الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المحقِّق
الحمد لله واهب الحمد ومُسْديه، وصلاةً وسلامًا على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد؛ فإن أغراض التأليف وألوانه لا تقف عند حدّ
(1)
، وهمم العلماء في ذلك لا تنقطع إلا بانقطاع العلم؛ وذلك لكثرة المطالب الباعثة عليه، وسعة المباغي الداعية إليه.
ومن جملة تلك المطالب التي ألِفَ العلماءُ الكتابةَ فيها: تقييدُ بها يمرُّ بهم من الفوائد، والشوارد، والبدائع؛ من نصٍّ عزيز، أو نقلٍ غريب، أو استدلالٍ محرَّر، أو ترتيبٍ مُبتكر، أو استنباطٍ دقيق، أو إشارةٍ لطيفة = يُقيِّدون تلك الفوائد وقتَ ارتياضهم في خزائن العلم ودواوين الإسلام، أو مما سمعوه من أفواه الشيوخ أو عند مناظرة الأقران، أو بما تُمليه خواطرهم وينقدح في الأذهان.
يجمعون تلك المقيَّدات في دواوين، لهم في تسميتها مسالك، فتُسَمَّى بـ "الفوائد" أو "التذكرة" أو "الزنبيل" أو "الكنَّاش" أو "المخلاة"
(1)
نعم، وإن حصرها بعض العلماء في أربعة أغراض كابن فارس في "الصاحبي" وأرسطو كما في "كشف الظنون"، أو بثمانية كما ذكر ابن حزم في "نقط العروس" ونقله عنه صاحب "الكشف" وأبو الطيب ابن الشركي في "إضاءة الراموس" وغيرهم، إلا أن هذا الحصر الجُمْلي يدخل تحته من التفاصيل والفروع ما لا يُحْصَى، والناظر في مدوّنات أسماء الكتب كـ "الكشف" ونظائره يعلم هذا حق العلم.
أو "الفنون" أو "السفينة" أو "الكشكول"
(1)
وغيرها.
وهم في تلك الضمائم والمقيَّدات يتفاوتون في جَوْدة الاختيار، وطرافة الترتيب، وعُمْق الفكرة = تفاوتَ علومهم وقرائحهم، وفهومهم ومشاربهم، فاختيار المرء -كما قيل وما أصدق ما قيل! - قطعةٌ من عقله، ويدلُّ على المرء حسنُ اختياره ونقله.
إلا أن تلك الكتب تجمعها -في الجملة- أمور مشتركة؛ كغلبة النقل، وعزة الفوائد، وعدم الترتيب، وتنوُّع المعارف.
ومن أحسن الكتب المؤلَّفة في هذا المضمار كتاب "بدائع الفوائد"
(2)
للإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيِّم الجوزية، المتوفى: سنة (751) رحمة الله عليه. وهو كتابٌ مشحونٌ بالفوائد النادرة، والقواعد الضابطة، والتحقيقات المحرَّرة،: والنقول العزيزة، والنِّكات الطريفة المُعْجبَة؛ في التفسير، والحديث، والأصلين، والفقه، وعلوم العربية. إضافة إلى أنواع من المعارف؛ من المناظرات، والفروق، والمواعظ والرِّقاق وغيرها، مقًلِّدًا أعناق هذه المعارف سِمطًا من لآلئ تعليقاته المبتكرة.
(1)
انظر "معجم الموضوعات المطروقة": (2/ 948 - 949). وفي ضبط (الكناش).
انظر "تاج العروس": (9/ 188 - 189)، و"قصد السبيل":(2/ 404)، و"كناشة النوادر":(ص/9 - 11).
(2)
وقد رأيت الشيخ الفقيه محمد العثيمين رحمه الله قد قال: "وأحسن ما رأيتُ في مثل هذا -أي: في تقييد الفوائد المهمة والشوارد العلمية- كتاب "بدائع الفوائد" للعلامة ابن القيم، ففيه [من] بدائع العلوم مالا تكاد تجده في كتاب آخر، فهو جامع في كل فن، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيَّد ذلك، ولهذا تجد فيه من علم الحقائد والفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة .. " اهـ من كتاب "العلم": (ص/ 231).
ومع ما وصفنا من كثرة فوائد الكتاب، إلا أنه لم يَنَل من الشهرة والذُّيُوع -في عصرنا هذا على الأقل
(1)
- ما نالَ صنوه "الفوائد"! وهل يكون "الفوائد" إلا قطرةً في بحرٍ لُجِّيٍّ من فوائد "البدائع"؟! وسبب ذلك -عندي- أن فوائد الكتاب عالية الرتبة، تَوَلَّجَ المؤلفُ فيها إلى دقائق الفنون، خاصة العربية، وهذه الدقائق والمباحث لا يفهمها المبتدئ والمقلِّد، كما يقول المؤلِّف في كتابه هذا (3/ 889). فبقي الكتاب لا يستفيد منه إلا الخاصةُ وخاصتُهم.
وقد اتَّجَه العزمُ إلى تحقيق هذا الكتاب من بضع سنوات خلت، إلا أن العمل فيه كان متقطِّعًا، إلى أن صمدت له أخيراً ليكون باكورة هذا المشروع المبارك -إن شاء الله تعالى- "آثار الإمام الحافظ ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال" تحتَ رعايةِ ونظر شيخنا العلامة أبي عبد الله بكر بن عبد الله أبو زيد، ناشرِ علومِ الإمام ابن القيم وفقهِهِ وتراثِهِ -أحسنَ الله إليه وبارك في عمره-.
وقد مهَّدْت بين يدي الكتاب بمباحث متعددة هي:
* اسم الكتاب.
* تاريخ تأليفه.
* إثبات نسبته للمؤلف.
* التعريف بالكتاب، فيه:.
أهميته، وميزاته، ومنزلته بين كتب المصنِّف.
(1)
ومن الغرائب أن نسخ "البدائع" كثيرة جدًّا، أما كتاب "الفوائد" فلم نعثر له إلا على نسخة فريدة -هي التي طبع عنها الكتاب أول ما طبع- فهل كان "البدائع" أكثر شهرة وتداولاً من "الفوائد"؟!.
• العلوم التي حواها، ومُجْمَل ترتيبه.
• علاقته بكتاب "الفوائد".
• سماتُ الكتاب ومعالم منهجه.
* إفادة العلماء منه ونقولهم عنه، وثناؤهم عليه.
* موارده فيه.
* بَيْن ابن القيم في (البدائع) والسُّهيلي في (النتائج).
* مختصراته والمباحث المستلَّة منه.
* طبعاته.
* نسخه الخطيَّة.
* منهج العمل فيه.
* نماذج من النسخ الخطيَّة.
وأنا أرجو -بعملي هذا- أن أكون قد أسهَمْتُ في توسيع دائرة الإفادة من الكتاب، بما أقمتُ من نصِّه؛ وبما أظهرتُ من مكنونات علومه وفوائده؛ وبما كشفتُ من خبايا زواياه؛ وبما قدَّمْتُ بين يدي الكتاب من مباحث بسطتُ القولَ فيها بما يُلاقىِ مكانةَ الكتاب ومكانةَ مؤلِّفِه، مع اعترافي قبل: ذلك وبعده بالعجز والتقصير، والله المستعان.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد.
وكتب
علي بن محمد العمران
9/ ربيع الأول/ 1424
في مكة المكرمة حرسها الله تعالى