الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س:
اذكر بعض صور الولاء والبراء الواقعية
؟
ج: صور الولاء والبراء كثيرة في القرآن والسنة وفي أحوال السلف الصالحين، وقد ذكر الله تعالى لنا قول إبراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم وأمرنا بالتأسي بهم؛ فقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (الممتحنة: 4).
ولقد ضرب الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ والسلف الصالحون صورا من أروع الصور في الولاء والبراء؛ صيانة لجناب التوحيد وإعلاء من كلمة" لا إله إلا الله" ومن ذلك:
قصة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه مع أبيه:
فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير (1/ 154)(360) قال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا ضمرة عن ابن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله؛ وفيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة: 22). وهذا إسناد مرسل.
ومن ذلك أيضا موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه - رأس النفاق - روى البخارى ومسلم - رحمهما الله - واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنه - قال: كنا غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصارى: يا للأنصار، وقال المهاجرى: يا للمهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بال دعوى الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال:"دعوها إنها منتنة" فسمعها عبد الله بن أُبى فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل، قال عمر: دعنى أضرب عنق هذا المنافق، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
قال محمد ابن اسحاق: عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أن عبد الله بن عبد الله بن أُبى لما بلغه ما كان من أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنه بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أُبى فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرنى به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه منى، إنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله، فلا تدعنى نفسى أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبى يمشى فى الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا"
وذكر عكرمة وغيره: أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة، وقف عبد الله بن عبد الله بن أُبى بن سلول على باب المدينة، واستل سيفه، فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أُبى قال له ابنه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟!!!!
قال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسير فى ساقة فشكا إليه عبد الله بن أُبى ابنه فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فَجُزْ الآن"انتهى كلام ابن إسحاق (1).
ومن ذلك قصة زيد بن الدثنة رضي الله عنه الذي اشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف فخرجوا بزيد إلى التنعيم حيث اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً. ثم قتلوا زيد رضي الله عنه. (2)
وكعب بن مالك رضي الله عنه يحكي عن نفسه لما هجره المسلمون بسبب تخلفه عن رسول الله في غزوة تبوك: " فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟
(1) تفسير ابن كثير (4/ 359) وأصل الخبر عند الترمذى فى السنة (5/ 90) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 4/ 125.
فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا من البلاء فتممت بها التنور فسجرته بها" أخرجه البخاري.
وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه ما يدل على ذلك. فإنه قد أسر في أحد المعارك مع الروم فعرض عليه ملك الروم أن يتنصر فرفض ثم قال له: إن فعلت شاطرتك ملكي وقاسمتك سلطاني فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت ذلك. ثم هدده الملك بالقتل وصلبه ورماه قريباً من رجليه وقريباً من يديه وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى.
فقال له: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك فقال عبد الله له: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً؟ قال: نعم فقبّل رأسه فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم وقدم بالأسرى على عمر رضي الله عنه فأخبره خبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يُقبّل رأس ابن حذافة وأنا أبدأ فقبل رأسه (1).
(1) سير أعلام النبلاء 2/ 14.
ويروي لنا أبو الفرج الجوزي قصة أبي بكر النابلسي فيقول: أقام جوهر القائد (الرافضي) لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؛ قال: ما قلت هذا؛ بل قلت إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين وادعيتم نور الإلهية. فضربه ثم أمر يهودياً فسلخه فكان يذكر الله ويقرأ {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} ويصبر حتى بلغ الصدر فطعنه ثم حشي تبناً وصلب وقد حكى ابن السعساع المصري أنه رأى في النوم أبا بكر النابلسي بعدما صلب وهو في أحسن هيئة فقال ما فعل الله بك؟ فقال: حباني مالكي بدوام عزٍ وواعدني بقرب الانتصار؛ وقربني وأدناني إليه وقال: انعم بعيشٍ في جواري (1).
وغير ذلك من قصص الولاء والبراء كثير لدى السلف الصالح ولعل فيما ذكر كفاية.
*****
(1) سير أعلام النبلاء 16/ 148 - 150.