب القطيعة فيما بينهما وقطع الرحم حرام فما أفضى إلى الحرام يكون حراما.
وقد عضد ابن العربى أدلة الذين استدلوا بالوقف فى ترجيح مذهبهم بأدلة نذكر منها:
1 -
إذا كان قوله: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يحتمل الرجوع إلى الربائب أو الربائب والأمهات معا فيرد إلى أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل فى الفروج وهكذا هو مقطوع السلف فيها عند تعارض الأدلة بالتحريم والتحليل عليها.
2 -
إذا قيل بأن المراد بالدخول هاهنا النكاح فعلى هذا الربائب والأمهات سواء لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء فى أمهاتهن لتحريمهن.
3 -
أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه وخرج منه بوصفه فإنه قال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ثم قال بعده: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ فوصف وكرر، وذلك الوصف لا يصح أن يرجع إلى الأمهات، وهو قوله: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فالوصف الذى يتلوه يتبعه ولا يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه «3» .
أما القائلون بأن لا تحرم أم الزوجة إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول
(1) بدائع الصنائع 3/ 414.
(2)
ت: (3/ 416) كتاب النكاح- باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها يتزوج ابنتها أم لا؟.
(3)
ابن العربى 1/ 486.