الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة وتشجيع الحياة الأدبية
حين تحدثت عن أمراء الطوائف في فصل سابق قلت إنه لم يكن من تفاوت كبير بين تلك الإمارات فيما تنتهجه من نظم سياسية أو إدارية. غير أن التباين الحقيقي كان واضحا في الصيغة الأدبية والعلمية التي انتحلتها كل أمارة، وكان هذا أيضا تابعا لميول الفرد الواحد دون الآخر؛ ولما كان الأدب يومئذ سلعة يصدق عليها مبدأ العرض والطلب، كان نفاقها بمقدار ميل الأمير لها أو حاجته إليها أو قدرته على تقديرها واستساغتها.
ففي الدولة الصمادحية كان محمد بن معن الذي تلقب بالمعتصم بالله والواثق بفضل الله يعقد المجالس يقصره للمذاكرة ويجلس يوما في كل جمعة للفقهاء والخواص فيتناظرون بين يديه في كتب التفسير والحديث، ولزم حضرته فحول الشعراء كأبي عبد الله الحداد - وفيه استفرغ شعره - وكابن عبادة وابن مالك القرطبي والأسعد بن بليطة وأبي حفص بن الشهيد (1) وكان كاتبه ابا محمد بن عبد البر ومن مداحه ابن الطراوة
(1) الحلة: 80 والذخيرة 1⁄2: 239.
النحوي الذي قصده أثناء تجواله معلما في بلاد الأندلس (1) واشتهر بمدحه أبو الفضل ابن شرف (2) كما أن أبا طاهر يوسف بن محمد الاشكركي العالم اللغوي جعل أكثر أمداحه في المعتصم (3) .
وكان المظفر؟ من بني الأفطس أصحاب بطليموس - حسب قول ابن بسام: اديب ملوك عصره غير مدافع ولا منازع، وله التصنيف الرائق والتأليف الفائق المترجم بالتذكرة، والمشتهر اسمه أيضا بكتاب " المظفري " في خمسين مجلدة، يشتمل على فنون وعلوم من معان وسير ومثل وخبر وجميع ما يختص به علم الأدب (4) ؟.؛ وكان لهذا الأمير رأي في الشعر فريد يستحق التنويه، فقد روي عنه أنه روي عنه أنه كان ينكر الشعر على قائله في زمانه، ويقيل رأي من ارتسم في ديوانه ويقول: من لم يكن شعره مثل شعر المتنبي أو شعر المعري فليسكت (5) .
وكان المتوكل ابنه رحب الجناب للوافدين، معروفا بمهارته هو نفسه في الشعر والنثر (6) . ولذلك لم تقصر حضرة بطليموس في زمان المظفر وابنه في تشجيع الأدب نثرا وشعرا، فكان في طليعة رجالها المشهورين بالشعر والنثر عبد المجيد بن عبدون، ومن شعرائها ابن البين البطليموسي وابن البنت الترجلي، ومن كتابها أبو بكر عبد العزيز بن سعيد البطليموسي وأبو بكر ابن قزمان (الأكبر) ، ومحمد بن ايمن وغيرهم.
ويقول ابن حيان في أبي الجيش مجاهد العامري، صاحب دانية
(1) المغرب 2: 208.
(2)
المغرب 2: 447.
(3)
المغرب 2: 447.
(4)
الذخيرة - القسم الثاني " المخطوط ": والبيان المغرب 3: 236 - 237
(5)
الذخيرة - القسم الثاني " المخطوط ": 255.
(6)
المغرب 1: 364.
والجزائر الشرقية: " كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عني بذلك من صباه وابتداء حاله إلى حين اكتهاله، ولم يشغله عن التزيد عظيم ما مارسه في الحروب برا وبحرا، حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة، وكانت دولته أكثر الدول خاصة وأسرارها صحابة، لانتحاله الفهم والعلم، فأمه جلة العلماء، وأنسوا بمكانه، وخيموا في سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء أهل قرطبة وغيرها جملة وافرة وحلبة ظاهرة، على أنه كان مع أدبه من أزهد الناس في الشعر، وأحرمهم لأهله وأنكرهم على منشده، لا يزال يتعقبه عليه كلمة كلمة، كاشفا لما راع فيه من لفظه وشرفه، فلا تسلم على نقده قافية، ثم لا يخلو التخلص من مضماره على الجهد لديه بطائل، فلا يحظى منه بنائل، فأقصر الشعراء عن مدحه، وخلا الشعر من ذكره "(1) . ومن ثم يمكن القول، أن الصبغة العلمية كانت هي الغالبة على بلاط مجاهد العامري، فاجتمع لديه من العلماء أبو عمرو المقرىء وابن عبد البر وابن معمر اللغوي وابن سيده، فشاع العلم في حضرته حتى فشا في جواريه وغلمانه، فكان له من المصنفين عدة، يقومون على قراءة القرآن ويشاركون في فنون من العلم (2) . وله ألف ابن سيده معجميه: المحكم والمخصص.
وقد ولى مجاهد على جزيرة ميورقة أبا العباس أحمد بن رشيق وكان هذا الرجل كاتبا بارعا مشاركا في مختلف العلوم ميالا بوجه خاص إلى الحديث والفقه، ولذلك جمع حوله في تلك الجزيرة حلقة من العلماء والصالحين، وهو الذي آوى الفقيه ابن حزم حين ضاقت به بلدان
(1) الذخيرة - القسم الثالث " المخطوط ": 7.
(2)
الأعلام: 218.
الأندلس الأخرى، وبين يديه جرت المناظرة بين ابن حزم وأبي الوليد الباجي (1) .
ولا تحدثنا المصادر بشيء ذي بال عن مدى تشجيع الدولة الجمهورية بقرطبة للأدب والعلم وإن كانت قرطبة قد انجبت في هذا العصر ابن زيدون وابن حيان المؤرخ وولادة الشاعرة وأبا الحسن ابن سراج وغيرهم من الأدباء والعلماء. ونسمع أن عبد الرحمن بن فتوح ألف كتابا عنوانه " بستان الملوك " رفعه إلى ابن جهور أيام إمارته بقرطبة (2) ولكن يبدو أن بلاط قرطبة لم يعد كما كان في عهود الخلفاء الأمويين والحجاب منتجعا للشاعر والأديب ومأوى العلماء والمؤلفين.
وكذلك ليس في المصادر صورة واضحة عن بلاط بني القاسم بالبونت وعن مدى اهتمامهم بالأدباء والعلماء والشعراء، إلا أن ابن حزم اثنى في رسالته في فضل أهل الأندلس على ابي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم صاحب البونت وذكر انه حضر مجلسه وهو " المجلس الحافل بأصناف الآداب والمشهد الآهل بأنواع العلوم "(3) .
ولم تزدهر الآداب والعلوم حول بني ذي النون بطليطلة فقد كان إسماعيل شديد البخل، لم يرغب في صنيعة ولا سارع إلى حسنة، فما أعملت إليه مطية، ولا استخراج من يده درهم في حق ولا باطل (4) وتغيرت الحال فليلا في عهد ابنه المأمون إذ ضم بلاطه جماعة من الغرباء منهم ابن شرف القيرواني وابن خليفة المصري وابو الفضل البغدادي
(1) الحلة: 92.
(2)
الذخيرة 1⁄2: 273.
(3)
النفح 4: 154.
(4)
المغرب 2: 12.
وكان لديه عدد من مشاهير الكتاب (1) ؛ كما كان أحد شعرائه وهو ابن أرفع رأسه الوشاح طليطلي الأصل (2) وللمأمون بن ذي النون صنف ابراهيم بن وزمر الحجازي كتاب " مغناطيس الأفكار فيما تحتوي عليه مدينة الفرج من النظم والنثر والأخبار "(3) وصنف له عبد الرحمن بن فتوح كتاب " الأعراب في رقائق الآداب "(4) وله أهدى المؤرخ ابن حيان أحد كتبه التاريخية.
وربما كان احتفال بني زيري أصحاب غرناطة بالأدب أقل أيضا من بني ذي النون؛ وكان وزيرهم ابن النغريلة اليهودي ذا حظ من الشعر والأدب، وقد قصده المداحون، ومنهم الاخفش القبذاقي (5) . وكان عبد الملك بن هذيل صاحب السهلة؟ مع شرفه وأدبه - متعسفا على الشعراء متعسرا بمطلوبهم في ميسور العطاء (6) اما أبو طاهر ابن عبد الرحمن صاحب مرسية فكان جوادا ممدحا ينتجعه الشعراء ويقصده الأدباء، وقد انتجعه أبو بكر بن عمار ايام خموله (7) . وكان بنو هود أصحاب سرقسطة ممن غلبت عليهم؟ دون ملوك الطوائف - الشجاعة والشهامة وقبضوا أيديهم فقلت امداحهم وترك الشعراء انتجاعهم إلا في الغب والنادر، على سعة مملكتهم ووفور جبايتهم (8) وكان المقتدر منهم محبا للفلسفة والرياضة
(1) المغرب 2: 12.
(2)
المغرب 2: 18.
(3)
Abbadidarum 2:141
(4)
الذخيرة 1⁄2: 273.
(5)
المغرب 2: 182.
(6)
الحلة: 88.
(7)
الحلة: 90.
(8)
الحلة: 158.
والفلك، ومن كتابه المشهورين أبو المطرف بن الدباغ وابن حسداي، وكان لابن المؤتمن مثل ما لأبيه من شغف بالعلوم الرياضية، حتى انه ألف كتابا سماه " الاستكمال ". ويقول الأمير عبد الله بن زيري في مذكراته: كان المؤتمن رجلا عالما قد طالع الكتب (1) . وممن نشأ في عاصمة بني هود ابن باجة الفيلسوف ومن مداحهم ابن خير التطليليوابن معلى الطرسوني (2) وللمؤتمن ابن هود ألف نصر بن عيسى كتابا في العروض (3) .
هذه صورة تنطق بجملة من الحقائق، فهي بعد ان تنفى طبيعه المبالغات العامة التي تربط بين ازهار الأدب في هذا العصر وحركة التشجيع " الرسمي " في بلاطات الأمراء تدلنا على أن تلك الامارات وقد عددنا منها تسعا كانت تتباين تباينا شديدا في طبيعة اهتمامها أو قل اهتمام الافراد أصحاب النفوذ فيها، بين دراسات لغوية وقرآنية وادبية عامة إلى دراسات علمية؟ هندسية وفلكية، وأخرى فلسفية، وأن الشعر بخاصة يسير الحظ من التشجيع، أن لم نقل إنه كان في أكثر الحالات " غريب اليد واللسان ". وبالمقارنة نستطيع ان نتبين كيف أن الاحكام التي نطلقها على ازدهار الشعر مستمدة من تصورنا لما كانت عليه الحال في بلاط بني عباد بأشبيلية، فقد أصبح هذا البلاط - واصحابه عرب ذوو نزعة شعرية واضحة - مقصدا للشعراء من انحاء مختلفة؛ فقد كان المعتضد شاعرا، وكان ابنه المعتمد اكبر شاعر امير في عصره، ومن حولهما تجمع أعظم شعراء العصر، من أمثال ابن عمار وابن اللبانة وابن حمديس الصقلي وعبادة القزاز وابن عبد الصمد وعبد الجليل بن وهبون، وعشرات
(1) المذكرات: 78.
(2)
المغرب: 2: 450، 457.
(3)
التكملة: 746.
غير هؤلاء. ولا ريب في ان هذه الصبغة الشعرية هي التي تجعل حظ اشبيلية من العظمة الادبية مثل حظ اختها قرطبة في العصر السابق. هذا إلى جانب ضروب اخرى من التشجيع الادبي، فللمعتضد ألف الاعلم الشنتمري شرح الاشعار الستة وشرح الحماسة، وألف غيره دواوين وتصانيف لم تخرج إلى الناس (1) ، وباسمه طرز ابن شرف تأليفه المسمى " أبكار الأفكار " وبعث به إليه دون ان يلتحق ببلاطه، وكان من قبل قد وسمه باسم بن حبوس (2) .
غير اننا يجب ان نتذكر ان هذه الصورة قاصرة، لأنها لا تمثل لإلا علاقة الادب بالحكام، وهي لذلك تعجز ان تنقل لنا مدى النشاط الأدبي والفكري الذي نشأ مستقلا بقوة التطور في هذا العصر وفي أبعاده الحضارية. فهناك الشعر الذي لم يتصل ببلاط الملوك، وهناك المؤلفات الدينية والفلسفية التي انبثقت دون حافز مادي أو تشجيع من ذوي السلطان. وقد كانت العادة ان يؤلف المؤلف كتابا ثم يحاول ان يرفعه إلى أحد الأمراء رجاء الصلة، وهذا شيء مختلف عن اندفاع الأمير نفسه عامدا ليكون حاميا لحركة التأليف. ولو كان الأمر في هذه الناحية معلقا بالرغبة في التقرب من اولي الامر وفي خدمتهم لكان ما ألف في شتى العلوم بحافز من رغبة الحكم المستنصر وإشرافه؟ في العصر الاموي - يفوق كل ما بعث عليه أمراء الطوائف مجتمعين. إلا أن الشعر ينفرد بحكم خاص لأنه شديد الارتباط بالكسب، ولذلك كان اكثر اصحابه بحاجة إلى عطايا الأمراء.
ولما قامت دولة المرابطين، لم يبلغ لديهم تشجيع الادب والتأليف
(1) البيان المغرب 3: 284.
(2)
الذخيرة 4/1: 138.
عامة، والشعر خاصة، ما بلغه الحال في بلاط بني عباد، غير أن الوضع في عهدهم لم يكن أسوأ حالا مما كان لدى بقية دول الطوائف. ولعل الصورة العامة في تميز عصر الطوائف على عصر المرابطين في هذا الصدد، مستوحاة من العصبية الأندلسية التي يمثلها أثر أدبي، كرسالة أبي الوليد الشقندي. فقد أسرف الشقندي في الثناء على امراء الطوائف وزعم أنه:" ما كان أعظم مباهاتهم إلا قول العالم الفلاني عند الملك الفلاني " والشاعر الفلاني مختص بالملك الفلاني؟ وقد سمعت ما كان من الفتيان العامرية: مجاهد ومنذر وخيران، وسمعت عن الملوك العربية: بنو عباد وبنو صمادخ وبنو الأفطس وبنو ذي النون وبنو هود، كل منهم قد خلد فيه من الأمداح ما لو مدح به الليل لصار أضوأ من الصباح، ولم تزل الشعراء تتهاوى بينهم تهادي النواسم بين الرياض، وتفتك في أموالهم فتكة البراض " (1) . وإزاء هذا الثناء أنحى باللأئمة والذم على أمراء المرابطين فقال:" وبالله إلا ما سميت لي بمن تفخرون قبل هذه الدعوة المهدية: أبسقوت الحاجب، أم يصالح البرغواطي، أم بيوسف بن تاشفين الذي لولا توسط ابن عباد بشعراء الأندلس في مدحه، ما أجروا له ذكرا، ولا رفعوا لملكه قدرا، وبعدما ذكروه بواسطة المعتمد فإن المعتمد قال له، وقد أنشدوه: أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟ قال لا أعلم، ولكنهم يطلبون الخبز ". ولما انصرف المعتمد إلى حضرة ملكه، كتب ليوسف رسالة ليقول فيها:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
…
شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت
…
سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
(1) النفح 4: 180.
فلما قرىء عليه هذان البيتان قال للقارىء: يطلب منا جواري سودا وبيضا؟ قال: لا يا مولانا، ما أراد إلا أن ليلة كان بقرب أمير المسلمين نهارا، لأن ليالي السرور بيض، فعاد نهاره ببعده ليلا لأن ليالي الحزن ليال سود. فقال: والله جيد، اكتب له في جوابه إن دموعنا تجري عليه، ورؤوسنا توجعنا من بعده " (1) .
تلك هي الصورة التي رسمها الشقندي لحال المرابطين، وليوسف ابن تاشفين خاصة؟ من حيث علاقتهم بالشعر وتقديره وتذوقه. ونحن نعلم أن الشقندي يكتب رسالته ليفخر بالاندلس على بر العدوة - موطن المرابطين الأصلي؟ وفي موقف المفاخرة والمباهاة تهجين وتزيين، والأمر لا يعدو أن يكون نادرة تقال على سبيل الضحك والتسلية. لأن ابن تاشفين لم يكن يحسن العربية. وما من شك في أن أهل المغرب كانوا أقل حضارة وأقل نصيبا من تقدير الشعر من أهل الأندلس ولكن هذه الاخبار تدل على نقمة الأندلسيين على المرابطين باكثر مما تدل على تغير في حال الادباء والشعراء يومئذ، فالشعراء الذين ادركوا عصر المرابطين هم الشعراء الذين كانوا في ظلال امراء الطوائف. ثم إذا كان هذا القول يصدق على يوسف بنتاشفين فأنه لا يصدق على من جاءوا بعده أو على امراء المغاربة الذين عاشوا في الأندلس وتشبهوا بالأندلس في تقريب الشعراء والادباء. والحق هنا في ما قاله الاستاذ غومس: " بيد ان الشعر الاندلسي لم يمت في عصر المرابطين وكل ما حدث انه كيف نفسه بما يلائم الظروف الجديدة التي احاطت به. بيد انه من الانصاف ان تقرر ان خلفاء يوسف بن تاشفين لم يلبثوا ان استسلموا لسلطان الثقافة الاندلسية القاهر واصبحوا اقرب إلى الاندلسين منهم إلى الأفارقة فحفلت
(1) النفح 4: 181 ونقل النص الأستاذ غرسيه غومس في كتابه الشعر الأندلسي: 26 - 27.
دواوين إنشائهم بالناثرين والكتاب ممن تخلفوا عن عصر الطوائف "، ثم عد الاستاذ غومس بعض الكتاب والشعراء الذين عاشوا في ظل المرابطين (1) .
نعم إن بعض الشعراء؟ كما يقول ابن بسام - ولما صمت ذكر ملوك الطوائف بالأندلس طوى الشعر على غره وبرىء من حلوه ومره الا نفثة مصدور والتفاتة مذعور " (2) ، ولكن هناك شعراء آخرون مثل ابن خفاجة كانوا قد صمتوا في عصر الطوائف وانطلقت شاعريتهم ثانية في عصر المرابطين. ولست انكر أن الق الصبغة الشعرية الذي كان يزين بلاط بني عباد قد ضاع، وأنه ضاع لذلك مجد من يمكن أن نسميه " شاعر البلاط "، أو الشاعر الذي كان يبلغ منصبا كبيرا في الدولة تقديرا لشعره، أما سائر الشعراء فلم يتغير بهم الحال كثيرا. ولسنا نعرف حال الأدب والشعر في عصر المرابطين معرفة شاملة من دراستنا للعلاقة بين الأدب وتشجيع الدولة، فقد رأينا خطأ هذا التصور حين عرضنا لموقف امراء الطوائف من الحياة الادبية والشعر. وكل ما يمكن ان نقوله في هذا المقام ان عصر المرابطين حفل بابن خفاجة وابن الزقاق والأعمىالتطيلي وابن بقي من الشعراء، وأن الموشح بلغ فيه الذروة، وان الزجل على يد ابن قزمان اكتمل صورة وموضوعا - من هذا يحق لنا ان نقول إننا في دراستنا للظاهرة الأدبية يجب أن لا نرى في تشجيع الأمراء للأدب، سر العلة الكبرى في ازدهاره.
(1) الشعر الأندلسي: 27 - 28.
(2)
الذخيرة - القسم الثاني (المخطوط) : 264.