المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - من محظورات الإحرام - الوقف القرآني وأثره في الترجيح عند الحنفية

[عزت شحاتة كرار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ثبت بالآيات التى ورد فيها الوقف

- ‌الفصل الأول نشأة القراءات القرآنية وتعريف الوقف وأقسامه

- ‌المبحث الأول: القراءات القرآنية

- ‌نشأة القراءات:

- ‌فوائد تعدد القراءات:

- ‌أركان القراءة الصحيحة:

- ‌وزاد ابن الجزرى فى نشره ثلاثة قرّاء هم:

- ‌المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته

- ‌الوقف والقطع والسكت:

- ‌المبحث الثالث: أقسام الوقف

- ‌القسم الأول: التام:

- ‌القسم الثانى: الكافى:

- ‌القسم الثالث: الحسن:

- ‌القسم الرابع: القبيح:

- ‌رموز الوقف:

- ‌الوقف غير توقيعى:

- ‌الفصل الثانى الوقف وأثره فى الترجيح عند الحنفية

- ‌1 - مباشرة الزوجة بعد انقطاع الدم

- ‌مناقشة الأدلة:

- ‌الرأى الراجح:

- ‌فائدة:

- ‌2 - القصاص

- ‌أولا: الحنفية:

- ‌أولا: الكتاب:

- ‌ثانيا: السنة:

- ‌ثالثا: المعقول:

- ‌الرد عليهم:

- ‌ثانيا الجمهور:

- ‌أولا من المنقول:

- ‌1 - الكتاب:

- ‌2 - السنة:

- ‌[ثانيا] دليلهم من المعقول:

- ‌الرد عليهم:

- ‌تعقيب وترجيح:

- ‌فائدة:

- ‌3 - قتل المسلم بالذمى

- ‌تعقيب:

- ‌4 - نكاح أم الزوجة والربيبة

- ‌الرأى الراجح:

- ‌5 - فرضية العمرة

- ‌أولا: أدلة القائلين بفرضية العمرة:

- ‌أولا: الأدلة من المنقول:

- ‌أ- الكتاب

- ‌(ب) السنة والآثار:

- ‌[ثانيا الادلة] من المعقول:

- ‌[ثانيا] أدلة القائلين بعدم وجوب العمرة:

- ‌(أ) الكتاب:

- ‌(ب) السنة:

- ‌من المعقول:

- ‌مناقشة الأدلة والترجيح:

- ‌الرأى الراجح:

- ‌6 - من محظورات الإحرام

- ‌7 - جزاء قتل الصيد فى الحرم

- ‌واحتج الحنفية بما يلى:

- ‌تعقيب وترجيح:

- ‌8 - حكم الخوض فى المتشابه من الآى

- ‌[الفريق الأول]

- ‌الفريق الثانى:

- ‌تعقيب:

- ‌فائدة: فى حكم من يخوض فى المتشابه:

- ‌9 - التسمية عند الذبح

- ‌[أدلة القائلين بجواز الترك]

- ‌أولا: الكتاب:

- ‌ثانيا: السنة:

- ‌الرد عليهم:

- ‌أدلة القائلين بالمنع: وهم الحنفية ومن وافقهم:

- ‌أولا: الكتاب:

- ‌ثانيا: السنة:

- ‌تعقيب وترجيح:

- ‌10 - شهادة المحدود فى القذف

- ‌الفريق الأول:

- ‌أولا: الكتاب:

- ‌أدلة السنة:

- ‌المعقول:

- ‌الفريق الثانى:

- ‌(أ) الكتاب:

- ‌(ب) السنة:

- ‌تعقيب:

- ‌ترجيح:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌أولا: التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ثانيا: كتب الحديث:

- ‌ثالثا: كتب الفقه:

- ‌رابعا: أصول الفقه وقواعده الكلية:

- ‌خامسا: مراجع حديثة:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌6 - من محظورات الإحرام

‌6 - من محظورات الإحرام

يقول تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].

تتحدث الآية عن بعض محظورات الحج وهى الرفث والفسوق والجدال.

أما الرفث: فهو كل قول يتعلق بذكر النساء يقال: رفث يرفث بكسر الفاء وضمها وقد يطلق على الفعل من الجماع والمباشرة، قال الأزهرى: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة ويطلق الرفث على التعريض به وعلى الفحش من القول «1» .

والفسوق: هو السباب عرفه ابن عمر «2» ، وذكر ابن العربى له ثلاثة معان.

الأول: جميع المعاصى، قال النبى صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر «3» .

الثانى: أنه قتل الصيد.

والثالث: أنه الذبح لغير الله تعالى لأن الحج لا يخلو عن ذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحون لغير الله فسقا فشرعه الله تعالى لوجهه نسكا «4» .

والجدال هو أن يجادل صاحبه حتى يغضبه «5» يقول الجصاص فى معنى وَلا جِدالَ قد تضمن النهى عن مماراة صاحبه ورفيقه وإغضابه «6» . ويقول الزمخشرى فى وَلا جِدالَ لا مراء من الرفقاء والخدم والمكارين «7» .

(1) فتح البارى 3/ 447، أحكام الجصاص 1/ 420.

(2)

الجصاص 1/ 421.

(3)

حم 1/ 330 (1) كتاب الإيمان (28) باب بيان قول النبى صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فذكره بسنده من طريق عبد الله بن مسعود فذكره.

(4)

أحكام ابن العربى 1/ 189 - 190.

(5)

تبيين الحقائق 2/ 11.

(6)

أحكام الجصاص 1/ 422.

(7)

الكشاف 1/ 243.

ص: 54

وقد ورد فى الآية عدة قراءات منها الوقف الذى كان له أكبر الأثر فى توسيع المراد من قوله تعالى وَلا جِدالَ كما سنرى بإذن الله تعالى.

أما القراءات التى وردت فبيانها وتوجيهها النحوى كما يلى:

1 -

قرأ أبو جعفر بالرفع والتنوين فى الثلاثة فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ وروى المفضل أن عاصم قرأ بالرفع فيها «1» .

ووجه القراءة أن (لا) غير عاملة ورفع ما بعدها بالابتداء والخبر فى الجميع قوله فِي الْحَجِّ كما جوز بعض علماء النحو أن يكون فِي الْحَجِّ خبر الرفث وهو المبتدأ الأول وحذف خبر الثانى والثالث لدلالته عليه، وقيل: إن (لا) هنا يجوز أن تكون العاملة عمل ليس فرفعت اسمها «2» .

2 -

وقرأ أبو رجاء العطاردى بالنصب والتنوين فى الثلاثة.

والتوجيه النحوى لهذه القراءة أنها منصوبة على المصدر والعامل فيها أفعال من لفظها، والتقدير فلا يرفث رفثا ولا يفسق فسقا ولا يجادل جدالا وقوله فِي الْحَجِّ متعلق بأى فعل من الأفعال السابقة «3» .

3 -

وقرأ الكوفيون ونافع بفتح الثلاثة من غير تنوين «4» . وقال علماء النحاة: إنها حركة بناء و (لا) هنا لها عملين. أحدهما: أن (لا) مع اسمها فى موضع رفع على الابتداء وبه قال سيبويه. وثانيهما: أن (لا) عاملة فى الاسم النصب وخبرها فِي الْحَجِّ وذلك باجرائها مجرى (إن) فى نصب الاسم ورفع الخبر وهو مذهب الأخفش «5» .

4 -

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر برفع فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وتنوين وفتح وَلا جِدالَ من غير تنوين «6» .

(1) البحر المحيط 2/ 88، تيسير التحبير ص 91، روح المعانى 2/ 86، معانى القراءات 1/ 166، تقريب النشر ص 91، الكشف 1/ 285، شرح الدرة المضية 2/ 47، معانى القرآن وإعرابه 1/ 270، الكشاف 1/ 243.

(2)

المراجع السابقة ومعها المغنى فى توجيه القراءات لمحيسن 8/ 238.

(3)

المراجع السابقة.

(4)

البحر المحيط 2/ 88، تيسير التخبير ص 91، مشكل مكى 1/ 123 - 124، فتح القدير للشوكانى 1/ 298.

(5)

التأثير النحوى للقراءات القرآنية فى الأحكام الفقهية ص 139 وما بعدها. د. هالة عثمان.

(6)

البحر المحيط 2/ 88، روح المعانى 2/ 86، المغنى لمحيسن 1/ 238.

ص: 55

ووجه القراءة أن قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ. مرفوعين بالابتداء و (لا) غير عاملة. وأما (لا) فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فهى عاملة وجدال اسمها وَلا جِدالَ بالفتح فى موضع رفع بالابتداء وقوله فِي الْحَجِّ خبر عن الجميع «1» ، قال الزمخشرى (وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهى كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف فى الحج «2» .

وهذه القراءة الأخيرة هى المعنية بالوقف ويظهر ذلك جليا عند ما يقف القارئ على قوله فُسُوقَ بالضم والتنوين ثم يستأنف بقوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ بفتح جدال.

والذى يترتب على هذا الوقف أنه وسع المعنى الفقهى المفهوم من الآية ففي القراءات الأولى لم تؤثر فى المعنى المفهوم من الآية حيث أن هذه القراءات لم تغير معنى الرفث والفسوق والجدال الذى ذكرناه فى أول الكلام عن الآية.

أما قراءة الوقف على فُسُوقَ والبدء وَلا جِدالَ فإن معنى الآية يصير كما يلى:

يقول تعالى من قصد الحج فى هذه الأشهر فلا رفث ولا فسوق فيه ولا جدال فى وقت الحج الزمانى والمكانى.

وذلك أن قريشا كانت تخالف العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة فأخبر الله تعالى بأن الخلاف قد رفع فى الحج «3» .

وقد فهم العلماء هذه الزيادة المقصودة من قراءة الوقف فيقول مجاهد فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال: قد أعلم الله تعالى أشهر الحج فليس فيها شك ولا خلاف «4» ، وقال الحسن: الجدال: الاختلاف فى الحج «5» .

ويقول الجصاص الحنفى (وحظر الجدال فى وقت الحج على ما كان عليه أمر الجاهلية لأنه قد استقر على وقت واحد وأبطل به النسيء الذى كان أهل الجاهلية عليه وهو معنى

(1) أحكام ابن العربى 1/ 191.

(2)

الكشاف 1/ 243 - 244.

(3)

أحكام ابن العربى 1/ 191، الكشاف 1/ 243.

(4)

أحكام الجصاص 1/ 421، الكشاف 1/ 244.

(5)

تفسير الحسن البصرى 1/ 142، د. محمد عبد الرحيم.

ص: 56

قوله عليه السلام: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض) يعنى عود الحج إلى الوقت الذى جعله الله له واتفق ذلك فى حجة النبى صلى الله عليه وسلم «1» .

فالحنفية هنا استفادوا بالوقف فى توسيع معنى الآية.

ويزيد ابن العربى الأمر وضوحا بقوله (أراد لا جدال فى وقته فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فعاد بذلك إلى يومه ووقته وقيل: لا جدال فى موضعه فإن الوقوف بعرفة لكل واحد من الناس كان فى الحمس أو من غيرهم. وكلا القولين صحيح وقد رفع الله تعالى الجدال فى الوجهين بين الخلق فلا يكون إلى القيامة ولهذا قرأه العامة وحده بنصب اللام على التبرئة دون الكلمتين اللتين قبله «2» .

ويؤيدنا فى هذا المعنى المراد ما رواه الطبرى فى تفسيره عن القاسم بن محمد قال:

الجدال فى الحج أن يقول بعضهم الحج اليوم ويقول بعضهم الحج غدا وقال آخرون بل اختلافهم ذلك فى أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم «3» .

فنلاحظ من هذه النصوص أن فقهاء الحنفية وغيرهم فهموا هذا المعنى الفقهى الجديد وإن لم يصرحوا بالوقف على قوله وَلا فُسُوقَ وإن كان ابن العربى ذكر أنها قراءة لبعض القراء فى آخر كلامه كما ذكرنا.

ويؤيدنا فى قولنا بأن كلمة جدال تحمل معنى رفع الخلاف الزمانى والمكانى فى الحج ما رواه البخارى مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» «4» .

فهذا الحديث لم يذكر كلمة الجدال المذكورة فى الآية مما يدل على أن الكلمة لها معنى آخر يضاف إلى المعنى المعروف فى الجدل وهو أن الله اختص برفع هذا الجدال المتعلق بمكان الحج وزمانه.

نخلص من هذا كله أن قراءة وَلا جِدالَ فى حالة الوصل تدخل فى محظورات الحج فيكون المعنى من أراد قبول حجه فلا رفث ولا فسوق ولا جدال.

(1) أحكام الجصاص 1/ 422، والحديث رواه أحمد 5/ 37.

(2)

أحكام ابن العربى 1/ 191.

(3)

تفسير الطبرى 2/ 159.

(4)

خ: (2/ 141)(25) كتاب الحج (4) باب فضل الحج المبرور.

ص: 57

أما الوقوف على وَلا فُسُوقَ والبدء وَلا جِدالَ إضافة معنى فقهى جديد وهو خاص بتحديد مواقيت الحج الزمانية والمكانية حيث أن الجدال فيها قد انتهى لأن الله تولى تحديد الميقات فيها.

فهنا نرى أن الوقف أثر فى توسعة الجانب الفقهى للآية عند الحنفية وغيرهم.

ص: 58